بسم الله الرحمن الرحيم
نحن مع كلام الشيخ محمدٌ بن صالح العثيمين رَحِمَهُ اللهُ في الإبر المغذية، ذكرت لكم رَحِمَهُ اللهُ في آخر حياته توقف الأبر المغذية. وقال: أنها تختلف عن الأكل والشرب، لأن الأكل فيه شهوه والإبر ليس فيه شهوة، والصواب: كما أنها الإبر المغذية ويطلق عليها أنها بمثابة الأكل والشرب، تنوب عن الأكل والشرب وتنوب عن الطعام.
(الطالب)
قال الشيخ محمدٌ بن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ تعالى: "فالذي يَفطر الأكل والشرب وما كان بمعناه في التغذية فله حكمه"، على أنَّهُ قد يعُارض معُارض في الإبر المغذية مثلاً بأنها تختلف عن الأكل والشرب، لأن الأكل والشرب له لذة وطعم، ولهذا كان الذي يتغذى بهذه الإبر يشتاق اشتياق كبيرًا إلى الأكل والشرب.
لكننا عرضنا هذا بحديث لقيط بن صبرة، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا، فإن المستنشق للماء لا يتلذذ به.
(الشرح)
المقصود أن الإبر المغذية لا شك حتى في كلام شيخ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ صالح في أنها على كل حال ذكر رَحِمَهُ اللهُ لقيط بن صبرة.
المقصود أن الإبر المغذية لا شك فيها وكذلك حق ما دام في الصائم، حق ما دام في الصائم.
هذا خلاصة الطعام والشراب.
إِذًاْ حقن الدام في الصائم هذا فإنه يفطر بهذا الحق، وخروج الدم كما سيبين شيخ الإِسْلَامِ في آخر الرسالة، بالحجامة أو بالشرط أو بالسحب هل هذا يفطر أم لا؟
وأن الصيام أن يكون معتدلًا، وأن الاعتدال من حكمته، كما أنه لا يدخل شيء في جسمه فلا يدخل شيء يضره أَيْضًا ومن ذلك الدم لأنه يضعفه، وهو أن الحجامة تفطر، والحجامة فيها خلاف، خلاف قوي خلافًا شديد عند أهل العلم، هل تفطر أم لا تفطر؟ وإن كانت الفتوى الآن على أنها تفطر الآن، وكثيرون من الفقهاء قالوا: أنها لا تفطر.
(المتن)
قال شيخ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ:
فَإِذَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَّسُولُ ﷺ بَيَانًا عَامًّا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقِلَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكُحْلَ وَنَحْوَهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا تَعُمُّ بِالدُّهْنِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْبَخُورِ وَالطِّيب.
فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُفَطِّرُ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا بَيَّنَ الْإِفْطَارَ بِغَيْرِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنِ الْإِفْطَارَ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الطِّيبِ وَالْبَخُورِ وَالدُّهْنِ، وَالْبَخُورُ قَدْ يَتَصَاعَدُ إِلَى الْأَنْفِ وَيَدْخُلُ فِي الدِّمَاغِ وَيَنْعَقِدُ أَجْسَامًا، وَالدُّهْنُ يَشْرَبُهُ الْبَدَنُ وَيَدْخُلُ إِلَى دَاخِلِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِ الْإِنْسَانُ، وَكَذَلِكَ يَتَقَوَّى بِالطِّيبِ قُوَّةً جَيِّدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَطَيُّبِهِ وَتَبْخِيرِهِ وَإِدِّهَانِهِ، وَكَذَلِكَ اكْتِحَالِهِ.
(الشرح)
هذا شيء يفعله باختياره، شيخ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ يقول: "أن الكحل من جنس الطيب والبخور والدهن"، كما أن البخور والدهن لا يفطر فكذلك الكحل، لكن الفقهاء يقولون: البخور لا، لأنه لا يتعمد، الصائم لا يتعمد شم البخور، لأنه إِذاْ شمه دخل في أجزاء الدماغ وفي العقل، قال: "مثل الاستنشاق".
فالوقاية أنه ورد أَيْضًا عن استنشاق البخور، استنشاق البخور، الفقهاء يقولون: أنه يصل إلى الدماغ من جنس العمل، مثل حديث مبالغ الاستنشاق ألا تكون صائمًا، لأنه الاستنشاق يتصاعد إلى الدماغ، وكذلك البخور يتصاعد إلى الدماغ.
لكن الشيخ يرى أن البخور والطيب والدهن كله لا يؤثر، والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجسامًا، فلا يفطر عنده، وعند الفقهاء يفطر إِذًاْ تعمد، إِذًاْ تعمد يفطر، الفقهاء ينهون وهو من جنس الحديث، أو مقياسًا على الحديث وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا، قالوا: وإِذاْ استنشق ذهب إلى الدماغ وينعقد أجسامًا.
وشيخ الإِسْلَامِ يرى أن العلة أو سبب النهي أنه ينزل إلى المعدة فيكون شرابًا من جنس الشراب.
فَإِذًاْ الشيخ محمدٌ يرى أن الاكتحال والتطيب والتبخر والدهان لا يفطر الصائم، لأن هذه الأشياء مما تعم بها البلوى ويبينها النبي ﷺ يبين أنها مُفطرة فيدل على أنها لا تفطر.
(المتن)
(الشرح)
وهذا في مداواة الجائفة والمأمومة، إِذًاْ المأمومة هي الشقه في الرأس التي تصل إلى أم الدماغ، يَعْنِي الدماغ له خريطة، إلى وعاء وغشاء، أحيانًا تكون الضربة شديدة في الرأس وتجرح الرأس، تكسر العظم وتصل إلى أم الدماغ، هذا يسمى مأمومًا، والفقهاء ذكروا هذا في الديا، إِذاْ تدي فإلى أم الدماغ.
والبعض يقول في صورة دية وكذا، لأن الجرح والعظم قد تكون موضحة، وهنا توضح العظم، قال في خمسة من الإبل وقد تكون هاشمة وهنا تهشم العظم، توضع وتهشم، وقد تكون منقلة، تهشمه وتنقله إلى مكان آخر.
وقد تكون مأمومة تصل إلى أم الدماغ، وقد تكون جائفة، فسروا هذا في الديات والقصاص.
فمداواة المأمومة والجائفة هل يفطر؟ يقول الشيخ: لا يفطر، كان المُسْلِمِوْن في عهد النبي ﷺ يجرح أحدهم، أما في الجهاد وأما في غيره مأمومة أو جائفة، يَعْنِي يعالجونه، ولو كان هذا يفطر لبين لهم، فلما لم ينهى الصائم عن ذلك، هو أنه لم يجعله مفطرا يَعْنِي لم يأتي الشارع ويفطره.
(المتن)
(الشرح)
هذا الوجه الثالث من الوجوه التي يرد بها المؤلف على ناقصة، على الفقهاء فيه لأنهم قاسوا وجعلوا هذا الناقصة هي العمدة في التفطير، قاسوا على مبالغ الاستنشاق أن لا تكون دائمة، قال: واصل إلى الدماغ أو وصل إلى الجوف أو وصل إلى المعدة، فإنه يفطر وهذه ناقصة، هذه ناقصة ليس عليها دليل.
(المتن)
(الشرح)
"إِثْبَاتُ التَّفْطِيرِ بِالْقِيَاسِ"، وذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ في الأول أن مناف التفطير هو حجته؟ يقول: إن التفطير يصل يصل إلى المعدة والشيء يقول لا يفطر يشرح شرح ولا يصل، فيقول إثبات التفطير، التفطير الذي في القبول يَعْنِي الإفطار بالقياس ومقاسه ناقصة، كله عدة ناقصة، التفطير سبق هل التفطير في القبول هل يفطر أو لا يفطر؟ في قولين.
أما هنا؛ هذا الوجه الثالث من وجوه الرد على الفقهاء الذين يرون أن التفطير بالقياس، والقياس على أي شيء؟
القياس على حديث وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا، لا على الاستنشاق لأ لا يصل إلى الدماغ فينعقد أجسامًا، قالوا وكذلك أَيْضًا ويصل إلى المعدة وينعقد أجسامًا ويصل إلى الجوف وينعقد أجسامًا، فالأولى إثبات التفطير بالقياس يحتاج إلى أن يكون القياس صحيحًا، ما هو القياس؟ القياس يحتاج إلى أربعة أركان، أصل وفرع وعلة جامعة.
مثلًا في الحديث الصحيح حديث عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ أخبر أن الربا يجري في ستة أشياء، قال: الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ مِثلاً بِمثلٍ، وسَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ.
أخبر أن هذه الأشياء لا يُباع بعضها ببعض بالتفاضل، فلا تبيع بر ببر ولا تبيع متفاضل ولا تبيع تمر بتمر تفاضل، لابد من وزن ومن كيل، لكن إِذاْ اختلفت هذه الأصناف يجوز الزيادة ولكن لا أن يكون يد بيد، تمر بتمر، الفقهاء بعض الفقهاء يقيسون، يقيس الأرز على البر، الأرز ما جاء في نص، الرسول نص على البر.
فالفقيه يأتي يقول: «أنا الحق الأرز بالبر»، فالبر نص عليه الرسول ﷺ، هذا هو الأصل والفرع الأرز، والعلة الجامعة بينهما عند الحنابلة والحنفية، الكيل والوزن، كل منهما كيل، وعند الشافعية الطُعم كل منهما طعم، وعند المالكية الادخار.
فيأتي مثلًا إِذاْ كان حنفي أو حنبلي يقول: الأرز كالبر في جريان الربا في جامع الكيل والوزن، وإِذاْ كان الشافعي يقول بجامع الطعم، و إِذاْ كان مالك يقول في جامع الادخار كل منهما إدخار، فَإِذًاْ لا يجوز بيع الرز بالرز متفاضلاً هذا قياس.
لأن فيه فرع هو أصل وحكم وعلة جامعة.
الفرع: الأرز.
الأصل: البر.
العلة الجامعة: بينهما الكيل والوزن أو الطعم أو الادخار الحكم تحريم الربا لكل منها.
المؤلف يقول هل هذا مثل هذا، القياس لابد أن يكون أما أن يكون القياس صحيح مثل فرع وأصل وعلة، أو إلغاء الفارق، أن تقول لا فارق بين الأرز والبر، لا فارق بينهما، فأما أن يدل دليل على العلة في الأصل حتى تعد لها الفرع.
الرسول ما نص على العلة مثلًا، وأما أن يعلم ألا فارق بينهما، وكيف أنتم تقيسون الآن، تقيسون الإبر المغذية والحقن، تقيسون على حديث مبالغ الاستنشاق، أين العلة الجامعة بينهما، أين الفرع، كيف إلغاء الفارق، هل تستطيع أن تقول لا فارق بينهما، فيه فارق، المؤلف يناقشه في هذا.
(المتن)
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُفَطِّرَ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مُفَطِّرًا هُوَ مَا كَانَ وَاصِلًا إِلَى دِمَاغٍ أَوْ بَدَنٍ، أَوْ مَا كَانَ دَاخِلًا مِنْ مَنْفَذٍ أَوْ وَاصِلًا إِلَى الْجَوْفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَجْعَلُهَا أَصْحَابُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ هِيَ مَنَاطَ الْحُكْمِ عِنْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا جَعَلَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مُفَطِّرًا.
لِهَذَا الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَمِمَّا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ وَالْجَوْفِ مِنْ دَوَاءِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَمَا يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ مِنَ الْكُحْلِ وَمِنَ الْحُقْنَةِ وَالنُّقَطِ فِي الْإِحْلِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى تَعْلِيقِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِلْحُكْمِ بِهَذَا الْوَصْفِ دَلِيلٌ، كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا جَعَلَا هَذَا مُفَطِّرًا لِهَذَا قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ، وَكَانَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا قَوْلًا بِأَنَّ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا عِلْمٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ عَلَى اللهِ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَمَنِ اعْتَقَدَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا الْمُشْتَرَكَ مَنَاطُ الْحُكْمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اعْتَقَدَ صِحَّةَ مَذْهَبٍ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، أَوْ دَلَالَةَ لَفْظٍ عَلَى مَعْنًى لَمْ يُرِدْهُ الرَّسُولُ، وَهَذَا اجْتِهَادٌ يُثَابُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ اتِّبَاعُهَا.
(الشرح)
إِذًاْ المؤلف في هذا الأصل يقول لا أنتم الآن عندكم القياس، ما صحيح القياس، ما هناك دليل يقتضي أن المفطر الذي جعل صفته يصل إلى الدماغ أو ما يصل إلى البدن أو ما يدخل من منفذ أو ما يكون واصل إلى الجوف، ما في دليل يدل على هذا كيف تجعلون هذه العلة.
والقياس الآن ما اكتملت شروطه، تقيسون على الحديث ما وصل إلى الدماغ، أنتم تقولون وصل إلى الدماغ، ثم نقيس عليه ما وصل إلى الجوف، من قال لكم أن العلة في الحديث أنه ما وصل إلى الدماغ، حتى تقيسون عليه ما نص عليه.
فهذا يناقشه المؤلف رَحِمَهُ اللهُ والفقهاء في ناقصة، إِذًاْ أنتم تقولون: أن الله إنما جعل الطعام والشراب مفطرًا لأنه يصل إلى الدماغ أو لأن الحقنة لأنها تصل إلى الجوف، أتي بالدليل متى قال الرسول أن العلة لا تصل إلى الدماغ؟ ما فيه، والقياس غير صحيح وهكذا، وكذلك ما يصل إلى الدماغ والجوف من دواء والمأمومة والجائفة.
دوما يصل إلى الجوف من الكحل، والحقنة والتقطير، كل هذا ما عليه دليل، وإِذًاْ فقول القائل، إنما ما يصل الجوف وما يصل إلى الدماغ مفطرًا، وهذا قول على الله بلا علم، وكان قوله أن الله حرم هذا، قولًا بأن هذا حرام وهذا حلال بلا علم وهذا يتضمن القول على الله بلا علم وهذا ولا يجوز، رد قوي رَحِمَهُ اللهُ.
قال: والعلماء اللي يعتقدون أن هذا هو مناط الحكم، أن العلة واصلة إلى الدماغ والجوف مثل من يعتقد صحة مذهب وإن لم يكن صحيحًا، واحد يعتقد أن صحة مذهب مثلًا الأشاعرة وهم ليسوا بصحيح، وهو غلطان، وهؤلاء اعتقدوا أن هذا هو العلم لم يكونوا غلطانين، قصادة أمرهم وقصاد جهدهم أنهم مأجورين على اجتهادهم لكن ما صحيح الكلام و مأجور على اجتهاده ولكن لا نستطيع أن نقول هذا الحجة الشرعية، لكن هو مأجور أجتهد لكن ليس كلامه حجة شرعية، واضح الرد.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي يقول القياس إِذًاْ صح، يصح إنما يدل كلام الشارع على علة الحكم، أما إِذًاْ جاء في العلة ووصى عليه الشارع، مثل كقوله ﷺ لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها إنكم إِذًاْ فعلتم ذلك قطعتم من حاول، هذه علة صارت العلة قطع الرحم، فَإِذًاْ نص الشارع على العلة، وسبرنا الأوصاف ولم نجد هذه العلة ما سوى علة، إلا وصف معين، كذلك أَيْضًا العلة، هذه مسألة أصولية في القياس.
العلة قد تكون مثلًا بالمناسبة، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، هنا الوصف المناسب السرقة، تابع علة للحكم، قد تكون بالدوران وكلما دار الحكم دارت العلة، سمي هذا علة بالدوران وبالشبة والطرد.
وكذلك إِذًاْ كان في الأصل وصفان، كل منهما يصلح أن يكون سبب الحكم، ليس أن نقول الوصف هذا دون هذا، مثلًا السرقة، وصف آخر مشابه لها، الاختلاس مثلًا، إِذًاْ جاء وصفان لا نستطيع أن نقول هذا هو العلة هذا دون هذا إلا في دائرة، كما هو معلومًا.
(المتن)
(الشرح)
يقول الشارع ما نص الآن على أن هذه مفطرة ما نص على كل ما وصل إلى الدماغ فهو مفطر، أو كل ما وصل إلى الجوف فهو مفطر، ما نص على هذا، النص والإجماع ثبت الأكل والشرب والجماع والحيض، هذه نص عليه، الأكل والشرب والجماع والحيض المرأة، هذه تبطل الصيام، بالاتفاق، لكن ما فيه دليل يدل على ما وصل إلى الدماغ هو مفطر، قال والنبي ﷺ قد نهى المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق وقال: وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا.
ويقول: أقوى قياسهم على الاستنشاق أقوى حجة، أقوى حججهم قياسهم على الاستنشاق، قال: وهو قياسًا ضعيف، لِمَاذَا قياسًا ضعيف، هم يقولون إِذًاْ استنشق الماء يذهب إلى الدماغ فينعقد أجسامًا، فأخذوا من هذا أن ما وصل إلى الدماغ ووصل إلى الجوف يفطر، والشيخ يقول: لا ضعيف لأنه ما وصل إلى حلقه، ويكون كأنه شرب الماء، لا لأنه ينعقد يصل إلى الدماغ فينعقد ولهذا قال أقوى حججهم، أو أقوى قياستهم، القياس على الاستنشاق، وهو قياس ضعيف لِمَاذَا؟ وهو قياس ضعيف.
(المتن)
وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ نَشِقَ الْمَاءَ بِمَنْخِرَيْهِ يَنْزِلُ الْمَاءُ إِلَى حَلْقِهِ وَإِلَى جَوْفِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لِلشَّارِبِ بِفَمِهِ، وَيُغَذِّي بَدَنَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَيَزُولُ الْعَطَشُ وَيُطْبَخُ الطَّعَامُ فِي مَعِدَتِهِ كَمَا يَحْصُلُ بِشُرْبِ الْمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَرِدِ النَّصُّ بِذَلِكَ لِعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الشُّرْبِ فَإِنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ إِلَّا فِي دُخُولِ الْمَاءِ مِنَ الْفَمِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بَلْ دُخُولُ الْمَاءِ إِلَى الْفَمِ وَحْدَهُ لَا يُفَطِّرُ، فَلَيْسَ هُوَ مُفَطِّرًا وَلَا جُزْءًا مِنَ الْمُفَطِّرِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ، بَلْ هُوَ طَرِيقٌ إِلَى الْفِطْرِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكُحْلُ وَالْحُقْنَةُ وَمُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ؛ فَإِنَّ الْكُحْلَ لَا يُغَذِّي أَلْبَتَّةَ، وَلَا يُدْخِلُ أَحَدٌ كُحْلًا إِلَى جَوْفِهِ لَا مِنْ أَنْفِهِ وَلَا مِنْ فَمِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُقْنَةُ لَا تُغَذِّي بوجه من الوجوه.
(الشرح)
انظر هنا لا تغذي، لا تغذي دليل أَنَّ المغذي يفطر، الحقنة لا تغذي بل المغذي يفطر.
(المتن)
(الشرح)
المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يقول أن الاستنشاق عندما تستنشق الماء، هنا العلة معروف أنه يصل إلى المعدة ويغني عن الطعام والشراب، ويزول به العطش حتى ولو يرد النص معلوم هذا يعلم بالعقل، إِذًاْ أدخل الماء في أنفه ثم وصل إلى المعدة يرجع إلى المعدة، ويتغذى به، وكونه عن طريق الأنف يعتبر الفارق هو المؤثر سواء دخل عن طريق الأنف أو عن طريق الفم، الحكم واحد بل دخول الفم، الفم لا يكفي وحده قد يصل الماء إلى الفم ويتمضمض ويرجه فلا يفطر، بل هو طريق إلى الفطر.
أما الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة لا تغذي أبدًا، الماء الذي يستنشقه وصل إلى حلقه وتغذى به، والحقنة والكحل والمداواة لا تغذي، ولا يمكن أحد يدخلها إلى جوفه ولا من أنفه، لأنه لا يستفيد منها، والحقنة كذلك لا تغذي بل تستثمر ما في البد، الحق عن طريق الدبر، مثل لو شم شيئا من من المسهلات أو فزع ثم استطلق بدنه هنا يضر والدواء، الدواء الذي يصل المعدة.
(المتن)
(الشرح)
البعض يقول الدواء يصل إلى المعدة، لا لا يشبه لذلك، والله يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183]، يقول: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وقال: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ بِالصَّوْمِ. وهذا الحديث كلمة فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ بِالصَّوْمِ.، يقول المحقق هذا ليس أنه هذه زيادة فضيقوا لا أعلم لها أصل في شيء من كتب السنة فمطبوعة، فالشيخ لم يذكرها، فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ بِالصَّوْمِ.
(المتن)
(الشرح)
واضح الآن والشيخ يقول للصائم هنا لا عليك بالشرب لأنه يتقوي به، ويولد الدم الكثير، وكذلك إِذًاْ استنشق الماء نفس الشيء، ينزل إلى المعدة، لكن الحقنة والكحل وما يقطر في الذكر وما يداوي به المأمومة والجائفة، ليست كذلك.
(المتن)
(الشرح)
"أن الشارع علَّق الحُكْم بما ذكروه من الأوصاف معارَضٌ بهذه الأوصاف"، لأن الشارع عندما علق الفطرة بالأكل والشرب لأنها سبب التقوي ولأنه يولد دمًا كثيرًا، لا لأنه يصل إلى المعدة ولا إلى الجوف.
(المتن)
(الشرح)
يقول الشارع إِذاْ علَّق الحكم بأوصاف، وهذه الأوصاف ليست موجودة في الفرع، فلا يكون القياس صحيح، لابد أَنَّ تكون العلة، جامعة بين الأصل والفرع، وهنا الشارع أطلق الحكم بالأكل والشرب، ما علق بما وصل إلى جوف أو وصل إلى دماغ، يَعْنِي الوصف اللي قصده الشارع في الأصل.
إِذاْ كان منتفيًا في الفرع الأصل الأكل والشرب والجماع، والفرع المداواة والجائفة والكحل وما يصل إلى الجوف، وانتفاء الحكم ينتفي لانتفاء العلة، والعلة غير موجودة الآن في الفرع كالكحل.
(المتن)
وما تقدم العكس الدال على انتفاء الحكم في الفرع فذك معارضة في الدليل وهذا دليلًا مستقل، وهو يصح أن يكون معارضة في الحكم لو أعترض عليه دليلا فنقول: معلوم أنه أنه ثبت بالنص والإجماع منع الصائم من الأكل والشرب والجماع.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الدَّمَ يَتَوَلَّدُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ اتَّسَعَتْ مَجَارِي الشَّيَاطِينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ. وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ مَرْفُوعًا.
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ فَإِنَّ مَجَارِيَ الشَّيَاطِينِ الَّذِي هُوَ الدَّمُ ضَاقَتْ وَإِذَا ضَاقَتْ انْبَعَثَتْ الْقُلُوبُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ الَّتِي بِهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَإِلَى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي بِهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُمْ وَعَمَلُهُمْ بِتَصْفِيدِهِمْ
فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَفْعَلُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ قُتِلُوا وَلَا مَاتُوا بَلْ قَالَ: صُفِّدَتْ وَالْمُصَفَّدُ مِنْ الشَّيَاطِينِ قَدْ يُؤْذِي لَكِنَّ هَذَا أَقَلُّ وَأَضْعَفُ مِمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ بِحَسَبِ كَمَالِ الصَّوْمِ وَنَقْصِهِ فَمَنْ كَانَ صَوْمُهُ كَامِلًا دَفَعَ الشَّيْطَانَ دَفْعًا لَا يَدْفَعُهُ دَفْعُ الصَّوْمِ النَّاقِصِ فَهَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ فِي مَنْعِ الصَّائِمِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ عَلَى وَفْقِهِ وَكَلَامُ الشَّارِعِ قَدْ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ وَتَأْثِيرِهِ وَهَذَا الْمَنْعُ مُنْتَفٍ فِي الْحُقْنَةِ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(الشرح)
الكلام هنا يبين أن العلة هي الأكل والشرب وأن مجاري الدم ومجاري الشيطان التي تجري بابن آدم مجرى الدم، وهذا لا يوجد في الحقنة ولا في الكحل ولا في غير ذلك باعتراض.
(المتن)
(الشرح)
هذا اعتراض من القائلين بأن الكحل يفطر، والكحل ينزل إلى الجوف ويستحل دمًا فيفطر.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي الشيخ يقول: إِذاْ قيل الكحل ينزل إلى الجوف ويستحل دمًا، يقال البخار أَيْضًا الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ فيستحل دمًا، والدهن الذي يشربه الجسم، وممنوع إنما ما يصل إلى المعدة فيستحل دمًا ويتغذى البدن، والفقهاء يلتزمون هذا، قالوا: نعم، أن نقول في الكحل أنه يستحل دمًا وكذلك في البخار، فَإِذًاْ كان البخار يتعمده فيفطر والكحل أَيْضًا يفطر، إِذًاْ وصل إلى الدماغ، وعلى كل حال يَعْنِي الفقهاء مستمرون على ما هم عليه من القياس والشيخ أَيْضًا رَحِمَهُ اللهُ يبين هذا.
(المتن)
(الشرح)
قالوا لِمَاذَا سميته يتغذى، هذا صريح في أن الشيخ يرى أن الذي يغذي يفطر، الشيخ يقيس الكحل على البخور والدهن، لأن هما مما لا يغذي، والفقهاء يقولون هم محل نزاع، البخور محل نزاع، نحن نقول في البخور، إِذًاْ استنشق متعمدًا يفطر، كالكحل هذا محل نزاع.
(المتن)
(الشرح)
قولنا الصفة المعتبرة الأكل والشرب وتضيق مجاري الطعام اللي هي مجاري الشيطان.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي هذا يعتبر لو أكل ترابًا أو حصى، هل يفطر؟ قال المؤلف نعم، هذا تطبخه المعدة ويستحيل دما ينمي عنه البدن، لكنه غذاء ناقص فهو كما لو أكل سما أو نحوه مما يضره، وهو بمنزلة من أكل أكلا كثيراً أورثه تخمة ممنوع منه، حتى في حال الإفطار، حتى المفطر لا يأكل السم، ممنوع أكل السم وممنوع أكل التراب والحصى، لأن هذا يضره، كذلك أَيْضًا الجماع، ممنوع الصائم أن يجامع زوجته وهي حلال له، فالزنا من باب أولى، ممنوع من باب أولى لأنه محرم.
إِذاْ منع من زوجته وهي حلال له، منع من الزنا فهو أشد، كذلك إِذاْ منع من الأكل الحلال والأكل الطيب منع أكل السم من باب أولى.
(المتن)
فإن قيل: فالجماع مفطر، ودم الحيض مفطر، وهذه العلة منتفية فيهما؟ قيل: تلك أحكام ثابتة بالنص والإجماع، فلا يحتاج إثباتها إلى القياس، بل يجوز أن تكون العلل مختلفة، فيكون تحريم الطعام والشراب والفطر بذلك لحكمة، وتحريم الجماع والفطر به لحكمة، والفطر بالحيض لحكمة، فإن الحيض لا يقال فيه: إنه يحرم، وهذا لأن المفطرات بالنص والإجماع.
لما انقسمت إلى أمور اختيارية: تحرم على العبد كالأكل والجماع وإلى أمور لا اختيار له فيها كدم الحيض، كذلك تنقسم عللها.
(الشرح)
هذا الاعتراض، يعترض على الشيخ، يقول: الجماع مفطر وليس فيه ما ذكرت من أنه فيه ما يتغذى به البدن وضيقوا مجاري الشيطان، قال: الجماع له دليل آخر، هذه ثابتة بالنص والإجماع لا تحتاج إلى قياس هذه منصوص عليها والعلل مختلفة، تكون علة مثلًا تحريم الطعام والشراب لعلة، تحريم الجماع لعلة أخرى.
تحريم الحيض كذلك لأنه قال: إنه يحرم لأنها لا اختيار فيها، فالمفطرات منها ما هو باختيار من الأكل والشرب والجماع، ومنها ما هو بالإضرار كدم الحيض للمرأة ما لا اختيار فيه، كدم الحيض والنفاس.
(المتن)
أَمَّا الْجِمَاعُ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَبَبُ إنْزَالِ الْمَنِيِّ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِقَاءَةِ وَالْحَيْضُ وَالِاحْتِجَامُ - كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ مِنْ نَوْعِ الِاسْتِفْرَاغِ لَا الِامْتِلَاءِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إحْدَى الشَّهْوَتَيْنِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عن اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. فَتَرْكُ الْإِنْسَانِ مَا يَشْتَهِيهِ لِلَّهِ هُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا كَمَا يُثَابُ الْمُحْرِمُ عَلَى تَرْكِ مَا اعْتَادَهُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ نَعِيمِ الْبَدَنِ وَالْجِمَاعُ مِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِ الْبَدَنِ وَسُرُورِ النَّفْسِ وَانْبِسَاطِهَا.
هُوَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ وَالدَّمَ وَالْبَدَنَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَكْلِ فَإِذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ. وَالْغِذَاءُ يَبْسُطُ الدَّمَ الَّذِي هُوَ مَجَارِيهِ فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ انْبَسَطَتْ نَفْسُهُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَضَعُفَتْ إرَادَتُهَا وَمَحَبَّتُهَا لِلْعِبَادَاتِ فَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجِمَاعِ أَبْلَغُ فَإِنَّهُ يَبْسُطُ إرَادَةَ النَّفْسِ لِلشَّهَوَاتِ وَيُضْعِفُ إرَادَتَهَا عَنْ الْعِبَادَاتِ أَعْظَمَ؛ بَلْ الْجِمَاعُ هُوَ غَايَةُ الشَّهَوَاتِ وَشَهْوَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلِهَذَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُجَامِعِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا أَغْلَظُ وَدَاعِيَهُ أَقْوَى وَالْمَفْسَدَةَ بِهِ أَشَدُّ. فَهَذَا أَعْظَمُ الْحِكْمَتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ.
(الشرح)
يَعْنِي المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تكلم عن الجماع والحكمة، من جهة سبب إنزال المني فيكون من جنس الاستيقاء يَعْنِي يتقيأ والحيض والاحتجام، ومن جهة أخرى، أنه أعظم نعيم البدن، وأعظم سرور النفس وأنه يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل، هذه هي الحكمة، وما كان يضعف البدن كالاستفراغ، فهذه حكمة أخرى يسميها مثل الحيض، يَعْنِي وهو أبلغ، كما أن الحيض يصيب المرأة ويضعفها، فكذلك الجماع.
فيكون الجماع له جهتان:
جهة أنَّهُ أعظم نعيم البدن ويحرك الشهوة.
ومن جهة أخرى وحكمة أخرى أنَّهُ في الاستفراغ، سبب استفراغ المني يكون كالتقيء والحجامة.
وكذلك فله جهتان، جهة أنه سرور البدن ويحرك الشهوة ومن جهة أنه سبب لأضعاف البدن بخروج المني، كما يخرج الحيض من المرأة ويضعفها وكذلك الحجامة الدم يضعف الإنسان، والاستيقاء والقي، القي يضعف الإنسان، فكذلك الجماع.
(المتن)
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ كَالِاسْتِفْرَاغِ فَذَاكَ حِكْمَةٌ أُخْرَى فَصَارَ فِيهِمَا كَالْأَكْلِ وَالْحَيْضِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْهُمَا فَكَانَ إفْسَادُهُ الصَّوْمَ أَعْظَمَ مِنْ إفْسَادِ الْأَكْلِ وَالْحَيْضِ.
فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ: إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالْإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إذَا لَاقَى. فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَةَ. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ مِنْ الِاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ
وقال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء: 160، 161].
فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ؛ بِخِلَافِ الْأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَيُنْهَى عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلَّا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لَا عَادِلًا.
(الشرح)
يكون هذا ذكر الحكمة في إفطار المرأة بالحيض، كان هذا يجزي على القياس، لأن الصيام فيه اعتدال وفيه اقتصاد، فكما أن الطعام والشراب يقوي البدن، فكذلك خروج الدم يضعف البدن، فهذا من حكمة الشارع، يكون اعتدال في العبادة لا يخرج، لأن الخروج يضعف والإدخال يقوي والوسط والاعتدال ألا يخرج شيء ولا يخرج شيء، يَعْنِي هذا في جملة.
ثم ذكر أن الخارج نوعان.
¤خروج لابد منه مثل البول والغائض، وهذا صحة للبدن.
¤والثاني: نوع آخر مثل الدم، خروج الدم وما أشبه ذلك.
(المتن)
وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ يَخْرُجُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهُ فَهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالْأَخْبَثَيْنِ فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لَا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ.
وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ فِي الْمَنَامِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ
(الشرح)
يَعْنِي الخارجات يكون نوعًا لا يمكن الاحتراز منه مثل البول والغائض وكذلك أَيْضًا إِذًاْ ذرعه القيء ما يستطيع منعه فهذه لا تفطر وكذلك الاحتلام هذه الخارجات لا تفطر، أما أستدعي القيء وتقيء فهذه معناه مثلًا باختياره وهذا نوع من العلاج قد يؤذيه مثلًا القيء، فهو لا يتقيء لأن هذا علاج يعالج به هذا الألم الذي فيه فيتقيء حتى يشفى، فيكون معلوم كالمريض الذي يفطر ويخرج.
(المتن)
(الشرح)
الاستمناء هو أستخرج المني وهو سبب العادة السرية هذا أخراج يضر الإنسان، ولهذا كان مفطرًا.
(المتن)
وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلًا لَا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ.
بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنَّ الِاسْتِحَاضَةَ تَعُمُّ أَوْقَاتَ الزَّمَانِ وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ تُؤْمَرُ فِيهِ بِالصَّوْمِ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ: كَذَرْعِ الْقَيْءِ وَخُرُوجِ الدَّمِ بِالْجِرَاحِ وَالدَّمَامِلِ وَالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُحَدَّدٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. فَلَمْ يُجْعَلْ هَذَا مُنَافِيًا لِلصَّوْمِ كَدَمِ الْحَيْضِ.
(الشرح)
المؤلف هنا بين الحكمة في كون الحائض لا تقضي لأن الدم يضعفها ويمكن أن تقضي في وقت ليس فيه دم، أما المتسحاضة هذا دم فساد مستمر وليس له وقت، ولكن حكمه حكم الحيض، ثم استدرج إلى الحجامة وتكلم عن الحجامة، الحجامة خروج دم، ودم الحيض، الحيض خروج دم، هذا يضعف وهذا يضعف، والمؤلف يرى أن الحجامة تفطر ويبدع ويعيد في هذا.
(المتن)
وَطَرْدُ هَذَا إخْرَاجُ الدَّمِ بِالْحِجَامَةِ وَالْفِصَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَنَازِعُونَ فِي الْحِجَامَةِ هَلْ تُفْطِرُ الصَّائِمَ أَمْ لَا؟ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَثِيرَةٌ قَدْ بَيَّنَهَا الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ. وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَجِمُ إلَّا بِاللَّيْلِ.
وَكَانَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَغْلَقُوا حَوَانِيتَ الْحَجَّامِينَ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَابْنِ خُزَيْمَة وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَهْلُ الْحَدِيثِ الْفُقَهَاءُ فِيهِ الْعَامِلُونَ بِهِ أَخَصُّ النَّاسِ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَاَلَّذِينَ لَمْ يَرَوْا إفْطَارَ الْمَحْجُومِ احْتَجُّوا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ.
(الشرح)
هنا المؤلف يرى أن إخراج الدم بالحجامة والفصاد والسحب يفطر وأنه من جنس خروج دم الحيض، هذا يضعف بالنسبة للمرأة فكما أنه دم الحيض يضعفها ولكن صومه معتدلاً، فكذلك خروج الدم بالحجامة أو الفصاد أو السحب يخرج الصائم عن الاعتدال، وذكر حديث النبي، أن النبي احتجم وهو صائم محرم، محقق لهذا الحديث، الحديث احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، ما فيه احتجم وهو صائم محرم.
(المتن)
وَأَحْمَد وَغَيْرُهُ طَعَنُوا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالُوا: الثَّابِتُ أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
قَالَ أَحْمَد: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ حَدِيثَ مقسم فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ يَعْنِي حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مقسم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ".
(الشرح)
وأحمد وغيره طعنوا في هذه الزيادة، وهي قوله: "وهو صائم"، وقالوا: الثابت أنَّهُ احتجم وهو محرم، ما فيه وصائم، بهذا اللفظ لكن دون قوله محرم فيما هو صائم.
(المتن)
قال مهنا: سألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم، فقال: ليس بصحيح، وقد أنكره يحيى بن سعيد الأنصاري إنما كانت أحاديث ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديث.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله رد هذا الحديث فضعفه، وقال: كانت كتب الأنصاري ذهبت في أيام المنتصر، فكان بعد يحدث من كتب غلامه، وكان هذا من تلك.
(الشرح)
يَعْنِي حديث احتجم وهو صائم محرم يقول ليس بصحيح، يَعْنِي زيادة وهو صائم، قال: بعدها رد هذا الحديث، قال: كانت كتب الأنصاري ذهبت في أيام، فكان يحدث من كتب غلامه وكان منها تكون هذه الزيادة منكرة.
(المتن)
وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث قبيصة عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس احتجم النبي ﷺ صائم محرم، فقال: هو خطأ من قبل قبيصة. وسألت يحيى عن قبيصة، فقال: رجل صدق، والحديث الذي يحدث به عن سفيان عن سعيد خطأ من قبله.
قال مهنا: سألت أحمد عن حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم صائم، فقال: ليس فيه: «صائم» إنما هو محرم، ذكره سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس: احتجم النبي ﷺ على رأسه وهو محرم. وعن طاوس وعطاء مثله عن ابن عباس، وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله، وهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون فيه صائما.
(الشرح)
يَعْنِي احتجم وهو محرم كاحتجم وهو صائم لم تثبت في الحديث، احتجم وهو صائم محرم، لكن وهو صائم ما ثبتت، احتجم وهو محرم، هذا ذكره المحقق وسجلناه هكذا الحديث احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم، لكن احتجم وهو محرم صائم هذا ما انطوينا فيها.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي الذي ذكره الشيخان واتفق عليه احتجم وهو محرم وليس فيه وهو صائم.
(المتن)
ولم يثبت إلا حجامة المحرم كما ذكر الإمام أحمد فأخرج في الصَّحِيْحَيْنِ عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس قال: احتجم النبي ﷺ وهو محرم، وتأولوا أحاديث الحجامة بتأويلات ضعيفة، كقولهم: كانا يغتابان.
وقولهم أفطرا لسبب آخر، وأجود ما قيل ما ذكره الشافعي وغيره: أن هذا منسوخ.
(الشرح)
يَعْنِي يقول بعضهم تأول أحاديث، أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، تأولوا تأويلات ضعيفة، وبعضهم قال: الإطر الحاجم والمحجوم لأنهم كانوا يغتابان الناس، قولهم أفطر لسبب آخر، كل هذه تأويلات، أجود ما قيل ما ذكره الشافعي أنه منسوخ، منسوخ بحديث النبي ﷺ احتجم وهو محرم، وأنه احتجم وهو صائم، أفطر الحاجم والمحجوم.
هنا يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: قاموا بتأويلات ضعيفة بعضهم قال: أفطر الحاجم والمحجوم لأنهم يغتبان الناس، وقال بعضهم لسبب آخر، وأجود ما قيل قول الشافعي: أن هذا منسوخ، أنه قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، أنَّهُ كان في رمضان وأحرم بعد ذلك واحتجم وهو محرم بعد رمضان فيكون منسوخ.
ويقول أجود ما قيل أن هذا منسوخ و أَيْضًا ومع ذَلِكَ يقول: هذا ضعيف، يقول بعضهم تأول أفطر الحاجم والمحجوم بتأويلات ضعيفة، وهو قال: أنهم كانوا يغتابان الناس، أجود ما قيل قول الشافعي أنه منسوخ، منسوخ بأي شيء؟ بفعل النبي ﷺ، قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، هذا في رمضان و ثم أحرم بعد رمضان في الثامن.
فكان احتجامه وهو صائم أسف لقول أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، يقول هذا ضعيف، هل فعلًا ينسخ القول، ما ينسخ القول، القول أقوى، الفعل قد يكون له أسباب، هذا الرسول احتجم وصائم، مثلًا الرسول احتجم وصائم مثلًا لأنه مريض، ويكون مفطر لهذا الاحتجام، قد يكون صوم نفل، متنفل لنفسه ويقد يكون احتجم في السفر والمسافر له أن يفطر هذا له يَعْنِي أسباب.
(المتن)
فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَاحْتِجَامُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ رَمَضَانَ.
وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ بَلْ هُوَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَحْرَمَ سَنَةَ سِتٍّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِعُمْرَةٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ بِعُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْعَامِ الثَّالِثِ سَنَةَ الْفَتْحِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ سَنَةَ عَشْرٍ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَاحْتِجَامُهُ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ لَمْ يُبَيَّنْ فِي أَيّ الإحرامات كَانَ؟
(الشرح)
الرسول ﷺ أحرم بأربع عُمر كلها في ذي القعدة:
أحرم عمرة الحديبية في ذي القعدة.
وأحرم عمرة القضية في ذي القعدة.
وأحرم من العام الثالث من الجعرانة في ذي القعدة.
وأحرم سنة عشر مع حجته في ذي القعدة، كلها في ذي القعدة.
يَعْنِي هذا ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ يقول: هذا مما نختار الله فيه، هل العمرة في أشهر الحج أفضل أم العمرة في رمضان؟ والله لا يختار به إلا الأفضل، كل عمر الرسول في ذي القعدة، ابن القيم يقول هذا زاد المعاد، هذا مما نختار الله في أيهما أفضل، لكن الرسول قال: عمرة في رمضان تعدل حجة، والمقدم، والنبي قد لا يتمكن مثلًا من العمرة في رمضان.
(المتن)
وإنما يمكن دعوى النسخ بشرطين:
أحدهما: أن يكون ذلك في حجته، أو في عمرة الجعرانة؛ فإن قوله: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، فيه أنه كان في غزوة الفتح، فلعل احتجامه كان في عمرته قبل هذا، إما عمرة القضية، وإما عمرة الحديبية.
الثاني: أن يعلم أنه لمَّا احتجم لم يفطر، وليس في هذا الحديث ما يدل على هذا، وذلك الصوم لم يكن شهر رمضان، فإنه لم يحرم في شهر رمضان، وإنما كان في السفر، والصوم في السفر لم يكن واجباً؛ بل الذي ثبت عنه في الصحيح: أن الفطر في السفر كان آخر الأمرين منه، وأنه خرج عام الفتح حتى إذا بلغ كديد أفطر، والناس ينظرون إليه، ولم يعرف بعد هذا أنه صام في سفر، ولا علمنا أنه صام في إحرامه بالحج والذي يقوي أن إحرامه الذي احتجم فيه كان قبل فتح مكة.
قوله: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، فإنه كان عام الفتح بلا ريب، هكذا في أجود الأحاديث، وروى أحمد بإسناده عن ثوبان أن رسول الله ﷺ أتى على رجل يحتجم في رمضان، قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ.
(الشرح)
المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يرجح أن الحجامة تفطر، هو يقول من يقول أنه منسوخ يحتاج إلى شرطين.
الشرط الأول: أن يكون ذلك في حجته، أو في عمرة الجعرانة حتى يكون منسوخ.
الشرط الثاني: أنه يقال لما أحتجم هو لم يفطر أو أفطر، إن كان أفطر ما هو إشكال، إن كان لم يفطر يكون مريض، لكن نحن نقول أحجم وأفطر لأنه مريض أو لأنه مسافر.
(المتن)
وقال أحمد: أنبأنا إسماعيل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنهما أنه مر مع النبي ﷺ زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع، لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ،
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل قال: ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان ، أن رسول الله ﷺ أتى على رجلٍ يحتجم في رمضان، فقال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ،
وقال: حدثنا أبو الجواب، عن عمار بن زريق، عن عطاء بن السائب قال: حدثني الحسن، عن معقل بن سنان الأشجعي أنه قال: مرَّ عليَّ النبي ﷺ وأنا أحتجم في ثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ،
وذكر الترمذي عن علي بن المديني أنه قال: أصح شيءٍ في هذا الباب حديث ثوبان، وحديث شداد بن أوس.
وقال الترمذي: سألت البخاري، فقال: ليس في هذا الباب أصح من حديث شداد بن أوس، وحديث ثوبان. فقلت: وما فيه من الاضطراب؟ فقال: كلاهما عندي صحيح؛ لأن يحيى بن سعيد روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، و عن أبي الأشعث عن شداد الحديثين جميعاً.
قلت: وهذا الذي ذكره البخاري من أظهر الأدلة على صحة كلا الحديثين اللذين رواهما أبو قلابة فإن الذي قال: مضطرب، إنما هو لأنه روي عن أبي قلابة بإسنادين، فبين أن يحيى بن سعيد الإمام روى عن أبي قلابة بهذا الإسناد، وهذا الإسناد، ومثل هذا كان يكون عنده الحديث بطرق، والزهري روى الحديث بإسناده عن سعيد عن أبي هريرة ، وتارة عن غيره عن أبي هريرة .
فيكون هذا هو الناسخ، ولو لم يعلم التاريخ، فإذا تعارض خبران أحدهما ناقلٌ عن الأصل والآخر مبقٍ على الأصل كان الناقل هو الذي ينبغي أن يجعل ناسخاً، لئلا يلزم تغير الحكم مرتين، فإذا قدر احتجامه قبل نهيه الصائم عن الحجامة لم يغير الحكم الأمر، وإن قدر بعد ذلك لزم تغييره مرتين.
وأيضاً فإذا لم يكن الصوم واجباً فقد يكون أفطر بالحجامة للحاجة، فقد كان يفطر في صوم التطوع لما هو دون ذلك؛ يدخل إلى بيته.
فإن قالوا: عندنا طعام، قال: قَرِّبُوهُ؛ فَإِنِّي أَصبَحتُ صَائِماً، وابن عباس وإن لم يعلم ما في نفسه، غايته أنه رآه أو أخبره من رآه أنه أصبح صائماً واحتجم، وهذا لا يقتضي أنهم علموا من نفسه أنه استمر صومه، وكأن من ادعى عليه النسخ تغْلُبُ عليه هذه الحجة من وجهين:
أحدهما: أنه لا حجة فيه.
والثاني: أنه منسوخ.
(الشرح)
كل هذا المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يقوي أن أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، أنه هو متأخر وأن الحجامة تفطر، والنسخة الأولي ما فيها هذا الاستفاضة الكثيرة وذكر الأسانيد، هذه فيها زيادة، على كل حال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يبدي ويعيد لبين أن الحجامة تفطر، يقوي هذا وأنها هي الناسخة، والحجامة هل هي تفطر أو لا تفطر فيها خلافًا بين العلماء شديد خلافًا قوي.
وأجمعوا العلماء على أنها لا تفطر، والشيخ رَحِمَهُ اللهُ يرى أنها تفطر وكذلك ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ وجمع من المتأخرين وهم الحنابلة وهو الآن الذي عليه الفتوى الآن.
(المتن)
وقد روي ما يدل على أن الفطر هو الناسخ، ومما احتج به على النسخ: ما رواه الدارقطني: حدثنا البغوي قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا خالد بن مخلد، عن عبد الله بن المثنى، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: أولُ ما كرهنا الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرَّ به النبي ﷺ فقال: أَفطَرَ هَذَانِ. ثم رخَّص النبي ﷺ بالحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم.
قال الدارقطني: كلهم ثقات، ولا أعلم له علة. قال أبو الفرج ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: خالد بن مخلد له أحاديث مناكير.
قلت: ومما يدل على أن هذا من مناكيره: أنه لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمدة، مع أنه في الظاهر على شرط البخاري، والمشهور عن البصريين أن الحجامة تفطر، وأيضاً: فجعفر بن أبي طالب إنما قدم من الحبشة عامَ خيبر في آخر سنة ست، أو أول سنة سبع، فإن خيبر كانت في هذه المدة في سنة سبع، وقيل: عام مؤتة قبل الفتح، ولم يشهد فتح مكة، فصام مع النبي ﷺ واحداً سنة سبع.
وإذا كان هذا الحكم قد شرع في ذلك العام فإنه ينشر ويظهر، والحديث المتقدم كان سنة ثمانٍ بعد هذا، فإن كان هذا محفوظاً فيكون النبي ﷺ قد قال ذلك في عام بعد عام، ولم ينقل عنه أحد لفظاً ثابتاً أنه رخص في الحجامة بعد ذلك، فلعل هذا مدرج عن أنس لم يقله هو، ولعل أنساً بلغه أنه أرخص ولم يسمع ذلك منه، ولعل بعض التابعين حدثه بذلك.
(الشرح)
يَعْنِي يرى المؤلف هنا رَحِمَهُ اللهُ حديث النبي ﷺ حديث أنس أنه احتجم وهو صائم، كان يحتجم وهو صائم، ثم لخص الحجامة ويطعن فيها وقال في هذا الحديث من له مناكير ولعل هذا مدرج وبهذا يقوي المؤلف أن حديثأَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، أنه متأخر.
(المتن)
ومما يبين أن هذا ليس بمحفوظٍ عن أنس ولا عن ثابت : ما رواه البخاري في «صحيحه» عن ثابت قال: سئل أنس بن مالك : أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف.
وفي رواية: على عهد رسول الله ﷺ، فهذا ثابت يذكر عن أنس أمر الحجامة، وليس فيها إلا أنهم كانوا يكرهونها من أجل الضعف، ليس فيها أنه فطر الحاجم، ولا أنه رخص فيها بعد ذلك، وكلاهما يناقض قوله: لم يكونوا يكرهونها إلا من أجل الضعف.
فإنه لو كان علم أنه فطر بها لم يقل هذا، ولو علم أنه رخص فيها لم يكره ما أرخص فيه النبي ﷺ فعلم أن أنساً إنما كان عنده علم بما رآه من الصحابة رضوان الله عليهم من كراهة الحجامة لأجل الضعف، وهذا معنى صحيح، وهو العلة في إفطار الصائم كما يفطر بالاستقاءة، وتفطر المرأة بدم الحيض.
(الشرح)
المؤلف يقوي هذا بالعلة يقول الحجامة، الحجامة تفطر الصائم والحديث الذي فيه أنه لا يفطر فيه مناكير وضعيف، و أَيْضًا هذا يتماشى مع القياس، في أن الحجامة تضعف الصائم ولا يكون الصوم معتدلًا، كما أن القيء كذلك يضعف، كما أن دم المرأة والحيض فمنعت من الصوم وكذلك الحجامة، مثل سحب الدم والفصد وما أشبه ذلك.
(المتن)
ومما يقوي أن الناسخ هو الفطر بالحجامة أن ذلك رواه عنه خواص أصحابه رضوان الله عليهم الذين كانوا يباشرونه حضرا وسفرا، ويطلعون على باطن أمره، مثل بلال وعائشة رضي الله عنهما، ومثل أسامة وثوبان مولياه رضي الله عنهما، ورواه عنه الأنصار الذين هم بطانته، مثل: رافع بن خديج وشداد بن أوس رضي الله عنهما.
وفي «مسند أحمد»: قال حدثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن قارظ، عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ.
قال أحمد ابن حنبل أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج وذكر أحاديث أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، وقال أحمد حدثنا جنح بن صيل عن اشد الحراني عن أسامة ابن زيد رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ
وقال أحمد حدثنا يزيد ابن معاوية قال حدثنا غلامين عن شيد ابن حوشك عن بلال قال قال رسول الله ﷺ أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، وقال أحمد حدثنا عامر ابن عبد الله قال حدثنا عبد الوهاب قال: عن أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ.
حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء، عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ.
والحسن البصري وإن قيل: إنه لم يسمع من أسامة وأبي هريرة رضي الله عنهما، فقد كان عنده من هذا الباب عدة أحاديث عن الصحابة رضوان الله عليهم يفتي بها، عن معقل بن سنان وأسامة وأبي هريرة ، قال البخاري: وكانت البصرة إذا دخل شهر رمضان يغلقون حوانيت الحجامين.
ذكره أحمد وغيره، وأنس بن مالك رضي اله عنه كان آخر من مات بالبصرة، والبصريون كلهم يأخذون عنه، فلو كان عند أنس سنة من النبي ﷺ أنه رخص فيها بعد النهي، لكان هذا مما يعرفه البصريون منه.
وكانوا يأخذون به الحسن وأصحابه رضوان الله عليهم، لاسيما وقد ذكر أن ثابتاً سمع هذا من أنس ، وثابت من مشايخها المشهورين، من أخص أصحاب الحسن.
فكيف يكون أنس عنده هذه السنة وأهل البصرة قد اشتهر بينهم السنة المنسوخة، وهذه الناسخة عند أنس، وهم يأخذون ليلاً ونهاراً، ولا يعرفون هذه السنة، ولا تحفظ عن علمائهم الذين اشتهر عنهم أمر الفطر؟!
ويؤيد ذلك أن أبا قلابة هو أَيْضًا من أخص أصحاب أنس، وهو الذي يروي قوله: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، من طريقين.
ثم القائلون بأن الحجامة تفطر على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره.
(الشرح)
المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يَعْنِي كانت هذه النسخة الأخيرة فيها زيادة فيها تقديم وتأخير.
(المتن)
ثم القائلون بأن الحجامة تفطر اختلفوا على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: يفطر المحجوم دون الحاجم، فإن الحاجم لم يوجد منه ما يفطر، وهذا الذي ذكره الخرقي؛ فإنه ذكر في المفطرات: «إذا احتجم»، ولم يذكر: إذا حجم.
لكن المنصوص عن أحمد وجمهور أصحابه الإفطار بالأمرين، والنص دال على ذلك، فلا سبيل إلى تركه، ولو لم نعقل علته.
والثاني: أنه يفطر المحجوم الذي يحتجم ويخرج منه الدم، ولا يفطر بالافتصاد ونحوه؛ لأنه لا يسمى احتجاما، وهذا قول القاضي وأصحابه والذي ذكره صاحب المحرر ثم على هذا القول، فالتشريط في الآذان هل هو داخل في مسمى الحجامة؟
تنازع فيه المتأخرون، فبعضهم يقول: التشريط كالحجامة كما يقوله شيخنا أبو محمد المقدسي، وعليه يدل كلام العلماء قاطبة، فإنه ليس منهم من خص التشريط بذكر، ولو كان عندهم لا يدخل في الحجامة لذكروه كما ذكروا الفصاد، فعلم أن التشريط عندهم من نوع الحجامة.
وقال شيخنا أبو محمد: هذا هو الصواب، ومنهم من قال: التشريط ليس من الحجامة؛ بل هو أضعف من الفصاد، فإذا قيل: الفصاد لا يفطر، احتمل التشريط وجهين، وهذا قول أبي عبد الله بن حمدان
(الشرح)
التشريط ممكن يشبه إلى سحب الدم، يشرط الجسم ويسحب منه، وهو على موجة الحجامة، منهم من قال أن الحجامة تفطر والفصاد والتشريط ما يفطر، ومنهم من قال الحكم واحد، المعنى الواحد، سحب الدم، سواء فصاد يعقر من العرق، والتشريط من الجسد، والتشريط هو سحب الدم الآن، سواء كانت سحب الدم الكثيفة وفيه معنى الحجامة.
(المتن)
والأول أصح، فإن التشريط نوع من الحجامة أو مثلها من كل وجه، إذ الحجامة لا تختص بالساق؛ بل تكون في الرأس والعنق والقفا وغير ذلك، ومن فرَّق بينهما قال: الشارط لا يمتص من قارورة الدم كما يمتص الحاجم، فلا يدخل في لفظ الحَاجِمِ، وكذلك لا يدخل في لفظ المَحجُومُ، فيقال: بل هو داخل في لفظ المَحجُومُ، وإن لم يدخل في لفظ الحَاجِمِ، أو إن لم يدخل في اللفظ فهو مثله من كل وجه، وليس بينهما فرق أصلاً.
وقد يقال: الشارط حاجم أيضاً، لكن لا يفطر، لأن لفظ الرسول ﷺ يتناول الحاجم المعروف المعتاد، ولم يكونوا يشرطون، وأما لفظ المَحجُومُ، فإنه يتناول ما كان يعرفه وما لا يعرفه؛ لأن المعنى المدلول عليه بلفظ المَحجُومُ، يتناول ذلك كله، بخلاف المعنى المقصود بلفظ الحَاجِمِ، أو يقال: وإن شمله لفظ الحَاجِمِ، لكن الحاجم الممتص أقوى؛ لأنه ذريعة إلى وصول الدم إلى حلقه، هذا على ما نصرناه.
ومنهم من يقول: بل الشارط يفطر أيضاً، وهو قول من يجعل اللفظ يتناولهما، ويجعل الحكم تعبداً، وهؤلاء الذين قالوا: يفطر بالحجم دون الفصاد، قالوا: هذا الحكم تعبد لا يعقل معناه، فلا يقاس عليه.
وقال لهذا بعض هؤلاء قولاً تالفا، قاله ابن عقيل، وهو: أنه يفطر المحجوم بنفس شرط الجلد، وإن لم يخرج الدم، قال: لأن هذا يسمى حجامة. وهذا أضعف الأقوال.
(الشرح)
يَعْنِي هذه الأقوال مما يقول يفطر الحاجم والمحجوم قال هذا المحجوم كان سابق الحاجم يمتص الدم القارورة هنا يمتص الدم، يذهب شيء من الدم أو من الرائحة فيفطر، لكن وجدت بعد ذلك حجامة بدونها، فقالوا لا يفطر الحاجم لأنه لا يمتص شيء لكن قالوا أنه يفطر عقوبة له، لأنه خالف النهي، أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ، فيفطر ولو لم يمتص الدم، وقال بعضهم مجرد الشرط، يَعْنِي شرط الجلد وشرطة، فهذا يسمى حجامة وهذا ضعيف.
على كل حال الحجامة المذكورة الآن في خلاف قوي الحجامة والفصاد يشرط يَعْنِي يشق الجلد.
(المتن)
والرابع: وهو الصواب واختاره أبو المظفر ابن هبيرة الوزير العالم العادل وغيره، أنه يفطر بالحجامة والفصاد ونحوهما، وذلك لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد شرعا وعقلا وطبعا، وحيث حض النبي ﷺ على الحجامة وأمر بها فهو حض على ما في معناها من الفصاد وغيره.
لكن الأرض الحارة تجتذب الحرارة فيها دم البدن فيصعد إلى سطح الجلد فيخرج بالحجامة، والأرض الباردة يغور الدم فيها إلى العروق هربا من البرد، فإن شبه الشيء منجذب إليه، كما تسخن الأجواف في الشتاء، وتبرد في الصيف، فأهل البلاد الباردة لهم الفصاد وقطع العروق، كما للبلاد الحارة الحجامة، لا فرق بينهما في شرع ولا عقل.
(الشرح)
يَعْنِي هو أطال في هذا يقول بعض العلماء فرق بين الفصاد وبين شرط الجلد وبين الحجامة ويقول لا فرق بينهما والثواب لا فرق، لكن أهل البلاد الحارة، يكون الماء على سطح الجلد يحتجموا، وأهل البلاد الباردة يغيب الدم فيجتاج إلى فصل العرق والحكم واحد.
على كل حال المؤلف أطال في هذا، والاحتياط، احتياط المسلم بدينه، فَإِذًاْ تيسر تأخير الحجامة إلى الليل فهذا أحوط و إِذًاْ لم يتيسر وسحب وقضى الثواب احتياطا هذا حسن.
(المتن)
وقد بينا أن الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس، وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاءة وبالاستمناء، وإذا كان كذلك فبأي وجه أراد إخراج الدم أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر، سواء جذب القيء بإدخال يده، أو بشم ما يقيئه، أو وضع يده تحت بطنه واستخرج القيء، فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم.
ولهذا كان خروج الدم بهذا وهذا سواء في باب الطهارة، فتبين بذلك كمال الشرع واعتداله وتناسبه، وأن ما ورد من النصوص ومعانيها فإن بعضه يصدق بعضا ويوافقه، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82].
(الشرح)
يَعْنِي المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يقول الفطر بالحجامة موافق للأصول وهو من جنس الفطر بدم الحيض، كما أن دم الحيض يفطر المرأة ويضعفها، فكذلك خروج الدم، وكما أن القيء يضعف الإنسان بأي شيء تقيء، تقيء بأن يشم شيء يتقيء به، أو تقيء يعصر بطنه، أو تقيء بإدخال أصابعه في حلقه، أو المهم أنه تقيء، كما ذلك إخراج الدم، أخرجه عن طريق الحجامة عن طريق الفصد عن طريق السحب كله يضعف البدن وما دام يضعف البدن بأي طريق إخراج الدم فإنه يفطر، وهو موافق للأصول هكذا أقر الشيخ.
(المتن)
(الشرح)
هذا بالنسبة للمحجوم، الحاجم لِمَاذَا يفطر؟ الحجم الذي يحجم الشخص، المحجوم هذا عرفناه هذا يسحب الدم ويضعفه لكن الحاجم لِمَاذَا يفطر، الحاجم ما خرج منه دم، هذا فيه تفصيل.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي المحجوم عرفنا أنه يفطر لضعفه، لكن الحاجم، قال الحاجم يجتذب الهواء بالقارورة، وقد يذهب شيء من الدم وهو لا يدري وقد لا يذهب شيء، لكن ما دام محتمل والعلة خفية، فالحكم معلق بالحجامة متى احتجم خرج سواء دخل الحلق أو لم يدخل، مثل النائم، النائم لا يظن أنه يخرج الريح، فالنائم يتوضأ سواء خرج منه أو لم يخرج وكذلك السفر مظنة المشقة قد يحصل بعض الأسفار فيه مشقة وبعضهم لا يحصل مشقة، فالحكم معلق بالسفر ما علق بالمشقة، لأن السفر مظنة المشقة، كما أن النائم قد قد يخرج الريح وقد لا يخرج علق الحكم بالنوم، كذلك الحاجم، قد يذهب الدم إلى حلقه وقد لا يذهب، علق بالحجم، متى حجم فإنه يكون يبطل صومه سواء ذهب إلى حلقه شيء أو لم يذهب، لكن الآن وجد حجامة بدون مص قارورة ما الحكم، بعضهم قال الحاجم لا يفطر، لأنه لا يمتص ولا يخرج منه شيء، وقال أخرون أنه يفطر عقوبة له لأنه يخالف عقيدة النبي ﷺ.
(المتن)
(الشرح)
هذا الحاجم يمص بقارورة، كان في الأول ما تطور العلم بالحجامة ما فيه إلا يمص في قارورة يمص الدم فيذهب بشيء من الدم إلى حلقه فيفطر، والدم يقول من أعظم المفطرات ويحرم في نفسه لما فيه من طغيان الشهوة، والدم يزيد في الدم، لن الآن وجد الآن حجامة ليس فيها دم ليس فيها مص والشارط الذي يشرط والساحب اللي يسحب الدم الآن، لأن قياس هذا اللي يسحب الدم يعاقب، اللي يسحب الدم يفطر على كلام الشيخ.
(المتن)
(الشرح)
يقول الحاجم الأول يمص القارورة فيفطر، لكن الشارط اللي يشرط الجسم ويخرج الدم هذا لا يفطر وكذلك اللي يفصد العرق لا يفطر، وكذلك إِذًاْ قدر حاجم لا يمص القارورة يَعْنِي، والشيخ رَحِمَهُ اللهُ ذكر أنه يأتي في المستقبل حجامه ما فيها مص القارورة فلاا يفطر، وجد في هذا الزمان يَعْنِي تطور عند الحجامة فلا مص الآن، قال: وكذلك إِذًاْ غسل الدم بطريقة أخرى مثل سحب الدم الآن فإنه لا يفطر الحاجم الذي يسحب الدم ولكن يفطر اللي مسحوب منه الدم.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي الرسول قال أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على المعتاد الحاجم المعتاد في ذلك الزمان، والحاجم المعتاد يمص، فَإِذًاْ وجد حاجم لا يمص فلا يفطر.
(المتن)
والنبي ﷺ كلامه خرج على الحاجم المعروف المعتاد، وإذا كان اللفظ عاما وإن كان قصده شخصا بعينه فيشترك في الحكم سائر النوع؛ للعادة الشرعية من أن ما ثبت في حق الواحد من الأمة ثبت في حق الجميع، فهذا أبلغ، فلا يثبت بلفظه ما يظهر لفظا ومعنى أنه لم يدخل فيه مع بعده عن الشرع والعقل.
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
(الشرح)
الرسول ﷺ حينما قال: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ وإن كان لفظ عام لكن خص شخصا بعينه فيشترك في الحكم سائر النوع بالعادة الشرعية أنما ثبت بحق الواحد من الأمة يثبت في حق الجميع فهذا أبلغ، فلا يثبت بلفظه ولفظ الرسول ما يظهر، كما أنه لا يدخل فيه شيء لا يدخل فيه، بينما كلام الرسول محدد عليه الصلاة والسلام، وهو خرج مخرج الغالب، أفطر الحاجم والمحجوم لا للحاجم المعتاد الذي يمص.
فَإِذاْ وجد حاجم لا يمص فلا يفطر، وإن كان بعض العلماء قالوا: يفطر الحاجم عقوبة له، ذكر هذا بعضهم في باب الشراع قالوا: إن هذا الحكم تعبد، قالوا إن هذا الحكم تعبد لا عقوبة له لكن ليس بواضح كما قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ، الصواب أن الحاجم لا يفطر، المحجوم في خلاف قوي، فيكف بالحاجم.
الحاجم والفاصد والذي يسحب الدم أصلا لا يفطر، لكن المحجوم هذا الذي فيه خلاف، خلافًا قوي، فيجب على المسلم أَنَّ يقضي ذلك اليوم إِذاْ أضطر احتياط لهذا العبادة.