(المتن)
وقوله ﷺ للجارية: أَينَ اللَّهُ؟ قالت: في السماء، قال: أَعتِقهَا فَإِنَّهَا مُؤمِنَةٌ رواه مسلم في قصة معاوية بن الحكم.
وقوله ﷺ لحصين بن عبيد الخزاعي والد عمران بن حصين: اترُك السِّتَّةَ، وَاعبُد الَّذِي فِي السَّمِاءِ. هذا هو اللفظ الذي ذكره المؤلف، وذكره في الإصابة من رواية ابن خزيمة في قصة إسلامه، بلفظٍ غير هذا وفيه قال النبي ﷺ لحصين حين قال: ستةٌ في الأرض وواحدًا في السماء.
وأجمع السلف على ثبوت علو الذات لله، وكونه في السماء.
(الشرح)
ستة، اترُك السِّتَّةَ، اترك الستة التي تعبدهم.
(المتن)
وأجمع السلف على ثبوت علو الذات لله، وكونه في السماء، فيجب إثباته له من غير تحريفٍ، ولا تعطيل، ولا تكييفٍ، ولا تمثيل.
وقد أنكر أهل التعطيل كون الله بذاته في السماء، وفسروا معناها: أن في السماء ملكه، وسلطانه، ونحوه، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
وبوجهٍ رابع: أن ملك الله وسلطانه في السماء، وفي الأرض أيضًا.
وبوجهٍ خامس: وهو دلالة العقل عليه؛ لأنه صفة كمال.
وبوجهٍ سادس: وهو دلالة الفطرة عليه؛ لأن الخلق مفطورون على أن الله في السماء.
قال الشارح: المعنى الصحيح لكون الله في السماء: أن الله تعالى على السماء، ففي: بمعنى على، وليست للظرفية؛ لأن السماء لا تحيط بالله، أو أنه في العلو فالسماء بمعنى العلو.
(الشرح)
هذا كلام من؟
(المتن)
قال:
(الشرح)
الصواب: أن لها معنيان في هذا، الصواب أن في: للظرفية، هذا هو الصواب، وهذا هو الأصل، في للظرفية بمعنى في العلو، فليس معنى ذلك أن السماء تحيط بالله، بل المراد بالسماء: المراد بها العلو، فتكون في على بابها؛ هذا هو الأصل.
والمعنى الثاني: أن في بمعنى على إذا وجد بالسماء طباقًا مبنية، هذا المعنى المعروف، لكن المعنى الأول هو الأصل، الذي تدل عليه اللغة؛ أن السماء بمعنى العلو، وفي تكون على بابها، ومعنى في السماء: يعني في العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو فوق العرش؛ هذا هو الأصل، وهذا هو الصواب.
والمعنى الثاني: إذا فسرت بالسماء بالطباق المبنية؛ كانت في بمعنى على، معنيان.
(المتن)
قال الشارح رحمه الله:
قال:
تنبيه: ذكر المؤلف رحمه الله أنه نقل عن بعض الكتب المتقدمة؛ أن من علامات النبي ﷺ، وأصحابه أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أن إلههم في السماء، وهذا النقل غير صحيح؛ لأنه لا سند له، ولأن الإيمان بعلو الله، والسجود له لا يختصان بهذه الأمة، وما لا يختص لا يصح أن يكون علامة، ولأن التعبير بالزعم في هذا الأمر ليس بمدح؛ لأن أكثر ما يأتي الزعم فيما يشك فِيهِ.
أما جواب الإمام مالك بن أنس بن مالك.
(الشرح)
الإمام مالك رحمه الله له عبارة يقول فيها، لما سُئل عن الاستواء، عبارة أخذها العلماء وتلقوها بالقبول، لما سُئل عن الاستواء، قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
فهذا الكلام تلقاه العلماء بالقبول، وهي تجري في جميع الصفات، لما جاء رجل سأل الإمام مالك، قال: يا مالك الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ فسكت الإمام مالك حتى علته الرحضاء، ثم نظر إليه فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). ثم أمر به فأخرج.
(الاستواء غير مجهول)؛ يعني معلوم، معلوم المعنى في اللغة العربية، الاستواء: بمعنى الاستقرار، والصعود، والارتفاع، استقر، وعلا، وارتفع، وصعد. للعلماء أربع عبارات، الاستواء له أربعة معاني في اللغة العربية، وعليه تدور تفاسير السلف: (استقر، وصعد، وعلا، وارتفع)، هو معلوم المعنى باللغة العربية.
(والكيف غير معقول)؛ يعني غير معلوم، ما نعلم كيفيته، كيفية استواء الرب، (والإيمان به واجب)؛ الإيمان بالصفة واجب. (والسؤال عن الكيفية بدعة)، ثم قال: لا أراك إلا رجلًا سوء، فأمر به فأُخرج.
وروي عنه أنه قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، والمعنى واحد، الاستواء معلوم؛ هو بمعنى غير مجهول، والكيف مجهول؛ هو معنى قوله: الكيف غير معقول.
وروي هذا أيضًا عن أم سلمة، وروي عن ربيعة شيخ الإمام مالك، وهذا يقال في جميع الصفات، من سأل عن اليد، عن مثلًا الرجل، عن الغضب، عن الرضا، يقال فيها مثل ما قال الإمام مالك، الغضب معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. عن المحبة، عن الإرادة، تقول: (الإرادة معلومة، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنها بدعة)، وهكذا يقال في كثير الصفات.
(المتن)
صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
فصلٌ كلام الله تعالى
ومن صفات الله تعالى أنه متكلمٌ بكلامٍ قديم، يسمعه من شاء من خلقه، سمعه موسى من غير واسطة، وسمعه جبريل ، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة، ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء/164]؛ وقال سبحانه: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي [الأعراف/144]. وقال سبحانه: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة/253]؛ وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى/151]. وقال سبحانه: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه/11-12]، وقال سبحانه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه/14]. وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله.
وقال عبد الله بن مسعود : «إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء»، وروي ذلك عن النبي ﷺ.
وروي عبد الله بن أنيس عن النبي ﷺ، أنه قال: يَحْشُرُ الله الخلائِقَ يوْمَ القيامَةِ عُرَاةً حُفاةً غُرْلاً، فَيُنَادِيهم بصوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الملِكُ، أنَا الدَّيَّانُ رواه الأئمة، واستشهد به البخاري.
وفي بعض الآثار: «أن موسى ليلة رأى النار فهالته، ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى، فأجاب سريعًا استئناسًا بالصوت، فقال: لبيك لبيك، أسمع صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى».
(الشرح)
صفة الكلام من الصفات العظيمة؛ التي شد فيها النزاع بين أهل السنة، وبين المخالفين لهم من أهل البدع، فهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن أثبتها؛ فهو من أهل السنة، ومن نفاها؛ فهو من أهل البدع.
وكذلك صفة العلو، والاستواء، والرؤية، هذه الصفات هي من العلامات الفارقة بين أهل السنة، وبين أهل البدع، من أثبت الكلام، والرؤية، وعلو الله فوق خلقه؛ فهو من أهل السنة، ومن نفاه فهو من أهل البدع.
وهذه النصوص التي نقولها كلها دليل على أن الله تعالى تكلم بكلامٍ بحرفٍ وصوت.
وكلام الله نوعان:
النوع الأول: يسمع بغير واسطة، كما سمع موسى عليه الصلاة والسلام، سمع كلام الله كلمه، ولهذا اصطفاه الله، قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف/144]. وكما سمعه جبرائيل بدون واسطة، وكما سمعه نبينا ﷺ ليلة المعراج، أن الله كلمه بدون واسطة، فرض عليه الصلاة خمسين صلاة.
والنصوص في هذا كثيرة، فيها النداء، والنداء لا يكون إلا بحرفٍ وصوت، وفي حديث عبد الله بن أنيس يُنَادَى بِصَوْتٍ، وفي الحديث الآخر أن الله تعالى ينادي لو أتى به المؤلف كان أولى في الصحيحين أن الله تعالى ينادي آدم يوم القيامة يقول: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، يَقُولُ: أَخرِج بَعثَ النَّارِ، فيقول: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. يعني إلى النار وواحد إلى الحنة.
فَيُنَادِيهم بصوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، وهذا لا يكون لغير الله، كلام، كلام الله يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، بخلاف كلام المخلوق؛ فإن القريب يسمعه، والبعيد لا يسمعه.
وقد نفى صفة الكلام للجهمية والمعتزلة، وغيرهم من أهل البدع أنكروها، قالوا: إن الله لا يتكلم، قالوا: إن يلزم من الكلام التشبيه، وإن الله يشبه المخلوقين؛ هذا من أبطل الباطل.
والأشاعرة أثبتوا الكلام على غير وجهه، قالوا: إن الكلام معنى ليس بحرفٍ ولا صوت، وقالوا: إن القرآن هذا عبارة عن كلام، ليس هو كلام الله، المصحف ليس كلام الله عند الأشاعرة، وإذا قالوا: كلام الله، قالوا: أرادوا بذلك المجاز، قد يقولون: المصحف فيه كلام الله، وعند المناقشة يقولوا: نحن قصدنا من قولنا: كلام الله يعني مجازًا؛ لأنه تأدى به كلام الله، أما كلام الله معنى قائم بنفسه لا يسمع، ليس بحرف ولا صوت. وقالوا: إن الله تعالى اضطر جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فالقرآن عبارة عبر به جبريل. وبعضهم يقول: إنه عبارة عبر به محمد، والقول الثالث للأشاعرة: أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ؛ هذه كلها أقوالٌ باطلة، قصدهم من هذا الفرار بإنكار من إثبات الحرف والصوت، قالوا: إن الله لم يتكلم ليس بحرفٍ ولا صوت، والكلام معنى قائم بنفسه، كالعلم، كما أن العلم معنى قائم بنفسه، فكذلك الكلام؛ وهذا من أبطل الباطل، كلامهم هذا نصف مذهب المعتزلة، المعتزلة يقولون: كلام الله مخلوق لفظه ومعناه، خلقٌ من المخلوقات. والأشاعرة يقولون: المعنى غير مخلوق، واللفظ مخلوق، الحرف والصوت مخلوق، وهو نصف مذهب المعتزلة، قد رد عليهم العلماء وناقشوهم، ناقشهم ابن القيم رحمه الله، وأطال النفس معهم في القصيدة النونية، الكافية الشافية، ردَّ عليهم بردود كثيرة، وكذلك في مختصر الصواعق، وغيرهم من أهل العلم، شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم من أهل العلم، والإمام أحمد رحمه الله في رسالته، كذلك الرد على الجهمية والزنادقة.
والصواب الذي دلت عليه النصوص: أن الله تعالى تكلم بحرفٍ وصوت يُسمع، وأن كلام الله نوعان:
نوعٌ بغير واسطة: كما سمعه جبرائيل، وكما سمعه نبينا محمد في ليلة المعراج.
ونوعٌ بواسطة: نحن سمعنا كلام الله بواسطة الصحابة الذين نقلوا، والتابعين، والصحابة سمعوا كلام الله بواسطة النبي ﷺ، وكلام الله بحرفٍ وصوت، وكلام الله هو القرآن، معناه وحروفه، والله تعالى بائنٌ من خلقه بذاته وصفاته، ليس كلامه متحدًا فيهم، ولا حالًا فيهم. والقرآن كلام الله لفظه، ومعناه، ليس كلام الله حروف بدون المعاني، والمعاني دون الحروف؛ هذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص.
(المتن)
والصفة الخامسة عشر: الكلام
الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السَّلَف؛ قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء/164].
(الشرح)
الأشاعرة، بعض الجهمية حرَّف الآية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء/164]، حرف وقال: وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا، حتى يكون المكلم موسى، قرأها هكذا بعض الجهمية، جعل اسمه الشريف منصوب على التعظيم، والمعنى أن موسى هو المُكلِم، والله هو المُكَلَم، وإن الله لا يتكلم، وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى. فقال له بعضهم: هب يا عدو الله أنك حرفت هذه الآية، فكيف تقول في قول الله تعالى: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ[الأعراف/143]، قال: جرحه بأظافر الحكمة؛ لأن الكلم هو الجرح، ومنه قوله: فلانٌ كلمه يدمى؛ يعني جرح، قال: جرحه بأظافر الحكمة، فمن يرد الله إضلاله، فلا حيلة فيه، هذا تحريف، حرف المعنى، نسأل الله السلامة والعافية؛ حتى إن بعضهم، بعض الجهمية تمنى أن يمحو بعض الآيات؛ آيات الاستواء وغيرها، نعوذ بالله.
(المتن)
وقال النبي ﷺ: أَرَادَ اللَّه أَنْ يُوحِي بِأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ رواه ابن خزيمة، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله، فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وهو كلامٌ حقيقي يليق بالله، يتعلق بمشيئته.
(الشرح)
وهو لا يشبه كلام المخلوقين، الله تعالى لا يشبه المخلوقين؛ لا في ذاته، ولا صفاته، ولا في أفعاله، الله تعالى يتكلم بكلام لا يشبه كلام المخلوقين، كما أن علمه لا يشبه المخلوقين، وقدرته لا تشبه قدرة المخلوقين، وهكذا، الله تعالى ليس كالمخلوقين، ليس له مثيل، لا يشبه أحدًا من خلقه، ولا يشبهه أحدًا من خلقه لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، هو يتكلم بكلام يليق به ﷺ، لا نعلم كيفيته.
(المتن)
(الشرح)
والكلام قديم النوع، يقول العلماء: قديم النوع، حادث الآحاد، يعني أصل الكلام قديم، ولكن أفراده حادثة، يتكلم متى شاء، وكيف يشاء، بما شاء ، كلم موسى، ويكلم آدم يوم القيامة، ويكلم الناس، يتكلم كما يشاء ، فالكلام من الصفة الذاتية والفعلية، هو صفة ذاتٍ وفعل، ونوع الكلام قديم، وأفراده حادثة.
ولا يظن الحدوث كما قال الجهمية: أن هذا الحدوث، الحدوث كلام الله ليس كحدوث كلام المخلوق، إنما هذا الحدوث إنما ينزل في كلام المخلوق، كلام المخلوق حادثٌ مخلوق، أما كلام الله فهو يليق به.
(المتن)
والدليل على أنه بمشيئته قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف/143]، فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى.
المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى:
خالف أهل السنة في كلام الله طوائف نذكر منهم طائفتين:
الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا: ليس الكلام من صفات الله، وإنما هو خلق من مخلوقات الله، يخلقه الله في الهواء، أو في المحل الذي يسمع منه.
(الشرح)
هذا كلام الجهمية والمعتزلة، يُعتبروا طائفة واحدة، كلهم قالوا: إن الكلام مخلوق، وإن كان الجهمية أبلغ، لكن المعتزلة سموا الجهمية.
لأن الجهمية ثلاث أنواع: الجهمية المحضة. والجهمية المعتزلة. والجهمية الأشاعرة.
كلهم سموا جهمية، هذا قول الجهمية والمعتزلة جميعًا، كلهم يقولوا: كلام الله مخلوق لفظه ومعناه، يقولوا: يتعلق بقدرته ومشيئته إلا أنه خلق من المخلوقات.
قالوا: إن الله خلق الكلام في الهواء، أو في الشجرة، فالشجرة هي التي كلمت موسى، وقالت: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تعالى الله، هل تقول الشجرة: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ لا لكن هذا عمى البصيرة هكذا، نسأل الله العافية.
(المتن)
أو في المحل الذي يسمع منه، وإضافته إلى الله إضافة خلقٍ، أو تشريف مثل: ناقة الله وبيت الله، ونرد عليهم بما يلي:
أولًا: إنه خلاف إجماع السلف.
ثانيًا: خلاف المعقول؛ لأن الكلام صفةٌ للمتكلم، وليس شيئًا قائمًا بنفسه، منفصلًا عن المتكلم.
ثالثًا:إن موسى سمع الله يقول: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه/14]، ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله .
(الشرح)
هم يقولون: إن إضافة الكلام إلى الله إضافةً تشريف، إضافة مخلوق إلى خالقه، هو يقول: الكلام صفةٌ للمخلوقين، لكن أضافه الله للتشريف، كما أضاف الناقة إليه، والعبد، عبد الله، وناقة الله، وبيت الله؛ وهذا من أبطل الباطل.
لأن المضاف إلى الله نوعان:
شيءٌ قائمٌ بنفسه مثل: الناقة، والعبد، والرسول، وناقة الله، عبد الله، ورسول الله، عيسى روح الله، بيت الله الكعبة، هذه إضافة مخلوق إلى خالقه وهو إضافة تشريف.
أما إذا كان الشيء الذي يضاف لا يقوم بنفسه معنى من المعاني؛ هذا يكون صفة من صفاته، مثل الكلام، هذا ليس قائمًا بنفسه؛ معنى من المعاني، والعلم وهكذا، إذا كان الذي أضيف معنى من المعاني، ليس قائمًا بنفسه، هذا يدل على أن الموصوف اتصف بذلك، وقامت به هذه المعاني.
أما إذا كان شيء قائم بنفسه مستقل؛ فهذا يكون مضاف المخلوق إلى خالقه: كالعبد، والرسول، والناقة، والبيت.
(المتن)
(الشرح)
يقول: المصحف ليس فيه كلام الله، لكن تأدى به كلام الله، مجازًا، سمى كلام الله مجازًا؛ لأن كلام الله تأدى به؛ ولهذا بعضهم والعياذ بالله قد يدوس المصحف بقدميه؛ لأنه يقول: ما فيه كلام الله، نسأل الله السلامة والعافية، هذا خطير، وهم يصرحون بهذا يقولوا: ليس فيه كلام الله، لكن عند إطلاق الكلام يقولون: القرآن كلام الله، فإذا قيل لهم: كيف تقولون: القرآن كلام الله، وهو معنى قائم بنفسه؟! قالوا: قصدنا أنه تأدى به كلام الله، فنقول: كلام الله مجازًا، مجاز؛ لأنه تأدى به كلام الله.
(المتن)
ونرد عليهم بما يلي:
أولًا: إنه خلاف إجماع السلف.
ثانيًا: خلاف الأدلة؛ لأنها تدل على أن كلام الله يُسمع، ولا يسمع إلا الصوت، لا يُسمع المعنى القائم بالنفس.
ثالثًا: خلاف المعهود؛ لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم، لا ما يضمره في نفسه.
(الشرح)
ثم أيضًا هذا يتضمن التنقص بالله ، إذا كان الله لا يتكلم، والكلام ليس معنى قائم بنفسه، هذا تنقص لله، وإذا كان المخلوق يتكلم بمشيئته، والخلق يتكلم بمشيئته؛ معنى ذلك أنه جعل المخلوق أكمل من الخالق والعياذ بالله، الكلام صفة الكمال، والكمال إنما يكون إذا كان المتكلم يتكلم بمشيئته واختياره، وهم يقولون: الله لا يتكلم بمشيئته واختياره، الكلام معنى قائم بنفسه، ملازم ليس بمشيئة واختيار؛ لأنه يلزم من المشيئة والاختيار الحدوث، حتى لا يحدث الكلام بزعمهم، وهذا باطل، إذا كان الكلام صفة من صفة الكمال، كيف يخلو الله من الكلام في وقتٍ من الأوقات؟!.
الطالب: (...)؟
الشيخ: لا هذه المسألة فيها تفصيل، من أنكر الكلام، من جحد، إذا كان جحود يكون كفر، من جحد وقال: إن الله لا يتكلم، لكن إذا كان متأول لا يكفر، إذا شخص قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]، أنكر الآية، جحدها؛ هذا يكفر، لكن الذي قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]، آية، على العين والراء، لكن معنى استوى: استولى؛ هذا له شبهة ما يكفر، المتأول غير الجاحد، الجاحد يكفر من ينكر آية، من أنكر آية؛ بل من أنكر حرف من كلام الله فقد كفر، لكن شخص ما أنكر، قال: على العين والراء، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء/164]، لكن معناه معنى قائمًا؛ تأول؛ هذا ما يكفر بالشبهة التي حصلت له، المتأول غير الجاحد، الجاحد يكفر، والمتأول له شبهة، يدرأ عنه التكفير بالشبهة.
(المتن)
(الشرح)
النداء يكون بصوت، النداء هو الصوت من بعد، والنجاة من قرب، الكلام من قرب.
(المتن)
(الشرح)
قف على ما روى عبد الله بن أنيس.
يعني الله تعالى قال عن نبيه، هذا كلام الله، كلام الله عن نبيه، يعني الله تعالى قال في القرآن، قال: موسى كذا، وقال عن إبليس: أنه قال كذا، وقال: أنه قال كذا.
فالقرآن كلام الله عنهم، حكايةً عنهم؛ يعني أخبر عنهم، وأما كلام موسى في ذلك الوقت، وكلام إبليس، وكلام فرعون؛ مخلوق، أما هذا كلام الله أخبارًا عنهم.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن أستن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقال المؤلف حفظه الله تعالى:
(الشرح)
والدليل على أيش؟
(المتن)
(الشرح)
يعني كلام الله، كلام الله حروف، كلام الله لفظه ومعناه، كلام الله اللفظ والمعنى، بحرفٍ وصوتٍ يسمع؛ هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الذي دلت عليه النصوص؛ أنه تعالى يتكلم بحرفٍ وصوت، وهو ألفاظ ومعاني، القرآن كلام الله لفظه ومعناه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، والمعاني دون حروف.
(المتن)
فإن هذه الكلمات حروفٍ، وهي كلام الله، والدليل على أنه بصوت قوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم/52].
والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت، وروى عبد الله بن أنيس عن ﷺ.
(الشرح)
النداء يكون بالصوت من بعيد، النداء هو الصوت من بعد، والنجاء من قرب، وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم/52]، فالنجاء هو النداء من قرب، والنداء من بعد.
(المتن)
(الشرح)
قال في الفتح.
(المتن)
(الشرح)
أصح من هذا ما ثبت في الصحيحين؛ أن الله ينادي يوم القيامة، ينادي آدم، إذا كان يوم القيامة نادي الله آدم، فَيَقُولُ: يَا آدَمُ، أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مِن كَم؟ فيقول: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَوَاحِدٌ إلى الجَنَّةِ، هذا ثابت في الصحيحين، الأصح ينبغي أن يؤتى به أصح من حديث عبد الله بن أنيس.
إذًا إنه نداء يناديه على رؤوس الخلائق يناديه الله ، يسمعه بصوته، حرفٍ وصوتٍ، يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مِن كَم؟ -يعني أهل النار- فيقول: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فلما قال النبي ﷺ ذلك أشكل هذا على الصحابة، وقالوا: يا رسول الله: أينا ذلك الواحد؟ واحد إلى الجنة، وتسع مائة وتسعة وتسعين، واحد من ألف له الجنة؛ فلهذا قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَسْتِ رَخِيصَةً | بَل أَنْتِ غَالية على الْكَسْلانِ |
يا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ ليس يَنَالُهَا | بالألْف إلا واحدٌ لا اثْنَانِ |
واحد، من الألف واحد، الصحابة شق عليهم ذلك، فقال: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفً أو كما جاء عن النبي ﷺ. وباللفظ الآخر: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أُمَّتَانِ، مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ أمتان كافرتان، من بني آدم يأجوج ومأجوج، وهم الذين بنى ذو القرنين السد بينهم وبين الناس، يخرجون في آخر الزمان، وهم العلامة الرابعة من أشراط الساعة الكبار، التي تتبعها الساعة، أولها: خروج المهدي، وهو رجلٌ من سلالة فاطمة، اسمه كاسم النبي ﷺ، وكنيته ككنيته محمد بن عبد الله المهدي، يبايع له في ذلك الوقت، في آخر الزمان، في الوقت الذي ليس للناس فيه إمام، فيكون هو إمام الناس، يملأ الأرض صدقًا وعدلًا، كما مُلئت جورًا وظلمًا. جاء فيه أحاديث بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها موضوع، لكن ثابتة في الحديث.
وغير المهدي الذي عند الشيعة، مهدي الشيعة خرافة، لا أصل له، أشكل هذا على بعض الناس قال: المهدي الذي عند الشيعة خرافة، شخصٌ موهوم لا حقيقة له، صاحب السرداب، يزعمون أنه محمد بن الحسن المهدي، الذي دخل السرداب سمراء في العراق سنة 260، ولم يخرج إلى الآن، وهو شخصٌ لا حقيقة له؛ لأنه أباه الحسن مات عقيمًا ولم يولد له، أبو الحسن مات عقيماً ولم يولد له، فاختلقوا له ولد وأدخلوه السرداب من سنة 260.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: ومضى عليه الآن أربع مائة سنة، ولم يخرج حتى الآن، في زمانه، ونحن الآن نقول: مضى عليه ألف ومائتين سنة، إلى الآن ما خرج، ألف ومائتين سنة، هذا شخصٌ موهوم لا حقيقة له، هذا ينتظرونه، خرافة فيقولوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي، حتى ينادي منادي من السماء: اتبعوه، يقولون: إنه دخل السرداب من سنتين، أو ثلاث، أو خمس، مثل هذا طفل يحتاج إلى حضانة، ومن يقوم ليطهره وينظفه، ثم هذه أيضًا مدة طويلة كيف يبقى، وكيف تبقى الأمة معلقة، الأمة كلها الآن.
عند الرافضة لا يكون هناك أحد سعيد حتى يعمل بأوامر هذا المهدي المنتظر، ما يكون أحد سعيد إلا بهذا، معناه أن تتعطلت مصالح الأمة، وقد قرر العلماء أن المرأة إذا غاب عنها زوجها مدة طويلة، ترفع أمره إلى الحاكم، حتى يفسخ النكاح، حتى يزول الظلم عن هذه المرأة، فكيف يبقى الظلم على أمة، أمة الإسلام كلها، عند الرافضة كلها معلق أمرها حتى يخرج هذا المهدي.
ولما لم يخرج المهدي اضطروا إلى أن يجعلوا ولاية الفقيه، يجعلوه نائباً عنه، قالوا: الخميني إنه نائب، الخميني نائب عن المهدي حتى يخرج؛ هذه من خرافات الشيعة.
المقصود أن المهدي عند أهل السنة، غير المهدي عند الرافضة، ما يلتبس هذا.
ثم في زمنه يخرج الدجال، في زمن المهدي، بعد الحرب بعد حروب طاحنة، وبعد فتح قسطنطينية، ويعلقون سيوفهم بشجر الزيتون يصيح الشيطان إن الدجال خلفكم في دياركم.
ثم ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في زمان العلامة الثالثة، ويقتل الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى، هذا يأجوج ومأجوج أمتان.
(المتن)
(الشرح)
هذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن الكلام قديم النوع، حادث الآحاد، نوعه قديم؛ أي ليس له أول، لم يزل الله متكلماً، خلافًا للكرامية الذين يقولون: إن الكلام ممتنع على الله، ثم انقلب فجأةً فصار ممكنًا، يقولون: ممتنع ما يستطيع يتكلم نعوذ بالله، ثم انقلب فجأةً فصار ممكنًا، معنى هذا أنهم عطلوا الله ، يقولون بزعمهم: أنا إذا جعلنا الكلام قديماً، تسلسلت الحوادث، لم نستطيع أن نثبت أن الله هو الأول الذي قبله شيء، فلا بد نجعل فترة، ما فيها كلام ولا خلق؛ حتى يكون الله هو الأول بزعمهم، الله تعالى هو الأول؛ ليس قبله شيء، وهو سبحانه لم يزل فعالٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، والفعل صفة كمال، والكلام صفة الكمال، فلا يخلو الله من هذا الكمال في وقت من الأوقات، وكل فردٍ من أفراد المخلوقات مسبوق بالعدم، خلقه الله بعد أن لم يكن؛ فيكفي هذا، لكن نوع الحوادث متسلسلة، لم يزل الله يخلق ويفعل، الله خالق، خلاق إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [الحجر/86]. فعال في كل وقت، لا يخلو من هذا الكمال في وقتٍ من الأوقات، أما أفراد الكلام حادثة، يتكلم متى شاء.
لما جاءت المجادلة إلى النبي ﷺ؛ وهي خولة بنت الحكيم، وجادلته في زوجها، أنزل الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة/1].
هذا كلام حادث، وحدوث كلام الرب ليس كحدوث كلام المخلوق، كلام الله صفةٌ من صفاته، ليست ككلام المخلوق.
ولهذا قالت عائشة: «سبحانه من وسع سمعه الأصوات، يأتي المجادلة إلى النبي ﷺ، وإنه يخفى عليَّ بعض كلامها، فسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، وأنزل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة/1]».
(المتن)
قول ابن قدامة رحمه الله: متكلمٌ بكلامٍ قديم، يعني: قديم النوع حادث الآحاد، لا يصلح هذا المعنى إلا على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد.
قوله: سمعه موسى من غير واسطة؛ لقوله تعالى.
(الشرح)
قديم النوع حادث الآحاد، هذا قول الأشاعرة، الأشاعرة يقولون: الكلام قديم، فلا يكون حادثاً، ولكنه ليس بحرفٍ ولا صوت، وهو في نفسه، لا يُسمع؛ هذا كلام الأشاعرة وهو قولٌ باطل، يقولون: إن الكلام معنى قائم بنفس الرب ليس بحرفٍ ولا صوت كالعلم، وأما هذا القرآن الذي بين أيدينا يقولون: هذا ليس كلام الله، هذا تكلم به جبريل، أو تكلم به محمد، أو نقله جبريل من اللوح المحفوظ، هذا عبارة عن كلام الله، وأما كلام الله فهو في نفسه، ما يسمع؛ هذا قول الأشاعرة، وهو من أبطل الباطل.
الطالب: (..)؟.
الشيخ: هو تأويل لأنهم متأولون لهم شبهة، أما المعتزلة فأنكروا قالوا: الكلام مخلوق، الكلام لفظ ومعنى مخلوق عند المعتزلة، أما الأشاعرة قالوا: الكلام معنى قائم بنفسه للرب، لكن الحروف والأصوات مخلوقة، قالوا: القرآن الذي بين أيدينا هذا عبارة عن كلام الله، عبر به جبريل، أو عبر به محمد ﷺ، جعلوا الله والعياذ بالله أخرس لا يتكلم، قالوا: إن الله اضطر جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر عنه، اضطره اضطرارًا.
وقال آخرون: إن الذي عبر به من الأشاعرة، أن الذي عبر به محمد ﷺ، وقالوا آخرون من الأشاعرة: أن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ، والله ما تكلم بشيء،؛ فهي أقوالٌ ثلاثة للأشاعرة كلها باطلة.
(المتن)
قوله رحمه الله: سمعه موسى من غير واسطة؛ لقوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه/13].
وقوله: وسمعه جبريل، لقوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ [النحل/102].
قوله: ومن أذن له.
(الشرح)
يعني إن كلام الله نوعان: نوعٌ بواسطة. ونوعٌ بغير واسطة.
نوعٌ بغير واسطة كما كلم موسى، كلم موسى بدون واسطة، سمع موسى كلام الله، وكلم جبريل بواسطة، يسمع جبريل كلام الله بدون واسطة، وكذلك كلم نبينا محمد ﷺ ليلة المعراج، فرض عليه خمس صلوات، بدون واسطة.
والنوع الثاني: كلام بواسطة، وهو أن الصحابة سمعوا كلام الله بواسطة النبي ﷺ، والنبي ﷺ سمع كلام الله بواسطة جبريل، ونحن الآن سمعنا كلام الله بواسطة نقل الأجيال السابقة، جيل بعد جيل، هذا بواسطة.
(المتن)
قوله: ومن أذن له من ملائكته ورسله، أما الملائكة: فلقوله ﷺ: وَلَكِنْ رَبُّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُم [سبأ/23] فَيُخْبِرُونَهُمْ، الحديث رواه مسلم، وأما الرسل: فقد ثبت أن الله كلم محمدًا ﷺ ليلة المعراج.
قوله: وإنه سبحانه يكلم المؤمنين ويكلمونه، لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ:يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. الحديث متفقٌ عليه.
قوله: ويأذن لهم فيزورونه.
(الشرح)
يكلم الله تعالى المؤمنين في الجنة، ويكلم الله آدم في الموقف، المؤمنون يسمعون كلام الله في الموقف، وفي الجنة، ويرون ، يرونه في الموقف، وفي الجنة، أما غيرهم ففيهم خلاف، غير المؤمنين من الكفرة، المشهور عند العلماء: أن الكفرة لا يرون الله، ولا يسمعون كلامه، قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين/15].
وقال آخرون من أهل العلم: أنهم يرونه، ثم يحتجب عنهم، وتكون هذه الرؤى تزيدهم عذابًا، كانت عذاب لهم.
وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون فقط، لهذا المنافقين كانوا مع المؤمنين في الدنيا يظهرون الإسلام، ويدل على هذا الحديث، وهو قول قوي في الصحيحين: أن الله يقول: تتبع كل أمةٍ ما تعبد، فمن كان يعبد عزير يعبد عزير، من كان يعبد النار، فيتبعها، ومن كان يعبد المسيح يتبع المسيح، وهكذا كل من كان يعبد أصنامًا يتبعها، ويتساقطون في النار، ثُمَّ تَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فيتجلى لهم الرب ، فيرونه فيسجدون، فيسجد، ثُمَّ تَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فيسجد المؤمنون، ويريد المنافقون أن يسجدوا، فيجعل الله ظهر كل واحد طبقًا، كما قال سبحانه: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم/42].
ثم بعد ذلك يتبع المؤمنون وكذلك المنافقون، يمشون جميعًا، ثم يبقى معهم الأنوار، تطفأ أنوار المنافقين، ويُضرب بينهم وبينهم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ، نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
(الشرح)
نعم في امتحان، في امتحان في موقف القيامة، وامتحان لأهل الفترة، ما ينتهي الامتحان إلا بدخول الجنة.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
(الشرح)
يعني أهل الجنة يقتسمون الدرجات بأعمالهم، ودخولهم الجنة بفضل الله، دخول الجنة بفضل الله ورحمته، كما ثبت في الحديث: لَن يَدخُلَ أَحدُكُم الجَنَّةَ بِعمَلِهِ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحمَةٍ مِنهُ وَفَضلِ. وقال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل/32].
والجمع بين النصوص في هذا، أن الأعمال سبب، فقوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؛ الباء سببيه، ولكنها ليست عوضًا عن دخول الجنة، دخول الجنة برحمة الله، والعمل هو السبب، والباء في النفي غير الباء في الإثبات، الباء في الحديث: لَن يَدخُلَ أَحدُكُم الجَنَّةَ بِعمَلِهِ،، تعني العوض، المعنى لَن يَدخُلَ أَحدُكُم الجَنَّةَ بِعمَلِهِ، عوضًا عنه، والباء في الإثبات كما في الآية يعني السببية: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فيكون دخول الجنة له سبب وهو العمل، دخول الجنة برحمة الله، لكن له سبب، فهو العمل، فمن أتى بالسبب نالته الرحمة، ومن لا يأتي بالسبب، لم تناله الرحمة، قال الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف/156]. أما من لم يتق الله ولم يكن من أهل التوحيد، فلا يدخل الجنة؛ لأنه ما أتى بالعمل، فلا تناله رحمة.
ثم إذا دخلوا الجنة اقتسموا الدرجات بالأعمال، بالأعمال يقتسمون الدرجات بأعمالهم، التفاضل بينهم بالأعمال، والدخول كله برحمة الله بسبب العمل.
(المتن)
ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ الحديث رواه ابن ماجه والترمذي وقال: غريب، وضعفه الألباني.
وقوله: وقال ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء.
(الشرح)
فيه أن الله تعالى إذا أذن لأهل الجنة يزورونه يكلمهم ويكلمونه؛ ففيه إثبات الكلام لله، البحث الآن في إثبات الكلام لله .
(المتن)
(الشرح)
فيه إثبات الصوت لكلام لله، لكن يغني عن أثر الصوت الحديث الصحيح: أن الله تعالى يوم القيامة ينادي، كما في البخاري، يُنَادِي آدَمَ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، ينادي بصوت. وفي اللفظ الآخر: فَيُنَادِيهم بصوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ.
فإثبات الصوت في كلام الله ثابت في الأحاديث الصحيحة، والنداء إنما يكون بصوت، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ [القصص/62]، النداء لا يكون إلا بصوته، والنجاء يكون بغير صوته، الكلام من قرب يسمى نجاء، والكلام من بعد يسمى ندا، والنداء لا بد فيه من الصوت.
وهذا سند ابن مسعود يعني سواء صح أو ما صح هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة، هذا الأثر إذا صح يكون ابن مسعود فهم من النصوص.
(المتن)
وأما المروي عن النبي ﷺ فهو من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا إِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُوحِي بِأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَخَذَتْ السَّمَوَات رَجْفَةٌ أَوْ قَالَ رَعْدَةٌ شَدِيدَةٌ خَوْفًا مِنْ اللَّه فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْل السَّمَوَات صُعِقُوا. الحديث رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم.
فصل القرآن كلام الله
ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين، بلسانٍ عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وهو سور محكمات، وآياتٌ بينات، وحروفٌ وكلمات، من قرأه فأعربه، فله بكل حرف عشر حسنات، له أولٌ وآخر، وأجزاءٌ وأبعاض، متلوُّ بالألسنة، محفوظٌ في الصدور، مسموعٌ بالآذان، مكتوبٌ في المصاحف، فيه محكمٌ ومتشابه، وناسخٌ ومنسوخ، وخاصٌ وعام، وأمرٌ ونهي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت/42].
(الشرح)
هذا هو المعتقد أهل السنة والجماعة؛ أن القرآن كلام الله، ألفاظه ومعانيه، وأن كلام الله اسمٌ للفظ والمعنى، أن الحروف، أن الله تكلم به بحرف وصوت يُسمع، وكذلك التوراة والإنجيل والزبور، كلهم كلام الله، كلها من كلام الله، التوراة والزبور والإنجيل والقرآن كلها من كلام الله ، تكلم بها، والقرآن كلام الله ألفاظه ومعانيه، ليس كلام الله اللفظ دون المعنى، ولا المعنى دون اللفظ، بل الألفاظ والمعاني، وهو بحرفٍ وصوت، تكلم الله به بحرفٍ وصوت يسمعه، كلام الله منزل غير مخلوق؛ لأنه صفةٍ من صفاته ، من قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر عند أهل العلم، هكذا أطلق أئمة السنة، كفروا من قال: القرآن مخلوق على وجه العموم، من قال: القرآن مخلوق؛ فقد كفر.
والقرآن له حروف، وألفاظ، ومعانٍ، وأجزاء، وأبعاض خلافًا للأشاعرة الذين يقولون: لا يتبعض، الأشاعرة يقولون: لا يتبعض، ولا يتجزأ، ولا يتعدد، ولا يتكثر، شيءٌ واحد، ويرون أن كلام الله هو المعنى فقط، وأما اللفظ ليس من كلام الله، اللفظ والحروف والأصوات، هذه يقولون: ليست كلام الله، وإنما هي عبارة يعبر بها عن كلام الله.
فالقرآن الذي في المصحف بين أيدينا يقول: ليس كلام الله، ولكنه تأدى به كلام الله؛ عبارةٌ يُعبر بها عن كلام الله، وأما كلام الله فهو في نفسه لا يُسمع، ليس بحروف، ولا بصوت، ولكن هو المعنى القائم، ولكن الله اضطر جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن الذي كُتب، أو عبر به محمد ﷺ، وهذا من أبطل الباطل.
كلام الله لفظٌه ومعناه، ليس كلام الله لفظا دون معنى، ولا معنى دون الحروف، هو حرفٌ وصوت، وكلام الله قديم النوع حادث الآحاد، بمعنى أن كلام الله ليس له بداية، لكن أفراد الكلام حادثة؛ لأن الله يتكلم متى شاء، بما شاء، كيف شاء.
فلما جاءت المجادلة خولة بنت حكيم، لما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت، جاء إلى النبي ﷺ تجادله، وقالت: يا رسول الله: إن أوساً قد ظاهر مني، فقال عليه الصلاة والسلام: مَا أرَاكِ إلاَّ حَرُمْتِ عَلَيْهِ، جعلت تجادل وقالت لرسول الله: إن له صبيه، ثم قالت: أشكو إلى الله صبيةً إن ضممتهم إلي جاعوا، أو إليه ضاعوا، فجعلت تجادل النبي ﷺ، فأنزل الله في الحال هذه الآية الكريمة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة/1-2]. ونزلت الكفارة: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المجادلة/3-4]، نزلت هذه الآية في الحال على النبي ﷺ.
فأفراد كلام الله حادثة، لكن نوع الكلام قديم لم يزل الله متكلم؛ لأن الكلام صفة كمال، ولا يقال: إن الكلام له أول، وبداية؛ الكلام ممتنع على الله كما تقول الكرامية؛ هذا من الباطل؛ لأن هذا تعطيل لله من صفة الكمال لله .
الطالب: عفا الله عنك قوله أجزاء وأبعاض المقصود بها؟.
الشيخ: القرآن أجزاء وأبعاض، ثلاثين جزءاً الآن، عبارة عن أجزاء وأبعاض، كلام الله بعضه أفضل من بعضهم يتفاوت، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/1]؛ تعدل ثلث القرآن.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
وقوله تعالى: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء/88].
الشرح:
القول في القرآن: القرآن الكريم من كلام الله تعالى، منزلٌ غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، فهو كلام الله حروفه ومعانيه.
دليل أنه من كلام الله قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة/6]. يعني القرآن.
(الشرح)
كلام الله، القرآن كلام الله، من كلام الله، والتوراة والإنجيل والزبور كلها من كلام الله، وكلام الله لا يتناها، كما قال : قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف/109]. وقال: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان/27]. المعنى: لو جُعل ما في الأرض من الأشجار كلها أقلام يُكتب بها، والبحر يمدهم قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا؛ حبر لنفذ البحر، وتكسرت الأقلام، ولم تنفذ كلمات الله: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف/109]، وقال: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان/27].
كلام الله بالحروف والمعاني، حرف ومعنى، صوت يُسمع، نوعان: صوتٌ يُسمع كلام الله بدون واسطة، كما كلم جبريل، كما كلم نبينا محمداً ﷺ، كما كلم موسى، بدون واسطة، وكما يكلم أهل الجنة يوم القيامة، وأهل الموقف؛ هذا بدون واسطة.
والنوع الثاني: بواسطة، وهو أن نسمع كلام الله بواسطة إنزاله على النبي ﷺ، الصحابة سمعوه كذلك بواسطة، كلام الله حروفٌ ومعاني، ألفاظ ومعاني، هذا هو الصواب.
خلافًا للأشاعرة الذين يقولون: أنه معنى قائم بالنفس، وليس بصوت، ولا بحرف؛ هذا باطل، وكلام الله مُنزل ليس مخلوق، خلافًا للمعتزلة الذين يقولون: أنه مخلوق؛ هذا باطل، كفر.
ولهذا قال العلماء: من قال القرآن مخلوق فهو كافر يعني على العموم، فهو كلام الله منزلٌ غير مخلوق، منزل من عنده سبحانه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، منه بدأ تكلم الله به، وإليه يعود يوم القيامة، أي يعود في آخر الزمان، إذا ترك الناس العمل به رُفع في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبار، فإذا ترك الناس العمل بالقرآن نُزع في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبار، يصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية، ولا في مصاحفهم آية، نعوذ بالله؛ وهذا من المصائب، هذا في آخر الزمان شرط من أشراط الساعة الكبار، منه بدأ وإليه يعود.
(المتن)
ودليل أنه مُنَزَّلٌ قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان/1]، ودليل أنه غير مخلوق قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف/54].
فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى/52].
(الشرح)
نعم سماه أمر، والخلق غير الأمر، عطف أحدهم على أحد، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف/54]، فالخلق شيء، والأمر شيء، الأمر كلامه، والله تعالى يخلق بالكلام، لو كان الكلام مخلوقاً كما يزعمه المعتزلة؛ لكان الكلام مخلوقاً بكلامٍ آخر، والآخر مخلوقٌ بآخر إلا ما لا ناهية، فيتسلسل الأمر، وهذا باطل إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس/82]؛مخلوق بكملة كن. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس/82]، ، وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة/6]، حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ؛ هذه علامة أنه بحرف وصوت، كلام الله يُسمع.
(المتن)
(الشرح)
سماه أمر، الكلام أمر، فدل على أن الأمر غير الخلق، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف/54]، كلام الله أمر.
(المتن)
(الشرح)
لو كانت مخلوقة؛ هذا من أبطل الباطل، صفات الله غير مخلوقة، الله تعالى بذاته وصفاته هو الخالق، وغيره مخلوق، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وما سواه مخلوق، وهو هو الخالق بذاته وصفاته .
(المتن)
(الشرح)
هو أضاف الله إليه، وهو المتكلم به فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة/6]، أضافه إليه، ولا يمكن أن يضاف إليه من المعاني إلا ما هو قائمٌ به سبحانه.
(المتن)
(الشرح)
نعم وهو من أشراط الساعة الكبار، نسأل الله العافية.
(المتن)
(الشرح)
يعني هذا القرآن هذا، قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [سبأ/31]؛ هذا القرآن العربي الذي أنزله الله على النبي ﷺ، قال فيه الوليد بن المغيرة: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/25]، فتوعده الله بقوله: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر/26]، فمن قال: إن الكلام معنى قائم بنفسه، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا إنه عبر به جبريل، أو عبر به محمد ﷺ، فقد شارك المغيرة في قوله: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/25]، الوليد بن المغيرة يقولون: هذا قول البشر، والأشاعرة يقولون: كلام الله معنى قائمٌ بنفسه، وما بأيدي المسلمين ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عن كلام الله، حروف عبر بها جبريل، أو عبر بها محمد ﷺ، وهذا من أبطل الباطل، هذا موافقة لقول المغيرة، وليد المغيرة: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/25]، نعم، نسأل الله العافية.
(المتن)
وقال بعضهم: إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/ 25]. فقال الله سبحانه: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر/ 26]. وقال بعضهم: هو شعرٍ، فقال الله تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس/ 69].
فلما نفى الله عنه أنه شعرٌ، وأثبته قرآنًا لم يبق شبهة لذي لبٍ في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي.
(الشرح)
وهذا يدل على بطلان قولهم، لتناقضه، الكفار منهم من قال: أنه قول البشر، ومنهم من قال: إنه سحر، كما أنهم قالوا: إن النبي ﷺ إنه ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: مجنون، فتناقض أقوالهم وتضاربهم؛ تدل على بطلانها.
(المتن)
لم يبق شبهةٌ لذي لبٍ في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات؛ لأن ما ليس كذلك لا يقول أحدٌ: إنه شعر.
وقال : وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة/23]. ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدرى ما هو ولا يعقل.
(الشرح)
في هذا الرد على الأشاعرة، الله تعالى تحدى البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة/23]؛ يعني في شك، مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة/23]، يعني محمد ﷺ، وهو القرآن، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/23].
القرآن الآن من الحروف الثماني والعشرين، مكون من هذه الحروف، ائتوا بمثله ما استطاعوا، تحداهم أن يأتوا بعشر من مثله، فلم يستطيعوا، تحداهم يأتوا بعشر سور، فما استطاعوا، تحداهم أن يأتوا بسورة.
هذا القرآن الذي بين يدينا، وهم أفصح، كانوا فصحاء، أفصح الناس، أفصح العرب، والقرآن الذي يُتلى مكون من الحروف الثماني والعشرين الهجائية المعروفة، ومع ذلك فما استطاعوا، لو استطاعوا لفعلوا لكن ما استطاعوا؛ ولهذا الله يقول: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]. وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا؛ يعني محمد، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/23].
فلو كان الكلام معنى قائم بالنفس، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا عبارة عبر به جبريل أو محمد ﷺ؛ لكان قد أتوا بمثل هذا القرآن، هذا من أبطل الباطل؛ لأنهم يقولون: إن حروف القرآن هذا عبارة عما في نفس الله. وكأنهم أتوا بمثل ما في نفس الله، نعوذ بالله؛ وهذا من أبطل الباطل، كلام الله حروف ومعاني، وهذا القرآن الذي أنزله ، الأشاعرة يقولون: القرآن ما فيه كلام الله بين يدينا، هذا عبارة من كلام البشر، أو من كلام جبريل عبر به، وإلا ما في شك، لو ألقاه المصحف، وداسه بقدمه ما فيه كلام الله نعوذ بالله، هذا من أبطل الباطل.
(المتن)
(الشرح)
والآيات التي تُتلى هي وما وجدت بالمصحف من حروف ومعاني.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
(الشرح)
وهذا استدل به على أن القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظٌ في الصدور؛ ولهذا قال: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العتكبوت/49]، يعني القرآن يُحفظ في الصدور، قال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة/ 77-79].، يُكتب، هذا عند أهل السُنة والجماعة أن القرآن كلام الله ، مُنزل غير مخلوق، وأنه محفوظٌ في الصدور، مكتوبٌ في المصاحف، مُنزلٌ على النبي ﷺ كيفما تصرف فهو كلام الله ، فهو مكتوب في المصاحف، ومعلومٌ، ومحفوظٌ في القلوب، وهو على النبي ﷺ مُنزل.
فالمصحف فيه كلام الله، مكتوب في المصاحف، وهو محفوظٌ في الصدور أيضًا، وهو مسموع أيضًا بالآذان، إذا سمعه السامع يقال: سمع كلام الله، وإذا حفظه يقال: حفظ كلام الله، وإذا كتبه، يقال: كتب كلام الله، وهذه المعاني كلها حق، كلها حقيقة، فالقرآن في الصدور، محفوظ في الصدور حقيقة، وهو مكتوبٌ في المصاحف حقيقة، وهو مسموعٌ بالآذان حقيقة.
ولا يقال: إنه مجاز، لأن المجاز يصح نفيه، لو كان مجاز لصح أن يقال: ما في المصحف كلام الله، أو ما حفظ الحافظ كلام الله، أو ما سمع كلامه؛ وهذا باطل ليس بصحيح.
(المتن)
وقال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة/ 77-79]. بعد أن أقسم على ذلك.
وقال تعالى: كهيعص [مريم/1]، حم عسق [الشورى/1، 2].
(الشرح)
هذا كله أُستدل به، قال رحمه الله: على أن القرآن حروف، هو حروف، وسور، وآيات كهيعص [مريم/1]، حروف، فالقرآن هو من الحروف الهجائية الثمانية والعشرين، لكنه كلام الله ، تكلم به، ولا يشبه كلام المخلوقين، قد تحدى الله البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، قد تحداهم أن يأتوا بعشر سور فعجزوا، تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، وهو من الحروف التي يتكلمون بها، لكنه لا يشبهها، ولهذا عجزوا. ولهذا قال: ن [القلم/1]، ص [ص:1]، حم عسق [الشورى/1-2]. كهيعص [مريم/1]، حروفٌ وكلمات.
(المتن)
(الشرح)
نعم والشاهد قال: فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ، دليل على أن القرآن حروف، في الرد على من؟ على الأشاعرة الذين يقولون: لا يكون القرآن حروف وأصوات، ينكرون أن يكون القرآن بحرفٍ وصوت يُسمع، يقولون: القرآن كلام الله معنى قائمٌ بنفسه، فلا يُسمع، مثل العلم، كما أن العلم في نفسه لا يُسمع، فكذلك الكلام في نفسه لا يُسمع، ولا يقولوا: إن القرآن حروف وكلمات.
يقولون: لو قلنا إن القرآن حروف وكلمات، للزم أن تحل الحوادث بذات الله ؛ لأن الحرف يكون بعد الحرف، فتحل الحوادث، وهذا باطل؛ لأن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين، هذا إنما يكون في المخلوق، بالنسبة للمخلوق، أما الخالق فلا يشابه المخلوق، وهو يتكلم كيف شاء، ومتى شاء، بما شاء، وكلام الله قديم النوع، ليس له أول، ولكنه أفراده حادثة، يتكلم سبحانه متى شاء، وكيف شاء، كما أنه كلم جبريل، وأنزل القرآن على محمد ﷺ، وأنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، ويكلم الناس يوم القيامة، ويكلم آدم، يكلم متى شاء، وكيف شاء، الكلام صفة كمال، لكن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين كسائر صفاته.
(المتن)
(الشرح)
الشاهد قول: يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ؛ أثبت أن القرآن حروف، وفي فضل لمن قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف عشر حسنات، وإن قرأه ولحن فيه، فله بكل حرفٍ حسنة.
وفي الحديث الآخر: المَاهِرُ بِالقُرآنِ مَعَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يقرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْران.
(المتن)
(الشرح)
وهذا فيه الوعيد الشديد على من تأكل بالقرآن، وذنب هؤلاء الذين يقيمون حروفه لكنهم يتعجلونه ولا يتأجلونه، يعني: يطلبون به الدنيا، ولا يريدوا به وجه الله، يجب على المسلم أن يخلص قراءته لله؛ لأن عبادة القرآن، قراءة القرآن، تلاوة القرآن عبادةٌ عظيمة، يجب تكون خالصة لله كسائر العبادات، لا يقصد به الدنيا، ولا التأكل به.
(المتن)
(الشرح)
يعني كون الإنسان يقرأ القرآن قراءة مستقيمة، يُخرج الحروف من مخارجها يقرأها واضحة، يتكلم على تخريجها في الأثر.
(المحقق)
أثرٌ ضعيفٌ جدًا: أخرجه ابن الأنباري في الوقف والابتداء، بلفظ: لبعض إعراب القرآن أعجب إلينا من حفظ بعض حروفه، وإسناده ضعيف جدًا فيه ضعفٌ وانقطاعٌ، فيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، وكذا شريك القاضي صدوق يخطئ كثيرا وتغير حفظه، وانقطاعٌ بين أبي بكر وعمر وبين الراوي عنهما، عن تعليق بدر البدر على اللمعة.
(الشرح)
على كل حال المقصود أن يقرأ الإنسان قراءة واضحة، أما إذا قرأ قراءة يسقط بعض الحروف لا، المهم يقرأ قراءة واضحة بينة، يُخرج الحروف من مخارجها، هذا هو المقصود. هذا لا بد منه سواء صح الأثر أو لم يصح، لا بد أن يقرأ القرآن قراءة واضحة، يخرج الحروف من مخارجها، ولا يسقط شيء من الحروف.
(المتن)
(الشرح)
يعني من أنكر وجحد حرفًا منه، ماذا قال في تخريجه؟
(المحقق)
أخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير في تفسيره، من طريق شعيب بن الحبحاب قال: كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجلٌ لم يقل: ليس كما يقرأ، وإنما يقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا، قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: أرى صاحبك قد سمع: «أن من كفر بحرفٍ منه، فقد كفر به كله» وإسناده صحيح.
وقد أورده ابن قدامة في البرهان، وأورد أثرًا آخر عن علي أنه سئل عن الجنب، هل يقرأ القرآن؟ قال: "ولا حرفًا".
(الشرح)
المعروف: لا ولا آية، فلا شك أن من جحد شيئًا من القرآن، كما قال الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ [الرعد/30]؛ من أنكر شيئًا من القرآن كفر.
(المتن)
(الشرح)
نعم المسلمون اتفقوا على سوره، وآياته، وكلماته، كل هذا فيه رد على الأشاعرة، الذين لا يقولون: بأن القرآن حروف، حروف وسور، وآيات، ولا يقولون بالتبعض، يقولوا: إن القرآن معنى واحد، لا يتبعض، ولا يتجزأ، ولا يتعدد، وليس بحرف ولا صوت وكلام الله شيئًا واحد يقولون، معنى واحد، إن عُبر عنه بالعربية فهو القرآن، وإن عُبر عنه بالعبرانية لغة اليهود، فهو التوراة، وإن عُبر عنه بالسريانية، فهو الإنجيل، وإن عُبر عنه بالداودية، فهو الزبور، كله شيئًا واحد هكذا يقول الأشاعرة؛ وهذا من أبطل الباطل.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
(الشرح)
هذا فيه رد على الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام معنى قائم بالنفس، وأن كلام الله ليس بحروف، مما يُرد به عليهم: أنه أجمع العلماء على أن من أنكر آية، أو سورة من القرآن؛ فهو كافر، وكذلك من يكون أنكر كلمة من القرآن؛ فدل على أن القرآن كلام الله، حروف، ومعاني، ألفاظ ومعاني؛ هذا هو الصواب.
كلام الله القرآن ألفاظ ومعانٍ، حروف بصوتٍ يُسمع، سمعه جبرئيل، تكلم الله بصوت سمعه منه جبرئيل، ويتكلم بصوت يسمعه الخلائق يوم القيامة، يُنَادِي آدَمَ، فَيَقُولُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، في الحديث: أن الله ينادي يوم القيامة: فَيُنَادِيهم بصوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، فكلام الله بحرفٍ وصوت، ألفاظ ومعاني؛ هذا هو الصواب.
خلافًا للأشاعرة، الأشاعرة يقولون: الكلام معنى قائم بنفسه، لا يُسمع، ليس بحرفٍ ولا صوت، فالكلام عند الأشاعرة معنى قائم بنفسه، كالعلم، وأما هذا القرآن الذي بين أيدينا فهو عبارة عبر به جبريل، أو عبر به محمد ﷺ.
لهم أقوال في هذا:
القول الأول: إن جبريل هو الذي عبر عنه، وأن الله اضطر جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر جبريل بهذا القرآن بالحروف والكلمات التي بين أيدينا، فليس القرآن في المصحف كلام الله عندهم.
والقول الثاني: أنه عبر به محمد عليه الصلاة والسلام، فهو من عبارة محمد ﷺ.
والقول الثالث: أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ؛ كل هذه أقوال للأشاعرة، كلها أقوالٍ باطلة.
والمعتزلة يقولون: القرآن ألفاظٌ ومعاني، لكنه مخلوق لفظه ومعناه، وكلٌّ من القولين باطل، قول الله كذا. المعتزلة يرون أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، لفظه ومعناه ولكنها مخلوقة؛ وهذا كفر، ولهذا قال كثيرٌ من السلف: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر على العموم.
وأما الأشاعرة فمذهبهم نفس مذهب المعتزلة، فقالوا: القرآن لفظه مخلوق، وهو الحروف والكلمات والأصوات، والمعنى ليس بمخلوق، قالوا: القرآن هو معنى قائم بنفس الله لا يُسمع، أما الحروف فهذه مخلوقة؛ ولهذا يقولون: ما في المصحف كلام الله، يرون أن المصحف هذا ما فيه كلام الله، وإنما هو عبارة عن كلام الله، كلام الله قائمٌ بنفسه، لا يُسمع، كالعلم؛ فهذا باطل.
الرد عليهم كما ذكر المؤلف رحمه الله: أن العلماء أجمعوا على أن من أنكر كلمةً، أو سورةً، أو آية من القرآن فهو كافر، من جحد سورة، قال الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ [الرعد/30]. إذا جحد كلمة، جحد آية أو سورة؛ كفر؛ وهذا يدل على أن القرآن كلام، كلام القرآن كلامٌ ومعاني، ألفاظٌ ومعان، حروفٌ ومعان، أنه الله تكلم به بحرفٍ وصوت.
(المتن)
القرآن حروف وكلمات: وقد ذكر المؤلف رحمه الله لذلك أدلة ثمانية:
الأول: أن الكفار قالوا إنه شعر، ولا يمكن أن يوصف بذلك إلا ما هو حروفٌ وكلمات.
(الشرح)
الكفار في هذه المسألة، صاروا أعرف بهذه المسألة من المعتزلة، ومن الأشاعرة، أعرف من الأشاعرة، قالوا: إنه شعر، والشعر يكون حروف وكلمات.
(المتن)
(الشرح)
نعم تحداهم الله أن يأتوا بسورةٍ من مثله، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس/38]، وتحداهم بأن يأتي بعشر سور مثله، لم يستطيعون، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود/13]، وتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء/88]. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود/13]. وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/23]. تحداهم أولًا يأتوا بعشر سور، بمثل هذا القرآن، تم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة، فعجزوا.
تحداهم أن يأتوا بمثله؛ يعني بكلمات وحروف مثله، فلو كان القرآن معنى قائما بنفسه للرب، لما أوكلهم أن يأتوا بمثله، كيف يتحداهم بشيء لا يستطيعونه؟ لو لم يكن القرآن حروف وكلمات؛ لما تحداهم الله ليأتوا بمثل هذا القرآن، تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي يسمعونه، وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة/6]، والذي يسمعونه حروف وكلمات؛ فدل على أن القرآن حروف وكلمات، فيه الرد على الأشاعرة.
(المتن)
(الشرح)
هذا الدليل قاطع للرد عليهم؛ أنه أخبر قال: أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العتكبوت/51]، والذي يُتلى عليهم حروف وكلمات؛ دل على أن القرآن حروف وكلمات.
(المتن)
ولا يتلى إلا ما هو حروفٌ وكلمات.
الرابع: أن الله أخبر بأنه محفوظٌ في صدور أهل العلم، ومكتوبٌ في اللوح المحفوظ، قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العتكبوت/49]، وقال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة/ 77-79]، ولا يحفظ ويكتب إلا ما هو حروفٌ وكلمات.
(الشرح)
هذا هو الذي يُحفظ الحروف، والكلمات هو الذي يُكتب.
(المتن)
(الشرح)
القرآن محفوظٌ في الصدور، مكتوبٌ في المصاحف، مقروءٌ بالألسن، وكل هذا حق، فهو محفوظٌ، حفظه القارئ، فهو محفوظٌ في الصدور، إذا علمه فهو معلوم، إذا قرأه فهو مقروءٌ له، إذا كتبه فهو مكتوب، فالقرآن مقروءٌ بالألسن، مكتوبٌ في المصاحف، محفوظٌ في الصدور، كل هذا حقيقة، كيف ما تصرف فهو كلام الله.
(المتن)
(الشرح)
وهذا الصريح في أنه بصوت، من قال: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ، فَلَهَ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ؛ هذا يدل على أن القرآن حروف وكلمات، صريحٌ في هذا.
(المتن)
صححه المؤلف، ولم يعزه، ولم أجد من خرجه.
السادس: قول أبي بكرٍ وعمر: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.
(الشرح)
الشاهد من حفظ بعض حروفه.
(المتن)
(الشرح)
قوله: «من كفر بحرف»؛ أثبت الحرف دل على أن القرآن حروف، التخريج تكلم عليه قول علي؟
(المحقق)
أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير في تفسيره، من طريق شعيب بن الحبحاب قال: كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجلٌ لم يقل: ليس كما يقرأ، وإنما يقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا، قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: أرى صاحبك قد سمع: «أن من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله» وإسناده صحيح.
(الشرح)
على كل حال له شواهد.
(المتن)
(الشرح)
هذا الإجماع حجة؛ إجماع المسلمين، أجمع العلماء على أن من أنكر شيء من القرآن كفر.
(المتن)
(الشرح)
هذا دليل على، افتتاحها بالحروف المقطعة دليل على أنه حروف وكلمات، ماذا بعده؟
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقال المؤلف حفظه الله تعالى:
أوصاف القرآن: وصف الله القرآن الكريم بأوصاف عظيمة كثيرة ذكر المؤلف منها ما يلي:
الأول: أنه كتاب الله المبين أي: المفصح عما تضمنه من أحكامٍ وأخبار.
الثاني:أنه حبل الله المتين أي: العهد القوي؛ الذي جعله الله سببًا للوصول إليه والفوز بكرامته.
(الشرح)
ولهذا قال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران/103]. وقال: تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [القصص/2]، وسماه الكتاب الحكيم: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس/1]. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران/103]، هذا ذكر سماه ذكر، حبل الله المبين، وصفه بأنه حكيم، ووصفه بأنه مبارك.
(المتن)
(الشرح)
ولهذا كان النبي ﷺ إذا نزلت آية قال: ضَعُوهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا، ضعوها في السورة التي تُذكر فيها البقرة.
وقد ثبت أن في صحيح البخاري: أن الحجاج بن يوسف أمير العراق تورع عن قول سورة كذا، قال: لا تقولوا: سورة كذا، ولا تقولوا: سورة كذا، فرُدَّ عليه بأن قول ابن مسعود : أن هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة، وأما تورع الحجاج فلا وجه له، تورع الحجاج يقول: لا تقولوا: سورة كذا، هذا مما خفي في السنة، مما خفي في هذا الحكم على الحجاج.
(المتن)
الرابع: أنه آياتٌ بينات أي: علاماتٌ ظاهراتٌ على توحيد الله، وكمال صفاته، وحسن تشريعاته.
الخامس:أن فيه محكمًا ومتشابهًا، فالمحكم ما كان معناه واضحًا، والمتشابه ما كان معناه خفيًا.
(الشرح)
ويدل على هذا آية آل عمران: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران/7].
المحكم: الواضح المعلوم، والمتشابه: هو الذي يشتبه معناه، والطريقة عند أهل العلم: أن المتشابه يرد به المحكم، يُفسر، وأما أهل الزور فإنهم يتعلقون بالمتشابه. قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ [آل عمران/7].
فالمتشابه إذا أشكل عليه الشيء، تشابه عليه شيء من القرآن، فرده إلى المحكم، فمثلًا إذا استدل النصراني في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر/9]، قال: نحن للجمع؛ دل على أن الآلهة ثلاثة: الله وعيسى ومريم، إِنَّا نَحْنُ؛ ضمير للجمع، نقول له: أنت من أهل الزيغ، المتشابه إذا اشتبه عليك رده إلى المحكم، وهو قوله : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة/163]، فسر هذا بهذا. فنقول: إِنَّا نَحْنُ؛ هذا للواحد نعظم له، العرب تقول: نحن، يقول الواحد للعظمة: نحن، كما يقول الملوك: نحن فعلنا كذا، نحن هزمنا الجيش، نحن فعلنا كذا، نحن أمرنا بما هو آت، وهكذا.
(المتن)
(الشرح)
المحكم يأتي بمعنيين؛ بمعنى متقن الذي لا خلل فيه، ويأتي بمعنى المحكم واضح المعنى، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس/1]؛ المتقن مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمران/7]، يعني الواضحات.
(المتن)
وإذا رددنا المتشابه هنا إلى المحكم صار الجميع محكمًا.
السادس:أنه حقٌ لا يمكن أن يأتيه الباطل من أي جهة قال تعالى: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت/ 42].
السابع:أنه بريءٌ.
(الشرح)
قال سبحانه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء/82].
(المتن)
(الشرح)
من قال: إن القرآن شعر، أو كهانة، أو سحر، فهذا ردة عن الإسلام، هذا قول الكفرة.
(المتن)
(الشرح)
نعم تحداهم الله أن يأتوا بعشر سور، أو يأتوا بسورة.
(المتن)
اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة.
والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويكلمهم، ويكلمونه، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22، 23]، وقال تعالى: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين/ 15]. فلما حجب أولئك في حال السخط، دَلَّ على أنَّ المؤمنين يرونه في حال الرضى، وإلا لم يكن بينهما فرق.
وقال النبي ﷺ إنكم ترَوْنَ رَبَّكُم كّمَا تَرَوْنَ هَذَا القّمَرَ لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه. حديثٌ صحيحٌ متفقٌ عليه. وهذا تشبيهٌ للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير.
(الشرح)
وهذا معتقد أهل السُنة والجماعة: أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، ويكلمه، ويكلمونه، ويزورونه.
وقد تواترت الأحاديث عن النبي ﷺ في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، كما دلت على ذلك الآيات الكريمة، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22، 23]، وقال سبحانه: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق/35]، المزيد هو النظر إلى وجه الله، وقال سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس/26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، جاء تفسيرها في صحيح مسلم، في حديث سلمان .
وقال سبحانه في الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين/15]، الكفار يُحجبون عن الله، قد استدل الإمام الشافعي رحمه الله بهذه الآية على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وقال: لما حُجب هؤلاء؛ يعني الكفرة في السخط، دلَّ على أن المؤمنين يرونه في الرضا، ولو كان المؤمنون لا يرونه لتساووا هم والكفار في الحجب، فلما حُجب الكفار دل على أن المؤمنين لا يحجبون، يرونه، وإلا لتساوى أعداءه وأولياءه، لو كان أولياؤه لا يرونه فهم أعداؤه في الحجب، فلما حجب الكفرة؛ دل على أن المؤمنين يرونه.
وقال عليه الصلاة والسلام: إنكم ترَوْنَ رَبَّكُم كّمَا تَرَوْنَ هَذَا القّمَرَ لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه. وفي لفظٍ: إِنَّكُم تَرَونَهُ كَمَا تَرَونَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ. يقول: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ. وفي لفظ: إِنكُمْ تَرَوْنَ ربَّكُم عيَانًا؛ يعني معاينًا، فهي صريحة واضحة في رؤية المؤمنين لربهم .
فقد أنكر هذا أهل البدع، والمعتزلة، وقالوا: إن الرؤية معناها العلم، فسروها بالعلم، قالوا: إِنَّكُم تَرَونَهُ كَمَا تَرَونَ القَمَرَ، قالوا: إنكم تعلمون ربكم كما تعلمون القمر. لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه. ترون ربكم: تعلمون ربكم، ولا تشكون بالعلم به، كما لا تشكون في القمر أنه قمر، هذا معنى فاسد، لو كان رؤية معناه العلم، تعلمون ربكم كما تعلمون القمر، الشك زائل حتى عن الكفار، حتى عن الشيوعية، الشيوعية الذين ينكرون الله، يوم القيامة يزول عنهم الإنكار، ما قيل: تخصيص للمؤمنين، وبشرى النبي ﷺ، النبي ﷺ بشرهم، بشرهم بشيءٍ عام، تعلمون ربكم كما تعلمون القمر، الكفار يعلمون ربهم يوم القيامة كما يعلمون القمر، يزول الشك حتى عن الكفار، حتى عن الجاحدين، حتى عن الملاحدة، وعن الزنادقة، وعن الشيوعيين، كلهم يزول عنهم الشك يوم القيامة، ما يشكون في ربهم. الذين أنكروا وجود الله، جحدوا وجود الله في الدنيا، يوم القيامة يزول عنهم هذا الجحد، وهذا الشك، فإذا كان معناه ترَوْنَ رَبَّكُم كّمَا تَرَوْنَ هَذَا القّمَرَ لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه. تعلمون ربكم كما تعلمون القمر أنه قمر، لا تشكون في ربكم، هذا معنى فاسد، ومعناه: أن ليس هذا خاصًا بالمؤمنين، ما قيمة تخصيص المؤمنين؟ ما له قيمة؛ لأن هذا عامٌ جميع أهل الموقف يعلمون ربهم ولا يشكون فيه، في العلم به، مؤمنهم وكافرهم؛ فيدل على فساد عقول المعتزلة، وبطلان تأويلهم.
أما الأشاعرة فأثبتوا الرؤية لكن يقولون: أنها غير معقولة، وغير متصورة، أثبتوا الرؤية، وأنكروا الجهة، قالوا: يُرى لا في جهة، ما يثبتوا الفوقية؛ لأن الأشاعرة في الغالب إنهم يكونون بين أهل السُنة، وبين أهل المعتزلة. المعتزلة أنكروا الفوقية، وأنكروا الرؤية، وأهل السُنة أثبتوا الرؤية، وأثبتوا الفوقية، أثبتوا بأن الله تعالى فوق، يرون ربهم من فوقهم، اثبتوا الرؤية والفوقية أهل السُنة. والمعتزلة نفوا الرؤية، أنكروا الرؤية، وأنكروا الفوقية. والأشاعرة أرادوا أن يجمعوا بين مذهب المعتزلة، وبين مذهب أهل السُنة، فأرادوا أن يوافقوا المعتزلة في إنكار الفوقية، قالوا: إن الله ليس فوق، ولم يجرؤوا أن ينكروا الرؤية.