بسم الله الرحمن الرحيم
حث الصَّحَابَة بَلْ ألزمهم بالمتعة، فاجتهد الخلفاء الثلاثة؛ الصديق، وعمر، وعثمان؛ فكانوا يأمرون الناس بالإفراد؛ إفراد الحج، اجتهادًا منهم حتى يكثر العمار، والزوار، وَكَانَ ابن عباس، وكان علي، وأبو موسى الأشعري، وجماعة في يوصون بالمتعة، والصواب معهم؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي ﷺ، هذا ما يقال: إن هَذِهِ سنة الخلفاء الراشدين؛ لأن المسألة فيها نص، لكن إذا لم يكن في المسألة نص فيؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ هذا فِيهِ الحث والأمر بلزوم السُّنَّة، وَفِيهِ التحريم من البدعة في قوله: إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ؛ وفي لفظ: وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
وفيه أَنَّهُ ينبغي للمسلم أن يحذر من البدع، وأن يلزم سُنَّة النَّبِيّ ﷺ، وما كان عليه السلف الصالح كما بيَّن هؤلاء الأخيار ؛ ولهذا قال: (قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا)؛ يعني السلف، والصحابة والتابعون ومن بعدهم (وببصر نافذ كفُّوا).
(المتن)
قال المؤلف حفظه الله تعالى:
السنة والبدعة وحكم كل منهما:
السنة لغة: الطريقة.
واصطلاحًا: ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة، أو عمل.
واتباع السنة واجب لقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب/21].
(الشرح)
سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان عليه في العقيدة والعمل؛ أفعال الرسول ﷺ، وأقواله، وتقريراته كلها سنة.
(المتن)
وقوله ﷺ: عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخلفاءِ الرَّاشدين الْمَهْدِيين مِن بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّواجِذ.
والبدعة لغة: الشيء المستحدث.
واصطلاحًا: ما أُحْدِثَ في الدين على خلاف ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة أو عمل.
(الشرح)
وهذا الحدث؛ البدعة؛ هو الحدث في الدين، إحداث شيئًا في الدين ليس عليه ﷺ، ولا أصحابه.
(المتن)
وهي حرام لقوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء/ 115] .
وقوله ﷺ: وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فإنَّ كُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بدعةٍ ضَلالَة. الآثار الواردة في الترغيب بالسنة والتحذير من البدعة.
(الشرح)
منها قول ﷺ في الحديث الصحيح : مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ، رواه الشيخان، وفي لفظ لمسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ؛ هذا فيه تحذير من البدع، ومن أحاديث الأربعين النووي مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا؛ يعني الإسلام مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ.
ولمسلم لفظ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ؛ يعني مردود عليه؛ فالبدع مردودة على أصحابها.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا واضح بما أحدثه أهل البدع، مثل بدعة الجهمية: في إنكار الأسماء والصفات، بدعة المعتزلة: في إنكار الصفات، بدعة الأشاعرة في إنكار بعض الصفات، بدعة القدرية: في إنكارهم أن تكون أفعال العباد مخلوقة لله ، بدعة الجبرية: في قولهم: إن العبد مسلوب الاختيار، والفعل؛ فهذه من البدع، هذه أعظم ما يكون؛ البدع في العقائد، كلها بدع، بدعة المرجئة: في قولهم: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان؛ كل هذه من البدع.
هناك البدع في الأعمال، وفي بدع في المولد، ومثل بدع ما يفعل في العزاء، قراءة الْقُرْآن عِنْد القبور، والجلوس في بيت أهل الميت وصنع الطعام؛ كُلّ هَذِهِ من البدع.
(المتن)
"فقوم نفوا كثيرًا مما ورد في الكتاب والسنة من ذلك، وزعموا أنهم فعلوه تنزيها لله عما تقتضي العقول تنزيهه عنه، وزعموا أن لازم ذلك مستحيل على الله ، وقوم لم يكتفوا بإثباته حتى أثبتوا ما يظن أنه لازم له بالنسبة إلى المخلوقين، وهذه اللوازم نفيًا وإثباتًا درج صدر الأمة على السكوت عنها".
الآثار الواردة في الترغيب بالسنة والتحذير من البدعة:
الأول: من أقوال الصحابة: قال ابن مسعود الصحابي الجليل المتوفى سنة 32هـ عن بضع وستين سنة: اتبعوا أي: التزموا آثار النبي ﷺ من غير زيادة ولا نقص.
ولا تبتدعوا: لا تحدثوا بدعة في الدين.
فقد كفيتم أي: كفاكم السابقون مهمة الدين حيث أكمل الله تعالى الدين لنبيه ﷺ وأنزل قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم [المائدة/ 3]؛ فلا يحتاج الدين إلى تكميل.
الثاني: من أقوال التابعين: قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز المولود سنة 63 المتوفى سنة 101هـ قولاً يتضمن ما يأتي:
أولًا: وجوب الوقوف حيث وقف القوم يعني بهم النبي ﷺ وأصحابه فيما كانوا عليه من الدين عقيدة وعملاً؛ لأنهم وقفوا عن علم وبصيرة ولو كان فيما حدث بعدهم خير لكانوا به أحرى.
ثانيًا: إن ما أحدث بعدهم فليس فيه إلا مخالفة هديهم، والزهد في سنتهم وإلا فقد وصفوا من الدين ما يشفي، وتكلموا فيه بما يكفي.
ثالثًا: إن من الناس من قصر في اتباعهم، فكان جافيًا، ومن الناس من تجاوزهم فكان غاليًا والصراط المستقيم ما بين الغلو والتقصير.
(الشرح)
وسطٌ بين الغالي والجافي، دين الله كما قَالَ الحسن البصري: دين الله والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي؛ وكما أن هَذِهِ الْأُمَّة وسط بين الأمم، في قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة/143]، فكذلك الفرقة الناجية وسط بين الفرق.
(المتن)
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمًّا بعد؛ فقال المؤلف رحمه الله:
وقال محمد بن عبد الرحمن الأذرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله ﷺ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء أعلمته أنت؟!! .
قال الرجل: فإني أقول: قد علموها. قال: أفوسعهم ألا يتكلموا به، ولا يدعون الناس إليه أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم. قال فشيء وسع رسول الله ﷺ وخلفاؤه، لا يسعك أنت؟!! فانقطع الرجل. فقال الخليفة وكان حاضرًا: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم.
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله ﷺ وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه.
(الشرح)
يعني أن البدعة هي حدث في الدين، ما يحدثه الإنسان في الدين على غير مثال سابق؛ هذا مردود على صاحبة كما قال النبي ﷺ: مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ، فالشيء الذي ما عمله الرسول ﷺ، ولا الصحابة، ولا التابعين، ولا الأئمة لا تعمله، والشيء الذي لا قاله النبي ﷺ، ولا الصحابة، ولا التابعين؛ لا تقله، وشيء وسع النبي ﷺ، وسع الصحابة، وسع الأئمة تركه؛ ينبغي أنك تتركه، سبق قول: " قف حيث وقفوا القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفُّوا ".
ومن ذلك آية الصفات، وأحاديث الصفات، الصحابة يمرونها كما جاءت، والسلف، والأئمة، لا يتأولونها، فتأويلهم من البدع، من المحدثات في الدين؛ بل تمر آيات الصفات، وأحاديث الصفات، ويثبت لفظها ومعناها، أمَّا الكيفية؛ فإنها يوكل علمها على الله .
(المحقق)
قال : القصة أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد، ومن طريقه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد، ومن طريقه ابن قدامة في التوابين، وأخرجها الذهبي في سير أعلام النبلاء، والآجرى في الشريعة، وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية.
وقد رويت القصة من طريقين أحدهما مطول والآخر مختصر، وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الطريقة المختصرة للقصة: "هذه قصة مليحة وإن كان في طريقها من يجهل ولها شاهد" ثم ذكر لها الطريق المطول.
ويظهر من كلام الشيخ العثيمين حفظه الله أن في هذه القصة مبهمات أربعة الأدرمي، والمناظر له، والخليفة الذي حضر المناظرة، والبدعة التي جرت المناظرة بسببها ومن خلال التعرف على شخصية المُنَاظِر تتبين لنا بقية المبهمات:
الأول: الأدرمي: والذي نستطيع تأكيده أنه مُصَحَّف من الأذرمي واسمه أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي، روى عن وكيع وابن عيينه وابن مهدي وغيرهم، وروى عنه أبو داود والنسائي، ووثقه أبو حاتم، والنسائي، وهو صاحب القصة المذكورة كما جاء في المصادر التي وردت بها القصة وكما رجح غير واحد من أهل العلم فروى الخطيب في تاريخه، وابن الجوزي في المناقب: أن الحافظ أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي حدَّث بهذه المناظرة ثم قال: "الشيخ هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي" أ. هـ.
وقال الخطيب في تاريخه: وكان هارون الواثق بالله أشخص شيخا من أهل أذنه للمحنة، وناظر ابن أبي دُوَاد بحضرته، واستعلى عليه الشيخ بحجته فأطلقه الواثق ورده إلى وطنه، ويقال: إنه كان أبا عبد الرحمن الأذرمي أ. هـ.
وقال الحافظ في التهذيب بعد أن ذكر كلام الخطيب: قلت القصة مشهورة حكاها المسعودي وغيره، ورواها السياري في الألقاب بإسناد له قال فيه: إن الشيخ المناظر هو الأذرمي هذا أ. هـ.
وقال السمعاني في الأنساب في مادة: الأذرمي: بعد الألف وفتح الذال المعجمة وسكون الراء، وفي آخرها الميم، هذه النسبة إلى آذرم، وظني أنها من قرى أذنة بلدة من الثغر منها أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الآذرمي، ثم ترجم له وذكر مثل كلام الخطيب.
الثاني: المناظر له وهو أحمد بن أبي دُوَاد: القاضي الكبير أبو عبد الله أحمد بن فرج بن حريز الإيادي البصري البغدادي الجهمي عدو أحمد بن حنبل. كان داعية إلى خلق القرآن كانت له منزلة ومشورة عند الخليفة المأمون والمعتصم والواثق، وكان إلْبًا على الإمام أحمد يوم المحنة يقول: يا أمير المؤمنين اقتله هو ضال مضل.
الثالث: الخليفة الذي حضر المناظرة هو الواثق بالله هارون بن محمد "المعتصم بالله" ابن هارون الرشيد العباسي أبو جعفر من خلفاء الدولة العباسية بالعراق ولد ببغداد وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 227هـ، فامتحن الناس في خلق القرآن وسجن جماعة، والظاهر أنه تاب عن ذلك في آخر عمره كما جاء في سياق روايات القصة التي نحن بصدد الكلام عليها، ففي آخرها قال المهتدي بالله ابن الخليفة الواثق بالله: "فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت" أ. هـ.
وقد عنون الحافظ ابن قدامة في التوابين لهذه القصة بقوله: توبة الواثق بالله وابنه المهتدي بالله.
وقال الحافظ ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد: وقد روي أن الواثق ترك امتحان الناس بسبب مناظرة جرت بين يديه رأى بها أن الأولى ترك الامتحان، ثم ساق القصة بطولها.
(الشرح)
كمل الشرح.
(المتن)
مناظرة جرت عند خليفة بين الأدرمي وصاحب بدعة:
قال المؤلف حفظه الله: لم أطلع على ترجمة للأدرمي ومن معه، ولا أعلم نوع البدعة المذكورة، والمهم أن نعرف مراحل هذه المناظرة لنكتسب منها طريقًا لكيفية المناظرة بين الخصوم، وقد بنى الأدرمي رحمه الله مناظرته هذه على مراحل ليعبر من كل مرحلة إلى التي تليها حتى يفحم خصمه.
المرحلة الأولى: العلم فقد سأله الأدرمي هل علم هذه البدعة النبي ﷺ وخلفاؤه؟ قال البدعي: لم يعلموها وهذا النفي يتضمن انتقاص النبي ﷺ وخلفائه حيث كانوا جاهلين بما هو من أهم أمور الدين ومع ذلك فهو حجة على البدعي إذا كانوا لا يعلمونه؛ ولذلك انتقل به الأدرمي إلى:
المرحلة الثانية: إذا كانوا لا يعلمونها، فكيف تعلمها أنت؟! هل يمكن أن يحجب الله عن رسوله ﷺ وخلفائه الراشدين علم شيء من الشريعة ويفتحه لك؟ فتراجع البدعي وقال: أقوال قد علموها فانتقل به إلى:
المرحلة الثالثة: إذا كانوا قد علموها فهل وسعهم أي: أمكنهم ألا يتكلموا بذلك ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ فأجاب البدعي: بأنهم وسعهم السكوت وعدم الكلام فقال له الأدرمي: فشيء وسع رسول الله ﷺ وخلفاؤه لا يسعك أنت فانقطع الرجل، وامتنع عن الجواب؛ لأن الباب انسد أمامه.
فصوب الخليفة رأي الأدرمي ودعا بالضيق على من لم يسعه ما وسع النبي ﷺ وخلفاؤه.
وهكذا كل صاحب باطل من بدعة، أو غيرها فلا بد أن يكون مآله الانقطاع عن الجواب.
(الشرح)
وهذه مناظرة مفحمة لاشك رحمه الله، وقفت على إيش؟
الطالب: الصفات الذي ذكرها المؤلف من صفات الله تعالى.
الشيخ: نعم
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم
فمما جاء من آيات الصفات قول الله : وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك [الرحمن/27].
الصفات التي ذكرها المؤلف من صفات الله تعالى: ذكر المؤلف رحمه الله من صفات الله الصفات الآتية وسنتكلم عليها حسب ترتيب المؤلف.
الصفة الأولى: الوجه: الوجه ثابت لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن/27].
وقال النبي ﷺ لسعد بن أبي وقاص: إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا. متفق عليه.
وأجمع السلف على إثبات الوجه لله تعالى فيجب إثباته له بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهو وجه حقيقي يليق بالله.
وقد فسره أهل التعطيل بالثواب ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
(الشرح)
هذا الوجه من الصفات الثابتة لله ، كما في قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن/ 27]. وفي الحديث: إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا. ففي إثبات الوجه، إثبات الذات لله
والمعطلة منهم من فسر الوجه بالذات كما في الجلالين وفي غيرهم، يقول: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن/ 27]، يقول: ويبقى ذاته، وقصده من ذلك إنكار صفة الوجه.
الصواب: أن الآية فيها إثبات الوجه، وإثبات الذات لله ، وبعضهم يفسرها بالثواب، يقول: وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن/27]؛ يعني ثوابه، وشبهتهم في هذا: يقولون: إن هذا؛ إثبات الوجه لله يستلزم التشبيه للمخلوقات، ولأن هذا يستلزم التجزئة؛ يقول: لله أجزاء، وأعضاء، والله منزه عن الأبعاض حتى لا يقولوا، يقول: لو أثبت الوجه صار لله أجزاء وأعضاء، وصار بذلك مشابهًا للمخلوق، ففرارًا من ذلك أنكروا وجه، فسروا قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن/27]؛ أي ذاته.
فإذا قرأت في الجلالين وتفسيره لهذه الآية: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن/27]، يقول: أي ذاته؛ قصده من هذا إنكار الوجه؛ فهذا باطل، وبعضهم فسر الوجه بالثواب وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن/27]؛ يعني ثوابك؛ وكل هذا باطل.
والصواب: إثبات الوجه لله على ما يليق بجلاله وعظمته، فالله تعالى لا يشبه المخلوقين في شيء من صفاته، فالتعطيل منفي، والتشبيه منفي.
قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11]. وقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65]. وقال: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ [النحل/74]. وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص/4]؛ فالتمثيل منفي، الله تعالى لا يشابه أحدًا من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11].
(المتن)
قال ابن قدامة: وقوله : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة/64].
الصفة الثانية: اليدان: اليدان من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64].
وقال النبي ﷺ: يَمِينُ الله مَلْأى لا يَغِيضُها نَفَقَة سحَّاء اللَّيل والنَّهار إلى قوله: بِيَدِه الأُخْرى القَبْضُ يَرْفَعُ ويَخْفِضُ رواه مسلم، والبخاري معناه.
وأجمع السلف على إثبات اليدين لله فيجب إثباتها له بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهما يدان حقيقيتان لله تعالى يليقان به.
(الشرح)
فاليدان ثابتتان في القرآن والسنة؛ كما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64]. وقال سبحانه: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/75]؛ فاليدان ثابتان، حقيقتان، وقال النبي ﷺ: يَمِينُ الله مَلْأى لا يَغِيضُها نَفَقَة سحَّاء اللَّيل والنَّهار. وقال: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك/1]. وكان النبي ﷺ يحلف، يقول: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
إثبات اليد لله ، اليد: المراد بها الجنس، وهما يدان حقيقتان، وأهل العطيل بعضهم يفسر اليدان بالقدرة، وبعضهم يفسرها بالنعمة؛ وهذا باطل؛ لأن تفسيرها بالقدرة معناه لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/75]؛ يعني بقدرتي؛ فالقدرة مثنى. وكذلك النعمة بنعمتي؛ هذا باطل؛ لأن نعم الله كثيرة، ليست اثنتان؛ فيفسد المعنى.
والصواب الذي دلَّت عليه النصوص، والذي عليه أهل السنة والجماعة: إثبات اليدين لله ، كما يليق بجلاله وعظمته، يدان حقيقتان، لا يشابه أحد من خلقه، فتفسير اليد بالقدرة، أو بالنعمة؛ هذا هو سبيل أهل التأويل، وأهل التحريف.
وردت اليد مفردة تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك/1]، المراد بها جنس اليد، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [يس/71]؛ هنا الأيدي مجموعة ومضافة إلى ضمير الجمع، ليس المراد بها اليد هنا، المراد بها: القوة والقدرة آد يأيد مجموعة؛ لأنها جمعت، وأضيفت إلى ضمير الجمع، أما التثنية؛ فإن اليد جاءت مثنى مضافة إلى ضمير الرب لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/75]. بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة/ 64]؛ تثنية اليدين أضيفت إلى ضمير الواحد؛ وهو الله لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/75]، والآية الأخرى بَلْ يَدَاهُ؛ أضيفت إلى ضمير المتكلم، والآية الأخرى أضيفت إلى ضمير الغائب، فهما يدان حقيقتان، أما اليد المفرد؛ المراد بها جنس اليد، أَيْدِينَا: بقوتنا وقدرتنا.
(المتن)
وقد فسرها أهل التعطيل بالنعمة، أو القدرة، ونحوها، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن في السياق ما يمنع تفسيرهما بذلك قطعًا كقوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/ 75]. وقوله ﷺ: وَبِيَدِه الأُخْرَى القَبْضُ.
الأوجه التي وردت عليها صفة اليدين، وكيف نوفق بينهما:
الأول: الإفراد كقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك/1].
الثاني: التثنية كقوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة/64].
الثالث: الجمع كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [يس/71].
والتوفيق بين هذه الوجوه أن نقول: الوجه الأول مفرد مضاف، فيشمل كل ما ثبت لله من يد ولا ينافي الثنتين، وأما الجمع فهو للتعظيم.
(الشرح)
يعني المراد بالجنس، المراد يجنس اليد، فإذا ضممته إلى النص الآخر بَلْ يَدَاهُ؛ فبيَّن أن المراد بيداه، وهنا المراد الجنس.
(المتن)
وأما الجمع فهو للتعظيم لا لحقيقة العدد الذي هو ثلاثة فأكثر؛ وحينئذ لا ينافي التثنية على أنه قد قيل: إن أقل الجمع اثنان فإذا حمل الجمع على أقله فلا معارضة بينه وبين التثنية أصلًا.
وقوله تعالى إخبارًا عن عيسى أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة: 116].
(الشرح)
وهذه الآية في إثبات النفس لله ، وأن لله نفسًا حقيقية تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة: 116]. وقوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ [آل عمران/30]؛ فيه إثبات أن لله نفسًا، وهو له نفس، وهي قريب من معنى الذات؛ كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، والله تعالى، له نفس حقيقية، وله ذات حقيقية، كما في الحديث في قصة إبراهيم إنه لما كذب ثلاث كذبات يجادل بهن في ذات الله.
وقال خبيب لما قتل:
وَلَستُ أَبَالِي حِينَ أُقتَلُ مَسلِماً | عَلَى أَيِّ جَنبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصرَعِي |
وَذَلكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِن يَشَأ | يُبَارِك عَلَى أَوصَالِ شِلوٍ مُمَزَّعِ |
وذلك في ذات الإله؛ أثبت الذات، النفس المراد هنا إثبات النفس، وأن لله نفسًا حقيقية لا تشبه المخلوقين.
(المتن)
الصفة الثالثة: النفس؛ النفس ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام/].
وقال عن عيسى إنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة/116].
وقال النبي ﷺ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِه رواه مسلم.
(الشرح)
وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ [آل عمران/30]
(المتن)
(الشرح)
يعني ثبوت النفس لله .
(المتن)
فيجب إثباتها لله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وقوله سبحانه: وَجَاءَ رَبُّك [الفجر/22].
وقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة/210].
(الشرح)
وهذا فيه إثبات المجيء والإتيان لله، ومن الصفات الفعلية على ما يليق بجلال الله وعظمته، وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر/22]؛ يوم القيامة، هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [البقرة/210].
هذا من الصفات الفعلية، هو فعل يفعله سبحانه، كما يليق بجلاله وعظمته، المجيء والإتيان لا يشبه مجيء المخلوق، ولا إتيان المخلوق، نثبت المجيء، والإتيان، ولا نشبهه؛ لا نقول: إنه كمجيء المخلوق، كإتيان المخلوق، إنه يلزم منه الحركة، والانتقال، أو غيره، نقول: نثبت المجيء والإتيان لله على ما يليق بجلاله وعظمته.
(المتن)
الصفة الرابعة: المجيء؛ مجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: وَجَاءَ رَبُّك [الفجر/ 22]، وقوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة/210].
وقال النبي ﷺ: حَتَّى إِذَا لَم يَبقَ إِلَّا مَن يَعبُدُ اللَّهَ أَتَاهُم رَبُّ العَالَمِينَ متفق عليه.
(الشرح)
يعني في يوم القيامة حفظ الله الخلائق، في الحديث أن كل أمة ما تعبد، فمن كان يعبد الشمس، يتبع الشمس، من كان يعبد القمر يعبد القمر، من كان يعبد النجوم يعبد النجوم؛ فيلقون في النار وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تعالى؛ فيه إثبات الإتيان.
(المتن)
في حديث طويل وأجمع السلف على ثبوت المجيء لله تعالى، فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى.
وقد فسره أهل التعطيل بمجيء أمره ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
(الشرح)
أهل التعطيل يقولوا: جاء ربك؛ يعني جاء أمره؛ ولهذا تجد صاحب الجلالين عند تفسير الآية وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر/22]؛ أي أمره؛ وهذا تأويل.
الصواب: أن هذا وصف لله، وأن المجيء لله، يجيء الله بنفسه مجيئًا يليق بجلاله وعظمته لا يشبه المخلوقين.
(المتن)
وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى، وقد فسره أهل التعطيل بمجيء أمره ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
قال ابن قدامة: وقوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة/ 119].
(الشرح)
وهذا فيه إثبات الرضا لله ، وأنه صفة من صفات الله، كما يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه المخلوقين.
وأهل البدع فسروه بالثواب، قالوا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة: 119]؛ أي أثابهم؛ وهذا باطل، فالثواب أثر من أثر الرضا، ليس هو الرضا، الرضا صفة لله، ومن أثر الرضا الثواب، الله تعالى إذا رضي عليهم أثابهم، فالثواب أثر من أثار رضاه؛ وليس هو الرضا، فأهل البدع يفسرونه بالأثر، يقولون: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة: 119]؛ أي أثابهم؛ وهذا باطل، هذا تأويل للصفة، والصواب: إثبات صفة الرضا على ما يليق بجلاله، وعظمته، ومن أثر هذا الرضا الثواب.
(المتن)
الصفة الخامسة: الرِّضَى
الرِّضَا من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف؛ قال الله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة/ 119].
وقال النبي ﷺ: إنَّ الله لَيَرضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمِدَه عَلَيْهَا، أو يَشْرَبَ الشَّرْبَة فَيَحْمِدَه عَلَيْهَا. رواه مسلم.
وأجمع السلف على إثبات الرِّضَا لله تعالى، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهو رِضًا حقيقي يليق بالله تعالى، وقد فسره أهل التعطيل بالثواب ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
قال ابن قدامة: وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة/ 54].
(الشرح)
كذلك إثبات المحبة لله، وأن الله تعالى يوصف بالمحبة كما يليق بجلاله وعظمته، وقد فسرها أهل التعطيل بالثواب أيضًا، يحبهم: أي يثيبهم، والأشاعرة يفسرونها إما بالثواب، أو يفسرونها بالإرادة، يقولون: يحبهم؛ يعني يريد أن يحبهم، فالأشاعرة لا يثبتون إلا سبع صفات؛ الحياة، والكلام، والسمع، والبصر، والقدرة، والإرادة، والعلم، وليس منها المحبة، فالصفات الخارجة عن السبع يفسرونها إما بالإرادة، أو يفسرونها بأثر الصفة المحبة، يحبهم؛ أي يريد أن يحبهم، أو يثيبهم.
وأول من أنكر المحبة هو الجعد بن درهم؛ هو أول من تكلم في نفي الصفات الجعد بن درهم، أنكر صفتين:
الصفة الأولى: هي الخلة، والخلة: هي غاية المحبة، قال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، كلمتين فقط، لكن هاتان الصفتان ترجع إليهما بقية الصفات؛ لأن إنكار المحبة، وإنكار الخلة يستلزم الرسالات، والنبوات؛ لأن الرسالة والنبوة كلام، الله تعالى أرسل الرسل، وأنزل الكتب، فمن أنكر المحبة، فقد أنكر الرسالات، وكذلك شبهته في هذا من أنكر التكليم أنكر الرسالة، وكذلك إنكارهم للمحبة.
يقول الجعد: ليس هناك صلة بين القديم والمحدث، بين الخالق والمخلوق توجب المحبة؛ فقطع الصلة بين الله وبين عباده؛ ولهذا ضحى به خالد بن عبد الله القسري؛ أمير العراق والمشرق بواسط، كان هذا بفتوى من علماء زمانه، وأكثرهم من التابعين، وكان يخطب الناس، يصلي بالناس صلاة العيد على عادة الأمراء، صلى بالناس العيد وخطب في آخر الخطبة وقد أتى بالجعد مقيداً بالأغلال، وقال في نهاية الخطبة: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم؛ فإنه زعم إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، ثم نزل وذبحه بالسكين أمام الناس، فشكره العلماء ومن ذلك ابن القيم شكر في الكافية الشافية، قال:
ولِأَجلِ ذا ضَحَّى بِجَعدٍ خالِدُ | القَسرِيُّ يَومَ ذَبائِح القُربانِ |
إذ قالَ إبراهيمُ ليس خَليلَهُ | كلا وَلا مُوسى الكليمُ الدَّاني |
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صاحِبِ سُنَّةٍ | للَّه درُّكَ من أخي قُربانِ |
وكان إنكاره في صفتين؛ في الخلة: نهاية المحبة، والتكليم، وكان قد اتصل به الجهم، فالجهم توسع في عقيدة نفي الصفات، وأنكر الصفات، ونشر المذهب على نطاق أوسع، فنسب إليه المذهب فقيل: مذهب الجهمية، وإلا الأصل يقال مذهب الجعدية، لكن جعد قتل قبل أن يستفحل أمره.
(المتن)
الصفة السادسة: المحبة
المحبة من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة/54] . وقال النبي ﷺ يوم خبير: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. متفق عليه.
وأجمع السلف على ثبوت المحبة لله يحب ويحب، فيجب إثبات ذلك حقيقة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
(الشرح)
فمن قال: إن المحبة: الإرادة، أو الثواب فقد حرف؛ فهو من المحرفين.
(المتن)
وهي محبة حقيقية تليق بالله تعالى، وقد فسرها أهل التعطيل بالثواب والرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
قال ابن قدامة: وقوله تعالى في الكفار: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم [الفتح/6].
(الشرح)
كذلك إثبات الغضب لله كما يليق بجلاله وعظمته، فالغضب وصف يليق بجلال الله وعظمته لا يشبه غضب المخلوق، غضب المخلوق غليان دم القلب بطلب الانتقام، والله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين، فهو غضب يليق بجلاله وعظمته، من أثر الغضب الانتقام، وفي حديث الشفاعة: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وأهل البدع فسروا الغضب بالانتقام؛ وهذا غلط، هذا تحريف؛ لأن الانتقام أثر من آثار الغضب، فليس هو غضب أثر من آثار الصفة، والصواب الذي عليه المحققون؛ أهل السنة والجماعة: إثبات الغضب لله على ما يليق بجلاله وعظمته، وهو من الصفات الفعلية.
(المتن)
الصفة السابعة: الغضب؛ الغضب من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف، قال الله تعالى فيمن قتل مؤمنا متعمدًا: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء/93]. وقال النبي ﷺ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَاباٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي متفق عليه.
وأجمع السلف على ثبوت الغضب لله، فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو غضب حقيقي يليق بالله.
وفسره أهل التعطيل بالانتقام، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن الله تعالى غاير بين الغضب والانتقام فقال تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا [الزخرف/ 55]؛ أي: أغضبونا. انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف/55]. فجعل الانتقام نتيجة للغضب؛ فدل على أنه غيره.
قال ابن قدامة: وقوله تعالى: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد/28].
(الشرح)
قف على هذا، وفق الله الجميع لطاعته، اللهم صلى على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
(المتن)
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف حفظه الله تعالى:
وقوله تعالى: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد/ 28].
الشرح: الصفة الثامنة: السَخط، السخط من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع السلف، قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد/28].
وكان من دعاء النبي ﷺ: أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ الحديث رواه مسلم.
وأجمع السلف على ثبوت السخط لله، فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو سخط حقيقي يليق بالله.
(الشرح)
السخط صفة من صفات الله، من الصفات الفعلية أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ [المائدة/80]؛ قصة اليهود، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم [محمد/28].
جاء إثبات السخط في عدة آيات كما سمعنا، والسخط من الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، الله تعالى يسخط على العاصي وعلى الكافر، فهو من الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، وسخط الله ليس كسخط المخلوق؛ لأن صفات الخالق تليق به، وصفة المخلوق تليق به، فيجب إثباتها لله مع اعتقاد أن الله تعالى لا يماثل أحدًا من خلقه لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله ، كما قال تعالى: : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65]. وقَالَ سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى/11]. وقَالَ تعالى: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ [النحل/74].
(المتن)
(الشرح)
التفسير بالانتقام؛ هذا تفسير بأثر الصفة، والانتقام أثر الصفة، وليس هو الصفة، إذا سخط الله على العبد انتقم منه، الانتقام أثر من الصفة؛ وهذه عادة أهل التأويل؛ يفسرون الصفة بالأثر كما فسروا الغضب أيضًا بالانتقام، وفسروا الرضا بالثواب، فالثواب ليس هو الرضا؛ لأنه أثر الرضا، والانتقام ليس السخط وليس هو الغضب، بل هو أثر الصفة.
(المتن)
ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
وقوله تعالى: كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة/46].
الصفة التاسعة: الكراهة؛ الكراهة من الله لمن يستحقها ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف، قال الله تعالى: وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة/46].
(الشرح)
الكراهة كذلك من الصفات الفعلية، قال النبي ﷺ :إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، والكراهة من الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة، والاختيار، الله تعالى كره انبعاثهم؛ انبعاث المنافقين وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة/46].
وفي الحديث: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، فهي من الصفات الفعلية مثل السخط والغضب التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، وهي تليق بجلال الله وعظمته، لا يشبه الله تعالى مخلوق، كراهة المخلوق تليق به، وكراهة الخالق تليق به، فالخالق له صفات تليق به، والمخلوق له صفات تليق به.
(المتن)
وقال النبي ﷺ : إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، رواه البخاري.
وأجمع السلف على ثبوت ذلك لله، فيجب إثباته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهي كراهة حقيقية من الله تليق به.
(الشرح)
يعني لا تمثل بصفات المخلوق، ولا تحرف، ولا تؤول يقال: معناها الكراهة، معناها الانتقام، أو تفسر بشيء، لا تحرف، ولا تمثل؛ لا يقال: أنها تماثل كراهة المخلوق، ولا تحرف فيقال: إن معناها الانتقام، لا تحريف، ولا تمثيل، ولا تكييف، ولا يقال: إن كراهة الله كيفيتها كذا، قال: كذا، وعلى كذا، لا تكيَّف، ولا تحرَّف، ولا تمثَّل.
(المتن)
(الشرح)
يعني كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة/46]؛ قالوا: أبعدهم.
(المتن)
ومن السنة قول النبي ﷺ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
الصفة العاشرة: النزول؛ نزول الله إلى السماء الدنيا من صفاته الثابتة له بالسنة وإجماع السلف.
قال النبي ﷺ : يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ الحديث متفق عليه.
(الشرح)
وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة، التي بلغت حد التواتر رواها الشيخان؛ البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، وغيرهم.
وفيه إثبات النزول لله كما يليق بجلاله وعظمته، وهو من الصفات الفعلية، فيه: أن تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، يقول: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.
وهذا النزول نزول يليق بجلال الله وعظمته، لا يشبه المخلوق في نزوله، وهو فوق العرش، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وعظمته؛ لأن نزوله لا يشبه نزول المخلوق، فلا إشكال؛ لأنه فعل يفعله بمشيئته واختياره كما يليق بجلاله وعظمته، هو فوق العرش؛ لأن أدلة الفوقية، هو فوق خلقه فوق العرش مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وهو ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يخلو من العرش.
اختلف العلماء: هل يخلو من العرش؟
قال قوم: يخلو من العرش، وقال آخرون: لا يخلو، وتوقف آخرون؛ ثلاثة أقوال، والأرجح أنه لا يخلو من العرش، فهو فوق العرش، ولا إشكال في هذا؛ فأنت في أي مكان من الأرض إذا جاء ثلث الليل الآخر الله تعالى ينزل.
قد استشكل بعض الناس هذا؛ فقالوا: إن الليل يختلف في الكرة الأرضية، وأنه في جهة من الأرض يكون ثلث الليل، وفي جهة أخرى يكون النهار عندهم؛ فلا يزال الله ينزل في جميع أجزاء الليل؛ لأنه إذا انقضى ثلث الليل في هذه الجهة جاء ثلث الليل في الجهة الثانية، ثم جاء ثلث الليل في جهة ثالثة؛ فلا يزال الرب ينزل، هكذا استشكل بعض الناس؛ وهذا ناشئ عن كونهم شبهوا الخالق بالمخلوق، ما فهموا من نزول الخالق إلا ما يفهمون من نزول المخلوق؛ ولهذا أشكل عليهم، قال: كتب أبو العباس؛ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة عظيمة في هذا سماها: " شرح أحاديث النزول"؛ رد على هؤلاء. كتب هذا الكتاب العظيم شرح " أحاديث النزول " في مجلد، وبيَّن رحمه الله أن النزول صفة تليق بجلال الله وعظمته، وأن هذا الإشكال الذي قاله بعض الناس ناشئ عن كونهم شبهوا نزول الخالق مثل المخلوق؛ ولهذا أشكل عليهم، لكن نقول:إن الله ينزل كما يليق بجلاله وعظمته الله، لا نكيف، ما ندري كيفية النزول، وعلى هذا فالله ينزل كما يليق بجلاله وعظمته، فأنت في أي مكان في الدنيا إذا جاء ثلث الليل الآخر؛ هذا وقت التنزل الإلهي.
(المتن)
(الشرح)
قد أول بعض المعطلة قالوا ينزل أمره، قال بعضهم: ينزل ملك؛ هذا تأويل باطل، الصواب: أن الرب تعالى ينزل؛ لأن هذا وصف لله، ليس وصفا للملك، نزوله هو سبحانه، ليس نزول أمره، أمر الله ينزل في كل وقت، ليس مخصص لثلث الليل الآخر، يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة/5]؛ في كل وقت، بعضهم يقول: تنزل رحمته؛ هذا تأويل باطل رحمة الله في كل وقت تنزل، كل هذا من التأويل الباطل، قولهم، ينزل أمره، أو ينزل رحمته، أو ينزل ملك؛ كل هذا من أبطل الباطل؛ كل هذا باطل من تأويلات المعطلين، الصواب: أن الله هو الذي ينزل؛ هذا وصف لله، نزول يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه المخلوقين في نزولهم.
(المتن)
وهو نزول حقيقي يليق بالله.
وفسره أهل التعطيل بنزول أمره، أو رحمته، أو ملك من ملائكته، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع أن الأمر ونحوه لا يمكن أن يقول مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ... إلخ.
(الشرح)
لو كان الملك كما يقول: نزل ملك، هل الملك يستطيع أن يقول: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ. هل يمكن أن يقول ملك؟ هل يجرأ مخلوق أن يقول هذا الكلام؟ لا يمكن، هذا كلام الله، يقول: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ. هذا كلام الله، ما يمكن أن يقول ملك من الملائكة: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ ما يقدر أن يقول هذا مخلوق.
(المتن)
(الشرح)
هذا فيه إثبات صفة العجب كما يليق بجلاله وعظمته، من الصفات الفعلية أيضًا، ليس كعجب المخلوق.
وقوله:يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ. يعني الشاب الملتزم بطاعة الله، وليس له صبوة؛ انحراف؛ لأن الغالب أن الشباب له نزوة، فإذا التزم الشاب في طاعة الله؛ فهذا يعجب الله منه؛ كما في الحديث الآخر: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ وذكر منهم: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، فالعجب ثابت، وفي قراءة في آية: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُون [الصافات/12]، في قراءة بضم الباء بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ، وعلى هذه القراءة بَلْ عَجِبْتُ وفيها إثبات العجب لله في القرآن وفي السنة على قراءة بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ، وقراءة حفص المعروفة: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ؛ الخطاب للنبي ﷺ، لكن القراءة الأخرى: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ، الضمير يعود إلى الله، ففيه إثبات العجب في القرآن وفي السنة.
(المتن)
الصفة الحادية عشرة: العجب
العجب من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف؛ قال الله تعالى: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات/12]؛ على قراءة ضم التاء.
وقال النبي ﷺ: يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ. رواه أحمد وهو في المسند عن عقبة بن عامر مرفوعا وفيه ابن لهيعة.
وأجمع السلف على ثبوت العجب لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو عجب حقيقي يليق بالله.
وفسره أهل التعطيل بالمجازاة، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
والعجب نوعان:
أحدهما: أن يكون صادرًا عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه، ويتعجب منه؛ وهذا النوع مستحيل على الله؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء.
(الشرح)
هذا عجب المخلوق؛ هذا خاص بالمخلوق؛ لأن الله تعالى يعلم كل شيء، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، فلا يمكن أن يصف الله بهذا، هذا من وصف المخلوق الجاهل؛ لأن المخلوق مهما بلغ عنده نقص، عنده جهل، تخفى عليه بعض الأسباب، فإذا خفيت عليه بعض الأسباب، ثم بُلِّغ بشيء تعجب، واندهش.
(المتن)
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره، أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب وهذا هو الثابت لله تعالى.
وقوله: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ثُمَّ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ.
(الشرح)
الطالب: معنى مجازاة؟
الشيخ: مجازاة؛ يعنى أجازه، فالثواب يكون بالثواب، وبالعقاب، جازى على صنيعه، يَعْجَبُ رَبُّكَ؛ يعني يجازيهم، ويثيبهم، المجازاة هي الجزاء، الله تعالى يجازي العباد يوم القيامة بالثواب، وبالعقاب، فالثواب مجازاة، والعقاب مجازاة.
(المتن)
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:
قال المؤلف حفظه الله تعالى:
وقوله: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ثُمَّ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ.
الصفة الثانية عشرة: الضحك
الضحك من صفات الله الثابتة له بالسنة وإجماع السلف.
قال النبي ﷺ: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ثُمَّ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ. وتمام الحديث: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ. متفق عليه.
(الشرح)
هذا حديث ثابت عن النبي ﷺ، وفيه إثبات الضحك لله كما يليق بجلاله وعظمته، صفة الضحك، لكن ليس كضحك المخلوق، ضحك يليق بجلال الله، كما أن سمعه، وعلمه، وقدرته تليق به ، ولا يماثل أحدًا من خلقه في ذلك، فكذلك الضحك لا يشبه ضحك المخلوق، وفيه بيان الحديث: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ؛ يعني كافر ومسلم يقتتلان، فيقتل الكافر المسلم؛ فيكون المسلم شهيدا، ثم يتوب الله على الكافر فيسلم، ويموت على الإسلام؛ فكلاهما دخل الجنة القاتل والمقتول.
(المتن)
وأجمع السلف على إثبات الضحك لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهو ضحك حقيقي يليق بالله تعالى، وفسره أهل التعطيل بالثواب، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
(الشرح)
نعم، فسروه بالثواب؛ هذا تأويل باطل، الضحك غير الثواب، فالثواب أثر من أثار الضحك، فالله تعالى يثيبهم أثر، لكن الضحك وصف يليق بجلاله وعظمته، لا يكيَّف، وليس كضحك المخلوق، وليس هو الثواب، الضحك صفة من صفات الله، والثواب للمخلوق.
(المتن)
(الشرح)
هذا هو معتقد أهل السنة، والجماعة، فما ثبت من الصفات في القرآن، أو في السنة المطهرة في نقل العدول الثقات بسند صحيح؛ يجب إثباته لله، إثباتًا حقيقيًا، ولا يـتأول تأويلًا يخالف ظاهرة، ولا يشبه بصفات المخلوقين، بل نؤمن نثبت الصفة، وأنها صفة حقيقية لله اتصف الله بها كما يليق بجلاله وعظمته، لا يماثل أحدًا من خلقه، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11]
(المتن)
(الشرح)
فالتمثيل منفي بالنصوص قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65]. وقال تعالى: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ [النحل/74]. وقال تعالى: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص/4].
فالتمثيل باطل، الله تعالى لا يماثل أحدًا من خلقه، له صفات تليق به، وأسماء تليق به، والمخلوق له صفات وأسماء تليق به، كما أن الله تعالى له ذات لا تشبه ذات المخلوقين، فله صفات لا تشبه صفات المخلوقين.
(المتن)
(الشرح)
يعني كل شيء يخطر ببالك؛ تتخيله في صفات الله، الله تعالى بخلاف ذلك، تتخيل ذات الله على كيفية، تتخيل صفاته على كيفية، فالله بخلاف ذلك، الله تعالى لا يتخيل في الأذهان، ولا يمثل في الأذهان، هو لا يماثل أحدًا من خلقه، هو سبحانه فوق السماوات والعرش، بائن من خلقه، لا يشبه أحدًا من خلقه، ولا يمكن أن يشبه، كل ما يخطر ببالك من التشبيه، فالله بخلاف ذلك.
(المتن)
ومن ذلك قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]
الصفة الثالثة عشرة: الاستواء على العرش
استواء الله على العرش من صفاته الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف، قال الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/ 5].
(الشرح)
فالاستواء ثابت في القرآن العظيم في سبعة مواضع كلها صرح الله تعالى فيها بالاستواء، وأتى بكلمة على؛ التي تدل على العلو، ثم استوى على العرش؛ في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سور طه، وفي سورة الفرقان، وفي سورة السجدة، وفي سورة الحديد؛ في سبع مواضع كلها يذكر فيها الاستواء>
في آية الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف/54].
في سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد/2].
في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5].
في سور يونس: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس/3].
في سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان/59].
في سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة/4].
في سورة الحديد كذلك: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ [الحديد/3-4].
كلها فيها تصريح بالاستواء على العرش بكلمة على التي تدل على العلو الارتفاع، والسنة جاء فيه ذلك.
ومع ذلك أنكر أهل التعطيل، وأهل التحريف الاستواء، تأولوه، بعضهم قال: المراد بالاستواء: الغلبة، والاستيلاء؛ هذا من أبطل الباطل.
الاستواء معناه في اللغة: الاستقرار، والصعود، والعلو، والارتفاع؛ كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، لما مالك سأله رجل، وهو في الحلقة، قال: يا أبا عبد الله، يقول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]، كيف استوى؟ فأطرق مالك وعلته الرحضاء العرق، ثم نظر إلى الرجل، فقال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا رجل سوء"، فأمر به فأخرج من مجلسه؛ لأنه رجل مبتدع؛ وهذا يقال في جميع الصفات، الاستواء معلوم؛ يعني معناه معلوم في اللغة العربية، فسره العلماء بهذه الكلمات الأربع: استقر، وعلى، وارتفع، وصعد. وعبارات المفسرين تدور على هذه المعاني الأربع، أما كيفية الاستواء فلا يعلمها إلا الله، الاستواء معلوم في اللغة العربية، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ وهذا يقال في جميع الصفات، يقال: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
الطالب: المعنى اللغوي؟
الشيخ: المعنى اللغوي معروف؛ أربع عبارات للعلماء؛ استقر، وعلا، وارتفع، وصعد، أما الكيفية فلا يعلمها إلا الله.
(المتن)
(الشرح)
كتب هذا الكتاب وهو عند العرش: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي. وهذا الكتاب له فوقية خاصة، استثنى، وفيه إثبات الرحمة والغضب لله، وأن رحمة الله تغلب غضبه، يقول: وهو عنده فوق العرش؛ إثبات العلو، وأن الله تعالى فوق العرش.
(المتن)
(الشرح)
وهذا حديث له شواهد وإن كان به علة، فيه إثبات أن الله تعالى فوق العرش، وأدلة أن الله تعالى فوق العرش كثيرة من القرآن العزيز، ومن السنة المطهرة، وأدلة إثبات العلو، وأن الله فوق عرشه، وفوق السماوات تزيد على ثلاث آلاف دليل، فهذا الحديث وإن كان فيه علة، لكن له شواهد كثيرة، صرح الله تعالى بأنه استوى على العرش في سبع مواضع من كتابه كلها بلفظ استوى، وكلها ذكر فيها على؛ التي تدل على العلو والارتفاع؛ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4]. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام/18]. يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل/50]. وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة/255]. سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى/1]. تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج/4]. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر/10]. إِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران/55]. تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمُ [غافر/2]. تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت/2]. يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ كل هذه أدلة كثيرة، كلها فيها إثبات العلو، وأن الله تعالى فوق السماوات، وفوق العرش، فالله تعالى فوق المخلوقات مستوٍ على عرشه بائن من خلقه، وهذا من هذا، فالحديث وإن كان فيه علة، إلا أن له شواهد كثيرة، هل تكلم عن العلة؟ ماذا قال عليه؟
(المحقق)
قال: حديث ضعيف: أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه، وابن ماجه، والحاكم في المستدرك، وعثمان الدارمي في الرد على الجهمية، وفي الرد على المريسي، وابن أبي عاصم في السنة، وابن خزيمة في التوحيد، والآجرى في الشريعة، وذكر غيره في أسماء، فقال: والمزي في تهذيب الكمال، وغيرهم من طرق عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب فذكره. وسنده ضعيف فيه أكثر من علة:
الأولى: تفرد سماك بروايته، وإذا نظرنا إلى حديث سماك حال الانفراد وجدناه لا يحتج به إذا انفرد، ففي التهذيب: قال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان يلقن فيتلقن أ. هـ، وهذا جرح بين واضح من إمام ناقد وقد انفرد سماك في حديثه بذكر صفة حملة العرش.
الثانية: جهالة عبد الله بن عميرة، وقد أعل الحافظ الذهبي حديثه هذا في العلو بجهالته. وفي الميزان له قال: فيه جهالة. أ. هـ، وقد قال الإمام البخاري: لا يعرف له سماع من الأحنف بن قيس، كذا في التاريخ الكبير.
الثالثة: نكارة المتن: فقد أشار أخونا المكرَّم عبد الله بن يوسف في تعليقه على (فتيا وجوابها) لابن العطار: أن في سياق المتن نكارة من وجهين:
1- تشبيه الملائكة بالتيوس، فإن الأوعال جمع وعل، وهو تيس الجبال، وإن كان هذا اللفظ يستعار للأشراف من الناس، فإنه ههنا على الأصل بقرينة ذكر الأظلاف فإنها من خواص ما يجتر من الحيوان.
(الشرح)
المقصود أن هذا الحديث معروف كلام العلماء فيه؛ لكن لهم شواهد، والأدلة في إثبات العلو كثيرة، ولو لم يصح هذا الحديث، فالأدلة كثيرة لا حصر لها.
(المتن)
(الشرح)
معناه؛ يعني في اللغة العربية؛ هذا الاستواء معلوم، لكن الكيف هو المجهول، الاستواء معناه: العلو، والاستقرار، والصعود، والارتفاع؛ هذه معاني الاستواء في اللغة العربية، وتدور عليها تفاسير المفسرين، الاستقرار، والعلو، والارتفاع، والصعود؛ قد استقرَّ، وقد علا، وارتفع، وصعد؛ هذه العبارات الأربع تدور على تفاسير السلف في الاستواء، وتدور على كلام المفسرين؛ هذا معنى قول الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم؛ يعني معناه العلو، والارتفاع، والاستقرار، والصعود، أما الكيف مجهول، كيفية استوائه على العرش مجهولة، أما استواء المخلوق تعرف استواءه، استواؤك أنت جلوسك على الدابة، أما استواء الرب؛ فلا يشابه استواء المخلوق؛ لأن الرب لا يشابه خلقه في شيء من صفاتهم، لا يماثل أحدًا من خلقه، قال سبحانه: : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65]. وقَالَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11]. وقَالَ: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل/74]. فالله تعالى لا يماثل أحدًا من خلقه لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أسمائه ، فلا يكيف.
(المتن)
وقد فسره أهل التعطيل بالاستيلاء، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
ونزيد وجها رابعًا: أنه لا يعرف في اللغة العربية بهذا المعنى.
ووجهًا خامسًا: أنه يلزم عليه لوازم باطلة مثل: أنّ العرش لم يكن ملكًا لله، ثم استولى عليه بعد.
(الشرح)
فتأويل الاستواء بالاستيلاء؛ هذا تأويل المعطلة، قد ردَّ عليهم شيخ الإسلام رحمه الله باثنا عشرة وجهًا في مجموع الفتاوى، وردَّ عليه ابن القيم في الصواعق باثنين وأربعين وجه، إبطال تأويلهم الاستواء بالاستيلاء، ومن ذلك أنه لا يعرف في اللغة العربية، الاستواء باستولى، وأنكر هذا أكابر أهل اللغة؛ الخليل بن أحمد، وابن الأعرابي، وغيرهم سئلوا، هل جاء في اللغة العربية تفسير استوى باستولى؟ فقالوا لا يعرف ذلك، وكذلك أيضًا يلزم عليهم ملازيم فاسدة يلزم عليهم المغالبة، الاستيلاء إنما تقال في المغالبة، والله تعالى لا يغالب أحد في العرش، ولا في غيره، ولا يقال: استولى إلا فيمن كان عاجزًا، ثم غلب، والعرش لا يغالب الله في وقت من الأوقات؛ فهذه كلها معاني باطلة لازمة للاستيلاء.
(المتن)
(الشرح)
العرش في اللغة: عبارة عن سرير الذي للملك، يكون مرتفعًا عن غيره، قال الله تعالى عن بلقيس: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل/23]. وقال عن يوسف : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ [يوسف/100]. وقال ابن عباس : والاشتقاق اللغوي يشهد له، قال تعالى: مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ [الأنعام/141].
فالشجر المعروشات: ما قامت على الساق، وغير المعروشات: ما كان منبطحا على الأرض، فمادة العين، والراء، والشين؛ تدل على الارتفاع، فالشجر المعروش: ما قام على ساق، وغير المعروش: ما كان منبطحا على الأرض، فالعرش: سرير الملك، سمي عرشًا لارتفاعه عليه، وأن سرير الملك يكون أعلى من غيره؛ ولهذا قال سبحانه لبلقيس: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل/23]. وقال عن يوسف : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ [يوسف/100].
هذا معناه في اللغة، فالمراد بالعرش في النصوص: سرير عظيم، له قواعد، تحمله الملائكة، (..) عن العالم، أضافه الرب إلى نفسه في قوله: اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل/26]، هو سقف هذا العالم سرير عظيم ذو قوائم تحمله الملائكة (..) عن العالم هو سقف هذه المخلوقات وأعلاها.
الطالب: (..)؟
الشيخ: هذا الحديث فيه ضعف، لكنه على صحته فسره العلماء أن هذا باختلاف السير، السائر إذا كان بطيئًا يكون خمس مائة، وإذا كان مجدًا يكون إحدى، فسره العلماء باختلاف السير، السير يختلف في سير سريع، وسير بطيء؛ هذا على إذا صح، مع أن الحديث فيه ضعف.
(المتن)
(الشرح)
أعلاها وأكبرها وسقفها؛ هو سقف هذه المخلوقات، ليس فوقه إلا الله ، فهذا العالم سقفه ونهايته عرش الرحمن، انتهى العالم، العالم نهاية سقفه عرش الرحمن، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات؛ بعد أن تنتهي المخلوقات التي سقفها ونهايتها عرش الرحمن، الله تعالى فوق العرش مستوي على عرشه بائن من خلقه؛ الرب بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من خلقه، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته ، بل هو فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات التي هي نهايتها، وسقفها عرش الرحمن الله تعالى فوق العرش بائن من خلقه، مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، فالله سبحانه ليس بحاجة إلى العرش ولا لغيره، فهو الحامل للعرش، ولحملة العرش بقوته، وقدرته، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر/41].
فالله سبحانه استوى العرش ليس لحاجة إليه، فليس محتاجا سبحانه إلى أحد، هو سبحانه الغني الحميد؛ وغني عن العالم، إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، هو غني عن العرش، وعن جميع المخلوقات، وهو الحامل للعرش، ولحملة العرش بقوته وقدرته .
ولا قيام لهذه المخلوقات إلا به ، فهو القائم بنفسه، المقيم لغيره ، هو الحي القيوم، هذه المخلوقات؛ السماوات والأراضين، والعرش، وحملة العرش، وجميع ما في هذا الكون، النجوم، والكواكب، والسماوات والأراضين، والبحار، والأشجار، والطيور، والحشرات، والآدميين، والجن، والإنس، والملائكة، وغيرهم؛ كلهم لا قيام لهم إلا بالله ، هو سبحانه القائم بنفسه، المقيم لغيره، هو الذي يدبر شؤونهم، الخالق لهم، يرزقهم، ويتصرف فيهم كما يشاء، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ يخلق، ويرزق، ويميت، ويحي، ويعز، ويذل، ويمرض، ويسقم، ويقبض، ويخفض، ويرفع ، وهو الحاكم بين عباده بشرعه الذي أنزله على أنبيائه، وهو يحكم بينهم يوم القيامة بنفس الكلمة يجازيهم، ويحاسبهم.
(المتن)
(الشرح)
كل هذه أوصاف للعرش؛ كريم، ومجيد، اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل/26]. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج/15]. رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون/116].
(المتن)
(الشرح)
نعم، والكرسي غير العرش؛ هذا هو الصواب، وهو موضع قدمين للرب ، وهو (..) بالنسبة للعرش، وجاء عن بعض العلماء أن الكرسي هو العرش، لكنه قول ضعيف، وقيل: إن الكرسي هو العلم؛ وهذا قول باطل ليس بصحيح؛ لأنه تعالى قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة/255].
والصواب: أن الكرسي غير العرش، ونسبة السماوات والأرضين إلى الكرسي كحلقة في فلاة من الأرض، ونسبة الكرسي إلى العرش كحلقة في فلاة بالنسبة له، الكرسي مخلوق عظيم، فالسماوات والأرضين بالنسبة إليه شيء قليل، ومع ذلك الكرسي إلى العرش شيء قليل.
(المتن)
(الشرح)
وهذا ثابت عن ابن عباس بسند صحيح، قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله.
(المتن)
لقول ابن عباس : الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره. رواه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وقوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك/16].
الصفة الرابعة عشرة: العلو؛ العلو من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
(الشرح)
أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 16]؛ فيه إثبات العلو، وأن الله تعالى في العلو؛ لأن السماء يراد بها العلو، وكل شيء سما فهو السماء، وصفة السماء على الطباق المبنية، أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 16]؛ فإذا أريد بالسماء العلو تكون في للظرفية، وإذا أريد بالسماء الصفات المبنية تكون في بمعنى على أأمنتم من على في السماء أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير [الملك/16-17]. وفي الحديث: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ. وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف/84].
ففي هذا إثبات العلو، وأن الله تعالى في العلو، وله أعلى العلو وهو ما فوق العرش.
(المتن)
(الشرح)
وهذه الآية أيضًا فيها إثبات العلو، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة/255]. إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى/51]. وفي قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى/1]. أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 16]. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر/10]. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ [النساء/158]. تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمُ [غافر/2]؛ كل هذه النصوص فيها إثبات للعلو.
(المتن)
(الشرح)
وهذا فيه إثبات العلو سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى .
(المتن)
(الشرح)
وهذا أجمع عليه أهل السنة والجماعة، لكن المعطلة لا عبرة بخلافهم، فهم مسبوقون بإجماع الصحابة، والتابعين، والأئمة، أجمعوا على أن الله في العلو؛ فوق خلقه، وأنه مستوى على عرشه بائن من خلقه ، فوق سماواته مستوٍ على عرشه بائن من خلقه.
(المتن)
وهو علو حقيقي يليق بالله.
وينقسم إلى قسمين:
1- علو صفة: بمعنى أن صفاته تعالى عليا ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ودليله ما سبق.
2- وعلو ذات: بمعنى أن ذاته تعالى فوق جميع مخلوقاته ودليله مع ما سبق:
(الشرح)
العلو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: علو الذات. وعلو القدر. وعلو القهر.
التقسيم ليس قسمين كما ذكر المؤلف، بل هو ثلاثة أقسام، علو الذات: أي ذاته علية فوق العرش، وعلو القدر، والعظمة، والشأن، وعلو القهر، والغلبة، والسلطان، فالله تعالى موصوف بأنواع العلو الثلاثة كلها؛ كما قال ابن القيم رحمه الله:
وَالفَوقُ أَنوَاعٌ ثَلَاثٌ كُلُّهَا | للَّهِ ثَابِتَةٌ بِلَا نُكرَانِ |
فوقية الذات، وفوقية القهر، وفوقية القدر، وقد وافق أهل التعطيل على نوعين من العلو، وخالفوا في واحد؛ أثبتوا لله علو القدر، والعظمة، والشأن، وعلو القهر، والغلبة، والسلطان، وأنكروا علو الذات الخلاف بينهم وبين أهل السنة في علو الذات، وأهل السنة يثبتون الأنواع الثلاثة كلها لله كما قال ابن القيم:
وَالفَوقُ أَنوَاعٌ ثَلَاثٌ كُلُّهَا | للَّهِ ثَابِتَةٌ بِلَا نُكرَانِ |
ثلاثة أنواع؛ علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، وأهل التعطيل أولوا النصوص التي فيها إثبات علو الذات، وحملوها على علو القدر والقهر، وأولوها على علو القدر أو على علو القهر.
(المتن)
ودليله مع ما سبق، قوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك/16] .
وقول النبي ﷺ: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ.... الحديث رواه أبو داود، وفيه زيادة ابن محمد، قال البخاري: منكر الحديث
(الشرح)
اقرأ التعليق.
(المحقق)
حديث ضعيف: وله إسنادان:
الأول: من طريق زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء.
الثاني: رواه أحمد من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن الأشياخ عن فضالة بن عبيد الأنصاري، قال: علمني رسول الله ﷺ رقية وأمرني أن أرقي بها.. فذكره.
وإسناده ضعيف ففيه جهالة وضعف: أما الجهالة ففي قوله: عن الأشياخ وأما الضعف فأبو بكر بن أبي مريم ضعيف مختلط.
(الشرح)
قد يقال: إن أحدهما يشد الآخر، حديث ضعيف شديد الضعف، وأحدهما يقوي الآخر.
(المتن)
(الشرح)
وهذا الثاني في صحيح مسلم حديث الجارية: أَيْنَ اللَّهُ؟ قالت: في السماء، قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. فهو دليل على العلو من وجهين:
الوجه الأول: أنه قال: أَيْنَ اللَّهُ؟ السؤال عن الله بأين؛ يدل على أن الله له مكان وهو في العلو.
وأهل البدع ينكرون هذا، يقولون: لا يسأل عن الله بأين، ويقولون: معنى أَيْنَ اللَّهُ؟ يعني من الله؛ هكذا يقولون، ويقولون: إن النبي ﷺ سال الجارية الأعجمية سألها سؤالًا فاسدًا على مقدار عقلها هي ما تفهم إلا هذا، وأقرها على جواب فاسد؛ وهذا من أبطل الباطل. يقولون: إن الرسول ﷺ سأل سؤالًا فاسدًا، وأقراها على جواب فاسد نعوذ بالله؛ هكذا حملهم التأويل الباطل على هذا، يقولون: لا يسأل عن الله بأين؛ لأن أين إنما يسأل بها عن المكان، والله ليس له مكان، لو كان في العلو لكان متحيزا، قالوا: هو في كل مكان نعوذ بالله؛ وهذا من أبطل الباطل.
الرسول ﷺ أفصح الناس لا يعرف يقول من الله؟ هم يقولون: معنى أين: من الله، لكن لأنها ما تفهم، فقال لها أَيْنَ اللَّهُ؟ فقالت: في السماء، أقرها على جواب فاسد؛ لأن هذا هو الذي يناسب فهمها حتى لا يقتلوها؛ وهذا من أبطل الباطل، وهذا الحديث في صحيح مسلم، وهو دليل على أن الله في العلو في موضعين:
الموضع الأول: السؤال عن الله بأين.
والثاني: لما قالت: في السماء، قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. شهد لها بالإيمان عليه الصلاة والسلام.
(المتن)
قال ابن قدامة: رواه مالك بن أنس ومسلم، وغيرهما من الأئمة.
وقال النبي ﷺ لحصين: كَم إِلهًا تَعبُدُ؟ قال سبع؛ ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: مَن لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قال: الذي في السماء قال: اترُك السِّتَةَ وَاعبُد الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَأَنَا أُعّلِّمُكَ دَعوَتَينِ، فأسلم وعلمه النبي ﷺ أن يقول: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَقِنِي شَرِّ نَفْسِي.
وفيما نقل من علامات النبي ﷺ.
(الشرح)
هذا لما قال لحصين: كَم تَعبُدُ؟ قال: سبع؛ ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: مَن لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قال: الذي في السماء قال: فَاعبُد الَّذِي فِي السَّمَاءِ وَاترُك السِّتَةَ ثم علمه دعوتين: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَقِنِي شَرِّ نَفْسِي. إيش قال عن تخريج الحديث؟
(المحقق)
حديث ضعيف: أخرجه ابن قدامة في العلو، ومن طريقه الذهبي في العلو للعلي الغفار من طريق رجاء بن محمد البصري حدثنا عمران بن خالد بن طليق حدثي أبي عن أبيه عن جده.. مطولًا، وقال الذهبي: عمران يعني ابن خالد ضعيف.
والحديث في إسناده خالد بن طليق قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي، كما في لسان الميزان لابن حجر.
والحديث رواه ابن خزيمة في التوحيد عن رجاء به وكذا عزاه ابن حجر في الإصابة كما ذكر الشيخ العثيمين حفظه الله.
(الشرح)
نعم لكن له شواهد.
(المتن)
يقول المحقق: ورد ذلك ضمن أثر أخرجه ابن قدامة في العلو بإسناده إلى عدي بن عميرة بن فروة المعبدي، والقصة في الإصابة في ترجمة عدي بن عميرة، وذكرها الذهبي في العلو وقال: هذا حديث غريب.
قال: وروى أبو داود في سننه أن النبي ﷺ قال: إِنَّ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةَ كَذَا وَكَذَا... وذكر الخبر إلى قوله: وَفَوقَ ذَلِكَ العَرشُ، وَاللَّهُ سُبحَانَهُ فَوقَ ذَلِكَ فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله.
(الشرح)
وهذا وإن كان في إسناده بعض الضعف، إلا أنه له شواهده كثيرة، في العلو الشواهد كثيرة.
(المتن)
(الشرح)
فنصوص العلو تزيد على ثلاثة آلاف دليل، فهي كثيرة، فإذا كان في بعضها ضعف واحد، أو اثنين، أو ثلاثة لا يضر، فأدلة العلو كثيرة.
(المتن)
لم يتعرضوا لرده، ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله.
قال: سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]، كيف استوى؟
وقول النبي ﷺ: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ. الحديث رواه أبو داود وفيه زيادة ابن محمد، قال البخاري: منكر الحديث.
وقوله ﷺ للجارية: أَيْنَ اللَّهُ؟ قالت: في السماء، قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ رواه مسلم في قصة معاوية بن الحكم.