شعار الموقع

شرح كتاب التعليق على لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ( 6 ) من الحساب يوم القيامة إلى تعظيم أزواج النبي ﷺ

00:00
00:00
تحميل
184

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمًّا بعد:

فقال المؤلف حفظه الله:

 الحساب لغة: العدد، وشرعًا إطلاع الله عباده على أعمالهم.

 وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. 

(الشرح) 

نعم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [إبراهيم/51].  وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق/7-8]؛ فالحساب ثابت، وأن الله تعالى يحاسب عبادهم ويطلعهم على أعمالهم، ثم يجازيهم عليها. 

(المتن) 

قال الله تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية/25-26]. وكان النبي ﷺ في بعض صلاته:  اللهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، فقالت عائشة رضي الله عنها: ما الحساب اليسير؟ قال: أَنْ يَنْظُرَ فِي كِتَابِهِ فَيَتَجَاوَزَ عَنْهُ رواه أحمد، وقال الألباني إسناده جيد. 

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.

 وصفة الحساب للمؤمن أن الله يخلو به فَقَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَد هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ متفق عليه من حديث ابن عمر. 

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي ﷺ وهم سبعون ألفًا من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب. متفق عليه.

وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا: أن مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد. 

(الشرح) 

فهؤلاء الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب سبعون ألفًا، ومَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا؛ هذا ثابت، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا؛ إذا ضربت سبعين في سبعين، كم تأتي؟ وجاء في حديث مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا لكنه حديث ضعيف لا يصح، لكن حديث: مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا؛ هذا صحيح، هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

وأما بقية المسلمين فيحاسبون، أما الكفار فإن ليس لهم حسنات، وإنما تقرُّ عليهم سيئاتهم، ثم يساقون إلى النار سوقًا نعوذ بالله، يعني لا يحاسبون محاسبة من له حسنات، وسيئات، فهم لا حسنات لهم، بل تعد عليهم أعمالهم، ثم يساقون إلى النار سوقًا، قال الله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ۝ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم/85، 86] 

(المتن) 

وأول من يحاسب هذه الأمة. 

(الشرح) 

يعني أول ما يحاسب من الأمم أمة محمد ﷺ  

(المتن) 

لقول النبي ﷺ : نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ المَقضِي بَينَهُم قَبلَ الخَلَائِقِ متفق عليه.

وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا: نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ... الحديث. 

وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة، لقول النبي ﷺ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ رواه الطبراني في الأوسط وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في الترغيب.

 وأول ما يقضى بين الناس في الدماء لقول النبي ﷺ: أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ متفق عليه. 

(الشرح) 

يعني أول ما يحاسب الإنسان من الحقوق التي بينه وبين الله الصلاة، وأما الحقوق التي بينه وبين الخلق، أول ما يقضى في الدماء، الحساب له أول من جهتين؛ من جهة حقوق الله التي بين العبد وبين ربه: الصلاة؛ أول ما يحاسب عنها، وأما الحقوق التي بينه وبين الناس، أول ما يقضى بين الناس في الدماء، حقوق الخلق تتعلق بالدماء، ثم بعد ذلك الحقوق التي تتعلق بالأموال. 

(المتن) 

قال المؤلف رحمه الله: والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۝ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون/102-103]. 

(الشرح) 

وهو ميزان حسي عظيم، الكفتان كأطباق السماوات والأرض، وله لسان توزن فيه الأعمال، ويوزن فيه الأشخاص، كما دلَّت على ذلك النصوص، خلافًا للمعتزلة، القائلون: بأن الميزان ميزان معنوي، المعتزلة أنكروا الميزان، قالوا: ما في ميزان حسي، الله تعالى ما يحتاج إلى ميزان حسي، الذي يحتاج إلى ميزان حسي البقال والفوال، أما الله فلا يحتاج إلى ميزان حسي، وإنما المراد بالميزان: العدل؛ أي أن الله يعدل بين عباده، ما في موازين أعمال، ولا ميزان، ولا كفتان، ولا شيء، إنما المراد العدل؛ لأن الله لا يحتاج إلى هذا، الذي يحتاج إلى هذا البقال، أما الله فلا يخفى عليه شيء، فلا يحتاج إلى ميزان؛ هذا باطل، من أبطل الباطل، هذا مصادم للنصوص. والمعتزلة أهل هوى؛ يحاكمون عقولهم في مقابلة النصوص، يعتمدون على العقل.

والصواب: أنه ميزان حسي حقيقي له كفتان، وله لسان؛ كفتان كأطباق السماء والأرض.

اختلف العلماء؛ هل هي موازين متعددة؟ أو ميزان؟ قيل: إنه ميزان، وقيل: إنها موازين متعددة، لكل يوم ميزان، أو لكل شخص ميزان، من قال إنه ميزان واحد؛ هو الأقرب، يقول: جمعت الموازين، ويضع الموازين بالنسبة للموزونات. 

(المتن) 

الموازين جمع ميزان، وهو لغة: ما تقدر به الأشياء خفة وثقلًا. 

 وشرعًا: ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد.

وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، قال الله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۝ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون/102-103]. وقال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء/47]. 

وقال النبي ﷺ : كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ متفق عليه. 

(الشرح) 

الشاهد: قوله: ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ؛ فيه إثبات الميزان. 

(المتن) 

وأجمع السلف على ثبوت ذلك.

 وهو ميزان حقيقي له كفتان لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص  عن النبي ﷺ في صاحب البطاقة قال: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ الحديث رواه الترمذي وابن ماجه قال الألباني: إسناده صحيح. 

واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد؟ 

فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم، أو الأفراد، أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعًا، وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس. 

وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد الحديث مفردًا، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون، وكلا الأمرين محتمل والله أعلم. 

والذي يوزن العمل؛ لظاهر الآية السابقة والحديث بعدها وقيل: صحائف العمل، لحديث صاحب البطاقة، وقيل: العامل نفسه لحديث أبي هريرة  أن النبي ﷺ قال: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا، فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف/105] متفق عليه. 

(الشرح) 

وثبت في الحديث أن عبد الله بن مسعود كان يمشي فكشفت الريح عن ساقيه، فضحك الصحابة، فقال النبي ﷺ: مِمَّ تَضحَكُونَ؟ قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله، قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثقَلُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ؛ وهذا بسبب العمل، فخفة الإنسان ووزنه بحسب عمله، الرجل السمين لا يوزن عند الله جناح بعوضة لسوء عمله، وابن مسعود برغم دقة ساقاه إلا أنهم أثقل من جبل أحد، ولا مانع أن يوزن الشخص، والأعمال. 

(المتن) 

وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف، وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته؛ وهذا جمع حسن والله أعلم. 

نشر الدواوين: النشر لغة: فتح الكتاب، أو بث الشيء. 

وشرعًا: إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة وتوزيعها. 

والدواوين جمع ديوان، وهو لغة: الكتاب يحصى فيه الجند ونحوهم. 

 وشرعًا: الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل، فنشر الدواوين إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة، فتتطاير إلى الأيمان والشمائل.

وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۝ وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ۝ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ۝ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ۝ وَيَصْلَى سَعِيرًا [الانشقاق/7-12]. وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ [الحاقة/25]. 

وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي ﷺ : هل تذكرون أهليكم؟ قال: أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ حَتَّى يَجُوزُ رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وأجمع المسلمون على ثبوت ذلك. 

(الشرح) 

المراد: وضع صحائف الأعمال كونه يعطى بيمينه أو بشماله هذا ثابت في القرآن، من أنكر كفر إن لم يكن له شبهة؛ إن لم يعلم، فالمؤمن يعطى كتابه بيده اليمنى، والكافر يعطى كتابه بيده اليسرى؛ الشمال ملوية وراء ظهره نعوذ بالله، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ [الحاقة/25]، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ [الانشقاق/10]. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: واحد، يعطى بيده الشمال وتلوى وراء ظهره نسأل الله السلام والعافية. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: الكافر يعطى كتابه بشماله ملوية وراء ظهره نعوذ بالله. 

الطالب: (..) ؟ 

الشيخ: قدره عند الله على حسب العمل، يوزن حقيقة؛ يتبيَّن قدره عند الله بحسب العمل، نفس الشخص يوزن. 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمًّا بعد:

فقال المؤلف حفظه الله:

 صفة أخذ الكتاب:

المؤمن يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ويستبشر ويقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة/19]. والكافر يأخذه بشماله، أو من وراء ظهره فيدعو بالويل والثبور ويقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ۝ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [الحاقة/ 25-26]. 

قال ابن قدامة رحمه الله: ولنبينا محمد ﷺ حوض في القيامة، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا. 

(الشرح) 

وهذا كله ثابت في الأحاديث الصحيحة، أن لنبينا ﷺ حوض؛ وهذا الحوض واسع، جاء وصفه في الأحاديث: أن طوله مسافة شهر، وعرضه مسافة شهر، وجاء في وصفه: أنه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحًا من المسك، وأن أوانيه؛ الكؤوس والأكواب التي يشرب فيها؛ الأواني: عدد نجوم السماء، وأن من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا حتى يدخل الجنة، وأنه يصب فيه ميزابان من نهر الكوثر في الجنة، يصب؛ يعني هو الأرض في موقف القيامة، والجنة فوق، يصب فيه ميزابان من نهر الكوثر ، نسأل الله أن يجعلنا إياكم منهم؛ من الشاربين. 

وجاء في الحديث أنه يرد عليه أقوام يطردون كما تطرد الإبل العطاش، والنبي ﷺ قائم على الحوض، يقول: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، أَصْحَابِي.  وفي لفظ: أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فيقول النبي: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي.  

قال العلماء: إن هذا في المرتدين الأعراب الذين لم يثبت الإيمان في قلوبهم، وارتدوا بعد موت النبي ﷺ يطردون والعياذ بالله، الكفرة يطردون.

وفيه دليل على أن النبي ﷺ لم يعلم الغيب لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؛ ما يعلم أحوال الناس بعده. 

وجاء في بعض الأحاديث: أن لكل نبي حوضًا، وأن حوض نبينا ﷺ أعظمها، وأوسعها، وأحلاها، وأكثرها واردًا، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: على خطر أصحاب الكبائر المبتدعة الكفرة، جاء بعضهم ذكر: إن يمنع بعض الناس الذين بدلوا وغيروا، وبعض أهل البدع، ذكر هذا السفاريني وجماعة، والمشركون وغيرهم، لكن الكفرة هم الذين لا شك أنهم لا يَردون، أما غيرهم فهو على خطر. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: مثل العاصي على خطر من عذاب القبر، وعلى خطر من دخول النار، وعلى خطر كذلك. 

الطالب: مكان الكوثر؟ 

الشيخ: الكوثر في الجنة، يصب في الحوض، وحوض النبي ﷺ في الأرض، والكوثر في الجنة يصب فيه ميزابان يصب الحوض في موقف القيامة، الحوض في مواقف القيامة، والكوثر في الجنة فوق، يصب نهر الكوثر على الحوض. 

(المتن) 

الحوض: الحوض لغة الجمع، يقال حاض الماء يحوضه إذا جمعه. 

(الشرح) 

نعم، مجمع الماء الحوض. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: قال بعضهم: قبل، وقال بعضهم: بعد، وكذلك قبل الصراط فيه قولان لأهل العلم، ولكن الأرجح أنه قبل الميزان، وقبل الصراط؛ هذا هو الأرجح، وقيل: بعد الميزان، قيل: بعد الصراط. 

(المتن) 

وشرعًا: حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي ﷺ . 

(الشرح) 

عرصات جمع عرصة؛ وهي المكان الواسع، يعني هي أماكن القيامة. 

(المتن) 

وشرعًا: حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي ﷺ.

 ودل عليه السنة المتواترة وأجمع عليه أهل السنة. 

(الشرح) 

وهو من الأحاديث المتواترة، إلا أن الأحاديث المتواترة قليلة مر بنا في درس اللؤلؤ والمرجان أيضًا ننبه أنه درس شهري للإخوان في المنطقة الشرقية، جعلنا لهم درسا شهريا أول أربعاء من كل شهر ليلة الخميس بعد العشاء، جامع الأمير سلطان من كتاب " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق فيه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي، وكتاب التوحيد أيضًا، وذكرنا لهم في هذا أن الأحاديث المتواترة القولية ما تزيد على أربعة عشر، أو خمسة عشر حديثا، والسنة كلها ثبتت من خبر الآحاد منها حديث الحوض، حديث الحوض من الأحاديث المتواترة، ومنها: حديث الشفاعة، ومنها: حديث مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ لأن أول حديث قرأناه في اللؤلؤ والمرجان حديث: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ هذا من الأحاديث المتواترة.  

وذكرنا لهم الأحاديث المتوترة كما بيَّن أهل العلم ما تزيد عن أربعة عشر، أو خمسة عشر، منها: حديث الحوض، ومنها: حديث الشفاعة، ومنها: حديث مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وحديث النهي عن الصلاة بعد العصر، والباقي كلها ثبتت خبر الآحاد، أكثر الأحاديث، والأحاديث التي في الصحيحين، وفي غيرهما ثبتت في خبر الآحاد.

وخبر الآحاد يقابل المتواتر، المتواتر ما رواه جماعة كثيرون يستحيل تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أول السند إلى آخره وأسندوه إلى محسوس، هذا المتواتر، وبعده خبر آحاد الذي رواه واحد.

وخبر الآحاد أقسام منه المشهور، الغريب؛ ما رواه واحد عن واحد، والعزيز؛ ما رواه اثنان، والمشهور؛ ثلاثة فأكثر إلى أن يصل إلى حد التواتر. هذا كله يسمى خبر آحاد.

وخبر الآحاد حجة؛ لأنه صحَّ السند؛ إذا كانوا عدولا، ثقات، ولم يكن معللا وشاذا؛ هذا يفيد العلم على الصحيح، وذهب جماعة إلى أنه يفيد الظن، ولكن يجب العمل به، والصواب إنه يفيد العلم. 

قال النووي، وابن عبد البر: إنه يوجب العمل ولا يوجب العلم، والصواب: أنه يفيد العلم، ولو كان خبر آحاد، إذا صحَّ السند، وعدلت الرواة، ولم يكن شاذًا ولا معللا أفاد العلم؛ هذا هو الصواب.

وأما أهل البدع، فإنهم قالوا: يفيد الظن. وقالوا: أخبار الآحاد: تفيد الظن، ودلالتها تفيد الظن؛ فلا يحتج بها، لا من جهة السند، ولا من جهة المتن، أما المتواتر فهو قطعي الثبوت، لكن دلالته ظنية، القرآن يقول: قطعي ما فيه إشكال، ما يستطيعون أن يتكلموا، وكذلك المتواتر ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4]؛ هذا ثابت ما فيه إشكال. لكن كونه يدل على إثبات الاستواء؛ هذا ظني في جواز أن يكون معناه الاستيلاء، دلالتها ظنية، وثبوتها قطعي، وأما خبر الآحاد فدلالته ظنية، وثبوته ظني، فلا يحتج به لا من جهة السند، ولا من جهة المتن؛ هذه طريقة أهل الزيغ، والعياذ بالله، وأما أهل الحق يقبلوا خبر الآحاد، وخبر المتواتر. 

(المتن) 

قال النبي ﷺ: إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ متفق عليه. 

(الشرح) 

والفرط هو السابق؛ السابق الذي يتقدم القوم، يعني ينتظرهم، يتقدمهم، وينتظرهم على الحوض. 

(المتن) 

وأجمع السلف أهل السنة على ثبوته.

وقد أنكر المعتزلة ثبوت الحوض ونرد عليهم بأمرين: 

الأول: الأحاديث المتواترة عن الرسول ﷺ. 

الثاني: إجماع أهل السنة على ذلك. 

صفة الحوض: طوله شهر، وعرضه شهر، وزواياه سواء وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك، فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والثاني من فضة. 

(الشرح) 

يصبان فيه من نهر الكوثر في الجنة. 

(المتن) 

يرده المؤمنون من أمة محمد ﷺ، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، وكل هذا ثابت في الصحيحين أو أحدهما.

 وهو موجود الآن لقوله ﷺ: وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ رواه البخاري.

واستمداده من الكوثر لقوله ﷺ: وَأَعْطَانِي الْكَوْثَرَ وَهُوَ نَهْرٌ مِنَ الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي. رواه أحمد، قال ابن كثير رحمه الله: وهو حسن الإسناد والمتن. 

ولكل نبي حوض ولكن حوض النبي ﷺ أكبرها وأعظمها وأكثرها واردة. 

(الشرح) 

هذا جاء في بعض الأحاديث عند الترمذي وغيره. 

(المتن) 

لقول النبي ﷺ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً. رواه الترمذي وقال: غريب، وروى ذلك ابن أبي الدنيا وابن ماجه من حديث أبي سعيد وفيه ضعف، لكن صححه بعضهم من أجل تعدد الطرق. 

قال ابن قدامة رحمه الله: والصراط حق يَجُوزه الأبرار، وَيَزِلّ عنه الفجار. 

الصراط لغة: الطريق، وشرعًا: الجسر الممدود على جهنم ليعبر الناس عليه إلى الجنة.

وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف. 

(الشرح) 

هو ممدود على جهنم يصعد الناس فيه إلى الجنة، من صعد وصل إلى الجنة، ومن سقط ففي النار، وعليه كلاليب تخطف من أمرت بخطفهم نسأل الله السلامة على حسب الأعمال يمر الناس عليه على حسب الأعمال، أول زمرة تمر كالبرق الخاطف، ثم كالريح، ثم كالطير، ثم كأجاود الخيل، ثم الرجل يعدو عدوى يركل ركلا، ثم رجل يمشي مشيًا، ثم رجل يزحف زحفًا حتى تعجز أعمال العباد، وعلى الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطفه وتلقيه في النار على حسب الأعمال، يتساقط العصاة فيها، يعذبون إلى ما شاء الله، ثم يخرجهم الله على حسب جرائمهم.

وأما الكفرة فإنهم يساقون إلى النار سوقًا والعياذ بالله، ليس لهم حسنات، بل تعد عليهم جرائمهم، ثم يساقون إلى النار فيتساقطون فيها والعياذ بالله، يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ۝ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم/85-86] 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم/71]؛ ظاهرهم إنهم الزمرة الأولى. 

(المتن) 

قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم/71]. 

فّسَّرها عبد الله بن مسعود  وقتادة وزيد بن أسلم بالمرور على الصراط، وفسرها جماعة منهم ابن عباس بالدخول في النار، لكن ينجون منها. 

(الشرح) 

الصواب: إن المراد: المرور على الصراط، الورود: هو المرور على الصراط؛ هذا أصح القولين، ولا يلزم من ذلك الدخول وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم/71]؛ يعني يمر عليها، ولا يلزم من ذلك الدخول، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم/72].  

وقال آخرون: المراد بها الدخول لقوله:  ثُمَّ نُنَجِّي [مريم/72]؛ يعني دخلوا، ثم نجوا، والجواب: إنه ما يلزم الدخول، فمن تعرض لخطر يقال نجاه الله منه، ولو لم يصبه. 

(المتن) 

وقال النبي ﷺ: ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ، متفق عليه.

 واتفق أهل السنة على إثباته. 

صفة الصراط: 

سئل النبي ﷺ عن الصراط فقال: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ رواه البخاري، وله من حديث أبي هريرة: وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ،  غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ.  

وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد  قال: بلغني أنه أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، وروى الإمام أحمد نحوه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. 

ولا يعبر الصراط إلا المؤمنون على قدر أعمالهم لحديث أبي سعيد  عن النبي ﷺ وفيه: فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. متفق عليه. 

 وفي صحيح مسلم: تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا، وفي صحيح البخاري: حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا

وأول من يعبر الصراط من الأنبياء محمد ﷺ ومن الأمم أمته لقوله النبي ﷺ: فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ رواه البخاري. 

ويشفع نبينا ﷺ في من يدخل النار من أمته من أهل الكبائر؛ فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحمًا. 

(الشرح) 

ونصوص الشفاعة من الأحاديث المتواترة أيضًا، الشفاعة، والحوض، مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ؛ هذه كلها من الأحاديث المتواترة، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ من الأحاديث المتواترة أيضًا. 

(المتن) 

وصاروا فحمًان وحممًا فيدخلون الجنة بشفاعته.

 ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات، قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء/28]؛ ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين. 

(الشرح) 

والشفاع خاصة بالموحد العاصي، الموحدون العصاة بشرطين:  

الشرط الأول: بإذن الله للشافع أن يشفع، لابد أن يأذن الله له.  

والشرط الثاني: أن يرضى عن المشفوع له. 

أما المشرك لا يقبل الله قوله ولا عمله، ما يؤذن له، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر/48]. 

(المتن) 

الشفاعة لغة: جعل الوتر شفعًا.

واصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة.

 والشفاعة يوم القيامة نوعان:  

خاصة بالنبي ﷺ.  

وعامة له ولغيره. 

فالخاصة به ﷺ: شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح، فإبراهيم، فموسى، فعيسى؛ وكلهم يعتذرون فيأتون إلى النبي ﷺ  فيشفع فيهم إلى الله، فيأتي للقضاء بين عباده. 

وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصُّور المشهور، لكن سنده ضعيف متكلم فيه، وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر. 

(الشرح) 

وقصده من هذا الرد على المعتزلة، والخوارج الذين أنكروا الشفاعة، فالعلماء يحذفون، إذا وصلوا إلى الشفاعة العظمى حذفوها، وذكروا شفاعة العصاة للرد على الخوارج والمعتزلة؛ لأنهم ينكرون الشفاعة للعصاة. 

(المتن) 

قال ابن كثير وشارح الطحاوية: وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر: هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج. 

(الشرح) 

الشفاعة العظمى ما ينكرونها، هم ينكرون الشفاعة في خروج العصاة؛ هذه ينكرونها، وأما الشفاعة العظمى؛ وهي الشفاعة ذات الفصل، فصل الله تعالى بين عباده هذه ما ينكرونها. 

(المتن) 

ويشترط فيها إذن الله لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة/255]. 

النوع الثاني: العامة، وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين. 

(الشرح) 

لأن معتقد الخوارج والمعتزلة أن العاصي يخلد في النار، وليس له الشفاعة؛ هذا معتقدهم. 

(المتن) 

من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحممًا. لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ: بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ... الحديث رواه أحمد. 

(الشرح) 

وهم العصاة؛ عصاة الموحدين. 

(المتن) 

قال ابن كثير في النهاية: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه من هذا الوجه. 

وهذه الشفاعة تكون للنبي ﷺ وغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين. 

(الشرح) 

والأفراط عامة، الشفاعة للعصاة الذين في النار، يشفع فيهم النبي ﷺ، وغيره من الأنبياء، والملائكة، والأفراط، والصالحون، والشهداء، كلهم يشفعون. 

(المتن) 

لحديث أبي سعيد عن النبي ﷺ وفيه: فَيَقُولُ اللهُ : شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ

(الشرح) 

لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا يعني زيادة على التوحيد والإيمان. 

(المتن) 

فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا متفق عليه. 

(الشرح) 

يعني فحمًا نسأل الله السلامة. 

(المتن) 

وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، فلا تنفعه الشفاعة، ونرد عليهم بما يأتي: 

أولًا: أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي ﷺ . 

ثانيًا: أنه مخالف لإجماع السلف. 

ويشترط لهذه الشفاعة شرطان: 

الأول: إذن الله في الشفاعة لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة/255]. 

الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له لقوله تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى [الأنبياء/28]. 

فأما الكافر فلا شفاعة له لقوله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر/48]؛ أي: لو فرض أن أحدًا شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة. 

وأما شفاعة النبي ﷺ لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابًا، قال النبي ﷺ: وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ

(الشرح) 

هذه خاصة بالنبي ﷺ وخاصة بأبي طالب، وهي شفاعة تخفيف، تخفيف العذاب، خف كفره بسبب دفاعه عن النبي ﷺ، فلما خف كفره شفع له في التخفيف عليه من العذاب، ما يخرج، وإنما شفاعة تخفيف خاصة بالنبي ﷺ، وخاصة بأبي طالب، خاصة بأبي طالب ما يشفع في غيره من الكفرة، وخاصة بالنبي ﷺ، وهي شفاعة تخفيف لا خروج. 

(المتن) 

رواه مسلم، فهذا خاص بالنبي ﷺ وبعمه أبي طالب فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي ﷺ والدفاع عنه، وعما جاء به. 

(الشرح) 

فخفف كفره فشفع فيه بتخفيف العذاب. 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين؛ أمًّا بعد:

فقال المؤلف رحمه الله: 

والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ۝ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف/74-75]. 

(الشرح) 

وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، وهذا هو الصواب الذي دلَّت عليه النصوص: أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، وأنهما دائمتان لا تفنيان.

وذهبت المعتزلة إلى أن الجنة والنار معدومتان الآن، ولا توجدان إلا يوم القيامة، قالوا: إن وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله؛ هذه شبهتهم، لكن نقول لهم: هذا من أبطل الباطل. 

أولًا: النصوص دلت على أنها موجودة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران/133].  إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ/21]؛ مرصدة؛ معدة. أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران/133]؛ الجنة؛ فهذا دليل على إيجادها.

ثم أيضًا ما قال لكم: إنها معطلة الآن، الأرواح، أرواح المؤمنين في الجنة تنعم، وأرواح الكفرة في النار تعذب، الجنة والنار غير معطلة، فيها الولدان في الجنة، والحور، فيها أرواح المؤمنين نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يُبْعَثُ. والشهداء أرواحهم في حواصل طير خضر تسبح في الجنة، ترد أنهارها، وتأكل من ثمارها؛ حتى يرجعها إلى جسده يوم يبعثه، وكذلك أيضًا المؤمن إذا وضع في قبره يفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها، وسمومها، من قال لكم: إنها معطلة؟!. هذا من أغلاط المعتزلة وجهلهم، وضلالهم.

ثم أيضًا التهديد والتخويف بالنار إذا كانت موجودة هذا أبلغ في الزجر من لو قال: إذا كان يوم القيامة توجد النار، فتعذبون فيها، فكذلك التشويق إلى الجنة إذا قيل: إنها موجودة الآن ومعدة ليس كما إذا قيل: إن في يوم القيامة توجد لكم جنة؛ هذا من أبطل الباطل، وأهل الجنة في الجنة مخلدون، وأهل النار في النار مخلدون. 

والمؤلف هنا ذكر، قال: أهل الجنة مخلدون، وسكت عن أهل النار، ولكن استدل بالآية، ماذا قال عن أهل الجنة؟ 

الطالب: قال: والجنة مأوى أوليائه وأهل الجنة فيها مخلدون. 

الشيخ: وأهل النار؟ ما ذكر، وأهل النار أيضًا فيها مخلدون، لكن ذكر الآيات بعدها إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [الزخرف/74]. 

كل النسخ معكم هكذا ما فيها أهل النار؟ السياق كان يقتضي أن يقول: وأهل الجنة فيها مخلدون، وأهل النار فيها مخلدون، ثم يستدل بالآية: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [الزخرف/74]، هو سكت عن أهل النار. 

الطالب: لكنه ذكر بعد ذلك دليل؟ 

الشيخ: نعم ذكر، أنا قلت هذا، لكن كان ينبغي لما ذكر وقال: أهل الجنة مخلدون، يجب بعدها أن يقول: وأهل النار مخلدون، يحتمل إنها سقطت من الطبعة، لعلها سقطت، ماذا عندك في كتابك؟ 

الطالب: وأهل الجنة فيها مخلدون (..) وأهل النار فيها مخلدون. 

الشيخ: وأهل النار فيها مخلدون؛ هذه صحيحة، والأقرب أنه سقط، ما هي النسخة التي معك؟ تضيفوا وأهل النار فيها مخلدون السياق يقتضي هذا. 

(المتن) 

الجنة لغة: البستان الكثير الأشجار، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للمتقين. 

والنار لغة: معروفة، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين. 

وهما مخلوقتان الآن لقوله تعالى في الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران/133]. وفي النار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة/24]. 

والإعداد: التهيئة ولقوله ﷺ حين صلى صلاة الكسوف: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا


(الشرح) 

يعني الحديث من الأدلة، والأدلة في هذا كثيرة، الأدلة فيها متعدد على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن. 

(المتن) 

وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ أَفظَعُ مِنهَا. متفق عليه. 

والجنة والنار لا تفنيان لقوله: جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [البينة/ 8]. 

والآيات في تأبيد الخلود في الجنة كثيرة، وأما في النار فذكر في ثلاثة مواضع في سورة النساء وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ۝ إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء/168-169]. وفي الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ۝ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الأحزاب/64-65]. وفي الجن وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن/23]. وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ۝ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف/74-75]. 

والجنة في أعلى عليين لقوله تعالى: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين/18]. 

(الشرح) 

هذا مكان الجنة، والجنة والنار مخلوقتان الآن ولا تفنيان أبدًا، ولا تبيدان؛ وهذا هو الذي عليه أهل السنة قاطبة، وأهل البدع ماعدا الجهم بن صفوان، يقول: إن النار والجنة تفنيان والعياذ بالله في النهاية، وقال: أبو الهذيل العلاف؛ شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري، قال: إنه تفنى حركاتهم؛ يجمدون مثل الحجارة، تفنى حركات أهل الجنة والنار؛ وهذا من أبطل الباطل؛ هذا أقوال شاذة؛ ولهذا أنكر أهل السنة قاطبة وغيرهم على الجهمية، فالجنة والنار مخلوقتان، دائمتان، لا تفنيان، ولا تبيدان. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: شيخ الإسلام يرى أنها مستمرة. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: لا، شيخ الإسلام ما يقول بفنائها يقول بأبديتها، لكن ابن القيم رحمه الله نقل نقولا قد يرى بعضهم أنه يرى بفناء النار، وكذلك أيضًا نقل أيضًا في شفاء العليل أقوالا كثيرة، قد يدل أنه يقول بفناء النار، وله أقوال أخرى صريحة في أبديتها، فيحتمل إن هذه مجملة، وهذه منفصلة، ويحتمل أن كان له قول، ثم رجع، أما شيخ الإسلام، فليس هناك ما يدل على أنه يقول بفنائها، فالأقوال صريح في الأبدية. 

(المتن) 

لقوله تعالى: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين/18]. 

وقوله ﷺ في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر: فَيَقُولُ اللهُ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ

والنار في أسفل سافلين لقوله تعالى: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين/7]. 

(الشرح) 

الجنة فوق في السماء، وهي درجات، كل درجة أعلى نعيم، وأعلاها الفردوس، الفردوس؛ هو أعلى نعيم في الجنة، وأعلاها وسقفها عرش الرحمن، سقف الجنة عرش الرحمن، والنار في أسفل سافلين، وتبرز يوم القيامة، تبرز وتسجر البحار وتكون جزءًا منها نعوذ بالله،  وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى [النازعات/36]، وينصب الصراط على وجه جهنم يمر الناس عليه، فمن صعد؛ فإلى الجنة، ومن سقط؛ ففي النار. 

(المتن) 

وقوله ﷺ في حديث البراء بن عازب السابق: فَيَقُولُ اللهُ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى

وأهل الجنة كل مؤمن تقي؛ لأنهم أولياء الله، قال الله تعالى في الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران/133]. وقال: أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد/21]. 

(الشرح) 

أصل التقوى توحيد الله، وإخلاص الدين لله، فمن مات على التوحيد؛ فهو من أهل الجنة، ومن مات على الشرك الأكبر؛ فهو من أهل النار نعوذ بالله، والعاصي على خطر، قد يعفى عنه ويدخل الجنة من أولها، وقد يعذب، ثم يخرج منها إلى الجنة. 

(المتن) 

وأهل النار كل كافر شقي، قال الله تعالى في النار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة/24]. وقال: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ [هود/106]. 

ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ

(الشرح) 

وهذا بعد خروج العصاة الموحدين من النار، إذا خرج العصاة جميعًا، ولم يبق أحد استقرَّ أهل النار فيها ما يبقى فيها إلا الكفرة، يذبح الموت بين الجنة والنار، فيكون كل من فيها مؤبد، ومن في الجنة هو مؤبد فيها، ومن في النار مؤبد الخلود، والعصاة خرجوا. 

(المتن) 

الموت زوال الحياة، وكل نفس ذائقة الموت، وهو أمر معنوي غير محسوس بالرؤية، ولكن الله تعالى يجعله شيئًا مرئيًا مجسمًا، وَيُذْبَح بين الجنة والنار لحديث أبي سعيد الخدري  أن النبي ﷺ قال: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم/39]. أخرجه البخاري في تفسير هذه الآية، وروى نحوه في صفة الجنة والنار من حديث ابن عمر مرفوعًا. 

فصل: حُقُوقُ الَنّبِي وَأَصَحابِهِ

ومحمد رسول الله ﷺ خاتم النبيين وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبدٍ حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته، ولا يدخل الجنة أُمة إلا بعد دخول أمته. 

(الشرح) 

هذه حقوق لا بد منها؛ أصل الدين، وأساس الملة؛ الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ونبيه ﷺ بالرسالة، من لم يشهد أن محمدًا رسول الله، ولم يؤمن برسالته؛ فهو كافر بإجماع المسلمين، ولا تصح منه شهادة أن لا إله إلا الله.  الشهادتان لا تصح إحداهما دون الأخرى، من شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمد رسول لم تقبل منه، ومن شهد أن محمد رسول الله، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، لا بد من الجمع بين الشهادتين.

وكذلك أيضًا الشفاعة، لا شك أنه صاحب الشفاعة ﷺ، يشفع للناس حتى يقضى بينهم في موقف القيامة، وأول الأمم تدخل الجنة أمة محمد ﷺ. 

(المتن) 

صاحب لواء الحمد والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 

أفضل الخلق عند الله الرسل، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون، وقد ذكر الله هذه الطبقات في كتابه في قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء/69]. 

(الشرح) 

فالأنبياء والرسل هم الطبقة الأولى؛ هم أفضل الناس، ثم يليهم الصديقون، الصديق صيغة مبالغة من قوة تصديقه، من قوة تصديقه تحرق الشبهات والشهوات، في مقدمتهم الصديق الأكبر أبو بكر ﷺ، ثم الشهداء الذين باعوا أرواحهم لله ، ثم الصالحون؛ على تفاوت فيما بينهم، منهم السابقون المقربون، ومنهم: المقصدون، ومنهم الظالم لنفسه. 

(المتن) 

وأفضل الرسل أولوا العزم منهم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلوات من الله والتسليم. 

(الشرح) 

وأفضل أولوا العزم الخليلان؛ إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأفضل الخليلين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. 

(المتن) 

وقد ذكرهم الله في موضعين من كتابه في الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب/7]. وفي الشورى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [الشورى/13]. 

وأفضلهم محمد ﷺ لقوله ﷺ : أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ متفق عليه، وصلاتهم خلفه ليلة المعراج وغير ذلك من الأدلة. 

ثم إبراهيم؛ لأنه أبو الأنبياء وملته أصل الملل، ثم موسى؛ لأنه أفضل أنبياء بني إسرائيل وشريعته أصل شرائعهم، ثم نوح وعيسى لا يجزم بالمفاضلة بينهما؛ لأن لكل منهما مزية. 

(الشرح) 

الترتيب هكذا: محمد، ثم إبراهيم، ثم موسى؛ هؤلاء الثلاثة، وأما من عادهم، فالله أعلم. 

(المتن) 

اختص النبي ﷺ بخصائص نتكلم على ما ذكر المؤلف منها: 

أولًا: خاتم النبيين لقوله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب/40]. 

(الشرح) 

لا شك في هذا؛ من لم يؤمن بأن محمد خاتم النبيين وزعم أن بعده نبي؛ فهو كافر بإجماع المسلمين، فهو خاتم النبيين، لا بد أن نؤمن بأن رسالته عامة للعربي والعجمي، والجن والإنس، من قال: إن رسالته خاصة بالعرب؛ فهو كافر بإجماع المسلمين، ومن قال: إن بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين.  قال تعالى:  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ/28].  وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام/19].  تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان/1]. 

فالرسالة عامة للجن والإنس، والعربي والعجمي، وليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام، هو آخر الأنبياء. 

(المتن) 

ثانيًا: سيد المرسلين وسبق دليله. 

ثالثًا: لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ﷺ لقوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء/65]الآية، وغيره من الأنبياء يُبْعثون إلى أقوام معينين كُلٌ إلى قومه. 

رابعًا: لا يُقْضَى بين الناس إلا بشفاعته وسبق دليل ذلك في الشفاعة. 

خامسًا: سَبْقُ أمته الأمم في دخول الجنة لعموم قوله ﷺ : نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ

سادسًا: صاحب لواء الحمد يحمله ﷺ يوم القيامة، ويكون الحامدون تحته لحديث أبي سعيد الخدري  أن النبي ﷺ قال: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، رواه الترمذي وقد روى الأولى والأخيرة مسلم. 

سابعًا: صاحب المقام المحمود أي: العمل الذي يحمده عليه الخالق والمخلوق لقوله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء/79]. وهذا المقام هو ما يحصل من مناقبه ﷺ يوم القيامة من الشفاعة وغيرها. 

ثامنًا: صاحب الحوض المورود، والمراد الحوض الكبير الكثير واردوه، أما مجرد الحياض فقد مر أن لكل نبي حوضًا. 

إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم لحديث أبي بن كعب أن النبي ﷺ قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ، غَيْرُ فَخْرٍ رواه الترمذي وحسنه. 

وأمته خير الأمم لقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران/110]. فأما قوله تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة/47]؛ فالمراد عالمي زمانهم. 

وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى  أجمعين لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كنا نقول والنبي ﷺ حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فيبلغ ذلك النبي ﷺ فلا ينكره. 

(الشرح) 

وهذا ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة؛ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي؛ ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.

وروي عن أبي حنيفة رحمه الله في تقديم علي على عثمان في الفضيلة، لا في الخلافة، أما الخلافة بالإجماع، حتى قال العلماء: من فضل عليا على عثمان في الخلافة؛ فهو أضل من حمار أهله، وقد أزرى بالمهاجرين؛ لأنه أجمع المهاجرون والأنصار على تقديم عثمان في الخلافة، فمن قدم عليًّا على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله. 

لكن هذا في الفضيلة، روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان، ولكن روي عنه أيضًا ما يدل على موافقة الجمهور، فيكون بالإجماع، تكون هذه رواية، ولعله رجع عنها، فيكون إجماع من أهل السنة والجماعة على أن ترتيب الخلفاء الراشدين هكذا أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. 

الخلافة مجمع بين أهل السنة ترتيبهم فيها، ما يخالف هذا إلا الرافضة، أجمع العلماء أجمع أهل السنة قاطبة على أن ترتيبهم في الخلافة هو الحق، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وكذلك في الفضيلة أيضًا. 

(المتن) 

وصحت الرواية عن علي  أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ولو شئت لسميت الثالث. 

وروى أبو الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ بَعدَ النَبِيِّينَ وَالمُرسَلِينَ عَلَى أَفضَلِ مِن أَبِي بَكرٍ

وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي ﷺ لفضله وسابقته، وتقديم النبي ﷺ له في الصلاة على جميع الصحابة ، وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة. 

ثم من بعده عمر  لفضله وعهد أبي بكر إليه. 

ثم عثمان  لتقديم أهل الشورى له. 

 ثم علي  لفضله وإجماع أهل عصره عليه. 

وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله ﷺ فيهم: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ

(الشرح) 

علي  ثبتت له الخلافة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد، وتخلف عن المبايعة معاوية، وأهل الشام، يطالبهم بدم عثمان، ولا يطلب معاوية الخلافة، وإنما يطالب بدم عثمان، ثم يبايع يعني عن اجتهاد؛ لكن ثبتت له المبايعة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد. 

(المتن) 

وقال ﷺ : الْخِلاَفَةُ مِن بَعدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً فكان آخرها خلافة علي 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين؛ أمًّا بعد:

فقال الشارح حفظه الله:

فضائل الصحابة. 

الصحابي من اجتمع بالنبي ﷺ مؤمنًا به ومات على ذلك. 

(الشرح) 

هذا هو الصحابي، قال: من رأى النبي ﷺ مؤمنًا، ومات على الإسلام، الرؤية؛ ولهذا صغار الصحابة الأطفال الذين رآهم النبي ﷺ يسموا صحابة، تشملهم اسم الصحبة، من رأى النبي مؤمنًا ومات على الإيمان؛ فهو صحابي، ولو تخللته ردة على الأصح كما قال الحافظ رحمه الله، من رآه أفضل من اجتمع، من اجتمع معناه الاجتماع والمجالسة، ما يلزم، إذا رأى النبي ﷺ مؤمنًا ومات على الإسلام؛ فهو صحابي، وصغار الصحابة والأطفال الذين حنكهم النبي ﷺ أو رأوه يسمى صحابي، أو يشملهم اسم الصحبة على الصحيح. 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: يبقى على الصحبة إذا مات على الإيمان؛ هذا على الصحيح؛ ولهذا قال الحافظ: ولو تخللته ردة على الأصح. 

(المتن) 

وأصحاب النبي ﷺ أفضل أصحاب الأنبياء؛ لقول النبي ﷺ : خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، الحديث رواه البخاري وغيره. 

وأفضل الصحابة المهاجرون لجمعهم بين الهجرة والنصرة، ثم الأنصار. 

وأفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي .

 فأبو بكر هو الصديق: عبد الله بن عثمان بن عامر بن بني تيم بن مرة بن كعب، أول من آمن برسول الله ﷺ من الرجال، وصاحبه في الهجرة ونائبه في الصلاة والحج، وخليفته في أمته، أسلم على يديه خمسة من المبشرين بالجنة: عثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، توفي في جمادى الآخرة سنة 13هـ عن 63 سنة. 

(الشرح) 

أبو بكر هو أفضل الناس بعد الأنبياء ، وهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها، وبعد عيسى؛ لأن عيس  إذا نزل في آخر الزمان يكون فرد من أفراد الأمة المحمدية، فيكون أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى، ثم أبو بكر، عيسى اجتمع له الأمران: نبوة، وكونه أيضًا من أفراد هذه الأمة؛ أمة محمد، فيكون أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى؛ لأنه نبي، ثم يليه أبو بكر الصديق، ولك أن تقول: إن أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر؛ لأن عيسى نبي. 

(المتن) 

وهؤلاء الخمسة مع أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة؛ هم الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام، قاله ابن إسحاق: يعني من الذكور بعد الرسالة. 

وعمر: هو أبو حفص الفاروق عمر بن الخطاب من بني عدي بن كعب بن لؤي، أسلم في السنة السادسة من البعثة بعد نحو أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة، ففرح المسلمون به وظهر الإسلام بمكة بعده، استخلفه أبو بكر على الأمة فقام بأعباء الخلافة خير قيام. 

(الشرح) 

عزَّه الله بالإسلام، قال النبي ﷺ : اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَدِ العُمَرِينِ؛ فأصابت الدعوة، عزَّ الله الإسلام بعمر بن الخطاب. 

(المتن) 

إلى أن قتل شهيدًا في ذي الحجة سنة 23هـ عن 63 سنة. 

(الشرح) 

عن ثلاث وستين، معروف أنهم أربع وستين كلهم؛ أبو بكر، وعمر، وعلي؛ كلهم أربعة وستين ما عدا عثمان ثمانين؛ هذا المعروف، كلهم أربع وستون. أو ثلاث وستون، كلهم بعد ثلاث وستين، وليس أربع وستين، كل الخلفاء الثلاثة كلهم ثلاث وستون؛ أبو بكر، وعمر، وعلي ما عدا عثمان، فعمرهم ثلاث وستون مثل النبي ﷺ كما ذكر المؤلف. 

(المتن) 

وعثمان: هو أبو عبد الله ذو النورين عثمان بن عفان من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلم قبل دخول النبي ﷺ دار الأرقم، كان غنيا سخيًا تولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب باتفاق أهل الشورى إلى أن قتل شهيدًا في ذي الحجة سنة 35هـ عن 90 سنة على أحد الأقوال. 

(الشرح) 

(..) اثنين وثمانين سنة. 

(المتن) 

وعلي: وهو أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، أول من أسلم من الغلمان، أعطاه رسول الله ﷺ الراية يوم خيبر، ففتح الله على يديه، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان ​​​​​​​ فكان هو الخليفة شرعًا إلى أن قتل شهيدًا في رمضان سنة 40هـ عن 63 سنة. 

(الشرح) 

وهؤلاء الخلفاء الراشدون الأربعة؛ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة؛ هذا هو الصواب، وأبو بكر بويع له بالخلافة بمبايعة أهل الحل والعقد، باتفاقهم جميعًا، والصواب: أن تمت له البيعة بالاختيار والانتخاب، وقيل: بالنص، وعمر تمت له البيعة بولاية العهد من أبي بكر، وإجماع المسلمين، وعثمان تمت له البيعة بمبايعة أهل الحل والعقد جميعًا، وعلي تمت له البيعة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد، وتخلف عن مبايعته معاوية وأهل الشام مطالبة بدم عثمان، معاوية ما يريد البيعة لنفسه، لكن يطالب بدم عثمان، ثم يبايع، وعلي  أراد أن يؤخر هذا الأمر حتى تهدأ الأمور والأحوال، فصار الخلاف بينهم. 

(المتن) 

وأفضل هؤلاء الأربعة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي ﷺ». 

(الشرح) 

نخير: يعني نفاضل بينهم. 

(المتن) 

 «كنا نخير بين الناس في زمن النبي ﷺ فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب،ثم عثمان بن عفان». رواه البخاري، ولأبي داود: كنا نقول ورسول الله ﷺ حَيُّ: أفضل أمة النبي ﷺ بعده أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، زاد الطبراني في رواية: «فيسمع ذلك النبي ﷺ فلا ينكره» هذا ولم أجد اللفظ ذكره المؤلف بزيادة علي بن أبي طالب. 

(الشرح) 

ما هي اللفظة الزيادة التي ذكرها المؤلف؟ اقرأ التعليق. 

(المحقق) 

وأما الزيادة التي ذكرها الشيخ العثيمين عند الطبراني وهي: «فيسمع ذلك النبي ﷺ فلا ينكره» فهي زيادة صحيحة ثابتة من طرق كثيرة عند ابن أبي عاصم في السنة، وأحمد، وغيرهم بأسانيد صحيحة. 

(الشرح) 

هذا المعروف. 

(المتن) 

وأحقهم بالخلافة بعد النبي ﷺ أبو بكر ؛ لأنه أفضلهم وأسبقهم إلى الإسلام، ولأن النبي ﷺ قدمه في الصلاة، ولأن الصحابة  أجمعوا على تقديمه ومبايعته، ولا يجمعهم الله على ضلالة، ثم عمر؛ لأنه أفضل الصحابة بعد أبي بكر، ولأن أبا بكر عَهد بالخلافة إليه، ثم عثمان ؛ لفضله وتقديم أهل الشورى له وهم المذكورون في هذا البيت: 

عَلَيٌ وَعُثمَانُ وَسَعدٌ وَطَلحَةٌ زُبَيرٌ وَذُو عَوفٍ رِجَالُ المَشُورَةِ

الشرح:

هؤلاء أصحاب الشورى. 

(المتن) 

ثم علي  لفضله وإجماع أهل عصره عليه.

 وهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم النبي ﷺ : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ

وقال: الْخِلاَفَةُ بَعدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً رواه أحمد وأبو داود والترمذي، قال الألباني رحمه الله: وإسناده حسن، فكان آخرها خلافة علي، هكذا قال المؤلف وكأنه جعل خلافة الحسن تابعة لأبيه، أو لم يعتبرها حيث إنه  تنازل عنها. 

فخلافة أبي بكر  سنتان وثلاثة أشهر وتسع ليال، من 13 ربيع الأول سنة 11هـ إلى 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ. 

وخلافة عمر  عشر سنوات وستة أشهر وثلاثة أيام، من 23 جمادى الآخرة سنة 13هـ إلى 26 ذي الحجة سنة 23هـ. 

وخلافة عثمان  اثنتا عشرة سنة إلا اثني عشر يومًا، من 1 محرم سنة 24هـ إلى 18 ذي الحجة سنة 35هـ. 

وخلافة علي  أربع سنوات وتسعة أشهر من 19 ذي الحجة سنة 35هـ إلى 19 رمضان سنة 40هـ.فجموع خلافة هؤلاء الأربعة تسع وعشرون سنة وستة أشهر وأربعة أيام. 

ثم بويع الحسن بن علي  يوم مات أبوه علي  وفي ربيع الأول سنة 41هـ سلم الأمر إلى معاوية وبذلك ظهرت آية النبي ﷺ في قوله: «الْخِلاَفَةُ بَعدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً  وقوله في الحسن: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ. رواه البخاري. 

(الشرح) 

بعد تنازل الحسن لمعاوية أجمع الناس على بيعة معاوية، وسمي ذلك العام عام الجماعة باجتماعهم على معاوية، سنة احدى وأربعين تنازل الحسن لمعاوية لحقن دماء المسلمين، فأجمع الناس واتفقوا على بيعة معاوية، وسمي العام: عام الجماعة؛ عام احدى وأربعين، واستمر معاوية  في الخلافة إلى عام ستين؛ عشرين سنة. 

(المتن) 

فالحسن سبط رسول الله ﷺ وريحانته، وهو أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولد في 15 رمضان سنة 3هـ، ومات في المدينة، ودفن في البقيع في ربيع الأول 50هـ. 

والحسين سبط رسول الله ﷺ وريحانته وهو ابن علي بن أبي طالب  ولد في شعبان سنة 4هـ وَقُتِل في كربلاء في 10 محرم سنة 61هـ.

وثابت وهو ابن قيس بن شماس الأنصاري الخررجي خطيب الأنصار قتل شهيدًا يوم اليمامة سنة 11هـ في آخرها، أو أول سنة 12هـ. 

(الشرح) 

مشهود له بالجنة. 

(المتن) 

قال المؤلف رحمه الله: ونشهد للعشرة بالجنة، كما شهد لهم النبي ﷺ فقال: أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعَيدُ فِي الْجَنَّةِ

(الشرح) 

طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو نفيل. 

(المتن) 

وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيدَةَ بِنَ الجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ​​​​​​​

 

(الشرح) 

كل هؤلاء نشهد لهم بأعيانهم، من شهد له النبي ﷺ بعينه نشهد له بعينه، وما عداه نشهد له بالعموم، نقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار على العموم، أما المعين نشهد لمن شهدت له النصوص بالجنة، أو بالنار. 

(المتن) 

وكل من شهد له النبي ﷺ بالجنة شهدنا له بها، كقوله: الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ. وقوله لثابت بن قيس: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ

(الشرح) 

كذلك بلال شهد له بالجنة سمع خشخشة نعليه، وابن عمر كذلك عدد كثير، و كذلك عدد كثير، وعكاشة بن محصن من السبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، وكذلك ثابت بن قيس بن شماس وجماعة. 

(المتن) 

ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، إلا من جزم له الرسول ﷺ . 

(الشرح) 

(لكنا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء)؛ إذا رأينا الإنسان مستقيماً على الطاعة نرجو له الخير، وإذا رأيناه يفعل المعاصي نخاف عليه، ولكن لا نجزم بأن هذا في الجنة، ولا هذا في النار إلا بالنص، فنشهد على العموم، كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار. 

(المتن) 

لكنا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء. 

الشرح: الشهادة بالجنة، أو بالنار ليس للعقل فيها مدخل؛ فهي موقوفة على الشرع، فمن شهد له الشارع بذلك شهدنا له، ومن لا فلا، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء. 

(الشرح) 

هذا معتقد أهل السنة والجماعة. 

(المتن) 

وتنقسم الشهادة بالجنة أو بالنار إلى قسمين: عامة وخاصة: 

فالعامة: هي المعلّقة بالوصف مثل: أن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة، أو لكل كافر بأنه في النار، أو نحو ذلك من الأوصاف التي جعلها الشارع سببًا لدخول الجنة، أو النار. 

والخاصة: هي المعلقة بشخص مثل: أن نشهد لشخص معين بأنه في الجنة أو لشخص معين بأنه في النار، فلا نعين إلا ما عينه الله أو رسوله ﷺ. 

والمعينون من أهل الجنة كثيرون ومنهم: العشرة المبشرون بالجنة، وخُصُّوا بهذا الوصف؛ لأن النبي ﷺ جمعهم في حديث واحد فقال: أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعَيدُ بنُ زَيدٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيدَةَ بِنَ الجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ. رواه الترمذي وصححه الألباني. 

وقد سبق الكلام على الخلفاء الأربعة وأما الباقون فجمعوا في هذا البيت: 

سَعِيدٌ وسَعْـدٌ وابنُ عَـوْفٍ وطَلْحـةٌ وعَامِرُ فِهْــرٍ والزُّبَيْـرُ المُمَـدَّحُ

فطلحة: هو ابن عبيد الله من بني تيم بن مرة أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، قتل يوم الجمل في جمادى الآخرة سنة 36هـ عن 64 سنة. 

والزبير: هو ابن العوام من بني قُصَي بن كلاب ابن عمة رسول الله ﷺ انصرف يوم الجمل عن قتال علي فلقيه ابن جرموز فقتله في جمادي الأولى سنة 36 عن 67 سنة. 

وعبد الرحمن بن عوف: من بني زهرة بن كلاب توفي سنة 32هـ عن 72 سنة ودفن بالبقيع. 

وسعد بن أبي وقاص: هو ابن مالك من بني عبد مناف ابن زهرة، أول من رَمَى بسهم في سبيل الله، مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ودفن بالبقيع سنة 55هـ عن 82 سنة. 

وسعيد بن زيد: هو ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، كان من السابقين إلى الإسلام، توفي بالعقيق ودفن بالمدينة سنة 51هـ عن بضع وسبعين سنة. 

أبو عبيدة: هو عامر بن عبد الله بن الجراح من بني فهر من السابقين إلى الإسلام، توفي في الأردن في طاعون عَمْواس سنة 18هـ عن 58 سنة. 

وممن شهد له النبي ﷺ بالجنة، الحسن والحسين وثابت بن قيس. 

قال النبي ﷺ : الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. 

وقال ﷺ في ثابت بن قيس: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. رواه البخاري137. 

والمُعيَّنون من أهل النار في الكتاب والسنة: 

من المعينين بالقرآن أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي ﷺ وامرأته أم جميل أَرْوى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان لقوله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/1] إلى آخر السورة. 

ومن المعينين بالسنَّة أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب لقول النبي ﷺ : أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. رواه البخاري. 

(الشرح) 

وهو أهون أهل النار عذابًا، وهو يتصور من شدة ما يصيبه أنه أشدهم، وهو أهونهم نعوذ بالله، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. وفي لفظ: إِنَّ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَإِنَّهُ لَفِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ. وفي لفظ: «عَلَيهِ شِرَاكَانِ مِن نَارٍ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ، نسأل الله السلامة والعافية. 

(المتن) 

ومنهم عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي قال النبي ﷺ : رَأَيْتُهُ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ رواه البخاري وغيره. 

(الشرح) 

لأنه أول من جلب الأصنام إلى بلاد العرب، أول من سيب السائبة وبحر البحيرة نعوذ بالله. 

(المتن) 

قال المؤلف رحمه الله: ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعملٍ. 

(الشرح) 

هذا معتقد أهل السنة والجماعة خلافًا للخوارج الذين يكفرون بالمعاصي والكبائر، وكذلك المعتزلة يخرجونه من الإيمان ويدخلونه في الكفر. 

(المتن) 

ونرى الحج والجهاد ماضيًا مع طاعة كل إمام، بَرًّا كان، أو فاجرًا، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة. 

(الشرح) 

أما الخوارج، والمعتزلة والرافضة ما يصلون خلف الإمام الفاجر، ولا يرون له ولاية، الخوارج يكفرونه، إذ يرونه كافراً مخلداً في النار، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، والرافضة ما يعترفوا بالإمام إلا الإمام المعصوم، والأئمة المعصومون اثنا عشر عندهم، وآخرهم من دخل السرداب، الذي دخل سرداب سامراء في العراق سنة مائة اثنين وستين، والباقي إمامتهم باطلة، ما في إمامة إلا المعصوم، وأهل السنة يرون الصلاة خلف كل برٍّ، وفاجر، خلافًا لأهل لبدع من الخوارج، والمعتزلة، والرافضة. 

(المتن) 

قال أنس : قال النبي ﷺ : ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ.  رواه أبو داود. 

أهل القبلة هم المسلمون المصلون إليها لا يكفرون بفعل الكبائر ولا يخرجون من الإسلام بذلك ولا يخلدون في النار؛ لقوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات/9]. إلى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات/10]. 

فأثبت الإخوة الإيمانية مع القتال وهو من الكبائر، ولو كان كفرًا لانتفت الإخوة الإيمانية. 

(الشرح) 

وهذا فيه الرد على الخوارج الآية وأمثالها، قال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة/178]؛ فجعل القاتل أخا المقتول؛ وهذه أخوة الإيمان؛ هذا فيه الرد على الخوارج الذين يكفرونه، وعلى والمعتزلة. 

(المتن) 

وقال النبي ﷺ يَقُولُ اللهُ ​​​​​​​: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ؛ يعني من النار، متفق عليه. 

وخالف في هذا طائفتان: 

الأولى: الخوارج قالوا: فاعل الكبيرة كافر خالد في النار. 

الثانية: المعتزلة قالوا: فاعل الكبيرة خارج عن الإيمان ليس بمؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين وهو خالد في النار، ونرد على الطائفتين بما يأتي: 

أولًا: مخالفتهم لنصوص الكتاب والسنة. 

ثانيًا: مخالفتهم لإجماع السلف. 

ومن السنة تَوَلي أصحاب رسول الله ﷺ ،ومحبتهم، وذكر محاسنهم، والتَّرحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم، وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم.  

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر/10]. وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح/29]. 

(الشرح) 

هذا فيه الرد على الرافضة الذين يسبونهم، ويكفرونهم، ويلعنونهم نعوذ بالله، ويذكرون مساوئهم نسأل الله السلامة والعافية، من سبَّ الصحابة، وسبَّ أكثر الصحابة، وكفر الصحابة؛ فهو مرتد نعوذ بالله؛ لأنه مكذب لله، ولرسوله ﷺ؛ لأن الله زكاهم وعدلهم، أما من سبَّ الواحد، أو الاثنين؛ فهذا قد لا يكفر. يعني من كفرهم وفسقهم، أما السب هذا يحتمل قد يكون لدينهم، إن كان سبَّهم لديهم كفر، وإن كان من أجل الغيظ؛ فهذا فيه خلاف. 

(المتن) 

للصحابة  فضل عظيم على هذه الأمة؛ حيث قاموا بنصرة الله ورسوله ﷺ، والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وحفظ دين الله بحفظ كتابه وسنة رسوله ﷺ علمًا وعملًا وتعليمًا حتى بَلَّغُوه الأمة نقيا طريًا. 

وقد أثنى الله عليهم في كتابه أعظم ثناء حيث يقول في سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح/29] إلى آخر السورة. 

وحمى رسول الله ﷺ حمى كرامتهم حيث يقول ﷺ : لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ متفق عليه.

فحقوقهم على الأمة من أعظم الحُقُوق، فلهم على الأمة: 

أولًا: محبتهم بالقلب والثناء عليهم باللسان بما أسدوه من المعروف والإحسان. 

ثانيًا: الترحم عليهم والاستغفار لهم تحقيقًا لقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر/10]. 

ثالثًا: الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور وعمل معذور لقوله ﷺ :  لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي... الحديث. 

قال المؤلف رحمه الله: وقال النبي ﷺ : لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ  مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ

سب الصحابة على ثلاثة أقسام: 

الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا؛ فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله ﷺ بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب، أو السنة كفار، أو فساق. 

(الشرح) 

من الذي نقل لنا الشريعة؟ هم الصحابة، إذا كانوا كفارا، أو فساقا، كيف يوثق بدين حمله كفار، أو فساق نعوذ بالله.  

(المتن) 

الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت، أو يرجع عما قال. 

الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل، فلا يكفر، ولكن يُعَزَّر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصارم المسلول، ونقل عن أحمد رحمه الله قوله: لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب، أو نقص، فَمَنْ فعل ذلك أُدِّبَ فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع. 

ومن السنة: التَّرضى عن أزواج رسول الله ﷺ ؛ أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهم خديجة بنت خويلد. 

(الشرح) 

الطالب: (..)؟ 

الشيخ: لا في خلاف بين بعض أهل العلم، يقولون: من شهد له أهل الصلاح يشهد له؛ لكن قول مرجوح، والصواب: أنه ما يشهد إلا لمن شهدت له النصوص، وهذا قول لأهل العلم لحديث: أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ. في قصة لما مروا بجنازة فأثنوا عليها بالخير، فقال: وَجَبَت، ثم مرت جنازة أخرى فأثنوا عليها بالشر، فقال: وَجَبَت​​​​​​​، فسألوه، قال: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. احتج بهذا بعض أهل العلم، ومن ذلك أن أبو ثور يشهد للإمام أحمد بالجنة، والجماعة أخذًا من هذا الحديث. 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمًّا بعد:

فقال المؤلف رحمه الله: ومن السنة: التَّرضى عن أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء.

أفضلهم خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه، زوج النبي ﷺ في الدُّنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم. 

(الشرح) 

كل أزواج النبي ﷺ في الدنيا وهن زوجاته في الآخرة رضي الله عنهن؛ ولهذا لما خرجت عائشة تطالب بدم عثمان، وخرجت هناك مع طلحة وغيره، قال ابن عباس: " والله إنها لزوجة نبيكم ﷺ في الدنيا والآخرة، وإن الله ابتلاكم بها " (..) فهي خرجت حتى تطالب بدم عثمان مع طلحة وجماعة من الصحابة. 

(المتن) 

قال الشارح حفظه الله تعالى: زوجات النبي ﷺ زوجاته في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين، ولهن من الحرمة والتعظيم ما يليق بهن كزوجات لخاتم النبيين، فهن من آل بيته طاهرات مطهرات، طيبات مطيبات، بريئات مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن، وفرشهن، وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ فرضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين، وصلى الله وسلم على نبيه الصادق الأمين. 

زوجاته ﷺ اللاتي كان فراقهن بالوفاة وهن: 

أولًا: خديجة بنت خويلد أم أولاده ما عدا إبراهيم، تزوجها رسول الله ﷺ بعد زوجين الأول عتيق بن عابد، والثاني أبو هالة التميمي. 

(الشرح) 

تزوجها وهو ابن خمس وعشرين، وهي بنت أربعين سنة؛ ففيه دليل على أنه لا بأس تزوج الصغير من التي أكبر منه، بعض الناس يعتبره عيب إذا رجل تزوج امرأة هي تكبره بسنتين، أو ثلاث، قال: أتزوج امرأة أكبر مني بسنتين، أو ثلاث؟! وما المانع؟! هذا الرسول ﷺ أشرف الخلق ابن خمس وعشرين سنة تزوج خديجة وهي في سن الأربعين، وكذلك في المقابل تزوج عائشة وهي بنت تسع سنين، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، أكبر منها؛ يكبرها بكثير؛ بنت تسع سنين وهو  ابن ثلاثٍ وخمسين، فلا حرج أن يتزوج الصغير الكبيرة، ولا حرج أن يتزوج الكبير الصغيرة. 

(المتن) 

ولم يتزوج ﷺ عليها حتى ماتت سنة 10هـ من البعثة قبل المعراج. 

ثانيًا: عائشة بنت أبي بكر الصديق أريها ﷺ في المنام مرتين أو ثلاثة، وقيل: هذه امرأتك، فعقد عليها ولها ست سنين بمكة، ودخل عليها في المدينة ولها تسع سنين، توفيت سنة 58هـ. 

ثالثًا: سودة بنت زمعة العامرية، تزوجها بعد زوج مسلم؛ هو السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو، توفيت آخر خلافة عمر وقيل: سنة 54هـ. 

رابعًا: حفصة بنت عمر بن الخطاب ، تزوجها ﷺ بعد زوج مسلم؛ هو خنيس بن حذافة الذي قتل في أحد وماتت سنة 41هـ. 

خامسًا: زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، تزوجها بعد استشهاد زوجها عبد الله بن جحش في أُحد وماتت سنة 4هـ بعد زواجها بيسير. 

سادسًا: أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، تزوجها بعد موت زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد.  

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد