بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين, وصل الله وسلم عَلَى نبينا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملاً يا كريم, واغفر اللهم لنا ولشيخنا والحاضرين وجميع المسلمين.
(المتن)
قَالَ الشيخ حافظ بْنَ أحمد الحكمي رَحِمَهُ الله تعالى, فِي منظومته الموسومة بسلم الوصول إِلَى علم الأصول فِي توحيد الله وَاتِّبَاعِ الرسول صلى الله عليه وسلم, فِي تتمة كلامه عَلَى فضل يجمع معنى حديث جبريل المشهور, فِي تعليمنا الدين؛ وَأَنَّهُ ينقسم إِلَى ثلاث مراتب, الْإِسْلَام, والإيمان والإحسان, وبيان أركان كلٍ منها, قَالَ رحمه الله تعالى:
|
كذا له الشفاعةُ العظمى كما
|
|
قد خصَّه اللهُ بها تكرُّما
|
|
مِن بعدِ إذنِ الله لا كما يَرَى
|
|
كلُّ قُبورِيٍّ على الله افترَى
|
|
يَشفَعُ أولًا إلى الرحمنِ في
|
|
فَصْلِ القضاءِ بين أهلِ الموقِفِ
|
|
مِن بعدِ أن يَطلُبَها الناسُ إلى |
|
كل أولي العزمِ الهداةِ الفُضَلا |
(الشرح)
هَذِهِ الأبيات فِي شفاعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى فِي موقف الْقِيَامَة, وذلك أَن النَّاس إِذَا وقفوا بين يدي الله تعالى فِي الحساب تدنو الشمس من الرؤوس؛ وتزيد درجة حرارتها, ويشتد كرب النَّاس, فيموج النَّاس بعضهم ببعض كما جاء فِي الحديث, فيفزعون إِلَى الأنبياء يطلبون مِنْهُم الشفاعة, فيأتون إِلَى أولًا: آدم, يا آدم أنت أبوا البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته فاشفع لنا عِنْدَ ربك, فيعتذر آدم ويقول: إني لاَّ أستطيع, إني أكلت من الشجرة الَّتِي نهيت عنها, وَلَـكِن اذهبوا إِلَى غيري, اذهبوا إِلَى نوح, إِنَّهُ أَوَّل رسول بعثه الله قومه.
فيأتون نوح, فيقولون: أنت أَوَّل رسول بعثه الله إِلَى قومه, سماك الله عبدًا شكورًا, فاشفع لنا إِلَى ربك, ألا ترى ما نَحْنُ فيه؟ ألا ترى ما بلغنا؟ فيعتذر نوح, ويقول: إِنَّ ربي غضب اليوم غضبًا لَمْ يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله, وإني دعوت عَلَى أهل الأرض دعوةً أغرقتهم, وَلَـكِن اذهبوا إِلَى غيري اذهبوا إِلَى إبراهيم فَإِنَّهُ خليل الله, فيذهبون إِلَى إبراهيم, فيقولون: يا إبراهيم أنت خليل الله, اشفع لنا عِنْدَ ربك, ألا ترى ما نَحْنُ فيه؟ ألا ترى ما بلغنا؟ فيعتذر إبراهيم عَلَيْهِ السلام, ويقول: إني ربي غضب اليوم غضبًا لَمْ يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله, وإني كذبت فِي الْإِسْلَام ثلاث كذبات.
قَالَ العلماء: هَذِهِ الكذبات تورية يجادل بها عَنْ دين الله, لَمَّا كسر الأصنام وضع الفأس فِي الصنم الكبير, وَقَالُوا : من فعل هَـذَا؟ قَالَ: كبيرهم هَـذَا, ونظر فِي النجوم فَقَالَ: إني سقيم, يوهم إيهامًا, وَقَالَ عَنْ زوجته لَمَّا مر فِي ذَلِكَ الزمان بملك مصر وخشي أَن يأخذها قَالَ: هِيَ أختي, تأول أخته فِي الْإِسْلَام.
هَذِهِ الكذبات يعتذر يوم الْقِيَامَة, فيقول: اذهبوا إِلَى غيري, اذهبوا إِلَى موسى فَإِنَّهُ كليم الله, فيذهبون إِلَى موسى, يَقُولُونَ: يا موسى أنت كليم الله اشفع لنا عِنْدَ ربك, ألا ترى ما نَحْنُ فيه؟ فيعتذر, ويقول: إِنَّ ربي غضب اليوم غضًا لَمْ يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإني قتلت نفسًا لَمْ أؤمر بقتلها, يَعْنِي قتل قبطي قبل النبوة, وَلَـكِن اذهبوا إِلَى غيري إِلَى عِيسَى فَإِنَّهُ روح الله وكلمته.
فيأتون إِلَى عِيسَى, فيقولون: يا عِيسَى أنت روح الله وكلمته اشفع لنا إِلَى ربك, ألا ترى ما نَحْنُ فيه؟ فيقول: إِنَّ ربي غضب اليوم غضبًا لَمْ يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وَلَمْ يذكر ذنبًا إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: النَّاس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله, وَلَـكِن اذهبوا إِلَى غيري, اذهبوا إِلَى محمد فَإِنَّهُ خاتم النَّبِيِّينَ, فيأتون بنينا محمد صلى الله عليه وسلم ويسألونه الشفاعة فيقول عَلَيْهِ الصلاة والسلام: «أنا لها أنا لها», فيذهب عليه الصلاة والسلام فيسجد تحت العرش, لاَّ يبدأ بالشفاعة أولا, ثُمَّ يفتح الله عَلَيْهِ بمحامد يمجده به, فيدعه الله ما شاء الله أَن يدعه ثُمَّ يَأْتِيَ الإذن من الرب سبحانه وتعالى فيقول الرب U: «يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع», فيسأل ربه الشفاعة فيشفعه الله فِي الأولين والآخرين؛ حَتَّىَ يقضى بينهم, ربي أسألك أَن تقضي بين العباد فيشفعه الله, فيأتي الله تعالى لفصل القضاء, وهذا هُوَ المقام المحمود الَّذِي يغبطه فيه الأولون والآخرون, قَالَ تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء/79] .
وَهَذِهِ الشفاعة عامة للمؤمن والكافر لإراحة النَّاس من الموقف, لفصل القضاء, هَذِهِ هِيَ الشفاعة, وحينئذٍ يظهر فضل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى غيره؛ عَلَى الأولين والآخرين, يغبطه الأولون والآخرون عليه الصلاة والسلام.
وقيل: إِنَّ المقام المحمود أَن يجلسه معه فوق العرش, جاء هَـذَا فِي أحاديث, رواها الإمام أحمد فِي مسنده, وإِذَا صح يكون المقام يسع الشفاعة وإجلاسه فوق العرش, وَهَذِهِ هِيَ الشفاعة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لاَّ يشاركه فيها أحد.
ثُمَّ هناك شفاعة أخرى خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهِيَ الشفاعة لأهل الجنة فِي الإذن بدخولها, لاَّ يدخل أهل الجنة الجنة حَتَّىَ يشفع لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ خاصة به, وهناك شفاعة ثالثة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهِيَ الشفاعة فِي تخفيف العذاب عَنْ عمه أبي طالب.
وهناك شفاعة مشتركة وهِيَ الشفاعة لقوم استحقوا النار ألا يدخلوها, وشفاعة لقوم دخلوا النار أَن يخرجوا منها, وشفاعة فِي رفعة درجات قوم من أهل الجنة وزيادة ثوابهم, هَذِهِ مشتركة.
السائل: (..)؟.
الشيخ: ذكر أَنَّهُ قَالَ: إني سقيم, هَـذَا يوهمهم من باب الجدال ودعوتهم إِلَى الله, قَالَ: هَـذَا يصلح رب, لَمَّا أفل قَالَ: لو كان إِلَهَ ما أفل, ثُمَّ قَالَ بعد ذَلِكَ: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأنعام/78-79] .
(المتن)
|
وثانيًا يَشفَعُ في استفتاحِ
|
|
دارِ النعيمِ لأولي الفلاحِ
|
(الشرح)
نعم هَذِهِ الشفاعة الثانية, الشفاعة لأجل الإذن بدخول الجنة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
|
هذا وهاتانِ الشفاعتانِ
|
|
قد خُصَّتا به بلا نُكرانِ
|
|
وثالثًا يشفَعُ في أقوامِ
|
|
ماتوا على دينِ الهدى الإسلامِ
|
|
وأوبَقَتْهُم كثرةُ الآثامِ
|
|
فأُدخِلوا النارَ بذا الإجرامِ
|
|
أن يُخْرَجوا منها إلى الجنانِ
|
|
بفضلِ ربِّ العَرْشِ ذي الإحسانِ
|
(الشرح)
هَذِهِ شفاعة ثلاثة مشتركة, الشفاعة فِي من دخل النار وَلَمْ يخرج منها, قَدْ ثَبِّتْ أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يشفع ثلاث شفاعات, كُلّ مرة يحد الله له حدًا, بالعلامة يخرجهم, حَتَّىَ أَنَّهُ فِي المرة الأخيرة يَقُول الله تعالى له: «أخرج من النار من كان فِي قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان».
الشفاعة الَّتِي قبلها: أخرج من كان فِي قلبه أدنى أدنى مثقال حبة, والتي قبلها: أخرج من كان فِي قلبه مثقال ذرة أو مثال حبة أو مثقال برة, ثلاث شفاعات, وكذلك الأنبياء يشفعون والأفراط يشفعون, والصالحون يشفعون وتبقى بقية لَمْ تنالهم الشافعة يخرجهم الله رب العالمين برحمته.
(المتن)
|
وبعدَه يَشفَعُ كلُّ مُرسَلِ
|
|
وكلُّ عبدٍ ذي صلاحٍ ووَلِي
|
|
ويُخرِجُ اللهُ مِنَ النيرانِ
|
|
جميعَ مَن مات على الإيمانِ
|
(الشرح)
المعنى أَنَّهُ يشفع أيضًا الأنبياء والمرسلون ويشفع الصالحون, والعلماء والأفراط, وَالْمَلَائِكَة يشفعون أيضًا, كُلّ هَذِهِ مشتركة, ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم .
(المتن)
|
ويُخرِجُ اللهُ مِنَ النيرانِ
|
|
جميعَ مَن مات على الإيمانِ
|
|
في نَهَرِ الحياةِ يُطرَحونا
|
|
فَحْمًا فيحيَون ويَنْبُتُونا
|
(الشرح)
هكذا جاء فِي الحديث أَنَّهُمْ يوضعون فِي نهر الحياة كما تنب الحبة فِي حبل السيل, فَإِذا هذبوا ونقوا أُذن لهم فِي دخول الجنة, هؤلاء العصاة الَّذِينَ يخرجون النار فحمًا, قَدْ امتحشوا وصاروا فحمًا فيلقون فِي نهر الحياة يصب عَلَيْهِم من نهر الحياة فيحيون.
(المتن)
|
في نَهَرِ الحياةِ يُطرَحونا
|
|
فَحْمًا فيحيَون ويَنْبُتُونا
|
|
كأنما يَنبُتُ في هَيْئاتِه
|
|
حِبُّ حَمِيلِ السيلِ في حافَاتِه
|
|
والسادسُ الإيمانُ بالأقدارِ
|
|
فأيقِنَنْ بِها ولا تُمارِ
|
|
فكلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقَدَرْ
|
|
والكُلُّ في أمِّ الكتاب مُستَطَرْ
|
(الشرح)
هَذَا الإيمان بالقدر هَذَا الركن الثالث من أركان الإيمان, الإيمان بأن كُلّ شَيْء قضاء وقدر, أَن الله كتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ يكتب كُلّ شَيْء, وقبل ذَلِكَ الإيمان بالقدر من مراتبه الإيمان الأربع:
المرتبة الأولى: العلم, العلم الأزلي بأن الله قَدْ علم كُلّ شَيْء فِي الأزل.
المرتبة الثانية: الكتابة, العلم بأن الله قَدْ كتب كُلّ شَيْء فِي اللوح المحفوظ.
فِي الحديث: «كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة», يكتب كُلّ شَيْء, يكتب الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكنات والعز والذل والشقاء والسعادة والعجز والكيس.
ثُمَّ المرتبة الثانية: المشيئة, وهِيَ الإيمان بأن كُلّ شَيْء وقع فِي هَـذَا الكون سبقته مشيئة الله وإرادته, ما يقع فِي هَـذَا الكون أمرٌ لَمْ يقدر.
ثُمَّ الخلق والإيجاد.
(المتن)
|
لا نَوْءَ لا عَدْوَى لا طَيْرَ ولا
|
|
عمَّا قضَى اللهُ تعالى حِوَلاَ
|
|
لا غُولَ لا هامَةَ لا ولا صَفَرْ
|
|
كما بذا أخبَرَ سيدُ البشَرْ
|
(الشرح)
قف على العدوى, الكلام في العدوى (..) العدوى والطيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب جعل لها أبواب خاصة.
