شعار الموقع

شرح كتاب الأذان من صحيح البخاري (10-45)

00:00
00:00
تحميل
150

(10)  كِتَاب الأَْذَان; ;

بَدْءُ الأَْذَانِ

وَقَوْلُهُ عز وجل : [المَائدة: 58]{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ *}

وَقَوْلُهُ: [الجُمُعَة: 9]{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}

}603{ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَْذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِْقَامَةَ.

}604{ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ».

 

قوله: «بَدْءُ الأَْذَانِ» ابتداء الأذان كان في المدينة، فمشروعيته كانت بعد الهجرة.

وحكمه: فرض كفاية، وكذا حكم الإقامة أنها فرض كفاية.

والأذان والإقامة لا يشرعان للنساء، بل هما خاصان بالرجال، فالمرأة لا تؤذن ولا تقيم.

والأذان مشروع للمسافر، ولو كان واحدًا، واختلف في وجوبه عليه، وكذلك يؤذن للصلاة الفائتة في السفر، أما في الحضر فلا يؤذن من فاتته الصلاة؛ لأن الناس قد أذنوا وصلوا إلا إذا أذن أذانًا لا يسمعه إلا من بجواره فلا بأس.

وظاهر الأدلة أنه لابد من الأذان، وأن كل جماعة إذا حضرت الصلاة فلها أذان، وكذلك كل اثنين، والواحد على الصحيح، لكن إذا أذن في البلد مؤذن واحد سقط الفرض.

ففي قصة مالك بن الحويرث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتما في سفر فأذنا، وأقيما، وليؤمكما أكبركما» [(191)] فهذا أمر، والأصل في الأوامر الوجوب، فالأذان لا ينبغي التساهل فيه، فبعض الناس يتساهلون في السفر، وفي غيره، فيقيمون، ولا يؤذنون؛ وهذا غلط؛ والصواب أنه واجب لابد أن يؤدى في السفر، وفي الحضر، وفي كل مسجد، لكن إذا أذن في البلد واحد حصل المقصود.

وإذا ترك الأذانَ أهلُ البلد فإنهم يقاتلون؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أغار على قوم ينتظر فإن سمع أذانًا وإلا أغار عليهم[(192)].

}603{ وفي الحديث أن بلالاً أُمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، يعني : أن يجعل كلمات الأذان شفعًا وكلمات الإقامة وترًا.

 

}604{ في الحديث: أن الصحابة رضي الله عنهم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اختلفوا فيما يفعلون حتى يُعلموا الناس بالصلاة، فقال بعضهم: «اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى» ، فكرهوا هذا، وقالوا: هذا مشابهة للنصارى، ولا نريده؛ وقال بعضهم: « بل بوقًا مثل قرن اليهود »، فكرهوا هذا أيضًا؛ لأن فيه مشابهة لليهود، فتفرقوا، ثم لما كان في الليل رأى عبدالله بن زيد بن عبد ربه من أتاه في النوم وقال له: إذا أردتم الصلاة فافعلوا هكذا، وجاء وأذن أمامه الأذان المعروف خمس عشرة جملة، ثم تأخر، ثم تقدم، وقال: إذا أقيمت الصلاة فافعلوا هكذا وألقى عليه الإقامة، ورأى عمر مثل ذلك أيضًا، جاءه في النوم من ألقى عليه الأذان، ثم ألقى عليه الإقامة، وأخبر عبدالله بن زيد أنه رأى هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قم فألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك» [(193)].

وفي هذا الحديث قال عمر رضي الله عنه: «أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ» ولا منافاة بينهما، فيجمع بينهما بأن عبدالله بن زيد بن عبد ربه أُرِي الأذان، وعمر أيضًا أُرِيه في النوم، ثم قال: « أَوَلاَ تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة »، فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بما رأوا قال: «ألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك» [(194)].

وفيه: أن الأحق بالأذان من كان أندى صوتًا، والفقهاء يقولون: إن المؤذن يشترط فيه أن يكون صيتًا أمينًا؛ صيتًا حتى يُسمع، وأمينًا؛ لأنه مؤتمن على دخول الوقت، وعلى ضبط الإفطار والإمساك في الصيام.

;  الأَْذَانُ مَثْنَى مَثْنَى

}605{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَْذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِْقَامَةَ إِلاَّ الإِْقَامَةَ.

}606{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلاَةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَْذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِْقَامَةَ.

 

}605{ في هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والشفع: أن يردده ثنتين ثنتين، والوتر أن يقوله مرة واحدة.

وشفع الأذان أن يقول: الله أكبر أربع مرات، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، وهذا أذان بلال رضي الله عنه.

وقوله: «إِلاَّ الإِْقَامَةَ» يعني: وإلا التكبير أيضًا، وقال بعض العلماء: إنما لم يستثن التكبير ـ وإن كان شفعًا ـ لأنه بالنسبة لتكبير الأذان وتر، فكأنه فرق، فالإقامة أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فيكون قد قالها كلها وترًا إلا إقامة الصلاة والتكبير.

أما أذان أبي محذورة الذي عُلِّمَه في مكة فإن فيه الترجيع في الشهادتين وهي أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله سرًّا بينه وبين نفسه، ثم يرفع صوته ويرجع إليها ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله فتكون ثمانيًا: أربعًا سرًّا وأربعًا جهرًا.

فأذان أبي محذورة تسع عشرة كلمة، وأما أذان بلال فخمس عشرة.

 

}606{ قوله: «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ» ، أي: في المدينة، أشكل عليهم الإعلام بدخول الوقت فقال بعضهم: إذا جاء الوقت أوقدوا نارًا فمن رآها جاء للصلاة، فكرهوا هذا؛ لأنه مشابهة للمجوس، فقالوا: اضربوا ناقوسًا، فكرهوا هذا، ثم ألقي الأذان في رؤيا عبدالله ابن زيد وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والشفع: أن يردده ثنتين ثنتين والوتر واحدة فكلمات الأذان شفع وكلمات الإقامة وتر إلا الإقامة والتكبير، وقال بعضهم: إن التكبير ـ وإن كان شفعًا ـ إلا أنه اثنتان فيكون بالنسبة لتكبير الأذان كأنه وتر.

والأذان والإقامة يسميان أذانًا؛ فالأذان: إعلام بدخول وقت الصلاة، والإقامة: إعلام بالدخول في الصلاة، وفي الحديث الصحيح: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة» [(195)] يعني: بين الأذان والإقامة، فسمى الإقامة أذانًا.

;  الإِْقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلاَّ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ

}607{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَْذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِْقَامَةَ.

قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُ لأَِيُّوبَ فَقَالَ: إِلاَّ الإِْقَامَةَ.

 

}607{ يعني: أن الإقامة وتر إلا كلمة «قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ» فإنها شفع، وكذلك التكبير ـ كما تقدم ـ.

;  فَضْلِ التَّأْذِينِ

}608{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى».

 

}608{ هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على فضل التأذين فمن فضله أن الشيطان يدبر ويولي وله ضراط.

وفيه: الحذر من الشيطان ووساوسه.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «ويكره لمن كان جالسًا أن يبادر إلى القيام، ولو إلى الصلاة؛ لأن فيه مشابهة بالشيطان في إدباره عند سماع الأذان».

وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «ما يحسن للإنسان إذا أذن المؤذن أن يذهب ويقوم أثناء الأذان حتى لو أراد أن يذهب إلى مسجد آخر، فإن في ذلك تشبهًا بالشيطان، فيحسن أن يقوم بعد فراغ المؤذن من الأذان».

يعني: إذا كان في البيت وسمع الأذان ليس له أن يقوم، ولو أراد أن يقوم إلى الصلاة ينتظر ويجيب المؤذن حتى لا يتشبه بالشيطان الذي يولي، وهذا له وجه، وقد يقال: إن الذي يذهب إلى الصلاة هذا ضد الشيطان، فالشيطان هرب من الصلاة، وهذا أقبل إلى الصلاة، وقد لا يُسلَّم هذا.

والخروج من المسجد بعد الأذان ممنوع؛ لأنه كما ورد في حديث أبي هريرة أنه رأى رجلاً قام بعد الأذان فأتبعه بصره فقال: «أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» [(196)] فليس للإنسان أن يخرج بعد الأذان إلا إذا كان إمامًا يريد أن يذهب ليصلي بجماعته، أو آخر خرج ليتوضأ مضطرًّا؛ أما الذي يخرج لا لحاجة فهذا ممنوع؛ فإذا أراد أن يخرج فليخرج قبل الأذان، فإذا بدأ الأذان يجيب المؤذن ويجلس.

وفيه: حرص الشيطان على إفساد صلاة الإنسان.

قوله: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ» ، لأن النداء يتعبه، وبخاصة كلمة التوحيد، فلا يطيق سماعها؛ فيدبر وله ضراط؛ حتى يشوش على نفسه فلا يسمع التأذين، أو لأن الصلاة يشترط لها الطهارة فيريد أن يقابلها بما يضادها، «فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ» حتى يوسوس، «حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ» ، أي: رجع إلى الأذان مرة أخرى من أجل الإقامة «أَدْبَرَ» ، أي: الشيطان مرة أخرى، «حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ» ، أي: يوسوس له و «يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ» ، أي: إنه يذكره بالأشياء التي نسيها، «حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى» ، أي: لا يدري صلى ركعتين أو ثلاثًا أو سجد سجدة أو سجدتين وفي اللفظ الآخر: «حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى» [(197)]، فقال: «إن» : بدل «لا» ، يعني: حتى لا يدري أصلى كذا أم لم يصل.

وعلى الإنسان أن يستعيذ بالله من الشيطان ولو في الصلاة، ولابد من الجهاد ومدافعة الوساوس باستحضار عظمة الله وبتدبر ما يقرؤه الإمام، وما من أحد منا يسلم، لكن لابد من مدافعة هذه الوساوس، ولا شك أن ذكر الله يطرد الشيطان، والصلاة كلها ذكر لله.

;  رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلاَّ فَاعْتَزِلْنَا.

}609{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَْنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

 

قوله: «أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا» ؛ الأذان السمح: هو الذي ليس فيه تطريب أو تلحين كالغناء، فبعض المؤذنين يؤذن كأنه يلحن، فهذا مكروه، فينبغي على المؤذن أن يؤذن أذانًا سمحًا بغير تلحين وتطريب وتمطيط؛ ولهذا لما رأى عمر بن عبدالعزيز المؤذن قال: «أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلاَّ فَاعْتَزِلْنَا» ؛ أي: وإلا لا تؤذن لنا.

ولا ينبغي أن يُقتدى بمن يؤذن هذا الأذان؛ فبعض الناس يقلدون المؤذنين الذين يلحنون، ويرون أن هذا حسن، وهذا من جهلهم؛ لأن الأذان الذي فيه تطريب مكروه، وكذلك قراءة القرآن إذا كان فيها تطريب وتلحين وتمطيط فهي قراءة مكروهة، فاقرأ قراءة سمحة، وأذن أذانًا سمحًا.

والأصل في الأذان أن كل جملة مستقلة، وقال النووي: «قال أصحابنا: يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين في نفس واحد» [(198)] وذلك لأن بلالاً أُمر أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة، إلا الإقامة والتكبير؛ وهذا فيه نظر؛ لأن الأصل أن كل جملة مستقلة مثل الآيات، حيث نقف على رأس كل آية، وإن قرأ آيتين في نفس واحد فلا بأس.

}609{ يستفاد من هذا الحديث مشروعية الأذان للواحد في السفر، أو في الصحراء، أو في المزرعة، ولو مع غنمه، فإذا حضرت الصلاة رفع صوته بالأذان، فإن فعل ذلك شهد له كل من سمعه من إنس، وجن، وشجر، وحجر.

واتفق العلماء على أن الأذان مشروع للواحد، واختلفوا في وجوبه على قولين.

أما الجماعة ـ وتكون اثنين فصاعدًا ـ فيجب عليهم الأذان والإقامة، وهو فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين.

وفي هذا الحديث بيان فضل التأذين؛ لأنه لا يسمع صوت المؤذن من جن وإنس وشجر، وحجر، إلا شهد له يوم القيامة؛ وهذا فضل عظيم، والمؤذنون دعاة إلى الله عز وجل، وهم داخلون في قول الله تعالى: [فُصّلَت: 33]{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ *}؛ بل قيل: إن هذه الآية نزلت في المؤذنين، والصواب أن الآية عامة تشملهم وتشمل غيرهم فيدخل فيها الرسل؛ لأنهم دعاة إلى الله، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من الدعاة إلى الله، فكلهم تشملهم هذه الآية.

والمؤذن يرفع صوته بالتكبير، ثم يرفع صوته بالشهادة لله بالوحدانية، وهي كلمة التوحيد، ثم يرفع صوته بالشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ثم يدعو إلى العبادة: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم يكبر، ثم يختم بكلمة التوحيد.

فهذا فضل عظيم يلحق المؤذنين؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» [(199)].

وجاء في الحديث أنه قيل: يا رسول الله، المؤذنون يفضلوننا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه» [(200)] وفي الحديث الآخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة» [(201)].

وهذا فيه: دليل على مشروعية إجابة المؤذن، فالسامع يقول مثلما يقول المؤذن إلا عند «حي على الصلاة»، فإنه يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، ثم يدعو ويقول: «اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته»؛ وبهذا يشارك المؤذن في الأجر.

واختلف العلماء في الأذان والإمامة أيهما أفضل؟ فبعض العلماء قال: الأذان أفضل، وقال بعضهم: الإمامة أفضل، وقال بعضهم: الإمامة أفضل لمن قام بحقها أو قال: لما فيها من التعليم.

وما جاء في الحديث من كون الإنسان يكون وحده في البادية فهذا يكون في وقت دون وقت، أما باستمرار فلا، إلا عند فساد الزمان، فلا ينبغي للإنسان أن يسكن البادية ويترك الجمعة والجماعة؛ لأن التعرب والسكنى في البادية وترك المدن من الكبائر، إلا إذا نزع الخير من المدن في آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» [(202)] قال العلماء: هذا عند فساد الزمن إذا نزع الخير من المدن والقرى، ولم يبق فيها جمعة ولا جماعة، ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، ولا فيها تعليم ولا علم، وخشي الإنسان على دينه فيفر بدينه من الفتن، أما إذا كانت المدن فيها خير، وفيها جمعة، وجماعة، وفيها وعظ، وإرشاد، وعلم، فلا ينبغي للإنسان أن يتعرب.

;  مَا يُحْقَنُ بِالأَْذَانِ مِنْ الدِّمَاءِ

}610{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إليهِمْ لَيْلاً فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}».

 

قوله: «مَا يُحْقَنُ بِالأَْذَانِ مِنْ الدِّمَاءِ» ؛ قصد المؤلف رحمه الله من هذه الترجمة بيان ثمرات الأذان وفضله، وأن من ثمراته حقن الدماء؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا ينتظر حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا أمسك وكف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، فهذا يدل على أن الأذان تحقن به الدماء؛ لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فإذا أظهر أهل البلد هذه الشعيرة، وأذنوا، دل على أنهم مسلمون، وأنهم ملتزمون، وأنهم يصلون، والصلاة هي أعظم الشرائع، وأعظم الواجبات بعد التوحيد؛ وهي الصلة والرابطة بين المسلم وبين ربه، فمن لم يؤذن ولم يصل فقد قطع الصلة والرابطة بينه وبين الله، فليس بينه وبين الله رابطة ولا صلة، وهذا دليل على كفره، فلا يحقن دمه؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر: «نهيت عن قتل المصلين» [(203)] فدل على أن غير المصلين لم ينه عن قتلهم، ولا تحقن دماؤهم، بل دماؤهم هدر.

}610{ في هذا الحديث قصة غزو النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وفيها أن أنسًا ركب خلف أبي طلحة، وأبو طلحة هو زوج أمه أم سليم.

قوله: «وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: كأن دابة أبي طلحة قريبة من دابة النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فَخَرَجُوا إِلَيْنَا» ، يعني: أهل خيبر، وهم اليهود «بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ» ، أي: التي يشتغلون بها في حروثهم ومزارعهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغار عليهم في أول النهار في الصباح، «فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ» ؛ وفي رواية: «والجيش» [(204)] والخميس: الجيش، والمراد: أن بغتهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغهم الدعوة مرة أخرى؛ لأن الدعوة قد بلغتهم، فمن بلغته الدعوة فلا يجب إبلاغه مرة أخرى، ومن ذلك: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم» [(205)]؛ لأن دعوة الإسلام بلغتهم فأغار عليهم، وهنا في بعض حصون خيبر أغار عليهم ولم يبلغهم، وفي بعض الحصون أمر بدعوتهم مرة أخرى من باب الاستحباب كما جاء في الحديث الآخر أن عليًّا لما جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرمد يشكو عينيه تفل النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع، وأعطاه الراية، فقال له: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام» [(206)] فهذه دعوة ثانية خلاف الدعوة التي قد بلغتهم؛ فالأولى واجبة والثانية مستحبة؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من بلغته الدعوة أحيانًا يدعوه مرة أخرى، وأحيانًا لا يدعوه.

قوله: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ» ، فيه: مشروعية التكبير عند رؤية ما يتعجب منه خلافًا لما يفعله بعض الناس في هذا الزمن إذا أعجبهم شيء صفقوا، وصفروا؛ وهذا من أخلاق المشركين؛ قال تعالى: [الأنفَال: 35]{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}؛ والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، والمشروع للمسلم إذا رأى شيئًا يعجبه أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، أو يقول: سبحان الله، سبحان الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، ماذا أنزل من الخزائن!» [(207)] ولا يجوز التشبه بالمشركين؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من تشبه بقوم فهو منهم» [(208)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم» [(209)]، والمشركون يتعبدون بالصفير، والتصفيق فلا يجوز التشبه بهم.

وقوله: «خَرِبَتْ خَيْبَرُ» يعني: خربت حيث لم يستجب أهلها إلى الإسلام، ولم يقبلوا هدى الله؛ فلما لم يستجيبوا إلى الإسلام، ولم يقبلوا هدى الله، خربت، وغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم، وفتحها عنوة، وقال: «إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}» ، يعني: الذين أنذروا، ولم يستجيبوا، ساء صباحهم.

;  مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي

}611{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا: مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ».

}612{ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ: إِلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

}613{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ.

قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.

 

}611{ قوله في الحديث الأول: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن» ، فيه: مشروعية إجابة المؤذن لمن يسمع النداء بأن يقول مثلما يقول المؤذن، ثم يدعو بما ورد في الحديث الآخر: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته» [(210)]؛ وزاد البيهقي بسند لا بأس به: «إنك لا تخلف الميعاد» [(211)]؛ والمؤذن لا يجيب نفسه، بل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بهذا الدعاء.

وجاء في الحديث الآخر أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، المؤذنون يفضلوننا، فقال: «قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه» [(212)].

 

}612{، }613{ فيه: مشروعية إجابة المؤذن، وأن من يسمع النداء يقول مثلما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين.

قوله: «لَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ» حي: يعني هلموا وأقبلوا إلى الصلاة؛ فهي دعوة إلى الصلاة، ولما كان الإنسان لا يستطيع ذلك إلا بمعونة الله شرع له أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني لا تحول لي من حال إلى حال حتى أجيب المؤذن وأستجيب للنداء إلا بمعونتك وقوتك يا الله، فلا يتحول الإنسان من حال المعصية إلى حال الطاعة إلا بمعونة الله وتوفيقه، ولا قوة للإنسان على أداء العمل إلا بمعونة الله؛ ولهذا جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه، وهو في الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة» [(213)].

فالصواب أن من سمع النداء يجيب المؤذن إلا في الحيعلتين فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا هو الذي دلت عليه النصوص، وذهب إليه جمهور العلماء.

والقول الثاني للعلماء أنه يقول في الحيعلتين، مثلما يقول المؤذن، فإذا قال: «حي على الصلاة» يقول: «حي على الصلاة»، لكن هذا قول مرجوح يخالف الحديث، ولعل القائل به لم يبلغه حديث معاوية.

وفي أذان الفجر إذا قال المؤذن: «الصلاة خير من النوم»، يقول السامع: «الصلاة خير من النوم»، لعموم: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن» ، أما قول بعض الفقهاء كالحنابلة في شرح الروض وغيره: أنه إذا قال: «الصلاة خير من النوم» يقول: «صدقت وبررت» [(214)]، فهذا اجتهاد، والأصل أن حديث: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» عام لم يُستثن منه سوى الحيعلتين.

وكذلك الإقامة؛ فإنها أذان ثان فيشرع للإنسان أن يجيب المؤذن إذا أقام الصلاة، وإذا قال: «قد قامت الصلاة»، يقول: «قد قامت الصلاة» مثله.

وإجابة المؤذن مستحبة عند أهل العلم، وليست واجبة، والصارف عن الوجوب ما جاء في «صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع راعيًا في البرية يقول: الله أكبر، قال: «على الفطرة»؛ فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: «خرجت من النار» [(215)] ولم يجبه؛ فدل على أن الإجابة ليست واجبة.

وأما إجابة الأذان إذا كان في أجهزة البث كالتلفاز والمذياع، فإذا كان على الهواء يجيبه؛ لأنه يؤذن في الحال، أما إذا كان تسجيلاً فلا.

وإذا سمع أكثر من أذان فإنه يجيب الأول، وإذا انتهى يجيب الثاني، والثالث، وهكذا.

ومن فوائد هذا الحديث: أن البخاري ذكره في كتاب الجمعة من الصحيح، فقال: «ثنا ابن مقاتل: أنا عبدالله: أنا أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل ابن حنيف، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان، وهو جالس على المنبر، أذن المؤذن، قال: الله أكبر، الله أكبر. قال معاوية: الله أكبر، الله أكبر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا، فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال معاوية: وأنا».

فجاء في بعض الروايات أنه يقول: و«أنا»، وفي بعض الروايات: «أشهد أن لا إله إلا الله» مثله، وفي بعض الروايات: «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله»، فيجوز للإنسان أن يقول: «وأنا»، أو: «أشهد أن لا إله إلا الله» أو: «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله»، فكل هذا ورد.

وقوله: «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ» . هذا موصول بالسند السابق إلى معاوية.

وفي الحديث إشكال، وهو أنه في حديث أبي سعيد قال: «فَقُولُوا: مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» ، ولكن في حديث معاوية أنه يقول في الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول، وفي اللفظ الآخر: «إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله» .

والجمع بينهما أن حديث أبي سعيد عام، وحديث معاوية خاص؛ فحديث معاوية مخصص لحديث أبي سعيد؛ لأن حديث أبي سعيد ظاهره أن المجيب يجيب المؤذن مثلما يقول في جميع جمل الأذان، فقوله: «إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا: مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» ؛ هذا عام في جميع جمل الأذان دون استثناء شيء منها؛ لكن جاء حديث معاوية فاستثنى الحيعلتين، فإذا قال: «حي على الصلاة، حي على الفلاح» يقول بعد كل واحدة منها: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

;  الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ

}614{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 

}614{ هذا الحديث فيه مشروعية هذا الدعاء بعد الأذان: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ» ؛ زاد البيهقي بسند جيد: «إنك لا تخلف الميعاد» [(216)]، وأن من قال ذلك حلت له الشفاعة إذا كان من أهل التوحيد، أما إن كان مشركًا فإنه ليس له نصيب من الشفاعة، والنصوص يضم بعضها إلى بعض؛ قال الله تعالى في المشركين: [المدَّثِّر: 48]{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ *}، وقال: [البَقَرَة: 254]{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}، يعني: للكافرين؛ فهذا مقيد بكونه موحدًا، فإذا كان من الموحدين وقال هذا الدعاء حلت له الشفاعة.

وقوله: «وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ» ، انفرد به البخاري، وروى مسلم في «صحيحه»: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة» [(217)] إذن في مسلم زيادة على هذا: أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان.

قوله: «آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ» هي: منزل النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى الجنة، وهي منزل في الفردوس سقفه عرش الرحمن.

وبعض العامة يزيد فيقول: «اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة»؛ وهذا غلط؛ فالوسيلة هي الدرجة الرفيعة فهذا تكرار، وهو من جهل بعض العوام، ولم يثبت، فالأذكار توقيفية. وهذا مثل ما يزيد بعض العامة في الاستفتاح «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» [(218)] فيقول: «ولا معبود سواك»؛ فلا إله غيرك معناها: لا معبود سواك، فهذا تكرار.

والمداومة على إجابة المؤذن، والدعاء بعده سنة مستحبة، فيسن لكل من سمع المؤذن أن يجيبه، ويدعو بهذا الدعاء المشروع.

وثبت أيضا مشروعية أن يقال بعد إجابة المؤذن في الشهادتين: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا وبمحمد رسولاً وبالإسلام دينًا» ، كما جاء في «صحيح مسلم»[(219)].

والظاهر أن المؤذن يشمله هذا الدعاء؛ لأنه ذكر مشترك، ولأنه لم يأت به فيشرع له أن يقوله بخلاف الإجابة.

وبعض الناس يظن أن الترضي لا يقال إلا بعد نهاية الأذان، والصواب أن يقال بعد الشهادتين

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وليس المراد بهذه الشفاعة الشفاعة في فصل القضاء؛ فإن تلك عامة لكل أحد. ولا الشفاعة في الخروج من النار ولابد؛ فإنه قد يقول ذلك من لا يدخل النار».

فالشفاعة العظمى في فصل القضاء تكون لجميع أهل الموقف، الأولين والآخرين، مؤمنهم وكافرهم، وهي المقام المحمود، وهو خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم، يغبطه فيه الأولون والآخرون.

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وإنما المراد ـ والله أعلم ـ: أنه يصير في عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث تتحتم له شفاعته، فإن كان ممن يدخل النار بذنوبه شفع له في إخراجه منها، أو في منعه من دخولها. وإن لم يكن من أهل النار فيشفع له في دخوله الجنة بغير حساب، أو في رفع درجته في الجنة».

والمراد أن من قال هذا الدعاء يكون ممن تناله شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان عليه ذنوب واستحق دخول النار فيشفع فيه ألا يدخل، وإذا دخلها يشفع فيه أن يخرج منها، وإن لم تكن له ذنوب يشفع له، إما في دخول الجنة، أو في رفع درجته، أو في دخول الجنة بغير حساب على حسب عمله؛ وهذا كلام حسن.

والمقام المحمود: هو الشفاعة العظمى في موقف القيامة، وإن كان قد ورد في بعض الآثار عن مجاهد أن المقام المحمود: أن يجلس الله نبيه معه فوق العرش، وقال ابن القيم رحمه الله: إن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وأن من أنكره فقد أنكر قول أهل السنة والجماعة.

والآثار التي جاءت منقولة عن مجاهد كلها تدور عليه، ومجاهد يروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، لكن ليس فيها شيء مرفوع، وأقوى ما فيها قول ابن القيم رحمه الله، فإذا ثبت يكون المقام المحمود شيئين: الشفاعة العظمى، والإجلاس فوق العرش، وإن لم يثبت تكون الشفاعة العظمى هي: المقام المحمود، وهو ما ورد به القرآن: [الإسرَاء: 79]{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا *}، وكذلك ما وردت به السنة في الصحيحين وغيرهما، وتفسيرها بجلوسه فوق العرش يحتاج إلى إثبات[(220)].

;  الاِسْتِهَامِ فِي الأَْذَانِ

وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَْذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ

}615{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَْوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.

 

قوله: «الاِسْتِهَامِ فِي الأَْذَانِ» ، الاستهام: الاقتراع، ومنه قوله تعالى: [الصَّافات: 141]{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *}، يعني: يونس ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما ركب السفينة وامتلأت بمن فيها قالوا: إما أن يخرج واحد وإما أن تغرق السفينة، فاستهموا على أن من وقع السهم عليه ألقى بنفسه، فوقع السهم على يونس فألقى بنفسه.

وقيل: الأصل في الاستهام أنهم كانوا يكتبون أسماءهم في السهام فإذا اختلفوا في شيء فمن أُخرج سهمُه غلب، والاستهام: مشروع في الأمور المتساوية في الإسلام.

وكانوا في الجاهلية يضربون الأقداح، فإذا أراد الإنسان أن يسافر أو غيره، جاء بثلاثة أقداح: قدح مكتوب فيه: افعل، وقدح: لا تفعل، وقدح غفل ليس عليه شيء، فإذا خرج القدح الذي يقول: افعل سافر، أو أقدم على التجارة، وإذا خرج الثاني: لا تفعل أحجم، وإذا خرج الثالث أجالوه حتى يخرج أحد الأمرين، ولما أسلموا عوضهم الله بالاستخارة والقرعة.

قوله: «وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَْذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ» ، يعني: اختلفوا أيهم يؤذن، وتشاحوا في الأذان احتسابًا لوجه الله بدون أجر يأخذونه، فأقرع بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

}615{ قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَْوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا» يعني: لو يعلمون ما في الأذان والصف الأول من الأجر والفضيلة لتسابقوا إليه، وتنافسوا فيه، وتشاحوا فيه، حتى لا تفصل بينهم إلا القرعة؛ وهذا إذا تساوى المتشاحون في الأذان في حسن الصوت، وفي العلم بالوقت؛ أما إذا لم يتساووا فإنه يقدم الأعلم بالوقت، والأحسن صوتًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد لما أُري الأذان: «ألقه على بلال، فإنه أندى صوتًا منك» [(221)] ومثل ذلك في الصف الأول، فلو لم يبق في الصف الأول إلا مقدار ثلاثة فدخل رجال كثيرون دفعة واحدة وتشاحوا كل واحد يريد الصف الأول نقرع بينهم، أما إذا سبق أحدهم، فمن سبق إليه فهذا حقه؛ وهذا لأن الناس كانوا يتنافسون في فعل الخير، أما الآن فكثير من الناس لا يبالي، فيأتي مبكرًا، ويجلس في مؤخَّر الصفوف.

وبالنسبة لما يحدث في بعض المساجد في رمضان، فترى بعض المصلين يحجز مكانه ويذهب، فإذا كان مثلاً يقرأ ثم احتاج إلى الوضوء فذهب يتوضأ، أو تعب فذهب يتكئ على سارية أو عمود فهذا لا بأس به، فهو أحق بمكانه، أما أن يحجز المكان ساعات، فيذهب لينام، أو يأكل، ويشرب، ويبيع ويشتري، فهذا لا يجوز، وليس له حق في هذا.

قوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ» ، والتهجير: التبكير إلى الصلوات، فلو علموا ما فيه من الفضل لتنافسوا، واستبقوا عليه.

وقوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ» ، يعني: من الأجر، والعتمة: صلاة العشاء، والصبح: صلاة الفجر، وفيه دليل على جواز تسمية العشاء العتمة أحيانًا.

وأما ما جاء من النهي عن تسميتها بالعتمة، فالنهي محمول على غلبة الاسم؛ ولهذا قال في الحديث الذي سبق: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل» [(222)] يعني: يتأخرون بالإبل، والجمع بينهما أنه لا بأس بتسمية العشاء العتمة أحيانًا، ولكن لا ينبغي أن يغلب على الإنسان تسميتها بالعتمة.

ونرى في هذه الأيام أن فضائل النداء، والصف الأول، والتهجير، والعتمة، والصبح تفوت كثيرًا من الناس بسبب الغفلة، والجهل والإعراض، وضعف الإيمان.

وأما عن الإيثار بهذه الأعمال التي لها فضل، كالصف الأول ففيه كلام لأهل العلم: فمنهم من قال إنه لا ينبغي أن يُؤثِر بها غيره، ومنهم من قال: لا حرج.

;  الْكَلاَمِ فِي الأَْذَانِ

وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ.

}616{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ وَعَاصِمٍ الأَْحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ.

 

قوله: «الْكَلاَمِ فِي الأَْذَانِ» يعني: هل يصح أم لا؟ فإذا تكلم أثناء بعض جمل الأذان مع أحد الناس، أو رأى أعمى سيسقط في حفرة فنبهه، فهل يجوز له ذلك أم لا؟

والحاصل أن الكلام في الأذان فيه أقوال لأهل العلم، فقيل: يحرم، وقيل: يكره، وقيل: يباح، والصواب أنه يكره إلا للحاجة.

والضحك أشد من الكلام.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا بأس به؛ لقوله: «وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ» ولكن ربما حمل ذلك على أنه كلام محتاج إليه.

وقوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ» ، فظاهر كلام المؤلف أنه يرى أنه لا بأس بالكلام والضحك في الأذان.

 

}616{ مناسبة هذا الحديث للترجمة قول ابن عباس: «الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ» ، وهي ليست من جمل الأذان، وقالها بعد: «حي على الصلاة حي على الفلاح»؛ لأنه لما كان هناك مطر، وأراد أن ينبههم قال: «الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ» ، فتكلم لحاجة فلا بأس، لكن إذا لم يكن هناك حاجة فهو مكروه، وإذا كان كلامًا سيئًا كأن يكون سبابًا أو شتامًا فهو أشد ويخشى عليه بطلان أذانه.

أما رد السلام وتشميت العاطس فلا بأس به؛ فهذا من الأشياء المستحبة مما لا ينافي الأذان.

وينبغي ألا يسرد الأذان سردًا، بل يفصل بين الكلام بفاصل يسير، كأن يسكت هنيهة؛ أما إذا كان سكوتًا فاحشًا طويلاً فقد يبطل الأذان.

قوله: «فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ» يعني: في البيوت، وفي لفظ: «فليصلوا في بيوتهم» [(223)] وفي رواية: «صلوا في بيوتكم» [(224)].

قوله: فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» ، كأنهم استنكروا هذا، فقال ابن عباس: «فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ» يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.

والصلاة في الرحال رخصة في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر؛ وأما في الحضر ففي الليلة المطيرة فقط، أما البرد في الحضر فلا يكون عذرًا، اللهم إلا أن يأتي برد شديد خارج عن المعتاد في البلد، والمطر عذر في السفر، وفي الحضر؛ وجاء في رواية عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم جمعة: «إذا قلت: أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة، ولكن قل: صلوا في بيوتكم» [(225)]، فدل هذا على أن المطر عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة.

وفيه: مشروعية قول: «الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ» في يوم المطر، والمطر عذر حتى ولو لم يقل المؤذن: صلوا في الرحال، لكن إذا قال يكون هذا من باب البيان والإيضاح.

لكن متى يقال: الصلاة في الرحال، أو في البيوت؟ في ذلك ثلاثة أقوال لأهل العلم، كلها جائزة:

أحدها: أن يقولها بدلاً من قول: «حي على الصلاة حي على الفلاح» فيؤذن ويقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم بعد ذلك يقول: صلوا في الرحال، صلوا في الرحال ـ ولا يقل: حي على الصلاة حي على الفلاح.

القول الثاني: أن يقولها بعد الحيعلتين فيجمع بينهما.

القول الثالث: أن يقولها ويكررها بعد الفراغ من الأذان كاملاً، وهذا هو الأفضل، كما يكرر في صلاة الكسوف نداء: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، ويكرر على حسب ما يسمع الناس، وكذلك إذا كان في يوم مطير إذا انتهى من الأذان قال: الصلاة في البيوت، الصلاة في البيوت، ويكررها على حسب ما يسمع الناس.

أما قوله: «وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ» يعني: واجبة، والعزيمة: ضد الرخصة، وهي الأمر المؤكد، والمعنى: أن الجمعة والجماعة واجبة لولا العذر، إلا أن المطر عذر لكم في الصلاة في البيوت.

وهذا ظاهر في أن المطر والدحض والبرد الشديد والريح ـ ولاسيما في السفر ـ عذر للصلاة في الرحال، فإذا كانوا في البرية متفرقين في خيامهم يؤذن ويقول: صلوا في رحالكم، وكل واحد أو كل جماعة يصلون في خيمتهم.

وإذا كان إنسان يسير بسيارة، ولا يستطيع أن يذهب إلى المسجد من المطر، فإنه يصلي في السيارة؛ فيروى أنه في بعض أسفار النبي صلى الله عليه وسلم كانت السماء من فوقهم والبلة من تحتهم، فصفهم النبي صلى الله عليه وسلم وصلوا على رواحلهم[(226)].

;  أَذَانِ الأَْعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ

}617{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ثُمَّ قَالَ: وكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ.

 

قوله: «أَذَانِ الأَْعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ» ؛ هذه الترجمة فيها جواز أذان الأعمى، لكن بهذا القيد إذا كان له من يخبره، وهذا هو الصواب.

وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يصح أذان الأعمى.

وقال آخرون: يجوز بإطلاق.

ولكن القيد الذي ذكره المؤلف رحمه الله حسن، فإذا كان له من يخبره بالوقت فلا بأس؛ لأن الوقت إنما يعلم بالمشاهدة والأعمى لا يشاهد؛ ولهذا جاء في الحديث: «وكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» .

}617{ قوله: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ، كان هذا في رمضان، وكان بلال يؤذن بليل، وابن أم مكتوم يؤذن على الصبح.

قوله: «كَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» . هذا هو موضع شاهد الترجمة، ويدل على جواز أذان الأعمى، لكن بهذا القيد إذا كان له من يخبره.

;  الأَْذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ

}618{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ.

}619{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِْقَامَةِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ.

}620{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».

 

}618{ قوله: «إِذَا اعْتَكَفَ» ، هذا وهم من بعض الرواة، والصواب هو أحد لفظتين: إما «سكت»، وإما «أذن»، أما «اعْتَكَفَ» فلا تناسب المعنى.

وقوله: «إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ؛ فيه: أن المؤذن إنما يؤذن عند الفجر قبيل الصبح، فإذا كان ذلك صلى النبي ركعتين خفيفتين

وفيه: أنه يشرع أداء السنة الراتبة للفجر بعد طلوع الفجر إذا بدا الصبح، لقوله: «وَبَدَا الصُّبْحُ» .

وفيه: مشروعية صلاة راتبة الفجر في البيت إذا تمكن من ذلك بأن كان بيته قريبًا، أو كان إمامًا، وهذا هو الأفضل؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته، ويضطجع على شقه الأيمن، ثم يصلي بالناس.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «ولعل المراد باعتكافه للصبح جلوسه للصبح ينتظر طلوع الفجر، وحبسه نفسه لذلك، ويدل على هذا المعنى: ما خرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار، قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر، فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى، ثم قال: اللهم، إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، ثم يؤذن، قالت: ما علمته كان تركها ليلة واحدة ـ تعني هذه الكلمات ـ[(227)].

والمعروف في حديث حفصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح، وبدا الصبح، ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة»[(228)].

ويستحب بعد الركعتين أن يضطجع على شقه الأيمن إذا كان في البيت، أما في المسجد فالظاهر أنه لا يفعل هذا؛ لأنه لم يثبت أن الصحابة كانوا يضطجعون في المسجد، وأما ما جاء في الأمر بالاضطجاع وهو قوله: «إذا صلى أحدكم فليضطجع» [(229)] فهو حديث ضعيف، وشذ ابن حزم فأوجب الضجعة بعد الركعتين، وقال: يجب على الإنسان أن يضطجع، وهذا من أغلاطه رحمه الله.

 

}619{ في هذا الحديث: أن المؤذن إنما يؤذن عند الفجر قبيل الصبح.

وفيه: أنه يشرع أداء السنة الراتبة للفجر بعد طلوع الفجر، وأن تكونا ركعتين خفيفتين.

 

}620{ قوله: «إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» ، هذا النداء للصائمين، وسيأتي في الحديث الآخر: «لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره» [(230)]؛ لأنه يؤذن بليل.

;  الأَْذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ

}621{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ: حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا».

وَقَالَ زُهَيْرٌ: بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُْخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.

}622{و}623{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».

 

قوله: «الأَْذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ» ، يعني: هل يجوز للمؤذن أن يؤذن قبل دخول الفجر؟ وفعل بلال رضي الله عنه يدل على أنه لا بأس كما سيأتي.

}621{ قوله في الحديث الأول: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ» ، يعني: لا يمنعه من طعام السحور، «فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ» ، وهذا فيه: أن بلالاً كان يؤذن قبل أذان الصبح، وأنه لا بأس إذا كان المؤذن يؤذن قبل أذان الصبح للمتسحر أن يأكل ويشرب حتى يطلع الصبح؛ فالعبرة بطلوع الصبح.

وقوله: « لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ» ، يرجع بمعنى يرد، ويستعمل لازمًا ومتعديًا كما في قوله تعالى: [التّوبَة: 83]{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}، ويقال: رجع زيد ورجعت زيدًا، والمعنى ليرد القائم عن طول القيام، فإن الناس كانوا يتهجدون بالليل، فإذا أذن المؤذن الأول عرفوا أن الوقت قريب، فعلى المصلي أن يختصر صلاته حتى يتسحر إن كان يريد الصوم.

وقوله: «وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» ، أي: ينبهه حتى يقوم ويتوضأ، ويغتسل إذا كان عليه غسل، ويوتر.

فالأذان الأول فيه مصالح، وهذا يدل على أن الأذان الأول لا ينبغي أن يكون بعيدًا عن الأذان الثاني حتى تحصل الفائدة والمصلحة المرجوة منه؛ ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة منه فقال: «لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» .

وقوله: «وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ» أطلق القول على الفعل.

قوله: «الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ» ، يعني: ليس الفجر الصادق الذي يكون من فوق إلى أسفل ثم يختفي ويظلم، بل هذا فجر كاذب، وتسميه العرب ذنب السرحان؛ لأنه يظهر من أعلى السماء ثم ينخفض، وإنما الفجر الصادق الذي يكون يمينًا وشمالاً ثم يمتد في الأفق ويسفر، فهو الذي يطلع معترضًا، ثم يعم الأفق ذاهبًا يمينًا وشمالاً؛ ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم: «بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُْخْرَى» ، أي: يمتد هكذا يمينًا وشمالاً وينتشر، وآخر ما وقع في التفرقة بينهما رواية جرير عن سليمان عند مسلم: «الفجر هو المعترض، وليس بالمستطيل» [(231)].

}622{، }623{ والحديث الثاني فيه: دليل على أنه لا بأس بالأذان قبل الفجر، لكن ينبغي أن يكون هناك مؤذن آخر يؤذن على الفجر، أو يعيد هو نفسه الأذان بعد الفجر حتى لا يغر الناس؛ ولهذا اختلف العلماء : هل يشرع الأذان قبل الفجر، أو لا يشرع؟ فمنهم من قال: إنه لا يشرع، وإلى هذا ذهب الثوري، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن[(232)]، وذهب الجمهور إلى أنه مشروع لا بأس به؛ لهذا الحديث وغيره.

واختلف العلماء أيضًا هل يكتفى بالأذان الأول دون أذان آخر؟

فمنهم من يقول: يكتفى به، والصواب أنه إذا أذن قبل الفجر فلابد أن يؤذن على الفجر إما هو أو مُؤذِّن آخر حتى لا يغر الناس، وإلى هذا ذهب الزين وابن المنذر وجماعة من أهل الحديث، فالصواب أن الأذان قبل الفجر مشروع ولكن لا يكتفى به عن الأذان بعد الفجر؛ ولهذا ذكر المؤلف حديث عائشة رضي الله عنها: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ؛ ففيه مؤذنان أحدهما يؤذن قبل الفجر وهو بلال، والثاني يؤذن على الفجر وهو ابن أم مكتوم.

;  كَمْ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِْقَامَةَ

}624{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ ثَلاَثًا لِمَنْ شَاءَ».

}625{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَْنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ شَيْءٌ.

قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ: عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ قَلِيلٌ.

 

قوله: «كَمْ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ» أي كم بينهما من الوقت، وأنه ينبغي أن يكون هناك وقت بين الأذان والإقامة حتى بعد أذان المغرب.

}624{ قوله في الحديث الأول: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ» فيه مشروعية أن يجعل بين الأذان والإقامة وقتًا لصلاة ركعتين.

وقوله: «لِمَنْ شَاءَ» دل على أن الصلاة بين الأذان والإقامة سنة وليست واجبة؛ ولهذا جاء في اللفظ الآخر: «كراهية أن يتخذها الناس سنة» [(233)] أي: سنة لازمة؛ فهي سنة لكنها ليست بواجبة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لِمَنْ شَاءَ» فجعل الاختيار إلى الإنسان فمن أراد أن يصلي بعد الأذان فله أجره وله فضله، ومن لم يرد أن يصلي فلا حرج فليست لازمة.

وفيه: أن الإمام يراعي حال المأمومين؛ اللهم إلا إذا كانوا في السفر مجتمعين وأقام في الحال فلا بأس.

وفي الحديث تسمية الإقامة أذانًا وهذا في قوله: «كُلِّ أَذَانَيْنِ» فالأذان الأول هو الإعلام بدخول الوقت، والأذان الثاني هو الإعلام بإقامة الصلاة، قال بعضهم: إن هذا من باب التغليب، وقيل: إن الإقامة سميت أذانًا لأنها إعلام بوقت الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت.

 

}625{ ودل الحديث الثاني على أن المؤذن إذا أذن فإن الصحابة كانوا يبتدرون السواري، ومعنى «أَذَّنَ» أي: فرغ من الأذان، وفي الحديث الآخر: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ» و البينية معناها الفراغ أي إذا انتهى المؤذن قام الناس يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون فهم يجعلون السواري ـ يعني: العُمُد التي تكون في المسجد ـ لهم سترة.

وفيه الرد على من قال: إن وقت المغرب قصير وأنه لا يتسع إلا لمقدار ثلاث ركعات، كما يفعله بعض الأئمة من كونه يقف أمام المؤذن فإذا انتهى من الأذان أقام الصلاة ولم يمكِّن أحدًا من صلاة ركعتين، فعليه أن يتأخر بعض الشيء حتى يتلاحق الناس وحتى يصلي من أراد أن يصلي السنة؛ لأن فيها فضلاً.

وقوله: «وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ شَيْءٌ» يعني: لم يكن بين الأذان والإقامة شيء كثير، فقد فسرتها الرواية المعلقة بعدها «قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ: عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ قَلِيلٌ» يعني: بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب، بخلاف غير المغرب فإنه يكون بينهما وقت أكثر.

;  مَنْ انْتَظَرَ الإِْقَامَةَ

}626{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُْولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَْيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِْقَامَةِ.

 

}626{ قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُْولَى» يعني: بالدعوة الأولى والمناداة الأولى والمراد بها الأذان، والثانية المراد بها الإقامة، والمعنى أنه إذا سكت المؤذن في صلاة الفجر قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر، وبعد أن يستبين الفجر ويتحقق طلوعه؛ لأن الراتبة تابعة للفريضة، فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر فلا يصلي الراتبة حتى يتبين له الفجر، لكن إذا كان يؤذن قبل طلوع الفجر فينبغي أن يؤذن مرة أخرى أو يكون هناك مؤذن آخر كما كان بلال يؤذن بليل وابن أم مكتوم يؤذن بعد طلوع الفجر حتى لا يغر الناس.

وبالنسبة للتقويم فهو مقارب، يقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «إن التقويم فيه تقديم خمس دقائق»، وقال بعضهم: فيه تقديم عشر دقائق، وقال بعضهم: ربع ساعة، والأقرب ـ والله أعلم ـ أنه مقارب؛ لأن هذا يكون بطلوع الشمس، فإذا نظرت لطلوع الشمس تجده مقاربًا للتقويم، لكن يجب على الإنسان أن يحتاط وألا يعجل حتى يتحقق من طلوع الفجر فيجعل مثلاً نصف ساعة أو نصف ساعة إلا خمس دقائق فهذا أفضل.

وفي الحديث: مشروعية صلاة الركعتين بعد الأذان وبعد التبين من الصبح، وفيه أيضًا مشروعية الاضطجاع على الشق الأيمن للإمام، وكذلك من يصلي الراتبة في بيته يستحب له أن يضطجع على شقه الأيمن، أما إذا كان في المسجد فلا.

أما حديث: «من صلى ركعتين فليضطجع» [(234)] فهو ضعيف، وإنما الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم، وشذَّ ابن حزم رحمه الله فقال: يجب على المصلي أن يضطجع على شقه الأيمن ومن لم يضطجع فلا تصح صلاته، وهذه مبالغة، والصواب أنها مستحبة لمن صلاها في البيت مثل الإمام وليست واجبة، فإن ترك فلا حرج.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل كلها في بيته.

;  بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ

}627{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ ثُمَّ قَالَ: فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ».

 

}627{ هذا الحديث فيه: مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة، وأنها ليست واجبة؛ لقوله: «لِمَنْ شَاءَ» .

وقوله: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ» خبر بمعنى الأمر، والمعنى صلوا بين الأذانين، فلو لم يأت قوله: «لمن شاء» لصار الأمر للوجوب، لكن دل الاختيار على الاستحباب.

وفيه: تسمية الإقامة أذانًا؛ لقوله: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ» فالمراد بالأذانين الأذان والإقامة؛ لأن الأذان بمعنى الإعلام فهذا إعلام بدخول الوقت وهذا إعلام بإقامة الصلاة، وقد تقدم قريبًا ما فيه من فوائد.

;  مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

}628{ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

 

قوله: «مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ» هذه الترجمة فيها مشروعية الأذان في السفر وأنه يؤذن في السفر مؤذن واحد إذا كانوا جماعة واحدة، فإن كانوا خيامًا متعددة متباعدة ولا يصلون جميعًا أذن لكل جماعة مؤذن، كالحجاج في منى إن كانوا خيامًا متعددة فكل جماعة يؤذنون ويصلون أما إذا كانوا جماعة واحدة، فيؤذن لهم مؤذن واحد ويصلون.

}628{ قوله: «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» هذا ـ والله أعلم ـ لأنهم متساوون في القراءة وفي العلم بالسنة أو متقاربون، كما فسره في اللفظ الآخر: «ونحن شببة متقاربون» [(235)]، فإذا لم يتساووا في القراءة فإنه يؤمهم أقرؤهم ثم أعلمهم بالسنة كما دلت على ذلك النصوص الأخرى: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلمًا» [(236)] وفي اللفظ الآخر: «فأكبرهم سنًّا» [(237)]، فمن كانوا متقاربين أو متساوين فيؤمهم الأكبر سنًّا، أما من كانوا مختلفين في القراءة وفي العلم بالسنة، فإنه يقدم الأقرأ ثم الأعلم بالسنة ثم الأكبر سنًّا.

قوله: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» الأذان في السفر مستحب على الصحيح، والقول بالوجوب قول له وجاهته.

وإن كان المسافر منفردًا فإنه يستحب له كذلك أن يؤذن على الصحيح، والدليل على هذا الحديث الآخر: «إذا كنت في البادية وحضرتك الصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع المؤذنَ إنسٌ ولا جن ولا حجر ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة» [(238)].

وفي قصة مالك بن الحويرث مشروعية تبليغ العلم؛ حيث قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ» فلا شك أنه يجب نشر العلم في ثلاث حالات:

الأولى: عند الحاجة إليه.

الثانية: عند السؤال، فإذا كان عنده علم يُجيب.

الثالثة: تعليم الأهل والأولاد؛ ولهذا قال: «وَعَلِّمُوهُمْ» وهذا داخل في قوله تعالى: [التّحْريم: 6]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، ومن الوقاية من النار تعليمهم ما ينفعهم وتأديبهم.

وما عدا ذلك يكون مستحبًّا.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد