; الأَْذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإِْقَامَةِ
وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ
وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ.
}629{ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».
}630{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَى رَجُلاَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ السَّفَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
}631{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا وَصَلُّواكَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ.
}632{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ.
}633{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَْبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَْبْطَحِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ.
قيد الترجمة بقوله: «إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً» فقال: «الأَْذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإِْقَامَةِ» ؛ لأن أذان الواحد فيه خلاف، فإذا كانوا جماعة أذن أحدهم وأقام، وإذا كان واحدًا قال بعض العلماء: لا يؤذن وإنما يكتفي بالإقامة، والصواب أن الواحد يؤذن ويقيم؛ لحديث: «إذا كنت بالبادية وحضرتك الصلاة فارفع صوتك بالنداء» [(239)].
}629{ قوله: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ» فيه: مشروعية الأذان في السفر كما أنه يشرع في الحضر، فكل جماعة أو كل مصلي ينبغي له أن يؤذن.
وفيه: مشروعية الإبراد في شدة الحر بصلاة الظهر وعدم العجلة والمبادرة بها حتى تنكسر شدة الحر؛ لقوله: «فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ» يعني: انتظر؛ حتى تنكسر شدة الحر، ثم أراد المؤذن المرة الثانية فقال له: «أَبْرِدْ» ثم أراد المؤذن المرة الثالثة فقال له: «أَبْرِدْ» .
قوله: «حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ» يعني: حتى صار ظل الشخص مثله وانكسرت شدة الحر.
ويحتمل أنه لم يصل الظهر في هذا الحديث حتى دخل وقت العصر؛ لأن المسافر له أن يؤخر الظهر إلى العصر فيجمع بينهما.
ويحتمل أنه صلى الظهر في آخر وقتها؛ لأنه صار ظل الشيء مثله ولا يخرج وقت الظهر إلا إذا صار ظل الشيء مثله زائدًا على فيء الزوال.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وقوله في هذه الرواية: «حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ» ظاهره أنه أخر صلاة الظهر يومئذ إلى أن صار ظل كل شيء مثله، وهو آخر وقتها.
وهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه صلاها في آخر وقتها قبل دخول وقت العصر.
الثاني: أنه أخرها إلى دخول وقت العصر وجمع بينهما في وقت العصر.
فإن كان قد أخرها إلى وقت العصر استدل بالحديث حينئذ على أن تأخير الصلاة الأولى من المجموعتين إلى وقت الثانية للجمع في السفر لا يحتاج إلى نية الجمع؛ لأنهم كانوا يؤذنونه بالصلاة في وقتها، وهو يأمر بالتأخير، وهم لا يعلمون أنه يريد جمعها مع الثانية في وقتها، ولا أعلمهم بذلك.
ولكن الأظهر هو الأول، ولا يلزم من مصير ظل التلول مثلها أن يكون قد خرج وقت الظهر؛ فإن وقت الظهر إنما يخرج إذا صار ظل الشيء مثله بعد الزوال».
يعني أنه إذا كان قد دخل وقت العصر لاقتضى ذلك أن للمسافر أن يجمع ولا يحتاج نية، وقال الحنابلة[(240)]: من شرط الجمع أن ينوي الجمع في وقت الأولى. والصواب أنه لا يشترط.
قوله: «التُّلُولَ» جمع التل، وهو المرتفع مثل الجبال الصغيرة وكثيب الرمل، يعني الشيء الشاخص للإنسان.
ومعلوم أنه عند الإبراد يؤخر الأذان؛ لأنه إذا أذن اجتمع الناس، فإن أراد تأخيرها يؤخر الأذان، فإذا أراد الصلاة أذن، وجاء ما يدل على هذا في الحديث؛ لأنه أراد أن يؤذن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبْرِدْ» .
}630{ يستفاد من الحديث: مشروعية الأذان في السفر إذا كانوا جماعة ـ اثنين فأكثر ـ ومشروعية الإقامة.
وفيه: أن الإمامة للأكبر إذا تساووا في القراءة والعلم بالسنة.
وكذا الواحد يستحب له أن يؤذن، أما الوجوب فمحل نظر، خلافًا لمن قال: إن الواحد لا يستحب له أن يؤذن وإنما يقيم.
}632{ قوله: «بِضَجْنَانَ ثُمَّ» هذا موضع أو جبل قريب من مكة، وكون ابن عمر أذن بضجنان فيه دليل على أنه كان في سفر.
قوله: «صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ» فيه: أن المطر والبرد عذر في التخلف عن الجماعة في السفر، كما أن المطر عذر في الحضر للنصوص التي جاءت؛ فالمطر عذر في التخلف عن الجماعة سواء كان في السفر أو في الحضر، أما البرد فعذر في السفر فقط.
وفيه: أنه يشرع إذا كانت الليلة باردة أو مطيرة أن يقول المؤذن: صلوا في الرحال.
وفي هذا الحديث أنه كان يكمل الأذان «ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» ، وجاء ما يدل على أنها تقال أيضًا بعد الشهادتين مكان الحيعلتين، وقد سبق حديث ابن عباس أنه قال لمؤذنه: «إذا قلت: أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة، ولكن قل صلوا في بيوتكم» [(241)]، وقد جاء أنه يقولها بعد الحيعلتين فتكون الأحوال ثلاثة كلها جاءت:
الحالة الأولى: أن يكمل الأذان وهذا هو الأفضل ثم يقول بعده: صلوا في الرحال، صلوا في الرحال.
الحالة الثانية: أن يقول: صلوا في الرحال أو صلوا في بيوتكم بعد الشهادتين بدل الحيعلتين
الحالة الثالثة: أن يقولها بعد الحيعلتين.
وليس هناك تناقض في قوله: حي على الصلاة ثم قوله: صلوا في الرحال؛ لأنه يكون ـ والحالة هذه ـ من أتى وأجاب المؤذن فهو أفضل فيكون مستحبًّا فله الأجر على الجماعة، ومن صلى في بيته فهي رخصة، فالجماعة مستحبة لمن تحمل المشقة وأجاب المؤذن؛ لكن إذا لم يكن هناك عذر فالإجابة واجبة والصلاة في جماعة واجبة.
}633{ وقوله: «بِالأَْبْطَحِ» لعل هذا في حجة الوداع، والأبطح هو المكان الذي فيه البطحاء ـ أي: مجرى الوادي ـ وهو خيام بني كنانة وهو المكان بين منى وبين مكة، وهو الآن حي يسمى العزيزية، وهذا المكان نزل النبي صلى الله عليه وسلم فيه في حجة الوداع، وقد نزل فيه أربعة أيام، فقدم في رابع ذي الحجة ونزل في الأبطح وصار يصلي قصرًا كل صلاة في وقتها، ثم في اليوم الثامن من ذي الحجة انتقل إلى منى، وفي اليوم الثالث عشر رمى جمرة العقبة ورمى الجمار الثلاث قبل صلاة الظهر، ثم نزل بالأبطح وصلى فيه الظهر في وقتها ركعتين والعصر في وقتها ركعتين والمغرب ثلاثًا والعشاء أربع ركعات، ثم رقد، فلما كان في آخر الليل ليلة الرابع عشر نزل إلى مكة فطاف طواف الوداع، ثم أذن المؤذن لصلاة الصبح فصلى بالناس وقرأ صلى الله عليه وسلم سورة الطور، ثم قفل راجعًا إلى المدينة من صبح اليوم الرابع عشر، فكان يصلي قصرًا في الأبطح بين مكة ومنى، ولعل أبو جحيفة مراده هذا مما ذكره في الحديث.
قوله: «خَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ» العنزة: عصا صغيرة في طرفها حديدة ركزها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكون سترة للنبي صلى الله عليه وسلم يمر من ورائها الناس.
قوله: «حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَْبْطَحِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ» ولم يذكر الأذان هنا؛ لأنه أذن قبل ذلك.
; هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَْذَانِ
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ
وَقَالَ عَطَاءٌ: الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ
}634{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلاَلاً يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالأَْذَانِ.
وضع الإصبع في الأذنين ذكر فيه المؤلف أثرين في الترجمة فقال: «عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ» وذكر الشارح رحمه الله آثارًا تدل على أن وضع المؤذن إصبعيه في أذنه له أصل بل هو ثابت، والصواب أنه مشروع وفيه فائدتان:
الفائدة الأولى: أنه أرفع لصوت المؤذن، فلو وضع إصبعيه في أذنيه كان أرفع لصوته.
الفائدة الثانية: أن من رأى المؤذن من بعيد ولا يسمع الأذان يعرف أنه مؤذن، وكذلك الأصم يراه يضع إصبعيه في أذنيه فيعرف أنه يؤذن، أما إذا جعلها مرسلة فلا ينتبه من يراه.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «المسألة الثانية: جعل الإصبعين في الأذنين، وقد حُكي عن ابن عمر أنه كان لا يفعل ذلك.
وظاهر كلام البخاري: يدل على أنه غير مستحب؛ لأنه حكى تركه عن ابن عمر، وأما الحديث المرفوع فيه فعلقه بغير صيغة الجزم، فكأنه لم يثبت عنده».
قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ» .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وذكر في «تاريخه الكبير» من رواية الربيع بن صبيح، عن ابن سيرين، قال: أول من جعل إصبعيه في أذنيه في الأذان عبدالرحمن بن الأصم مؤذن الحجاج، وهذا الكلام من ابن سيرين يقتضي أنه عنده بدعة، وروي عن ابن سيرين بلفظ آخر، قال وكيع في كتابه: عن يزيد بن إبراهيم والربيع بين صبيح، عن ابن سيرين، قال: أول من جعل إصبعًا واحدة في أذانه ابن الأصم مؤذن الحجاج.
وقال ابن أبي شيبة: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، قال: كان الأذان أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، ثم يجعل إصبعيه، وأول من ترك إحدى إصبعيه في أذنيه ابن الأصم.
قال: وثنا أبو أسامة، عن هشام، عن ابن سيرين، أنه كان إذا أذن استقبل القبلة، فأرسل يديه، فإذا بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح أدخل إصبعيه في أذانه، وهذا يقتضي أنه إنما يجعلهما في أذنيه في أثناء الأذان.
وروى وكيع، عن سفيان، عن نسير بن ذعلوق، قال: رأيت ابن عمر يؤذن على بعير، قال سفيان: قلت له: رأيته جعل إصبعيه في أذنيه؟ قال: لا، وهذا هو المروي عن ابن عمر، الذي ذكره البخاري تعليقًا، وأكثر العلماء على أن ذلك مستحب، قال الترمذي في «جامعه»: العمل عند أهل العلم على ذلك، يستحب أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، وقال بعض أهل العلم: وفي الإقامة أيضًا، وهو قول الأوزاعي. انتهى، وقال إسحاق كقول الأوزاعي.
ومذهب مالك: إن شاء جعل إصبعيه في أذانه وإقامته، وإن شاء ترك، ذكره في «التهذيب»، وظاهر هذا: يقتضي أنه ليس بسنة، وقد سهَّل أحمد في تركه، وفي جعل الإصبعين في إحدى الأذنين، وسئل الشعبي: هل يضع إصبعيه على أذنيه إذا أذن؟ قال: يعم عليهما، وأحدهما يجزئك، خرجه أبو نعيم في كتاب الصلاة، واختلفت الرواية عن أحمد في صفة ذلك، فروي عنه أنه يجعل إصبعيه في أذنيه، كقول الجمهور، وروي عنه أنه يضم أصابعه، ويجعلها على أذنيه في الأذان والإقامة، واختلف أصحابنا في تفسير ذلك، فمنهم من قال: يضم أصابعه، ويقبضهما على راحتيه، ويجعلهما على أذنيه، وهو قول الخرقي وغيره، ومنهم من قال: يضم الأصابع ويبسطها ويجعلها على أذنه، قال القاضي: هو ظاهر كلام أحمد، قال أبو طالب: قلت لأحمد: يدخل إصبعيه في الأذن؟ قال: ليس هذا في الحديث.
وهذا يدل على أن رواية عبد الرزاق عن سفيان التي خرجها في «مسنده» والترمذي في «جامعه» غير محفوظة، مع أن أحمد استدل بحديث أبي جحيفة في هذا في رواية محمد بن الحكم، وقال في رواية أبي طالب أيضًا: أحب إليّ أن يجعل أصابع يديه على أذنيه، على حديث أبي محذورة: وضم أصابعه الأربع ووضعهما على أذنيه، قال القاضي أبو يعلى: لم يقع لفظ حديث أبي محذورة، قال: وروى أبو حفص العكبري بإسناده، عن أبي المثنى، قال: كان ابن عمر إذا بعث مؤذنًا يقول له: اضمم أصابعك مع كفيك، واجعلها مضمومة على أذنيك، واستحب الشافعية إدخال الإصبعين في الأذنين في الأذان دون الإقامة».
والصواب الذي عليه الجمهور أن وضع الإصبعين في الأذنين مستحب كما نقل الترمذي عن الجمهور، وليس بواجب.
وأما قول إبراهيم: «لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ» فهذا يجوِّز للمؤذن أن يؤذن ولو على غير طهارة؛ حيث يؤذن ثم يتوضأ، حتى لو أذن وهو عليه جنابة صح، ولا يكون مكثًا في المسجد؛ لأن هذا وقت قصير؛ ولهذا استدل المؤلف بقول عائشة: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» والأذان ذكر، ولكن الأفضل أن يؤذن على طهارة.
}634{ ويستفاد من حديث أبي جحيفة مشروعية الالتفات يمينًا وشمالاً عند الحيعلتين لقوله: «أَنَّهُ رَأَى بِلاَلاً يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا» وفي اللفظ الآخر: «يلتفت يمينًا حي على الصلاة حي على الفلاح، وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح» [(242)].
وبالنسبة للأذان في مكبرات الصوت فيحتمل أن يقال: إنه يشرع الالتفات؛ إبقاءً للسنة على حالها، ويحتمل أن يقال: إنه لا حاجة له الآن؛ لأن مكبر الصوت ربما يختل إذا التفت يمينًا وشمالاً، ولأن مكبر الصوت فيه سماعات تبلغ الجهات، فلو التفت قليلاً بحيث لا يخل فلا بأس.
وفيه: أنه لا يشرع الاستدارة ببدنه، وبعض العلماء والأئمة يرى أنه يستدير ببدنه في: «حي على الصلاة» على المنارة فيبلغ الجهات، والصواب أن تكون قدماه ثابتتين مستقرتين لا يستدير بهما، وإنما يلتفت بوجهه فقط ـ أي: برأسه ـ.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «والسنة عند جمهور العلماء أن يؤذن مستقبل القبلة، ويدير وجهه في قول: حي على الصلاة، حي على الفلاح يمينًا وشمالاً، وأنكر ابن سيرين الالتفات، حكاه ابن المنذر وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن سيرين، أنه إذا أذن المؤذن استقبل القبلة، وكان يكره أن يستدير في المنارة».
; قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ
وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَمْ نُدْرِكْ
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَصَحُّ».
}635{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا».
قوله: «قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ» هذه الترجمة معقودة لبيان هل يكره أن يقول: فاتتنا الصلاة، أو لا يكره؟ وابن سيرين كره هذا اللفظ من جهة اللفظ فقط فقال: «لِيَقُلْ لَمْ نُدْرِكْ» والمؤلف رد عليه بقوله: «وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَصَحُّ» ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» فأطلق الشارع لفظ الفوات فدل على عدم كراهته، فكراهة ابن سيرين لا وجه لها؛ لأنها معارضة لكلام الشارع.
}635{ أما حديث أبي قتادة فدل على النهي عن العجلة في المجيء إلى الصلاة والأمر بالسكينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع جلبة رجال قال: «مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ: فَلاَ تَفْعَلُوا» وأصل النهي للتحريم، كما أن أصل الأمر للوجوب؛ فينبغي للإنسان أن يكون عليه السكينة، وهو على خير فما أدرك صلى وما فاته أتم وأجره كامل إذا كان معذورًا، ولا ينبغي للإنسان أن يعجل سواء أدرك الصلاة من أولها أو فاته شيء من الصلاة.
قوله: «وَمَا فَاتَكُمْ» هذا فيه: الرد على ابن سيرين كما سبق.
; لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ: مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
}636{ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ الإِْقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا».
هذه الترجمة في بيان الأمر بالمشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار وعدم الإسراع عند سماع الإقامة، وإنما خص سماع الإقامة؛ لأنه مظنة الإسراع فلا يسرع الإنسان سواء سمع الإقامة أو لم يسمع، وأصل النهي للتحريم كما أن أصل الأمر للوجوب
}636{ قوله: «إِذَا سَمِعْتُمْ الإِْقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» أي لا تعجلوا، ففيه دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يسرع.
وقوله: «وَلاَ تُسْرِعُوا» فيه تحريم الإسراع.
وأما قول بعض الفقهاء: لا بأس أن يسرع خطوات إذا غلب على ظنه أن يدرك الركعة فهذا الحديث يرده؛ لأن ظاهر الحديث المنع مطلقًا، ولم يقل إلا إذا غلب على ظنه أن يدرك الركعة فإنه يسرع خطوات، بل الحديث مطلق وعام حيث قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ الإِْقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» .
وأما قول الله تعالى: [الجُمُعَة: 9]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *}، فالمراد امضوا وليس المراد به الإسراع.
وفي قوله: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» دليل على أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته؛ لقوله: «فَأَتِمُّوا» ، خلافا لما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن ما يدركه آخر صلاته وما يقضيه أولها.
وأما رواية: «وما فاتكم فاقضوا» [(243)] فلا تنافي رواية الإتمام؛ لأن القضاء يأتي بمعنى الإتمام؛ لقوله تعالى: [البَقَرَة: 200]{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} أي: أتممتم مناسككم، ولقوله تعالى: [الجُمُعَة: 10]{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ} يعني: تمت، فالقضاء يأتي بمعنى الإتمام فلا منافاة.
; مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الإِْمَامَ عِنْدَ الإِْقَامَةِ
}637{ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: كُتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي».
}637{ قوله: «إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» ؛ وذلك لئلا يشق عليهم القيام، وهذا إذا كان الإمام خارج المسجد، فينبغي للمأموم أن يقوم إذا رأى الإمام، أما إذا لم يره فلا يقوم حتى لا يتعب ولا يشق عليه ذلك؛ لأنه قد يتأخر الإمام بعض الشيء، وهذا من نصحه صلى الله عليه وسلم بأمته وعنايته بهم وإبعاده ما يشق عليهم ويعنتهم؛ لأنه قد يقيم بلال وهو خارج المسجد وهو في بيته فيشق عليهم القيام، فحرصًا منه صلى الله عليه وسلم على عدم إعناتهم وإحراجهم والمشقة عليهم قال لهم: «فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» وإلا فلو قاموا لا حرج.
وقد ذكر الشارح هنا أقوالاً عن بعض العلماء في بيان متى يقوم الإمام:
قال الإمام مالك رحمه الله[(244)]: هذا ليس له حد محدد، وإنما أرى ذلك على طاقة الناس؛ فإن منهم الثقيل ومنهم الخفيف.
ومنهم من قال: لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.
ومنهم من قال: روي عن أنس أنه قال: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة.
ومنهم من يقول: إذا قال المؤذن: الله أكبر وجب القيام، وإذا قال: حي على الصلاة عدلت الصفوف، وإذا قال: لا إله إلا الله كبر الإمام.
وروي عن أبي حنيفة: أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: حي على الصلاة[(245)].
وهذه كلها اجتهادات، والصواب ما قاله الإمام مالك رحمه الله: ليس هناك حد محدد والناس يختلفون في هذا، فمنهم الثقيل ومنهم الخفيف، فهذا على حسب طاقة الناس وعلى حسب راحتهم، فيقوم متى شاء في أول الإقامة أو آخرها.
; لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ مُسْتَعْجِلاً وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
}638{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ».
}638{ هذا الحديث فيه: الأمر بالسكينة وعدم العجلة في المجيء إلى الصلاة، وقد كرر المؤلف رحمه الله هذا الحديث لأهميته، ولعله كان في زمن المؤلف رحمه الله من يسرع ويسعى إلى الصلاة سعيًا شديدًا عند سماع الإقامة، وكثير من الناس الآن يسرعون إذا سمعوا الإقامة، وهذا ينافي الخشوع، فينبغي أن يأتي بسكينة ووقار وليس عليه عقاب فيما فاته من الصلاة وأجره كامل إذا كان معذورًا؛ لأن الإنسان بشر قد يكون مشتغلاً بغير الصلاة، أما إذا كان متساهلاً فلا ينبغي أن يجمع بين السيئتين سيئة التأخر وسيئة الإسراع، فالسنة عدم الإسراع مطلقًا، «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا» [(246)] فيجب تنبيه العامة والتكرار في هذا، وأنه لا ينبغي العجلة والسرعة والركض؛ لأن هذا ينافي الأدب، وينافي حرمة المسجد، ويشوش على المصلين، وينافي الخشوع.
; هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ
}639{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمْ» فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ.
قوله: «هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ» هذه الترجمة عقدها المؤلف لبيان جواز الخروج من المسجد بعد الأذان لسبب، كأن يخرج ليتوضأ إذا كان على غير وضوء، أو يخرج ليغتسل إذا كان جنبًا ثم يرجع، أو يخرج ليصلي بالناس في مسجد آخر إذا كان إمامًا، والحديث إنما جاء في خروج الجنب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان جنبًا فخرج من المسجد، فهو يخصص حديث أبي هريرة عند مسلم أنه رأى رجلاً خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: «أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» [(247)]، فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يخرج بعد الأذان من المسجد بل يبقى حتى يصلي، لكن يستثنى من هذا ما إذا وُجدَ سببٌ شرعي مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث خرج لأنه كان جنبًا فذهب واغتسل ورجع وذكر الشارح أنه يلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن، والراعف يعني من خرج الدم من أنفه وسال، والحاقن من كان يدافعه البول أو يدافعه الغائط فمن كان له عذر فهو مستثنى من حديث أبي هريرة في النهي عن الخروج بعد الأذان.
}639{ هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جنبًا لما أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف فقام في مصلاه وانتظر التكبيرة فانصرف وقال: «عَلَى مَكَانِكُمْ» فمكثوا حتى خرج ينطف رأسه ماء وقد اغتسل؛ لأنه كان جنبًا صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ينسى كما ينسى الناس، وهو ينسى صلى الله عليه وسلم ليحصل تشريع للأمة، وفي رواية الدارقطني أنه قال: «إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل» [(248)] ففيه: جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة؛ فيأتي التشريع.
وفيه: جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، وفيه أنه إذا بعدت الإقامة فلا تعاد ولو طال الفاصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بإعادة الإقامة.
وفيه: أنه لا حياء في أمر الدين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل» [(249)] وإذا غلبه الحياء قال العلماء: إنه إذا أراد أن يخرج يمسك بفمه حتى يوهم أنه في أنفه رعاف.
وفيه: جواز الكلام بين الإقامة والصلاة.
وفيه: جواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث.
; إِذَا قَالَ الإِْمَامُ مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ
}640{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمْ» فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ.
}640{ يستفاد من هذا الحديث: انتظار المأمومين للإمام إذا لم يشق عليهم، فإن شق عليهم يستخلف من يكمل بهم الصلاة، فإن لم يستخلف استخلفوا هم بأنفسهم من يتم بهم الصلاة.
وإن كان الإمام صلى بهم، ثم تذكر أنه على غير طهارة فإنه يتأخر ويقدم من يتم بهم ويكمل بهم الصلاة أو يستأنفها، والحنابلة[(250)] وجماعة يقولون: إن الإمام إذا صلى ثم تذكر أنه على غير طهارة لا يُبنى على صلاته فقد بطلت صلاته وصلاة من خلفه، وإنما يبدءون الصلاة من جديد، لكن إذا كان على طهارة ثم أحس بأن وضوءه سينتقض وأنه لا يستطيع الاستمرار ففي هذه الحالة يتأخر ويقدم من يتم بهم الصلاة؛ لأنه لم ينتقض وضوءه.
وقال آخرون من أهل العلم: لا فرق بين الصورتين سواء انتقض وضوءه أو لم ينتقض، فهو معذور، فإذا صلى بالناس ركعة وتذكر أنه على غير وضوء يقدم من يتم بهم، ولو كانت صلاته بهم على غير وضوء؛ لحديث: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم» [(251)] والصحيح أنه لا فرق بين الصورتين، فيجوز للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة ولو كان على غير طهارة إذا صلى بهم أول الصلاة خلافًا للحنابلة ومن قال بقولهم.; قَوْلِ الرَّجُلِ مَا صَلَّيْنَا
}641{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ.
قوله: «قَوْلِ الرَّجُلِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا صَلَّيْنَا» فيه دليل على أنه لا بأس أن يقول الرجل: ما صلينا، خلافًا لإبراهيم النخعي؛ لأنه قال: يكره أن يقول الرجل: لم نصل إذا سئل: هل صليتم؟ ولكن يقول: نصلي، والصواب أنه لا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا صَلَّيْتُهَا» إلا إذا كان منتظرًا للصلاة فلا يقولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي فقال: «فإن أحدكم ما يزال في الصلاة ما دامت الصلاة تحبسه» [(252)] فإذا كان ينتظر الصلاة فلا يقل: ما صلينا، فقولها يقتضي نفي ما أثبته الشارع، ولعل كراهة إبراهيم النخعي محمولة على ذلك.
}641{ قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» يعني: وليس هو منتظرًا للصلاة فلا بأس أن يقول ذلك على ما تقدم تقريره.
قوله: «فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» وجاء في غير الصحيح: أنه صلى أربع صلوات: صلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء[(253)].
وأخر النبي صلى الله عليه وسلم العصر إلى المغرب؛ لأنه كان مشغولاً بالقتال يوم الخندق.
وجمهور العلماء أن تأخير الصلاة في القتال كان قبل شرعية صلاة الخوف؛ لأن صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق، فلما شرعت صلاة الخوف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة في وقتها على إحدى الصفات التي وردت في صلاة الخوف.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يجوز تأخير الصلاة إذا لم يمكن أداؤها بطمأنينة، حتى ولو بعد شرعية صلاة الخوف، ويدل على جواز التأخير أن الصحابة لما فتحوا تُسْتَر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الفتح عند طلوع الفجر والصحابة على الأسوار ولو صَلَّوْا في الوقت لم يتمكنوا من الفتح وتسلط عليهم العدو فانتظروا وتأخروا حتى تم الفتح وصلوها ضحى، قال أنس رضي الله عنه: «ما أحب أن لي بها كذا وكذا» يعني أنه أخرها في الله ومن أجل نصرة دين الله؛ فدل هذا على أنه لا بأس أن تؤخر الصلاة إذا لم يتمكن المجاهدون من الصلاة في الوقت ولو بعد شرعية صلاة الخوف، كما فعل الصحابة في تُسْتَرَ، وهذا هو الصواب.
; الإِْمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الإِْقَامَةِ
}642{ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِي رَجُلاً فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ.
}642{ قوله: «نَامَ الْقَوْمُ» المراد بالنوم هنا النعاس الذي لا يزول معه الإحساس.
وفيه دليل على أن النعاس لا ينقض الوضوء ولو كان مع خفقان الرأس كما ورد في الحديث الآخر: «أن الصحابة كانوا ينتظرون صلاة العشاء وكانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون» [(254)] وإنما ينقض الوضوء النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس وسماع الكلام بحيث لو خرج منه الحدث لم يشعر به، وأما إذا كان نعاسًا بحيث يسمع من حوله فهذا لا ينقض الوضوء.
وفيه: جواز الفصل بين الإقامة والصلاة وأنه لا يعيد الإقامة ولو طال الفصل.
; الْكَلاَمِ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ
}643{ حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلاَةُ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.
هذه الترجمة فيها دليل على أنه لا بأس بالكلام بعد إقامة الصلاة وأنه لا كراهة فيه.
}643{ هذا الحديث فيه ثلاثة أحكام:
الحكم الأول: جواز الكلام بعد إقامة الصلاة.
الحكم الثاني: جواز الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام لحاجة تعرض.
الحكم الثالث: أنه لا تعاد الإقامة ولو طال الفاصل.
; وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.
}644{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ».
قوله: «وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ» هذه الترجمة جزم فيها المصنف رحمه الله بالحكم لقوة الدليل في المسألة، وعادته رحمه الله أنه لا يجزم بالحكم في كثير من المسائل التي فيها خلاف، لكنه جزم فقال: «بَاب وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ» فاختار الوجوب لقوة الأدلة، وصلاة الجماعة فيها خلاف معروف:
فقيل: سنة، وقيل: واجبة وجوبًا عينيًّا، وقيل: واجبة وجوبًا كفائيًّا، وقيل: شرط.
فهذه أربعة أقوال لأهل العلم في المسألة، والصواب ما اختاره المؤلف رحمه الله أنها واجبة وجوبًا عينيًّا لهذا الحديث وغيره، فالجماعة واجبة وتركها بدون عذر معصية؛ ولهذا ذكر أثر الحسن فقال: «وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا» ؛ لأن الجماعة واجبة ولا يطاع مخلوق في ترك الواجب فإذا أرادت أمه أن يترك الواجب فلا يطعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [(255)] وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» [(256)] وليس من المعروف أن يطيع أمه في ترك ما أوجبه الله عليه من الجماعة. وهذا خلاف ما قرره النووي رحمه الله فإنه قرر في «شرح صحيح مسلم» أن الجماعة فرض كفاية، والصواب: أنها فرض عين كما دل عليه حديث الباب فإنه صريح في هذا.
}644{ قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ» يعني: فنبغتهم في وقت صلاة الجماعة حتى لا يدَّعوا أنهم صلوها قبل ذلك.
ولولا أن صلاة الجماعة واجبة لما أهم بتحريق بيوتهم عليهم بالنار، وجاء في الرواية الأخرى عند أحمد المانع له من تحريقها عليهم فقال: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم» [(257)] فالنساء والذرية لا تجب عليهم الجماعة فلهذا ترك التحريق.
وكذلك أيضًا من أدلة وجوبها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» [(258)]، وحديث الأعمى أيضًا وهو عبدالله بن أم مكتوم ـ وهو ثابت ـ أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يلازمني؛ هل تجد لي من رخصة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: «هل تسمع النداء؟» قال: نعم. قال: «أجب» [(259)].
ومن الأدلة أيضًا على وجوب صلاة الجماعة تلك النصوص التي فيها الرخصة لأهل الأعذار كالمريض والخائف على نفسه أو ماله، فلو كانت الجماعة غير واجبة لما صار للرخصة لأهل الأعذار فائدة، ولصار الجميع كلهم معذورين ولم يخصص أصحاب الأعذار للعذر.
ومن الأدلة أيضًا: على وجوب صلاة الجماعة النصوص التي فيها إقامة صلاة الجماعة في وقت الخوف عند قتال الأعداء؛ فقد ثبتت صلاة الخوف من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أنه صلاها جماعة على أوجه متعددة، فلم يأذن لهم أن يصلوا فرادى مع الخوف؛ فدل على وجوب صلاة الجماعة، فلولا أن الجماعة واجبة لأذن لهم أن يصلوا فرادى في وقت الخوف عند قتال العدو.
وذهب بعض العلماء كداود الظاهري وشيخ الإسلام[(260)] أن الجماعة شرط في صحة الصلاة، وهذا من أقوى الأقوال إلا أن الصواب أنها واجبة وجوبًا عينيًّا ولا تسقط إلا من عذر.
وفي الحديث دليل على أن الواجب قد يؤخر لواجب آخر، فظاهره أنه يؤخر الصلاة ليحرق بيوتهم بالنار ثم يصلي بفتيانه ـ الذين يُحرِقون ـ صلاة أخرى جماعة.
والنصوص كلها تدل على وجوبها في المسجد كما سيأتي من التراجم التي تدل على أنه لابد من الصلاة في المسجد، ولو كان المراد صلاة الجماعة في غير المسجد لقلَّ أن يوجد بيت إلا وفيه اثنان فيصلون جماعة في بيتهم فتتعطل المساجد، فالنصوص فيها أن الصلاة في المسجد، ولأن المصالح والفوائد العظيمة إنما تترتب على أدائها في المسجد، ومنها الألفة والتعارف وتفقد المريض ومعرفة من في قلبه مرض.
وأما عن التحريق بالنار فقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» [(261)]، فلعل هذا كان أولاً ثم نسخ.
وقوله: «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا» يعني: العَظْم الذي فيه بقية لحم، «أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ» أي: ما بين الأضلع من اللحم، والمعنى أنه لو يعلم هذا المتخلف عن الجماعة أنه يحصل على شيء من الدنيا «لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» لكنه يزهد فيما عند الله من الثواب الذي أعده لعباده في اليوم الآخر؛ وهذا لضعف إيمانه وقلة ديانته.
ويُستدل بهذا الحديث على جواز التخلف عن صلاة الجماعة لأهل الحسبة وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كانت هناك مصلحة غالبة فإذا كان هناك بعض العصاة والمفسدين أو بعض الفساق لا يقبض عليهم إلا وقت الصلاة ويترتب على تركهم مفسدة فيقبض عليهم في وقت الصلاة ثم يصلون بعد ذلك جماعة.
; فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَكَانَ الأَْسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً.
}645{، }646{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
}647{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ».
ما ذكره المصنف رحمه الله من آثار يؤيد هذه الترجمة، فقوله: «وَكَانَ الأَْسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ» فلولا أنه يعتقد أن الجماعة فيها فضل لما طلبها في مسجد آخر ولصلى في بيته، وما أخر الصلاة عن أول وقتها المرغوب فيه، فكونه يؤخر الصلاة عن أول وقتها ويطلب مسجدًا آخر يدل على فضل الجماعة.
وكذلك أيضًا ما ذكره عن أنس رضي الله عنه فقال: «وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً» فهذا فيه: دليل على أن من فاتته الجماعة فإنه يقيم، وقد ورد في «صحيح مسلم» أن عبدالله بن مسعود أمر أن تقام الجماعة بلا أذان ولا إقامة لمن فاتته الجماعة اجتهادًا منه، والصواب: أنه لابد من الإقامة.
أما الأذان ففيه خلاف، فمن العلماء من قال: يشرع الأذان، ومنهم من قال: لا يشرع اكتفاء بالأذان في البلد، ومنهم من قال: إن سمع أذان الجماعة فلا يشرع له الأذان وإن لم يسمع شرع له الأذان.
}645{، }646{ قوله في حديث ابن عمر: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» يستفاد منه: بيان فضل الصلاة في جماعة، وقد اختلف لفظ الحديثين، والجمع بينهما أن ذلك مفهوم عدد وهو غير معتمد، وذكر القليل لا ينافي الكثير.
والجمع الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بخمس وعشرين أولاً، ثم أعلمه الله بزيادة في الفضل، فأخبر بسبع وعشرين.
وهذان الأمران أرجح ما قيل في الجمع بينهما، وقد ذكر الشارح أقوالاً متعددة للعلماء:
فمنهم من قال: إن الدرجة أصغر من الجزء.
ومنهم من قال: الفرق بقرب المسجد وببعده.
ومنهم من قال: الفرق بحال المصلي.
ومنهم من قال: الفرق بإيقاعها في المسجد أو غير المسجد.
ومنهم من قال: الفرق بين منتظر الصلاة وغير منتظرها.
ومنهم من قال: الفرق بين إدراك كلها أو بعضها.
ومنهم من قال: الفرق بكثرة الجماعة وبقلتها.
ومنهم من قال: السبع والعشرون تختص بالفجر والعصر والعشاء.
ومنهم من قال: السبع والعشرون مختصة بالجهرية والخمس والعشرون بالسرية، إلى غير ذلك من الأقوال.
}647{ وأما حديث أبي هريرة ففيه: بيان عظم فضل صلاة الجماعة، وفيه أن المسلم إذا خطا إلى المسجد فالخطوة الواحدة يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، وقد جاء في بعض الأحاديث: «إحدى الخطا يرفع الله بها درجة والثانية يحط بها خطيئة» [(262)] وفي هذا الحديث أن الخطوة الواحدة يرفع بها درجة ويُمحى بها خطيئة، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
ومن فضل الصلاة أنه يكتب للمصلي ذهابه إلى المسجد ورجوعه إلى بيته كما جاء في الحديث الآخر: أن رجلاً كان بيته أبعد الناس من المسجد، وكان لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الرمضاء وفي الظلماء، فقال: ما يسرني أنني قرب المسجد؛ إنني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله كتب لك ذلك كله» [(263)] أي: ذهابًا وإيابًا.
فالبعيد يجب أن يحتسب، فإذا احتسب فهذا أفضل، فكون الإنسان يتذكر الفضل ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتعبد يكون أولى.
وفي الحديث أيضًا فضل انتظار الصلاة وأن منتظر الصلاة في حكم المصلي لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ» ؛ ولهذا نهي أن يشبك بين أصابعه وهو ينتظر الصلاة إذا خرج من بيته إلى أن تقام الصلاة؛ لأن منتظر الصلاة في حكم المصلي، أما إذا صلى فلا بأس؛ فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى إحدى صلاتي العشي فسلم من ركعتين ناسيًا قام إلى خشبة معروضة وشبك بين أصابعه في مؤخر المسجد واتكأ عليها كأنه غضبان[(264)] فشبك بين أصابعه؛ لأنه كان يعتقد أنه انتهى من الصلاة، فالتشبيك بين الأصابع لا بأس به بعد الصلاة لكن قبل الصلاة منهي عنه؛ لأن منتظر الصلاة في حكم المصلي، وجاء في الحديث الآخر: «فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة» [(265)].
ومن فضل انتظارها أن الملائكة تصلي عليه، كما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» [(266)]، فإذا انتقض وضوءه أو آذى أحدًا وقفت الملائكة عن الدعاء، فالعبد في حكم المصلي مهما طال انتظاره لها، وهذا في صلاة الفريضة.
فلو كان المسجد بعيدًا واستطاع الإنسان الذهاب إليه على الأقدام فهذا هو المقصود، والغنيُّ إنْ ذهب بالسيارة فيرجى له ذلك إن كان يشق عليه السير على الأقدام وكذلك إن ذهب إلى مسجد بعيد لتحصيل مصلحة دينية أو حضور درس أو لسماع محاضرة أو لكثرة الجماعة أو للصلاة على جنازة أو لمقصد شرعي، والأصل أنه يكتب له خطواته إذا كان يمشي على قدميه.
وأما عن فضل انتظار الجماعة فهو للرجل؛ فالرجل هو الذي ينتظر وليس على المرأة جماعة، لكن يقال: لو صلت المرأة في المسجد فإنه يشملها هذا الفضل.
; فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
}648{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَفْضُلُ صَلاَةُ الْجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: [الإسرَاء: 78]{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *}.
}649{ قَالَ شُعَيْبٌ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
}650{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: واللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلاَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا.
}651{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِْمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ».
}648{، }649{ في هذا الحديث بيان فضل صلاة الجماعة وفضل صلاة الفجر خاصة؛ لقوله: «وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ» وهذا هو الشاهد للترجمة؛ فدل على فضل صلاة الفجر في جماعة حيث تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار، وجاء في الحديث الآخر: «إن ملائكة الليل والنهار تجتمع في صلاة الفجر وفي صلاة العصر، ففي صلاة الفجر تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار ثم يصعد ملائكة الليل ويبقى ملائكة النهار، وفي صلاة العصر يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار ثم يصعد ملائكة النهار ويبقى ملائكة الليل» [(267)].
قوله: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ُ ض س ش ر ز ء }صلى الله عليه وسلم! ! ِ » ُ س ش ِ يعني: صلاة الفجر ُ ر ز ء }صلى الله عليه وسلم! ! ِ يعني: تشهده الملائكة، وسميت صلاة الفجر قرآنًا؛ لأن أطول ما فيها القراءة؛ ولهذا يشرع للمصلي في صلاة الفجر أن يطيل القراءة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقرأ بالستين إلى المائة[(268)].
}650{ وحديث أم الدرداء فيه: فضل أبي الدرداء رضي الله عنه وغضبه لله حيث دخل مغضبًا على أم الدرداء فقالت: ما أغضبك؟ قال: غضبت لأني رأيت الناس غيروا وبدلوا ما أعرف مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذه الصلاة.
وإذا كان أبو الدرداء يقول هذا في القرن الأول فكيف أهل القرن الخامس عشر وما بعده من القرون؟!
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي؛ لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتمَّ مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما، وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان».
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء، فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان؟!».
وفي هذا الحديث: جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين، وفيه إنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه.
وفيه: جواز القسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع وإن لم يُسْتَحْلَف الإنسان، حيث قال: «واللَّهِ مَا أَعْرِفُ» وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يحلف ولو لم يستحلف إذا دعت الحاجة إلى التأكيد.
}651{ أما حديث أبي موسى ففيه: بيان فضل المشي إلى المسجد وكثرة الخطا إليه، وأنه كلما بعد الإنسان من المسجد زادت الخطوات وكثرت، فيرفع له بكل خطوة درجة ويحط عنه بها خطيئة؛ فيكون أعظم الناس أجرًا أبعدهم ممشى.
وقوله: «وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِْمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ» هل هذا فيه: دليل على أن الجماعة غير واجبة؟ وهل فيه منافاة لما سبق من الأدلة على أن صلاة الجماعة واجبة؟