قَوْلِ اللَّهِ
[الحَشر: 24]{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ}
}7409{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ، وَلاَ يَحْمِلْنَ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ قَزَعَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا».
في هذه الترجمة إثبات أربعة أسماء للرب تعالى: [الحَشر: 24]{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ}» .
الاسم الأول: الله، وقيل: هو اسم الله الأعظم. وهو أعرف المعارف.
الاسم الثاني: الخالق.
الاسم الثالث: البارئ.
الاسم الرابع: المصور.
وهذه الأسماء الأربعة متضمنة ودالة على الصفات وليست جامدة بل هي مشتقة، فكل اسم مشتمل على صفة، فالله: يدل على صفة الألوهية فهو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، والخالق: مشتمل على صفة الخلق، والبارئ: مشتمل على صفة البرء، والمصور: مشتمل على صفة التصوير، وهي صفات فعلية؛ لكونها تتعلق بالمشيئة والاختيار.
}7409{ قوله: «حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ» حَبان: بالحاء المهملة والباء الموحدة هكذا ضبطه في «التقريب»، وقد غلَّط العينيُّ الشارحَ فقال: «بالمثناة التحتية حيان»، والصواب حبان بفتح الحاء والباء الموحدة.
قوله: «أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا» ، والسبايا هن النساء اللاتي يصيبها المسلمون في الجهاد في سبيل الله، وتوزع النساء السبايا على الجيش يوزعها قائد الجيش، ومن أصاب امرأة يجوز له أن يتسراها بعد أن يستبرئها بحيضة فلابد أن تحيض حتى لا تختلط الأنساب، ثم له أن يطأها وينفسخ نكاحها من زوجها الكافر السابق بالسبي، وله أن يبيعها فيصير نساؤهم وذراريهم عبيدًا للمسلمين.
فالرق سببه الجهاد في سبيل الله، ووجود الرق يدل على قوة المسلمين، وعدم وجود الرق يدل على ضعف المسلمين، والآن ليس ثمة رق إلا إذا انتصر المسلمون في الشيشان على الروس وسبوا نساءهم وذراريهم وصاروا عبيدًا لهم.
فالمسلمون في غزوة بني المصطلق أصابوا سبايا؛ لأنهم انتصروا على الكفار في غزوة أوطاس وغنموا أموالهم ونساءهم، ووزعت نساؤهم على المسلمين، فأرادوا أن يستمتعوا بهن، وكل واحد يريد أن يطأ السبية يستمتع بها ويجامعها ولا يريد أن تحمل؛ لأنها إذا حملت وأتت بولد صارت أم ولد ولا يبيعها.
قوله: «فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعَزْلِ» ، العزل معناه: إنزال المني خارج الفرج، وهو أن يجامع زوجته أو سريته، وإذا أراد أن ينزل أخرج ذكره حتى لا تحمل، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا العمل هل هو جائز؟
وقد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل في جماع الإماء، فرخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، المعنى: لا بأس أن تفعلوا هذا، فإذا أراد الله خلق النفس سبقه الماء إلى الرحم؛ فتحمل المرأة ما كتب الله أن يخلق.
قوله: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فيه: إثبات الكتابة لله وأنها من الصفات الفعلية؛ لتعلقها بالمشيئة.
وفيه: إثبات اسم الخالق وإثبات صفة الخلق وأنها من الصفات الفعلية؛ لكونها تتعلق بالمشيئة. فالحديث:
فيه: إثبات صفة الكتابة.
فيه: إثبات صفة الخلق.
فيه: إثبات اسم الخالق والآية فيها إثبات هذه الأسماء: الله الخالق البارئ المصور.
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [ص: 75]{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
}7410{ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَمَا تَرَى النَّاسَ؟ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَهَا، وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَْرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا، وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ. ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ قُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعْ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ» قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنْ الْخَيْرِ ذَرَّةً».
}7411{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلأَْى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» وَقَالَ «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ» وَقَالَ: «عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُْخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ».
}7412{ حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَْرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ».
رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ.
}7413{ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.
وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَْرْضَ».
}7414{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَْرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ [الأنعَام: 91]{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
قَالَ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ .
}7415{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَْرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: [الأنعَام: 91]{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
هذه الترجمة معقودة لإثبات اليدين لله عز وجل، قال المؤلف رحمه الله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [ص: 75]{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}» ففي آية الترجمة إثبات اليدين لله عز وجل بالتثنية، وهما صفتان من صفات ذاته سبحانه وتعالى، ووجه الدلالة أن الله أضاف اليدين بالتثنية إلى ضمير نفسه في قوله: {بِيَدَيَّ} ، ومثله قول الله تعالى: [المَائدة: 64]{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فذكر {يَدَاهُ} بالتثنية، ففي ذلك إثبات اليدين لله تعالى ولا يشابهه أحد من خلقه، أما أهل البدع فيؤولون اليدين بمعنى القدرتين، وبعضهم يقول: اليد معناها النعمة. وهذ باطل؛ لأنه يفسد المعنى فلو فسرت اليد بالقدرة في قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} يعني: بقدرتي؛ فالقدرة واحدة وليست قدرتين وكذلك النعمة، فلا يصح أن يقول خلقت بنعمتي، فهل النعمة تخلق؟! فتفسير أهل البدع اليد بالقدرة والنعمة هذا من أبطل الباطل، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن لله تعالى يدين حقيقيتين، وأما قول الله تعالى: [يس: 71]{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} فهذه جمع الأيدي، وأضافها أيضا إلى ضمير نفسه.
}7410{ ساق المؤلف رحمه الله حديث الشفاعة من حديث أنس رضي الله عنه.
قوله: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فيه: إثبات يوم القيامة، وإثبات البعث والنشور، والجزاء والحساب، وأنه لابد من الإيمان بالبعث، وأن من لم يؤمن بالقيامة والبعث فهو كافر بنص القرآن وبإجماع المسلمين قال الله تعالى: [التّغَابُن: 7]{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}، وقال سبحانه: [سَبَإ: 3]{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}، وقال عز وجل: [يُونس: 53]{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} فهذه ثلاث آيات أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم على الساعة والبعث.
وقوله: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا» ، فالحديث مختصر؛ وجاء في الحديث الآخر: «أن الشمس تدنو من الرؤوس ويزاد في حرارتها وأنهم موقوفون في يوم كان مقداره خمسون ألف سنة وأن العرق يلجمهم على حسب الأعمال»[(693)] أي: على حسب أعمالهم؛ فمنهم من يلجمه العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، وذلك على حسب الأعمال، ومنهم غير ذلك، فيموج الناس بعضهم إلى بعض كما في الحديث الآخر، قال تعالى: [المدَّثِّر: 8-10]{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ *فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ *عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ *}.
فيأتي الناس إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد، لكن لماذا لم يأت الناس إلى محمد صلى الله عليه وسلم من أول وهلة وهم يعلمون أنه لا يشفع إلا النبي صلى الله عليه وسلم؟
_خ الجواب: أن ذلك حتى يتميز ويظهر فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولأن الناس في يوم القيامة كثيرون من هذه الأمة ومن غيرها، وقد ينسون.
قوله: «فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَمَا تَرَى النَّاسَ؟» ، وفي لفظ أنهم قالوا: «يا آدم اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من موقفنا أما ترى إلى ما نحن فيه»[(694)] وفي هذا الحديث قوله: «أَمَا تَرَى النَّاسَ؟ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ» هذا هو الشاهد من الحديث وهو إثبات اليد لله سبحانه وتعالى.
قوله: «وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا» ، هذه ميزات وخصائص لآدم، منها أن الله خلقه بيده وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء أما الذين ينكرون اليد لله ويقولون: لم يخلق الله آدم بيده فهذا معناه: إنكار فضل آدم وميزاته وعلى كلامهم ليس هناك فرق بين خلق آدم وخلق إبليس؛ لأن الله عز وجل خلق إبليس بقدرته، وإبليس أعرف من هؤلاء الذين أنكروا صفة اليد؛ فقد قال الله تعالى لإبليس: [ص: 75]{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، ولو كان المراد باليد القدرة لقال إبليس وأنا خلقتني بقدرتك أيضا فأنا مثل آدم، فلم ينكر هذا إبليس لكن اعترض وقال: أنا مخلوق من نار وهو مخلوق من طين والنار أفضل من الطين ولا يخضع الفاضل للمفضول.
قوله: «فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَهَا» ، وخطيئته هي أكله من الشجرة مع أنه تاب، والتائب لا خوف عليه، لكن لا يزال يذكرها.
قوله: «وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَْرْضِ» ، فهذا الحديث صريح في أن نوحًا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض لكن كيف يجاب عما ورد من أن آدم نبي وشيث نبي قبل نوح؟ يقال: إن آدم رسول إلى بنيه خاصة قبل وقوع الشرك؛ لأن الشرك لم يقع إلا في زمن نوح، أما في زمن آدم فلم يكن ثمة شرك بل وقعت معصية قتل قابيل أخاه هابيل، كما قال ابن عباس في قول الله تعالى: [البَقَرَة: 213]{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}، والتقدير: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين، وفي الآية الأخرى: [يُونس: 19]{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} قال ابن عباس رضي الله عنهما على هذه الآية: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد ثم حدث الشرك في قوم نوح؛ فبعث الله نوحًا إلى أهل الأرض؛ ينهى عن الشرك ويدعو إلى التوحيد فقيل: إن آدم نبي أوحي إليه بما يعمله في نفسه وليس برسول، وقيل: إنه رسول إلى بنيه خاصة قبل وقوع الشرك، وأما نوح فهو رسول إلى بنيه وإلى غير بنيه، وهو أول رسول بعد حدوث الشرك.
قوله: «فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ» وخطيئة نوح أنه دعا على أهل الأرض، قال تعالى: [نُوح: 26]{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *}.
قوله: «وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا» خطايا إبراهيم هي كذباته الثلاث وهي كلها في ذات الله وهي تورية، لكن يحتج بها؛ لأن المقام عظيم:
الكذبة الأولى: أنه لما كسر الأصنام وضع الفأس على الصنم الكبير فقالوا من فعل هذا؟ قال: هذا، فهو يعتبرها كذبة.
الكذبة الثانية: لما نظر في النجوم: [الصَّافات: 89]{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ *} أراد أن يبين لهم بطلان عبادة الكواكب.
الكذبة الثالثة: لما قال عن زوجته: إنها أختي وتأول أنها أخته في الإسلام حتى لا يأخذها الملك الظالم ـ ملك مصر ـ في ذلك الزمان. ومع ذلك يعتذر.
قوله: «وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ» ، خطيئته هي قتله القبطي قبل النبوة، وذلك أنه لما خرج وهو في ديار مصر وجد إسرائيليًّا من جماعته وقبطيًّا من جماعة فرعون يقتتلان فاستغاثه الإسرائيلي على القبطي فضربه فكانت الضربة هي القاضية، ثم خرج من ديار مصر وذهب إلى مدين، فاعتذر موسى مع أنه تاب، وكان ذلك قبل النبوة أيضًا.
قوله: «وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ» ، كلمته يعني: مخلوق بكلمة الله، وروحه يعني: روحه شريفة من الأرواح التي خلقها الله.
قوله: «فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ» ولا يذكر ذنبًا إلا أنه يقول: الناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله.
قوله: «وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ» ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ» ، التقدير: ارفع يا محمد.
قوله: «وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» فالنبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو أشرف الناس ـ لا يشفع حتى يأتيه الإذن؛ لقوله تعالى: [البَقَرَة: 255]{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
قوله: «فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» ، أي: يحد الله له حدًا بالعلامة من كذا إلى كذا فيخرجهم من النار.
قوله: «ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» ، أي: يحدهم بعلامة أيضًا.
ثم قال ـ وهذه المرة الثالثة: «ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ قُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعْ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» ، يعني: بالعلامة فيشفع ثلاث مرات، فسياق الحديث في الشفاعة العظمى، والعلماء يختصرونه ويذكرون الشفاعة في إخراج العصاة من النار، وقصدهم من ذلك الرد على الخوارج والمعتزلة الذين أنكروا خروج العصاة من النار وأنكروا الشفاعة مع أن نصوص الشفاعة متواترة؛ فالشفاعة العظمى ليس فيها خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف حتى يُقضى بينهم حتى الخوارج والمعتزلة أقروا بها، لكن الخلاف في إخراج العصاة من النار بالشفاعة؛ فهذه أنكرها المعتزلة والخوارج وقالوا: من دخل النار لا يخرج منها أبد الآباد وذهبوا إلى أن العصاة مخلدون في النار لا يخرجون منها وأنكروا الشفاعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع ثلاث مرات، وثبت أيضًا أن الأنبياء يشفعون، والأفراط يشفعون، والشهداء يشفعون، وأن المؤمنين يشفعون فهذه شفاعة مشتركة، أما الشفاعة العظمى لأهل الجنة بالإذن لهم في دخولها فهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الشفاعة لعمه أبي طالب في تخفيف العذاب، أما بقية الشفاعات فهي مشتركة.
قوله: «ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ» المراد بمن حبسه القرآن ووجب عليهم الخلود هم الكفار الذين أخبر الله عنهم في القرآن أنهم مخلدون، وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم على حسب علمه فظن أنه ما بقي إلا الكفرة، وإلا فقد ورد أنه يبقى في النار بقية من العصاة لم تبلغهم الشفاعة؛ فيخرجهم الله تعالى من النار فيخرج أقواما لم يعملوا خيرا قط، وقد جاء في الحديث: «أن الله عز وجل قال: قد شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا رحمتي وأنا أرحم الراحمين فيخرج قوما من النار لم يعملوا خيرًا قط»[(695)] يعني: زيادة على التوحيد والإيمان.
قوله: «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنْ الْخَيْرِ ذَرَّةً» . فمعلوم أن الإيمان لا ينتهي إلا بالكفر، فالمعاصي ولو عظمت ولو كثرت لا تقضي على الإيمان فلابد أن يبقى بقية من الإيمان، لكن المعاصي تضعف الإيمان حتى لا يبقى إلا مقدار ذرة يخرج بها من النار، لكن ينتهي الإيمان إذا وُجد الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر ويخلد صاحبه في النار، أما إذا سلم الإنسان من الشرك الأكبر والكفر الأكبر والنفاق الأكبر فهو موحد، ولو كثرت المعاصي ولو عظمت، وفي حديث آخر: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان»[(696)] فالمعنى: أن من كان في قلبه شيء من الإيمان ولو كان قليلاً فإنه لا يخلد في النار.
}7411{ الحديث فيه: إثبات اليدين لله عز وجل.
قوله: «يَدُ اللَّهِ مَلأَْى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» ، أي: لا تنقصها.
قوله: «سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» يعني: دائمة الصب بالليل والنهار، والليل والنهار منصوبان على الظرفية.
قوله: «وَقَالَ «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ»» يعني: لم ينقص.
قوله: «وَقَالَ: «عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُْخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ»» فيه: إثبات اليدين لله عز وجل، وفيه: إثبات الميزان، وفي الآية الكريمة: [الأنبيَاء: 47]{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، وفي الحديث الآخر: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة»[(697)] فتوزن الأعمال وتوزن الأشخاص.
وقوله: «وَبِيَدِهِ الأُْخْرَى» فيه: أن لله تعالى يدين اثنتين، وجاء في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عند مسلم مرفوعًا: «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين»[(698)] وفيه: إثبات اليدين لله عز وجل، وكذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين»[(699)] وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما رفعه: «أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين»[(700)] ، فهذه الأحاديث فيها: إثبات اليدين لله يمين وشمال، وأما قوله «وكلتا يديه يمين» يعني: في الفضل والشرف والبركة والعظمة وعدم النقص فهي ليست كما يكون للمخلوق، بأن تكون يمينه أقوى من شماله والشمال يكون فيها نقص.
}7412{، }7412{ قوله: «يَقْبِضُ» هو من الصفات الفعلية، الشاهد قوله: «وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ» فيه: إثبات اليمين لله، وإثبات اليد لله، والرد على من أنكرها، وأولها بالقدرة والنعمة.
قوله: «وَقَالَ عُمَرُ» هذا حديث عمر بن حمزة عن سالم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما معلقا، وقد وصله مسلم وأبو داود وغيرهما من رواية أبي أسامة.
وفيه: ذكر الشمال[(701)]، وأن للرب شمالاً كما أن له يمينًا، والرواية فيها كلام من أجل عمر بن حمزة فقد قال احمد: له مناكير، وضفعه غيره[(702)]. إلا ان مسلما ينتقي من احاديث المتكلم فيهم ممن خرج لهم[(703)].
}7414{، }7415{ في هذه الأحاديث إثبات الأصابع للرب عز وجل، وأن لله خمسة أصابع وهي صفات ذاتية تليق بالله، وأن الله تعالى يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر والثرى على أصبع وسائر خلقه على أصبع.
في الحديث الأول: «يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَْرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ» فهذه خمسة أصابع.
وفي الأحاديث عظمة الرب سبحانه وتعالى، وأن هذه المخلوقات العظيمة لا تساوي شيئا بالنسبة إلى عظمة الخالق فالسموات كلها يطويها الله بيمينه ويضعها على أصبع.
وفي الحديث الآخر: «ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم»[(704)] الخردلة: الحبة الصغيرة، ومعلوم أن الإنسان إذا كان بيده خردلة فهو مستول عليها إن شاء قبضها وإن شاء جعلها تحته فهي لا تساوي شيئًا.
وهذا فيه: الرد على أهل البدع الذين أنكروا الأصابع، وأشكل عليهم هذه الصفات وأولوها، وقالوا: لا يمكن أن يكون لله أصبع، ولا يكون له، فنقول: إن الله تعالى أثبتها لنفسه والرسول صلى الله عليه وسلم أثبتها لله عز وجل فكيف تستوحشون من إثبات الأصابع لله؟!
قوله: «أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ» فيه: إثبات اسم الملك لله عز وجل.
قوله: «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» أي: تعجبًا وتصديقًا لقول الحبر من اليهود ـ كما في الرواية الثانية ـ فالنبي صلى الله عليه وسلم صدق هذا الحبر؛ لأن أهل الكتاب عندهم علم من الكتب السابقة: التوراة، والإنجيل، وهذا مما كان عندهم ولم يحرفوه؛ ولهذا ضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: قبول الحق ممن جاء به ولو كان كافرا، والباطل يرد على من قاله ولو كان كبيرًا؛ فهذا اليهودي جاء بحق فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم وضحك تعجبًا وتصديقًا. أما بعض أهل البدع، فيقولون: ضحك إنكارًا عليه وعلى اليهود، وهذا من التأويل الباطل، قال: «ثُمَّ قَرَأَ:» أي: النبي صلى الله عليه وسلم «{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}» ، يعني: قوله تعالى: [الزُّمَر: 67]{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فيه: أن الأرض قبضة الله يوم القيامة، فهذه النصوص واضحة في إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، وإثبات الأصابع كما يليق بعظمته لا يشبهه أحد من خلقه؛ لقوله عز وجل: [الشّورى: 11]{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} ولا ينبغي للإنسان أن يستوحش ولا أن يستنكر ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ وهو أعلم بنفسه سبحانه وتعالى ـ وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، بل عليه أن يطمئن ويسلم ويثبت الصفات والأسماء التي وردت في الكتاب والسنة على ما يليق بجلال الله وعظمته.
وإثبات اليد مأخوذ من قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن فورك: قيل: اليد بمعنى الذات. وهذا يستقيم في مثل قوله تعالى: [يس: 71]{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} بخلاف قوله: [ص: 75]{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فإنه سيق للرد على إبليس، فلو حمل على الذات لما اتجه الرد، وقال غيره: هذا يساق مساق التمثيل للتقريب؛ لأنه عهد أن من اعتنى بشيء واهتم به باشره بيديه فيستفاد من ذلك أن العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره».
يقول: هذا ليس فيه إثبات لليد، وإنما سيق مساق التمثيل للتقريب؛ لأنه من العادة أنه من اعتنى بشيء واهتم به باشره بيديه، وإلا فليس لله يدان، وهذا تأويل باطل.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «واليد في اللغة تطلق لمعان كثيرة اجتمع لنا منها خمسة وعشرون معنى ما بين حقيقة ومجاز:
الأول: الجارحة.
الثاني: القوة؛ نحو [ص: 17]{دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ}.
الثالث: الملك [آل عِمرَان: 73]{إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ}.
الرابع: العهد [الفَتْح: 10]{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، ومنه قوله: هذي يدي لك بالوفاء.
الخامس: الاستسلام والانقياد. قال الشاعر:
أطاع يدًا بالقول فهو ذلول
السادس: النعمة. قال: وكم لظلام الليل عندي من يد.
السابع: الملك [آل عِمرَان: 73]{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ}.
الثامن: الذل [التّوبَة: 29]{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ}
التاسع: [البَقَرَة: 237]{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}.
العاشر: السلطان.
الحادي عشر: الطاعة.
الثاني عشر: الجماعة.
الثالث عشر: الطريق. يقال: أخذتهم يد الساحل.
الرابع عشر: التفرق. تفرقوا أيدي سبأ.
الخامس عشر: الحفظ.
السادس عشر: يد القوس أعلاها.
السابع عشر: يد السيف مقبضه.
الثامن عشر: يد الرحى عود القابض.
التاسع عشر: جناح الطائر.
العشرون: المدة. يقال: لا ألقاه يد الدهر.
الحادي والعشرون: الابتداء.
الثاني والعشرون: يد الثوب.
الثالث والعشرون: يد الشيء أمامه.
الرابع والعشرون: الطاقة.
الخامس والعشرون: النقد».
فذكر المراد باليد في خمسة وعشرين معنى كلها مجازات، وإذا كان هؤلاء العلماء الكبار يتأولون هذه التأويلات؛ لأنهم لم ينشؤوا على معتقد أهل السنة والجماعة فهذا يفيد طالب العلم العناية بمعتقد أهل السنة والجماعة والعض عليه بالنواجذ والحرص على أخذ المعتقد الصحيح والقراءة لكتب أهل السنة والجماعة من التفاسير وغيرها حتى يكون المسلم على بصيرة.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن بطال: لا يحمل ذكر الأصبع على الجارحة، بل يحمل على أنه صفة من صفات الذات لا تكيف ولا تحدد، وهذا ينسب للأشعري، وعن ابن فورك يجوز أن يكون الأصبع خلقا يخلقه الله فيحمله الله ما يحمل الأصبع».
فهو يقول: الأصبع خلق من خلق الله!
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ويحتمل أن يراد به القدرة والسلطان كقول القائل: ما فلان إلا بين إصبعي؛ إذا أراد الإخبار عن قدرته عليه، وأيد ابن التين الأول بأنه قال: على أصبع ولم يقل على أصبعيه، قال ابن بطال: وحاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله على جميعها؛ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا له وتعجبًا».
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال القرطبي في المفهم: قوله: «ِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ...» إلى آخر الحديث هذا كله قول اليهودي، وهم يعتقدون التجسيم، وأن الله شخص ذو جوارح كما يعتقده غلاة المشبهة من هذه الأمة، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للتعجب من جهل اليهودي».
يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحك من جهل اليهودي حين وصف الله بالأصبع، وهذا تأويل يدل على الفهم المعكوس؛ لأن الحديث يثبت أنه ضحك تعجبًا وتصديقًا وإقرارًا له.
فقول القرطبي وابن فورك وغيرهما من أبطل الباطل، وهم علماء كبار، لكن لم يوفقوا لمن ينشئهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وظنوا أن هذا هو التنزيه، وأن هذا هو الحق الصواب، فإثبات الأصبع لله كما يليق بجلاله وعظمته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار، فقال بعد أن أورد هذا الحديث في «كتاب التوحيد» من «صحيحه» بطريقه: قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكًا بل لا يصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته».
فكلام ابن خزيمة هذا هو الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك تصديقًا له، أما قول القرطبي أنه ضحك من جهل اليهودي فهذا باطل، والمقصود من هذا أن يكون طالب العلم على بصيرة فيعرف أنه إذا كان العلماء الكبار قد أخطئوا وزلوا وأولوا فإن هذا يفيد الحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه فرغم أنهم علماء كبار ولهم باع في الحديث لكنهم زلوا في المعتقد، فأنت من الممكن أن تزل لأنك أقل منهم. وهذا يؤكد على التمسك بمعتقد أهل السنة، والحذر من الانحراف والزلل.
قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ»
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ.
}7416{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْمَلِكِ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ».
ترجم الإمام البخاري فقال: «بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ»» هذا الحديث أتى به البخاري معلقًا ولم يأت به مسندًا؛ لأنه لم يكن على شرطه رغم أنه ثابت فقد أخرجه مسلم والدارمي بهذا الإسناد.
وفيه: إثبات أن الله تعالى يوصف بأنه شخص من باب الخبر؛ لأنه ذات مستقلة، وكما أنه أخبر عن الله أنه أحد كما في حديث: «لا أحد أحب إليه العذر من الله»[(705)] ؛ أما الأحد بالتعريف فهو من أسماء الله، وكما في قوله تعالى: [الإخلاص: 1]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، كما أنه يخبر عن الله بأنه شيء كما سيأتي في الترجمة التي بعدها قال تعالى: [الأنعَام: 19]{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}.
فهذا من باب الخبر وهو أوسع من باب الوصف.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن بطال: أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص؛ لأن التوقيف لم يرد به، وقد منعت منه المجسمة مع قولهم بأنه جسم لا كالأجسام كذا قال، والمنقول عنهم خلاف ما قال، وقال الإسماعيلي: ليس في قوله: «لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ» إثبات أن الله شخص، بل هو كما جاء «ما خلق الله أعظم من آية الكرسي»[(706)] فإنه ليس فيه إثبات أن آية الكرسي مخلوقة، بل المراد أنها أعظم من المخلوقات».
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما الخطابي فبنى على أن هذا التركيب يقتضي إثبات هذا الوصف لله تعالى، فبالغ في الإنكار وتخطئة الراوي».
فيقول بأن رواية الحديث غلط؛ لأنه استوحش هذه الكلمة.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فقال: إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز لأن الشخص لا يكون إلا جسمًا مؤلفًا فخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي».
انظر يطعن في صحة الحديث؛ لأنه استوحش أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله شخص.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ودليل ذلك أن أبا عوانة روى هذا الخبر عن عبد الملك فلم يذكرها ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ شيء[(707)] والشيء والشخص في الوزن سواء، فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم، وليس كل من الرواة يراعي لفظ الحديث حتى لا يتعداه، بل كثير منهم يحدث بالمعنى وليس كلهم فهما بل في كلام بعضهم جفاء وتعجرف فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل».
انظر يقول: هذا من باب التعجرف، وإطلاق لفظ الشخص خطأ، مع أنه صحيح رواية وسندا وثابت في البخاري، فيطعن فيها لأنه ظن أن فيها تشبيهًا، نسأل الله العافية!
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل إن لم يكن غلطًا من قبيل التصحيف يعني: السمعي».
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وطعن الخطابي ومن تبعه في السند مبني على تفرد عبيد الله ابن عمرو به، وليس كذلك كما تقدم وكلامه ظاهر في أنه لم يراجع «صحيح مسلم» ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو، ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث».
فهذا كلام الحافظ، يرد على الخطابي فيقول: طعنه هذا مبني على أنه لم يقرأ الحديث، وهو ثابت في «صحيح مسلم» وغيره.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث وهو يقتضي قصور فهم من فعل ذلك منهم، ومن ثم قال الكرماني: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقاة بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات إما التفويض وإما التأويل».
وقول الكرماني هذا خطأ فلا تفويض ولا تأويل، والحمد لله نقول: إن الله شخص لا يشبه الأشخاص، وذات لا يشبه الذوات، ولا يحتاج الأمر إلى تفويض أو إلى تأويل، فالتفويض باطل والتأويل باطل، فالقصد من هذا أن يكون طالب العلم على بصيرة فيعرف أن بعض المحدثين وقعوا في زلات في مسألة الصفات؛ لأنهم سلكوا مسلك أهل البدع المؤولين ولم يوفقوا لمن ينشئهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وظنوا أن هذا هو الحق.
}7416{ قوله: «غَيْرَ مُصْفَحٍ» بضم الميم وسكون الصاد المهملة وكسر الفاء وفتحها أيضا، والمعنى ضربته بحد السيف لا بعرضه.
قوله: «فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟» أي: على حذف حرف الاستفهام، والتقدير: أتعجبون من غيرة سعد؟
قوله: «وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ» يعني: النبي صلى الله عليه وسلم أغير من سعد رضي الله عنه.
قوله: «وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ، وفي رواية: «ومن أجل ذلك أثنى على نفسه»[(708)] .
وفي الحديثين إثبات الغيرة لله عز وجل على ما يليق بجلال الله وعظمته، فالله يوصف بالغيرة وهي من الصفات الفعلية؛ لأنها تتعلق بالمشئية والاختيار، ومن أثر هذه الغيرة أن الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
قوله: «وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ» فيه: أنه يخبر عن الله بأنه أحد.
[الأنعَام: 19]{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}
فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا. وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ شَيْئًا وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقَالَ: [القَصَص: 88]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.
}7417{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: «أَمَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا.
في هذه الترجمة إثبات أن الله شيء، وتسمية الله نفسه شيئا « [الأنعَام: 19]{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ}» ؛ ولهذا تفقه البخاري رحمه الله فقال: «فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا» ، وأهل البدع يقولون: لا يسمى شيئًا، الذي يسمى شيئا يكون معدومًا، فكل موجود يسمى شيئًا، فوصفوا الله بالعدم، وقال الله تعالى أيضًا: « [القَصَص: 88]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}» ؛ فهذه الآية فيها الإخبار عن الله أنه شيء، وفيها أيضًا إثبات الوجه لله تعالى وهو من الصفات الذاتية وإثبات الذات، والمعنى يبقى الله ويبقى وجهه، وقصدهم من تأويل الوجه بالذات إنكار الوجه فهذا باطل.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَقَالَ: [القَصَص: 88]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}» الاستدلال بهذه الآية للمطلوب ينبني على أن الاستثناء فيها متصل؛ فإنه يقتضي اندراج المستثنى في المستثنى منه، وهو الراجح على أن لفظ شيء يطلق على الله تعالى وهو الراجح أيضا، والمراد بالوجه الذات، وتوجيهه أنه عبر عن الجملة بأشهر ما فيها، ويحتمل أن يراد بالوجه ما يعمل لأجل الله أو الجاه».
قوله: المراد بالوجه ما يعمل لأجل الله ـ هذا باطل ـ، ففي الآية إثبات الوجه لله تعالى مع إثبات الذات.
}7417{ قوله: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: «أَمَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا» . فالشاهد أنه سمى القرآن شيئًا؛ كما قال المؤلف: «وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ شَيْئًا» .
[هُود: 7]{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
[التّوبَة: 129]{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *}
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: [البَقَرَة: 29]{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ارْتَفَعَ {فَسَوَّاهُنَّ} خَلَقَهُنَّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اسْتَوَى} عَلاَ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [البُرُوج: 15]{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ *} الْكَرِيمُ وَ [البُرُوج: 14]{الْوَدُودُ *} الْحَبِيبُ يُقَالُ: [هُود: 73]{حَمِيدٌ مَجِيدٌ *} كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ.