بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملًا يا كريم, واغفر اللهم لنا ولشيخنا والحاضرين وجميع المسلمين.
قال الشيخ: حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله, في رسالته الموسومة "بسُلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم".
(المتن)
قال رحمه الله تعالى:
فصل في معرفة نبينا صلى الله عليه وسلم، وتبليغه الرسالة، وإكمال الله لنا به الدين، وأنه خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، وأن من ادعى النبوةَ من بعده فهو كاذب:
نبيُّنا محمدٌ مِن هاشِمِ
|
|
إلى الذبيحِ دونَ شكٍّ يَنتمي
|
أرسلَه اللهُ إلينا مُرشِدَا
|
|
ورحمةً للعالمين وهُدَى
|
مولِدُه بمكةَ المطهَّرَةْ
|
|
هِجرَتُه لطيبةَ المنوَّرَةْ
|
بعدَ أرْبَعِين بَدَأَ الوحيُ بِه
|
|
ثم دعا إلى سبيلِ ربِّه
|
عشرَ سنين: أيها الناس اعبُدُوا
|
|
ربًّا تعالى شأنُه ووَحِّدُوا
|
وكان قبلَ ذاك في غارِ حِرَا
|
|
يخلو بذكرِ ربِّه عن الورَى
|
وبعدَ خمسين مِنَ الأعوامِ
|
|
مضتْ لعُمرِ سيدِ الأنامِ
|
أَسْرَى به اللهُ إليه في الظُّلَمْ
|
|
وفرَضَ الخمسَ عليه وحَتَمْ
|
وبعدَ أعوامٍ ثلاثةٍ مَضَتْ
|
|
مِن بعدِ مِعراجِ النبيِّ وانقضَتْ
|
أُوذِنَ بالهجرةِ نحوَ يَثرِبَا
|
|
معْ كلِّ مسلمٍ له قد صَحِبَا
|
وبَعدَها كُلِّفَ بالقتالِ
|
|
لشيعةِ الكفرانِ والضلالِ
|
حتى أتَوْا للدينِ مُنقادِينَ
|
|
ودخَلوا في السِّلمِ مُذعِنينَ
|
وبعدَ أن قد بلَّغَ الرسالةْ
|
|
واستنقَذَ الخلقَ مِنَ الجهالةْ
|
وأكمَلَ اللهُ به الإسلامَ
|
|
وقامَ دينُ الحق واستقامَ
|
قبضَه اللهُ العليُّ الأعلَى
|
|
سبحانَه إلى الرفيقِ الأعلى
|
نشهَدُ بالحقِّ بلا ارتيابِ
|
|
بأنه المرسَلُ بالكتابِ
|
وأنه بلَّغَ ما قد أرسِلا
|
|
به وكُلَّ ما إليه أُنزِلا
|
وكلُّ مَن مِن بعدِه قدِ ادَّعَى
|
|
نبوةً فكاذِبٌ فيما ادَّعَى
|
فهْوَ خِتامُ الرُّسْلِ باتفاقِ
|
|
وأفضلُ الخلقِ على الإطلاقِ
|
(الشرح)
اقرأ من البداية.
(المتن)
نبيُّنا محمدٌ مِن هاشِمِ
|
|
إلى الذبيحِ دونَ شكٍّ يَنتمي
|
(الشرح)
يعني الرسول صلى الله عليه وسلم هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي, والقرشي من العرب والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل, فهو ينتسب إلى إسماعيل الخليل, وإلى عدنان وبين عدنان إلى إسماعيل (...) مع القطع بأنه من ذرية إسماعيل بن إبراهيم فهذا لاشك فيه, أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو من ذرية إسماعيل.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن الذبيحين» الذبيح الأول: إسماعيل, والذبيح الثاني: أبوه عبد الله؛ لأن عبد المطلب نذر إن جاءه عشرة من الولد أن يذبح العاشر منهم فكان العاشر عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم, فلما أراد أن يفي بنذره منعه أخواله, قالوا: ما يمكن, فقال: كيف أفعل بنذري؟ قال: افده بالإبل ففداه بعشرة من الإبل, فوقعت القرعة عليه, على عبد الله, ثم تلاها بعشرة وهكذا, فما زالت تقع القرعة عليه حتى وضع مائة ناقة, فوقعت عليها فذبحها.
(المتن)
أرسلَه اللهُ إلينا مُرشِدَا
|
|
ورحمةً للعالمين وهُدَى
|
(الشرح)
أرسله الله رحمةً للعالمين: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[الأنبياء/107].
عمومًا, رحمةً بالناس جميعًا, على المؤمنون هداهم الله للإسلام والإيمان, والكفار كذلك يجاهدهم, فمن أسلم فالحمد لله هذا خيرٌ له, ومن لم يُسلم يُقاتل, وإذا قُتل ففيه رحمة له لئلا يستمر ويطل عمره في الكفر ويزداد عذابه, فكان النبي رحمة للعالمين.
(المتن)
مولِدُه بمكةَ المطهَّرَةْ
|
|
هِجرَتُه لطيبةَ المنوَّرَةْ
|
(الشرح)
مولده في مكة, وتربى فيها وبُعث صلى الله عليه وسلم فيها, وأقام بعد البعثة ثلاثة عشرة عامًا يدعو إلى التوحيد, ثم بعد عشر سنوات أُسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماء, وفرض عليه رب العزة والجلالة الصلاة فوق السموات, خمسين صلاة ثم خُففت إلى خمس صلوات, ثم هاجر إلى المدينة بعد أن مضى هذه المدة كلها يدعو إلى التوحيد, ثم لما هاجر إلى المدينة فرض الله الفرائض الجهات, والصلوات الخمس الجماعة, والزكاة, والصوم, والحج, وبقية الشرائع.
(المتن)
بعدَ أرْبَعِين بَدَأَ الوحيُ بِه
|
|
ثم دعا إلى سبيلِ ربِّه
|
عشرَ سنين: أيها الناس اعبُدُوا
|
|
ربًّا تعالى شأنُه ووَحِّدُوا
|
(الشرح)
نُبئ عليه الصلاة والسلام بعد أربعين سنة, حُبب إليه الخلاء فكان يخلو يتعبد في الغار غار حراء على ما بلغ إليه من إبراهيم عليه السلام؛ حتى جاءه الحق وجاءه الوحي في غار حراء, بعد أربعين عامًا من عمره الشريف نُبئ ب "اقرأ", وأُرسل ب "المدثر" صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
وكان قبلَ ذاك في غارِ حِرَا
|
|
يخلو بذكرِ ربِّه عن الورَى
|
(الشرح)
كان يتعبد الليالي ذوات العدد ويأخذ من الطعام ما يكفيه يومين أو ثلاثة, ثم إذا نفد ما معه ذهب إلى خديجة وتزوج بمثله؛ حتى جاءه الحق والوحي وهو في غار حراء.
(المتن)
وبعدَ خمسين مِنَ الأعوامِ
|
|
مضتْ لعُمرِ سيدِ الأنامِ
|
أَسْرَى به اللهُ إليه في الظُّلَمْ
|
|
وفرَضَ الخمسَ عليه وحَتَمْ
|
(الشرح)
يعني: بعد عشر سنوات من النبوة كمل خمسين سنة صلى الله عليه وسلم, وعُرج به إلى السماء, والمسألة على الخلاف, وكان على الأرجح أنه أُسري به أولًا من مكة إلى بيت المقدس والإسراء كان على البراق, والبراق: دابة فوق الحمار ودون البغل, تسمى البراق من البريق واللمعان, ركبه النبي صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل وكان البراق سريع الخطى, خطوه مد البصر, فقطع المسافة التي بين مكة والشام يقطعها الناس في مدة شهر, قطعها في مدة وجيزة, ما يُقال يمكن ساعتين الله أعلم, وكأن سرعته قريبة من سرعة الطائرة.
ثم ربط البراق بحلقة باب بيت المقدس وجُمع الأنبياء له عليه الصلاة والسلام, وقدمه جبريل فصلى بالأنبياء إمامًا, ثم جيء بالمعراج وهو كهيأة الدرج والسلم, فصعد النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل إلى السماء في طبقات الجو بسرعة؛ حتى وصل إلى باب السماء الدنيا فاستفتح له جبريل كما جاء في الحديث الصحيح, قال: «ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم».
وجد في السماء آدم, ثم عُرج به إلى السموات: السماء الدنيا, السماء الثانية, وجد فيها يحي وعيسى ابني الخالة, ثم السماء الثالثة ووجد فيها إدريس, والسماء الرابعة يوسف, والسماء الخامسة هارون, والسماء السادسة موسى, والسابعة إبراهيم, ثم جاوز السبع طباق, ثم تجاوزها ووصل إلى مكان يسمى سدرة المنتهى وكلمه رب العزة والجلال بدون واسطة من وراء حجاب, وفرض عليه خمسين صلاة, ثم تردد بين ربه وبين موسى, وموسى يسأله أن يسأل ربه التخفيف, فيعلو به جبرائيل إلى ربه جلاله, فيضع عنه في كل مرة خمس وفي رواية عشر؛ حتى صارت إلى خمس صلوات, هذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
ثم هبط إلى الأرض, قبل الفجر بمدة, إذًا هذه الليلة أُسري به وعُرج ورأى هذه الأمور العظام: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النجم/18].
ثم جاء إلى مكة وحدث الناس بذلك, فاستغربوا هذا وجعل الكفار يسخرون به, وارتد بعض ضعفاء الإيمان وصدقه أبو بكر رضي الله عنه, ثم بعد ثلاثة سنوات كمل ثلاثة عشر سنة اشتد أذى قريش له فأمره الله بالهجرة إلى المدينة, فهاجر بصحبة أبي بكر, والصحابة كلٌ يهاجر وحده, الواحد والاثنين, والنبي صلى الله عليه وسلم هاجر بعد ذلك بصحبة أبي بكر.
الطالب: دابة البراق, هذه كانت موجودة من قبل في الزمن الماضي يا شيخ؟.
الشيخ: الله أعلم, يقال أن إبراهيم كان يأتي من الشام إلى الحجاز لما وضع هاجر وابنه إسماعيل يأتي على فترات, قيل: إنه يأتي على البراق, لما أتى مرة وقد كبر إسماعيل وجاء إلى بيته ووجد زوجته, وسألها: أين إسماعيل؟ قالت: ذهب يطلب لنا الصيد, فكان ما عندهم (...), فقال: اللهم بارك في اللحم والماء.
وسأل في الأول زوجته, فقالت: نحن في شر وعيشة سيئة وكذا, فقال لها: إذا جاء زوجك فقولي له: أن يغير عتبة بابه, فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم أحد, قالت: جاء شيخ صفته كيت وكيت, قال: هل أوصاكم بشيء, قالت: أمرك أن تغير عتبة بابك, فطلقها, ثم تزوج أخرى وجاء إبراهيم المرة الثانية بعد فترة, ولم يجد إسماعيل فسأل المرأة, فقالت: نحن في خير وسعة وأثنت على الله خيرًا, فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له السلام وقولي له: أن يثبت عتبة بابه, فلما جاء أخبرته.
ثم جاء بعد ذلك لبناء الكعبة, وقال بعض السلف: إنه يأتي على البراق, ويقطع هذه المسافة في وقتٍ وجيز, ولا كانت المواصلات في ذلك الوقت هي الإبل البطيئة تمكث شهر.
(المتن)
وبعدَ أعوامٍ ثلاثةٍ مَضَتْ
|
|
مِن بعدِ مِعراجِ النبيِّ وانقضَتْ
|
أُوذِنَ بالهجرةِ نحوَ يَثرِبَا
|
|
معْ كلِّ مسلمٍ له قد صَحِبَا
|
(الشرح)
أُذن له بالهجرة إلى يثرب, أي المدينة, وكانت تسمى يثرب, بعد ذلك سميت المدينة وطابا وطيبة, وبعد ذلك أمر ألا تسمى يثرب فيثرب هذا اسمٌ جاهلي, وأما قوله تعالى في غزوة الأحزاب: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯧ) [الأحزاب/13].
هذا من قول المنافقين, اسمٌ جاهلي ثم غُير فصارت اسمها المدينة, وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة هاجروا أفراد, والنبي صلى الله عليه وسلم هاجر بعد ذلك.
(المتن)
وبَعدَها كُلِّفَ بالقتالِ
|
|
لشيعةِ الكفرانِ والضلالِ
|
(الشرح)
يعني: أُذن بالجهاد بعد ذلك قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭜ) [الحج/39].
كانوا في مكة لا يستطيعون وضعفاء, فلما هاجر إلى المدينة تقوى صلى الله عليه وسلم صار له دولة وله كيان, فأذن الله بالجهاد بالتدريج, ففي الأول أنزل الله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭜ)[الحج/39], إذن عام.
ثم أُنزل القتال للدفاع: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭮ) [البقرة/191].
ثم شُرع الجهاد بدنًا وجموعًا: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯭ)[التوبة/36].
(المتن)
وبَعدَها كُلِّفَ بالقتالِ
|
|
لشيعةِ الكفرانِ والضلالِ
|
حتى أتَوْا للدينِ مُنقادِينَ
|
|
ودخَلوا في السِلمِ مُذعِنينَ
|
(الشرح)
جاءوا مذعنين يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فُرض الجهاد قاتل وجاهد؛ حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا, وفُتحت مكة.
(المتن)
وبعدَ أن قد بلَّغَ الرسالةْ
|
|
واستنقَذَ الخلقَ مِنَ الجهالةْ
|
وأكمَلَ اللهُ به الإسلامَ
|
|
وقامَ دينُ الحق واستقامَ
|
قبضَه اللهُ العليُّ الأعلَى
|
|
سبحانَه إلى الرفيقِ الأعلى
|
(الشرح)
يعني: لما بلغ الرسول دين الله, ودخل الناس في دين الله أفواجًا أنزل الله عليه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النصر/1-3].
هذه السورة فيها إيذانٌ بقرب أجله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه بلغ الرسالة وانتهت مهمته صلى الله عليه وسلم, قبضه الله تعالى بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة, ونصح الأمة صلى الله عليه وسلم, ودينه باقٍ, توفي صلى الله عليه وسلم جسده طري لا تأكله الأرض ودينه باقٍ إلى قيام الساعة صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
نشهَدُ بالحقِّ بلا ارتيابِ
|
|
بأنه المرسَلُ بالكتابِ
|
وأنه بلَّغَ ما قد أرسِلا
|
|
به وكُلَّ ما إليه أُنزِلا
|
(الشرح)
نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حق جهاده عليه الصلاة والسلام؛ حتى أتاه من ربه اليقين.
(المتن)
وكلُّ مَن مِن بعدِه قدِ ادَّعَى
|
|
نبوةً فكاذِبٌ فيما ادَّعَى
|
فهْوَ خِتامُ الرُّسْلِ باتفاقِ
|
|
وأفضلُ الخلقِ على الإطلاقِ
|
(الشرح)
كل من ادعى النبوة فهو كاذب, كل من ادعى النبوة بعده فهو كاذب, قال عليه الصلاة والسلام: «إنه سيكون بعدي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين فلا نبي بعدي».
فهو خاتم النبيين والمرسلين, قال الله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯹ) [الأحزاب/40].
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «وخُتم بي النبيون».
فليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام, وهو نبي الساعة, وهو أفضل الأنبياء وآخرهم وأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.
الطالب: أفضل الخلق على الإطلاق؟.
الشيخ: نعم, قال: «أنا سيد الناس ولا فخر».
وقال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر».
الطالب: الحديث الوارد أيضًا قال: «لا تفضلوني على موسى».
الشيخ: يعني على وجه الأصلية والحمية والتعصب للجنس, ولا يحمل هذا على هذا وإلا فهو الأفضل صلى الله عليه وسلم من موسى وغيره.
وفق الله الجميع لطاعته.