بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
(المتن)
قال الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني رحمه الله تعالى:
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد..
فهذا فيه بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب الذنوب وأصحاب الكبائر من المسلمين.
يبين المؤلف رحمه الله أن عقيدة أهل السنة والجماعة في الموحدين الذين يرتكبون الكبائر ويموتون عليها من غير توبة أنهم تحت مشيئة الله، إن شاء الله تعالى عفا عنهم وغفر لهم بتوحيدهم وإسلامهم وأدخلهم الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبهم بذنوبهم على قدر جرائمهم ثم يخرجون منها إلى الجنة كما قال الله في كتابه المبين إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وإذا عذب في النار فإنه يخرج منها.. في النهاية لا بد أن يخرج منها، إما بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين.
وقد تواترت الأخبار عن رسول الله ﷺ بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون موحدون مصلون، ولا تأكل النار منهم آثار السجود فيعذبهم الله مدة ثم يخرجهم، وقد ثبت أن النبي ﷺ يشفع أربع شفاعات، وكذلك بقية الأنبياء يشفعون، وكذلك الملائكة يشفعون والأفراط يشفعون والصالحون يشفعون والشهداء يشفعون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، فيقول الرب شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؛ فَيُخْرِجُ قَوماً مِن النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ. يعني زيادة على التوحيد والإيمان، هذه عقيدة أهل السنة.
والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون أن صاحب الكبيرة يخلد في النار وهذا مذهب باطل أنكره عليهم أهل السنة وبدعوهم وضللوهم وصاحوا بهم، لأن النصوص في إخراج العصاة من النار متواترة، ومع ذلك أنكرها أهل البدع من الخوارج والمعتزلة.
فالواجب على المسلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة بأن صاحب الكبيرة لا يخلد في النار، خلافاً للخوراج والمعتزلة الذين يرون أنه يخلد في النار، فالخوارج عندهم أن الزاني يكفر ويخلد في النار، ومن شرب الخمر كفر وخلد في النار.
وكذلك المعتزلة يخرجونه من الإيمان ولا يدخلونه في الكفر لكن يخلدونه في النار كالخوارج، من تعامل بالربا عند الخوارج والمعتزلة كفر وخلد في النار كالكافر سواء بسواء نعوذ بالله، ومن عق والديه كفر وخلد في النار وهذا مذهب باطل، عند أهل السنة والجماعة ضعيف الإيمان لا يكفر ولكن يكون ناقص الإيمان.. ضعيف الإيمان.. ولا يخلد في النار بل هو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ثم أخرجه.
كما قال المؤلف رحمه الله هنا، قال ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر كانت أو كبائر فإنه لا يكفر بها، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، من الذي يقول أنه يكفر بها؟ الخوارج والمعتزلة، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها.. هذا هو محل النزاع، محل النزاع إذا خرج من الدنيا غير تائب أما من فعل الكبيرة ثم تاب، تاب الله عليه هذا بالاتفاق، فمن تاب قبل الموت تاب الله عليه، حتى الشرك والذنوب.. من تاب من الشرك قبل الموت تاب الله عليه، والله تعالى قد عرض التوبة على المثلثة النصارى الذين يقولون إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ومع ذلك عرض الله عليهم التوبة، قال الله تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ.
فالتوبة تجب ما قبلها.. جميع الذنوب وليس هناك ذنب لا يغفر أبداً، قال الله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا يعني لمن تاب، أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين من تاب تاب الله عليه حتى عند الخوارج المعتزلة، ولكن محل النزاع من مات على كبيرة من غير توبة هذا هو محل النزاع، فأهل السنة يقولون هو ضعيف الإيمان.. هو ناقص الإيمان أو ضعيف الإيمان، وتحت المشيئة قد يعفى عنه وقد يعذب، قد يعذب في قبره، وقد تصيبه شدائد وأهوال في موقف القيامة، وقد يعذب في النار وقد يعفى عنه، أما الخوارج والمعتزلة فيقولون كافر هو مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية. ويجب على طالب العلم أن يعتني بهذا الأمر حتى لا يقع في معتقد أهل البدع.
يقول المؤلف رحمه الله وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً غير مبتلى بالنار ولا معاقبا على ما ارتكبه من الذنوب واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار وإن شاء عفا عنه، وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، وإن شاء عاقبه.. وإن شاء عاقبه وعذبه.. وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار، الدليل على هذا هو الآية الكريمة إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فهذه الآية في غير التائبين لأن الله خص وعلق، فخص الشرك بأنه لا يغفر، وعلق ما دونه بالمشيئة، فدل على أنها ليست في التائبين، أما آية الزمر وهي قوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا هذه الآية في التائبين، أما آية النساء فهي في غير التائبين لأن الله خص وعلق ، خص الشرك بأنه لا يغفر، وعلق ما دونه بمشيئته، وأما آية الزمر فإن الله عمم وأطلق إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا يعني لمن تاب، من تاب فإن الله يغفر ذنوبه.. من تاب توبة نصوحاً بأن أقلع عن الذنب وندم عليه وعزم على ألا يعود إليه، ورد المظلمة إلى أهلها، وكان قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان فإذا وجدت الشروط فإن الله تعالى يغفر الذنب من أي ذنب كان...نعم
(المتن)
وكان شيخنا سهل بن محمد رحمه الله يقول المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه لا يلقى فيها إلقاء الكفار ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار.
ومعنى ذلك أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوساً في السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلي بالنار فإنه يدخل النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل من غير إلقاء وتنكيس.
ومعنى قوله لا يلقى في النار إلقاء الكفار أن الكافر يحرق بدنه كله كلما نضج جلده بدل جلداً غيره ليذوق العذاب كما بينه الله في كتابه في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ وأما المؤمنون فلا تلفح وجوههم النار، ولا تحرق أعضاء السجود منهم إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده.
ومعنى قوله لا يبقى في النار بقاء الكفار أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبداً، ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين في النار أحداً.
ومعنى قوله ولا يشقى في النار شقاء الكفار أن الكفار ييأسون فيها وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال وعاقبة المؤمنين كلهم الجنة لأنهم خلقوا لها وخلقت لهم فضلاً من الله ومنة.
(الشرح)
نعم.. هذا الكلام الذي نقله المؤلف رحمه الله عن شيخه سهل بن محمد رحمه الله يبين فيه الفرق بين المؤمن العاصي الذي يعذب بالنار والكافر، قال بينهما فروق ثلاثة:
الفرق الأول: أن الكافر إذا دخل النار يلقى منكساً على رأسه يقذف ويدخل في سلسلة من النار ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ، يؤتى به ويقذف في النار على أم رأسه ويدخل في السلسلة سلسلة من النار ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ، أما المؤمن فيدخلها على رجليه مثل السجين الذي يدخل السجن في الدنيا يدخلها وهو يمشي على رجليه، يمشي على رجليه ويدخل النار أما الكافر ينكس فيها تنكيساً على أم رأسه يلقى فيها قذفاً، نسأل الله العافية.
الفرق الثاني: أن الكافر تغمره النار من جميع الجهات وتحرق بدنه (يصلون فيها)، أما المؤمن فلا تغمره من جميع الجهات بل تلهبه النار على حسب أعماله تلهبه لهباً قد تصل النار إلى ركبتيه إلى كعبيه إلى حقويه على حسب المعاصي، أما الكفرة من جميع الجهات تغشاهم النار لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ يصلون من جميع الجهات.
الأمر الثالث: أن الكافر ييأس من رحمة الله ليس له طمع بأن يخرج من النار بل هو يائس والعياذ بالله أبد الآباد، وأما المؤمن فإنه لا ييأس بل يرجو رحمة الله ويرجو الخروج من النار، لأن دخوله مؤقت لأن المؤمن الموحد أصله.. الأصل أنه من أهل الجنة هو خلق للجنة لكن هذه المعاصي خبث لا بد أن يطهر منه، فمنهم من يطهر منها بعفو الله فإذا عفا الله عنها طهر منها، وإذا لم يعف عنه فلا بد أن يطهر بالنار، مثل النجاسة التي تصيب الثوب والبدن لا بد من غسلها، فنجاسة المعاصي تغسل بالنار إذا لم يعف الله عنها حتى يطهر فإذا طهر أخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين.
هذا كلام أبو الطيب يقول أن الفرق بين دخول الكافر ودخول المؤمن من ثلاثة أوجه، ننظر إلى كلامه قال: وكان شيخنا الإمام أبو الطيب رحمه الله يقول المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه لا يلقى فيها إلقاء الكفار ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار، ومعنى ذلك أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوساً في السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلي بالنار فإنه يدخل النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل.. على رجله وليس على أم رأسه، الكافر ينكس على أم رأسه، والمؤمن العاصي يدخل النار على رجله من غير إلقاء وتنكيس.
ومعنى قوله لا يلقى في النار يعني الكافر يحرق بدنه كله من جميع الجهات، كلما نضج جلده بدل جلدا غيره ليذوق العذاب، كما بينه الله في كتابه يقول تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا يعني من جميع الجهات كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ وهذا تبديل تجديد يعني يجدد الجلد وما يؤتى بجلود أخرى، نفس الجلد، يبدل يعني يجدد، كلما نضج جدد من جديد حتى يستمر في العذاب نسأل الله السلامة والعافية، أما المؤمن فلا تلفح وجهه النار ولا تحرق أعضاء السجود ولا تلفح وجهه النار، الكافر تلفح وجهه النار والمؤمن لا تلفح وجهه النار، المؤمن المصلي لا تأكل النار مواضع السجود منه الجبهة واليدين والركبتين، مكان السجود لا تأكله النار.. تأكل بقية جسده، أما الكافر.. الكافر غير مصلٍ فتلفحه النار من جميع الجهات نعوذ بالله.
ولهذا قال المؤلف وأما المؤمنون فلا تلفح وجوههم النار، ولا تحرق أعضاء السجود منهم إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده، ولهذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، وفي اللفظ الآخر كلُّ ابنِ آدَمَ تَأكُلُهُ النَّار إلَّا أَثَرَ السُّجُودِ.
ومعنى قوله (لا يبقى في النار بقاء الكفار) أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبداً. (ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين في النار أحداً) الكافر مخلد خلوداً مؤبد، والمؤمن العاصي لا يخلد، وإن خلد بأن طال مكثه.. بعض العصاة يطول مكثه لكن يكون خلوده خلوداً مؤمد له أمد ونهاية، وخلود الكفار خلود مؤبد لانهاية له، ولهذا قال الله تعالى في القاتل مخلد خالداً فيها.
فالخلود خلودان خلود مؤبد لا نهاية له، هذا خلود الكفرة.و الثاني خلود مؤمد له نهاية، وهو خلود العصاة الذين اشتدت جرائمهم أو كثرت.
ولهذا قال المؤلف ومعنى قوله ولا يشقى في النار شقاء الكفار أن الكفار ييأسون فيها من رحمة الله ولا يرجون راحة بحال، وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله، يعني المؤمنين العصاة الذين دخلوا النار فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال وعاقبة المؤمنين كلهم الجنة.. النهاية الجنة .. لأنهم خلقوا لها وخلقت لهم فضلاً من الله ومنة... نعم..
(المتن)
اختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمداً:
فكفره بذلك أحمد بن حنبل رحمه الله وجماعة من علماء السلف، وأخرجوه به من الإسلام؛ لقوله ﷺ في الخبر الصحيح بَيْنَ العّبدِ وّالشِّركِ تّركُ الصَّلاةِ، فَمَن تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَد كَفَرَ.
وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقداً لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام. وتأولوا الخبر من ترك الصلاة جاحداً لها، كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ولم يكن تلبس بكفر ففارقه، ولكن تركه جاحداً له
(الشرح)
نعم وهذه المسألة مسألة عظيمة، وهي مسألة حكم تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، ما حكمها؟ وهي مسألة عظيمة وجديرة بالعناية والبحث ولهذا اعتنى بها العلماء.
أما من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين وليس هذا محل النزاع، من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين حتى ولو صلى، إذا جحد وجوب الصلاة كفر، حتى لو جحد الزكاة كفر ولو زكى، لو جحد الصوم كفر وقال الصوم ليس واجباً فمن شاء صام ومن شام أفطر يكفر بإجماع المسلمين، وكذلك لو جحد تحريم الزنا يكفر ولو لم يزن، أو جحد تحريم الربا يكفر ولو لم يراب، أو جحد شرب الخمر يكفر ولو لم يشرب الخمر، ليس محل النزاع، واضح؟. فمن جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وجوبه، أو أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، هذا كافر بالإجماع، ليس في ذلك خلاف بإجماع المسلمين، من جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة أو وجوب الصوم أو وجوب الحج أو غير ذلك مما هو أمر معلوم من الدين بالضرورة وجوبه فهذا يكفر بالإجماع، أو جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، كأن جحد تحريم الزنا، تحريم الربا، تحريم الخمر، تحريم عقوق الوالدين.
أما الشيء المختلف فيه لا يكفر، لو جحد الوضوء من أكل لحوم الإبل فلا يكفر لأن المسألة خلافية بعض أهل العلم يرى الوجوب، وبعضهم لا يرى الوجوب، ولو جحد تحريم الدخان، هل يفكر؟ نقول لا يكفر لأن المسألة فيها شبهة، وإن كان الصواب أن الدخان حرام، لكن قد يكون عند بعض الناس شبهة، وبعض الناس قد يجد من يفتيه من غير هذه البلاد بأن الدخان ليس بحرام، فلأجل الشبهة لا يكفر ولكن تحريم الخمر فإنه يكفر.. من حجد تحريم الخمر هذا مجمع على تحريمه بالإجماع.
محل النزاع الذي ذكره المؤلف في ترك الصلاة وهو يؤمن بوجوبها ويعتقد أنها فريضة ولكنه تركها كسلاً وتهاوناً، حمله على ذلك الكسل والتهاون، هو يعتقد بأنها واجبة ويعلم أنها واجبة، ما حكمه؟ هل يكفر أو لا يكفر؟ فيها قولان لأهل العلم.. في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنه يكفر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وهذا هو الذي أجمع عليه الصحابة، و نقل الإجماع على هذا.. إجماع الصحابة التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي ، فإنه قال رحمه الله كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. إذاً هذا إجماع نقل عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر، ونقله أيضاً إسحاق بن راهويه الإمام المشهور قرين الإمام أحمد رحمه الله نقل إجماع العلماء على تكفير تارك الصلاة، ونقل الإجماع أيضاً أبو محمد بن حزم رحمه الله.. نقل الإجماع هذا أيضاً.
إذاً الصحابة أجمعوا على أن من ترك الصلاة تكاسلاً وتهاوناً فهو كافر كفراً مخرجاً من الملة، واضح هذا؟، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي ، ومذهب جماعة كبيرة من السلف كـإسحاق بن راهويه وعامر الشعبي وأبي عمرو الأوزاعي وجماعة عدد كبير من التابعين والأئمة.
وهو الذي تدل عليه النصوص.الصريحة، من تلك النصوص الصريحة التي تدل على كفر تارك الصلاة ما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن جابر ر أن النبي ﷺ قال بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وجه الدلالة فيه من وجهين:
الوجه الأول أنه أتى بأل في الكفر، وهذه تفيد الاستغراق، ولو كان كفراً أصغر لأتى بالكفر المنكر، مثل حديث اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ...، فأل إذا دخلت على الكفر دلت على الاستغراق وأن المراد هو الكفر الأكبر.
وثانياً أن النبي ﷺ جعل الصلاة حداً فاصلاً بين الكفر وبين الإيمان، فالبينية تفصل بين الشيء وغيره، بين كذا وبين كذا، بين الرجل وبين الكفر، إذا جعل النبي ﷺ حداً فاصلاً بين ماذا؟ بين الكفر وبين الإيمان.
وكذلك أيضاً من الأدلة الحديث الذي رواه بريدة بن الحصيب رواه أهل السنن والإمام أحمد بسند جيد أن النبي ﷺ قال الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ. فجعل الصلاة حداً فاصلاً بين المسلم والكافر.
ومن الأدلة الصريحة ما ثبت في صحيح البخاري عن النبي ﷺ عن بريدة بن الحصيب أن النبي ﷺ قال مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه، والذي يحبط عمله هو الكافر، المؤمن لا يحبط عمله بالمعصية، فلما عبر النبي ﷺ بحبوط العمل دل على أنه كافر، الدليل على أن الذي يحبط عمله إنما هو الكافر قول الله تعالى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وقال سبحانه وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ إذاً الذي يحبط عمله من هو؟ الكافر.
ومن الأدلة أيضاً أن النبي ﷺ قال مَنْ تَرَكَ صَلاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ.
ومن الأدلة أيضاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ﷺ ذكر الصلاة يوماً فقال مَن حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورُ وَلَا بُرْهَانُ وَلَا نَجَاةُ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، رؤوس الكفر، فكونه يحشر مع هؤلاء الكفرة دليل على أنه كافر مثلهم. قال بعض العلماء إنما يحشر مع هؤلاء الأربعة لأنه إن اشتغل عن الصلاة برئاسته وملكه حشر مع فرعون ملك مصر الذي ادعى الربوبية، وإن اشتغل عن الصلاة بوزارته حشر مع هامان وزير فرعون، وإن اشتغل عن الصلاة بأمواله فإنه يحشر مع قارون صاحب الأموال من بني إسرائيل، وإن اشتغل عن الصلاة بتجارته وشهواته ووظائفه حشر مع أبي بن خلف ، فهذا يدل على كفر تارك الصلاة.
ومن الأدلة أيضاً حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم المراد بالأئمة هنا ولاة الأمور وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونَهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ. قلنا يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، يعني لا تقاتلونهم ما داموا يقيمون الصلاة. هذه الجملة لها مفهوم ولها منطوق، منطوقها أنهم إذا أقاموا الصلاة فهم مسلمون لا يقاتلون، ومفهومها أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار يقاتلون، ويدل على هذا أيضاً الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم في قصة.. في المنع من الخروج على الأمراء، وهو أن النبي ﷺ قال.. منع من الخروج على ولاة الأمور قال إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. كُفْرًا، بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.. ثلاثة شروط، وهنا قال لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح، إذاً إذا جمعت بين الحديثين.. حديث لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، وحديث إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. دل على أن ترك الصلاة كفر بواح،واضح هذا؟ فهذه الأدلة واضحة صريحة، وهذا إجماع الصحابة وإجماع العلماء.
وأما المتأخرون ذهبوا إلى أن ترك الصلاة كفر أصغر لا يخرج من الملة، وهو مشهور عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي المتأخرين، ذهبوا إلى أن كفره كفراً أصغر، واستدلوا على ذلك بأنه مؤمن مصدق، وما دام أنه مصدق فلا نجعله كالكافر.
واستدلوا أيضاً بنصوص فضل التوحيد وأن الموحد لا يخلد في النار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟! قال مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، وفي لفظ مُخلِصاً، وفي لفظ خَالِصًا، وفي لفظ غَيرَ شَاكٍّ.
وفي حديث عتبان فإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ واضح هذا؟ وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها.
والجواب عنها، الجواب أن هذه الأحاديث التي فيها فضل التوحيد مقيدة بعدم ترك الصلاة؛ لأن أداء الصلاة شرط في صحة التوحيد، نقول من ترك الصلاة فهو ليس بموحد، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ، هل يمكن أن يكون الإنسان يبتغي وجه الله ويترك الصلاة؟ لا يمكن، فإذاً الصلاة شرط في صحة التوحيد والإيمان، فنقول من لم يصل فليس بموحد ولا مؤمن، وتنتقض عليه كلمة لا إله إلا الله، لو قال لا إله إلا الله ولم يصل بطلت، مثل لو قال لا إله إلا الله ثم سب الله، أو سب الدين، أو سب الإسلام، يبقى التوحيد وإلا يذهب؟ يذهب! شخص قال لا إله إلا الله..قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم سب الله أو سب الرسول ﷺ وسب الدين هل يبقى موحد أم ينتقض التوحيد؟ ينتقض توحيده، كذلك من قال لا إله إلا الله ولم يصل فإن توحيده ينتقض ترك الشرط كذا الذي يصلي ولم يتوضأ، هل تصح صلاته؟ لا لماذا؟ لأن الطهارة شرط في الصلاة، فكذلك الصلاة شرط في صحة التوحيد، من قال لا إله إلا الله ولم يصل لم يصح توحيده ولا إيمانه.
وبهذا يتبين أن القول بكفر تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً هو الصواب أما القول الثاني فيقول يكفر كفراً أصغر.
واتفقوا جميعاً على أنه يقتل، لكن من قال إنه يكفر كفراً أكبر يقول يقتل ولا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، ولا يرث ولا يورث. وأما الذين قالوا لا يكفر، فإنهم قالوا يقتل حداً، ويغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين في مقابرهم. وأما أبو حنيفة فقال يحبس حتى يتوب أو يموت.. يحبس ويعزر يجلد ويضرب ويحبس.. نتركه في الحبس حتى يموت أو يصلي. والآخرون قالوا يقتل لا يحبس يستتاب فإن تاب أو قتل قطعنا رقبته ونغسله ونصلي عليه ، أما الصواب الذي عليه الجمهور أنه يقتل كفراً، ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم.
الآن عرفنا حكمه.. الآن نقرأ كلام المؤلف رحمه الله.. قال المؤلف رحمه الله تعالى حكم تارك الصلاة. وإنما تكلمت يعني لأن هذه المسألة قد عمت بها البلوى الآن، فهناك كثير من الناس والعياذ بالله صاروا لا يبالون بالصلاة، طيب من يتركها حتى خرج وقتها، حديث بريدة في البخاري مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه، يدل على أنه يكفر، ومن ذلك الشخص الذي لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس، الصلاة محدد وقتها بطلوع الشمس، ولو صلى الإنسان قبل دخول الوقت هل تصح؟ لا تصح صلاته، وإذا صلى بعد خروجها لا تصح إلا من عذر وهذا لا عذر له، فليس نائم ولا معذور عذرا يعذر فيه ولا متأول ولا ناسٍ، الناسي هذا معذور، من نام عن صلاة فإنه يصليها إذا ذكرها، لكن إذا كان الإنسان متعمداً يومياً لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس، كأن يرتب الصلاة على العمل، الساعة على العمل فيستيقظ مرة واحدة لعمله وصلاته وخططه ، ماحكمه؟ أفتى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً لأنه لم يؤد الصلاة في الوقت، ويفتي بهذا سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز رحمة الله عليه وجمعنا وإياه في جنته يفتي بأنه الشخص الذي لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس دائماً أنه كافر لأنه لم يؤد الصلاة في الوقت، إذا كان باستمرار. أما الذي تفوته الصلاة مع الحرص وجعل أسباباً توقظه لكن فاتت عليه بدون اختياره هذا معذور، لكن الشخص الذي لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس باستمرار، حتى إنه لو نبه لا يريد الصلاة هذا معناه تعمد تأخير الصلاة عن وقتها، فالأمر جد خطير.
يقول المؤلف رحمه الله واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمداً، فكفره بذلك أحمد بن حنبل. يعني في أحد الروايتين، وإلا فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه كفر أصغر. وجماعة من علماء السلف وأخرجوه به من الإسلام.. بأي شي؟ بهذا الحكم للخبر الصحيح المروي عن النبي ﷺ أنه قال بَيْنَ العّبدِ وّالشِّركِ تّركُ الصَّلاةِ، فَمَن تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَد كَفَرَ.
وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر به يعني لا يكفر كفراً أكبر، لكنه يكفر كفراً أصغر ما دام معتقداً لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام. يعني طائفة قالت يقتل حداً مثلما يقتل الزاني المحصن ومثلما يقتل القاتل هذا يقتل حداً. وتأولوا الخبر الذين قالوا لا يكفر بماذا أجابوا عن الحديث بَيْنَ العَبدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ، تأولوا الخبر (من ترك الصلاة جاحداً لها). ويقولون لو أراد الرسول ﷺ لقال جاحداً، والرسول ﷺ لم يقل جاحداً،كيف نزيد في كلام الرسول ﷺ؟ قالوا من ترك الصلاة يعني فقد كفر يعني من ترك الصلاة جاحداً لها هذا تأويل أهل القول الثاني، قالوا عندنا دليل، دليلنا أن الله سبحانه أخبر عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ قالوا إن المراد بقوله تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ يعني تركتها جاحداً لها ولا يلزم من ذلك أن يكون تلبس بالكفر، فكذلك قوله من ترك الصلاة حاجداً يعني من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها لكن هذا التأويل ليس بظاهر، والصواب القول الأول.. نعم..
(المتن)
(الشرح)
نعم من قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى لا ينكرون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه. أهل السنة يقولون إن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، فأفعال العباد مخلوقة لله، الله تعالى خلق ذاته وصفاته وأفعاله مخلوقة كما قال تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ لكن العبد له اختيار وله مشيئة وله فعل إلا أن مشيئته تابعة لمشيئة الله، العبد له اختيار
أنت الآن موجود مثلاً تأتي إلى المسجد، تحضر الدورة، وأنت في البيت تستطيع أن تجلس في البيت وتستطيع أن تأتي، لك اختيار لا أحد يمنعك أنت تفعل..يفعل الإنسان باختياره وليس مجبوراً، فالإنسان له اختيار ومشيئة إلا أن مشيئته واختياره تابع لمشيئة الله، وهو مخلوق لله بذاته وأفعاله كما قال تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
وهناك طائفتان منحرفتان:
الطائفة الأولى: الجبرية.. الجبرية، قالوا إن العبد مجبور على أفعاله.. أفعاله مجبوراً عليها وليس له اختيار، كالريشة في الهواء، قالوا بأن الأفعال أفعال الله، أنت إذا صليت فهذا فعل الله، والله هو المصلي والصائم، والأفعال التي تفعلها أنت وعاء للأفعال وإلا فالله هو الفعال، فالعباد بمثابة وعاء للأفعال والله تعالى هو الذي يفعل بهم ذلك، قالوا مثل الله في ذلك مثل إنسان عنده كوب ويصب فيه الماء، فالعباد كأنهم كوب والله كصباب الماء فيه، العباد ما لهم ، العبد هو المصلي وهو الصائم وهو الذي.. ، هذه أفعال الله وليست أفعال العبد فالله هو المصلي وهو الصائم تعالى الله عما يقولون.
والطائفة الثانية القدرية النفاة، قالوا إن العباد خالقون لأفعالهم الطاعات والمعاصي، ما خلقها الله ولا أرادها ولا شاءها، فالعبد هو الذي يخلق فعل نفسه استقلالاً. فهاتان طائفتان منحرفتان.
وأهل السنة والجماعة قالوا.. توسطوا.. لم يقولوا بقول القدرية النفاة ولم يقولوا بقول الجبرية، فلم يقولوا بأن العباد خالقون لأفعالهم، بل قالوا الله خالق العبد وخالق فعله، ولم يقولوا إن العبد مجبور كما قاله الجبرية، بل قالوا إن العبد له اختيار ومشيئة فهو يفعل باختياره ومشيئته؛ لأن الله أعطاه القدرة لكن الله خلقه وخلق قدرته.
فتكون المذاهب ثلاثة:
القدرية: الأفعال خلقها العباد من الطاعات والمعاصي.. خلقها العباد لأنفسهم استقلالاً من دون الله.
الجبرية: العبد مجبور على أفعاله، والأفعال أفعال الله والعبد مجبور كالريشة في الهواء وكحركة المرتعش والنائم وكنبض العروق، وكحركة الرياح للأشجار.
وأهل السنة قالوا الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، وأعطاهم القدرة على الأفعال، فالأفعال أفعالهم تنسب إليهم، والعبد هو المصلي والصائم وهو البر وهو الفاجر، فالأفعال أفعال العبد، والله تعالى خلق العبد خالق للعبد بذاته وصفاته وأفعاله، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
(المتن)
(الشرح)
وهذه المسألة وهي مسألة الهداية من الله .
أهل السنة والجماعة يشهدوا أن الله تعالى هو الهادي وهو المضل، كما قال: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، فمن هداه الله فإن هذا فضل من الله، ومن أضله الله فهذا عدل من الله سبحانه، كما قال تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
والهداية ملك لله يعطيها من يشاء، فإذا أعطى العبد الهداية فهذا فضله، وإذا منع العبد من الهداية وأضله فله الحكمة ولا يعتبر هذا ظلم لأنه ما منعه شيئاً يملكه، لأن الظلم ما هو؟ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، الذي حرمه الله على نفسه وضع الشيء في غير موضعه، كأن يمنع أحداً من ثواب عمله أو يحمله سيئات غيره، هذا تنزه الله عنه وحرمه على نفسه، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الهداية من الله، فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
وقالت المعتزلة القدرية إن الله لا يهدي من يشاء ولا يضل من يشاء، فالعبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه نعوذ بالله وقالوا لا فرق بين المؤمن المطيع وبين العاصي، فالمؤمن اختار الهداية بنفسه، والكافر اختار الضلال بنفسه، والله ما هدى هذا ولا أضل هذا، هذا لا اختار الإيمان بنفسه والله لم يقدر له الهداية، وهذا اختار الضلال بنفسه، وقالوا مثل الله في ذلك لأنهم ممثلة مثلوا الله بخلقه مثل رجل له ابنان أعطاهما سيفين، كل واحد أعطاه سيفاً، وأمرهما أن يجاهدا به في سبيل الله، فالأول جاهد به في سبيل الله امتثل أمر أبيه، والآخر جعل يستعرض رقاب المسلمين ويقطع رقاب المسلمين، فهذا اختار الضلال وهذا اختار الهداية، وهذا من أبطل الباطل.
والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والله تعالى خص العبد المؤمن بنعمة دينية، كما قال في كتابه العظيم وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً، فلله نعمة دينية على المؤمن خصه بها دون الكافر، وخذل الكافر حكمة منه وعدلاً، له الحكمة البالغة لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وليس هذا ظلماً وإنما هو عدل منه .
أما المعتزلة القدرية قالوا الله لا يضل أحدا ولا يهدي أحدا، قالوا لو أضل هذا وهدى هذا لكان ظالماً ففرارا من ذلك قالوا لا يهدي من يشاء ولا يضل من يشاء بل هذا المؤمن اختار الهداية بنفسه والكافر اختار الضلال بنفسه وهذا من أبطل الباطل.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه، ويضل من يشاء عنه لا حجة لمن أضله الله عليه ولا عذر له لديه لأن الله تعالى أعطى الإنسان السمع والبصر والفؤاد والعقل، ميزه عن الحيوانات ولهذا إذا فقد العقل ارتفع التكليف.. إذا فقد العقل.. فالصغير الذي لم يبلغ، والمجنون، والشيخ الكبير الهرم الذي زال عقله لا تكليف عليه، إذا فقد العقل زال التكليف ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه، ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله قُلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ والشاهد من الآية فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. إذاً لو شاء لهدى الناس أجمعين، لكن اقتضت حكمته أن يهدي من يشاء ويضل من يشاء.وقال وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي والشاهد أن الهداية بيد الله. وقال وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ أضلهم الله حكمة منه وعدلاً، فهو سبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم.. ليس محتاجاً إلى الخلق، فجعلهم فريقين فريقاً للنعيم وهم المؤمنون الذين من الله عليهم بالهداية للإسلام، وفريقاً للجحيم وهم الذين أضلهم الله عدلاً منه، وجعل منهم غوياً ورشيداً وشقياً وسعيداً وهو الكافر.. جعل الله غوياً وهو الكافر ورشيداً وهو المؤمن وشقياً وهو الكافر وسعيداً وهو المؤمن، وقريباً من رحمته وبعيداً، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته.. لا يسأل لأنه حكيم.
فالطوائف هنا في مسألة الهداية ثلاث طوائف: أهل السنة والقدرية والجبرية.
القدرية قالوا إن الله لا يهدي من يشاء ولا يضل من يشاء، بل المؤمن يهدي نفسه والكافر يضل نفسه، ويجيبون عن قوله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قالوا معناها يسميه هادياً و يسميه ضالاً.
والجبرية قالوا الله تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء، والله تعالى له التشريعات والجزاءات، يؤتي من يشاء ولا يسمى هذا ظلماً، فلو عذب الأنبياء والأبرار، وحملهم أوزار الكفرة والفسقة ما كان هذا ظلم لأنه يتصرف في ملكه، والظلم هو تصرف المالك في غير ملكه، والرب يتصرف في ملكه فلا يكون ظالماً، ويجوز أن يعطيهم شيئاً من التشريعات والجزاءات، ويجوز على الله أن يحمل الأبرار والأنبياء أوزار الكفار والفجرة، وينعّم الكفار والفسقة لأنه يتصرف في ملكه، وهذا من أبطل الباطل.
وأهل السنة والجماعة قالوا بأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كأن يمنع أحداً من ثواب عمله أو يحمله أوزار غيره، هذا الظلم الذي تنزه الله عنه ، والظلم مقدور له لكن الله تنزه عنه وحرمه على نفسه، ولهذا قال سبحانه إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي في الحديث القدسي. وقال لا ظُلْمَ الْيَوْمَ، فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا والظلم عند الجبرية لا وجود له، ولا يقدر الله عليه بل الظلم ممتنع لأن الظلم تصرف المالك في غير ملكه والله يتصرف في ملكه، ولا شيء خارج عن ملكه، فإذا لا وجود للظلم وهذا من أبطل الباطل. وأهل السنة قالوا الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.. نعم..
(المتن)
(الشرح)
هذه الآية ساقطة عندي، ما هي الآية الأولى؟
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
والشاهد أنه جعلهم فريقين فريقاً هداه الله وفريقاً حق عليه الضلالة، فالله هو الهادي والمضل.. نعم..
(المتن)
هذه كلها الآية ساقطة من النسخة.. نعم..
(الشرح)
نعم وهذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما ورواه الترمذي والنسائي وأحمد والطيالسي وابن أبي عاصم في السنة، ورواه جمع.
وهذا الحديث فيه إثبات القدر وأن كل أمر واقع بقضاء الله وقدره خيرها وشرها.
وفيه دليل على أن الإنسان صائر لما قدره الله، وأن كل إنسان صائر لما قدره الله.
وفيه دليل على أن الإنسان بعد مضي أربعة أشهر يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته، وهذا لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ بل هو تفصيل منه يوافق ما في اللوح المحفوظ، كل إنسان بعد أن تمضي عليه أربعين وأربعين وأربعين نطفة وعلقة يعني مائة وعشرين يوما، بعد أربعة أشهر يأتيه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتابة رزقه، يقول يا رب ما الرزق؟ فيكتب، ما الأجل؟ هل يموت صغيراً؟ هل يموت في بطن أمه أو يموت طفلاً؟ أو يموت شاباً أو شيخاً أو كهلاً أو هرماً؟ وما هو الرزق؟ وما العمل؟ فكل هذا يكتب وهو في بطن أمه، وهذا فيه دليل على أن الله قدر كل الأشياء، وأن كل شيء.
وفيه رد على القدرية الذين يقولون إن العبد يهدي نفسه، فالشقاوة والسعادة هي مكتوبة له وهو في بطن أمه، ولكن الإنسان لا بد أن يصير إلى ما قدره الله، فالمؤمن.
ولهذا سأل الصحابة النبي ﷺ قالوا يارسول الله هل نحن الآن نعمل في شيء مستأنف أو في شيء فرغ منه؟ قال فِي شَيءٍ فُرِغَ مِنه. قالوا يا رسول الله، ما العمل؟ لماذا نعمل طالما كل شيء مفروغ منه مكتوب كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام اعملوا فكل ميسر لما خلق له، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فسييسرون لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فسييسرون إلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثم قرأ قوله تعالى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى.. نعم..
(المتن)
(الشرح)
نعم وهذا حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره. وهو دليل أيضاً على إثبات القدر، وأن الهداية والإضلال والشقاء والسعادة بيد الله، وأن الإنسان لا بد أن يصير إلى ما كتب له، فالمؤمن لا بد أن يموت على التوحيد ثم يدخل الجنة، والكافر لا بد أن يموت على الكفر فيدخل النار، نسأل الله السلامة والعافية..
نعم . ويشهد أهل السنة.
وفيه الرد على القدرية الذين يقولون إن الإنسان يهدي نفسه ويضل نفسه، ويشقي نفسه ويسعد نفسه، هكذا يقول القدرية وهذا من أبطل الباطل... نعم...
(المتن)
(الشرح)
نعم هذا مذهب أهل السنة والجماعة في الخير والشر، فيشهد أهل السنة والجماعة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر كله بقضاء الله وقدره، كل شيء مقدر، حتى العجز والكيس،كل شيء مكتوب، حتى العجز.. والعجز هو الشيء الذي تعجز عنه، والكيس هو النشاط والقوة كل شيء مكتوب، مثلاً الإنسان يكسل عن شيء ثم يقول لا أنا كسلان ، ويريد أن يفعل خيرا ثم يقول لا، أنا لست نشيط اليوم فهذا مكتوب، فالكسل مكتوب والعجز مكتوب،العجز والكيس كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وكل شيء قدره الله، قال الله تعالى وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. كل شيء مكتوب. فالشر والخير والنفع والضر كله بقضاء الله وقدره ولا مرد لهما ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتب له ربه، كل ما يصيب الإنسان من أوجاع وأمراض، والموت الذي يصيبه، والهم والغم والحزن، وإيذاء الناس له، والنقص الذي يحصل عليه في ماله وفي بدنه، كل هذا مكتوب، ولا يصيب المرء إلا ما كتب له ربه.
ولو جهد الخلق، يعني لو اجتهدوا أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو جهد الخلق أي عملوا جهدهم في أن يضروه بما لم يقضه الله عليه لم يقدروا.فلو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم في أن يوصلوا إليك خيراً ما أراده الله ما استطاعوا، ولو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم إنسهم وجنهم على أن يضروك بشيء ما كتبه الله عليك لم يقدروا، قال الله تعالى في كتابه العظيم مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وكما ورد بذلك الخبر عن عبد الله بن عباس الذي أسرده المؤلف رحمه الله وهو حديث صحيح لا بأس به، وقال الترمذي حسن صحيح، يقول كنت خلف رسول الله ﷺ يوماً فقال يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ. انتهى الأمر كل شيء مكتوب.وقال الله وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يعني إذا مسك ضر فلن يستطيع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم أن يرفعوا هذا الضر عنك إلا إذا أراده الله، وإذا أصابك خير قدره الله لك فلن يستطيع الخلق كلهم أن يمنعوا هذا الخير إلا إذا أراد الله.. نعم..
(المتن)
(الشرح)
نعم.يقول المؤلف رحمه الله إن من عقيدة أهل السنة والجماعة مع كونهم مؤمنين بأن الخير والشر والضر والنفع من الله لا يضيفون الشر إلى الله تنزيهاً له، لا يضاف الشر إلى الله وإنما الخير يضاف إلى الله ولا يضاف الشر إليه، فلا يقال إن الله تعالى مقدر الشر، لكن الشر يدخل في العموم، يؤتى بصيغة المبني للمجهول، كقوله تعالى مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ فأضاف الشر إلى الخلق ولم يضفه إلى الله تنزيهاً له، وإلا فالله خالق الخير والشر. أَعُوذُ بِكلِمَاتِ الله التّامّاتِ مِن شَرّ مَا خَلَقَ، ولم يقل من الشر الذي خلقه الله، أضاف الشر إلى الخلق، مِن شَرّ مَا خَلَقَ.
ومثله قول الله تعالى حكاية عن مؤمني الجن أنهم قالوا وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا فانظر إلى مؤمني الجن، فإنهم لم يضيفوا الشر إلى الله، بل قالوا أَشَرٌّ أُرِيدَ وهذه صيغة المبني للمجهول، ولما جاء الخير أضافوه إليه، فقالوا أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا، فالخير أضافوا إلى الله وجاء بالشر بصيغة المبني للمجهول.
وكذلك ما جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ.
ومثله قصة الخضر ، فـالخضر أضاف العيب إلى نفسه ولم يضفه إلى الله فقال أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا، ولما جاء الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله فقال فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا وكذلك الحديث وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. الله تعالى خالق الشر والخير، لكن معنى الشر.. المؤلف ذكر له معنى وله معنى آخر. انظر كلام المؤلف رحمه الله يقول ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، لماذا لا يضاف إلى الله؟ تنزيهاً لله، فلا يضاف إليه الشر، فلا يقال يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان الله خالق كل شيء، بل يقال إن الله خالق كل شيء، كما قال الله اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لكن لا تخصص هذه تنزيهاً لله، فالله خالق كل شيء لا تخصص، تقول الله خالق كل شيء وخلق كل شيء، أما أن تخصص فتضيف خلق الأشياء التي لا تليق تضيفها إلى الله، لا , ينزه الله عن ذلك، فلا يقال يا خالق القردة والخنازير والكلاب والخنافس والجعلان، وهذه كلها لا شك خلقها الله ، لكن لا تضيفها إلى الله تنزيهاً له بل تضيفها مع جهة العموم ولا تخصصها. بل تقول الله خالق كل شيء، الخير والشر جميعاً. وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله ﷺ في دعاء الاستفتاح تبارَكْتَ وتعالَيْتَ، وَالخَيرُ فِي يَدَيكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. يقول المؤلف ومعناه والله أعلم والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً.. والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً.. حتى يقال والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً.. حتى يقال لك في المناداة يا خالق الشر، أو يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعاً، هذا قول.
والقول الثاني أن معنى الحديث وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. الشر المحض الذي لا حكمة في تقديره وإيجاده وليس فيه خير ، ليس فيه خير.. فالشر المحض هو الذي لا حكمة في تقديره، والشرور الموجودة في الدنيا شرور نسبي، فهو شر بالنسبة للعبد، فالكفر مثلاً شر نسبي بالنسبة للمخلوق، والمعصية شر نسبي، لماذا؟ شر بالنسبة إلى العبد الذي فعل الكفر فضره هذا الكفر وساءه، لكن بالنسبة إلى الله الذي يضاف إلى الله الخلق، فالله تعالى خلق الكفر لحكمة، فخلقه مبني على الحكمة فهي بالنسبة إلى الله خير، وبالنسبة إلى العبد شر، فالكفر الذي صدر من العبد بالنسبة إلى الله يضاف إليه الخلق، لماذا خلقه؟ لحكمة.. لحكمة عظيمة يترتب عليها انقسام الناس إلى شقي وسعيد، ويترتب عليها مثلاً قدرة الله على وجود المتضادات، ويترتب على الكفر أيضاً التوبة والمعصية، والتوبة يترتب عليها عبودية الولاء والبراء، عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبودية الحب في الله والبغض في الله، عبودية الولاء والبراء فهذه مصالح عظيمة، والله تعالى خلق الكفر لحكمة فيكون خلق الكفر بالنسبة لله خير لأنه مبني على الحكمة، وبالنسبة إلى العبد شر، فإذاً قوله وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. يعني الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره.
إذاً كل الشرور الموجودة الآن في الدنيا نسبية فليس يوجد شر محض أبداً بل هي شرور نسبية، ولهذا قال النبي ﷺ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ.، يعني الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده و لا تقديره هذا لا يوجد وهذا هو الصواب، والمؤلف قال جاب معنى آخر قال وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. أي ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، لكن يضاف إلى الله مع غيره، أما أن يفرد الشر فهذا ممنوع وهما معنيان..نعم..
يقول المؤلف رحمه الله ولذلك أضاف الخضر عليه الصلاة والسلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا والشاهد أنه أضاف العيب إلى نفسه، فقال أَعِيبَهَا ولم يضفه إلى الله. ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله فقال فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، فالشاهد قوله فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فأضاف الرحمة إليه، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ فأضاف المرض إلى نفسه، فقال مَرِضْتُ، وأضاف الشفاء إلى الله بقوله فَهُوَ يَشْفِينِ وإن كان الجميع من الله، المرض والشفاء من الله، لكن إبراهيم أضاف المرض إلى نفسه وأضاف الشفاء إلى الله .إذاً فالشر لا يضاف إلى الله، وإن كان الله خالق الخير والشر، ولكن يدخل في جملة المخلوقات التي قدرها الله.. نعم..
(المتن)
(الشرح)
هذه مسألة المشيئة والإرادة عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإرادة نوعان: إرادة قدرية خلقية كونية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية أمرية ترادف الرضا والمحبة.
إذاً الإرادة عند أهل السنة والجماعة نوعان:
النوع الأول: إرادة كونية خلقية قدرية هذه عامة تشمل جميع الأشياء وترادف المشيئة في قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
والنوع الثاني: إرادة دينية شرعية أمرية ترادف المحبة والرضا، كقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ هذه إرادة دينية شرعية.
والفرق بين الإرادتين: أن الإرادة الكونية الخلقية لا يتخلف مقتضاها، وأما الإرادة الدينية الشرعية قد تحصل وقد لا تحصل، الإرادة الكونية لا بد أن تحصل فإذا أراد الله كوناً وقدراً من هذا العبد هذا الفعل لا بد أن يفعله، وإذا أراد منه أن يموت فلا د أن يموت فلا يتخلف مراده. أما الإرادة الدينية الشرعية قد تحصل وقد لا تحصل، فالله تعالى أراد من العباد كلهم الإيمان والصلاح لكن منهم من آمن ومنهم من لم يؤمن، فالدينية الشرعية قد يتخلف مرادها والكونية لا يتخلف مرادها. هذا فرق.
والفرق الثاني: بين الإرادتين أن الإرادة الكونية الخلقية تجتمع الإرادة الكونية والإرادة الدينية تجتمعان في حق المؤمن.. حق المؤمن.. المؤمن تجتمع فيه الإرادتان الكونية والدينية، والكافر تنفرد في حقه الكونية ، فالله تعالى أراد الإيمان من أبي بكر كوناً وقدراً وديناً وشرعاً فوقع. والله أراد الإيمان من أبي لهب ديناً وشرعاً ولكنه لم يرده كوناً وقدراً، فأيهما وقع؟ الإرادة الكونية.. الإرادة الكونية وقعت، أراد الله الإيمان من أبي لهب دينا وشرعاً أمره، ولكنه ما أراده كوناً وقدراً لحكمة، وأراد الإيمان من أبي بكر كوناً وقدراً وديناً وشرعاً، فاجتمعت الإرادتان في حق المؤمن المطيع ، وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر والعاصي، واضح هذا؟ وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
أهل البدع لهم مذهبان المذهب الأول الجبرية من الأشاعرة والجهمية قالوا ليس هناك إلا إرادة واحدة إرادة كونية قدرية، وأنكروا الإرادة الدينية الشرعية، والمعتزلة والقدرية أثبتوا الإرادة الدينية والشرعية وأنكروا الإرادة الكونية، فكان كل من الجبرية والقدرية ما عندهم إلا نوع واحد من الإرادة، وأهل السنة قسموا الإرادة إلى قسمين على حسب النصوص إرادة كونية قدرية خلقية ترادف المشيئة وإرادة دينية شرعية أمرية ترادف المحبة والرضا.
الجبرية من الأشاعرة والجهمية لم يثبتوا إلا نوعا واحدا من الإرادة وهي الإرادة الكونية.. القدرية، وأنكروا الإرادة الدينية، والقدرية من المعتزلة وغيرهم أثبتوا الإرادة الدينية الشرعية وأنكروا الإرادة الكونية القدرية، وأهل السنة أثبتوا الإرادتين الكونية القدرية والدينية الشرعية عملا بالنصوص
طيب نقرأ كلام المؤلف رحمه الله.. يقول المؤلف رحمه الله وكذلك من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، فلم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولم يكفر أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة لكن له الحكمة البالغة، فقسمهم إلى شقي وسعيد، قال تعالى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس، لكنه خلقه لحكمة. فكفر الكافرين، وإيمان المؤمنين، وإلحاد الملحدين، وتوحيد الموحدين، وطاعة المطيعين، ومعصية العاصين؛ كلها بقضائه سبحانه وقدره وإرادته ومشيئته وله الحكمة البالغة، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية، قال الله وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية ولايرضاها، قال الله إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ نعم..
(المتن)
)الشرح)
نعم وهذه المسألة وهي عواقب العباد مبهمة، لا أحد يدري ما يختم للإنسان ، ولهذا فإن أهل السنة والجماعة لا يشهدون لأحد بعينه أنه من أهل الجنة، أو من أهل النار إلا من شهدت له النصوص كالعشرة المبشرين بالجنة.. نشهد لهم بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ، هؤلاء العشرة شهد لهم النبي ﷺ بالجنة فنشهد لهم بالجنة، وكذلك الحسن والحسين وابن عمر كذلك وعبد الله بن سلام الذي شهدله النبي ﷺ بالجنة وعكاشة بن محصن وغيره، وأهل بيعة الرضوان، لا يَلجُ النَّارَ أحدٌ بايعَ تحت الشَّجرةِ. من شهد له النبي ﷺ بالجنة نشهد له بالجنة. ومن شهدت له النصوص بالنار نشهد له بالنار كـأبي لهب وأبي جهل ومن لم تشهد له النصوص بالجنة فإننا نشهد للمؤمنين بالعموم بأنهم في الجنة، ونشهد للكفار بالعموم بأنهم في النار، أما الشخص المعين من المسلمين فلا نشهد له بالجنة، لكن نشهد له بالعموم، المؤمنون جميعاً في الجنة والكفار جميعاً في النار، أما فلان ابن فلان من أهل القبلة فلا نشهد له بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص، وفلان ابن فلان لا نشهد عليه بالنار إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر وقامت عليه الحجة، يهودياً أو نصرانياً أو قامت عليه الحجة يعبد الأصنام والأوثان والحجة قائمة عليه نعم، ومات على ذلك نشهد له بالكفر و نشهد له بالنار، أما من لم تقم عليه الحجة أو من لم نعلم حاله نشهد عليه بالعموم، كل كافر في النار كل يهودي في النار كل نصراني في النار كل وثني في النار كل منافق في النار، أما فلان ابن فلان فلا نشهد عليه إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، وقامت عليه الحجة، وكذلك كل مؤمن في الجنة، أما فلان ابن فلان فلا نشهد له بالجنة.. لا نشهد إلا لمن شهدت له النصوص، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة، يعني لا يدري أحد ما يختم لهذا، هل يختم له بالخير أو يختم له بالشر؟ ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، وينبغي أن يقيد كلام المؤلف هنا بقيد إلا لمن شهدت له النصوص. ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار إلا لمن شهدت له النصوص؛ لأن ذلك مغيب عنهم فلا يعرفون على ما يموت عليه الإنسان، أعلى الإسلام أم على الكفر؟
ولذلك يقولون يعني المؤمنون أنا مؤمن إن شاء الله، أي من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله. وكذلك أيضاً يقول المؤمن أنا مؤمن إن شاء الله. إذا أراد أنه لا يزكي نفسه، وأنه لا يدري أنه أدى ما عليه لأن شعب الإيمان متعددة، لا يجزم بأنه أدى الواجبات وترك المحرمات، ولا يزكي نفسه بل يقول أنا مؤمن إن شاء الله.. بل يقول أنا مؤمن إن شاء الله لأنه لا يدري ما يختم له.
ويشهد أهل السنة والجماعة.. يشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة يعني هذا على العموم. كل من مات على الإسلام فهو من أهل الجنة، وكل مؤمن فهو من أهل الجنة. أما الشخص بعينه فلا يشهد له إلا لمن شهدت له النصوص.
قال المؤلف فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون بالنار مدة بذنوبهم التي اكتسبوها ولم يتوبوا منها فإنهم يردون أخيراً إلى الجنة، ولا يبقى أحد في النار من المسلمين فضلاً منه ومنة. يعني من مات على التوحيد ثم عذب بالنار فإنه يعذب فيها مدة ويخرج منها كما سبق إلى الجنة لأنه مات على التوحيد والإسلام.
ثم قال ومن مات والعياذ بالله على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى. لا تنفع فيه الشفاعة، ولا يدفع عنه عذاب الله أحد ولو أتى بملئ الأرض ذهباً، ولو اجتمع الخلق كلهم على أن ينقذوه من عذاب الله ما استطاعوا، ولا حيلة فيه ومن مات على الكفر فلا حيلة فيه، قال تعالى فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، وقال سبحانه يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ، وقال سبحانه كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال سبحانه وَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ وقال سبحانه كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا.فمن مات على الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو الظلم الأكبر وهو ظلم الكفر، أو الفسق الكبر وهو فسق الكفر، فلا حيلة فيه، وليس له شفاعة، ولا نصيب له في الرحمة وهو آيس من رحمة الله، نسأل الله السلامة والعافية،.
ونسأله أن يتوفانا على الإسلام وعلى التوحيد والإيمان غير مغيرين ولا مبدلين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.