شعار الموقع

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري(97-459)

00:00
00:00
تحميل
130

}7456{ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ، وَأَنَا خَلْفَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ: [الإسرَاء: 85]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *} فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ.

}7457{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».

}7458{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

 

قوله: «بَاب قَوْلِهِ تَعَالَى: [الصَّافات: 171]{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *}» في هذه الترجمة أراد الإمام البخاري رحمه الله إثبات الكلام لله فقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} فيه إثبات الكلام لله، واسم الكلام اسم للفظ، والمعنى: فكلام الله بحرف وصوت يسمع وأنه من صفات الله وصفات الله غير مخلوقة، وأن كلام الله الكوني سابق للخلق وأنه من صفات الله وصفاته سبحانه غير مخلوقة، وأن كلام الله نوعان:

النوع الأول: كوني قدري لا يتخلف مراده.

النوع الثاني: ديني شرعي قد يتخلف مراده.

هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة والذي دلت عليه النصوص.

فالكوني القدري مثل هذه الآية {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر»[(818)] فكلمات الله الكونية لا يجاوزها البر ولا الفاجر، أما كلمات الله الدينية، فقد يجاوزها الفاجر مثل قوله تعالى: [البَقَرَة: 43]{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ} وقوله: [الإسرَاء: 32]{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى} وقوله: [البَقَرَة: 282]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}، فالقرآن كله من كلمات الله الدينية وقد يجاوزها الفاجر فلا يستجيب لأمر الله، أما كلام الله الكوني فلا يتجاوزه أحد لا بر ولا فاجر.

وصفة كلام الله من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل البدع، كما سبق أن صفة الكلام وصفة العلو وصفة الرؤية، هذه الصفات الثلاث من العلامات الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع.

وكلام الله فيه أقوال كثيرة ومذاهب شتى للناس مؤمنهم وكافرهم وقد ذكرها العلماء:

المذهب الأول: مذهب الاتحادية الذين يقولون: إن كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله حقه وباطله صدقه وكذبه، وكل ما يسمع في هذا الوجود من أصوات الحيوانات والطيور وغيرها كله كلام الله، وهذا ناشئ عن مذهبهم الخبيث وهو القول بأن الوجود واحد يقولون: الوجود واحد العبد هو الرب والرب هو العبد، وعلى هذا فكل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، ورئيس وحدة الوجود محمد بن عربي ويلقب محيي الدين وهو مميت الدين، يقول في بيت نظمه:

وكل كلام في الوجود كلامه

سواء علينا نثره ونظامه[(819)]

هذا كلام ابن عربي رئيس وحدة الوجود، وهذا من أفسد الأقوال وهو قول كفري؛ لأنه ناشئ عن مذهب كفري، والاتحادية الذين يقولون: إن الوجود واحد من أكفر خلق الله.

المذهب الثاني: مذهب الفلاسفة أتباع أرسطو وابن سينا وغيرهم الذين يقولون: إن الكلام فيض من معان كثيرة فاض من العقل الفعال على النفس الفاضلة الزكية وهو النبي فتكلمت به، فهو ليس حرفًا ولا صوتًا، وهذا أيضًا مذهب كفري؛ لأنه مبني على مذهبهم في القول بقدم العالم وأن العالم ليس له أول ولا بداية وأنه قديم كقدم الله، وهذا أيضًا يؤدي إلى إنكار وجود الله، فلم يقولوا: إن الله متقدم على العالم بل يقولون: إنه مقارن للعالم، وهذا مذهب كفري أيضًا.

المذهب الثالث: مذهب السالمية أتباع محمد بن هشام بن سالم الجواليقي يقولون: إن الكلام لفظ ومعنى وحروف وأصوات إلا أنها قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال ولم يزل الله في الأزل يتكلم يقولون: [المجَادلة: 1]{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} والحروف يقولون: إن الحروف كلمات الرب مقترنة الباء مع السين مع الميم [الفَاتِحَة: 1]{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *} لكن أنت تسمعها متعاقبة وهذا بالنسبة لسمع الإنسان، ولكنها مقترنة بالنسبة للرب، وشبهتهم فيها يقولون: لو قلنا: إن الكلام كلام الرب واقع بمشيئته وقدرته للزم من ذلك أن يحمل الكلام في ذاته ولو قلنا: إن الحروف متعاقبة السين بعد الباء والميم بعد السين للزم من ذلك أن تحل الحوادث في ذات الرب، ففرارًا من ذلك قالوا: الكلام لفظ ومعنى وحروف وأصوات لكنها لا تتعلق بمشيئة الله وقدرته، فلم يزل الله يتكلم والحروف مقترنة ولهذا يسمون بالاقترانية.

المذهب الرابع: مذهب الكرامية القائلين بأن الكلام كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات وهو يتعلق بقدرته ومشيئته إلا أنه حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن، يعني: هم وافقوا أهل السنة إلا في قولهم: إنه حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن.

فيقولون: كان الكلام ممتنعًا عن الرب مستحيلاً ثم انقلب فجأة فصار ممكنًا والسبب في ذلك قالوا: إن الله يخلق بالكلام لو قلنا: إن الكلام قديم للزم من ذلك أن تكون الحوادث قديمة وإذا كانت الحوادث قديمة انسد علينا طريق إثبات الصانع فلا ندري، فلابد أن نثبت فترة ما فيها خلق ولا كلام ثم بعد ذلك انقلب الكلام فصار ممكنًا بعد أن كان ممتنعًا وهذا من أبطل الباطل؛ لأنه إثبات فترة للرب كان الكلام ممتنعا عليه ثم صار ممكنا وهذا تعطيل لربه، فالكلام كمال والخلق كمال والرب فعال، وليس هناك دليل يدل على الفترة ونقول: إن كل فرد من أفراد المخلوقات المحدثة كائن بعد أن لم يكن مسبوقًا بالعدم ويكفي هذا، أما إثبات فترة فهذا باطل، والقول بأن الكلام ممتنع على الرب هذا تنقص للرب كيف يكون الكلام ممتنعًا ثم يكون ممكنًا؟! ما الذي جعله ممكنًا بعد أن كان ممتنعًا؟ وشبهتهم يقولون: لو قلنا: إن الكلام قديم النوع للزم من ذلك تسلسل الحوادث، وإذا تسلسلت الحوادث انسد علينا طريق إثبات الصانع. وهذا باطل.

المذهب الخامس: مذهب الكلابية أتباع عبدالله بن سعيد بن كلاب يقولون: إن الكلام معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت وهو أربع معان في نفسه وهي: الأمر والنهي والخبر والاستفهام وأما الحروف والأصوات فهذه دليل على الكلام وليست هي الكلام فهي حكاية عن كلام الله.

المذهب السادس: مذهب الأشاعرة الذين يقولون: الكلام معنى قائم بنفس الرب ليس بمخلوق، والحروف والأصوات والألفاظ عبارة عن كلام الله الذي هو معنى واحد ليس معان وهي مخلوقة، وكلام الله لا ينقسم بنوع ولا يتعدد ولا يتجزأ ولا يتكثر، والاختلاف والتعدد والتكثر إنما هو في الدلالات والمدلول واحد.

فالكلابية يقولون: حكاية، والأشاعرة يقولون: عبارة عن كلام الله. والكلابية يقولون: معان، والأشاعرة يقولون: معنى واحد لا يتعدد.

فمعنى كلام الله واحد والعبارات هي التي تختلف إن عبرت عنه بالعربية فهو القرآن وإن عبرت عنه بالعبرانية لغة اليهود فهو التوراة، وإن عبرت عنه بالسريانية لغة الإنجيل فهو الإنجيل، وإن عبرت عنه بالداودية لغة داود فهو الزبور.

وقد أنكر الأشاعرة الحرف والصوت وقالوا: إن ذلك يلزم منه الحدوث في ذات الرب فكلام الله المعنى دون اللفظ فلا هو حرف ولا صوت، وإنما هو حدوث شيء في نفسه مثل العلم ولا يُسمع، لكن جبريل اضطره الله ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا القرآن والقرآن عبارة عبر به جبريل، وبعضهم يقول: عبر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: أخذه من اللوح المحفوظ. فهذه ثلاثة أقوال للأشاعرة وكلها باطلة.

وهذا مذهب كثير من الماتُريدية والأشاعرة وكثير من العلماء الذين طبقوا الأرض في بعض الأزمنة وكثير من الشراح من المحدثين ومن الفقهاء اعتنقوا هذا ويسمون أنفسهم أهل السنة!!

المذهب السابع: مذهب الجهمية وتحول إلى المعتزلة فنسب إليهم يقولون: الكلام لفظ ومعنى حرف وصوت إلا أنه مخلوق منفصل عن الله، ومذهبهم مبني على القول بأنه لو أثبتنا الكلام لله للزم من ذلك التشبيه، ففرارًا من التشبيه والتجسيم ـ بزعمهم ـ قالوا: إن الكلام مخلوق.

فالأشاعرة مذهبهم نصف مذهب المعتزلة؛ لأن الأشاعرة يقولون: كلام الله المعنى ليس بمخلوق واللفظ مخلوق والمعتزلة يقولون: كلام الله اللفظ والمعنى والحرف والصوت لكنه مخلوق. وهذا من أبطل الباطل.

وحكم المعتزلة أنهم متأولون. وقال أهل العلم: إن المتأول لا يكفر؛ لأن له شبهة، إنما الجاحد هو الذي يكفر، والجمهور على أنهم مبتدعة، وبعض العلماء كفرهم.

المذهب الثامن: مذهب أهل السنة والجماعة، وهو مذهب الرسل عليهم الصلاة والسلام جميعًا ومذهب الصحابة والتابعين والأئمة وأهل السنة والجماعة الذين تلقوا هذا الباب عنهم مذهبهم أن كلام الله اللفظ والمعنى، وأن كلام الله بحرف وصوت يسمع، وأن كلام الله متعلق بقدرته ومشيئته، وأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد فنوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا، وقالوا: إن كلام الله كمال ولا يخلو الله من هذا الكمال في وقت من الأوقات والله تعالى هو الخالق بذاته وصفاته، والله تعالى منفصل عن المخلوقات بذاته وصفاته وكلام الله ليس حالًّا في المخلوقات بل الله بائن عن خلقه بذاته وصفاته والقرآن كلام الله الحروف والمعاني لفظه ومعناه، فليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف.

هذه ثمانية مذاهب مشهورة وهناك مذاهب أخرى والسبعة الأولى كلها باطلة يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: «والعجب أن هذه المذاهب السبعة الباطلة هي الدائرة بين الناس ولا يعرف كثير من الناس إلا هذه المذاهب»[(820)] .

وكلها باطلة، ولكن أكثر هذه المذاهب انقرضت، وبقي ثلاثة مذاهب الآن وهي التي سيناقشها الإمام البخاري في تراجمه حيث ركز في هذه الأبواب على ذلك فذكر تقريبا ثلاثين أو واحدًا وثلاثين بابًا كلها في الكلام إلا بابين أو ثلاثة في المشيئة والإرادة، وباب في أفعال العباد والباقي كله ركز فيه على الكلام؛ لأن صفة الكلام من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع والحوار دائر بين الطوائف الثلاثة: أهل السنة والمعتزلة والأشاعرة، والمؤلف رحمه الله يرد على المعتزلة ويرد على الأشاعرة فالإمام البخاري رحمه الله وهو يمثل مذهب أهل السنة يناقش الأشاعرة والمعتزلة؛ لأن هذه المذاهب هي المنتشرة الآن، ومعلوم أن كثيرًا من شراح الحديث مشوا على طريقة الأشاعرة مثل الحافظ ابن حجر رحمه الله فلا يعتمد عليه في الشرح، وكذلك النووي رحمه الله وغيرهم لكن أخطئوا ظنًّا أن هذا هو الصواب ولهم من الحسنات إن شاء الله ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات، لكن الخطأ يرد على صاحبه كائنًا من كان والحق يقبل ممن جاء به، أما المذاهب الأخرى مثل مذهب الفلاسفة ومذهب الاتحادية ومذهب السالمية ومذهب الكلابية ومذهب الكرامية فهي قليلة ولعلها تلاشت.

فالعلماء في كتب أهل السنة يركزون في الرد على هؤلاء الأشاعرة والمعتزلة، والبخاري رحمه الله يثبت مذهب أهل السنة والجماعة ويستدل له بالنصوص من الكتاب والسنة.

ومعتقد أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بحرف وصوت يُسمع كما سمعه منه جبرائيل وكما سمعه منه النبي صلى الله عليه وسلم محمد في المعراج[(821)] وكما سمعه منه موسى عليه السلام، وفي يوم القيامة يكلم الله الناس ويسمعون كلامه وينادي يوم القيامة ويقول: «يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فيقول: أخرج بعث النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار» [(822)].

 

}7453{ قوله: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» في هذا الحديث: إثبات الكتابة للرب وهي صفة من صفاته الفعلية لا يماثله أحد من خلقه.

وفيه: إثبات الرحمة والغضب، والكتابة والرحمة والغضب من الصفات الفعلية وكذلك الكلام، فالكلام من الصفات الذاتية الفعلية قديم النوع حادث الآحاد.

وفيه: أن رحمة الله سبقت غضبه.

وفيه: سبق هذا الكتاب وأنه بعد إتمام الخلق.

ووجه الدلالة من الحديث للترجمة: إثبات الكلام فهذا الكتاب الذي سبق كان بعد إتمام الخلق، فإذا سبق هذا الكتاب وأنه بعد تمام الخلق والخلق إنما يكون بكلمة الله التي سبقت فثبت بذلك الكلام لله.

فالله تعالى يخلق بالكلام قال تعالى: [يس: 82]{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}.

 

}7454{ هذا الحديث فيه: بيان خلق الإنسان وأن الإنسان يخلقه الله من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة، وماء الرجل يخرج من الظهر من صلبه، وماء المرأة من الترائب وهي عظام الصدر ويجتمعان فيخلق الله منهما الولد.

وفيه: أن النطفة يطورها الله؛ فأولاً تكون نطفة أربعين يومًا ثم تنتقل فتكون علقة وهي قطعة دم ثم تتحول بعد الأربعين فتكون مضغة أي: قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان ثم بعد ذلك يخلق الله العظام ويكسوها لحمًا، وإذا مضت هذه الأربعين والأربعين والأربعين أي: المائة وعشرين يومًا بعث الله إليه الملك، فيؤذنه الله بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح.

وفيه: أن الإنسان لابد أن يصير إلى ما قدره الله إليه وأن الله تعالى ييسره لما خلق له وأن بعض الناس قد يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيختم له بعمل أهل النار والعياذ بالله فيدخل النار، ومن الناس من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، فالأعمال بالخواتيم.

قوله: «فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ:» وفي اللفظ الآخر: «فيؤمر بأربع كلمات»[(823)] فيه: إثبات إذن الله الكوني القدري السابق في علم الله فالإذن نوعان:

النوع الأول: إذن كوني قدري كما في هذا الحديث. فهذا الحديث فيه إثبات إذن الله الكوني، والحديث السابق فيه إثبات الأمر السابق وهذا الإذن وهذا الأمر كونيان ومثله قول الله تعالى: [البَقَرَة: 102]{وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}.

النوع الثاني: إذن شرعي مثل: [البَقَرَة: 110]{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ومثله قوله تعالى في سورة الحشر: [الحَشر: 5]{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} يعني: فبإذن الله الشرعي، واللينة هي النخلة وهذا في قصة بني النضير فالصحابة منهم من قطع النخيل وحرقها ومنهم من تركها، فالذين قطعوا النخيل وحرقوها كان قصدهم إغاظة اليهود والذين أبقوها رأوا أنه مال سيئول إليهم، وقد أقر الله تعالى هؤلاء وهؤلاء.

 

}7455{ هذا الحديث فيه: إثبات أمر الله الكوني.

قوله: «يَا جِبْرِيلُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» فيه: دعوة الصالحين وأهل العلم إلى الزيارة في البيت لما في مجيئهم وزيارتهم من الخير والبركة والفائدة والعلم، فينبغي للإنسان أن يحرص على زيارة أهل الخير وأهل الصلاح وأهل العلم له، ولما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل أن يزوره أخبره جبريل أنه ما ينزل إلا بأمر الله ونزلت الآية « [مَريَم: 64]{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ}» وهذا هو الشاهد من الحديث، والمراد بالأمر هنا أمر الله الكوني السابق ففيه: إثبات الكلام لله؛ لأن المراد بأمر الله كلامه والتنزل إنما يكون بكلمات وحيه.

ففيه: إثبات لنوعين من الكلام: الكلام الكوني والكلام الشرعي.

 

}7456{ هذا حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفيه: أن اليهود اختلفوا فقال بعضهم: سلوه وقال بعضهم: لا تسألوه لئلا يأتيكم بأمر تكرهونه، فسألوه عن الروح، قال عبدالله بن مسعود: «وَأَنَا خَلْفَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ: [الإسرَاء: 85]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *} فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ».

والشاهد قوله: {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} والمعنى كما قال الإمام أحمد: من مأمور ربي أي: من مخلوقاته، ومخلوقاته إنما خلقت بكلام الله فهي مخلوقة بأمر الله وكلامه السابق، ففيه: إثبات الكلام لله السابق على أول خلقه.

 

}7457{ هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل، فالذي جاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وهو مؤمن قد ضمن الله له إن قتل أن يكون شهيدًا وأن يكون في الجنة، وإن لم يقتل نصره الله ورجع بالأجر والغنيمة. وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»[(824)] .

قوله: «وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ» هذا هو الشاهد من الحديث، ففيه: إثبات كلمات الله الشرعية وهي ما أخبر به في كتابه من الثواب للمجاهدين من الدرجات والمغفرة، فالمؤمن إنما جاهد في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا لكلماته حيث إنه يصدق بكلمات الله التي أخبر بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مثل قول الله تعالى: [التّوبَة: 111]{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} وقول الله تعالى: [الصَّف: 10-12]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنَجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *}.

 

}7458{ هذا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه: بيان المجاهد في سبيل الله وأنه الذي يجاهد لإعلاء كلمة الله أي: لأجل أن ينتشر دين الله في الأرض ويعلو الإسلام على سائر الأديان الباطلة التي ينتحلها البشر مع الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه نية المجاهد الحق الصادق الموعود بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة ودخول الجنة.

أما من قاتل حمية أو عصبية لأجل الدم أو لأجل الأرض أو يقاتل شجاعة ليقول الناس: شجاع أو رياء وسمعة وما أشبه ذلك ـ فهذه كلها مقاصد سيئة لا تكون في سبيل الله.

قوله: «لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا» ، هذا هو الشاهد من الحديث، ففيه: إثبات كلمات الله الدينية الشرعية، والمراد بكلمة الله كلمة التوحيد، وهي قوله تعالى: [آل عِمرَان: 64]{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ *}.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[النّحل: 40]{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}

}7459{ حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ».

}7460{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».

فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ.

}7461{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ».

}7462{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ: عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ: ُ ' × % $ £ " ! . ، وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً.

قَالَ الأَْعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا .

 

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: « [النّحل: 40]{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}» مقصود المؤلف رحمه الله هنا بهذه الترجمة إثبات الكلام لله عز وجل، والرد على المعتزلة في قولهم: إن أمر الله الذي هو كلام الله مخلوق وإن وصف الله تعالى بالأمر وبالقول مجاز واتساع كما يقال: امتلأ الحوض وما له جدار.

وهذا قول فاسد؛ لأنه عدول عن ظاهر الآيات والأحاديث وعن حملها على حقيقتها، والأمر هو قوله تعالى: «» {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *} فالأمر هو قوله للشيء: كن فيكون بأمره له، وأمره وقوله بمعنى واحد، والأمر غير الخلق لعطفه عليه في قوله تعالى: [الأعرَاف: 54]{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} وكلام الله سابق على أول خلقه، فالخلق إنما يكون بالأمر والله تعالى يخلق، فالله تعالى يخلق بالأمر أي: بالكلام، قال تعالى: [يس: 82]{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا}، أي: إذا أراد أن يخلق شيئًا قال له: كن فكان.

}7459{ هذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وفيه: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ»» ، هذا فيه: بشارة للمؤمنين بأنه لا يظهر إلا الحق وأنه يبقى، وفي الحديث الآخر: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله»[(825)] فالحق لا يضيع ولا يضمحل بل لابد أن يبقى.

وهذه الطائفة تقل وتكثر؛ وقد تكون في مكان، وقد تكون في أمكنة متعددة، وهذه الطائفة هم أهل الحق من الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء، فكل من كان على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهم الطائفة المنصورة وهم أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق، وكل من عمل بالحق فهو منهم؛ فقد يكون مزارعًا لكنه مستقيم على الحق وقد يكون بياعًا وقد يكون خرازًا وقد يكون صناعًا وقد يكون بناءً وقد يكون دهانًا، وقد يكون مبلطًا فمن استقام على الحق فهو من أهل السنة والجماعة، لكن في مقدمتهم العلماء.

والشاهد من الحديث قوله: «حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ» فأمر الله هو كلامه، والمراد بأمر الله هنا أمر الله بالريح التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات لا أمر قيام الساعة، كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال: «المراد بالأمر قيام الساعة» فالصواب أنه أمر الله بقبض أرواح المؤمنين كما ثبت في الحديث أنه في آخر الزمان إذا خرجت أشراط الساعة الكبار وكثر الشر «أرسل الله ريحًا طيبة فقبضت أرواح المؤمنين والمؤمنات فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا دخلت عليه حتى تقبضه حتى لو كان في كبد الجبل فيبقى الكفرة فعليهم تقوم الساعة»[(826)] .

 

}7460{ هذا كالحديث السابق فيه: إثبات الطائفة المنصورة.

قوله: «حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» وأمر الله هو كلامه، وهذا هو الشاهد من الحديث.

وقوله: «وَهُمْ بِالشَّأْمِ» قد يكونون بالشام في بعض الأوقات ولكن لا يلزم من هذا أن يكون ذلك في جميع الأزمنة، ففي آخر الزمان يكونون في الشام فينزل عيسى بن مريم هناك بالشام.

وقوله: «فَقَالَ مُعَاوِيَةُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ» فيه: فائدة حديثية تتعلق بالسند وهي رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن معاوية صحابي ومالك بن يخامر تابعي فالصحابي روى عن التابعي، فهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر.

 

}7461{ وهذا الحديث فيه: قصة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في بني حنيفة في نجد لما جاءت الوفود في السنة التاسعة من الهجرة يفدون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلمون جاء وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة فتأخر وقال: لو أطاعني محمد لو أعطاني وجعلني خليفة بعده وأشركني في النبوة لأطعته أو مثل هذا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة جريد فقال: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا» ، يعني: مسيلمة «وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ» ، يعني: ليهلكنك.

والشاهد قوله: «وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ» أي: لن تعدو أمر الله فيك بما قدره عليك من الشقاوة أو السعادة «وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ» يعني: أعرضت عن الإسلام «لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ» أي: ليهلكنك فأهلكه الله، والشاهد أمر الله وأمره هو كلامه.

 

}7462{ هذا الحديث هو الحديث الذي في الباب السابق أعاده المؤلف رحمه الله للاستناد إليه.

والشاهد قوله: « [الإسرَاء: 85]{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}» يعني: من مأموره، فالأمر في الآية بمعنى المأمور، وهو المخلوق، فمأمور ربي أي: مخلوقه، والخلق إنما كان بالكلام، فإنما خلق الله عز وجل بأمره وكلامه، فثبت الكلام لله عز وجل، وكلام الله غير مخلوق، والروح هي التي تقوم بها الحياة، وهذا هو الأظهر.

وقوله: «وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» هذه قراءة الأعمش، والقراءة الثانية قراءة حفص ـ وهي الموجودة في المصاحف: [الإسرَاء: 85]{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *}.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا *}

[لقمَان: 27]{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [الأعرَاف: 54]{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بَأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *}.

سَخَّرَ: ذَلَّلَ.

}7463{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».

 

مقصود المؤلف رحمه الله من هذه الترجمة هو إثبات الكلام لله عز وجل، وأنه صفة من صفاته الذاتية، وصفاته الفعلية، فهو يتكلم سبحانه بما شاء إذا شاء كيف شاء، وأن كلام الله غير مخلوق.

الآية الأولى: قال تعالى: « [الكهف: 109]{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا *}» هذه آية الكهف، والمعنى: لو كان البحر حبرًا يكتب به كلمات الله لنفد البحر ولم تنفد كلمات الله، ولو جيء بمثل البحر أيضًا لنفد ولم تنفد كلمات الله.

الآية الثانية: قال الله تعالى: « [لقمَان: 27]{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}» المعنى: لو كانت الأشجار التي في الدنيا أقلامًا يكتب بها، والبحر يمده سبعة أبحر وكانت حبرًا يكتب به لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحار ولم تنفد كلمات الله.

ومناسبة الآيتين للترجمة: أن كلام الله غير مخلوق، ولا يشبه كلام المخلوقين، ولو كان مخلوقًا لكان له قدر كما تقدر المخلوقات، ولنفد كنفاد المخلوقات، فلو كانت كلماته مخلوقة لنفدت كما تنفد البحار والأشجار وجميع المحدثات، ولكن الله سبحانه وتعالى كما لا يحاط بذاته فلا يحاط بكلماته وجميع صفاته.

الآية الثالثة قوله: « [الأعرَاف: 54]{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}» ، ومناسبة الآية للترجمة أن الله فرق بين الأمر والخلق بحرف العطف فعطف الأمر على الخلق والعطف يقتضي المغايرة؛ فدل على أن الأمر الذي هو كلام الله غير مخلوق فالأمر غير الخلق؛ ولو كانا شيئًا واحدًا لما عطف أحدهما على الآخر؛ ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله: «فرق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بينهما فقد كفر»[(827)] . أي: من جعل الأمر من جملة ما خلقه فقد كفر؛ ولهذا قال العلماء من قال: إن كلام الله مخلوق فقد كفر. ومذهب المعتزلة أن كلام الله مخلوق.

وقولهم: فقد كفر. المقصود فقد كفر بالعموم، أما الواحد المعين فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، فيقال على وجه العموم: من قال: إن كلام الله مخلوق فهو كافر، أما فلان بن فلان إذا قال: كلام الله مخلوق فنقول: لابد أن تقوم عليه الحجة، وإذا قامت عليه الحجة وزالت عنه الشبهة كفر.

قوله: «سَخَّرَ: ذَلَّلَ» قال تعالى: [الأعرَاف: 54]{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} يعني: مذللات.

 

}7463{ ذكر هذا الحديث في الباب السابق، وقد كرره المؤلف رحمه الله هنا.

قوله: «تَكَفَّلَ اللَّهُ» يعني: ضمن الله له هذا.

والشاهد من الحديث قوله: «وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ» المراد بكلمته: الأوامر الواردة في الجهاد وما وعد عليه من الثواب، أو المراد ألفاظ الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله التي من صدقهما ثبت في نفسه عداوة من كذبهما وحرص على قتله. وكلمة الله غير مخلوقة؛ لأنها لا تنفد بخلاف المخلوقات فإنها تنفد كما في آية الترجمة.

وفي الحديث: فضل الجهاد في سبيل الله، وأن المؤمن المجاهد في سبيل الله مضمون له إما الجنة إذا قتل شهيدًا أو الأجر والغنيمة إذا سلم ولم يُقتل، فهو بين أمرين: إما الشهادة؛ فيكون من أهل الجنة فتنتقل روحه وتتنعم بالجنة بواسطة حواصل طير خضر، وإما أن يرجعه الله بأجر وغنيمة.

 فِي الْمَشِيئَةِ وَالإِْرَادَةِ

[الإنسَان: 30]{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [آل عِمرَان: 26]{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الكهف: 23-24]{وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا *إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا *}

[القَصَص: 56]{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ [البَقَرَة: 185]{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

}7464{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِذَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ».

}7465{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، ح. وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ _ث أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُمْ: «أَلاَ تُصَلُّونَ؟» قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: [الكهف: 54]{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}.

}7466{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ، يَفِيءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتْ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَْرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً، حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ».

}7467{ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولَ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الأُْمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الإِْنْجِيلِ الإِْنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمْ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا هَؤُلاَءِ أَقَلُّ عَمَلاً وَأَكْثَرُ أَجْرًا! قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».

}7468{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْنَدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ فَقَالَ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ».

}7469{ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَم كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً، فَقَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي، فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ شِقَّ غُلاَمٍ، قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

}7470{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ: «لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: قَالَ الأَْعْرَابِيُّ: طَهُورٌ؟! بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَنَعَمْ إِذًا».

}7471{ حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ حِينَ نَامُوا عَنْ الصَّلاَةِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ» فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّئُوا إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ فَقَامَ فَصَلَّى.

}7472{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَْعْرَجِ، ح.

وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ فَقَالَ: الْيَهُودِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ».

}7473{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي عِيسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلاَ يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

}7474{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُِمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

}7475{ حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَنْزِعَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ».

}7476{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ وَرُبَّمَا قَالَ: جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ».

}7477{ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لاَ مُكْرِهُ لَهُ».

}7478{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرٌو، حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، أَهُوَ خَضِرٌ؟ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَْنْصَارِيُّ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا مُوسَى فِي مَلإٍَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوسَى: لاَ. فَأُوحِيَ إِلَى مُوسَى: بَلَى. عَبْدُنَا خَضِرٌ. فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: [الكهف: 63]{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ».

}7479{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» يُرِيدُ الْمُحَصَّبَ.

}7480{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَاصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَفْتَحْهَا فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ؟ قَالَ: فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ، فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

 

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لإثبات المشيئة والإرادة لله عز وجل، والمشيئة والإرادة فيها للناس ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: مذهب أهل السنة والجماعة، أن إرادة الله نوعان:

النوع الأول: إرادة كونية قدرية خلقية، لا يتخلف مرادها، مثل قوله تعالى: [الأنعَام: 125]{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا}، وهذه الإرادة ترادف المشيئة.

النوع الثاني: إرادة دينية شرعية أمرية، مثل قوله تعالى: [البَقَرَة: 185]{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله: [المَائدة: 6]{يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ} وهذه الإرادة ترادف الرضا والمحبة.

أما المشيئة فلا تنقسم على الصحيح، فالمشيئة واحدة وترادف الإرادة الكونية.

المذهب الثاني: مذهب القدرية والمعتزلة، وذهبوا إلى أن الإرادة نوع واحد: وهي الإرادة الدينية الشرعية، وأنكروا الإرادة الكونية؛ واستدلوا بالأدلة التي تثبت الإرادة الدينية.

المذهب الثالث: مذهب الجبرية؛ وذهبوا إلى أن الإرادة واحدة: وهي الإرادة الكونية، وأنكروا الإرادة الدينية، واستدلوا بالأدلة التي تثبت الإرادة الكونية.

أما أهل السنة فقد أثبتوا الإرادتين، وأخذوا أدلة الجبرية فصفعوا بها وجوه المعتزلة والقدرية وأبطلوا مذهبهم، وأخذوا أدلة المعتزلة وصفعوا بها وجوه الجبرية وأبطلوا مذهبهم، واستدلوا بالأدلة من الجانبين فقالوا: أدلتكم يا جبرية حق وتثبت الإرادة الكونية، وأدلتكم يا معتزلة حق وتثبت الإرادة الدينية، فهذا حق وهذا حق. فالجبرية والعياذ بالله أثبتوا نوعًا من الحق وأنكروا نوعًا منه، والمعتزلة كذلك أثبتوا نوعًا من الحق وأنكروا نوعًا منه، وهدى الله أهل السنة فقسموا الإرادة إلى قسمين حسبما ورد في النصوص.

والمؤلف رحمه الله في هذا الباب يريد أن يذكر الأدلة التي تثبت نوعي الإرادة، وأن الإرادة نوعان كونية قدرية، وهذه ترادف المشيئة، ودينية شرعية تفسر بالأوامر الدينية، وفي ذلك أيضًا الرد على الجبرية الذين لا يثبتون الإرادة الدينية، والرد على المعتزلة والقدرية الذين لا يثبتون الإرادة الكونية.

وانشرح صدره رحمه الله فاستدل وسرد سبعة عشر حديثًا كلها تثبت الإرادة كما سيتبين.

ذكر المؤلف رحمه الله قول الله تعالى: [الإنسَان: 30]{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فيه: إثبات المشيئة لله عز وجل.

فيه: أن العباد لهم مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله، وقال تعالى: [آل عِمرَان: 26]{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}، فالشاهد قوله: {مَنْ تَشَاءُ} ففيه: إثبات المشيئة، وقال تعالى: [الكهف: 23-24]{وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا *إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا *}، وقال تعالى: [القَصَص: 56]{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فهذه النصوص فيها إثبات المشيئة لله تعالى.

قوله: «قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ» هو بالفتح أفصح، ويقال: إنه قال: سيب الله من سيبني. ولذلك بعضهم يقرؤها: المسيب بالكسر، ولكن ما عليه المحدثون: المسيب بالفتح؛ لأنه وإن قال هذا فإن هذا اسمه وهو معروف به وإن لم يرض أن يقال عنه.

وقوله: «نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ: [البَقَرَة: 185]{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}» فهذه هي الإرادة الشرعية الدينية.

 

}7464{ قوله في هذا الحديث: «وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ» فيه: إثبات المشيئة لله، وهذا هو الشاهد.

وفيه: أنه لا ينبغي للإنسان أن يستثني في الدعاء بل ليجزم في الدعاء كما في الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، وليعزم المسألة فإن الله لا مستكره له»[(828)] فيقول: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، ولا يقل: إن شئت؛ لأنه أولاً إذا قال: إن شئت كأنه غير مهتم بالدعاء، كأنه يقول: إن شئت يا الله فاغفر لي، وإن شئت فلا تغفر لي، فلا يصلح ذكر المشيئة هنا ولا ينبغي، وهو منهي عنه، بل يقول: اللهم اغفر لي ـ جازمًا، اللهم ارحمني ـ جازمًا. وكذلك لا يقول: أعطني يا الله إن شئت؛ بل يقول: أعطني يا الله، وارزقني وارحمني واغفر لي، وهكذا.

وقوله: «فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ» أي: لا أحد يستكرهه.

 

}7465{ هذا الحديث فيه: التعاون على الخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فاطمة وعلي بن أبي طالب وطرقهما بالليل، وقال: «أَلاَ تُصَلُّونَ؟» ، وفي اللفظ الآخر: «ألا تصليان»[(829)] فإذا كان لك بعض الجيران وبعض الإخوان فليس ثمة مانع أن تأتيه في آخر الليل لتنبهه كي يصلي؛ من باب التعاون على الخير.

وقد رد علي رضي الله عنه ردًّا غير مناسب فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا» أي: أن أرواحنا بيد الله ليست بأيدينا، فإن شاء أيقظنا وإن شاء لم يوقظنا، وكان الأولى أن يقول: سنفعل إن شاء الله وسنجاهد أنفسنا. وهذا هو الشاهد من الحديث، ففيه: إثبات المشيئة لله، قال: «فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ» ، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم، «وَيَقُولُ: [الكهف: 54]{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}» ؛ لأن هذا من الجدل الذي لا ينبغي.

 

}7466{ في هذا الحديث: ضرب الأمثال، والمثل ينتقل فيه الإنسان من الأمر المعقول إلى الأمر الحسي؛ لأن خامة الزرع محوسة وكذا كفأ الريح لها، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للمؤمن ومثلاً للكافر، فقال: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ، يَفِيءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتْ اعْتَدَلَتْ» فتُكفئها: يعني: الأمراض والأسقام والمصائب تأتيه من هنا ومن هنا تميله هكذا وهكذا، فكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء والمصائب والهموم والأسقام مثل خامة الزرع يفيء ورقه من حيث أتت الريح، وكل هذا يكفر الله به من خطاياه.

أما الكافر فقد قال عنه: «وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَْرْزَةِ صَمَّاءَ» ، وهي نوع من النبت قوية لا تتحرك، «مُعْتَدِلَةً، حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ» ، يعني: مرة واحدة، وفي الغالب أن هذا مثل كثير من الكفار، وإلا فقد يصاب الكفار، وهذا هو الشاهد؛ ففيه: إثبات المشيئة لله عز وجل، وهي بمعنى الإرادة الكونية.

وفيه: الرد على من لم يثبت المشيئة من القدرية.

 

}7467{ هذا الحديث فيه: بيان فضل الله لهذه الأمة، وبيان بقاء نسبة هذه الأمة من الزمان مع الأمم السابقة، فنسبة الدنيا كلها كأنها يوم من طلوع الشمس إلى غروبها، ونسبة ما مضى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما يمضي من أول النهار إلى العصر، ونسبة هذه الأمة من صلاة العصر إلى غروب الشمس؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الأُْمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ» .

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب المثل في أجر هذه الأمة، ومضاعفة الأجور لها؛ فقال: «أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الإِْنْجِيلِ» أي: النصارى «الإِْنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمْ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ» أي: أجورًا مضاعفة، وفي اللفظ الآخر: «إن مثلكم في الأمم السابقة كمثل رجل استأجر أجيرًا في أن يعمل له من أول النهار إلى الظهر بقيراط فعمل ثم استأجر أجيرًا آخر فعمل له من الظهر إلى العصر بقيراط، ثم استأجر أجيرًا آخر يعمل له من العصر إلى المغرب بقيراطين، فغضب الأول والثاني، وقالوا: كيف؟ نحن أكثر عملاً وأقل أجرة، كيف هؤلاء يعملون من العصر إلى المغرب يعطون قيراطين ونحن نعمل من الصباح إلى الظهر بقيراط، وهؤلاء من الظهر إلى العصر بقيراط؟»[(830)] .

وقوله: «قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» فيه: فضل الله تعالى لهذه الأمة، فالأجر مضاعف لهم، والوقت أقل، قال: فهل ظلمتكم؟ ألست قد اتفقت أنا وإياكم على هذا؟ قالوا: بلى، ولكن هؤلاء أقل منا عملاً وأكثر أجرًا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء، فالأمة عملوا من العصر إلى المغرب وأعطوا قيراطين، والأمم السابقة أكثر عملاً وأقل أجرًا.

والشاهد قوله: «فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» ففيه: إثبات المشيئة وهي المرادفة للإرادة الكونية.

وفيه: الرد على المعتزلة الذين أنكروها.

 

}7468{ هذا الحديث فيه: بيعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه على هذه الأمور، فبايعهم «فَقَالَ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ» ، وفي لفظ آخر: «ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم»[(831)] فهذه ستة أشياء، وهذه هي البيعة التي بايع عليها النساء في قوله تعالى في آخر سورة الممتحنة: [المُمتَحنَة: 12]{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بيعة أخرى، بايعهم على ألا يسألوا الناس شيئًا[(832)].

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» يعني: من وفى بهذه الأمور والتزم فأجره على الله، «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا» فما التزم بل عصى «فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ» ، يعني: إذا أقيم عليه الحد صار كفارة له، ففيه: دليل على أن من أقيم عليه الحد فقد طهر من الذنب، والله تعالى أكرم من أن يثني العقوبة على عبده بأن يقيم عليه الحد في الدنيا ويعذبه في الآخرة.

وقوله: «وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ» أي: من لم يلتزم وفعل المعصية لكن ستره الله ولم يقم عليه الحد «فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» ، وأما من تاب بينه وبين الله فالتوبة أيضًا طهارة، والشاهد قوله: «إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» ففيه: إثبات المشيئة لله وهي الإرادة الكونية.

وفيه: الرد على المعتزلة الذين أنكروها.

 

}7469{ هذا الحديث فيه: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَم كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً» ، وفي اللفظ الآخر: «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة»[(833)] يعني: جامعهن في ليلة واحدة، وهذا فيه دليل على أن الأنبياء أعطوا قوة لم يعطها أحد غيرهم، وإلا كيف يستطيع أن يجامع ستين امرأة في ليلة واحدة؟! وفي لفظ: «سبعين»[(834)] وكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام ثبت أنه طاف على نسائه بغسل واحد[(835)]، فهذه قوة فضل بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال أنس ـ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ إنه أوتي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع[(836)].

وفيه: دليل على أن شريعة التوراة فيها التوسع في عدد النساء؛ فسليمان كان له ستون، وداود كذلك.

وفيه: دليل على أن اليهود والنصارى قوم بهت؛ فهم يعيبون على المسلمين الآن التعدد ويعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج تسع نسوة، وأنبياؤهم كان لهم التسعون والمائة.

وفيه: عناية سليمان عليه السلام واهتمامه بالجهاد لقوله: «لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي» ، وفي لفظ: «على سبعين امرأة»[(837)] وفي اللفظ الآخر: «على تسعين امرأة»[(838)] يعني: يجامعهن «فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وهذا من الهمة العالية، يريد أن يرزقه الله من كل واحدة ولدًا؛ ليكونوا تسعين غلامًا، كلهم يجاهد في سبيل الله، لكنه ما قال: إن شاء الله، «فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ شِقَّ غُلاَمٍ» أي: واحدة فقط حملت نصف إنسان، وليس إنسانًا كاملاً، «قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى» ـ يعني: قال: إن شاءالله ـ «لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِلله» وفي اللفظ الآخر: «أنه قال له صاحبه: قل: إن شاء الله ـ فلم يقل»[(839)] ، وفي لفظ: «أنه نسي»[(840)] وفي اللفظ الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لكان دركًا لحاجته ولقاتلوا فى سبيل الله أجمعون»[(841)] .

والشاهد قوله: «لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى» يعني: قال: إن شاء الله، ففيه: إثبات المشيئة لله.

 

}7470{ هذا الحديث فيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ» أي: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأعرابي وهو مريض فدعا له بالشفاء «فَقَالَ: «لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، وهذا الأعرابي كان جافيًا، ومن الجفاء أنه قال: «طَهُورٌ؟! بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ» ، وهذا من جهل هذا الأعرابي، فقال: لا ليس طهورًا إن شاء الله، بل هي حمى تفور على شيخ كبير فيصله الموت ويزور القبور «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَنَعَمْ إِذًا» أي: إذا كنت لا تريد إلا هذا فلك ما أردت.

والشاهد قوله: «طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، فهذا فيه إثبات المشيئة لله وهي المرادفة للكونية.

وفيه: الرد على من أنكرها، وهذا الحديث لا يعارض الحديث السابق: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت»[(842)] لأن قوله هنا: «طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» من باب الخبر.

 

}7471{ هذا فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ناموا عن الصلاة، وكان هذا في بعض الأسفار، فقد كانوا يمشون في الليل ثم ناموا آخر الليل، وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «اكلأ لنا الصبح»[(843)] أي: راقب الوقت حتى إذا اقترب الصبح أيقظنا، فالتزم بلال وقال: أنا أكلؤه.

ففيه: دليل على أنه ينبغي على الإنسان أن يجعل له أسبابًا توقظه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما نام حتى قال لبلال ذلك، فالتزم بلال ثم نصب ذراعه ووضع رأسه على ذراعه فنام ولم يستيقظوا إلا بحر الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأخرى: «أين كنت يا بلال؟» فقال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتادوا رواحلكم إن هذا واد حضرنا فيه شيطان»[(844)] ثم اقتادوا. وقد حصل هذا النوم مرات يسيرة من النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ» فالنوم قبض؛ قال الله تعالى: [الزُّمَر: 42]{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *}، والشاهد أن فيه إثبات المشيئة لله عز وجل، وهي مرادفة للإرادة الكونية.

وفيه: الرد على من أنكرها من المعتزلة.

وقوله: «فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّئُوا إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ فَقَامَ فَصَلَّى» في بعض الروايات أنه أمر بلالاً فأذن بعد طلوع الشمس ثم صلى السنة الراتبة ثم صلى الفريضة[(845)]، ففيه: دليل على أن من فاتته صلاة الفجر يبدأ بالنافلة أيضًا ويعجل إذا كان في السفر، فلو كان بعد خروج الوقت فإنه يؤذن ثم يصلي السنة الراتبة، ثم يصلي الفريضة.

 

}7472{ هذا الحديث فيه: أن اليهودي والمسلم استبا «فَقَالَ: الْيَهُودِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ» ، وفي لفظ آخر أنه قال: «تقول هذا ورسول الله بين أظهرنا فلطمه»[(846)] فجاء اليهودي يشتكي المسلم فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى» يعني: لا تفضلوني على موسى، وهو صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين بإجماع المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»[(847)] وإنما نهى عن المفاضلة تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم أو دفعًا للتعصب ودرءًا للفتنة والعصبية للجنس.

والشاهد قوله: «فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ» والاستثناء المشيئة، ففيه: إثبات المشيئة لله. لكن هذا ـ كما سبق التنبيه عليه ـ وهم من بعض الرواة كما حقق ذلك ابن القيم[(848)]؛ لأن هذه الصعقة تكون في موقف القيامة وليس فيها استثناء، إنما الاستثناء في صعقة الموت في قوله تعالى في سورة الزمر: [الزُّمَر: 68]{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وصعقة البعث بعدها، فهذه الصعقة التي في الحديث في موقف القيامة، فإذا وقف الناس وجاء الله لفصل القضاء يصعق الناس كلهم، وهذه ليس فيها موت وليس فيها استثناء، وصواب الحديث: «فلا أدري أصعق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور»[(849)] كما في الحديث الآخر.

 

}7473{ هذا من خصائص المدينة أنه لا يأتيها الدجال ولا الطاعون وكذلك مكة لا يأتيها الدجال، أما الطاعون فظاهر النصوص أنه خاص بالمدينة؛ فمكة قد يأتيها الطاعون، وجاء في الحديث الآخر في ذكر الدجال: «إن الدجال إذا خرج يطأ كل بلد إلا مكة والمدينة؛ فإن الملائكة يحرسونها، لكنه يأتي المدينة عند السبخة فيرجف ثلاث رجفات، ويخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، ولا يبقى في المدينة إلا أهل الإيمان»[(850)] .

وقوله: «فَلاَ يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، جاء في الحديث الآخر أنه ليس فيه استثناء فهو يقول: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» للتبرك، وفيه: إثبات المشيئة لله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى له المشيئة وهي المرادفة للإرادة الكونية.

}7474{ هذه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للعصاة من أمته الذين في النار، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في الدنيا، ولكن هذه مدخرة ليوم أحوج ما تكون فيه، وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا»[(851)] فهذه دعوة مستجابة.

والشاهد من الحديث قوله: «فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ففيه: إثبات المشيئة لله وهي المرادفة للإرادة الكونية، وفيه: الرد على من أنكرها.

 

}7475{ هذا الحديث فيه: ذكر رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الأنبياء وحي، ذكر الله تعالى في قصة إبراهيم: [الصَّافات: 102]{قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ *}، ثم قال الله له: [الصَّافات: 105]{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}.

فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا في النوم قال: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ» والقليب هو البئر «فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَنْزِعَ» نزعت: يعني: استخرجت ماء بالدلاء، «ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ» وهو أبو بكر الصديق عبدالله بن عثمان وكنية أبيه أبو قحافة.

قوله: «فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ» أي: نزع دلوًا أو دلوين، «وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ» إشارة إلى القلاقل والفتن التي حصلت في ولايته، فقد ارتدت العرب وقاتلهم حتى أخضعهم للإسلام.

وقوله: «وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ» قال العلماء: هذا فيه إشارة إلى قصر مدة الصديق فهي سنتان وثلاثة أشهر.

وقوله: «ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا» يعني: تحولت الدلو غربًا، قال الحافظ رحمه الله «قال أهل اللغة: الغرب الدلو العظيمة المتخذة من جلود البقر»، فلأبي بكر دلو صغير ولعمر دلو كبير؛ لأنه طالت مدة خلافته إلى عشر سنوات ونصف بخلاف الصديق، وفي زمن عمر استقرت الأحوال وتفرغ للفتوح، ففتحت الشام ومصر وغيرها.

وقوله: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» يعني: ينزع نزعه «حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ» يعني: حتى ضرب الناس حوله بِريّ، إشارة إلى طول المدة واتساع الفتوح.

والشاهد قوله: «فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ» فيه: إثبات المشيئة لله، والإرادة الكونية ترادف المشيئة.

وفيه: الرد على من أنكرها وهم المعتزلة والقدرية.

 

}7476{ هذا الحديث فيه: الأمر بالشفاعة والحث عليها وهذا الأمر للاستحباب، فينبغي للإنسان أن يكون مباركًا فينفع الناس بشفاعته أو بماله أو بنفقته أو ببدنه أو بتوجيهه وإرشاده، فإذا كانت له وجاهة يشفع لأخيه: يشفع لمظلوم، أو يشفع لإنسان تقضى حاجته، أو يشفع لمسجون وهو مأجور، فالنبي صلى الله عليه وسلم ردت بريرةُ شفاعتَه، وهي مولاة كانت تحت زوجها مغيث، وهو عبد وهي أمة، لكن أعتقتها عائشة رضي الله عنها فصارت حرة، فلما صارت حرة صارت أعلى من زوجها ولها الخيار إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت تركته، فتركته، وكان مغيث يحبها كثيرًا حتى إنه كان يمشي في الأسواق ودموعه تجري على عينيه يريدها وهي لا تريده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجب من حب مغيث لبريرة وكراهتها له، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى شدة وجد مغيث شفع، فقال: «يا بريرة لو راجعتيه» وكانت بريرة فقيهة، فقالت: يا رسول الله هل تأمرني أم تشفع؟ أي: إن كان أمرًا فسمعًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كانت شفاعة فأنا أنظر في أمري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا شافع»[(852)] فقالت: لا حاجة لي فيه، ولم تقبل. فردت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وهو مولاها، فالشافع إذا ردت شفاعته فهذا لا يضره وأجره على الله.

وقوله: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ» ، الشاهد قوله: «مَا شَاءَ» ففيه: إثبات المشيئة.

 

}7477{ هذا الحديث سبق في أول الباب، وقد كرره المؤلف رحمه الله لاختلاف الراوي فهذا عن أبي هريرة رضي الله عنه والأول عن أنس رضي الله عنه.

قوله: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ» فيه: أنه لا ينبغي للإنسان أن يذكر المشيئة فيستثني عند الدعاء، فلا يقول: اللهم اغفر لي إن شئت أو ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة فيقول جازما: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني.

والشاهد قوله: «إِنْ شِئْتَ» ففيه: إثبات المشيئة لله.

وقوله: «إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لاَ مُكْرِهُ لَهُ» يعني: الرب سبحانه وتعالى.

 

}7478{ هذا الحديث فيه: أن ابن عباس والحر بن قيس بن حصن الفزاري تماريا يعني: تجادلا وتناظرا «فِي صَاحِبِ مُوسَى، أَهُوَ خَضِرٌ؟» ، أي: هل هو الخضر أم غير الخضر؟ «فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَْنْصَارِيُّ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ» ، أي: ليسأله.

وفيه: أن الطلبة إذا اختلفوا في شيء يرجعون إلى العلماء فيسألونهم، فابن عباس رضي الله عنهما صحابي صغير والحر بن قيس رضي الله عنه كذلك، فلما جاء أبي بن كعب رضي الله عنه وهو صحابي كبير سألوه، فجاء العلم وانقطع النزاع؛ فقال ابن عباس: «إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ» ، تماريت بالراء، وأما بالدال فمعناها إطالة الجدال وهو محتمل.

وقوله: «هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:» وفيه: أن المتنازعين إذا اختلفوا يرجعون إلى الكتاب والسنة ليفصل بينهم ويرجعون إلى العلماء، فلما تمارى ابن عباس والحر بن قيس رجعوا إلى أبي بن كعب، وأبي بن كعب روى لهم الحديث.

وفيه: أن الخضر هو صاحب موسى عليه السلام، قال: «بَيْنَا مُوسَى فِي مَلإٍَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوسَى: لاَ. فَأُوحِيَ إِلَى مُوسَى: بَلَى. عَبْدُنَا خَضِرٌ» ، وفي اللفظ الآخر قال: «هل تعلم أحدًا أعلم منك قال: لا، قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه»[(853)] أي: عتب الله على موسى، ففيه: أن الأنبياء قد يقولون قولاً خلاف الصواب لكن لا يقرون على الخطأ؛ ولهذا ما أقره الله على الخطأ بل أخبره أن هناك من هو أعلم منه فسأل موسى السبيل إلى لقيه فسافر إليه.

وفيه: دليل على الرحلة في طلب العلم فقد رحل موسى وسافر في البحر وهو عالم أعطاه الله التوراة ومع ذلك ذهب وسافر؛ ليزداد علمًا، وفي بعض الألفاظ: «أنه لما جاء الخضر قال له: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم قال: ما الذي جاء بك؟ ، قال: «أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا»[(854)] وهذا يؤيد قول الله تعالى: [طه: 114]{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا *}.

فلا يزال الإنسان يطلب العلم، ولو كان من العلماء الكبار حتى يموت، كما قال الإمام أحمد: مع المحبرة إلى المقبرة.

فأوحى الله إلى موسى عليه السلام فذهب إلى الخضر قال: أين أجده يا رب؟ قال: في مجمع البحرين وجعل الله له آية قال: «فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ» وكان معهم حوت مشوي يريدونه غداء لهم، لكنه جاءه يسير من الماء فدبت إليه الحياة فأحياه الله فخرج من المكتل وهو مشوي ودخل في البحر وفقد الحوت، وأمسك الله الجرية وذهبوا ونسي غلامه أن يخبره ثم لما أحس بالجوع سأله فقال له: « [الكهف: 63]{فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}، [الكهف: 64]{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}» فهذه العلامة فرجعا قال: «فَوَجَدَا خَضِرًا وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُلله» وهذا هو الشاهد في هذه القصة: الذي قص الله في سورة الكهف، ومنه قوله: [الكهف: 69]{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا *} ففيه: إثبات المشيئة، وهذا من دقائق استنباط البخاري رحمه الله.

 

}7479{ هذا في حجة الوداع في ليلة الرابع عشر، وكان عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يرمي بعد الزوال وقبل صلاة الظهر، فرمى ولم يتعجل يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ولما رمى يوم الثالث عشر رماها قبل الظهر ثم ذهب ونزل في المحصب[(855)] فقيل له: أين تنزل غدا؟ فقال: «نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ» ويعني بخيف بني كنانة: الوادي «حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» يُرِيدُ الْمُحَصَّبَ» ، والمحصب: الوادي الذي فيه الحصبة، وهو الآن شارع العزيزية فقد كانت واديًا بين مكة وبين منى، أي: كانت هناك مسافة بين مكة وبين منى، لكن الآن اتصل البنيان فاتصلت العزيزية بمنى.

فضربت له صلى الله عليه وسلم خيمة هناك؛ لأن هذا المكان هو الذي قاطعت فيه قريش بني هاشم، وهو الشعب الذي حصروا فيه بني هاشم لما امتنعوا من تسليم النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك الصحيفة الآثمة وعلقوها في جوف الكعبة، وفيها أن بني هاشم لا يبايعون ولا يناكحون... إلخ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينزل في هذا المكان؛ ويريد بذلك أن يظهر شعائر الإسلام في المكان الذي أظهرت فيه شعائر الكفر.

$ر مسألة: هل النزول في هذا المكان يوم الثالث عشر سنة أو ليس بسنة؟

_خ الجواب: القول الأول: أنه سنة كما ذهب أنس فقال: ينزله الخلفاء.

القول الثاني: وإليه ذهبت عائشة رضي الله عنها وجماعة أنه ليس سنة، وإنما هو منزل اتفاقي قالت: نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج[(856)].

والصواب: أنه سنة إذا تيسر، لكن لا يمكن هذا الآن؛ لأنه لا يوجد محصب.

والشاهد من الحديث قوله: «نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ففيه: إثبات المشيئة لله عز وجل.

 

}7480{ هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف مدة ولكن لم يفتح عليهم فطال عليه الحصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» يعني: سنرجع، «فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ؟» أي: قالوا: يا رسول الله، كيف نرجع وما فتحت علينا؟ فقال: «فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ، فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ» أي: غدوا في اليوم الثاني فأصابتهم جراحات، فلما أصابتهم الجراحات قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فسكتوا ولم يقولوا شيئًا «فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» يعني: تبسم النبي صلى الله عليه وسلم من ضعف بني آدم فقد قالوا في أول الأمر: «نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ؟» ولما أصابتهم الجراح أعجبهم الرجوع وسكتوا.

والشاهد قوله: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ففيه: إثبات المشيئة لله.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

ُ 3 4 1 2 7 8 5 6  } صلى الله عليه وسلم { « » ف پ ـ لله   ْ ّ ء فپ! ! ِ [سَبَإ: 23] {وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *}

وَلَمْ يَقُلْ مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ.

وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: [البَقَرَة: 255]{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.

وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئًا، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا: [سَبَإ: 23]{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ}.

وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ».

}7481{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَْمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، قَالَ: عَلِيٌّ وَقَالَ غَيْرُهُ صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا: [سَبَإ: 23]{فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *}».

قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا.

قَالَ سُفْيَانُ قَالَ: عَمْرٌو سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ.

قَالَ عَلِيٌّ قُلْتُ لِسُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: أَنَّهُ قَرَأَ فُرِّغَ قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلاَ أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا، أَمْ لاَ قَالَ سُفْيَانُ وَهِيَ قِرَاءَتُنَا.

}7482{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ.

}7483{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ: «يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ».

}7484{ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ.

 

مقصود المؤلف رحمه الله بهذه الترجمة إثبات الكلام لله عز وجل، وأنه صفة من صفاته وأنه قائم بذاته وأنه بحرف وصوت يسمع، والرد على المعتزلة في قولهم: إن كلام الله مخلوق، وكذلك الجهمية، والرد على الكلابية والأشاعرة في قولهم: إن كلام الله لا يسمع وهو معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت.

فالمؤلف رحمه الله ينوع التراجم للعناية بهذه المسألة العظيمة والتي اشتد النزاع فيها، وهي مسألة الكلام.

وقوله تعالى: [سَبَإ: 23]{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}» يعني: أزيل الفزع وذهب الخوف عن الملائكة، فيه دليل للرد على من عبد الملائكة.

وفيه: دليل على أن الملائكة مخلوقون ضعفاء يصيبهم الفزع والغشي والصعق، والذي يصيبه الفزع والرعب لا يصلح للعبادة، والمقصود أنهم لما سمعوا كلام الله تعالى صعقوا من عظم كلام الله ثم تصيبهم غشية ثم يفيقون، فإذا أفاقوا [سَبَإ: 23]{قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *}.

وقوله: «وَلَمْ يَقُلْ مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ» يعني: قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} فوجه الاستدلال أنه لو كان الكلام مخلوقًا لقال: وماذا خلق ربكم؟

وقصد المؤلف من هذا الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق.

وقوله: {قَالُوا الْحَقَّ} يعني: قالوا: قال الله الحق، وقوله: [سَبَإ: 23]{قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *} فيه: إثبات اسمين من أسماء الله وهما: العلي والكبير.

وقوله تعالى: [البَقَرَة: 255]{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} فوجه الاستدلال بالآية في قوله: {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} والإذن لا يكون إلا بالقول لا بالخلق، فإذنه بقوله سبحانه لا بخلقه، ولهذا لم يقل من ذا الذي يشفع عنده إلا بخلقه؛ فدل على إثبات الكلام لله وأن كلامه سبحانه غير مخلوق.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله كلام ابن مسعود في تفسير الآية حيث يقول: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئًا» ـ وفي نسخة: «سمع أهل السموات شيئًا» ـ «فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ» يعني: زال الفزع «وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا:» يعني: الملائكة نادوا فيما بينهم « [سَبَإ: 23]{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ}» فالشاهد قول الملائكة: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم.

قوله: «فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ» فيه: إثبات الكلام لله، وأنه بحرف وصوت يسمع.

وفيه: الرد على الأشاعرة والكلابية الذين يقولون: كلام الله ليس بحرف ولا صوت وإنما هو معنى قائم بنفسه كالعلم.

وفيه: أن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين؛ لأن كلام الله يسمعه البعيد والقريب على حد سواء، فيسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، بخلاف كلام المخلوقين فإن القريب يسمع أكثر من البعيد وربما لا يسمعه البعيد.

وفيه: إثبات نداء الله للعباد بصوت؛ لأن النداء هو الكلام من بعد.

وهذه النصوص لا يطيقها أهل البدع، فالحديث صريح في إثبات الصوت، وأن كلام الله بصوت والنداء أيضًا كلام من بعد لا يكون إلا بالصوت قال الله عن موسى: [مَريَم: 52]{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا *} فالنداء يكون لمن بعد، والنجاء يكون لمن قرب.

وقوله: «أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ» والديان: المحاسب والمجازي مأخوذ من قوله: [الفَاتِحَة: 4]{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *} فالله تعالى هو محاسب الخلائق وهو مجازيهم بنفسه سبحانه وتعالى يوم القيامة.

 

}7481{ قوله: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَْمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ» فيه: إثبات القول والكلام لله عز وجل.

وفيه: إثبات الصوت؛ لقوله: «كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ» أي: الصوت مسموع من كلام الله، وفي قوله: [سَبَإ: 23]{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}» أي: ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم؟

قوله: «فرغ» بالراء قراءة عن سفيان، والقراءة المشهورة: [سَبَإ: 23]{فُزِّعَ} بالزاي.

 

}7482{ قوله «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» بمعنى ما استمع.

وفيه: إثبات الاستماع لله، وهي صفة من الصفات الفعلية كما يليق بجلال الله وعظمته.

والمراد بالنبي الجنس، أي: لنبي من الأنبياء، فليس المراد به النبي محمد صلى الله عليه وسلم بل جنس الأنبياء، والمعنى ما استمع الله لشيء ما استمع للنبي.

وقوله: «يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» المعنى: يحسن صوته بالقراءة، وفي الحديث الآخر: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»[(857)] فالمراد بالتغني تحسين الصوت بالقراءة على الصحيح، وقيل: المعنى: يستغني به عن الناس، لكن الأول هو الأرجح.

وقوله: «بِالْقُرْآنِ» يعني: المقروء وهو الزبور، وفي ذلك أن داود كان إذا قرأ الزبور كان له صوت حسن تستمع إليه الطيور والوحوش.

وقوله: «وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ» أي: لأبي هريرة رضي الله عنه.

والشاهد قوله: «مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» فيه: إثبات الكلام لله؛ فالقرآن كلام الله الذي تكلم به.

 

}7483{ الشاهد من الحديث في مواضع منها: قوله: «يَقُولُ اللَّهُ:» ففيه: إثبات القول لله.

وقوله: «فَيُنَادَى بِصَوْتٍ» ، وفي نسخة «فينادي» وفيه: إثبات الكلام لله وأنه بحرف وصوت. والنداء نوع من أنواع الكلام وهو الكلام من بعد.

وقوله: «يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ» ، وفي اللفظ الآخر: «أن آدم قال: يا رب من كم؟ فقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين» فشق ذلك على الصحابة فقالوا: أينا ذلك الواحد يا رسول الله؟ فأخبرهم: «من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل»[(858)] ويأجوج ومأجوج أمتان كافرتان.

 

}7484{ هذا الحديث فيه: غيرة عائشة رضي الله عنها فقد غارت من خديجة رضي الله عنها وهي الزوجة الأولى التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم أولاده كلهم ما عدا إبراهيم، ولم يتزوج عليها حتى توفيت، وعائشة رضي الله عنها لا تعرف خديجة ولا أدركتها لكن كانت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها كثيرًا[(859)] فغارت حتى قالت له مرة: كأن لم يكن من النساء إلا خديجة رضي الله عنها، ما لك بعجوز قد أبدلك الله بخير منها. وهذا من الغيرة، وقالت كما هنا: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ» ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها وكان يذبح الشاة فيهدي في خلائل خديجة وصديقاتها؛ من حبه لها، عليه الصلاة والسلام[(860)].

قالت: «وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ» ، وفي لفظ: «في الجنة» أي: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر خديجة ببيت في الجنة، وجاء في الحديث الآخر: «أن بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب»[(861)] ، أي: من قصب اللؤلؤ والمرجان، وهذه منقبة لخديجة وفيه: الشهادة لها بالجنة.

والشاهد قوله: «وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ» ففيه: إثبات الأمر، والأمر إنما يكون بالكلام؛ ففيه: إثبات كلام الله والرد على المعتزلة القائلين بأنه مخلوق.

 كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللَّهِ الْمَلاَئِكَةَ

وَقَالَ مَعْمَرٌ: [النَّمل: 6]{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى} أَيْ يُلْقَى عَلَيْكَ وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ أَيْ تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ وَمِثْلُهُ [البَقَرَة: 37]{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}.

}7485{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَْرْضِ».

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد