شعار الموقع

شرح كتاب الإخنائية الدرس الثالث

00:00
00:00
تحميل
192

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نبينا محمد, وَعَلَى آله وصحبه أجمعين, وَعَلَى شيخ الْإِسْلَام والمسلمين أحمد بْنَ عبد الله بْنَ تيمية غفر الله له.

(المتن)

واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلّم ولا يقبّله وهذا كله محافظة على التوحيد. فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد، كما قال طائفة من السلف في

قوله تعالى: (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)[نوح/23].

قالوا: هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. وقد ذكر بعض هذا المعنى البخاري في صحيحه لما ذكر قول ابن عباس: إن هذه الأوثان صارت إلى العرب، وذكره ابن جرير الطبريّ وغيره في التفسير عن غير واحد من السلف. وذكره وثيمة وغيره في قصص الأنبياء من عدة طرق. وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في غير هذا الموضع.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نبينا محمد, وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد: ...

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلّم ولا يقبّله), يَعْنِي إِذَا زار قبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, اتفق الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَّ يمس القبر ولا يقبله بشفتيه, وَإِنَّمَا الزيارة سلام وقوفٌ أمامه ثُمَّ السلام, يَقُول: السلام عليك يا رسول الله, ويشهد له بالرسالة, نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت فِي الله حق جهاده, فجزآك الله عَنْ أمتك خير ما يجزي نبيًا عَنْ أمته.

ثُمَّ يتأخر ويسلم عَلَى الصديق, يَقُول: السلام عليك يا خليفة رسول الله, رحمك الله ورضي عنك, وجزآك عَنْ أمة محمد خيرًا, ثُمَّ يتأخر ويسلم عَلَى الفاروق السلام عليك يا عمر الفاروق يا أمير الْمُؤْمِنِينَ, رحمك الله ورضي عنك وجزآك عَنْ أمة محمد خيرًا ثُمَّ ينصرف.

وليس هناك تقبل ولا مس, وكذلك سائر القبور, إِذَا زار المسلم القبر لاَّ يمسه ولا يقبله, ليس هناك مس ولا تقبيل, وَإِنَّمَا وقوف وسلام ثُمَّ انصراف, وإِذَا دعا دعوة قليلة تابعة للزيارة فلا بأس, أَمَّا الدُّعَاء الخاص فَإِنَّهُ ينصرف إِلَى مكان آخر لاَّ يكون عِنْدَ القبر ولا فِي المسجد أو فِي البيت.

قَالَ المؤلف رحمه الله: (وهذا كله محافظة على التوحيد), يَعْنِي هَـذَا الحكم وَهُوَ كون الزائر لاَّ يمس القبر ولا يقبله محافظة عَلَى التوحيد؛ حَتَّىَ لاَّ يخدش توحيده ولا يؤثر عَلَى توحيده؛ فلا يمس القبر ولا يقبله.

قَالَ المؤلف: (فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد), واتخاذ القبور مساجد معناه هُوَ أَن يُصلى عندها, أو يًدعى عندها أو يقرأ الْقُرْآن عندها هَـذَا هُوَ اتخاذ القبور مساجد, كُلّ شَيْء صليت عنده فيه فَهُوَ مسجد, قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الحديث الصحيح: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا», كُلّ شَيْء يصلي فيها يسمى مسجد.

فاتخاذ القبور مساجد بمعنى أَنه يصلى عندها ويُدعى عندها, ويُقرأ الْقُرْآن عندها, هَـذَا من وسائل الشِّرْك القريبة إِلَى الشِّرْك, ولهذا قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الحديث الصحيح: «إِنَّ من شرار النَّاس من تدركه الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد».

  • جعل شرار النَّاس صنفين:

الصنف الأول: من تقوم عليهم الساعة, والساعة ولا تقوم إِلاَّ عَلَى الكفرة.

الصنف الثَّانِيَ: الصنف الثَّانِيَ الَّذِينَ يتخذون القبور مساجد, يتخذون القبور مساجد وسيلة إِلَى الشِّرْك.

فإذًا من أصول الشِّرْك بالله اتخاذ القبور مساجد, واتخاذ القبور مساجد معناه هُوَ الصلاة عندها وقراءة الْقُرْآن عندها والدعاء عندها, هَـذَا من سوائل الشِّرْك, ومن وسائل الشِّرْك أَيْضًا البناء عَلَى القبور وبناء القباب عليها وتشييدها وتجصيصها, وتبخيرها, ووضع الزهور والرياحين عندها, كُلّ هَـذَا من وسائل الشِّرْك من البدع.

قَالَ المؤلف رحمه الله: (كما قال طائفة من السلف فِي قوله تعالى: (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)[نوح/23]. قالوا: هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم).

يَعْنِي هَذِهِ الأسماء ود اسم رجل وسواع اسم رجل ويغوث اسم رجل ويعوق اسم رجل ونسر اسم رجل, رجال صالحين ماتوا, جاء فِي الأثر الآخر أَنَّهُمْ ماتوا فِي زمن متقارب وكانوا صالحين, فحزن النَّاس عَلَيْهِم فَقَالَ بعضهم لبعض: لو صورتهم صورهم حَتَّىَ تتذكروا عبادتهم وتتشوقون, فصوروا صورهم, ثُمَّ طال عليهم الأمد وجاء أحفادهم من بعدهم, فدب عَلَيْهِم إبليس, فَقَالَ: إِنَّمَا صور آباؤكم هَذِهِ الصور؛ لِأَنَّهُمْ يستسقون بهم, فعبدوهم من دون الله.

قَالَ المؤلف رحمه الله: (وقد ذكر بعض هذا المعنى البخاري في صحيحه هَـذَا المعنى عَنْ ابْنَ عباس), يَعْنِي ذكر البخاري فِي صحيحه عَنْ ابْنَ عباس قَالَ: هَذِهِ صور رجال قوم صالحين فماتوا فعكفوا عَلَى قبورهم فطال عَلَيْهِم الأمد فعبدوهم.

(وذكره ابن جرير الطبريّ وغيره في التفسير عن غير واحد من السلف, وذكره وثيمة وغيره في قصص الأنبياء من عدة طرق), يَعْنِي أَن هَذِهِ أسماء رجال صالحين ماتوا ثُمَّ صوروا صورهم ثُمَّ طال عَلَيْهِم الأمد فعبدوهم.

قَالَ: (وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في غير هذا الموضع), يَعْنِي بسط هَـذَا رحمه الله فِي عدد من كتبه فِي مجموع الفتاوى وفي منهاج السُّنَّة وفي غيرها من الكتب الكثيرة.

(المتن)

وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور أهل البدع من الروافض ونحوهم الذين يعطّلون المساجد ويعظّمون المشاهد التي يشرك فيها ويكذّب فيها ويبتدع فيها في دين الله ما لم ينزل الله به سلطانا، فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد كما قال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [الأعراف: 29].

وقال: (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)[الجن: 18].

وقال: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[التوبة: 18].

وقال: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ)[البقرة: 187].

وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)[البقرة: 114].

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك». والله تعالى أعلم.

(الشرح)

يَقُول المؤلف رحمه الله: (وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور أهل البدع), الحديث فِي زيارة القبور منها ما سبق فِي أَوَّل الرسالة كحديث: «من حج فَلَمْ يزرني فقد جفاني», والحديث الآخر: «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني بعد مماتي», والحديث الثالث: «من زارني وزار قبر أبي إبراهيم ضمنت له عَلَى الله الجنة», كُلّ هَذِهِ أحاديث ضعيفة جدًا أو مكذوبة.

وكذلك أيضًا الحديث المشهور عَنْ عباد القبور وضعه عباد القبور : «إِذَا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور», هَـذَا حديث مكذوب وضعه الْمُشْرِكُونَ, فَهَذِهِ الأحاديث المكذوبة يَقُول المؤلف رحمه الله: (وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور أهل البدع), ومن أَوَّل أهل البدع الرافضة, هم أسبق النَّاس إِلَى الشِّرْك, أسبق النَّاس إِلَى الشِّرْك الرافضية الَّذِينَ عظموا قبر الحسين, وشيدوه, وكذلك غيره من القبور.

فأهل البدع هم الَّذِينَ وضعوا الحديث فِي فضل السفر إِلَى زيارة القبور, حَتَّىَ إِنَّ من شيوخ الرافضية وَهُوَ النعمان بْنَ مفيد وضع للقبور وضع لها حج, ألف كتاب سماه " حج المشاهد " جعل للمقبرة حج, ألف مؤلف قَالَ: القبور يحج لها كما يحج لبيت الله, وَقَالَ: إِذَا أقبل عل القبر فإنك تحرم, يحرم كما يحرم الحاج إِلَى بيت الله, فَإِنَّهُ إِذَا أقبل عَلَى القبر فَإِنَّهُ يحرم ثُمَّ إِذَا وصل إِلَى القبر استلمه وطاف به سبعة أشواط, ثُمَّ يصلي ركعتين تحته, ثُمَّ يحلق رأسه ثُمَّ يذبح, يَقُول: إِنَّ عباد القبور هكذا يفعلون, كما ذكر العلامة ابْنَ القيم, ثُمَّ إِذَا انتهوا يهنئ بعضهم بعضًا, ويقول: عظم الله أجرك, يَعْنِي هَـذَا الوثن.

ويقول بعضهم لبعض: أتبيع هَذِهِ الْحجَّة بحجة إِلَى بيت الله الحرام؟ قَالَ: لاَّ, ولا بألف حجة, هكذا الْمُشْرِكُونَ والعياذ بالله, وضعوا حج المشاهد, مؤلف خاص سماه حج المشاهد, أَوَّل من وضع هَذِهِ البدع وَهَذِهِ الأحاديث فِي السفر إِلَى المشاهد هم أهل البدع وأسبقهم الرافضة.

 قَالَ: (وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور أهل البدع من الروافض ونحوهم الذين يعطّلون المساجد ويعظّمون المشاهد), والعياذ بالله, عكسوا خالفوا دين الله, دين الله يأمر بتعظيم المساجد, وعدم تعظيم المشاهد وهم عكسوا, عطلوا المساجد من العبادة وعظموا القبور والمشاهد.

قَالَ المؤلف: يدعون بيوت الله ويعظمون المشاهد, يدعون بيوت الله الَّتِي أمر الله أَن يذكر فيها اسمه ويُعبد وحده لاَّ شريك له كما قَالَ تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ)[النور/36] .

ويعظمون المشاهد, المشاهد القبور, (يعظمون المشاهد التي يشرك فيها ويكذّب فيها ويبتدع فيها في دين الله ما لم ينزل الله به سلطانًا)، هَذِهِ مشاهد القبور الَّتِي يشرك فيها بالله ويكذب الرسول عليه الصلاة والسلام, ويبتدع دينٌ لَمْ ينزل الله به سلطانًا.

قَالَ المؤلف: (فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد), الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فيهما ذكر المساجد دون المشاهد كما فِي الآية(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)[النور/36-37] .

وكما في قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[التوبة/18] .

وكقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان», وإن كان الحديث فيه لين في بعضه ضعف ولكن له شواهد, وكذلك الأحاديث التي فيها أَن الخطوات إِلَى المسجد تكتب, وحديث: «بشر المشاءين بالظلم إِلَى المساجد بالنور التام يوم القيامة».

فالكتاب والسنة فيهما تعظيم المساجد وليس فيما تعظيم المشاهد, وأهل البدع من الرافضة وغيرهم عكسوا, عظموا المشاهد وعطلوا المساجد.

والمؤلف ذكر أيضًا أدلة من الكتاب العزيز ومن السنة فيها تعظيم المساجد, قال: (كما قال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[الأعراف: 29]). الشاهد: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)؛ (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)؛ يَعْنِي بالعدل (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ), وادعوه يَعْنِي واعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[الأعراف: 29]. له العبادة.

وقال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮱ)[التوبة/18] .

وقال: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮚ)[البقرة/187] .

وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)[الجن/18] .

وَقَالَ تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮓ)[البقرة/114] .

هذه النصوص كلها في تعظيم المساجد, أهل البدع عطلوا هذه النصوص, وعطلوا المساجد, وضربوا بهذه النصوص عرض الحائط, وعظموا المشاهد والقبور, ثم ذكر المؤلف أدلة من السنة في تعظيم المساجد.

قال: (وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك».), والحديث رواه مسلم فِي صحيحه عَنْ جندب بْنَ عبد الله البجلي, قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أَن يموت بخمس وَهُوَ يَقُول: «إني أبرأ إِلَى الله أَن يكون لنبيكم خليل, فَإِن الله قَدْ اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذ من أُمَّتِي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلًا, ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مسجد».

وفي رواية: «وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد», وَهَذِهِ الزياة فيها فائدة وهِيَ أَنَّهُ ليس خاص بقبور الأنبياء فقط حَتَّىَ الصَّالِحِين, «وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد».

وهذا الحديث فيه النهي من جهتين:

من جهة «لاَّ تتخذوا القبور», لاَّ نهي.

والموضع الثَّانِيَ قوله: «إِنَّي أنهاكم», بالفعل.

«لاَّ تتخذوا القبور مساجد», هَـذَا نهي, ثُمَّ أكده بالنهي الثَّانِيَ فَقَالَ: «إني أنهاكم عَنْ ذَلِكَ», ومع ذَلِكَ أبى أهل البدع إِلاَّ أَن يعظموا القبور ويعطلوا المساجد.

(المتن)

هَـذَا آخر ما أجاب به شيخ الْإِسْلَام والله سبحانه وتعالى أعلم, وله من الكلام فِي مثل هَـذَا كثير, كما أشار إليه فِي الجواب, وَلَمَّا ظفروا فِي دمشق.

(الشرح)

ابْنَ عبد الهادي من تلاميذ شيخ الْإِسْلَام رحمه الله يَقُول: هَـذَا آخر ما وجدت من جواب الشيخ رحمه الله عَلَى هَذِهِ المسألة الزيارة البدعية والشركية, قَالَ: (وله من الكلام فِي مثل هَـذَا كثير), يَعْنِي شيخ الْإِسْلَام له مثل هَـذَا كثير, كما وجد فِي مجموع الفتاوى وغيره, كما أشار إليه فِي الجواب.

(المتن)

وَلَمَّا ظفروا فِي دمشق بِهَذَا الجواب كتبوه وبعثوا به إِلَى الديار المصرية, وكتب عَلَيْهِ قاضي الشافعية: قابلت الجواب عَنْ هَـذَا السؤال المكتوب عَلَى خطب ابْنَ تيمية فصح إِلَى أَن قَالَ: وَإِنَّمَا المخرف جعله زيارة قبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء صلوات الله عَلَيْهِم معصية بالإجماع مقطوعٌ بها, هَـذَا كلامه, فانظر إِلَى هَـذَا التحريف عَلَى شيخ الْإِسْلَام.

(الشرح)

المؤلف يَقُول: (وَلَمَّا ظفروا فِي دمشق بِهَذَا الجواب), جواب شيخ الْإِسْلَام فِي الزيارة البدعية والشرعية بعثوا به إِلَى الديار المصرية وكتب عَلَيْهِ قاضي الشافعية فِي زمانه, (قابلت الجواب عَنْ هَـذَا السؤال المكتوب عَلَى خطب ابْنَ تيمية فصح), يَعْنِي أَنَّهُ قابله فوجده صحيحًا إِلَى أَن قَالَ: (وَإِنَّمَا المخرف جعله زيارة قبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء صلوات الله عَلَيْهِم معصية بالإجماع مقطوعٌ بها), يَقُول: المخرف جعل زيارة قبر النَّبِيّ وقبور الأنبياء معصية بالإجماع مقطوع بها, هَـذَا كلامه, يَقُول: فانظر إِلَى هَـذَا التحريف عَلَى شيخ الْإِسْلَام, يَعْنِي حرفه, قَالَ: إِنَّمَا المخرف هُوَ الَّذِي جعل هَذِهِ الزيارة, هَـذَا تحريف لكلام الشيخ, الشيخ واضح فِي كلامه الآن أَن السفر إِلَى زيارة القبور هُوَ المنهي عنه, أَمَّا زيارة قبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء وقبور الصَّالِحِين من دون سفر هَـذَا طاعة, زيارة الميت والدعاء له هَـذَا طاعة, قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».

قَالَ: «كنت نهيتكم عَنْ زيارة القبور ألا فازوروها فإنها تذكركم الآخرة».

إِذَا زار المسلم زيارة شريعة وفي البلد من دون سفر هَـذَا سُنَّةَ, تزور الميت وفيه مصلحة للحي ومصلحة للميت, فائدة للحي وفائدة للميت, فائدة للحي يرق قلبه ويتذكر الآخرة, وفائدة للميت يَدْعُو له أخوه, يَأْتِيَ ويقول: السلام عليك يا فلان ورحمة الله وبركاته, غفر الله لك ورحمك ويصله.

لَـكِن الزيارة البدعية كونه يَدْعُو الله عنده أو يصلي عنده أو يقرأ الْقُرْآن عنده أو يجعل عَلَى القبور مشاهد قباب أو زهور ورياحين هَـذَا من وسائل الشِّرْك.

(المتن)

والجواب ليس فيه منع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين, وَإِنَّمَا ذكر فيه قولين فِي شد الرحل والسفر إِلَى مجرد زيارة القبور, وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة, وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى.

(الشرح)

يَقُول: ليس جواب الشيخ ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين, وَإِنَّمَا فيه المنع من شد الرحل, ذكر فيه قولين لشد الرحل والسفر إِلَى مجرد زيارة القبور فقط هَـذَا هُوَ الَّذِي فيه الكلام, أَمَّا زيارة القبور من غير شد رحل فَهَذِهِ مسألة وكما سبق أَنَّهُ سُنَّة إِذَا كان فِي البلد إِذَا كانت زيارة شرعية, وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى.

(المتن)

والشيخ لاَّ يمانع الزيارة الخالية عَنْ شد الرحل, بَلْ يستحبها ويندب إليها, وكتبه مناسكه تشهد بذلك, وَلَمْ يتعرض الشيخ لهذه الزيارة بالفتيا, ولا قَالَ: إنها معصية, ولا حكى الإجماع عَلَى المنع منها, والله سبحانه وتعالى لاَّ تخفى عَلَيْهِ خافية.

(الشرح)

يَعْنِي هَـذَا اللي خرف كلام شيخ الْإِسْلَام وَقَالَ: إِنَّ شيخ الْإِسْلَام يَقُول: إِنَّ زيارة قبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء معصية بالإجماع, هَـذَا كذب عَلَى الشيخ, الشيخ لاَّ يمنع من الزيارة الخالية عَنْ شد الرحل إِذَا كانت فِي البلد.

بَلْ يراها مستحبة ومندوبة, وكتبه ومناسكه تشهد بذلك, وَلَمْ يتعرض الشيخ إِلَى هَذِهِ الزيارة فِي الفتيا, ولا قَالَ: إنها معصية, ما قَالَ الشيخ إِنَّ زيارة القبر معصية, ولا قَالَ: إنها ممنوعة, بَلْ يراها فِي البلد سُنَّةَ ومستحبة, الخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي السفر إِلَى زيارة القبور.

وكذلك الزيارة البدعية هَـذَا هُوَ الممنوع, أَمَّا الزيارة الشرعية فَهَذَا هو المستحب, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور, قَالَ: «زوروا القبور», وَالأَمْرُ أقل أحواله الندب والاستحباب, فالقول بأن الشيخ يَقُول: إِنَّ زيارة القبور معصية بالإجماع فَهَذَا, يَقُول المؤلف: والله لاَّ تخفى عَلَيْهِ خافية, الله تعالى لا تخفى عَلَيْهِ خافية فَهَذَا الَّذِي كذب عَلَى الشيخ سوف يلقى ربه وسوف يحاسبه.

(المتن)

وَلَمَّا وصل خط القاضي المذكور إِلَى الديار المصرية كثر الكلام وعظمت الفتنة, وطلب القضاة بها, فاجتمعوا وتكلموا وأشار بعضهم بحبس الشيخ, رسم السلطان به وجرى ما تقدم ذكره, ثُمَّ جرى بعد ذَلِكَ أمور عَلَى القائمين فِي هَذِهِ القضية؛ لاَّ يمكن ذكرها فِي هَـذَا الموضع.

ثُمَّ ذكر ابْنَ عبد الهادي رحمه الله تعالى انتصار العلماء للشيخ فِي مسألة شد الرحال إِلَى القبور فِي كتابه " العقود الدرية " .

(الشرح)

يَعْنِي هَـذَا ابتلاء وامتحان حصل للشيخ رحمه الله لَمَّا وصل خط القاضي المذكور؛ لِأَنَّ القاضي كتب قاضي الشافعية فِي ذَلِكَ, كتب: إني قابلت الجواب عَلَى مكتوب ابْنَ تيمية وَقَالَ: إِنَّهُ جعل زيارة قبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء معصية بالإجماع, لَمَّا وصل خط القاضي المذكور إِلَى الديار المصرية كثر الكلام, فعظمت الفتنة وطلب القضاة اجتمعت القضاة, واجتمعوا وتكلموا, يَعْنِي هَـذَا كُذب عَلَى الشيخ, كذبوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: أَنَّهُ منع من الزيارة وَأَنَّهُ قَالَ: الزيارة معصية بالإجماع, ثُمَّ أُمر بحبس الشيخ, حبس ابتلاء وامتحان فأمر السلطان بحبسه, ثُمَّ بعد ذَلِكَ أفرج عنه وجرى بعد ذَلِكَ أمور معروفة.

ثُمَّ ذكر ابْنَ عبد الهادي تلميذ المؤلف أَن العلماء انتصروا للشيخ فِي مسألة شد الرحل, والله أعلم وصلى الله عَلَى نبينا محمد, وَبِهَذَا نكون انتهينا من الرسالة هَذِهِ ننتقل إِلَى الرسالة الثانية " الفرق المبين بين مذهب السلف وابن سبعين " .

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد