الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(المتن)
قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
مِنْ أَعْجَبِ العُجَابِ وَأَكْبَرِ الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ المَلِكِ الغَلَّابِ سِتَّةُ أُصُولٍ بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى بَيَانًا وَاضِحًا لِلْعَوَامِ فَوْقَ مَا يَظُنُّ الظَّانُّونَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلَطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ أَذْكِيَاءِ العَالَمِ وَعُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ إِلَّا أَقَلَّ القَلِيلِ.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه الرسالة التي كتبها الإمام المجدد رحمه الله رسالة عظيمة بين فيها ستة أصول، وهذه الأصول بينها الله في كتابه، ولكن كثيرًا من الناس لا يتدبرها ولا يتأملها، فاستخرجها المؤلف رحمه الله من النصوص، وركبها وعلق عليها، ثم قدم بهذه المقدمة فقال: مِنْ أَعْجَبِ العُجَابِ وَأَكْبَرِ الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ المَلِكِ الغَلَّابِ سِتَّةُ أُصُولٍ بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى يعني: في كتابه، وذلك عند أهل السنة، بَيَانًا وَاضِحًا لِلْعَوَامِ-فضلًا عن العلماء- بينها الله بيانًا واضحًا للعوام يفهمه العوام فكيف بالعلماء من باب أولى، فوق ما يظن الظانون.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلَطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ أَذْكِيَاءِ العَالَمِ وَعُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ إِلَّا أَقَلَّ القَلِيلِ.
هذا من أعجب العجاب، ومن أكبر الآيات الدالة على قدرة الله ، وأن القلوب بيده يصرفها كيف شاء.
كيف أصول عظيمة واضحة بينها الله في كتابه، يعرفها العوام-فضلًا عن العلماء-ثم يغلط فيها الأذكياء والعقلاء، كثير من الأذكياء والعقلاء يغلطون فيها وهي واضحة للعوام، هذا من أكبر الآيات على أن القلوب بيد الله، وأنه سبحانه له الحكمة البالغة، وأنه يهدي من يشاء بفضله ، ويخذل من يشاء بعدله وحكمته، وله الحكمة البالغة. نعم
(المتن)
الأصل الأول:
إِخْلَاصُ الدِّينِ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبَيَانُ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَكَوْنُ أَكْثَرِ القُرْآنِ فِي بَيَانِ هَذَا الأَصْلِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى بِكَلَامٍ يَفْهَمُهُ أَبْلَدُ العَامَّةِ، ثُمَّ لَمَّا صَارَ عَلَى أَكْثَرِ الأُمَّةِ مَا صَارَ أَظْهَرَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ الإِخْلَاصَ فِي صُورَةِ تَنَقُّصِ الصَّالِحِينَ وَالتَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِهِمْ، وَأَظْهَرَ لَهُمُ الشِّرْكَ بِاللهِ فِي صُورَةِ مَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ .
(الشرح)
هذا الأصل الأول: إِخْلَاصُ الدِّينِ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبَيَانُ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ، هذا هو أصل الإسلام أصل دين الإسلام: إخلاص الدين لله، الدين العبادة، إخلاص العبادة لله .
والعبادة كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
العبادة هي ما أمر بها شرعًا، هي ما أمر به شرعًا من غير اضطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، هي الأوامر والنواهي.
الأوامر يفعلها المسلم سواء كانت أمر إيجاب كقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، أو أمر استحباب كقول عليه الصلاة والسلام لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ. وترك النواهي سواء نهي تحريم كقوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى، أو نهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء، وكان (...) والحديث كما جاء.
فالأوامر يفعلها المسلمون، والنواهي يتركها المسلمون تعبدًا لله ومحبة وإجلالًا وخوفًا ورجاء، هذه هي العبادة، هذه العبادة يجب على المسلم أن يخلصها لله، ومعنى إخلاصها لله أن يريد بها وجهه، يريد بهذه العبادة وجهه ولا يصرفها لغيرة.
بل يصرفها لله ولا يصرفها لغيره، فهذا هو شرط الدين لله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ.
فإخلاص الدين لله بينه الله تعالى في كتابه، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي مخلصين له العبادة.
ومعنى الاخلاص هو أن يصرف الإنسان العبادة لله ويريد بها وجهه ولا يصرفها لغيره.
والشرك هو ضد ذلك هو أن يصرف العبادة لغير الله إذا كان يدعوا غير الله ويذبح لغير الله وينذر لغير الله أو يطوف بغير بيت الله تقربًا إلى عباد الله الصالحين، أو يسجد لغير الله أو يركع لغير الله فهذه العبادات إذا صرفها لغير الله صارت شركًا، وإذا خصها لله ولم يصرف شيئًا منها لغيره صار مخلصًا موحدًا.
هذا هو أصل الدين (...)، هذا أصل دين الإسلام، وأكثر القرآن في بيان هذا الأمر من وجوه شتى.
يقول المؤلف رحمه الله: أكثر القرآن في بيان هذا الوصف بوجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، والآيات القرآنية واضحة في هذا، كل سورة من القرآن لا تخلوا من ذلك.قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون 1-6] أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون: 1-3]
فالآيات كلها إما في إثبات حقيقة ذات الرب وأسماءه وصفاته وأفعاله وبيان حقه ، وأن حقه أن يعبد وأن تخلص له العبادة ، أو في بيان جزاء أهل التوحيد وما أعد الله له من كرامات، أو في بيان الشرك في الذي هو ضد التوحيد والتحذير منه، أو في بيان جزاء من ترك التوحيد وما يحصل لهم في الدنيا من العقوبات والمصائب والنكبات وما يكون لهم في الآخرة من عذاب.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وبيان فضل أهله وجزائهم، وفي شأن الشرك والنهي عنه وجزائه وجزاء المشركين في الدنيا والآخرة.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفوزه وفوز أهله، وفي شأن الشرك الذي هو ضد التوحيد والتحذير منه وبيان عاقبة المشركين وجزائهم وعقوبتهم في الدنيا والآخرة.
هذا الأصل العظيم الذي هو أصل الدين وأساس الملة والذي القرآن كله من أوله وآخره يبدئ ويعيد فيه بينه الله من وجوه شتى، تارة يأمر الله بالتوحيد، تارة بين الله فوزه، تارة يثني على أهله، وكذلك المشركون تارة يذمهم الله، وتارة يبين عقوبتهم، وتارة يتوعدهم.
فالقرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة.
قال المؤلف رحمه الله: ثُمَّ لَمَّا صَارَ عَلَى أَكْثَرِ الأُمَّةِ مَا صَارَ. يعني لما انتشر فيهم الجهل، وزين لهم الشيطان محبة، صور لهم محبة الصالحين زين لهم الشرك في قالب محبة الصالحين أظهر لهم الشيطان الاخلاص في صورة تنقص الصالحين وأظهر لهم الشرك في صورة محبة الصالحين.
فإذا اخلص الإنسان عمله لله وابتعد عن الشرك والدعاء لغير الله قالوا هذا تنقص الصالحين ومنعهم حقهم وصار يبغضهم هكذا، فالذي ينهى عن الشرك والذي لا يوافق المشركين على دعوتهم غير الله والذبح لهم والنذر لهم قالوا هذا يتنقص الصالحين، ولا يحب الصالحين بل هو يبغضهم، ولا يعطيهم حقهم، قصر في حقوقهم، وأظهر الشيطان لهم الشرك في صورة محبة الصالحين واتباعهم.
فالذي يشرك ويدعوا الصالحين ويذبح لهم وينذر لهم قالوا هذا يحب الصالحين، وهذا يتبع الصالحين وهذا يعطي حبه الصالحين فإذا نهيت عن الشرك قال هذا ما هو بشرك، إذا نهيته عن الدعاء لغير الله قال لا هذا محبة للصالحين، هذا تشفع، هذا اعطاء لحقوقهم، وإذا نهيته عن الشرك قال أنت تبغض الصالحين، أنت تنقصهم أنت لا تعطيهم حقوقهم هذا هو الأصل الأول، وهذا من أعظم كما قال المؤلف رحمه الله، من اكبر الآيات الدالة على قدرة الله تعالى، كيف يخفى هذا على الأذكياء كثير من الأذكياء وعقلاء بني آدم فيقعون في الشرك مع أن هذا أمر واضح في القرآن، فالقرآن من أوله إلى أخره في بيان هذا الأصل العظيم.
هذا من أعجب العجاب وَأَكْبَرِ الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ المَلِكِ الغَلَّابِ. نعم
(المتن)
أَمَرَ اللهُ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الدِّينِ وَنَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهِ، فَبَيَّنَ اللهُ هَذَا بَيَانًا شَافِيًا تَفْهَمُهُ العَوَامُ، وَنَهَانَا أَنْ نَكُونَ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا قَبْلَنَا فَهَلَكُوا، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَمَرَ المُسْلِمِينَ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الدِّينِ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهِ، وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ العَجَبِ العُجَابِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ الأَمْرُ إِلَى أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ هُوَ العِلْمُ وَالفِقْهُ فِي الدِّينِ، وَصَارَ الأمر بالِاجْتِمَاعُ فِي الدِّينِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ مَجْنُونٌ.
(الشرح)
نعم، هذا الأصل الثاني: أن الله أمر بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه في كثير من المواضع، وهذا بينه الله تعالى بيان شافيًا يفهمه العوام، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فلهلكوا، وهذا ورد في القرآن قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105] وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ.
فالنصوص الكثيرة في كتاب الله فيها الأمر بالاجتماع على الحق، وفيها النهي عن التفرق والاختلاف في الدين، وهذا أمر واضح في النصوص في الآيات القرآنية وفي السنة أيضًا، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وكذلك قول الله تعالى في سورة النساء وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115] هذا فيه أمر بالاجتماع والنهي عن التفرق، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:13] فالنصوص كثيرة فيها بالأمر بالاجتماع في الدين والنهي عن التفرق والاختلاف. نصوص لا حصر لها في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، بينها الله بيان شافيًا يفهمه العوام، العامي إذا قرأها عرف، فيها الأمر بالاجتماع والنهي عن التفرق.
يقول المؤلف رحمه الله: الأصل الثاني: أَمَرَ اللهُ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الدِّينِ وَنَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهِ، فَبَيَّنَ اللهُ هَذَا بَيَانًا شَافِيًا تَفْهَمُهُ العَوَامُ، وَنَهَانَا أَنْ نَكُونَ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا قَبْلَنَا فَهَلَكُوا. كما قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105] كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: 1-4]
الآيات التي فيها ذم التفرق والاختلاف كثيرة، الاختلاف في الدين والآيات التي فيها الأمر بالاجتماع في الدين كثيرة لا حصر لها، بينها الله بيانًا شافيًا يفهمه العوام، ونهى الله، نهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا كأهل الكتاب فهلكوا، وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه.
قال: وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ العَجَبِ العُجَابِ فِي ذَلِكَ. يعني كما سبق النصوص كثيرة من الكتاب ومن السنة فيها الأمر بالاجتماع في الدين والنهي عن التفرق.
قال: ثُمَّ صَارَ الأَمْرُ إِلَى أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ هُوَ العِلْمُ وَالفِقْهُ فِي الدِّينِ، عند كثير من الناس الجهال صار الاختلاف في أصول الدين وفروعه هو العلم، صاروا يختلفون في أصول الدين، هذا لكل طائفة مذهب هذا مثلًا الطائفة الجهمية افترقت على أهل السنة، والمعتزلة افترقوا على أهل السنة، والاشاعرة فارقوا أهل السنة، والرافضة فارقوا أهل السنة، والصوفية فارقوا أهل السنة، وهكذا والفلاسفة فارقوا أهل السنة، فافترقوا في أصول الدين وفروعه، في الأصول وفي الفروع.
وكذلك الخلاف في الفروع فصار كثير من الناس يرون أن الافتراق هو العلم والفقه الدين، ويرون أن الاجتماع ليس علمًا (...)، ولذلك تجد (...)، فيرون أنهم على الحق تفرقوا شيعًا وأحزابًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
فالجهمية يرون أنهم على حق ويرون أن هذا هو العلم والفقه أن يفارقوا أهل السنة والجماعة، والمعتزلة كذلك والأشاعرة كذلك والصوفية كذلك والرافضة كذلك وكذلك التحزبات في هذا العصر، ما أشبه الليلة بالبارحة التحزبات الآن التي فرقت الشباب وضيعتهم وضيعت عليهم العلم، وجعلتهم شيعًا وأحزابًا، وأوجدت بينهم العداوة والبغضاء وأضاعت عليهم العلم، وصار كثير من الشباب في حيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولعل أن هناك أيدي دخلت بين الشباب حتى تفسدهم وتضيع عليهم هذه الصحوة المباركة صاروا شيعًا وتفرقوا وانشغلوا بأنفسهم عن طلب العلم، تجد هذا إخواني هذا تبليغي هذا سلفي هذا كذا هذا سروري والفرق هذه أشغلتهم وأضاعت أوقاتهم.
ونحن دائمًا نقول: للشباب اتركوا هذه التحزبات كونوا من أهل السنة والجماعة، إذا سئلتم قولوا نحن من أهل السنة والجماعة، إذا سألك ما عنك؟ أنت كذا أنت كذا، قل: أنا من أهل السنة والجماعة، أنا اتعلم العلم أنا طالب علم، ما تقول في فلان ما تقول الطائفة الفلانية، ما تقول، أرجع إلى أهل العلم.
أنا الذي اتعلم، لا أفتي الآن، ولا اتكلم في الناس، أنا اطلب العلم، لا تقول طالب علم قل: أنا من أهل السنة والجماعة، اتركوا هذه التحزبات.
حتى قيل من بعض أهل الشباب المتوسط يكون في حيرة، يقول جئت إلى هؤلاء يسألون ، ماذا تكون أنت أخواني أنت كذا ثم يطردونه ثم يذهب إلى الحلقة ويطردونه، كل واحد أنت كذا أنت تبليغي أنت سروري أنت كذا أنت أخواني وصار في حيرة ما يدري والعياذ بالله، وحصل عند بعضهم الشذوذ والانحراف، كل هذا بسبب التحزبات والتطرفات والتفرق.
فاتركوا هذه التحزبات وأقبلوا على طلب العلم، اتركوا الكلام في العلماء والناس، أقبلوا على طلب العلم، احذروا هذه التفرقات، كونوا من أهل السنة والجماعة، إذهب وتحقق ولا تتكلم، أنتم تطلبون العلم لا تتكلموا فيه لا في فلان ولا في فلان ولا في الطائفة الفلانية فأقبل على طلب العلم وقولوا نحن من أهل السنة والجماعة.
وإذا أشغلكم أحد قولوا أذهب إلى أهل العلم أسألهم، أسأل عن الطائفة الفلانية والشيخ فلاني نحن الآن نطلب العلم ما نحكي ولا وصلنا إلى مرتبة بحيث أن نحكم على الناس أو نحكم نحن نطلب العلم.
حتى تزول هذه التحزبات وحتى يكون أهل الحق حزب واحد، وأهل الباطل أحزاب متفرقة، كونوا من حزب أهل الحق، كونوا من حزب الله، فإن حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
واحذروا الاحزاب المتفرقة فإنها من احزاب الشيطان وحِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ.
فالمؤلف رحمه الله: يبين في هذا الأصل أن الله أمر بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق في الدين، قال: وجاءت السنة في ذلك العجب العجاب ثم صار الأمر ثُمَّ صَارَ الأَمْرُ إِلَى أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ هُوَ العِلْمُ وَالفِقْهُ فِي الدِّينِ،الآن هذه التحزبات عند بعض الناس هو العلم، العلم والفقه أن تكون مع هذه الطائفة الفولانية وتترك الطائفة الفولانية.
قال: وَصَارَ الأمر بالِاجْتِمَاعُ فِي الدِّينِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ مَجْنُونٌ.
لأنه يخالف أهواء الناس وشهواتهم، الأمر في الاجتماع في الدين معناه أن يترك هذه التحزبات، هو ما يريد أن يسير في التحزبات، فل يقول انضموا كله حزب واحد، نحن أهل الحق، هذا لا يكون إلا زنديق أو مجنون، لأنه يريد أن يترك هذه الجماعات هذه التحزبات كلها يجعلها حزب واحد تفوت عليه كثير من أمور دنياه وشهواته وعبثه وأمواله وما يرد عليه من النفقات كلها تضيع عليه.
وَصَارَ الأمر بالِاجْتِمَاعُ فِي الدِّينِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ مَجْنُونٌ . نسأل الله السلامة والعافية نعم
(المتن)
أَنَّ مِنْ تَمَامِ الِاجْتِمَاعِ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمَنْ تَأَمَّرَ عَلَيْنَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَبَيَّنَ اللهُ هَذَا بَيَانًا شَائِعًا كَافِيًا بِوُجُوهٍ مِنْ أَنْوَاعِ البَيَانِ شَرْعًا وَقَدَرًا، ثُمَّ صَارَ هَذَا الأَصْلُ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَكْثَرَ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ فَكَيْفَ العَمَلُ بِه.
(الشرح)
نعم، الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لولاة الأمور، ولو كان عبدًا حبشيًا وهذا بينه الله بيانًا شافيًا قال الله تعالى في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]
وثبت في الأحاديث الصحيحة الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور في طاعة الله، في الحديث: اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَو ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، في حديث أبى ذر أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ. وفي صحيح مسلم مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ.
فالنصوص الكثيرة كلها جاءت بالسمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم ، والسمع والطاعة إنما هي في طاعة الله، طاعة ولاة الأمور يطاعون في شيئين في طاعة الله وفي الأمور المباحة. أما المعصية فلا يطاع فيها أحد؛ لأن النصوص جاءت في ذلك قال ﷺ لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، وقالﷺ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ.
لكن ليس معنى ذلك أنه يتمرد على ولاة الأمور لا، أنه لا يطيعه في المعصية، يوقفه في المعصية ولا يطيعه فيها.
فإذا أمره أن يشرب الخمر، الأمير لا يطيعه لكن ليس معنى ذلك أنه يتمرد عليه ويؤلب الناس عليه ويخرج ولا يطيعه، بل معنى أنه يطيعه في غير هذه المعصية، أما المعصية فلا يطيعه فيها. المعاصي لا يطاع فيها أحد، الوالد إذا أمره والده بمعصية لا يطيعه، لكن لا يتمرد على والده بأن يعصيه في كل شيء، لا يطيعه في هذه المعصية، والزوجة إذا أمرها زوجها بالمعصية لا تطيعة، لكن ليس معنى هذا أنها تتمرد على زوجها وتكون ناشزًا إنما هي لا تطيعه في المعصية، والعبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه، لكن ليس معنى هذا أن العبد يتمرد على سيده بل معناه أن يكف المعصية.
فالواجب السمع والطاعة للولاة في طاعة الله وفي الأمور المباحة، وأما الخروج على ولاة الأمور فهو من كبائر الذنوب كما سمعتم، مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ. وهذا وعيد شديد، وهو عند أهل العلم من أهل الكبائر وإن كان ظاهره الكفر لكن هذا عند أهل العلم من أحاديث الوعيد من نصوص الوعيد.
فلا يجوز الخروج على ولاة الأمور لأن الخروج على ولاة الأمور يترتب عليه مفاسد عظيمة من إراقة الدماء واختلال الأمن واختلال أحوال الناس المعيشية في الاقتصاد والزراعة والتجارة والتعليم وتدخل الأعداء هذه مفاسد يترتب عليها.
ثم الخروج على ولاة الأمور من شعار أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والرافضة، الخوارج يرون أن ولي الأمر إذا فعل معصية أو انجر لظلم كفر وجب قتله وخلعه وإزالته من الإمامة، وهذا باطل، وكذلك المعتزلة يرون الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي لأنه أصل من أصولهم، المعتزلة عندهم خمسة أصول أصول دينهم استبدلوا أصول الدين عند أهل السنة التي هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر استبدلوها بأصول أخرى كالتوحيد كتبوا تحته نفي الصفات والقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة. والعدل كتبوا تحتها التكفير بالقدر. والمنزلة بين المنزلتين قالوا إن العاصي صاحب الكبيرة خرج منهم ولم يدخل في الكفر، وإنفاذ الوعيد وهذا الأصل الرابع كتبوا تحته القول بخلود العصاة في النار. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتبوا تحتها الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، فالمعتزلة يرون الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي هذا أصل من أصولهم.
والرافضة كذلك قرروا الخروج على ولاة الأمور لأنهم يرون أن الإمامة لا تكون إلا للإمام المعصوم. من هم الأئمة المعصومين هم اثنا عشر فولي الأمر إذا لم يكن من الاثنى عشر فيجب قتله وخلعه وليس له إمامة.
فتبين بهذا أن الخروج على ولاة الأمور من عقيدة أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والروافض.
وأما أهل الحق وأهل السنة فإنهم من عقيدتهم السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم، وهذا يذكره أهل العلم في كل مؤلفاتهم كل من ألف في العقائد الطحاوية قال: ولا نرى الخروج على ولاة أمورنا وندعو لهم بالصلاح والمعافاة وندين لهم بالسمع والطاعة وكذلك غيره كل من ألف في السنة كالبربهاري وغيره. كل من ألف في العقائد يبينون أن من عقيدة السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمور في طاعة الله وعدم الخروج عليهم.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: الأصل الثالث: أَنَّ مِنْ تَمَامِ الِاجْتِمَاعِ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمَنْ تَأَمَّرَ عَلَيْنَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا.
وذلك أن الولاية والخلافة تثبت لولي الأمر بواحدة من هذه السبل:
الأمر الأول: الانتخاب والاختيار من أهل الحل والعقد كما ثبتت الخلافة لأبي بكر الصديق بالاختيار والانتخاب، وكذلك ثبت الخلافة لعثمان بن عفان بالاختيار والانتخاب واتفاق أهل الحل والعقد، وكذلك ثبتت لأمير المؤمنين علي باختيار أكثر أهل الحل والعقد فثبتت له البيعة وليس الغالب اختيار كما يفعله الناس في الدول الكفرة وغيرها الانتخابات يسمونه انتخابات تنتخب كل واحد بالأصوات وتكون الأصوات كل واحد يصوت حتى لو كان عبدًا أو امرأة أو مجنون كلهم يصوتون؟ لا. الاختيار والانتخاب الذي يكون يكون من أهل الحل والعقد، الاعيان والوجهاء ورؤساء القبائل والباقي تبع له.
الأمر الثاني: أن تثبت بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت الخلافة لعمر بن الخطاب بولاية العهد من أبي بكر الصديق .
الأمر الثالث: تثبت الخلافة بالقوة والغلبة، إذا غلب الناس بقوته وسيفه وسلطانه ثبتت له الخلافة، ثبتت له الولاية ولا يجب الخروج عليه (...) فإذا غلب الناس بسيفه وسلطانه واستتب له الأمر واجتمع الناس عليه ثبتت له الخلافة والولاية فلا يجوز الخروج عليه فإن جاء أحد ينازعه بعد ذلك فإنه يقتل كما في الحديث إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا، وفي الحديث الآخر: مَن جَاءَكُم وَأَمرُكُم جَمِيعٌ يُرِيدُ أَن يُفَرِّقَكُم أَو يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُم فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.
ولهذا قال النبي ﷺ عَلَيكُم بِالسَّمعِ والطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، لو كان الاختيار والانتخاب للمسلمين ما يختاروا العبد الحبشي يختاروا من قريش، الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ إذا كان فيهم من يقيم الدين كما ثبت من حديث مسلم في الصحيحين لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ يعني في قريش مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ، فإذا وجد فيهم من يقيم الدين صارت الخلافة فيهم وإذا لم يوجد من يقيم الدين انتقل إلى غيرهم.
وثبوت الخلافة بالاختيار والانتخاب ما حصلت إلا في زمن الخلفاء الراشدين، وبعد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا ما ثبتت الخلافة بالاختيار والانتخاب. الدولة الأموية والدولة العباسية والعثمانية كلها ثبتت إما بالقوة والغلبة أو بولاية العهد، ما ثبتت بالاختيار والانتخاب إلا في الصحابة كأبى بكر الصديق ولعثمان ولعلي.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: أَنَّ مِنْ تَمَامِ الِاجْتِمَاعِ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمَنْ تَأَمَّرَ عَلَيْنَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَبَيَّنَ اللهُ هَذَا بَيَانًا شَائِعًا كَافِيًا بِوُجُوهٍ مِنْ أَنْوَاعِ البَيَانِ شَرْعًا وَقَدَرًا، لأن الله تعالى بين هذا في النصوص كما سمعتم في كتاب الله وعلى لسان رسوله ﷺ وقدرًا أي أن الله قدر ذلك قدر أَنَّ مِنْ تَمَامِ الِاجْتِمَاعِ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمَنْ تَأَمَّرَ فالله تعالى قدر ذلك ووجد أن الاجتماع والسمع والطاعة من أسباب الاستقرار (...).
قال: ثُمَّ صَارَ هَذَا الأَصْلُ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَكْثَرَ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ فَكَيْفَ العَمَلُ بِهِ هذا من العجائب، من أعجب العجاب ومن أكثر الأدلة على قدرة الملك الغلاب أن هذا الأصل الذي أوضحه الله في كتابه وأوضحه النبي ﷺ في الأحاديث لا يعرف عند كثير ممن يدعى العلم، فكيف يعمل به، لا يعرفونه فكيف يعملون به، العمل فرع عن العلم، العلم هو الأصل، والعمل فرع، والأصل لا يعرف فكيف يعرف الفرع؟
كثير من الناس لا يعرفون هذا الأصل فكيف يمكنهم العمل به؟ نعم
(المتن)
بَيَانُ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ، وَالفِقْهِ وَالفُقَهَاءِ، وَبَيَانُ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ هَذَا الأَصْلَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ: يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [سُورَة البَقَرَةِ: 40] إِلَى قَوْلِهِ قبل ذكر إبراهيم : يَا بَنِي إِسْرائيلَ، [سُورَة البَقَرَةِ: 122]. وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا مَا صَرَّحَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي هَذَا الكَلَامِ الكَثِيرِ البَيِّنِ الوَاضِحِ لِلْعَامِيِّ البَلِيدِ، ثُمَّ صَارَ هَذَا أَغْرَبَ الأَشْيَاءِ، وَصَارَ العِلْمُ وَالفِقْهُ هُوَ البِدَعَ وَالضَّلَالَاتِ، وَخِيَارُ مَا عِنْدَهُمْ لَبَّسَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ، وَصَارَ العِلْمُ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الخَلْقِ وَمَدَحَهُ لَا يَتَفَوَّهُ بِهِ إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ مَجْنُونٌ، وَصَارَ مَنْ أَنْكَرَهُ وَعَادَاهُ وَصَنَّفَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَالنَّهْيِ عَنْهُ هُوَ الفَقِيهَ العَالِمَ.
(الشرح)
نعم، قال: الأصل الرابع بيان العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ، وَالفِقْهِ وَالفُقَهَاءِ، وَبَيَانُ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ يعني الله تعالى بين أهل العلم إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا.
بين الله العلم والعلماء وأن هذا العلم وأن أهل العلم الذين أنار الله بصائرهم فتبصروا وتفقهوا في شريعة الله وفي دين الله ثم عملوا بهذا العلم، وبين الله الفقه وأن الفقه هو الفقه في الدين كما بين النبي ﷺ أن من أراد الله به خيرًا فقهه في الدين، فقد بينت النصوص من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله ﷺ العلم.
وأن العلم الشرعي هو العلم بدين الله، العلم بأسماء الله وصفاته، العلم ببيان حقه في الأمر والنهي، الذي هو دين الله. العلم ببيان جزائه، فهذا هو العلم النافع أقسامه ثلاثة كما سبق العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله ثم العلم بالأوامر والنواهي الذي هو دين الله ثم العلم بالجزاء الذي هو جزاء المؤمنين وجزاء الكفار كما قال ابن القيم رحمه الله:
وَالعِلمُ أَقسَامٌ ثَلاثُ مَا لَهَا | مِن رَابِعٍ وَالحَقُّ ذُو تِبيَانِ |
عِلمٌ بِأَوصَافِ الإِلَهِ وَفِعلِهِ | وَكَذَلِكَ الأَسمَاءُ للرَّحمَنِ |
وَالأَمرُ وَالنَّهيُ الَّذِي هُوَ دِينُهُ | وَجَزَاؤُهُ يَومَ المَعَادِ الثَّانِي |
هذه أقسام العلم، هذا العلم النافع ليس هناك قسم رابع والعلماء هم العالمون به، هم العالمون بشرع الله ودينه إذا أطلقوا انصرف إليهم، وأما إذا أريد علماء الدنيا فلابد من القيد يقال: علماء فلك علماء طب علماء بياطرة علماء زراعة علماء تجارة لكن إذا أطلق العلماء يراد هنا علماء الشريعة والفقه في الدين هو فهم فهم عن الله وعن رسوله ﷺ، فهم في أسماء الله وصفاته ، الفهم في دين الله في الأوامر والنواهي، الفهم في الجزاء وما يكون في الآخرة.
والفقيه هو المتفقه في شريعة الله، الله تعالى بين العلم والعلماء وبين الفقه والفقهاء، وبين من تشبه بهم وليس منهم، من تشبه بالعلماء وليس منهم كأهل الضلال الذين يدعون العلم وهم من أهل الجهل، أو الذين يدعون العلم وهم لا يعملون، لا يعملون بعلمهم هؤلاء ليسوا من العلماء وإن تشبهوا بهم وإن أدعوا أنهم من أهل العلم بين الله تعالى حال المغضوب عليهم في سورة الفاتحة، وبين المنعم عليهم وبين الضالين، فإن الله تعالى قسم الناس ثلاثة اقسام في سورة الفاتحة.
بين المنعم عليهم: وهم الذين من الله عليهم بالعلم والعمل، هؤلاء هم أهل العلم وهم أهل البصيرة، وبين المغضوب عليهم وهم كاليهود وأشباههم الذين عندهم علم ولكن لا يعملون به فهم غاوون، فهؤلاء وإن تشبهوا بأهل العلم فليسوا منهم لأنهم لا يعملون بعلمهم، وبين الله حال الضالين الذين يعملون على جهل وضلال.
أوضح الله هذا في سورة الفاتحة التي هي أعظم سورة في القرآن والتي يقرأها المسلم في كل ركعة من ركعات الصلاة، بَيَانُ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ، وَالفِقْهِ وَالفُقَهَاءِ، وَبَيَانُ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ يقول المؤلف وهذا وقد بين الله هذا الأصل في أول سورة البقرة يقول يا بني إسرائيل ما يقول بين هذه في سورة الفاتحة.
يا بني إسرائيل بين الله هذا في أول سورة البقرة في قوله: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
المؤلف ها هنا يقول: وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ هَذَا الأَصْلَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [سُورَة البَقَرَةِ: 40] إِلَى قَوْلِهِ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] إلى قوله قبل ذكر إبراهيم، وكأنه يريد يا بني إسرائيل الثانية، لأنه قال إلى قوله قبل ذكر إبراهيم، يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ثم قال قوله وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ففي قبل هذه الآية بين الله حال أهل العلم والمهتدين، فقال: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:121] الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ لأن تلاوة القرآن نوعان تلاوة لفظية وهي قراءة الآيات وهذه عبادة، والنوع الثاني تلاوة حكمية وهي التي عليها الرجاء والسعادة والشقاوة وهي تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام كما قال الله في هذه الآية الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ يعملون به حق العمل، المراد بالتلاوة العمل هنا.
لأن التلاوة نوعان:
تلاوة لفظية هذه عبادة ومَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا كما في حديث ابن مسعود، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ.
والثاني: تلاوة حكمية وهي تصديق أخبار القرآن وتنفيذ أحكامه، كما قال الله تعالى فيها في هذه الآية الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة:121] هذه التي عليها مدار السعادة والشقاوة.
فالمؤلف رحمه الله يقول: وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ هَذَا الأَصْلَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ البقرة بقوله: يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [سُورَة البَقَرَةِ: 40] إِلَى قَوْلِهِ قبل ذكر إبراهيم : يَا بَنِي إِسْرائيلَ، يعني بينهما ما يقارب كم؟ مسافة بين يا بني إسرائيل الأولى وبين قول يا بني إسرائيل التي قبل ذكر إبراهيم، ذكر الله بعد ذلك أخبار بني إسرائيل ثم ختمها بقوله الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ثم قال يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ التي قبل ذكر إبراهيم فيها بيان لأهل العلم والعلماء، فيها بيان أن المهتدين الذين يتلون القرآن حق تلاوته.
بَيَانُ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ، وَالفِقْهِ وَالفُقَهَاءِ، وَبَيَانُ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، كاليهود المغضوب عليهم، تشبهوا بأهل العلم وليس منهم لأنهم لا يعملون بعلمهم وكذلك من فسد من علماء هذه الأمة فله شبه باليهود، كما قال السلف.
قال المؤلف: وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا مَا صَرَّحَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي هَذَا الكَلَامِ الكَثِيرِ البَيِّنِ الوَاضِحِ لِلْعَامِيِّ البَلِيدِ، ثُمَّ صَارَ هَذَا أَغْرَبَ الأَشْيَاءِ، وَصَارَ العِلْمُ وَالفِقْهُ هُوَ البِدَعَ وَالضَّلَالَاتِ ، وَخِيَارُ مَا عِنْدَهُمْ لَبَّسَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ، وَصَارَ العِلْمُ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الخَلْقِ وَمَدَحَهُ لَا يَتَفَوَّهُ بِهِ إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَصَارَ مَنْ أَنْكَرَهُ وَعَادَاهُ وَصَنَّفَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَالنَّهْيِ عَنْهُ هُوَ الفَقِيهَ العَالِم.
هذا من أعجب العجائب أمر واضح بينه الله بين الله أهل العلم وأن أهل العلم هم العاملون بعلمهم وأن الفقهاء هو الفقيه في شريعة الله ودينه، وهذا واضح في النصوص ثم صار كثير من الناس يسمى أهل الفقه أهل بدع يسمى أهل الفقه والضلالة، ويكون خيار ما عندهم لبس الحق بالباطل.
وصار العلم الذي فرضه الله وهو العلم بشرع الله ودينه ومدحه لا يتفوه إلا زنديق أو مجنون، مثل الآن صار يطلقون العلم على العلم التجريبي والعلوم الآخرى، وعلماء الفضاء ورواد الفضاء يقول العالم، وهذا غلط لأن العلم إذا أطلق يكون العلم الشرعي، والعالم إذا أطلق العالم الشرعي، فإذا كان عالم فضاء يقال عالم فضاء عالم طب لكن عكسوا المفاهيم عند كثير من الناس فصار العالم هو العالم التجريبي العالم بالطب العالم بالبيطرة العالم بالزراعة وهذا هو الذي يعظمه الناس ويغبطونه، يغبطون فلانا إذا خرج من كلية الطب أو من كلية الهندسة أو من كلية الزراعة ويقول هذا له مستقبل.
لكن العلم الشرعي زهد فيه كثير من الناس صار العلم علوم الدنيا هي المفضلة بين الناس، والتي يغبط صاحبها، والذي ينتدب في كثير من الدول ينتدبون يتعلموا هذه العلوم أما علوم الشريعة فمهملة، ولا ينظر لها وليست علمًا عند كثير من الناس، ولا (...) هذه البلاد إذا نظرت إلى عموم الناس وجدت ما قاله الشيخ رحمه الله في أن العلم الذي فرضه الله ومدحه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون في كثير من البلدان يمدح أهل العلم ويضيع العلم وأين أنت؟ لا يعلم إلا علم الطب وعلم الفلك وعلم البيطرة وعلم الهندسة وعلم الفضاء.
فلا يتكلم في علم الشريعة ويمدحونه ويثني عليه مثل هذا زنديق أين عايش؟ ما يعيش مع الناس، الناس تركوا هذا وصلوا إلى القمر ووصلوا إلى الفضاء وأنت تتكلم في هذا في العلم الشرعي هذا مصداق ما قاله الشيخ رحمه الله قال: صَارَ العِلْمُ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الخَلْقِ وَمَدَحَهُ لَا يَتَفَوَّهُ بِهِ إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ مَجْنُونٌ، وَصَارَ مَنْ أَنْكَرَهُ وَعَادَاهُ وَصَنَّفَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَالنَّهْيِ عَنْهُ هُوَ الفَقِيهَ العَالِمَ.
الذي يورد الشبهة ويحذر من العلم الشرعي ويدعوا إلى العلوم الأخرى صار هو الفقيه العالم عند كثير من الناس في كثير من البلدان والأمصار. نعم (...)
الأَصْلُ الخَامِسُ
بَيَانُ اللهِ سُبْحَانَهُ لِأَوْلِيَاءِ اللهِ وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ المُتَشَبِّهِين َ بِهِمْ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ المُنَافِقِينَ وَالفُجَّارِ.
وَيَكْفِي فِي هَذَا آيَةٌ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سُورَة آلِ عِمْرَانَ: 31]. الآيَة، وَآيَةٌ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [سُورَة المَائِدَةِ: 54]. الآيَة، وَآيَةٌ فِي يُونُسَ وَهِيَ قَوْلُهُ: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [سُورَة يُونُسَ، الآيتان: 62-63].
ثُمَّ صَارَ الأَمْرُ عِنْدَ اللهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ وَأَنَّهُ مِنْ هُدَاةِ الخَلْقِ وَحُفَّاظِ الشَّرْعِ إِلَى أَنَّ الأَوْلِيَاءَ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ تَرْكِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الجِهَادِ فَمَنْ جَاهَدَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَمَنْ تَعَهَّدَ بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَلَيْسَ مِنْهُمْ يَا رَبَّنا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
(الشرح)
(...) ووصفهم بأوصاف واضحة فقال : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ بين الله أن الولي هو المؤمن التقي، كل مؤمن تقي فهو ولي، وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل هم أفضل أولياء الله، وأعظم أولياء الله (.....) وأعظمهم ولاية الخليلان إبراهيم ومحمد ﷺ أعظم الخليلان ولاية نبينا وإمامنا محمد ﷺ ثم يليه جده إبراهيم ثم موسى ثم بقية أولو العزم ثم بقية الرسل ثم الصالحون من المؤمنين هم أولياء الله.
وصفهم الله بأن المؤمن هو المؤمن التقي، الولي هو المؤمن التقي، كل مؤمن تقي فهو ولي لله، وبينه الله في آية آل عمران، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
فالولي هو المتبع للرسول ﷺ، أي كما في آية المحنة ادعى قوم محبة الله فأمتحنهم الله بهذه الآية، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]
هذا دليل على إذا قال أنا من أحباب الله نقول هي امتحان ما هذه الامتحان إن كنتم متبع للرسول ﷺ فأنت صادق، وإن كنت معادي للرسول ﷺ مناقض له فـأنت كاذب، لما ادعوا محبة الله امتحنهم الله فأنزل هذه الآية قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]
وكذلك برسالة هناك قول الله تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] بين الله في هذه الآية الأولياء من هم؟ الذي يحبونهم ويحبونه.
الوصف الأول: أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، يعني يذلون (...) إخوانهم المؤمنين ولكنهم أعزة على الكفار، يظهرون لهم العزة والقوة.
الوصف الثاني: يجاهدون في سبيل الله.
الوصف الثالث: أنهم لا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ.
هذه أوصافهم، بين الله أوصاف المؤمنين.
فهذا الأصل الخامس فيه بيان الله لأولياء الله في وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله المنافقين والفجار.
بين الله أن المؤمن الولي أن المؤمن الولي هو كل مؤمن تقي، فهو المتبع للنبي ﷺ، وهو الذي يكون ذليلاً للمؤمن عزيزا على الكافر، يجاهد في سبيل الله، ولا يخاف لومة لائم.
ومن لم يتصف بهذه الصفات فليس من أولياء الله، من لم على يتبع الرسول ﷺ من لم يكن مؤمنا تقيا لم يكن من أولياء الله، بل هو من أعداء الله.
قال المؤلف رحمه الله: ، ثُمَّ صَارَ الأَمْرُ عِنْدَ اللهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ وَأَنَّهُ مِنْ هُدَاةِ الخَلْقِ وَحُفَّاظِ الشَّرْعِ إِلَى أَنَّ الأَوْلِيَاءَ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ تَرْكِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَيْسَ مِنْهُمْ هذا يكون عند بعض الصوفية.
بعض الملاحدة يقول: الولي هو الصوفي، الولي هو الذي يترك الشريعة، الولي هو الذي يعمل بالأراء والبدع، الولي عندهم هو الذي لا يتكلم بالشريعة، الصوفية هي (...) يجعلونهم طبقات طبقة العامة الذي يعمل بالشريعة لهم أوامر ولهم نواهي، ثم طبقة الأولياء الذين تجاوزوا مرتبة العامة وألغوا صفاتهم وجعلوها صفات الله، وعلموا أن ما كتب فيكون قال هذا ولي سقط عنه التكليف، وصل إلى العلم وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وفسر اليقين بالعلم وسقطت عنه التكاليف وهذا كما قال الشيخ ابن تيمية أجمع على أن أحد تسقط عنه التكاليف وعقله معه فهو كافر (...) .
ثم الطبقة الثانية قالوا بوحدة الوجود هم الأولياء والعياذ بالله، هؤلاء الملاحدة يسمون أولياء، ويزعمون أن الولي يتصرف في الكون، ويسمى البعض نقابا وأركان، فتجد بعض من يسمونهم أولياء تجده لا يأبه له، تجده أظافره طويلة وثيابه محرفة، تجده لا يقبل (...) وبعده عنده بلى فبعد عقل، حتى إنه يسمونه البله والبله يقول هم من الأولياء. والبله الذي هو ضعف العقل، وحتى إن بعض الصوفية يقول أن الولي الذي يتصرف في الكون تجد بعض يدعي أنه ولي لا يأبه له به مرمي في زبالة وثيابه محرفة وأظافره طويلة فلا تدري لعل هذا ولي يتصرف في الكون وأنت لا تدري، هذا وتد هذا قطب هؤلاء الأولياء عند الملاحدة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: صَارَ الأَمْرُ عِنْدَ اللهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ وَأَنَّهُ مِنْ هُدَاةِ الخَلْقِ وَحُفَّاظِ الشَّرْعِ إِلَى أَنَّ الأَوْلِيَاءَ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ تَرْكِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَيْسَ.
فمن (.....) لا يتبع الرسول ﷺ كما قال ابن العربي يقول الولي لا يحتاج إلى محمد ﷺ لا يحتاج إلى الرسول ﷺ، فالولي الرسول بل إنه فضل الولي على الرسول، فقال أن الرسول يأخذ بواسطة جبريل والولي يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه جبريل، يأخذ العلم اللدني يأخذ عن الله مباشرة فيقول ابن العربي أن الرسل الرسالة ختمت بمحمد ﷺ ولكن الولاية لم تختم وادعى أنه خاتم الأولياء؟
فقالوا: أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء تابع لخاتم الأولياء في الظاهر، وخاتم الأنبياء تابع لخاتم الأولياء في الباطن، وخاتم الأولياء تابع لخاتم الأنبياء في الظاهر، ويقول إن خاتم الأنبياء وهو محمد ﷺ يمثل الشريعة الظاهرة، وخاتم الأولياء وهو ابن عربي يمثل الأمر الباطن، وشبهة قال إن الحديث الذي قاله في النبي ﷺ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ فقال تكلم عن خاتم الأنبياء، قال: ولا بد لخاتم الأولياء من أن يرى من الرؤية، فيرى أن البيت مكون من لبنتين، لبنة ذهب ولبنة فضة، فلبنة الفضة تمثل الشريعة التي جاء بها محمد ﷺ، ولبنة الذهب تمثل الباطن الذي جاء بها ابن العربي.
ويرى نفسة مكان اللبنة الذهبية هكذا قال هؤلاء الملاحدة، هذا في قوله المؤلف رحمه الله: ثُمَّ صَارَ الأَمْرُ عِنْدَ اللهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ وَأَنَّهُ مِنْ هُدَاةِ الخَلْقِ وَحُفَّاظِ الشَّرْعِ إِلَى أَنَّ الأَوْلِيَاءَ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ تَرْكِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ، (.....) ما يتبعون الرسل لهم طريق لاحد.
يقول المؤلف: وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الجِهَادِ عند هؤلاء الملاحدة الذين يسمونهم أولياء فَمَنْ جَاهَدَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الجِهَادِ فَمَنْ جَاهَدَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، يعني ما عندهم إيمان ولا تقوى، يعمل بالآراء، الشيطانية والأهواء، قال: فَمَنْ تَعَهَّدَ بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ومن ترك الإيمان والتقوى وترك الجهاد وترك اتباع الرسل فهذا هو العلم.
ثم قال بعد ذلك يَا رَبَّنا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. نعم
(المتن)
الأَصْلُ السَّادِسُ
رَدُّ الشُّبْهَةِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّيْطَانُ فِي تَرْكِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الآرَاءِ وَالأَهْوَاءِ المُتَفَرِّقَةِ المُخْتَلِفَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَا يَعْرِفُهُمَا إِلَّا المُجْتَهِدُ المُطْلَقُ، وَالمُجْتَهِدُ هُوَ المَوْصُوفُ بِكَذَا وَكَذَا أَوْصَافًا لَعَلَّهَا لَا تُوجَدُ تَامَّةً فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الإِنْسَانُ كَذَلِكَ فَلْيُعْرِضْ عَنْهُمَا فَرْضًا حَتْمًا لَا شَكَّ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَمَنْ طَلَبَ الهُدَى مِنْهُمَا فَهُوَ إِمَّا زِنْدِيقٌ وَإِمَّا مَجْنُونٌ؛ لِأَجْلِ صُعُوبَةِ فَهْمِهِمَا فَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ كَمْ بَيَّنَ اللهُ سُبْحَانَهُ شَرْعًا وَقَدَرًا خَلْقًا وَأَمْرًا فِي رَدِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ المَلْعُونَةِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى بَلَغَتْ إِلَى حَدِّ الضَّرُورِيَّات ِ العَامَّةِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [سُورَة يَس: 7-11].
آخرا الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين
(الشرح)
هذا الأصل الثامن وهو رد الشبهة، والمراد بالشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة والمختلفة.
ما هي هذه الشبهة؟ الشبهة هي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، ومن هو المجتهد المطلق هو المقصود بكذا وكذا أوصاف لعلها لا تجد مكانا في أبى بكر وعمر فإلا لم يكن الإنسان كذلك (.....) حتما لا شك فيه، لا شك ولا إشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون لا (....).
هذه الشبهة طبقتها أن النصوص من القرآن والسنة لا يفهمهما إلا مجتهد مطلق، ومن هو المجتهد المطلق؟ الذي تتوفر فيه الشروط يشترط أن يكون حفظ مثلًا من السنة كذا وكذا من الأحاديث آلاف الأحاديث ويشترط أن يكون يعرف النحو ويعرف اللغة يعرف البلاغة كذلك ويعرف الشعر يعرف العروض تتوفر شروط لا بد أن يكون كذا وكذا يعرف النحو مثلًا يحفظ الألفية ويفصلها وكلام النحو حتى يستطيع يفهم ويعرف البلاغة ويعرف كذا هو إذا تكن شروط لا بد أن يعرف أصول الفقه، أصول التفريق (.....) شروط يقول المؤلف لعلها لا توجد في أبو بكر وعمر.
معنى ذلك صد الناس عن فهم القرآن وما تعترض عنهم أسأل فلانا وفلانا، (...) القرآن واضح وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، في يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1] إذا قرأت الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ماذا تعرف عنهم؟ (...)، كل العرب حتى العامة، ذكر أوصاف المؤمنين، ذكر الله أوصاف المنافقين ، أوصاف الكفار يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ أنت تعرف الدين والمداينة يعرفها كل أحد، كيف يقال أنه ما يعرف القرآن إلا المجتهد المطلق. هذا الأصل فيه صد الناس عن قراءة كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
إذا اغلقوا الباب ولا تحاول أن تقرأ القرآن (...) سمعت كلمة قل له أنت الآن لم توصل إلى مرتبة من يعرف القرآن، القرآن مغلق أبوابه ما يعرف إلى ما كان مطلقا، أنت الآن ما تحمل كلام الحديث، أنت ما تعرف أصول الفقه ولا تعرف اللغة ولا تعرف النحو، أسأل غيرك ، وهو يعلمك، أما أنت ما تعرف إلا بعد مدة طويلة إذا توفرت فيك الشروط بعد ذلك تقرأ القرآن.
هذه (.....) الملعونة التي صد بها عن كلام الله وكلام رسوله ﷺ، القرآن واضح لكل أحد، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، أغلب القرآن واحد في بعض الآيات وبعض النصوص تحتاج إلى الرجوع إلى أهل العلم لكن أوصاف المؤمنين ما تعرفها إذا قرأتها، أوصاف الكفار ما تعرفها إذا قرأتها أوصاف المنافقين ما تعرفها إذا قرأتها؟ يعرفها كل أحد الآن.
كيف يصد الناس عن كلام الله وكلام رسوله ﷺ ويقال أنهم لا يعرفون لا يتناولون كلام الله وكلام رسوله ﷺ.
صفات المؤمنين إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا
معنى الآيات يعرفها كل العرب كلهم آيات في وصف الجنة ووصف النار، وصف المؤمنين وصف الأبرار وصف النار إذا قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36] ما يعرف العرب؟ي هذا يعرف كل أحد، هذه الصفة فيها الصد عن كتاب الله عن كتاب الله وسنة الرسول ﷺ.
الوصف الثالث: يقول رد الشبهة التي وضعت في ترك الكتاب والسنة إذا تركها لا بد يستعاض عنها بشيء يستعاض عنها بالأراء والأهواء المتفرقة، واتباع الأراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهي الشبهة أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا مجتهد المطلق، الذي بلغ درجة الاجتهاد وليس كل أحد مجتهد مطلق كثير من العلماء يقول (.....) ومثل الإمام أحمد مثل الأئمة ما يستطيع يحفظ القرآن إلا عدد من الأفراد
هذه الشبهة ملعونة، قال: والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصاف لعلها لا توجد في أبي بكر وعمر لست من أهل القرآن ولا تعرف القرآن أسأل غيرك أسأل من يعرف ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون، لماذا؟ قال: لأجل صعوبة فهمهما هذا زنديق (.....) لله تعالى، ما وصلت لدرجة الاجتهاد، قال سبحانه الله وبحمده (.....) قدرك في رد هذه الصفة الملعونة من وجوه ستة بلغت إلى حد الضروريات العامة ولكن أغلب الناس لا يعلمون.
الله تعالى بين شرعا في كتابه وقدرا فيما قدره خلقا بما يخلقه وأمر برد هذه الشبهة الله تعالى رد هذه الشبهة في كتابه وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82] كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ. كيف يقول الله لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ. وننهى الذين يتدبرون ونقول لا لا تتدبروا القرآن، بين الله في كتابه وبينها النبي ﷺ في سنته، يعني ينبغي للإنسان أن يتدبر ويتفهم.
وكذلك الله تعالى خلق الإنسان وركب فيه العقل وأعطاه الفهم فهو يفهم، لأنه لو لم يفهم (...) لما خلق الله الإنسان أعطاه العقل والفهم صار مؤهلا لفهم القرآن والسنة، وكذلك أمره الله بالفهم والتدبر فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.
هنا قال المؤلف رحمه الله: وَقَدَرًا خَلْقًا وَأَمْرًا فِي رَدِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ المَلْعُونَةِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى بَلَغَتْ إِلَى حَدِّ الضَّرُورِيَّات ِ العَامَّةِ يعني بلغت الضرورة الضروريات العامة هي التي يذيق الإنسان لجنس عمله.
العلم نوعان: علم ضروري وعلم نظري.
العلم الضروري هو الذي يضطر الإنسان إلى معرفته، مثل (...) هذا ضروري، هل تستطبع أن (...) هذا علم ضروري.
لكن العلم النظري، (...) ولذلك المؤلف رحمه الله، الله تعالى رد هذه الشبهة من وُجُوهٍ شَتَّى بَلَغَتْ إِلَى حَدِّ الضَّرُورِيَّات العامة وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
ولذلك حث الناس على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ
هذه معنويًا وإن (...) فقال: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [سُورَة يَس: 7-11].
أما من أراد الله شقاوته قال فيهم وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً وقال: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا.
الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.