شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب التعليق على لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ( 5 ) من باب الإيمان إلى البعث والحشر

00:00

00:00

تحميل
102

ولا يكفر إلا إذا جحد ربه بقلبه؛ وعلى هذا يكون إبليس مؤمنا على مذهب الجهم، وفرعون مؤمنا؛ لأن عرف ربه بقلبه؛ هذا أفسد ما قيل في تعريف الإيمان أنه هو المعرفة القلبية.

ومثله أيضًا قول الكرامية: إن الإيمان هو الإقرار باللسان.

 وأما مرجئة الفقهاء فلهم روايتان، عَنْ الإمام أبو حنيفة رحمه الله روايتان: 

الرواية الأولى: أن الإيمان شيئان؛ تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل الجوارح واجب آخر ليس من الإيمان. 

والرواية الثانية عن الإمام أبي حنيفة: أن الإقرار باللسان ركن جائز ليس من الإيمان، والإيمان تصديق القلب؛ وهذا مذهب الماتريدية؛ وهذه الأقوال كلها ليست صحيحة. 

والصواب: ما دلت عليه النصوص، ما ذهب إليه جمهور العلماء، والذي دلت عليه النصوص: أن الإيمان: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، أما المرجئة أخرجوا  الأعمال عن مسمى الإيمان، قالوا: وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح ما تدخل في الإيمان، والإقرار باللسان منهم من أدخله، ومنهم من لم يدخله؛ وهذا يخالف النصوص. 

 الطالب: (..) فيكون خارج من الإسلام؟ 

الشيخ: في خلاف الخوارج يكفرون المسلم بالمعاصي، منهم من كفرهم؛ لكن الجمهور على أنهم مبتدعة متأولون. 

 الطالب: يعني أنكروا الوحي لأن الرسول ﷺ ما أتى إلا بالوحي؟ 

الشيخ: نعم، لكن جمهور العلماء على أنهم مبتدعة، على أنهم عصاة؛ وهذا الذي ذهب إليه الصحابة، الصحابة عاملوهم معاملة العصاة، لكن ظاهر النصوص أنهم كفار، وهو قول الثابت، قال: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ

 الطالب: صحة القول عن أبي حنيفة؟ 

الشيخ: أبو حنيفة، الرواية المشهورة: أن الإيمان: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب؛ هذا الذي عليه جمهور أصحابه. 

 والرواية الثانية: أنه تصديق بالقلب فقط، والإقرار باللسان ركن زائد؛ وهذا هو مذهب أبو منصور الماتريدي؛ الماتريدية؛ أن الإيمان تصديق بالقلب فقط؛ لأن أبي حنيفة يعتبر من مرجئة الفقهاء، أول من قال بالإرجاء: حماد بن أبي سليمان؛ شيخ الإمام أبي حنيفة، سموا مرجئة الفقهاء، هم طائفة من أهل السنة، لكن خالفوهم في مسمى الإيمان؛ في اللفظ ووافقوهم في المعنى، وإن كان هذا خلاف له آثار يترتب عليه، ليس لفظيًا من جميع الوجوه. 

أما المرجئة الغلاة؛ تبع الجهم، خلافهم يترتب عليه الفساد في العقيدة، ليسوا من أهل السنة. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: حماد بن أبي سليمان؛ هو أول من قال بالإرجاء. 

 الطالب: (..) ؟ 

الشيخ: صحيح، لا شك أن الإيمان يكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح، كلها أعمال، لكن ابن حبان رحمه الله غير محقق في صحيحه له أغلاط، الإمام ابن حبان في صحيح ابن حبان في أول الجزء الأول في صحيح ابن حبان ذكر فيه ما يتعلق بالعقائد تمشى مع مذهب أهل البدع، ليس من أهل السنة، لا يتمشى معتقد أهل السنة والجماعة. 

 الطالب: (..)؟ 

الشيخ: البيهقي رحمه الله جمع شعب الإيمان حتى أوصلها إلى تسع وسبعين، سماه كتاب شعب الإيمان كل ما ورد في النص من شعب جاء به؛ الصلاة شعبة، والزكاة شعبة حتى أوصلها إلى تسع وسبعين شعبة، البضع من ثلاث إلى تسع، وقال: تحرى عن النبي ﷺ أن شعب الإيمان تصل إلى تسع وسبعين شعبة، وقال: إنه يريد أن يفسر هذا الحديث: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، يعني تحرى، وجمع ما ورد في النص من شعب حتى أوصلها تسع وسبعين، وسمى كتابه: "شعب الإيمان". 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:

فقال المؤلف حفظه الله تعالى:

الإيمان: قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان. 

مثال القول: لا إله إلا الله، ومثال العمل: الركوع، ومثال العقد: الإيمان بالله وملائكته وغير ذلك مما يجب اعتقاده. 

والدليل على أن هذا هو الإيمان قوله تعالى: 

فَأَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأصله في الصحيحين.

والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. 

(الشرح) 

في البخاري: الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وفي رواية مسلم: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً

(المتن) 

والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية لقوله تعالى: فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران/173]. وقوله تعالى: لِيَزْدَادُوا إِيمَانا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح/4]. 

وقال النبي ﷺ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ مِثقَالُ بَرَّةٍ، أَو خَردَلَةٍ أَو ذَرةٍ مِن إِيمَانٍ

(الشرح) 

هذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد ينقص؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، لِيَزْدَادُوا إِيمَانا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح/4].  وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر/31]. الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ في رواية مسلم أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. دلَّ على أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

وذهب المرجئة: إلى أنه لا يزيد ولا ينقص، وأنه شيء واحد، وأنه تصديق بالقلب، وأن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان؛ وهذا قول مرجوح قول ضعيف، وإن كان الأحناف مرجئة فقهاء طائفة من أهل السنة إلا أنهم أخطئوا في المسألة؛ مسألة الإيمان، الإيمان: قول، وعمل، واعتقاد، يزيد، وينقص، والأعمال داخلة في مسمى الإيمان؛ هذا هو الصواب.  

(المتن) 

رواه البخاري بنحوه.

فجعله النبي ﷺ متفاضلًا، وإذا ثبتت ثبت نقصه؛ لأن من لازم الزيادة أن يكون المزيد عليه ناقصًا عن الزائد. 

(الشرح) 

وكذلك الكفر والنفاق يزيد وينقص، قال الله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة/125]؛ فالكفر يزيد ونقص، كما الإيمان يزيد وينقص.  

(المتن) 

فصل: الإيمان بكل ما أخبر به الرسول ﷺ

قال ابن قدامة رحمه الله: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج، وكان يقظة لا منامًا، فإن قريشًا أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات. 

ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى  ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فرد عليه عينه. 

(الشرح) 

وهذا الواجب على كل مسلم أن يؤمن بكل ما أخبر به الله ورسوله ﷺ سواء علم معناه، وعقله أم لم يعقله، يؤمن بالغيبيات، يؤمن بما أخبر الله به؛ الإسراء، والمعراج، بأسري النبي ﷺ على البراق بصحبة جبرائيل من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به  من بيت المقدس إلى السماء، ثم أُتي بالمعراج وهو كهيئة الدرج كهيئة السلم، صعد إلى السموات في ليلة واحدة، صعد إلى السماء الدنيا ثم السماء الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة. 

وجد في السماء الأولى آدم رحب به، وأقرَّ بنبوته، ووجد في السماء الثانية يحيى وعيسى ابني الخالة فرحبا به وأقرَّا نبوته، ووجد في الثالثة إدريس فرحب به وأقرَّ بنبوته، في السماء الرابعة يوسف، والسماء الخامسة هارون، والسماء السادسة موسى، والسماء السابعة إبراهيم، كل واحد يرحب به، ويقر بنبوته، ثم تجاوز السبع الطبقات ؛ ووصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام. وفرض عليه ربه ذو العزة والجلال الصلوات الخمس، كلمه من دون واسطة من وراء حجاب، ثم خففت إلى خمس صلوات، كل هذا في ليلة واحدة.

وأهل الزيغ ينكرون يقولون: ما يمكن أن يكون هذا، كيف يسافر في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس وهي مسافة شهر؟ وكذلك كيف يصعد إلى السماوات؟ لا يمكن؛ لأن البشر، الأجسام ثقيل فلا يمكن أن تصعد إلى العلو بخلاف الأرواح، هؤلاء حكموا عقولهم، اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ [الطلاق/12]. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ [يس/82]. 

قال بعضهم: إن الإسراء في المنام، وقيل: إنه أسرى بروحه دون بجسده، وقيل: إن الإسراء مرارًا، والصواب: أنه مرة واحدة، الإسراء والمعراج مرة واحدة في ليلة واحدة يقظة لا منامًا بروحه وجسده؛ هذا هو الصواب. 

والإسراء ذكره الله في القرآن: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء/1]. 

وكذلك يجب على الإنسان أن يؤمن بالمغيبات التي تكون في المستقبل في آخر الزمان؛ أشراط الساعة؛ ظهور المهدي، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، وكذلك ما أخبر الله به من أحوال البرزخ، وما أخبر به من الحشر، والنشر، والبعث، والجزاء، والصراط، والميزان، والجنة، والنار؛ كل هذا يجب على المسلم أن يؤمن به، ويصدق به.  

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:

فقال المؤلف حفظه الله تعالى: 

السمعيات:

 السمعيات كل ما ثبت بالسمع؛ أي: بطريق الشرع ولم يكن للعقل فيها مدخل، وكل ما ثبت عن النبي ﷺ من أخبار فهي حق يجب تصديقه سواء شاهدناه بحواسنا، أو غاب عنا وسواء أدركناه بعقولنا، أم لم ندركه لقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [البقرة/119] . 

(الشرح) 

السمعيات، المراد بها: الأدلة التي جاء بها السمع وهو القرآن والسنة، يقال لها: السمعيات؛ لأنه مسموعة، يسمعها المسلم، ويصدق بها سواء أدركها العقل، أو لم يدركها.

فالأدلة نوعان: سمعية، وعقلية. 

فالأدلة السمعية: هي الكتاب والسنة، سميت سمعية؛ لأنها تسمع، ويعمل بها. 

أما الأدلة العقلية: هي التي يدركها العقل، فالأدلة السمعية يقابلها الأدلة العقلية.

والواجب على المسلم أن يعمل بالكتاب والسنة سواء أدركه بعقله، أو لم يدركه بعقله؛ لأن هذا هو شأن المؤمن يصدق، ويعمل، لكن إذا عرف الحكمة، وعرف العلة؛ كان هذا نور على نور، وإن لم يعرف؛ فالواجب عليه التصديق، يقول: سمعنا وأطعنا؛ هكذا شأن المؤمن: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور/51]. المؤمن يسمع ويطيع سواء علم الحكمة، أو لم يعلم، ما جاءه في كتاب الله، أو في سنة رسوله ﷺ يسلم الأمر، ويقول: سمعنا وأطعنا، ويمتثل أمر الله، وأمر رسوله ﷺ. 

(المتن) 

وقد ذكر المؤلف من ذلك أمورًا: 

الأمر الأول: الإسراء والمعراج. 

الإسراء لغة: السير بالشخص ليلًا وقيل: بمعنى سرى.

 وشرعًا: سير جبريل بالنبي ﷺ من مكة إلى بيت المقدس لقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء/ 1] الآية. 

والمعراج لغة: الآلة التي يُعْرَجُ بها وهي المصعد.

وشرعًا: السلم الذي عرج به رسول الله ﷺ من الأرض إلى السماء لقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم/ 1-2]. إلى قوله: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم/ 18]. 

وكانا في ليلة واحدة عند الجمهور، وللعلماء خلاف متى كانت، فيروى بسند مُنْقَطِع عن ابن عباس وجابر رضي الله عنه:أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، ولم يعيِّنا السنة. رواه ابن أبي شيبة. 

وَيُرْوَى عن الزهري وعروة: أنها قبل الهجرة بسنة رواه البيهقي، فتكون في ربيع الأول ولم يُعَيِّنا الليلة، وقاله ابن سعد وغيره وجزم به النووي، وَيُرْوَى عن السدي أنها قبلة الهجرة بستة عشر شهرًا رواه الحاكم، فتكون في ذي القعدة وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل: بخمس وقيل: بست. 

وكان يقظة لا منامًا؛ لأن قريشا أكبرته وأنكرته، ولو كان منامًا لم تنكره؛ لأنها لا تنكر المنامات. 

(الشرح) 

هذا هو الصواب: أن الإسراء والمعراج هما من المغيبات، من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها، من السمعيات، أخبر الله تعالى بها في كتابه، وأخبر بها الرسول ﷺ.

والصواب: أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة؛ هذا هو الصواب.  قال بعض العلماء: في ليلتين؛ الإسراء في ليلة، والمعراج في ليلة، والصواب: أن الإسراء والمعراج كان مرة واحدة، وكان يقظة لا منامًا بروحه وجسده قبل الهجرة، على خلاف بين العلماء منهم من قال: قبل الهجرة بسنة، أو بسنتين، أو بثلاث سنين. 

والإسراء؛ معناه: السفر من مكة إلى المدينة على البراق، النبي ﷺ سافر بصحبة جبرائيل على البراق، والبراق دابة فوق الحمار، ودون البغل، خطوته مد بصره، يضع خطوة مد البصر؛ يكون سريعا قطع المسافة في وقت وجيز؛ يعني يضع الحافر؛ منتهى طرفه، منتهى طرفه هو، قد يكون منتهى طرفه طويل، تكون القفزة طويلة، يرفع الحافر، ولا يضعه إلا منتهى طرفه.

وأسري به ﷺ من مكة إلى بيت المقدس، كما قال الله : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الإسراء/1].  

ثم لما وصل بيت المقدس ربط البراق بحلقة الباب الذي يربط به الأنبياء، وجمع له الأنبياء، جاء في الحديث: أنهم جمعوا له إما قبل المعراج، أو بعد المعراج، صلى بهم ﷺ إمامًا، قدمه جبرائيل، وصلى بالأنبياء إمامًا، ثم أتي بالمعراج وهو كهيئة الدرج كهيئة السلم، فعرج به ﷺ من بيت المقدس إلى السماء.  

وقطع هذه المسافة في وقت وجيز، والمسافة بين السماء والأرض مسافة خمس مائة عام، كما في الحديث، قطع هذه المسافة، ومعه جبرائيل عليهما الصلاة والسلام، حتى وصل إلى السماء الدنيا واستفتح جبريل، قَالُوا: مَنْ هَذَا، قَالَ جِبْرِيلُ: قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. ففتح لهما، فيه دليل على أن السماوات لها أبواب، ولها حراس ليس كل أحد يدخل، مع أن الشياطين ما يصلون إلى السماء يرمون بالشهب، ومع ذلك لها حراس، ولذا استفتح جبريل. 

 ثم وجد في السماء الأولى آدم كما جاء في الحديث، وسلم عليه، قال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، ثم صعد إلى السماء الثانية، استفتح جبريل كما استفتح سماء الدنيا، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، وآدم قال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، ثم ووجد في السماء الثانية عيس ويحيى ابني الخالة، فرحبا به وأقرا بنبوته، وقالا: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِح.

ثم صعد إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، فوجد في السماء الثالثة إدريس، فرحب به وأقرَّ بنبوته.

ثم صعد إلى السماء الرابعة، فوجد فيها يوسف فرحب به وأقرَّ بنبوته، ثم ذهب على السماء الخامسة، فوجد فيها هارون، فرحب به وأقرَّ بنبوته، ثم صعد إلى السماء السادسة، فوجد فيها موسى، فرحب به وأقرَّ بنبوته، ثم صعد إلى السماء السابعة، فوجد فيها إبراهيم، فقال، مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ. كلهم قالوا: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِح، إلا آدم وإبراهيم؛ لأنهم في السلسة الأبوية، فوجد إبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور؛ وهو كعبة سماوية؛ يدخله كل يوم سبعون ألف ملك في الطواف، ثم لا يعود إليها آخر الدهر من كثرة الملائكة، كل يوم يدخل سبعون ألف يصلهم الدور من كثرة الملائكة، وهو كعبة، البيت المعمور يقال: يحاذي الكعبة الأرضية في مكة، يحاذيها يعني يسامتها. 

ثم تجاوز ﷺ حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وتجاوزها حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ثم كلمه رب العزة والجلالة من دون واسطة، من وراء حجاب، لم يرَ ربه على الصحيح لكن سمع كلامه بدون واسطة، وفرض عليه رب العزة والجلالة خمسين صلاة في أول الأمر. 

 ثم هبط عليه الصلاة والسلام حتى وجد موسى في السماء السادسة، فسأله: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمسين صلاة في اليوم، والليلة، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَمْ

فعلا به جبرائيل إلى ربه ، فسأل ربه التخفيف، فوضع عنه عشر، وفي رواية خمسًا، ثم هبط إلى السماء السادسة، فسأله موسى، فقال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: «أربعين صلاة، أو خمس وأربعين»، فقال: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك ضعيفة لا تطيق أربعين صلاة في اليوم، والليلة، فاستشار جبريل، فعلا به جبرائيل إلى ربه، وهكذا لم يزل يتردد بين ربه وبين موسى، في كل مرة يضع عنه عشرًا، وفي بعض الروايات خمسة حتى صارت خمس صلوات. 

فهبط النبي ﷺ حتى وصل إلى موسى في السماء السادسة، قال ماذا فرض عليك ربك؟ قال: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، فقال: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمس صلاة في اليوم، والليلة، فقال النبي ﷺ: قَدْ سَأَلْتُ رَبِّيحَتَّى قَدِ اسْتَحْيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَنَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أن أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، هِيَ خَمسٌ فِي العَدَدِ، وَهِيَ خَمسُونَ فِي المِيزَانِ وَالأَجرِ

 هذا يدل على عظم شأن الصلاة، بل أمرها عظيم، في المحل الأعلى، فرضها ربُّ العزة والجلالة من دون واسطة، ثم خففت إلى خمس صلوات؛ يدل على أهميتها، وعناية الإسلام بها، وأنها أعظم صلة، وأعظم علاقة، وأعظم رابطة تصل الإنسان بربه، فالذي لا يصلي قطع الصلة بينه وبين الله؛ ولهذا صارت له من المزايا ما ليس لغيرها؛ هذه المزايا العظيمة تدل على أهميتها. 

الزكاة؛ فرضت في الأرض بواسطة جبريل، الصوم: فرض في الأرض بواسطة جبريل، الحج كذلك، أما الصلاة فرضت في المحل الأعلى، ثم فرضت خمسين، ثم خففت إلى خمس صلوات.

وهذا مما يدل، ويؤيد أن تركها كفر؛ لأن من تركها قطع الصلة بينه وبين الله، ولو لم يجحدها. الصواب: أن تركها كفر، والذي تدل عليه النصوص، لأن النبي ﷺ أخبر الخروج على الأمراء لا يجوز إلا إذا وجد الكفر البواح، وقال في حديث آخر: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ؛ فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح. 

فالإسراء والمعراج من الغيبيات التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، والصواب: أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، وقال بعضهم: في ليلتين، والصواب: إن الإسراء في اليقظة قال بعض أهل العلم: أنه في النوم، الصواب: أنه في اليقظة. 

والصواب: أن الإسراء بالروح والجسد، وقال بعض أهل العلم: الإسراء بالروح والجسد، والصواب أن الإسراء والمعراج مرة واحدة، وقال بعض أهل العلم: مرارًا، قال بعض أهل العلم: أنه في ليلتين، والصواب: إنه في ليلة، قال بعض أهل العلم: أنه في المنام، قال بعض أهل العلم: إنه بالروح فقط، وقال بعض أهل العلم: إنه مرارًا؛ إنه أسرى به عدة مرات، والصواب: إن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، مرة واحدة، في اليقظة لا في النوم، بالروح والجسد. 

وقال بعض الملاحدة، والزنادقة: كيف يصعد الجسد وهو ثقيل؟! ما يستطيع أن يصعد السماوات؛ عارضوا النصوص في آرائهم، وعقولهم الفاسدة، الله على كل شيء قدير، يقول: الأجساد من طبيعتها الثقل، الجسم ما يستطيع أن يصعد بخلاف الروح الملائكة، والجن؛ أرواح تصعد من طبيعتها الخفة؛ هذا اعتراض في عقول فاسدة، ليس من شأن المسلم، شأن المسلم أن يقول: سمعنا وأطعنا؛ يعني يصدق بالغيبيات. 

(المتن) 

وقصته أن جبريل أمره الله أن يسري بالنبي ﷺ إلى بيت المقدس على البراق، ثم يعرج به إلى السموات العلا سماء سماء حتى بلغ مكانًا سمع فيه صريف الأقلام. 

(الشرح) 

هي أقلام القدر؛ التي تكتب القدر. 

(المتن) 

 وفرض الله عليه الصلوات الخمس، واطَّلع على الجنة والنار، واتصل بالأنبياء الكرام. 

(الشرح) 

وفي بعض الروايات: أنه دخل الجنة وأناس، واطلع على النار ورأى أناس يعذبون. 

(المتن) 

وصلى بهم إمامًا، ثم رجع إلى مكة، فحدث الناس بما رأى، فكذبه الكافرون، وصدق به المؤمنون، وتردد فيه آخرون. 

(الشرح) 

شك بعض الناس، وارتد بعض الناس، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ [الإسراء/60]، الفتنة؛ ابتلاء واختبار، صدقه قوم، وكذبه آخرون، ثبت الله المؤمنين. 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:

فقال المؤلف حفظه الله تعالى:  

الأمر الثاني: مجيء ملك الموت إلى موسى 

جاء ملك الموت بصورة إنسان إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ليقبض روحه، فلطمه موسى ففقأ عينه، فرجع الملك إلى الله وقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه وقال: ارجع إليه وقل له: يضع يده على متن ثور فله بما غطى يده بكل شعرة سنة، فقال موسى: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي ﷺ: فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ هذا الحديث ثابت في الصحيحين. 

(الشرح) 

وهذا الحديث ثابت في الصحيحين،  فَلَوْ كُنْتُ، الرسول ﷺ ثَمَّ؛ يعني هناك.

 وهذا كله يجب على المسلم أن يؤمن به من الأمور الغيبية، فالله على كل شيء قدير، والملك قد يأتي في سورة إنسان، الملائكة أعطاها الله القدرة على التصور، والتشكل؛ كان جبريل يأتي إلى النبي ﷺ في صور متعددة أتى في صورة دحية الكلبي، وأتى في صورة رجل رآه الصحابة شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ورآه في صورته التي خلق عليها له ست مائة جناح، كل جناح يملأ ما بين السماء والأرض مرتين؛ مرة في الأرض عند البعثة، ومرة في السماء، وكذلك أيضًا ملك الموت يأتي في صورة رجل فلطمه، ففقأ عينه، ثم رجع إلى ربه فرجع فأصلح له عينه؛ كل هذا يجب على الإنسان أن يؤمن به من الأمور الغيبية. 

(المتن) 

وإنما أثبته المؤلف في العقيدة؛ لأن بعض المبتدعة أنكره معللًا ذلك بأنه يمتنع أن موسى يلطم الملك.

ونرد عليهم بأن الملك أتى موسى بصورة إنسان لا يعرف موسى من هو، يطلب منه نفسه، فمقتضى الطبيعة البشرية أن يدافع المطلوب عن نفسه، ولو علم موسى أنه ملك لم يلطمه؛ ولذلك استسلم له في المرة الثانية حين جاء بما يدل أنه من عند الله؛ وهو إعطاؤه مهلة من السنين بقدر ما تحت يده من شعر ثور

(الشرح) 

الله تعالى أعطاه أنه يضع يده على متن ثور، يعني على ظهر ثور؛ فله بكل ما مست يده من شعرة سنة، لكن الله جعل في قلب موسى أن يختار الموت الآن، قال: ثم ماذا؟ إيش بعد هذه السنين؟ قال: بعدها الموت لا بد منه، قال: الآن، إذا كان الموت لابد منه فالآن.  

فالله تعالى جعل في قلب موسى أن يختار الموت الآن؛ لأن الله قدر أن يموت في هذا الحال، الله خيره؛ لأنه قد جاء في الحديث: مَا مِن نَبِيٍّ يَمُوتُ إلَّا يُخَيَّرُ، فخير، ولكن الله قذف في قلبه أن يختار الموت الآن؛ لأن الموت كتب في ذلك الوقت. 

المقصود: أن هذا من الأمور الغيبية، فيجب على الإنسان أن يؤمن بها، أمور الغيب يجب على المسلم أن يؤمن بها، بأشراط الساعة ما يكون في آخر الزمان، ما يكون في القبر سؤال الملكين؛ منكر ونكير، عذاب القبر ونعيمه، توسيع القبر وتضيقه، البعث بعد الموت، وقوف الناس عراة بين يد الله، الحشر والنشر، تطاير الصحف، موازين الأعمال، وموازين الأشخاص، الحوض، والمرور على الصراط، والجنة والنار؛ كل هذا الأمور الغيبية يجب على المسلم أن يؤمن بها الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/3]. 

ماذا يقول في تعليق الحاشية؟ 

(المحقق) 

قال الإمام ابن حبان في صحيحه تحت عنوان: ذكر خبر شنع به على منتحلي سنن المصطفى ﷺ من حُرِمَ التوفيق لإدراك معناه، ثم قال عقب روايته: «إن الله جلا وعلا بعث رسوله ﷺ معلمًا لخلقه، فأنزله موضع الإبانة عن مراده فبلغ ﷺ رسالته وبيَّن عن آياته بألفاظ مجملة ومفصلة، عقلها عنه أصحابه، أو بعضهم. وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق؛ وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: أَجِبْ رَبَّكَ أمر اختبار وابتلاء، لا أمرًا يريد الله جلا وعلا إمضاءه كما أمر خليله ﷺ بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جلا وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين، فداه بالذبح العظيم. وقد بعث الله جلا وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها، كدخول الملائكة على إبراهيم، ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسوله ﷺ.  

(الشرح) 

وقدم لهم الضيافة، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ۝ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ، ما عرفهم؛ هم ملائكة جاءوا في صورة آدميين، في الآية الأخرى: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ؛ أي إلى الطعام نَكِرَهُمْ [هود/70]؛ استنكرهم، وأوجسوا منه خيفة، قَالُواْ لاَ تَخَفْ [هود/70]، فأخبروه أنهم ملائكة، ثم جاءوا إلى لوط ولا عرفهم بعد ذلك في سورة الإنسان، حتى جاءه قومه يهرعون، وأصاب لوط كرب وشدة، خاف على أضيافه، فلما رأوا ذلك أخبروه أنهم ملائكة، قالوا: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود/81]. 

(المحقق) 

وكمجيء جبريل إلى رسوله ﷺ، وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام والإحسان، فلم يعرفه المصطفى ﷺ حتى ولى، فكان مجيء ملك الموت إلى موسى  على غير الصورة التي كان يعرفه موسى  عليها، وكان موسى غيورًا فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها، ولما كان المصرِّح عن نبينا ﷺ في خبر ابن عباس حيث قال: أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ فذكر الخبر، وقال في آخره: هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد يتفق مع بعض شرائع من قبلنا من الأمم. ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر في بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه؛ للأخبار الجمَّة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا كان جائزًا اتفاق هذه الشريعة: شريعة موسى، بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه. 

(الشرح) 

يعني يقول: شريعتنا وافقت شريعة موسى، فقد جاء في الحديث: لَوْ أَنَّ أَحَدًا اطَّلَعَ عَلَى بَيتِكَ مِن غَيرِ إِذنِكَ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ، ولما رأى النبي ﷺ رجلًا يطلع من شق عليه، وكان معه مدرة يحك بها رأسه، فكان يختله يريد أن يفقأ عينه».  

وفي الحديث الآخر: لَوْ أَنَّ أَحَدًا اطَّلَعَ عَلَى بَيتِكَ مِن غَيرِ إِذنِكَ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ،؛ تكون هدر هذه العين؛ فإذا اطلع إنسان على إنسان من شباك، أو من السطح، أو من شق الباب، ثم ضرب عينه ما عليه شيء تكون هدر؛ لأن هذه العين هي التي تجاوزت الحد، وهذا كذلك الملك دخل البيت، وموسى غيور  لما رأى رجل في بيته لطمه ففقع عينه وليس عليه جناح، ولهذا أصلح الله عينه،  ما يدري يظن أنه إنسان، هو ملك في صورة إنسان. 

(المحقق) 

فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحًا له ولا حرج عليه في فعله، فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا من قبل إذ قال الله له: قل له: إن شئت فضع يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة، فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاءه بالرسالة من عند الله طابت نفسه بالموت ولم يستمهل وقال: فالآن. فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت ما استعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حمالة الحطب ورعاة الليل يجمعون ما لا ينتفعون به ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام جهلًا منهم بمعاني الأخبار وترك التفقه والآثار، معتمدًا في ذلك على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس. أ. هـ. 

(الشرح) 

هذا الكلام لابن حبان؟. 

 الطالب: نعم. 

(المتن) 

صلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين؛ أمَّا بعد:

قال المؤلف حفظه الله تعالى:  

الأمر الثاني: مجيء ملك الموت إلى موسى 

جاء ملك الموت بصورة إنسان إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ليقبض روحه، فلطمه موسى ففقأ عينه، فرجع الملك إلى الله وقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال: ارجع إليه وقل له: يضع يده على متن ثور فله بما غطى يده بكل شعرة سنة فقال موسى: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي ﷺ: فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ  وهذا الحديث ثابت في الصحيحين.  

(الشرح) 

ها الحديث ثابت في صحيح البخاري، القصة ثابتة؛ وهو أن ملك الموت جاء في صورة إنسان إلى موسى ليقبض روحه، فلطمه ففقأ عينه، والملك أعطاه الله القدرة على التشكل والتصور، تصور في صورة إنسان كما جاء جبريل إلى النبي ﷺ في صورة دحية الكلبي، ورآه الصحابة في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، وسأل النبي ﷺ عن الإسلام، والإيمان، فتعجب الصحابة، كونه مسافرا، والأسفار في ذلك الزمان ليست كالأسفار الآن، الذي يأتي من السفر ثيابه متسخة، شعره كذلك مغبر، وهذا الرجل ثيابه شديدة البياض، شعره أسود ليس فيه غبرة تعجبوا، وسأل عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، ثم أخبرهم أنه جبريل، فالملائكة أعطاهم الله القدرة على التصور، كذلك الجن يتصورون. 

فلما لطمه رجع إلى ربه، وردَّ الله عليه عينه، وقال له ارجع إليه فقل له: ضع يدك على متن ثور؛ يعني على ظهر ثور، فلك بكل ما مست يدك من الشعر سنة، كل شعرة مقابل سنة، كم تغطي اليد إذا وضعها على متن الثور؟ شعرات كثيرة، لكن الله ألقى في قلب موسى  أنه يطلب الموت الآن، قال: ماذا بعد ذلك؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، إذا كان الموت لا بد منه فالآن، والله قدر؛ لأن عمر موسى محدد لا يزيد ولا ينقص، ولكن الله ألقى في قلبه أنه يطلب الموت الآن، قال النبي ﷺ: سَأَلَ رَبَّهُ أَن يُدنِيَهُ مِن الأّرضِ المقدسة، ومن المكان المقدس قدر رمية حجر، قال النبي ﷺ «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ . 

(المتن) 

وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، وإنما أثبته المؤلف في العقيدة؛ لأن بعض المبتدعة أنكره معللًا ذلك بأنه يمتنع أن موسى يلطم الملك.

ونرد عليهم بأن الملك أتى موسى بصورة إنسان لا يعرف موسى من هو، يطلب منه نفسه، فمقتضى الطبيعة البشرية أن يدافع المطلوب عن نفسه، ولو علم موسى أنه ملك لم يلطمه ولذلك استسلم له في المرة الثانية حين جاء بما يدل أنه من عند الله وهو إعطاؤه مهلة من السنين بقدر ما تحت يده من شعر ثور. 

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ومن ذلك أشراط الساعة مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم  فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل. 

(الشرح) 

فأشراط الساعة يجب الإيمان بها، فهي ثابتة.

وأشراط الساعة كما ذكر العلماء هي أشراط صغرى، وأشراط كبرى. 

الأشراط الصغرى مضى كثير منها، ولا زلنا فيها الآن. ومنها بعثة النبي ﷺ؛ فإنه نبي الساعة، قال ﷺ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وأشار بالسبابة والوسطى.  

ومنها: موته ﷺ، ومنها: فتح بيت المقدس، ومنها أيضًا: ما حصل من الحروب في عهد الصحابة، ومن بعدهم، ومنها ما جاء في الأحاديث: فِتنَةٌ لَا تَترُكُ بِيتًا إلَّا دَخَلَتهُ، (..) والخسوف في المشرق والمغرب، ومنها إضاعة الأمانة، وإضاعة الصلوات، ومنها تقارب الأسواق إلى آخر ما جاء في الأحاديث.

ومنها أشراط الساعة الكبار التي تتبع الساعة وهي عشر:

أولها: المهدي، ولم يذكرها المؤلف رحمه الله، وهو رجل من سلالة النبي ﷺ؛ من سلالة فاطمة، اسمه كاسم النبي ﷺ، وكنيته كنيته: محمد بن عبد الله المهدي. هذه أول أشراط الساعة الكبار، يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، يبايع له بين الركن والمقام في وقت ليس للناس فيه إمام، وفي زمنه تكثر الفتن؛ فتن كثيرة، وأهل السنة والجماعة يحصرون في الشام من جهة بيت المقدس.

ثم يخرج في زمانه الدجال؛ رجل من بني آدم؛ وهو العلامة الثانية، يدعي الصلاح أولًا وأنه صالح، ثم ينتقل ويدعي النبوة، ثم ينتقل ويدعي الربوبية؛ ثلاثة أطوار:  

أولًا: يدعي أنه رجل صالح.  

ثانيًا: ثم يدعي أنه نبي.  

ثالثًا: ثم يدعي الربوبية؛ يقول للناس أنا ربكم والعياذ بالله. 

 ومعه خوارق؛ يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويقتل رجلًا فيقطعه نصفين فيستوي قائمًا؛ هذا كله أخبر به النبي ﷺ، ثابت في الأحاديث الصحيحة، ويمكث في الأرض أربعون؛ اليوم الأول طوله كسنة؛ تطلع الشمس لا تغيب إلا بعد سنة، والثاني كشهر؛ طوله شهر، والثالث كجمعة، وبقية الأيام مثل أيامنا.  

العلامة الثالثة: ثم ينزل عيسى من السماء؛ ويقتل الدجال، خروج الدجال بعد الحرب بعد فتح القسطنطينية، تفتح القسطنطينية يُعَلِّقُونَ سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي  أَهْلِيكُمْ. ونزول عيسى بن مريم في زمن الدجال، فيقتله.

ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى؛ هذه أربع أشراط متوالية؛ المهدي، ثم الدجال، ثم عيسى، ثم يأجوج ومأجوج.

ثم تتابع بقية أشراط الساعة، يبقى ست:

منها: الدخان الذي يملأ الأرض يصيب المؤمن كهيئة الزكام، ويصيب الكافر شدة عظيمة.

ومنها: هدم الكعبة والعياذ بالله.  

ومنها: نزع القرآن من المصاحف، ومن الصدور.

ومن آخرها طلوع الشمس من مغربها، والدابة؛ وهما مختلفتان، فأيهما ما خرجت فالأخرى على أثرها قريبة.

ثم آخر الأشراط، قبل ذلك تأتي ريح طيبة تأخذ أرواح المؤمنين، والمؤمنات.

ثم تأتي آخر ذلك النار تحشر الناس من قعر عدن؛ تسوقهم إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا؛ كل هذا دلَّت عليه الأحاديث، ومن تخلف أكلته، وقبلها تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الكفرة فعليهم تقوم الساعة أعوذ بالله. 

(المتن) 

الأمر الثالث: أشراط الساعة: 

الأشراط جمع شرط وهو لغةً: العلامة، والساعة لغةً: الوقت، أو الحاضر منه، والمراد بها هنا القيامة، فأشراط الساعة شرعًا العلامات الدالة على قرب يوم القيامة قال الله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد: 18]. 

وذكر المؤلف من أشراط الساعة ما يأتي: 

أولًا: خروج الدجال، وهو لغة: صيغة مبالغة من الدجل وهو الكذب والتمويه وشرعًا: رجل مموه يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبية.

وخروجه ثابت بالسنة والإجماع، قال النبي ﷺ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ رواه مسلم.  وكان النبي ﷺ يتعوذ منه في الصلاة متفق عليه، وأجمع المسلمون على خروجه. 

وقصته: أنه يخرج من طريق بين الشام والعراق، فيدعو الناس إلى عبادته، فأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب. ويتبعه سبعون ألفًا من يهود أصفهان فيسير في الأرض كلها كالغيث استدبرته الريح إلا مكة والمدينة؛ فيمنع منهما ومدته أربعون يومًا، يوم كسنةٍ، ويوم كشهر، ويوم كجمعةِ وباقي أيامه كالعادة.  

وهو أعور العين مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرؤه المؤمن فقط، وله فتنة عظيمة منها: أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، معه جنة ونار فجنته نار وناره جنة، حذر منه النبي ﷺ وقال: مَنْ سَمِعَ بهِ فَليَنأََ عَنهُ، ومَنْ أَدْرَكَهُ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ أو بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْكَهْفِ

(الشرح) 

كل هذا ثابت بالأحاديث. 

(المتن) 

ثانيًا: نزول عيسى ابن مريم:

نزول عيسى ابن مريم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. 

قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء: 159]؛ أي: موت عيسى وهذا حين نزول كما فسره أبو هريرة بذلك. 

(الشرح) 

وقال تعالى:  وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف/61]. وفي قراءة: وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ [الزخرف/61]؛ أي نزول عيسى؛ وهذا من الأدلة  وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف/61]، وفي قراءة:وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ [الزخرف/61]، وقوله: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء/159]، في سور النساء، والآية الأولى في سورة الزخرف. 

(المتن) 

أي: موت عيسى وهذا حين نزول كما فسره أبو هريرة بذلك. 

وقال النبي ﷺ: واللَّهِ، لَيَنْزِلَنَّ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا وَعَدلًا الحديث متفق عليه. 

وقد أجمع المسلمون على نزوله، فينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال حتى يدرك بباب لدٍ فيقتله، ويكسر الصليب ويضع الجزية، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين، ويحج ويعتمر. 

(الشرح) 

يكسر الصليب لبيان بطلان ما عليه النصارى من عبادة الصليب، ويقتل الخنزير، وتكون السجدة لله، في الحديث: حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا، لأنه معه أشراط الساعة، قرب قيامها. 

(المتن) 

كل هذا ثابت في صحيح مسلم، وبعضه في الصحيحين كليهما، وروى الإمام أحمد وأبو داود أن عيسى يَبقَى بَعْدَ قَتْلِ الدَّجَّالِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ

(الشرح) 

ماذا قال في تخريجه؟ 

(المحقق) 

حديث صحيح: رواه أحمد، وأبود داود، وابن حبان، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي. وابن أبي شيبة، وابن جرير، من حديث أبي هريرة ، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند. 

(الشرح) 

المسألة فيها خلاف بين أهل العلم في وقته، قال بعضهم: يمكث أربعين سنة، وفي بعضها: أن مدة عمره؛ يعني قبل رفعه إلى السماء مع نزوله فيكون سبع سنوات، هو رفع وابن ابن ثلاثة وثلاثين، فتكون سبع سنوات؛ لأنه جاء في بعضها يمكث سبع سنين، والله أعلم تحتاج إلى جمع الأدلة، والأحاديث في هذا، وما وجد في كلام العلماء. 

(المتن) 

وذكر البخاري في تاريخه أنه يدفن مع النبي ﷺ فالله أعلم. 

ثالثًا: يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان، أو عربيان مشتقان من المأج وهو الاضطراب، أو من أجيج النار وتلهبها. 

وهما أمتان من بني آدم موجودتان بدليل الكتاب والسنة. 

قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ۝ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [الكهف/93، 94] الآيات. 

(الشرح) 

فيأجوج ومأجوج؛ أمتان من بني آدم؛ الأمة اسمها: يأجوج، والأمة الثانية: مأجوج، من الحركة والأجيج لكثرتهما؛ وهما أمتان كافرتان، وجاء في الحديث الآخر: «أن الله تعالى يقول لآدم يوم القيامة: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ من بعث النار؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إلى النار وواحد إلى الحنة، فشق ذلك على الصحابة، فقال: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ، فهم أمتان كافرتان. 

(المتن) 

وقال النبي ﷺ: يَقُولُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ: يَا آدَمُ، قُم فَابعَث بَعثَ النَّارِ مِن ذُرِّيَّتِكَ إلى أن قال رسول الله ﷺ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ وَاحِداً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا أخرجاه في الصحيحين. 

وخروجهم الذي يكون من أشراط الساعة لم يأتِ بعد ولكن بوادره وجدت في عهد النبي ﷺ فقد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها.

 وقد ثبت خروجهم في الكتاب والسنة: قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ۝ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء/96-97]. وقال النبي ﷺ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ... فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. رواه مسلم.

وقصتهم في حديث النواس بن سمعان أن النبي ﷺ قال في عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ

(الشرح) 

لَا يَدَانِ؛ يعني لا قدرة، ولا طاقة، لا قدرة لأحد بقتالهم، والمراد أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، المراد: العبودية العامة.

العبودية تنقسم إلى قسمين: عبودية عامة. عبودية خاصة. 

العبودية العامة: كل الناس معبد لله؛ مذللون مقهورون، فيأجوج ومأجوج من عباد الله؛ يعني المعبدون المدللون. 

أما العبودية الخاصة: فهي خاصة بالمؤمنين، يعبدون الله بطوعهم واختيارهم.

قوله في الحديث: أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، يعني من العبيد الذين خلقهم الله، ودبرهم، وتنفذ فيهم مشيئته، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ. يعني لا قدرة، ولا طاقة لأحد بقتالهم؛ ولهذا أمر الله عيسى أن يتحرز والمؤمنين إلى جبل الطور؛ لشرهم، ثم دعا عليهم بعد ذلك، فأهلكهم الله كنفس واحدة. 

(المتن) 

لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ،وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ

(الشرح) 

يهبطون من الجبل بعد ما قتل الله يأجوج ومأجوج. 

(المتن) 

فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ. رواه مسلم. 

 الطالب: (..)؟ 

الشيخ: هو نبي، عسى وهو أفضل هذه الأمة، أفضل هذه الأمة بعد نبينا ﷺ عيسى؛ يعني نبي ومن هذه الأمة، ثم يليها أبو بكر الصديق، هو نبي أفضل من الصحابة، قد يقال: يجتمع فيه الأمران؛ نبي، وصحابي، هو من هذه الأمة، لكن رأى غيره لكن رآهم بأرواحهم أما عيسى رآه بجسده وروحه وهو نبي أفضل من كل الصحابة، له نبوة، فهو أفضل من الصحابة؛ وهذا له وجه، فيقال: نبي وصحابي، ومن هذه الأمة. 

 الطالب: (..)؟ 

الشيخ: ما أذكر شيء يدل على أنهم أنبياء. 

(المتن) 

صلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين؛ أمَّا بعد:

قال المؤلف حفظه الله تعالى: 

رابعًا: خروج الدابة:

الدابة لغة: كل ما دب على الأرض. والمراد بها هنا الدابة التي يُخْرجها الله قرب قيام الساعة.

وخروجها ثابت بالقرآن والسنة. قال الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل/82]. وقال النبي ﷺ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهَا عَشْرُ آيَاتٍ... وذكر منها الدابة رواه مسلم. 

وليس في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل على مكان خروج هذه الدابة وصفتها وإنما وردت في ذلك أحاديث في صحتها نظر.

وظاهر القرآن أنها دابة تنذر الناس بقرب العذاب والهلاك والله أعلم. 

(الشرح) 

خروج الدابة من أشراط الساعة الكبار، سبق الكلام في الدرس الماضي: أن أشراط الساعة قسمها العلماء إلى قسمين: أشراط صغرى، وأشراط كبرى. 

وأن أشراطها الصغرى: من أولها بعثة النبي ﷺ؛ لأنه نبي الساعة، وموته، وفتح بيت المقدس، وأشياء كثيرة خرجت؛ منها: إضاعة الأمانة، وإماتة الصلاة، وكثرة العقوق، وتقارب الأسواق، والنار التي خرجت في المدينة في القرن السابع الهجري قد أضاءت لها أعناق الإبل بالشام، وتزال نحن فيها في تزايد.

أما أشراط الساعة الكبار؛ فهي عشر، وهي متتابعة، تشبه بالعقد إذا انقطع تتابع الخرز. 

وأولها كما سبق: خروج المهدي؛ وهو رجل من آل النبي ﷺ، من سلالة فاطمة، اسمة كاسم النبي ﷺ، وكنيته كنيته؛ محمد بن عبد الله المهدي، يملأ الأرض عدلًا، يبايع له الخلافة في آخر الزمان بين المقام والباب في وقت ليس للناس فيه إمام؛ وقت ما في إمام يبايع له في ذاك الوقت، يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا.  والفتن كثيرة في هذا الوقت حتى إن أهل السنة والجماعة يحصرون في الشام.

ثم العلامة التالية تخرج في زمن المهدي؛ الدجال، ثم العلامة الثالثة: نزول عيسى بن مريم من السماء، ويقتل الدجال، ثم العلامة الرابعة: خروج يأجوج ومأجوج؛ هذه متتابعات أربع، مرتبة.

ثم بعد ذلك تتابع أشراط الساعة؛ منها: هدم الكعبة، ومنها: الدخان الذي يملأ الأرض، ومنها: نزع القرآن من المصاحف، من الصدور، ومن آخرها: خروج الدابة ، وطلوع الشمس من مغربه، فخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها من أشراط الساعة الكبار التي تخرج قرب الساعة.

وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها مقترنتان؛ فأيهما ما خرجت فالأخرى على إثرها قريبة.  إن خرجت الدابة قبل طلوع الشمس، طلعت الشمس بعدها مباشرة، وإن طلعت الشمس قبل خروج الدابة؛ خرجت الدابة، طلوع الشمس من مغربها، ثم يغلق باب التوبة، فليس هناك إيمان جديد؛ الكل يبقى على ما كان؛ المؤمن على إيمانه، والكافر على كفره. 

والدابة تسم الناس، جاء في الآية لتسم الناس في وجوههم، فالمؤمن تسمه بسمة بيضاء؛ نقطة بيضاء؛ فيبيض لها وجه، والكافر تسمه بسمة سوداء؛ فيسود لها وجهه، فينقسم الناس إل قسمين: سود الوجوه. وبيض الوجوه. 

وتطلع الشمس من مغربها، ويغلق باب التوبة، والكافر يبقى على كفره، والمؤمن على إيمانه، ثم يتبايع الناس في أسواقهم خذ هذا يا مؤمن، بع هذا يا كافر؛ يعرف الكافر من المؤمن، طلعت الشمس من مغربها، وليس هناك إيمان جديد، لهذا قال هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا  [الأنعام/ 158]، جاء في تفسير بعض الآيات أنها: طلوع الشمس من مغربها. 

(المتن) 

الخامس: طلوع الشمس من مغربها: 

 طلوع الشمس من مغربها ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام/158]. والمراد بذلك طلوع الشمس من مغربها. 

وقال النبي ﷺ: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ: لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام/ 158]. متفق عليه. 

(الشرح) 

وهما كما سبق: خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها من آخر أشراط الساعة الكبار، وبعدها النار التي تحشر الناس؛ نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس إلى المحشر، إلى أرض الشام في فلسطين، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وقبلها تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين، والمؤمنات، لا يبقى في الأرض مؤمن إلا تقبضه هذه الريح الطيبة، ثم تقوم الساعة على الكفرة، لا تقوم الساعة إلا على الكفرة، إذا خلت الدنيا من الإيمان والتوحيد قامت القيامة، فسد هذا العالم وخرب، خراب هذا العالم في خلوه من التوحيد والإيمان، فما دام في توحيد وإيمان، وفي من يذكر الله، ويتكلم بكلمة التوحيد؛ لا تقوم الساعة، وإذا خلا من التوحيد والإيمان؛ خرب؛ وقامت القيامة. 

(المتن) 

وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي ﷺ منه، وأمر به في كل صلاة. 

(الشرح) 

ما ذكر المؤلف رحمه الله خروج النار التي تخرج من قعر عدن؛ وهي من آخرها، ولا ذكر الدخان، وهدم الكعبة.

أشراط الساعة عشر تتابع: أولها: المهدي، ثم خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم خروج يأجوج ومأجوج؛ هذه الأربع مرتبة، ثم بعد ذلك بقية الأشراط غير مرتبة، إلا من آخرها طلوع الشمس من مغربها، والدابة، وقبلها: هدم الكعبة، والدخان، ونزع القرآن من الصدور، ثم آخر الأشراط نار تخرج من اليمن من قعر عدن، تسوق الناس إلى أرض المحشر تبيت معهم إذا باتوا؛ إذا جاء بالليل وقفت لتبيت الناس، وإذا جاء الصباح  ساقتهم ومن تخلف أكلته، إذا جاء وقت القيلولة وقفت حتى يقيل الناس، فإذا انتهت القيلولة تسوقهم، وتحشرهم، ومن تخلف أكلته. 

(المتن) 

وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق، والبعث بعد الموت حق، وذلك حين ينفخ إسرافيل  في الصور: فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس/51]. 

الفتنة لغة: الاختبار، وفتنة القبر سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه ﷺ. 

وهي ثابتة بالكتاب والسنة. قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم/27]. وقال النبي ﷺ: المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي القَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: تَعَالَى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم/27] متفق عليه. 

والسائل ملكان لقول النبي ﷺ: إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ... رواه مسلم. 

 واسمهما: منكر ونكير، كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا وقال: حسن غريب، قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم.

والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح، وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح ترجيح السؤال.

ويستثنى من ذلك الشهيد لحديث رواه النسائي، ومن مات مرابطًا في سبيل الله لحديث رواه مسلم. 

(الشرح) 

فتنة القبر، الفتنة: هي السؤال؛ وفي الحديث: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُسأَلُ فِي قُبُورِهَا، والفتنة هي السؤال، وهي أن كل واحد إذا مات وضع في قبره يُسأل عن الأصول الثلاثة؛ الرب، وعن دينه، وعن نبيه؛ من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ هذه الأصول الثلاثة. 

الرسالة التي ألف فيها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب الأصول الثلاثة؛ معرفة الإنسان ربه، ومعرفة الإنسان دينه، ومعرفة الإنسان نبيه؛ هذه الأصول الثلاثة يُسأل الإنسان عنها إذا وضع في قبره، يسأله الملكان، ويقال لهما: الفتنان، يقال لأحدهما: منكر، ويقال للثاني: نكير. 

وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل: أن المؤمن إذا سأله، قال مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَن نَبِيُّكَ؟ أَو: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ

وأن روحه تصعد إلى السماء، وتفتح لها أبواب السماء، وأنه يخرج منها أحسن رائحة وجدت على سطح الأرض، كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، وينادي منادي من السماء، يقول: أن صدق فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، ويفتح لها باب الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها نسأل الله الكريم من فضله. 

وأما الكافر، أو الفاجر؛ فإنه يسأل ولا يستطيع أن يجيب، يقال له: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: مَن نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، فيقال: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيتَ؛ يعني لا علمت الحق بنفسك، ولا تبعت من يعلم الحق، فيضرب بمرزبة من حديد؛ فيصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إلا الثقلين؛ لأنه لو سمعها صعق.  

وأن روحه تعالج؛ المؤمن تخرج روحه بسهولة كما تخرج القطرة من فيّ السقاء، وأما الكافر لا تخرج حتى تنتزع وهي شديدة كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، وإذا خرجت منه خرجت كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض؛ فهي خبيثة، فإذا صعد بها إلى السماء أغلقت أبوابها منها، وينادي منادي من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار، فيفتح له باب من النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه نسأل الله السلامة والعافية؛ هذا ثبت في حديث البراء وغيره، فلا بد من الإيمان بفتنة القبر، وكذلك عذاب القبر ونعيمه. 

 الطالب: هل ثبت تسميتهما؟ 

الشيخ: نعم، ثبت تسميتهما، يقال لأحدهما: منكر في الحديث: أنه إِذَا وُضِعَ المَيِّتُ فِي القّبرِ يَأتِيهِ رَجُلَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، جاء تسميتهما. 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:

فقال المؤلف حفظه الله تعالى: 

عذاب القبر أو نعيمه حق ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة وإجماع أهل السنة قال الله تعالى في سورة الواقعة: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ [الواقعة/83-84]. إلى قوله: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ [الواقعة/88، 89]. 

(الشرح) 

هذه الآية تدل على عذاب القبر ونعيمه فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ [الواقعة/83-84]؛ عند الموت. ثم جعلهم قسمين:  فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ۝ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ

وكذلك قوله تعالى هذا دليل على تنعم الروح: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعدُونَ [فصلت/30]؛ هذا يبشر في الدنيا عند خروج الروح.  

ومن الأدلة على تعذيب الروح، قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام/93]. وكذلك قوله تعالى في سورة الأنفال:  إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق

هذا من عذاب القبر عند خروج الروح؛ هذه الآيات كلها دليل على عذاب القبر ونعيمه، والسنة صريحة في هذا في حديث الطويل، في حديث البراء بن عازب، فيه أن المؤمن تخرج روحه تسيل كما تسيل قطرة فيّ السقاء، وأنها تصعد إلى السماء، ويخرج منها ريح كأحسن ريح وجدت على وجه الأرض، وأنه يوسع له في قبره، ويأتيه رجل حسن الوجه، وحسن الثياب، والكافر بالعكس، تنتزع روحه نزعًا، ويخرج منها كأنتن ريح وجدت؛ كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، وتغلق أبواب السماء دونها، ثم تطرح روحه إلى الأرض طرحًا، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويدخل عليه رجل قبيح الوجه، قبيح المنظر؛ وهو عمله؛ كل هذا من الأدلة على عذاب القبر ونعيمه. 

قصة الرجلين اللذان يعذبان أحدهما لا يستنزه من البول، والثاني يمشي بالنميمة، فالأدلة في هذا كثيرة. 

(المتن) 

وكان النبي ﷺ يتعوذ بالله من عذاب القبر وأمر أمته بذلك. 

(الشرح) 

وهذا من الأدلة: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وشرع للأمة أن يستعيذوا بالله منهم؛ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؛ هذا من أدلة عذاب القبر. 

(المتن) 

وقال النبي ﷺ في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر، قال في المؤمن: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ وقال في الكافر: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ؛ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ الحديث رواه أحمد وأبوداود.  

وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب الروح.

وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو ونرد عليهم بأمرين: 

الأول: دلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف على ذلك. 

 ثانيًا: إن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، فليس العذاب، أو النعيم في القبر كالمحسوس في الدنيا. 

(الشرح) 

فهؤلاء الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، وبالعقليات ينكرون عذاب القبر، بعض الملاحدة، وبعض المعتزلة، وغيرهم من أهل البدع ينكرون عذاب القبر ونعيمه، يقولون: لو كشفنا القبر ما وجدنا فيه نعيم، ولا عذاب، ولا وجدنا فيه ثعابين، ولا وجدنا فيه نار، وكيف يضيق عليه قبره، وهذا يوسع مد البصر؟! وإذا كشفنا القبرين وجدناهم شيء واحد؛ المساحة واحدة، مساحة هذا ومساحة هذا، كيف هذا يضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وهذا يفسح في قبره مد البصر؟! 

نقول: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، أمور البرزخ ليست كأمور الدنيا، فنحن الآن لو كشفنا ما وجدنا شيئًا، لكن الميت يحس بهذا؛ كل هذه الأمور يدركها وتقع، ويلابسها، كونه يعذب وينعم، ويشتعل عليه قبره نار، ويفسح في قبره مد البصر، وهذا يضيق عليه؛ كل هذه أمور من أمور البرزخ؛ ما تقاس على أمور الدنيا؛ هذه أمور الغيب، لكن هؤلاء المبتدعة والملاحدة لا يؤمنون إلا بما تدركه عقولهم بزعمهم. 

(المتن) 

هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن؟ 

(الشرح) 

قال المعتزلة: أنه على الروح فقط، والصواب: أنه على الروح والبدن، وأن الروح تنعم وتعذب مفردة، وتنعم وتعذب متصلة بالجسد، لكن الأحكام عن الروح أكثر، الأحكام في دار البرزخ على الروح أكثر، كما أن الأحكام في الدنيا على البدن أكثر، الإنسان إذا تنعم، أو عذب في الدنيا يتنعم، ويتعذب الجسد أكثر، والروح كذلك ينالها، وفي حال البرزخ يكون على الروح أغلب، والجسد يناله ما قدر له، وفي يوم القيامة يكون الروح والجسد على حد سواء في النعيم والعذاب، فالدور ثلاث: دار الدنيا. ودار البرزخ. ودار القرار. كل دار لها حكم؛ دار الدنيا: الأحكام على البدن أغلب، دار البرزخ الأحكام على الروح أغلب، دار الآخرة الأحكام على الجسد والروح على حد سواء. 

(المتن) 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب، أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة. 

(الشرح) 

روح المؤمن تنقل إلى الجنة، وروح الكافر تنقل إلى النار، كما في الحديث: نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهَا اللهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ؛ ينعم على شكل طائر.

وأما أرواح الشهداء فتتنعم بواسطة حواصل طير خضر، ترد أنها الجنة، وتأكل من ثمارها؛ لأنهم لما بذلوا أبدانهم لله؛ بالجهاد في سبيل الله، عوضهم الله أبدانًا، تتنعم أرواحهم بواسطتها، أما المؤمن غير الشهيد، فروحه تتنعم وحدها تأخذ شكل طائر، والجسد ينال ما قدر له. 

(المتن) 

وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا فيحصل له معها النعيم أو العذاب. 

النفخ معروف، والصور لغة: القرن. وشرعًا: قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش وهما نفختان إحداهما: نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من شاء الله، والثانية نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم. 

(الشرح) 

الصواب: أنها نفختان، وقال بعض العلماء: ثلاث نفخات، نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، والصواب: أنهما نفختان، ونفخة الصعق، والفزع واحدة، لكنها نفخة طويلة؛ يطولها إسرافيل  أولها فزع، وآخرها صعق وموت.  قال تعالى: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ [النمل/87]؛ هذا في سورة النمل، هذا الفزع. وقال في سورة الزمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ [الزمر/68]؛ هذه نفخة الموت الصعق، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر/68]؛ هذه نفخة البعث فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر /68].  

فهي نفخة أولها فزع الأولى، وآخرها صعق وموت، يبدأ الصوت قليلًا، ينفخ في الصور فيفزع الناس في أول الأمر، ولا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا، كذا يتسمع، الليت: صفحة العنق، إذا سمع الصوت تسمع، مثل ما سمعتم صفارات الإنذار الصوت هذا، فإذا سمعها الناس يفزعون، يفزع هكذا، يتسمع الصوت فلا يزال الصوت يقوى، يقوى حتى تموت الناس، أوله فزع، وآخره صعق وموت.  

ثم يمكث الناس أربعون، وينزل الله مطرًا فتنبت منه أجساد الناس، ويركب ابن آدم من عجب الذنب؛ وهو العصعص آخر فقرة في العمود الفقري؛ هذا لا يبلى، وأما جسد ابن آدم يبلى ويستحيل ترابًا، ويعيده الله من الذرات التي استحالت، وينشأ؛ تعاد نفس الذوات، وتبدل الصفات. 

وقال جهم بن صفوان: إن الجسد يبلى، ويعاد جسد آخر؛ وهذا من أبطل الباطل، ومعناه أن الذي يبعث غير هذا الجسد، هذا يفنى وينشا جسدًا آخر؛ معنى هذا أن الله يبعث أجساد يعذبهم وهم لم يعصوه؛ وهذا من أبطل الباطل، فلما قال هذا الجهم بن صفوان فتح باب للفلاسفة منهم: ابن سينا فقال: ليس هناك بعث إطلاقًا للجسد، فالبعث بالروح، فالفلاسفة يقولون: البعث بالروح؛ وهم كفار بهذا بإجماع المسلمين. 

من قال: إن الجسد لا يبعث هو كافر بإجماع المسلمين، وقد أمر الله نبيه أن يقسم ويحلف على البعث في ثلاث مواضع من كتابه الكريم، قال سبحانه: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن/ 7]، بلى قسم وربي. وقال: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ؛ يعني البعث بعد الموت قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يونس/53]، هذا في سورة يونس.  وقال في سورة سبأ:  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ/3].  

فمن أنكر بعث الأجساد فهو كافر بإجماع المسلمين، والفلاسفة يقولون: ما في بعث بالأجساد، البعث للروح؛ وهذا كفر، والجهم بن صفون، قال: في بعث بالجسد لكن جسد آخر غير الجسم هذا، هذا الجسد يبلى، ويبعث الله أجسادًا أخرى؛ وهذا من أبطل الباطل، وهذا فتح باب لابن سينا، فأنكر البعث، ابن سينا أنكر البعث في رسالة الأضحوية وغيرها.  

وهم من الملاحدة، الذي يحاول تقريب الإسلام من الفلسفة، ولم يفلح بعض الناس، يغتر ابن سينا، ويقول: إنه مسلم وفيلسوف إسلامي، وأنه كذا سميت باسمه المدارس، والمستشفيات، بعض الصحفيين، وبعض المذيعين يغلط؛ لأنه لا بصيرة عندهم، سماه ابن القيم: إمام الملحدين كما في إغاثة اللهفان. 

وقول ابن سينا عن نفسه: أنا وأبي من دعوة الحاكم العبيدي، والحاكم العبيدي رافضي خبيث لا يؤمن بالله، ولا ملائكته، ولا كتبه، ولا رسله، ولا اليوم الآخر، فابن سينا، والفارابي وأرسطو؛ كل هؤلاء فلاسفة ملاحدة، فلا يقال: إنهم فلاسفة إسلاميين، ليسوا من الإسلام في شيء، الإسلام بريء منهم، فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بما يقوله بعض الصحفيين، أو بعض المذيعين من نسبة هؤلاء إلى الإسلام، وأنهم فلاسفة إسلاميين. 

(المتن) 

وقد دل على النفخ في الصور الكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر/ 68]. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس/51]. 

وعن عبد الله بن عمرو  قال: قال رسول الله ﷺ: ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا

(الشرح) 

ليتا؛ يعني صفحة العنق، يعني يلتفت يمين ويلتفت شمال، إذا سمع الصوت؛ تسمع، لأن الصوت يبدأ ليس قويًا، ثم يقوى، يقوى لا يزال يقوى حتى يموت الناس؛ ولهذا جاء في الحديث أن الساعة تقوم وبعض الناس تغرس الفسيلة، فلا يتم غرسها حتى تقوم عليها الساعة، وبعض الناس يلوط الحوض لإبله، وتقون الساعة والرجلان يتبايعان القماش فلا يتم لبيعهما حتى تقوم عليهما الساعة، وتقوم الساعة والرجل أخذ اللقمة ليضعها في فيه فلا يأكلها حتى تقوم الساعة عليه، الصوت، صوتٌ قوي يبدأ شيئًا فشيئًا حتى تموت الناس. 

 الطالب: (..)؟. 

الشيخ: قيام الساعة تبدأ من نفخ الصور، إذا نفخ في الصور قامت القيامة. 

(المتن) 

إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، ثُمَّ لَا يَبقَى أَحدٌ إِلَّا صُعِقَ، ثُمَّ  يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ

(الشرح) 

لا يبقى أحد إلا مات إلا من استثناه الله، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر/68].  كالحور العين في الجنة، والولدان، والأرواح، لا تموت الأرواح باقية سواء كانت في نعيم، أو في عذاب؛ هذا ممن استثناه الله. 

(المتن) 

إِلَّا صُعِقَ، ثُمَّ  يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ شك الراوي فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ

(الشرح) 

وهذه النفخة الثانية؛ نفخة البعث، بعد أربعين، قيل لأبي هريرة؛ راوي الحديث: أربعين سنة؟ قال: أبيت، قيل: أربعين شهرًا؟ قال: أبيت، قيل: أربعين يومًا؟ قال: أبيت؛ يعني ما عنده علم بهذا، الرسول ﷺ قال: أربعون، جاء في حديث فيه ضعف إنه أربعون سنة؛ لكن ما يصح، الله أعلم. 

(المتن) 

رواه مسلم في حديث طويل، وقد اتفقت الأمة على ثبوته. 

قال المؤلف رحمه الله: ويحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً بُهْما، فيقفون في موقف القيامة، حتى يشفع، فيهم نبينا محمد ﷺ.

ويحاسبهم الله تبارك وتعالى، وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين، وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل. فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۝ وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورا ۝ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ۝ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورا ۝ وَيَصْلَى سَعِيراٌ [الانشقاق/7-12]. 

(الشرح) 

كل هذا حق الحشر والنشر، ونصب الموازين، والحوض حوض نبينا ﷺ، وتطاير الصحف في اليمين وفي الشمال، يحاسب الله الخلائق، والشفاعة؛ كل هذا حق، كل هذا جاء في النصوص. 

(المتن) 

البعث لغة: الإرسال والنشر، وشرعًا: إحياء الأموات يوم القيامة. 

(الشرح) 

أحياءهم إعادة الأرواح إلى أجسادها، بعض أن تنبت الأجساد يأمر الله إسرافيل، فينفخ في الصور، فتعود الأرواح إلى أجسادها؛ تدخل الروح في جسدها، فيقوم الناس ينفضون التراب عن رؤوسهم، إذا تم خلق الناس بعدما ينزل المطر تنبت الأجساد، وينشأ الناس تنشئة قوية تبدل الصفات، الذوات هي هي، كذلك الأرض  يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ [إبراهيم/48]. فالأرض تبديل الصفات، لا تبديل ذات، وكذلك الإنسان تبدل صفاته؛ يعني الذوات هي هي، يعيدها الله خلقًا جديدًا، لأن الله عالم بالذرات التي استحالت، فإذا كان الإنسان أكله حيوان، أو أكله حوت؛ والحوت أكله حوت، فالله يعيد الذرات، عالم باستحالتها، ولو كان مقبرة صارت مزرعة، فالله تعالى يعيد الذرات، لا يخفى عليه شيء؛ ولهذا أثبت  البعث لبيان كمال علمه، وكمال قدرته، وكمال حكمته، هو قادر لا يعجزه شيء، هو عليم بالذرات التي استحالت، وهو حكيم ، قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم ۝ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس/78-79]. 

(المتن) 

والحشر لغة: الجمع وشرعًا جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم.

والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن [التغابن/7]. وقال تعالى: قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ۝ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

(الشرح) 

ومن أنكر البعث كفر بنص القرآن، وبإجماع المسلمين، بإجماع المسلمين من أنكر بعث الأجساد؛ فهو كافر. 

(المتن) 

وقال النبي ﷺ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ متفق عليه. 

وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.

 ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلا لا ختان فيهم، لقوله تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء/104]. 

(الشرح) 

وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ  كما ثبت في الحديث الصحيح. 

(المتن) 

وقول النبي ﷺ: إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء/104] وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ متفق عليه.  

وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ... الحديث.  

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد