شعار الموقع

عقيدة السلف وأصحاب الحديث للامام الصابوني 8 عقيدة أهل السنة في الخلافة والصحابة وطاعة ولي الأمر والهداية والجن والشياطين والسحر

00:00
00:00
تحميل
159

(المتن) 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين  

أما بعد قال المؤلف رحمه الله تعالى:

فأما الذين شهد لهم رسول الله ﷺ من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك تصديقاً منهم للرسول ﷺ فيما ذكره ووعده لهم فإنه ﷺ لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله ﷺ على ما شاء من غيبه وبيان ذلك في قوله : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ

وقد بشّر ﷺ عشرة من أصحابه بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وكذلك قال لـثابت بن قيس بن شمّاس : إنه من أهل الجنة. 

قال أنس بن مالك : فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه من أهل الجنة. 

(الشرح) 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: 

فإن عقيدة أهل السنة والجماعة: أنهم يشهدون لمن شهد له النبي ﷺ بالجنة، كالعشرة المبشرين بالجنة وثابت بن قيس بن شماس؛ فإن النبي ﷺ قال له: أَنتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وكان خطيب النبي ﷺ، وكان يرفع صوته في حضرة النبي ﷺ؛ لأنه خطيب والخطيب يحتاج إلى رفع الصوت، فلما نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ، خاف  وجلس في بيته يبكي وخاف أن يحبط عمله، فسأل عنه النبي ﷺ فأرسل إليه فقال للرسول ﷺ: إنّه من أهل النار لأنه يرفع صوته فوق صوت النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: أَخبرُوهُ أَنَّهُ مِن أَهلِ الجَنَّة وَليسَ مِن أَهلِ النَّارِ. وهذه شهادة من النبي ﷺ شهد له بها. 

وكذلك الحسن والحسين فقد شهد لهما النبي ﷺ بأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وكذلك عكاشة بن محصن وعبد الله بن عمر وبلال بن رباح رأى النبي ﷺ خشخشة نعليه في الجنة، وعبد الله بن سلام وجماعة شهد لهم النبي ﷺ والعشرة المبشرون بالجنة الذين عدّهم المؤلف رحمه الله كلهم يشهد لهم بالجنة.

وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، فمن شهد له النبي ﷺ بالجنة نشهد له بالجنة، وكذلك أهل بيعة الرضوان، قال ﷺ: لَن يلجَ النارَ أحدٌ بايعَ تحت الشجرةِ وكانوا ألفاً وأربعمائة. 

وأهل بدر كذلك، قال النبي ﷺ: وَما يُدرِيكَ يا عمر لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ

أما من لم يشهد له النبي ﷺ بالجنة فإنا نشهد له بالعموم، نشهد لجميع المؤمنين بالجنة عموم، لكن ما نشهد بالخصوص إلا لمن شهد له النبي ﷺ أمّا العموم فكل مؤمن في الجنة وكل كافر في النار اليهود في النار والنصارى في النار والوثنيون في النار والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، لكن فلان بن فلان بعينه ما نشهد له بالجنة إلا لمن شهد له الرسول ﷺ، وفلان بن فلان بعينه ما نشهد له بالنار إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر وقامت عليه الحجة نشهد له، هذه عقيدة أهل السنة، مثل أبو لهب شهدت له نصوص القرآن بأنه في النار وأبو جهل في النار، وما عدا ذلك فإنّا نشهد للمؤمنين على وجه العموم بالجنة، ونشهد للكفار بالنار، لكن أهل السنة والجماعة يرجون للمحسن الثواب ويخافون على المسيء، فإذا رأوا إنساناً مستقيماً على طاعة الله يؤدي ما أوجب الله عليه، وينتهي عما حرَّم الله عليه، يرجون له خيراً، ويرجون أن الله يغفر له ويدخله الجنة لكن لا يشهدون له بالجنة. والمسيء الذي يعمل المعاصي والكبائر يخافون عليه من النار ولا يشهدون عليه بالنار.

 ولهذا قال المؤلف رحمه الله: فأمّا الذين شهد لهم رسول الله ﷺ من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك تصديقاً للرسول عليه الصلاة والسلام فيما ذكره ووعده لهم؛ فإنه ﷺ لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله ﷺ على ما شاء من غيبه، وبيان ذلك في قوله : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.

 والنبي ﷺ ينزل عليه الوحي، فإذا شهد لأحد بالجنة؛ فإن هذا من الغيب الذي أطلعه الله عليه، قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

 وقد بشر رسول الله ﷺ عشرة من أصحابه بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبو عبيدة بن الجراح، هؤلاء عشرة  يُقال لهم: العشرة المبشرون بالجنة. 

وكذلك قال لـثابت بن قيس بن شماس: أَنتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. لما جلس في بيته يبكي، وقال: إنه من أهل النار، قال أنس بن مالك : فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول إنه في الجنة ومن أهل الجنة. 

(المتن) 

ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم الخلفاء الراشدون الذين ذكر رسول الله ﷺ خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة: الْخِلاَفَةُ بَعدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول ﷺ. 

(الشرح) 

يعتقد أهل السنة وأهل الحديث ويشهدون: أن أفضل أصحاب رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويشهدون أنهم هم الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي كترتيبهم في الخلافة هذا هو الذي عليه الجماهير.

وروي عن الإمام أبي حنيفة: أن عليا أفضل من عثمان ولكن روي عنه أنه رجع ووافق الجمهور.

وهذه المسألة تفضيل علي على عثمان في الفضيلة مسألة سهلة خفيفة، لكن تقديم علي على عثمان في الخلافة أمر منكر ولهذا قال كثير من السلف: من قدَّم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، وقد أزرى بالمهاجرين والأنصار يعني احتقر رأيهم لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان في الخلافة، تقديم علي على عثمان في الخلافة أمر منكر شنيع باطل، أما تقديم علي على عثمان في الفضيلة فهذا سهل قال به بعض أهل السنة، وروي عن الإمام أبي حنيفة ولكن روي أنه رجع ووافق الجمهور.

وهم الخلفاء الراشدون وخلافتهم خلافة نبوة، ولهذا قال النبي ﷺ في حديث سفينة: الْخِلاَفَةُ بَعدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، وهو حديث حسن لا بأس به. 

ثم قال: أمسك خلافة أبي بكر سنتان وخلافة عمر عشر سنوات وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة، وخلافة علي ستاً هذا الترتيب، فتكون الجميع ثلاثين سنة، لكن هذا فيه جبرٌ للكسر فإن خلافة أبي بكر سنتان وثلاثة أشهر وخلافة عمر عشر سنوات ونصف وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي كذا سنين وأشهر، ثم بقي من الثلاثين سنة ستة أشهر وهي التي تولى فيها الحسن بن علي ، وتنازل فيها لمعاوية فتمت الخلافة ثلاثون سنة بنهاية الستة الأشهر التي تنازل فيها الحسن بن علي لمعاوية انتهت الخلافة الراشدة وبدأ الملك، وأول ملوك المسلمين هو معاوية بن أبي سفيان ، ولهذا قال المؤلف: وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه رسول الله ﷺ، لكن معاوية صحابي جليل، وخلافته وإن لم تكن كخلافة الخلفاء الراشدين إلا أنه ملك عادل وصحابي جليل. 

(المتن) 

ويشهد أصحاب الحديث خلافة أبي بكر بعد وفاة رسول الله ﷺ باختيار الصحابة واتفاقهم عليه وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله ﷺ لديننا فرضيناه لدنيانا، يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه وهي الدين، فرضيناه خليفة للرسول ﷺ علينا في أمور دنيانا. 

وقولهم: قدّمك رسول الله ﷺ فمن ذا الذي يؤخرك، وأرادوا أنه ﷺ قدّمك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلّينا وراءك بأمره فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك، وكان رسول الله ﷺ يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانه وارتفعوا به وارتفقوا، حتى قال أبو هريرة : والله الذي لا إله إلا هو لولا أنّ أبا بكر استُخلف لما عُبِد الله، ولما قيل له: مه يا أبا هريرة! قام بحجة صحة قوله، فصدّقوه فيه وأقروا به. 

(الشرح) 

أهل الحديث وأهل السنة والجماعة يثبتون خلافة أبي بكر بعد وفاة رسول الله ﷺ، وأنه الخليفة الأول خلافاً للرافضة الذين يقولون: الخليفة الأول هو علي ، وأن أبا بكر اغتصب الخلافة منه، وكذلك عمر وكذلك عثمان هذا قول باطل، والذي عليه أهل السنة والجماعة وأهل الحديث أن أبا بكر هو الخليفة الأول، وثبتت الخلافة لأبي بكر باختيار الصحابة وانتخابهم هذا هو الأرجح. 

وقال بعض العلماء: ثبتت خلافة أبي بكر بالنص واستدلوا بأدلة منها أنَّ النبي ﷺ لما جاءته امرأة وقالت أرأيت إن جئت قال لها ائتني في وقت كذا في وقت لاحق فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك تعني الموت فقال: إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ، قالوا: وهذا دليل على أنه الخليفة، وكذلك أيضاً روي في هذا منامات، وكذلك أيضاً تقديم النبي ﷺ له في أيام مرضه في الصلاة، وكذلك قوله: لو كُنْتُ متَّخِذًا خليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا. فبعض العلماء قال: إن خلافته ثبتت بالنص، والذين قالوا بالنص على قولين: منهم من قال: ثبتت بالنص الجلي، ومنهم من قال: ثبتت بالنص الخفي. 

وقال آخرون: أنها ثبتت بالانتخاب والاختيار، وهذا هو الأرجح أنها ثبتت باختيار الصحابة وانتخابهم، واستدلوا بهذه الأدلة على أنه هو الخليفة، استدلوا بكون النبي ﷺ قدّمه للصلاة، هذا دليل على أنه هو الأحق بالخلافة. 

وكذلك أيضاً: لما أراد النبي ﷺ أن يكتب كتاباً واختلفوا عنده قال: قُومُوا، ثم قال: يأبَى اللهُ وَالمُسلِمُونَ إلَّا أبا بكْرٍ، يعني: يأبى الله تقديراً وقضاءً، والمسلمون اختياراً وانتخاباً إلا أبا بكر.

والصواب أن الخلافة ثبتت لأبي بكر بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، واستدلوا: بإرشاد النبي ﷺ إلى اختياره يعني اختاروه استدلوا بإرشاد النبي ﷺ إلى اختياره وانتخابه كتقديمه في الصلاة يصلي بالناس ولهذا قالوا رضيك رسول الله ﷺ لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟ واستدلوا أيضاً بالمنامات الأدلة بالمنامات إلى غير ذلك من الأدلة التي ترشد إلى اختياره وانتخابه. وبعض أهل العلم قال: إن هذه الأدلة نص في خلافته، والصواب أنها ثبتت بالاختيار والانتخاب.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: يثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر بعد وفاة الرسول ﷺ باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله ﷺ لديننا فرضيناه لدنيانا، يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه وهي الدين، فرضيناه خليفة لرسول الله ﷺ في أمور دنيانا، وقولهم: قدمك رسول الله ﷺ فمن ذا الذي يؤخرك؟! أرادوا أنه قدّمه في الصلاة أيام مرضه، فصلينا وراءه بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله ﷺ يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته، مما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة. 

فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا فانتفعوا بمكانه وارتفعوا به وارتقوا وعزوا وعلوا بسببه، حتى قال أبو هريرة : والله الذي لا إله إلا هو! لولا أن أبا بكر استُخلف لما عُبِد الله، ولما قيل له: مه يا أبا هريرة؟! ما تقول ؟ قام بحجة صحة قوله، فصدّقوه فيه وأقروا به. 

وذلك أن النبي ﷺ لما توفي ارتدت العرب منهم من عبد الأوثان ومنهم من أنكر نبوة النبي ﷺ ومنهم من منع الزكاة فأبو بكر  قاتلهم وأشكل هذا على بعض الصحابة لما أراد قتالهم حتى أشكل على عمر إذ قال: كيف تقاتل من قال: لا إله إلا الله؟! فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله! لو منعوني عقالاً وفي رواية: عناقاً كانوا يؤدّونه إلى النبي ﷺ لقاتلتهم عليه مستمسك السيف في يده أجمع وعزم على قتالهم؛ حتى شرح الله صدر عمر، وصدر من كان عنده إشكال، فأجمعوا على قتالهم فكان في قتالهم خيراً عظيماً فرجع الناس إلى دين الله بعد أن خرجوا منه، فلهذا قال أبو هريرة : لولا أن أبا بكر استُخلف لما عُبِد الله لأن أكثر العرب ارتدوا فقاتلهم الصدّيق والصحابة حتى دخلوا في الإسلام. 

(المتن) 

ثم خلافة عمر بن الخطاب وأرضاه باستخلاف أبي بكر إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، وإنجاز الله سبحانه بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه وعده. 

(الشرح) 

ثم يُثبت أهل السنة والجماعة ويعتقدون أن الخليفة بعد أبي بكر عمر  ثبت له الخلافة بالعهد من أبي بكر إليه واتفاق الصحابة بعده عليه، ولهذا أنجز الله له سبحانه بإعلاء شأنه وإعظام شأنه، فالخليفة الثاني هو عمر خلافاً للرافضة الذين يقولون إنّ أبا بكر مغتصب للخلافة وعمر مغتصب وأنهم كفرة وأنهم ارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ، وأخفوا النصوص التي فيها أن الخليفة بعده علي، ينكرون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ويقولون: أنهم ظلمة وفسقة وكفرة أنكروا النصوص وارتدوا بعد وفاة الرسول ﷺ وولَّوا هؤلاء الثلاثة زوراً وبهتاناَ وظلماَ، وإلا فالخليفة الأول هو علي منصوص عليه هكذا يقول الرافضة وهذا من أبطل الباطل. 

(المتن) 

ثم خلافة عثمان  بإجماع أهل الشورى وإجماع الأصحاب كافَّة ورضاهم به حتى جُعل الأمر إليه. 

(الشرح) 

الخليفة الثالث هو عثمان ثبتت له الخلافة باختيار المهاجرين والأنصار جميعاً أجمعوا عليه إجماعاً، أجمعوا عليه الصحابة قاطبة كافَّة. 

(المتن) 

ثم خلافة علي ببيعة الصحابة إياه حين عرفه ورآه كل منهم  أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه. 

(الشرح) 

والخليفة الرابع هو علي  ثبتت له الخلافة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد عليه وامتنع عن البيعة معاوية وأهل الشام، لا لأن معاوية يطلب الخلافة بل لأنه يطالب بدم عثمان وقتلة عثمان هذا اجتهاد منه ، وثبتت الخلافة لأبي بكر بإجماع الصحابة وثبتت لعمر بولاية العهد من أبي بكر واتّفاق الصحابة عليه، وثبتت الخلافة لعثمان بإجماع المهاجرين والأنصار، وثبتت الخلافة لعلي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد دون معاوية وأهل الشام فإنهم امتنعوا يطالبون بدم عثمان. 

(المتن) 

فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين  الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين وقوّى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونوّر بضيائهم ونوّرهم وبهاؤهم الظلام وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ الآية. وفي قوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ

(الشرح) 

كما قال المؤلف رحمه الله هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدون خلافتهم راشدة وهم أفضل الناس وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وخلافتهم خلافة نبوّة وقد نصر الله بهم الدين وقهر وقسَّر بمكانهم الملحدين وقوّى بمكانهم الإسلام ورُفع في أيامهم للحق الأعلام ونوّر الله بضيائهم وبهائهم الظلام وتحقق في خلافتهم وعد الله السابق في قوله : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا تحقق هذا فالله تعالى يستخلفهم في الأرض ومكن لهم وبدلهم من بعد خوفهم أمناً. 

وفي قوله في وصف الصحابة والذين معه يعني النبي محمد: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ هذا وصف في الصحابة إلى أن قال: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ هذا وصف الصحابة، ولهذا استنبط الإمام مالك رحمه الله من قوله تعالى ليغيظ بهم الكفار أنّ من أغاظه الصحابة فإنه يكون كافراً بنص القرآن لأن الله قال ليغيظ بهم الكفار، فمن أغاظه الصحابة فإنّه يكون كافراً كما استنبط الإمام مالك رحمه الله. 

(المتن) 

فمن أحبّهم وتولاهم ودعا لهم ورعى حقوقهم وعرف فضلهم فاز في الفائزين، ومن أبغضهم وسبّهم ونسبهم إلى ما تنسبهم إليه الروافض والخوارج لعنهم الله فقد هلك في الهالكين. 

(الشرح) 

من أحبهم وتولاهم ودعا لهم ورعى حقوقهم وعرف فضلهم فهذا من أهل السنة والجماعة وهو من الفائزين وهو من أهل الحق، ومن أبغضهم وسبّهم وكفرّهم فهذا من الهالكين نسأل الله العافية لأنه مكذّب لله لأن الله زكّاهم وأعد لهم ووعدهم بالجنة فمن كفّرهم وفسّقهم فقد كفر لأنه مكذب لله ومن كذب الله كفر، الله تعالى زكّاهم ووعدهم ورضي عنهم ووعدهم بالجنة فكيف يأتي إنسان ويقول إنهم كفّار وفسّاق ويلعنهم ويشتمهم هذا كفر وضلال تكفير لله نسأل الله العافية  

(المتن) 

قال رسول الله ﷺ: لا تسُبُّوا أَصْحَابِي فَمَن سَبَّهُم فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه

(الشرح) 

وهذا الحديث يقول المحشي مركب من حديثين الجملة الأولى  لا تسُبُّوا أَصْحَابِي هذا جزء من حديث صحيح وقوله فَمَن سَبَّهُم فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه هذا جزء آخر، في اللفظ الآخر: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ . 

(المتن) 

وقال: مَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ سَبَّهُم فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه

(الشرح) 

وهذا الحديث ذكر المحشي يقول أنه ضعيف، ويحتمل أن المؤلف ذكره لأن له شواهد. 

(المتن) 

ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلمٍ باراً كان أو فاجراً ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل. 

(الشرح) 

هذا عقيدة أهل السنة والجماعة في ولاة الأمور، في ولاة الأمور من المؤمنين يرون عدم الخروج عليهم ويرون الصلاة خلفهم الجمعة والعيدين ويرون الجهاد معهم والحج معهم ولو كانوا فسّاقاً ولو ارتكبوا الكبائر ما داموا مسلمين لأن هذه المعصية التي يفعلها ولاة الأمور أو ولي الأمر بأفعال الفسق أو المعصية شرب الخمر أو ظلم أحداً بغير حق قتل أحداً بغير حق أو أخذ مالاً بغير حق هذا معصية وظلم وفسق لكن أهل السنة والجماعة يرون أنه لا يجوز الخروج عليهم بمثل هذه المعاصي لأن الخروج يؤدي إلى مفسدة أكبر وقواعد الشريعة تدل على أنّه إذا وُجد مفسدتان لا يمكن تركهما فإنّه تُترك المفسدة الكبرى بدفع الصغرى وإذا وُجد مصلحتان كبرى وصغرى ولا يمكن فعلهما نفعل الكبرى وتترك الصغرى فهذه المسألة تتمشّى مع قواعد الشرع وذلك أنّ ولي الأمر إذا فسق أو عصى هذه مفسدة كبرى لكن الخروج عليه يؤدي إلى مفسدة كبرى وهي إراقة الدماء وانقسام الناس إلى فريقين واختلال الأمن واختلال المعيشة الاقتصاد والزراعة والتجارة والتعليم وتربّص الأعداء بهم الدوائر وتأتي فتن لا أول لها ولا آخر تقضي على الأخضر واليابس، هذه مفاسد عظيمة فلا نرتكبها بل الرعية يصبرون على جور الولاة ولو حصل منهم بعض الجور لأن هذا فيه مصلحة، والنصيحة مبذولة من قبل العلماء وأهل الحل والعقد ومن يستطيع فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أدوا ما عليهم ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور في هذا.

ثم أيضاً ولاة الأمور إنّما سُلِّطوا على الناس بسبب ذنوبهم ومعاصيهم فعليهم أن يتوبوا إلى الله، قد يكون جور الولاة تأديبا للفسقة وامتحان وابتلاء للصالحين ورفع درجات لهم مثل المصائب مثل الأمراض والأسقام كذلك يُبتلى الناس بولاة أمور جورة بسبب ظلمهم ومعاصيهم فإذا أرادوا أن يُصلح الله لهم ولاة أمورهم فليُصلحوا أحوالهم وليتوبوا إلى ربهم.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله ويرى أصحاب الحديث وأهل السنة الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلاة خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، الإمام المراد بالإمام ولي الأمر إمام المسلمين رئيس الدولة رئيس الجمهورية مثلاً هذا يرون الصلاة خلفه إذا كان مسلما ولو كان فاسقا، يُصلى صلاة الجمعة خلفه ويُصلى العيدين يُصلي بالناس يؤم بالناس يصلون خلفه الجمعة والعيدين خلف كل إمام: يعني ولي الأمر براً كان أو فاجراً: يعني تقياً أو عاصياً الفاجر هو العاصي ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة:يعني إذا أراد ولي الأمر أن يقاتل الكفّار وعقد راية يُقاتل الناس معه ولو كان ولي الأمر فاجراً ولو كان جائرا ظالما، فعقيدة أهل السنة والجماعة يرون جهاد الكفرة مع ولاة الأمور وإن كانوا جورة فجرة، جورة يعني جائرين ظالمين، فجرة عاصين، وذلك لأن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر ولا بد من سائس يسيس فيهما ويقاتل العدو وهذا يحصل بالإمام الفاجر كما يحصل بالإمام البر يحصل بالإمام البر والفاجر ولهذا عقيدة أهل السنة والجماعة يجاهدون يصلون خلف الإمام ولو كان جائراً ظالماًما دام أنه لم يرتكب الكفر، يصلون خلفه الجمعة والعيدين ويجاهدون معه ويحجون معه ولهذا قال: ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة ويرون الدعاء لهم بالصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية هكذا يدعون لهم، ولهذا جاء عن الفضيل بن عياض أنه قال: لو علمت لكم دعوة صالحة لصرفتها للسلطان لأن بصلاحه تصلح الرعية هكذا جاء عن الفضيل بن عياض مر هذا في الإبانة (35:00) فيرون الدعاء لهم بالإصلاح لأنهم إذا صلحوا صلحت الرعية تدعوا لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية.

ولا يرون الخروج عليهم بالسيف لا يجوز الخروج عليهم بالسيف، والذين يخرج عليهم بالسيف أهل البدع، الذين يخرجوا على ولاة الأمور بالسيف هم أهل البدع. وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف يعني: أهل السنة والجماعة لا يخرجون على ولي الأمر بالسيف ولو كانوا يرون أنهم عدلوا عن الحق ومالوا وجاروا حصل لهم الجور والحيف يصبرون لأن الذي يخرج على ولاة الأمور هم أهل البدع الخوارج، الخوارج يخرجون على ولاة الأمور بالمعاصي لأنهم يرون أن الإنسان إذا فعل معصية كبيرة كفر وحل دمه وماله وهو مخلد في الناروكذلك المعتزلة يرون الخروج على ولي الأمر بالمعاصي المعصية وهذا أصل من أصولهم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سترون تحته الأمر بالمعروف إلزام الناس باجتهاداتهم، والنهي عن المنكر سترون تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، وكذلك الرافضة يرون الخروج على ولي الأمر لأنه لا تصح الإمامة إلا للإمام المعصوم عندهم والمعصوم هم الأئمة  الاثني عشرين. 
فإذاً الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي هذا مذهب أهل البدع الخوارج والمعتزلة والروافض، أما أهل السنة فلا يخرجون على ولي الأمر ولو عصا ولو شرب الخمر ولو قتل أحداً بغير حق ولو أخذ مال أحد بغير حق ولو لم يوزع المال توزيعاً عادلاً ما يجوز الخروج عليه بل يصبر الواجب الصبر والنصيحة مبذولة. 

يقول المؤلف ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل، الباغية هم البغاة إذا خرج على ولي الأمر بغاة، الذين يخرجون على ولي الأمر كثر قد يكونوا خوارج إذا كانوا يكفّروا ولي الأمر هم الخوارج وهناك طائفة يسمَّون البغاة وهم جماعة يخرجون على ولي الأمر إذا كان لهم شوكة فهؤلاء إذا خرجوا ولي الأمر يرسل لهم من يناقشهم ويسائلهم ويبحث معهم لماذا خرجوا؟ فإن قالوا أنه وُجد معاصي في البلاد يجب عليهم أن يغيروا المعاصي حتى يرجعوا، فإن رجعوا وإلا قاتلهم، قاتلهم ويقاتلهم الناس معه لأن هؤلاء أرادوا أن يشقّوا عصا الطاعة ويفرّقوا المسلمين ويُقال لهم البغاة ولهذا قال ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل إذا خرج على ولي الأمر الخوارج يُقاتلون والبغاة يُقاتلون لأنهم يريدون أن يفرّقوا كلمة المسلمين. 

(المتن) 

ويرون الكفّ عما شجر بين أصحاب رسول الله ﷺ وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم ويرون الترحّم على جميعهم والموالاة لكافتهم وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن، والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين. 

(الشرح) 

هذا عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وأزواج النبي ﷺ فموقفهم من الصحابة أنهم يرون الترحم عليهم والترضي عنهم وذكر محاسنهم وفضائلهم والكفّ عما شجر بينهم من الاختلاف والنزاع وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم.

 إذاً أهل السنة والجماعة يرون الترحّم على الصحابة والترضي عنهم وذكر محاسنهم ويرون الإمساك والكفّ عن الخلافات التي وقعت بينهم والحروب فلا يجوز ذكرها ولا كتابتها ولا تسجيلها في أشرطة، ولهذا فإن أشرطة طارق السويدان الذي نشر معايب الصحابة يجب إتلافها وعدم سماعها لأن هذا فيه نشر لعيوب الصحابة وهذا باطل من أبطل الباطل ما يجوز أن تسجل الخلافات التي حصلت بين الصحابة في أشرطة ولا في كتب بل يجب الكفّ عما شجر بين الصحابة واعتقاد أن الصحابة خير الناس وأفضل الناس،لا كان ولا يكون مثلهم، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء اختارهم الله لصحبة نبيه لولا أنهم أفضل الناس لما اختارهم الله لصحبة نبيه هم الذين نقلوا إلينا الدين وحملوا إلينا الشريعة نقلو اإلينا القرآن والشريعة فتجريحهم تجريح للقرآن والسنة. 

أما ما شجر بينهم من الخلافات والنزاع فهذا كما ذكر القاضي ابن العربي في كتاب العواصم والقواسم كتاب جيد يسمى العواصم والقواسم، وكما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية الخلافات التي وقعت بين الصحابة أو ما يروى عن الصحابة من خلافات منها ما هو كذب لا أساس له من الصحة ومنها ما هو له أصل لكن زيد فيه ونقص منه ومنها ما هو صحيح، والصحيح فيه ما بين مجتهد مصيب له أجران وما بين مجتهد مخطئ له أجر، ثم الذنوب المحققة هناك أسباب للمغفرة منها أنه قد يكون تاب ومن تاب تاب الله عليه، ومنها أن يكون حصلت له مصائب كُفّر بها عنه أو كُفّر عنه بحسنات عظيمة أو بشفاعة النبي ﷺ والذين هم أولى الناس بها، هذا في الذنوب المحققة فكيف بغيرها. فلا يجوز إطلاق الألسنة ولا الكتابة ولا تسجيل معايب الصحابة هذا من طريقة أهل البدع.

طريقة أهل السنة والجماعة يترضّون على الصحابة ولا يذكرون مساوءهم ويعتقدون أن لهم من الحسنات ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات، جهادهم مع النبي ﷺ وصحبتهم وتبليغهم دين الله ونشرهم دين الله ونشرهم وجهادهم ونشرهم الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، حسنات عظيمة تغطي ما صدر عنهم من الهفوات.

 فيجب كما قال المؤلف رحمه الله تطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم والكفّ عما شجر بين أصحاب النبي ﷺ، ويرون الترحّم على جميعهم والموالاة لكافتهم  نواليهم ونترضّى عنهم.

وكذلك يرون تعظيم قدر أزواج النبي ﷺ والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين وأنهن زوجاته في الجنة ومن قذف عائشة بما برّأها الله به فهو كافر، الله تعالى برّأ عائشة، فمن قذفها بما برّأها الله به فهو كافر بالله العظيم نسأل الله السلامة والعافية  

(المتن) 

ويعتقدون ويشهدون أن أحداً لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسناً وطريقه مرتضى إلا أن يتفضّل الله عليه فيوجبها له بمنّه وفضله إذ عمل الخير الذي عمله لم يتيسر له إلا بتيسير الله عز اسمه فلو لم ييسره له لم يتيسر ولو لم يهده لفعله لم يهتد له أبداً، قال الله : وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ في آيات سواها.  

(الشرح) 

دخول الجنة بفضل الله ورحمته: يعتقد أهل السنة والجماعة ويشهدون أن دخول المؤمنين الجنة برحمة الله وأن أحداً لا تجب له الجنة، يعتقدون ويشهدون أن أحداّ لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسناً، ولو كانت عبادته أخلص العبادات وطاعته أزكى الطاعات وطريقه مرتضى إلا أن يتفضل الله عليه فيوجبها له بمنّه وفضله.

ولهذا قال النبي ﷺ: لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قالوا ولا أنت يا رسول الله؟! قال: وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِفَضْلٍ مِنْهُ وَرَحْمَةٍ، فدخول الجنة برحمة الله حتى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن هذه الرحمة لها سبب وهو العمل فمن جاء بالسبب وهو العمل الصالح والتوحيد والإيمان نالته الرحمة ومن لم يأتِ بالسبب لم تنله الرحمة قال الله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وهذا هو ما جاء به النصوص فالنصوص التي فيها دخول الجنة بما كنتم تعملون وجزاءً بما كانوا يعملون المراد أنها سبب –أن العمل سبب والنصوص التي فيها أن الدخول برحمة الله فيها بيان أن الدخول إنما هو برحمة الله لكن بسبب العمل فمن جاء بالسبب نالته الرحمة ومن لم يأتِ بالسبب لم تنله الرحمة لأن الله حرم الجنة على الكافرين ليسو من أهل رحمته يئسو من رحمة الله أما المؤمن فهو مرحوم المؤمن الموحد مرحوم يرحمه الله ويدخله الجنة بسبب عمله والكافر ليس له رحمة فلا يُرحم وليس من أهل الجنة ولهذا قال الجنة عليه حرام قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ.

ولهذا قال المصنف رحمه الله ويعتقدون يعني أهل السنة وأهل الحديث ويشهدون أن أحداً لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسناً وعبادته أخلص العبادات وطاعته أزكى الطاعات وطريقه مرتضى إلا أن يتفضّل الله عليه فيوجبها له بمنّه وفضله إذ عمل الخير الذي عمله لم يتيسر له إلا بتيسير الله  فلو لم ييسره الله له لم يتيسر ولو لم يهده الله لفعله لم يُهدَ له أبداً بجهده وجده يعني الله هو الذي منّ على الإنسان بالعمل لولا أن الله وفقه بالعمل لما عمل، فالله تعالى هو الذي خلق الإنسان وهو الذي ربّاه بنعمه وأعطاه السمع والبصر والفؤاد وهو الذي منّ عليه بالإسلام هو الذي هداه بفضل من الله كله من الله وإليه  ولهذا قال الله تعالى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ  وقال مخبراً عن أهل الجنة: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ فالهداية من الله. 

(المتن) 

ويعتقدون ويشهدون أن الله أجّل لكل مخلوق أجلاً وأن نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، وإذا انقضى أجل المرء فليس إلا الموت وليس منه فوت قال الله وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ وقال وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا.

 ويشهدون أنّ من مات أو قُتل فقد انقضى أجله قال الله قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وقال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ

(الشرح) 

يعتقد أهل السنة وأهل الحديث ويشهدون أن الله أجّل لكل مخلوق أجلاً وأن نفساً لن تموت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا. فلن يموت أحد حتى ينقضي أجله وحتى يستوفي رزقه.

ولهذا جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ يعني في قلبي أّنَّه لَن تَمُوتَ نَفسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا أَجَلَهَا.  

وثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود في قصة خلق الإنسان في بطن أمه أنه يأتيه الملك بعد الأطوار الثلاثة بعد أن يمضي عليه أربعين يوماً نطفة ثم أربعين يوماً علقة ثم أربعين يوماً مضغة وهي مائة وعشرون يوماً أربعة أشهر يأته ملك فينفخ فيه الروح وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ، وجاء في اللفظ الآخر: يا رب ما الرزق؟ فيُكتب، يا رب ما الأجل؟ ما الشقاء؟ وما السعادة؟ ... وهكذا، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها الذي قدّره الله لها وحتى تستكمل أجلها. 

إذاً يعتقد أهل السنة ويشهدون أن الله أجلّ لكل مخلوق أجله وأنّ نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، وإذا انقضى أجل المرء فليس له إلا الموت لا بد أن يموت وليس له عنه (...) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ وقال   وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وقال سبحانه وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا. وهذا عام لكل ميت سواء مات بسبب أو بغير سبب مات مثلاً لأنه قُتل أو لأنه مات بالسم أو لأنه تردّى من جبل أو صُدم أو مات بمرض أو مات على فراشه ما مات إلا بانقضاء أجله.

ولهذا قال المؤلف: ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله المسمى، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: المقتول قُطع عليه أجله لو لم يُقتل لاستمر هذا باطل كلام المعتزلة من أبطل الباطل، المعتزلة يقولون إذا قُتل الإنسان قُطع عليه أجله وله أجلان أجل طويل وأجل قصير فلما قُتل هذا قُطع عليه أجله هذا من أبطل الباطل، فالمقتول مات بأجله لأن الله قدر له أن يموت بهذا السبب، ولهذا قال الله قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ  يعني في منافسين لما قالوا لما قُتل من قُتل في أُحد قالوا: لولا أنهم ذهبوا لما قُتلوا قال الله  هذا مؤجل يعني آجال مؤجلة لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ  لو كنتم في بيوتكم وجاء الأجل لا بد أن تخرجوا إلى مضاجعهم تذهبوا للقتال حتى توافوا آجالكم. وقال: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ. ولو كان الإنسان في بروج مشيدة ولو جعل جميع الاحتياطات إذا جاء الأجل لا بد أن يموت. 

(المتن) 

ويعتقدون أن الله سبحانه خلق الشياطين يوسوسون للآدميين ويقصدون استنزالهم ويترصدون لهم قال الله وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، وأن الله تعالى يسلطهم على من يشاء ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء قال الله وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ۝ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا وقال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝  إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ

(الشرح) 

يعتقد أهل السنة وأهل الحديث أن الله سبحانه خلق الشياطين والله تعالى خلق كل شيء خلق الشياطين وخالق الملائكة وخالق الآدميين وخالق الحيوانات والدواب، كما قال سبحانه: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وخلق الشياطين لحكمة.

والشيطان هو من لم يؤمن كل كافر من الجن يسمى شيطانا ومن آمن من الجن لا يسمى شيطانا إنما الكافر هو من يسمى شيطانا. 

خلق الله الشياطين لحكمة منها أنهم يوسوسون لبني آدم ابتلاء وامتحان ليتبين الصادق من الكاذب ليتبين المؤمن من الكافر ليتبين المجاهد لنفسه خلقهم يوسوسون لبني آدم ويغوونه ويزينون لهم المعاصي ويحسّنون لهم المعاصي ويترصدون لهم كما قال الله تعالى عن أبيهم إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، وقال في آية الأعراف: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ وقال قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ فقال الله إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأنّ الشياطين خلقهم الله يوسوسون للآدميين وسلّطهم على الناس لحكمة بالغة ليتبين الصادق من الكاذب ولينقسم الناس إلى مؤمن وكافر ولله الحكمة البالغة قال الله وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، وأن الله يسلّطهم على من يشاء ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء وله الحكمة البالغة قال الله خطاباً لإبليس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ۝ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا، هذا ابتلاء وامتحان من الله  لعباده فالله تعالى اختبر عباده في هذه الحياة الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ليتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر ممن يجاهد نفسه وشيطانه وهواه ممن يستقيم على طاعة الله ممن يستبيح المعاصي ويتّبع هواه وشيطانه، له الحكمة البالغة .  

(المتن) 

ويشهدون أنّ في الدنيا سحراً وسحرة، إلا أنّهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله ، قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.

 ومن سحر منهم واستعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى فقد كفر وإذا وصف ما يكفر به استُتيب فإن تاب وإلا ضُربت عنقه وإذا وصف ما ليس بكفر أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال: السحر ليس بحرام وأنا أعتقد إباحته وجب قتله لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه. 

(الشرح) 

يشهد أهل السنة وأهل الحديث ويعتقدون أن في الدنيا سحراً وسحرة إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله.

خلافاً للمعتزلة الذين أنكروا السحر والسحرة وقالوا: لو كان هناك سحرة وتجري على أيديهم الخوارق لالتبس في الأنبياء فأنكروا خوارق السحرة وأنكروا كرامات الأولياء لئلا تلتبس  بمعجزات الأنبياء.

وهذا باطل فالسحر والسحرة موجودون والله تعالى أخبر في القرآن الكريم بوجودهم قال سبحانه: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. فالسحر والسحرة موجودون ولكنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله الكوني القدري.

ومن تعلم السحر أو علّمه أو فعله فقد كفر.

 والسحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه والسحر في الشرع عبارة عن عزائم ورقى وعقد وأدوية و تدخينات تؤثر في القلوب والأبدان فتمرض وتقتل وتفرّق بين المرء وزوجه. 

والسحر نوعان:

النوع الأول: سحر يتصل صاحبه بالشياطين وهذا صاحبه كافر لأن الساحر الذي يتصل بالشياطين الساحر يعقد مع الشيطان عقد، يلتزم الساحر بمقتضى هذا العقد أن يكفر بالله بأن يتقرب إلى الشيطان بالشركيات التي يريدها أو يطلب منه مثلاً أن يلطخ المصحف بالنجاسة أو يسجد له و يتقرب إليه بما يريد، ثم الشيطان يستجيب لمطالب الساحر يخبره عن بعض المغيبات في البلد إذا أمره أن يلطم شخصاً لطمه أن يقتل شخصاً قتله، هناك عقد بين الساحر وبين الشيطان الجني بمقتضى هذا العقد لا بد أن يكفر الساحر يكفر بالله  خدمة متبادلة، فإذا كفر الساحر بالله وتقرّب إلى الشيطان بما يريده من الشركيات خدمه فيخدمه الجني الشيطان بالاستجابة لمطالبه والساحر من هذا النوع كافر.

والنوع الثاني: سحر لا يتصل صاحبه بالشياطين لكنه يستعمل الأدوية ويعالج الناس ويضر الناس ويأكل أموالهم بالباطل فتجده يتخذ العلاج مهنة وهو ليس من أهلها هو لا يتصل بالشياطين لكن يعالج الناس بأشياء كل من جاءه يقول عندي علاج ويأتي بأنواع من الأصبغة والأدوية، كل من جاءه يقول هذا علاج خذ هذا تدهن به وهذا اشربه وهذا اغتسل به وهكذا ويأكل أموال الناس بالباطل وقد تضرهم هذه الأدوية، فهذا إذا استحل أكل أموال الناس بالباطل فقد كفر، وإن لم يستحلها فإنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما الساحر الذي يتصل بالشياطين فإنه كافر ويجب قتله، وإذا قُتل فإنه يكون كافراً في أصح قولي العلماء، وعلى هذا فلا يغسّل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم وقيل إن قتله حدا لمنع شره وفساده، والصواب أن قتله كفر لأنه كافر والعياذ بالله لأنه لا بد أن يكفر بالله  وفي الحديث حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ، فالساحر الذي يتصل بالشيطان كافر ويجب قتله وفي الحديث حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ، ثبت أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله أن يقتلوا كل ساحر وساحرة قال الراوي : فقتلنا ثلاث سواحر، وصح عن حفصة أم المؤمنين أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقُتلت وكذلك ثبت أيضاً في الحديث حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ.

 أما الساحر الذي لا يتصل بالشياطين فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأنه يؤذي الناس ويأكل أموالهم بالباطل ويضرهم.

ولا يجوز الإتيان إلى السحرة ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم لأن الإتيان إليهم رفع لمعنوياتهم وفي الحديث: مَنْ أتى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَئٍ لم تقْبَلُ لَهُ صَلاةُ أربعينَ ليلةً وفي الحديث الآخر: مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْعَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وفي الحديث: لَيْسَ مِنّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيِّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَه ومَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ. فلا يجوز الإتيان إلى الكفرة ولا العلاج عندهم ولا سؤالهم والمريض سواء كان بالسحر أو بغيره له أن يحل السحر أن يحل السحر بالطريق المشروع لا بالطريق الممنوع.

لأن النشرة وهي حل السحر عن المسحور لها حالتان:

الحالة الأولى: حلّها بسحر مثله وهذا حرام فلا يجوز، قال الحسن: (لا يحل السحر إلا ساحر).

الحالة الثانية: حل السحر بأدوية وعقاقير طبية أو برقية شرعية : كآيات من القرآن وأحاديث نبوية وأدعية شرعية أو أدعية مباحة مثال النشرة الجائزة ما روي عن بعض السلف: أنه يُقرأ في إناءٍ فيه ماء سبع آيات في السحر منها أربع آيات في سورة الأعراف وهي: فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ۝ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ۝  قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وآية في سورة طه: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى وآيتان في سورة يونس: قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ۝ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ، تُقرأ في إناء فيه ماء ويصب على رأس المسحور فيشفى بإذن الله.

 وكذلك أيضاً قراءة آية الكرسي والقواقل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، جيد مثل الرجل إذا حُبس عن امرأته، وكذلك التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَأسَ، واشْفِ أَنْتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفاءً لا يُغَادِرُ سقَماً، وكذلك بالعقاقير والأدوية، أما حلّ السحر بسحر مثله فهذا لا يجوز.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ويشهدون أهل السنة والجماعة أنّ في الدنيا سحراً وسحرة خلافاً للمعتزلة الذين أنكروا السحر والسحرة إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله قال الله  وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. ومن سحر منهم واستعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله فقد كفر بالله ، هذا الكلام للمؤلف يقول إذا سحر أو استعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع فإنه يكفر والصواب أنه يكفر ولو لم يعتقد أنه يضر وينفع، إذا فعل السحر واتصل بالشياطين فإنه يكون كافراً، قال الله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، فمن تعلم السحر أو علمه أو فعله فإنه يكفر ولو لم يعتقد أنه يضر وينفع لأن الساحر الذي يتصل بالشياطين لابد أن يفعل الشرك (وإذا وصف ما يكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه) وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم، هل يستتاب الساحر أو لا يستتاب؟ على قولين  لأهل العلم أصحهما: أنه لا يستتاب الساحر بل يُقتل دفعاً لشره وفساده وقوله: وإن وصف ما ليس بكفر أو تكلم بما لا يُفهم نهي عنه، فإن عاد عزّر، وإن قال: السحر ليس بحرام وأنا أعتقد إباحته وجب قتله لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه، وجب قتله لأنه كافر نسأل الله السلامة والعافية . 

وفق الله الجميع.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد