شعار الموقع

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري(97-456)

00:00
00:00
تحميل
143

}7418{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» قَالُوا: قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَْمْرِ، مَا كَانَ قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ. فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.

}7419{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلأَْى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُْخْرَى الْفَيْضُ أَوْ الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ».

}7420{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» قَالَ: أَنَسٌ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ. قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَعَنْ ثَابِتٍ [الأحزَاب: 37]{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ} نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.

}7421{ حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ.

}7422{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِن عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ؛ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي».

}7423{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ».

}7424{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ؛ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ».

}7425{ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَْنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ [التّوبَة: 128]{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٌ.

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ بِهَذَا. وَقَالَ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَْنْصَارِيِّ.

}7426{ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَْرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».

}7427{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ».

}7428{ وَقَالَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ».

 

قوله تعالى: « [هُود: 7]{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [التّوبَة: 129]{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *}» آيات الترجمة فيها إثبات العرش ووصفه بالعظمة، وأنه أول المخلوقات وأعظمها وأكبرها وأعلاها وسقفها، وأنه مخلوق؛ لقوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فالعرش مربوب وكل مربوب مخلوق، وأن الله فوق العرش مستو عليه استواء يليق بجلاله وعظمته من غير تشبيه.

وأهل البدع يفسرون العرش بالملك فيقولون ليس ثمة عرش وإنما ملك؛ قصدهم من ذلك إنكار أن يكون الله في العلو، فيقولون: الله ليس في العلو وليس له مكان، أما أهل السنة فيثبتون الصفات الثلاث لله عز وجل، وهي: العلو والكلام والرؤية، وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وأهل البدعة، فمن أثبت علو الله على مخلوقاته وعلى عرشه وأثبت كلامه وأن الله يتكلم وأثبت رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدعة، وهذه الصفات اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين المخالفين لهم من أهل البدع.

فأهل البدع أنكروا أن يكون هناك عرش، وفسروا العرش بالملك، وبعضهم قال: له معان متعددة له أكثر من ثلاثة عشر معنى، ولا يدرى ما المراد، وكلها مجازات. وقصدهم من ذلك إنكار أن يكون الله فوق العرش فيقولون: لو قلنا: إن الله فوق العرش وفوق المخلوقات لكان محدودا وكان متحيزا وجسما، والله ليس بمخلوق وليس جسما، فالجسم هو الذي يكون على شيء، أما الله فليس له مكان بل هو ذاهب في الجهات كلها. فالذين أنكروا العلو طائفتان:

الطائفة الأولى: أنكروا العلو، وقالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات في كل مكان.

الطائفة الثانية: أنكروا أن يكون الله في العلو ونفوا عن الله النقيضين قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايز له، ولا متصل به ولا منفصل عنه. فيقال: فأيش يكون؟! وكلتا الطائفتين كافرتان، لكن الطائفة التي نفت النقيضين أشد كفرا.

فالمؤلف رحمه الله قصد من هذه الترجمة وهذه النصوص أن يثبت أن العرش جسم محسوس وهو سقف المخلوقات، قال الله تعالى: [الأعرَاف: 54]{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في سبعة مواضع.

قوله: «قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: [البَقَرَة: 29]{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}: ارْتَفَعَ» هذا المعنى اللغوي. فالاستواء له أربعة معان في اللغة العربية هي: استقر، وعلا، وارتفع، وصعد. وعلى هذه المعاني يدور تفسير السلف للاستواء، والمعنى أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلال الله وعظمته، ومعنى الاستواء معلوم لكن الكيف مجهول كما قال الإمام مالك[(709)]: «الاستواء معلوم» يعني: معناه: معلوم في اللغة العربية، و«الكيف مجهول» يعني: كيفية استواء الرب مجهولة لنا.

وقد ضل في هذا:

الطائفة الأولى: تسمى المشبهة يقولون: استوى على العرش استواء مثل استواء المخلوق، ولله يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي، فقالوا: إن الرب استوى على العرش مثل استواء الإنسان على الدابة؛ حيث إذا سقط العرش سقط الرب ـ تعالى الله عما يقولون ـ وكلامهم من أبطل الباطل؛ فالله تعالى خلق العرش واستوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته وهو الحامل للعرش بقوته وقدرته لا يحتاج إلى أحد فهو غني عن العالمين وعن المخلوقات كلها [فَاطِر: 41]{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}.

فهذه الطائفة الأولى كافرة، وهم المشبهة الذين شبهوا الله، وأكثرهم من غلاة الشيعة حتى قال بعضهم: إن الله على صورة الإنسان، وقالوا: إن الله يحزن ويندم ويبكي، وأنه ينزل عشية عرفة على الجبل ويصافح ويحاضر ويسامر. وكل هذا من الكفر والضلال.

الطائفة الثانية: المعطلة الذين أنكروا الاستواء وأنكروا العرش، وقالوا: المراد بالعرش الملك.

والحق هو ما عليه أهل السنة والجماعة أنهم أثبتوا الاستواء على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، لكن الله أعلم بالكيفية وهو لا يحتاج إلى العرش سبحانه وتعالى ولا لغيره.

وقوله: «{فَسَوَّاهُنَّ} خَلَقَهُنَّ» يعني: من قوله تعالى: [البَقَرَة: 29]{فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}.

قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: [البَقَرَة: 29]{اسْتَوَى إِلَى} عَلاَ عَلَى الْعَرْشِ» هذا المعنى اللغوي.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [البُرُوج: 15]{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ *} الْكَرِيمُ» يعني: في قوله: [البُرُوج: 15]{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ *}.

وفيه: قراءتان {ذُو} ، و «المجيدِ» بالكسر وصف لـ{الْعَرْشِ}.

ثم قال: «و [البُرُوج: 14]{الْوَدُودُ *}: الْحَبِيبُ».

قوله: «يُقَالُ: [هُود: 73]{حَمِيدٌ مَجِيدٌ *} كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ» أي: {حَمِيدٌ}.

 

}7418{ قوله: «إني عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: «إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا» ؛ ذلك لأنهم استعجلوا فيريدون شيئًا من أمور الدنيا، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم واعتبر أن هذا عدم قبول.

وقوله: «فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ»» المراد بأهل اليمن كل ما كان على يمين الكعبة، وما كان على الشمال يسمى شامًا، فيسمى يمنًا كل من تهامة وغامد، وزهران الآن تسمى يمنًا، وليس المراد اليمن الجغرافي الآن، والأوس والخزرج من اليمن؛ لأنهم جاءوا من اليمن.

وقوله: «قَالُوا: قَبِلْنَا» يعني: فاز بها أهل اليمن.

وقوله: «جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَْمْرِ، مَا كَانَ» يعني: عن أول الخلق من المحسوسات من السموات والأرضين.

وقوله: «قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ» فيه: إثبات أن الله هو الخالق سبحانه وتعالى وأنه الأول فليس قبله شيء كما قال تعالى: [الحَديد: 3]{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} وهذه الأسماء الأربع متقابلة: اسمان لأزليته وأبديته {الأَوَّلُ وَالآخِرُ}، واسمان لفوقيته وعلوه وعدم حجب شيء من المخلوقات له ُ 2 1 ِ ، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآخر في دعاء الاستفتاح: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء»[(710)] .

وقوله: «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ فيه: إثبات الماء وإثبات أن العرش والماء مخلوقان قبل السموات والأرض؛ لأن: «ثُمَّ» للترتيب والتراخي، فالعرش سابق على خلق السموات والأرض وكذا الماء، وكما قال سبحانه في الآية الأخرى: [هُود: 7]{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}.

$ر مسألة: اختلف العلماء أيهما أسبق القلم أو العرش؟

_خ الجواب: القول الأول: العرش مخلوق قبل القلم والقلم منه المقادير.

القول الثاني: القلم قبل العرش، والصواب أن العرش قبل القلم، كما قال ابن القيم في الكافية الشافية:

والناس مختلفون في القلم الذي

كتب القضاء به من الديان

هل كان قبل العرش أو هو بعده؟

قولان عند أبي العلا الهمذاني

والحق أن العرش قبل لأنه

قبل الكتابة كان ذا أركان[(711)]

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب»[(712)] فالأولية مقيدة بالكتابة يعني: قال له: اكتب عند أول خلقه.

وقوله: «وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» المراد بالذكر اللوح المحفوظ، فهذا كان قبل خلق السموات والأرض.

وفيه: إثبات الكتابة للرب وهي من الصفات الفعلية.

وفي حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء»[(713)] فالمقادير مكتوبة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والعرش سابق للمقادير.

وقوله: «ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ. فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا» يعني: قال له قائل: إن ناقتك ذهبت، قال: فذهبت أدرك الناقة وتركت بقية حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: «وَايْمُ اللَّهِ»: حلف وقسم.

وقوله: «لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ» يعني: وددت أني تركت الناقة وجلست أستمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

والشاهد من الحديث قوله: «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» ففيه: إثبات العرش وأنه على الماء، وأنه مخلوق، وأنه سقف المخلوقات، والله فوق العرش. فاستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث على إثبات علو الرب عز وجل، وأن الله تعالى فوق العرش.

 

}7419{ قوله: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلأَْى» فيه: إثبات اليد لله تعالى وأنه سبحانه له يمين وشمال فقد قال بعد ذلك: «وَبِيَدِهِ الأُْخْرَى» والأخرى هي الشمال، لكن كلتاهما يمين في الفضل والشرف والبركة وعدم النقص.

وقوله: «لاَ يَغِيضُهَا» أي: لا تنقصها.

وقوله: «سَحَّاءُ» وفي لفظ: «سحا»[(714)] يعني: دائمة الصب.

وقوله: «اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» : منصوبان على الظرفية.

وقوله: «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ» فيه: إثبات اليمين لله عز وجل.

وقوله: «وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» ، هذا هو الشاهد ففيه: إثبات العرش وأنه سقف المخلوقات والله فوق العرش.

وقوله: «وَبِيَدِهِ الأُْخْرَى الْفَيْضُ أَوْ الْقَبْضُ» القبض بالقاف يعني: قبض الأرواح بالموت، والفيض بالفاء: الإحسان بالعطاء، وقد يكون بمعنى الموت، ويحتمل أن يفسر بمعنى الميزان؛ ليوافق رواية الأعرج في الترجمة التي قبل بابين: «وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع»[(715)] .

وفيه: الرد على أهل البدع الذين أنكروا العرش ويقولون: المراد بالعرش الملك فيقولون قوله تعالى: [الأعرَاف: 54]{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي: استوى على الملك.

 

}7420{ هذا الحديث فيه: إثبات الفوقية لله عز وجل.

قوله: «جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ»» أي: حصل خلاف بين زيد وبين زوجته زينب فكان يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» .

وقوله: «لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ» لكنه عليه السلام لا يكتم شيئًا، فالله تعالى أخبره بأنه سيتزوجها، فكان يكتم هذا في نفسه فأخبر الله فقال: [الأحزَاب: 37]{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} خشي أن يقال: تزوج زوجة ابنه الدعي، فهو ابن دعي وليس ابنًا له من الصلب.

وذلك أن زينب كانت زوجة لزيد بن حارثة، وزيد بن حارثة كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه في الجاهلية وكانوا في الجاهلية يتبنون الذي ليس له والد، ويقول: أنت ابني وينسب إليه، فيقال: ابن فلان.

فكان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد، ابن دعي.

فكان هذا جائزًا أول الإسلام على عادة الجاهلية، ثم أبطل الله التبني وهدمه قال الله تعالى: [الأحزَاب: 1-5]{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا *وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً *مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ *ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *} فهذه الآية أبطلت التبني.

قوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} أي: ما جعل الدعي ابنًا لك، قال: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ}، ثم قال: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ} أي: أباؤهم من النسب، فأبطل الله التبني قولاً ثم أبطله فعلاً.

فمن المعلوم أن الإنسان لا يتزوج زوجة ابنه، وكان زيد بن حارثة تزوج زينب ثم لما طلقها فزوج الله نبيه صلى الله عليه وسلم إياها؛ هدما للتبني وإبطالاً له؛ فتزوج زوجة ابنه الدعي؛ لأنه ليس ابنًا من الصلب، ولكنه ابن دعي فقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ}، وأما فعلاً فإن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زوجة ابنه الدعي لما طلقها واعتدت.

وقوله: «فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» أي: تقول لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة قد زوجك أبوك، وأنت زوجك وليك، وأنا زوجني الله من فوق سبع سموات. فهذه منقبة عظيمة لزينب، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن الله زوجه إياها من فوق سبع سموات، ودخل عليها من دون مهر وبدون عقد وبدون ولي فوليها الله.

قولها: «وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ» ، هذا هوالشاهد، ففيه: أن الله تعالى فوق العرش، والعرش فوق السموات السبع.

وفيه: أنه سبحانه في العلو.

وفيه: الرد على أهل البدع الذين أنكروا أن يكون الله في العلو ويقولون: إذا كان في العلو يكون محدودًا ومتحيزًا ويكون جسمًا. والله لا يحده شيء وأعلى من كل شيء لا كما يزعمون فهم يزعمون التنزيه ويقولون: إنه ذاهب في الجهات كلها ليس له مكان أي: في جميع الجهات فوق وتحت وأمام وشمال وخلف، تعالى الله عما يقولون!

 

}7421{ هذا الحديث من ثلاثيات البخاري وهو آخر ما وقع في «الصحيح» من الثلاثيات، والثلاثيات تقارب ثلاثة وعشرين حديثًا يكون السند ثلاثة رجال: شيخ البخاري، والتابعي، والصحابي: فـ «خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى» : هذا شيخ البخاري. و «عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ» : هذا التابعي. و «أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه» : هذا الصحابي، فبين البخاري وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة فقط.

والشاهد من الحديث قول أنس: «وَكَانَتْ تَقُولُ» أي: زينب «إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ» ففيه: إثبات العلو، وأن الله في السماء، والرد على أهل البدع الذين أنكروا أن يكون الله في السماء وفي العلو.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الكرماني: قوله: «فِي السَّمَاءِ» ظاهره غير مراد؛ إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات».

هذا اعتقاد المعطلة النفاة وهو باطل، يقول الكرماني: لو قلنا: إن الله في العلو لكان له مكان والله منزه عن المكان، لكن أجاب عن التساؤل: لماذا أضيف إلى العلو؟ فقال: لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه وبعضهم قال: تأتي منها جهة الأنوار، وبعضهم قال: إن الإنسان يرفع يديه إلى السماء على العادة وإلا فالله ما هو في السماء، الله في كل مكان، لكن يرفع يديه من أجل العادة ويقول: ولهذا لو عصبت عيناه ولم يدر فقد يرفع يده إلى أسفل. نعوذ بالله! يقولون هكذا ولا يستحيون! فيقولون: إن الله ليس في العلو ولكن هذه الإضافة لأن الأنوار تأتي من فوق، أو لأن الإنسان اعتاد هذا أو لأن الملائكة تنزل فيقولون هذا؛ لأن الله عندهم في كل مكان.

ومنهم من انتكست فطرته كبشر المريسي الملحد الجهمي فقد سمع وهو يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل[(716)]. قبحه الله!

ثم قال الحافظ رحمه الله: «وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها، قال الراغب: فوق يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر».

وكل هذه أقوال باطلة، والصواب إثبات العلو لله كما يليق بجلال الله وعظمته سبحانه.

 

}7422{ قوله: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ» فيه: إثبات العلو وإثبات العرش وأن الله فوق العرش، فعرش الرحمن فوق الفردوس الذي هو أعلى الجنة والله فوقه، وهذا الكتاب الذي فوق العرش مستثنى. وهذا هو الشاهد من الحديث.

وقوله: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» فيه: إثبات الرحمة والغضب لله كما يليق بجلالته وعظمته، وأنهما صفتان من الصفات الفعلية.

 

}7423{ قوله: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا» فيه: أنه من أهل الجنة سواء هاجر أو لم يهاجر، جاهد أو لم يجاهد، وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، فكان في أول الإسلام من أسلم يجب عليه أن يهاجر إلى المدينة حتى يكثر سواد المسلمين وينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلما فتحت مكة انتهى الوجوب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح» يعني: لا هجرة من مكة إلى المدينة، «ولكن جهاد ونية»[(717)] ولكن الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام باقية إلى قيام الساعة.

وقوله: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟» ، في لفظ: «ننبئ»[(718)] أي: هذا فضل عظيم أفلا ننبئ الناس أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأقام الصلاة وصام رمضان فهو من أهل الجنة سواء هاجر أو لم يهاجر جاهد أو لم يجاهد؟

وقوله: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ» هذا فيه: فضل الجهاد في سبيل الله وفضل المجاهدين وأنهم في درجات عالية، فمن آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأقام الصلاة كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة لكن المؤمنين يتفاوتون في الجنة والمجاهدون في الدرجات العليا.

وقوله: «فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» هذا فيه دليل على أن الفردوس هو أعلى درجات الجنة.

وفيه: أن الجنة مقببة مستديرة وليست مربعة ولا مسدسة، والدليل على هذا أنه قال عن الفردوس: «فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ» ولا يكون الشيء أعلاه إلا إذا كان مقببًا فلو كانت مربعة أو مسدسة ما كان الأوسط هو الأعلى، فالجنة وسطها هو أعلاها، وأعلاها الفردوس، وعرش الرحمن سقف الفردوس.

وقوله: «وَفَوْقَهُ» بالرفع أي: وأعلاه عرش الرحمن، ويجوز «وفوقَه» بالنصب على الظرفية.

والشاهد قوله: «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ» فقد دل على أن العرش أعلى المخلوقات والله فوق العرش.

وفيه: الرد على أهل البدع الذين أنكروا أن الله في العلو وأن الله فوق العرش.

 

}7424{ قول أبي ذر لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الشمس: «قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» ، هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يقال: الله ورسوله أعلم، أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فيقال: الله أعلم.

وقوله: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا» ، في اللفظ الآخر: «تسجد تحت العرش»[(719)] يعني: وسط العرش وإلا فكل المخلوقات تحت العرش؛ لأن العرش سقف هذه المخلوقات، لكن المراد أنها تستأذن في السجود فتسجد في وسط العرش، وهذا هو الشاهد من الحديث ففيه: إثبات العرش، وأنه مخلوق، وأنه أعلى المخلوقات، وأن الله فوقه، وسجود الشمس وغيرها من الجماد خضوع خاص، الله أعلم بكيفيته.

وقوله: «وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ» ، هذا في آخر الزمان فإنها تطلع من مغربها فيغلق باب التوبة.

وقوله: «ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ» فهذه قراءة عبدالله بن مسعود في قوله تعالى: [يس: 38]{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}.

 

}7425{ هذه القصة فيها أن زيد بن ثابت وبعض الشباب أمرهم أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بجمع القرآن في مصحف واحد؛ لأن زيد بن ثابت كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآن في مصحف قبل ذلك؛ لأن الوحي ينزل فلا يستطيعون جمعه في مصحف؛ لأنه لا يزال ينزل، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي واتفق الصحابة والصديق على جمع القرآن في مصحف واحد وكان ممن جمعه زيد بن ثابت رضي الله عنه وحصل له مشقة.

قال الحافظ ابن حجر فيما يذكره عن زيد بن ثابت أنه قال: «لو كلفوني نقل جبل ما كان أشد علي من أمرهم لي بجمع القرآن».

فكان زيد بن ثابت وغيره من الشباب يجمعون القرآن: من الصحف ومن اللخاف والحجارة والعسب التي يكتبون فيها، ومن صدور الرجال، فكانوا لا يكتبون الآية حتى يجتمع فيها أمران:

الأمر الأول: أن توجد مكتوبة.

الأمر الثاني: أن تكون محفوظة في الصدور.

فلو وجدوها مكتوبة ومحفوظة في الصدر كتبوها، وإذا وجدوها محفوظة وليست مكتوبة توقفوا، أو وجدوها مكتوبة وليست محفوظة أيضًا توقفوا حتى يجتمع الأمران.

فجمعوا القرآن وبقيت آية أشكلت عليهم فوجدوها مكتوبة ولكن لم يجدوها محفوظة وهي آخر براءة، كما في هذا الحديث قال: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَْنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ» فوجدوها مع أبي خزيمة حفظها ولم يحفظها غيره، ووجدوها مكتوبة لكن الحق ما وجدوها إلا عنده، وهي قوله تعالى: [التّوبَة: 128-129]{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *}.

والشاهد آخر الآية: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *} ففيه: إثبات العرش وأنه مربوب وكل مربوب مخلوق.

وفيه: أن الله فوقه.

ففعل الإمام البخاري رحمه الله يدل على أنه دقيق في الاستدلال.

 

}7426{ هذا الدعاء يسمى دعاء الكرب كما صرح به في حديث يزيد بن زريع في الترجمة التي بعد هذه، وفيه: «لا إله إلا الله العظيم الحليم» [(720)].

وليس فيه جملة «وَرَبُّ الأَْرْضِ» فهنا قال: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ» ، وهنا فيه زيادة: «وَرَبُّ الأَْرْضِ».

وقوله: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَْرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» هذا دعاء عظيم يشرع أن يقال عند الكرب والشدة وهو دعاء عبادة وهو متضمن لدعاء المسألة وإن دعا بعده وسأل الله حاجته فحسن؛ ليجمع بين دعاء العبادة ودعاء المسألة.

ودعاء العبادة المقصود: به العبادة التي تعملها من الصيام والصدقة والحج والذكر؛ لأن المتعبد داع في المعنى، فأنت عندما تتعبد إلى الله بالصلاة والصيام والزكاة والذكر فكأنك في المعنى تسأل الله أن يثيبك على ذلك.

ودعاء المسألة كما إذا رفعت يديك وقلت: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، وأنت حينما تسأل الله فأنت متعبد لله أيضًا.

والشاهد من الحديث قوله: «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» وقوله: «رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» ففيه: إثبات العرش وأنه مربوب لله، وأن العرش سقف المخلوقات وأن الله فوقه.

وفيه: الرد على من أنكر العرش وقال: إنه بمعنى الملك وأنكر علو الله على عرشه من أهل البدع.

 

}7427{، }7428{ قوله: «يَصْعَقُونَ» يجوز بفتح المثناة من الثلاثي صعق، ويجوز بضم المثناة من الرباعي أصعق.

والمؤلف رحمه الله اختصر هذا الحديث، وساقه من طريق أخرى أطول من هذا.

وفيه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بالصعقة يوم الطور؟»[(721)] فهذا هو الحديث لكن المؤلف أتى هنا بموضع الشاهد كعادته؛ لأنه يقطع الأحاديث حتى يستدل بها.

والشاهد قوله: «فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ» ففيه: إثبات العرش وأنه مخلوق وأن له قوائم يأخذ بها موسى عليه السلام.

وفيه: الرد على أهل البدع الذين يقولون: ليس ثمة عرش مخلوق وإنما العرش معناه: الملك، ويقولون: معنى [الأعرَاف: 54]{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: استولى على الملك. وهذا من أبطل الباطل؛ فالعرش مخلوق وقائم يأخذ به موسى، والله فوق العرش.

وفيه: إثبات العلو لله عز وجل.

قوله: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ» فيه: انقلاب من بعض الرواة، والصواب في اللفظة كما في الرواية الأخرى: «فأكون أول من يفيق»[(722)] فلا يكون أول من بعث كما حقق ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب «الروح»، ونقله عنه شارح الطحاوية، وذلك أن الاستثناء إنما هو من صعقة التجلي، أما صعقة البعث فلا استثناء فيها كما في الحديث الآخر: «أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة»[(723)] فانقلب على بعض الرواة وحدث الانتقال من صعقة التجلي إلى صعقة البعث، وبيان ذلك أن الصعقات ثلاث:

الأولى: صعقة الموت.

الثانية: صعقة البعث.

الثالثة: صعقة التجلي.

فالصعقة الأولى صعقة فيها موت فأولها فزع وآخرها صعق وموت، هذا هو الصواب، كما قال الله تعالى في سورة الزمر: [الزُّمَر: 68]{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *}، وقال الله تعالى في سورة النمل: [النَّمل: 87]{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ *}.

وجاء في حديث الصور أنها ثلاث نفخات[(724)]، ولكنه ضعيف عند أهل العلم؛ لأن فيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف[(725)] والصواب أنها نفختان:

النفخة الأولى: أولها فزع وآخرها صعق وموت، ففي آخر الزمان بعد أن تخرج أشراط الساعة الكبار: خروج المهدي، وخروج الدجال، ثم نزول عيسى بن مريم، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم تتابع أشراط الساعة كهدم الكعبة في آخر الزمان، ونزع القرآن من الصدور والمصاحف إذ لم يعمل به الناس، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة[(726)] ثم تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات حتى لو كان الواحد في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه، فلا يبقى إلا الكفرة الذين لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا فتقوم عليهم القيامة[(727)] لأن خراب هذا العالم خلوه من التوحيد والإيمان، وكما في الحديث الآخر: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله»[(728)] ويتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون لي؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها، والله تعالى يغدق عليهم النعم[(729)] وتأتي آخر أشراط الساعة وهي نار تسوق الناس من قعر عدن إلى المحشر[(730)]، فتقوم الساعة والناس مشغولون بأعمالهم كما في الحديث: تقوم الساعة على رجل يلوط الحوض لإبله[(731)]، وتقوم القيامة فتنشق الأرض وتنفطر السماء وتنكدر النجوم.

فعندما ينفخ إسرافيل في بوق عظيم يفزع الناس؛ فالصوت يأتي أولاً ضعيفًا كما في الحديث: «فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا»[(732)] فيسمع الصوت من هنا ومن هنا، فلا يزال الصوت يقوى حتى يموت الناس من الفزع.

كما يحدث عند صفارات الإنذار يحصل منها رعب، فلو زاد الصوت أضعافًا مضاعفة يموت الناس من الفزع.

فالنفخة الأولى أولها فزع وآخرها صعق وموت، فيموت الناس كلهم لكن هناك من استثناه الله فقال: [الزُّمَر: 68]{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، قال العلماء: من ذلك الحور العين فهي في الجنة لا تموت، وكذلك الولدان مستثنون، وكذلك الأرواح لا تموت؛ لأن المؤمن روحه تنقل إلى الجنة فتنعم ولها صلة بالجسد، والكافر تنقل روحه إلى النار.

قال الله تعالى: [الزُّمَر: 68]{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *} فبعد أن يمكث الناس أربعين بعد الموت ينزل الله مطرًا تنبت منه أجساد الناس؛ لأن جسم الإنسان يبلى إلا عجب الذنب[(733)] وهو العصعص: آخر فقرة في العمود الفقري، منه خلق ابن آدم ومنه ركب، والباقي يستحيل ترابًا، والله تعالى يعيده من الذرات التي استحالت كما هي، لكن الصفات تتبدل وينشّأ الناس تنشئة قوية فإذا تم خلقهم أذن الله لإسرافيل فنفخ في الصور النفخة الثانية ؛ فطارت الأرواح إلى أجسادها، فكل روح تبقى في جسدها، فإذا دخلت الأرواح في الأجساد قام الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلاً غير مختونين[(734)]، فترجع الجلدة التي قطعت من الإنسان وهو صغير، ويقف الناس على هذه الحال الرجال والنساء عراة حفاة أبصارهم شاخصة إلى السماء، لا أحد يلوي على أحد، ولما قالت عائشة: يا رسول الله وسيرى الرجال النساء وينظر بعضهم إلى بعض، قال صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، الأمر أشد من ذلك» [(735)]، أي: الأمر عظيم، ما أحد يلوي على أحد، وأول من يكسى في موقف القيامة إبراهيم عليه السلام[(736)] كما في الحديث، فهذه النفخة والصعقة الثانية.

وهناك صعقة أخرى في موقف القيامة ليس فيها موت، فإذا تجلى الله لفصل القضاء بين الناس صعق الناس وأول من يفيق هو نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور»[(737)] يعني: إذا تجلى الله لفصل القضاء أغشي على الناس وصعقوا فلما تزول الغشية أول من يفيق هو النبي صلى الله عليه وسلم فيجد موسى قد أفاق قبله وأخذ بقائمة العرش، وهذه منقبة لموسى أنه لم تصبه الصعقة مجازاة له بصعقة يوم الطور في الدنيا؛ لأنه قال في الدنيا - كما قال تعالى: [الأعرَاف: 143]{قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}؛ فإذن موسى عليه السلام صعق في الدنيا فهو يجازى عن هذه الصعقة فلا يصعق يوم القيامة أو أنه صعق فأفاق.

فهذه الصعقة ليس فيها استثناء فكل الناس يصعقون، وإنما الاستثناء في صعقة الموت التي قال الله فيها: [الزُّمَر: 68]{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ}.

ونفخة البعث ليس فيها استثناء قال تعالى: [الزُّمَر: 68]{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *} فحدث انقلاب على بعض الرواة فانتقل ذهنه من صعقة التجلي إلى صعقة البعث، فقال في الحديث: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ» ، وصواب الحديث: «فأكون أول من يفيق». فهذا فيه انقلاب، ومن ذلك أيضًا ما حصل في قصة السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فبعض الرواة انقلب عليه فقال: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله»[(738)] والأصل: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»[(739)] لأن اليمين هي التي تنفق فحصل انقلاب ووهم في بعض الحروف وفي بعض الألفاظ.

فالمقصد أن عبارة: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ» وهم من بعض الرواة وصوابه: «فأكون أول من يفيق»[(740)] .

والشاهد من الحديث قوله: «فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ» ففيه: إثبات العلو وإثبات العرش، وأن الله فوق العرش.

قال الشارح رحمه الله: «وأخرج ابن أبي حاتم في «مناقب الشافعي» عن يونس بن عبدالأعلى سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحد ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر».

فهذا الشافعي يقول: الصفات لا يجوز لأحد ردها، فمن ردها بعد أن بلغته الحجة فإنه يكفر، وأما قبل أن تبلغه الحجة فهو معذور.

قال رحمه الله: «وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: [الشّورى: 11]{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه.

ومن طريق أبي بكر الضبعي قال: مذهب أهل السنة في قوله: [طه: 5]{الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} قال: بلا كيف.

والآثار فيه عن السلف كثيرة، وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل.

وقال الترمذي في «الجامع» عقب حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النزول: وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه، كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات.

وقال في باب فضل الصدقة: قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال: كيف؟».

هذا هو الواجب على المؤمن أن يؤمن بالصفات على ما جاء عن الله ولا يكيف ولا يؤول.

وقال رحمه الله: «كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم أمروها بلا كيف، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكروها وقالوا: هذا تشبيه».

فالجهمية أنكروا هذه الصفات وأنكروا العلو وقالوا: هذا فيه تشبيه بالمخلوق وفيه: تجسيم.

وقال رحمه الله: «وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه لو قيل: يد كيد وسمع كسمع.

وقال في تفسير المائدة: قال الأئمة: نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير، منهم الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك.

وقال ابن عبدالبر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئًا منها؛ وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا: من أقر بها فهو مشبه، فسماهم من أقر بها معطلة».

فأهل البدع يقولون: إن ظاهر النصوص كفر ويجب تأويلها؛ لأننا لو أثبتناها على ظاهرها لكان مقتضاها الكفر، فقالوا: لو كنا أخذنا بظاهر النصوص وقلنا: إن الله فوق لزم من ذلك أن يكون جسمًا، وإذا كان جسمًا كان مشابهًا للمخلوقات، ويكون محدودًا ومتحيزًا، وهذا تنقص لله، ومن تنقص الله كفر، فإذن من أثبت أن الله في العلو فقد كفر، فيكون ظاهر النصوص كفر ولابد أن نؤول ظاهر النصوص. انظر كيف استحوذ عليهم الشيطان إلى هذا الحد؟! فأنكروا النصوص، [البَقَرَة: 140]{قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}، وقالوا: إن من قال بما دلت عليه النصوص فقد كفر!!

ثم قال الحافظ رحمه الله: «وقال إمام الحرمين في الرسالة النظامية: اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في أي الكتاب وما يصح من السنن».

وتأويلها باطل.

وقال رحمه الله: «وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى».

القول بتفويض المعاني هذا باطل أيضًا؛ لأن المعاني معروفة، كما قال مالك: الاستواء معلوم، والذي يُفوَّض هو الكيفية؛ أما المعنى فهو معلوم.

ثم قال رحمه الله: «والذي نرتضيه رأيًا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة؛ للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتمًا لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين ي على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع. انتهى».

ومذهب إمام الحرمين ليس بصحيح فلا يصح التفويض ولا التأويل، فكلاهما باطل.

ثم قال رحمه الله: «وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة؟

وقسم بعضهم أقوال الناس في هذا الباب إلى ستة أقوال:

قولان لمن يجريها على ظاهرها:

أحدهما: من يعتقد أنها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة ويتفرع من قولهم عدة آراء.

الثاني: من ينفي عنها شبه صفة المخلوقين؛ لأن ذات الله لا تشبه الذوات، فصفاته لا تشبه الصفات؛ فإن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته».

هذا هو الحق، فقول أهل السنة أن تثبت له الصفات وتنفى عنه المماثلة؛ لأن ذات الله لا تشبه الذوات؛ فالصفات لا تشبه الصفات.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [المعَارج: 4]{تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}

وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: [فَاطِر: 10]{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}.

وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لأَِخِيهِ: اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ: يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، يُقَالُ: [المعَارج: 3]{ذِي الْمَعَارِجِ *} الْمَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ.

}7429{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي، مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَاد،ِ عَنْ الأَْعْرَجِن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».

}7430{ وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ».

وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ».

}7431{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».

}7432{ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ أَوْ أَبِي نُعْمٍ شَكَّ قَبِيصَةُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ.

وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَْقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ وَالأَْنْصَارُ فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ» فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟ فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَْرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي؟ فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ قَتْلَهُ، أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الإِْسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِْسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَْوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».

}7433{ حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ: [يس: 38]{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ».

 

هذه الترجمة وما ذكر فيها من الآيات والأحاديث والآثار فيها إثبات أن الله سبحانه وتعالى في العلو فالمقصود إثبات العلو، وأن الله تعالى فوق المخلوقات، والترجمة السابقة المقصود بها إثبات العرش وأنه سقف المخلوقات، وأن الله فوق العرش.

وفرق بين صفة العلو وبين صفة الاستواء، فالعلو من الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها الباري تعالى؛ فالله لم يزل قط عاليًا والله تعالى فوق المخلوقات، وهو أيضًا من الصفات التي دل عليها العقل والسمع والفطرة فالله سبحانه وتعالى فطر الخلق على أنه في العلو.

أما الاستواء فهو من الصفات الفعلية، وهو علو خاص ـ علو على العرش ـ دل عليه الخبر والنصوص، فلولا أن الله أخبر أنه استوى ما علمنا بذلك، بخلاف العلو.

قوله: [المعَارج: 4]{تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}» العروج يكون من أسفل إلى أعلى؛ فدل على أن الله في العلو. ففيه: الرد على من أنكروا العلو، وقالوا: إن الله في كل مكان من الجهمية وغيرهم.

وأنواع العلو ثلاثة وكلها ثابتة لله تعالى:

له علو القدر: يعني: الشأن والعظمة والكبرياء.

وله علو القهر والسلطان.

وله علو الذات ، وذاته سبحانه وتعالى فوق العرش.

وأهل البدع أثبتوا علو القهر وعلو القدر، وأنكروا علو الذات؛ فقالوا: إنه ليس فوق المخلوقات بل هو مختلط بالمخلوقات. وهذا من أبطل الباطل، والصواب أن هذه الأنواع الثلاثة كلها ثابتة لله كما قال ابن القيم في «الكافية الشافية»:

والفوق أنواع ثلاث كلها

لله ثابتة بلا نكران[(741)]

قوله: «بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لأَِخِيهِ:» ، فهذا قاله أبو ذر قبل أن يسلم، لما بلغه خبر النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أخاه وقال: «اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ».

والشاهد قوله: «الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ» والسماء هي العلو؛ فدل على أن الله في العلو.

قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ:» فالرفع يكون من أسفل إلى أعلى؛ فدل على أن الله في العلو.

قوله: «يُقَالُ: [المعَارج: 3]{ذِي الْمَعَارِجِ *} الْمَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ» فالعروج يكون من الأسفل إلى الأعلى؛ فدل على أن الله في العلو، ففيه: الرد على من أنكر أن الله في العلو.

 

}7429{ قوله: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ» ، هذا على لغة تسمى لغة أكلوني البراغيث، وهي لغة قليلة لا تلزم الفعل الإفراد بل تنيه مع المثنى وتجمعه مع الجمع، فلا يقولون أكلنَي البراغيث جمعت بين الظاهر وبين المضمر، فالأصل أن يقول: يتعاقب فيكم ملائكة فقال: «يَتَعَاقَبُونَ» فجمع بين الظاهر والمضمر وهو الواو ومثله: [الأنبيَاء: 3]{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، فهذه اللغة معروفة لكنها قليلة.

وقوله: «وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ» ، ففي صلاة العصر تنزل ملائكة الليل وتصعد ملائكة النهار، وفي صلاة الفجر تنزل ملائكة النهار وتصعد ملائكة الليل.

وفيه: فضل هاتين الصلاتين، ومنه قوله تعالى: [الإسرَاء: 78]{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *} يعني: وصلاة الفجر فإنها مشهودة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، وهؤلاء الملائكة غير الحفظة، وهناك أيضًا ملائكة سيارة يتتبعون مجالس الذكر فيحفون أهل المجلس وتملأ أجنحتهم ما بين السماء والأرض.

وقوله: «ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ» هذا هو الشاهد في الحديث وهو عروج الملائكة إلى ربهم، والعروج يكون من أسفل إلى أعلى، فثبت أن الله عز وجل في العلو.

 

}7430{ قوله: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ» ، هذا فضل عظيم، فتمرة واحدة تربى للإنسان حتى تكون مثل الجبل إذا تقبلها الله، ففيه: إثبات فضل الصدقة من الكسب الطيب، وأن الله يربيها لصاحبها.

وفيه: أن الله تعالى يقبلها بيمينه.

ففيه: إثبات اليمين لله عز وجل، ومفهومه إثبات الشمال.

ففيه: إثبات اليدين لله عز وجل.

والشاهد قوله: «وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ» ؛ فإن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى، فثبت أن الله عز وجل في العلو.

وقوله: «كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» . الفلو: ولد الفرس.

 

}7431{ الشاهد من الحديث قوله: «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» ، وقوله: «وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» ففيه: إثبات العرش، وأنه في العلو، وهو مخلوق، والله فوق المخلوقات؛ فثبت أن الله في العلو، والعرش مربوب مخلوق.

 

}7432{ هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن أرسل إليه علي «بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا» يعني: قطعة ذهب عالقة بالتراب أي: ما أخلصت وما صفيت فعليها ترابها.

فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أقسام، وكل قسم أعطاه رئيسًا من رؤساء القبائل؛ يتألفهم على الإسلام، فأعطى الأقرع بن حابس رئيس بني تميم، وأعطى عيينة بن بدر الفزاري رئيس بني فزارة، وعلقمة بن علاثة العامري رئيس بني عامر، وكذلك زيد الخيل الطائي، فهؤلاء الأربعة رؤساء قبائل أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم دخلوا في الإسلام وكانوا قريب عهد بالجاهلية فيعطيهم حتى يتقوى إسلامهم ويثبت الإيمان في قلوبهم ويطوعوا قبائلهم.

وأما الأنصار والمهاجرون فما أعطاهم شيئًا؛ لأن إيمانهم قوي، لكن صار في نفس بعض شباب الأنصار وبعض شباب قريش شيء؛ «فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا» فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ فجمع الأنصار، وقال: «ما كلام بلغني عنكم؟»[(742)] فقالوا: يا رسول الله: أما أشياخنا فلم يتكلم أحد وإنما قال شباب منا: إن رسول الله يعطيهم ويدعنا؛ فبين لهم صلى الله عليه وسلم وجه ذلك «قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»» ، أي: إنما أتألف الناس على الإسلام بشيء من الدنيا وأنتم أترككم وأكلكم إلى إيمانكم، وقال: «أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟!»[(743)] فبكوا حتى أخضلوا لحاهم رضي الله عنهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما يتألف على الإسلام فعطاؤه ومنعه لله، لا لأجل الهوى ولا لأجل الدنيا.

وقوله: «فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ» أي: عيناه غائرتان إلى الداخل، «نَاتِئُ الْجَبِينِ» أي: جبهته مرتفعة، «كَثُّ اللِّحْيَةِ» أي: لحيته كثيفة، «مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ» تثنية وجنة، وهي لحم الخد أي: مرتفعهما، «مَحْلُوقُ الرَّأْسِ» ، هذا وصف الخوارج، فهم يتعبدون بحلق الرأس ويجبرون الناس على ذلك؛ ولهذا قال بعض العلماء عن حلق الرأس: إنه مكروه. وقال بعضهم: إنه مباح. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلق إلا بعد حج أو عمرة فتركه أولى.

وقال الإمام أحمد عن اتخاذ الشعر وإكرامه[(744)]: هو سنة لو نقوى عليه لاتخذناه لكن له كلفة ومشقة ويحتاج إلى كد ودهن، قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له شعر فليكرمه»[(745)] فالصحيح أن الحلق مباح، لكن الخوارج يشددون ويتعبدون بحلق الرأس، فهذا الرجل محلوق الرأس فهذه علامة له، ولم يكن الصحابة يحلقون رؤوسهم.

فوقف على النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً وقال بسوء أدب: «يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللَّهَ» أي: اعدل، لأنك ما عدلت في هذه القسمة. وجاء في الرواية الأخرى أنه قال: «يا محمد هذه قسمة ما أريد بها وجه الله»[(746)] .

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟ فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَْرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي؟» ، وفي الرواية التي في «المغازي» : «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟!»[(747)] .

وقد استدل المؤلف رحمه الله بالحديث على هذه الترجمة، فهذه الرواية ليس فيها: «وأنا أمين من في السماء» لكن قصد المؤلف رحمه الله أن يشير إلى الرواية الأخرى التي في «المغازي» ففيه: إثبات أن الله في السماء وأن الله في العلو، وهذا هو الشاهد.

وقوله: «فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ قَتْلَهُ، أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ» يعني: أن الراوي يقول: أظن أن خالد بن الوليد رضي الله عنه هو الذي قال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا الرجل.

وقوله: «فَلَمَّا وَلَّى» أي: الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» فهذا أصل الخوارج، و «لاَ يُجَاوِزُ» القرآن «حَنَاجِرَهُمْ» لأن الله ما تقبل منهم لبدعتهم.

وقوله: «يَمْرُقُونَ مِنْ الإِْسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ» يعني: كما تضرب بالسهم فتخرج الرمية بسرعة هائلة وكما ترمي الرصاصة فتخرج بسرعة سريعة ـ فكذلك هم يمرقون من الإسلام مثلما تمرق الرمية من السهم.

وفي اللفظ الآخر: «سبقت الفرث والدم»[(748)] يعني: تسبق الفرث والدم من سرعتها.

وقوله: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِْسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَْوْثَانِ» هذه طريقة الخوارج يقاتلون المسلمين ويكفرونهم بالمعاصي، فيقولون: من زنى كفر، ومن سرق كفر، ومن عق والديه كفر، ومن تعامل بالربا كفر، ومن أكل الرشوة كفر، ومن اغتاب الناس كفر، والنمام كافر، وأما أهل الأوثان والكفرة من اليهود والنصارى فلا يقاتلونهم.

وقوله: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» يعني: قتلاً شاملاً فلا أترك أحدًا منهم.

وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على قتلهم وقال: «فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله»[(749)] .

وقد احتج بهذا بعض العلماء على كفر الخوارج فقالوا: هذا دليل على أن الخوارج كفار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «يَمْرُقُونَ مِنْ الإِْسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ» فالذي يمرق من الإسلام هذا معناه: أنه كافر. ثم قال أيضًا: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» فشبههم بقوم عاد وهم قوم كفار، وفي اللفظ الآخر: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»[(750)] وفي لفظ آخر: «يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه»[(751)] .

فقال بكفرهم طائفة وهو رواية عن الإمام أحمد[(752)]، وهو اختيار سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله.

القول الثاني: قول الجمهور على أنهم مبتدعة وليسوا كفارًا؛ وذلك لأنهم متأولون، وهو الذي عليه الصحابة فإنهم بدعوهم ولم يكفروهم، فالصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، كما قال شيخ الإسلام[(753)]، واستدلوا بقول علي لما سألوه رضي الله عنه: هل هم كفار؟ قال: من الكفر فروا[(754)].

والخوارج طوائف وأقسام، وطريقتهم أنهم يكفرون المسلمين بالمعاصي فمن فعل الذنب عندهم كفر وهو مخلد في النار عندهم، فيستحلون دمه وماله في الدنيا، ويكفرونه ويخلدونه في النار في الآخرة.

ويوجد منهم الآن بعض الطوائف في ليبيا والجزائر، وفي عمان طوائف من الخوارج وهم الإباضية.

والواجب على من ابتلي بهذه العقائد أن يتوب إلى الله عز وجل، فباب التوبة مفتوح ويترك هذا الذنب ويرجع إلى الحق، فالحق أحق أن يتبع، والنصوص واضحة في أن أهل المعاصي لا يكفرون، قال الله تعالى: [البَقَرَة: 178]{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فسمى القاتل أخًا للمقتول مع أنه فعل كبيرة والنصوص في هذا كثيرة؛ لأن المؤمن لا يكفر بالمعاصي بل يكون ضعيف الإيمان وناقص الإيمان ولا يكفر؛ فالإيمان يزيد وينقص.

 

}7433{ قوله: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» المراد وسط العرش وإلا فكل المخلوقات تحت العرش، والعرش سقف المخلوقات والله فوقه؛ لأن الخالق فوق المخلوق فثبت أن الله في العلو.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء».

هذا تأويل باطل؛ لأنه أنكر الصعود: صعود الملائكة وصعود الكلام الطيب، وأراد أن هذا الصعود الذي يكون من أسفل إلى أعلى ليس بحقيقي وإنما هو عبارة عن أن الله قبله.

وعروج الملائكة موضع عروج إلى الله يعني: عروج إلى منازلهم، ولو تأملت لوجدت علماء كبارًا تأولوا هذا التأويل، وهذا يحثنا على الحذر من أن نؤل كما أول هؤلاء العلماء الكبار.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله: «إلى الله» فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل».

انظر كيف يفوضون العروج إلى الله ويؤولونه فيقولون: ما نقول: إلى الله حقيقة لكن هذا نفوضه ولا ندري ما معناه، والحديث صريح في أنهم يعرجون إلى الله وأن الله في العلو.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف».

انظر كيف أنكر ابن بطال أن يكون الله في العلو فيقول: إن الله ليس له مكان وهو الآن على ما كان.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان انتهى. وخلطه المجسمة بالجهمية من أعجب ما يسمع».

هذا كلام الحافظ يقول: خلط بين المجسمة وبين الجهمية، فالجهمية معطلة ينفون الصفات والمجسمة مشبهة فكيف يخلط بينهما وهما متضادان؟

ثم قال رحمه الله: «وقد تمسك بظواهر أحاديث الباب من زعم أن الحق سبحانه وتعالى في جهة العلو».

هذا هو الحق والصواب الذي عليه أهل السنة.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الخطابي: ذكر اليمين في هذا الحديث معناه: حسن القبول فإن العادة قد جرت من ذوي الأدب بأن تصان اليمين عن مس الأشياء الدنيئة، وإنما نباشر بها الأشياء التي لها قدر ومزية، وليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال؛ لأن الشمال لمحل النقص في الضعيف وقد روي: «كلتا يديه يمين»[(755)] وليس اليد عندنا الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف».

هذا كلام الخطابي وهو باطل؛ والصواب إثبات اليد لله سبحانه وأن لله يمينًا وشمالاً على ما يليق بجلاله وعظمته.

ومن الكتب المفيدة في العقيدة على منهج السلف ما كتبه العلماء والأئمة المتقدمون «كالتوحيد» لابن خزيمة و«الواسطية» و«الحموية» و«التدمرية» لشيخ الإسلام ابن تيمية وقبله من أهل العلم الذين كتبوا في الإيمان وفي منهج السلف من الأئمة وغيرهم الذين نقل عنهم الإمام ابن تيمية رحمه الله في «الحموية» نقولا كثيرة فقد نقل عن الأئمة والعلماء من المالكية والشافعية والأحناف والحنابلة وغيرهم.

وجدير بالذكر أنه لا يجوز لنا أن نسمي أبناءنا بعبد الشيء؛ لأن هذا الشيء ليس من صفات الله وإنما هو خبر عن الله، وباب الخبر أوسع من باب الصفات وإنما يعبد بذكر الأسماء لا الصفات فمن الصفات العلم والقدرة فلا نقول: عبد العلم ولا نقول: عبد القدرة؛ لأن التعبيد بذكر الأسماء فنقول: عبدالرحمن، وعبد الله، وعبدالعزيز، وعبدالمجيد، أما الصفات فلا يعبد بذكرها.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد