بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
قال المؤلف - رحمه الله – (.....)، في كتابه "الكلام على لا إله إلا الله، وتحقيق معنى التوحيد" (.....)، قال:
المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أما الكلام في معنى "لا إله إلا الله"، فأقول - وبالله التوفيق - إن هذه الكلمة العظيمة هي التي شهد الله بها لنفسه، وشهد بها له ملائكته، وأولو العلم من خلقه، كما قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].
فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به، وهى كلمة الإخلاص المنافية للشرك، وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الشرك بالله، فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبعة:
الأول: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا.
والثاني: اليقين، وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك.
الرابع: الصدق المانع من النفاق.
الخامس: المحبة لهذه الكلمة، ولما دلت عليه، والسرور بذلك.
السادس: الانقياد بحقوقها، وهي: الأعمال الواجبة إخلاصًا لله، وطلبًا لمرضاته.
السابع: القبول المنافي للرد، فقد يقولها من يعرفها، لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تعصبًا وتكبرًا، كما هو قد يقع من كثير.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فهذه الرسالة الخامسة من رسائل الإمام عبد الرحمن بن حسن، ابن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في معنى "لا إله إلا الله، وفي تحقيق معنى التوحيد"، لا إله إلا الله كما سيأتي هي الكلمة العظيمة كما بين المؤلف، وهي كلمة التوحيد، ومعنى (لا إله إلا الله) معناها لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة بجميع أنواعها عن غير الله، وتثبتها لله تعالى، ومن حقق هذه الكلمة فقد حقق التوحيد، ومن حقق التوحيد ونقاه وصفاه وخلصه من شوائب الشرك والبدع دخل الجنة بغير حساب.
قال: (الكلام في بيان ما رده على الجهمي الذي في بني إياس) الجهمي، المؤلف - رحمه الله - رد على الجهمي، والجهمي نسبة إلى الجهم بن صفوان، والجهم بن صفوان بن معطل رجل خرج في أوائل المائة الثانية، ومعتقده ينفي الأسماء والصفات عن الله ينكر أن يكون لله أسماء، أو يكون له صفات، وقد تتلمذ الجهم على رجل يقال له: الجعد بن درهم، أول من تكلم في عقيدة نفي الصفات في الإسلام رجل يسمى الجعد بن درهم، فأنكر، تكلم في كلمتين، أنكر الكلام، وأنكر الخلة، أنكر أن يكون الله كلم موسى تكليما، وأنكر أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلًا، في كلمتين فقط، نفى الخلة، ونفى التكليم، لكن هاتين الكلمتين ترجع إليهما جميع الأسماء والصفات، لأن إنكار الكلام معناه إنكار الرسالة والنبوة، والشرائع كلها، الله تعالى تكلم، وأنزل الكتب، فمن أنكر الكلام قد أنكر الرسالات والشرائع، وكذلك من أنكر الخلة، وهي كمال المحبة ونهايتها - أستغفر الله - فقد قطع الصلة بين الله وبين خلقه.
ولهذا أفتى علماء الزمان، وكان الأمير في ذلك الوقت أمير العراق بواسط، خالد بن عبد الله القسري، كان هو الأمير، فاستفتى علماء أهل زمانه في هذا الرجل، فأفتوه بأن الرجل يستحق القتل، أفتوه بقتله، لأنه رجل مبتدع، لأنه أنكر منكر، وكلامه كفر، وكان هو الذي يصلي بالناس العيدين على عادة الأمراء، يصلي بالناس يؤم الناس، فأمر بهذا الرجل فأتي به مربوطًا يداه ورجلاه، وأتى به في مصلى العيد، وكان مصلى العيد في خارج البلد، فصلى خالد بن عبد الله القسري الأمير بالناس العيد، ثم خطب، والرجل هذا مكتف في آخر، في أسفل المنبر، وخطب الناس وقال في آخر الخطبة: "ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا"، ثم أخذ السكين وذبحه في أسفل المنبر والناس ينظرون، فأثنى عليه العلماء وشكروه، ومن ذلك العلامة ابن القيم في الكافية الشافية، قال، ذكر ذلك في القصيدة المشهورة، قال:
ولِأَجلِ ذا ضَحَّى بِجَعدٍ خالِدُ | القَسرِيُّ يَومَ ذَبائِح القُربانِ |
إذ قالَ إبراهيمُ ليس خَليــلَهُ | كَلَّا وَلا مُوسى الكليمُ الدَّاني |
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صاحِبِ سُنَّةٍ | للَّه دَرُّكَ مِن أَخِي قُربانِ |
شكره العلماء، ولا شك أن هذه الضحية تعدل في الأجر آلاف الضحايا.
ولكنه لم يمت حتى تتلمذ عليه هذا الرجل الجهم بن صفوان، الجهم بن صفوان تتلمذ عليه قبل أن يموت، ثم تبنى عقيدة نفي الصفات، ونشر عقيدة نفي الصفات في الناس، حتى انتشر هذا المذهب الخبيث، ونسب إليه، فقيل: مذهب الجهمية، وهي عقيدة نفي الأسماء والصفات، وإلا فالمؤسس لهذه العقيدة الخبيثة هو الجعد، كان الأصل أن يقال: الجعدية، لكن لما نشر الجهم على نطاق أوسع صار يسمى، نسب إليه ظهور مذهب الجهمية، وصار كل من أنكر الأسماء والصفات يسمى جهمياً نسبة إليه.
وهو مذهب كفري، من أنكر الأسماء والصفات فقد أنكر وجود الله، فإنه لا وجود، لأن لا وجود لشيء إلا بالأسماء والصفات، وأنكر جميع الأسماء والصفات، قال: لا، لا يثبت لله السمع ولا البصر، ولا العلم، ولا القدرة، ولا كذا، ولا المحبة، ولا العلو، ولا الأشياء، ولا الصفات، وهذا معناه ينتج العدم، إنكار وجود الله، شيء ليس له أسماء ولا صفات لا وجود له، فإذا قلت هناك هذه ماسة ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، ولا فوق الأرض، ولا تحت الأرض، ونفيت باقي والصفات هذا هو العدم، لا بد من الأسماء والصفات لكل شيء حتى الجمادات، فالذي ليس له اسم ولا صفة لا وجود له.
فالمؤلف يبين أنه رد على الجهمية قال: (بسم الله الرحمن الرحيم، أما الكلام في معنى لا إله إلا الله، فأقول وبالله التوفيق إن هذه الكلمة العظيمة) يعني كلمة التوحيد (لا إله إلا الله هي التي شهد الله بها لنفسه، وشهد له بها ملائكته، وأولو العلم من خلقه، كما قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18])، هذه توحيد أعظم مشهود به، الله تعالى قرن شهادة أهل العلم وشهادة الملائكة بشهادته - سبحانه - وهذا يدل على فضل أهل العلم، حيث أن الله قرن شهادة أهل العلم بشهادته وشهادة ملائكته على أعظم مشهود به، وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية، أعظم مشهود به الشهادة لله تعالى بالوحدانية، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، استشهد أهل العلم، قال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]، وهذا يدل على عظم هذه الكلمة، كلمة التوحيد، حيث أن الله شهد بها لنفسه، وشهد له بها ملائكته، وشهد له بها أولو العلم.
قال المؤلف - رحمه الله - (فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له)، هي كلمة الإسلام، مفتاح، وهي مفتاح الدخول في الإسلام، كلمة الإسلام، لا إسلام لمن لم يشهد لله تعالى بالوحدانية، ولا إيمان، الدخول في الإسلام لا يصح إلا بالشهادة لله تعالى بالوحدانية، والشهادة لنبيه ﷺ محمد بالرسالة، فإن أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وتشهد لنبيه محمد ﷺ بالرسالة، ولا يصح إسلام أحد إلا بالشهادتين، ولو عمل أي عمل، لو صلى وصام، وحج، وأطعم الطعام، وعمل جميع الأعمال، وهو لم يشهد لله تعالى بالوحدانية، ولم يشهد لنبيه ﷺ بالرسالة صارت أعماله هباء منثورًا حابطة، هكذا قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
وشهادة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، والشهادة للنبي ﷺ بالرسالة لا (11:10)، فمن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم تقبل منه، ومن شهد أن محمدًا رسول الله، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه.
ولهذا النصارى واليهود يعملون، يجتهدون ويتعبدون، لكن أعمالهم حابطة باطلة، لماذا؟ لأنهم يشهدون لله تعالى بالوحدانية، ولم يشهدوا لنبيه محمدًا بالرسالة، أنكروا رسالة النبي ﷺ فنفى الله عنهم الإيمان، فقال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فنفى عنهم الإيمان بالله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، لكن أنكروا رسالة محمد ﷺ فلا يصح أي عمل إلا بالشهادة لله تعالى بالوحدانية، والشهادة لنبيه بالرسالة، ولهذا أعمال المنافقين حابطة باطلة، لأنهم لم يؤمنوا بالله وبرسوله ﷺ.
قال المؤلف: (فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه)، لا بد أن تعرف ما وضعت له هذه الكلمة، وضعت هذه الكلمة لأي شيء؟ وضعت للدلالة على إفراد الله تعالى بالعبادة، ونفي العبادة عما سواه.
لا إله إلا الله تشتمل على ركنين، على أصلين لا بد أن تعرفهما:
الأصل الأول، الركن: النفي، لا إله.
والركن الثاني: الإثبات، إلا الله.
فالركن الأول النفي لا إله، نفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، براءة من كل معبود سوى الله، كفر بالطاغوت.
والأصل الثاني: (إلا الله) الإثبات، إيمان بالله، وإثبات للعبادة لله بجميع أنواعها لله وحده.
لا بد أن تعرف ما وضعت له ودلت عليه، دلت على التوحيد، ودلت على نفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وعلى إثبات جميع أنواع العبادة لله، لا بد من هذا، قال تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]، لا بد من العلم، أن تعلم أنه لا إله إلا الله، لا بد من العلم، العلم بمعنى هذه الكلمة، تنطق هذه الكلمة ولا تعلم معناها؟ تعرف معناها، لا إله، الإله هو المعبود، لا إله يعني لا معبود، لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وتثبت جميع أنواع العبادة لله لا يصح إسلام أحد إلا بعد أن ينطق بها، من نطق بها ولا يعرف معناها ولا يعمل بمقتضاها لا تفيد.
ولهذا عباد القبور ينطقون بهذه الكلمة، لكن ما يعرفون ما وضعت له، وما دلت عليه، فلذلك يدعون غير الله، ويذبحون لأصحاب القبور ويدعونهم، فلا تفيدهم، لأنهم ما عرفوا ما وضعت له، وما دلت عليه، يقول: لا إله إلا الله، ويصلي ويصوم، وهو يطلب المدد من غير الله، مدد يا بدوي، مدد يا دسوقي، مدد يا رسول الله، يذبح لأصحاب القبور، ويدعوهم، لو كان عرف مدلول العبادة مدلول هذه الكلمة ما عبد غير الله، ما ذبح لغير الله، ما نذر لغير الله، ما عرف ما دلت عليه هذه الكلمة، وما وضعت له، بخلاف العرب الأوائل، المشركين الأوائل، أبو جهل وغيره يعرف معنى هذه الكلمة، ولهذا لا يقول أحد هذه الكلمة إلا إذا آمن، إذا كان عنده استعداد لترك الأصنام والأوثان، وإخلاص العبادة لله، ولما قال النبي ﷺ لأبي جهل: قُل كَلِمَةٌ أَطلِبُ كَلِمَةٌ تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ، تَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، رفض الكلام، قال: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، لا يوجد آلهة أخرى، لأنه عرف معناها، لكن عباد القبور اليوم ما يعرفون معناها، يقول: لا إله إلا الله بلسانه، ثم ينقضها بأفعاله. ولهذا قال الإمام جده محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في بعض مؤلفاته: (لا خير في رجل كفار قريش أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله)، لأنهم يعرفون معناها، ما ينطق الواحد بها إلا إذا آمن، وحد، إذا كان عنده استعداد لترك الأصنام والأوثان، أما عباد القبور ما يعرفون معناها، جهال، يقول: لا إله إلا الله بلسانه، وما يعرف معناها، ينطقها بلسانه وما يدري أن معناها نفي العبادة عن غير الله، ثم ينقضها بأفعاله، حتى وجد بعض الجهال يطوف بالبيت الحرام، ويقول: يا رسول الله، يا رسول الله، يشرك بالله، ما يعرف المعنى، نسأل الله السلامة والعافية.
(لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه، وقبوله) لا بد من القبول، تقبل، يكون عندك قبول لما دلت عليه، قبول بالتوحيد، تقبل التوحيد، وأنك قابل للتوحيد، توحد الله، تفرد الله بالعبادة، يكون عندك استعداد، فلا تصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، لا تصرف الدعاء ولا الذبح ولا النذر ولا الركوع ولا السجود ولا الصلاة لغير الله، لا بد من القبول، لأن بعض الناس يعرف المعنى لكن ما يقبل، ما يفيد، إبليس يعرف المعنى لكن لا يقبل، ما عنده قبول، ما فيه قبول ولا انقياد، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، عنده معرفة، لكن ما عنده قبول وانقياد، كذلك فرعون عنده معرفة، وما عنده قبول، فقال الله عنهم: وَجَحَدُوا بِهَا الأدلة، وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]، ولما جاء موسى وهارون قال: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47]، ما يجوز، كبر، معناه هو الكبر، أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ، ما يمكن، تتخلى عن الكبرياء، ما عندهم تواضع لله ، واستكانة، إذًا لا بد من القبول.
(لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به) لا بد من الانقياد، من الانقياد للعمل، إذا كان هناك إيمان في القلب لا بد أن تعمل الجوارح، تنقاد الجوارح، فالقلب يصدق، والجوارح تعمل، لكن إذا كان ما في هناك انقياد، ما ينفع التصديق بالقلب، فرعون يصدق بقلبه، ولكن الجوارح ما تصدق، ما عنده انقياد للعمل، فالإيمان الذي في القلب والتصديق لا بد له من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، والعمل الصلاة والصيام والحج لا بد له من إيمان يصححه في الباطن، وإلا صار كإسلام المنافقين، المنافقون يعملون يصلون ويصومون، لكن عملهم حابط، ما عندهم إيمان يصححه، وإبليس وفرعون يصدق، لكن ما عندهم عمل يتحقق به هذا الإيمان، ما تحقق، حقق إيمانك، التصديق الذي في القلب حققه بالعمل، ما عندهم، والمنافقون عندهم عمل، لكن ما عندهم إيمان في القلب يصحح هذا العمل، إذًا لا بد من الأمرين، تصديق في الباطن، وعمل في الظاهر، تصديق في الباطن يتحقق بالعمل، وعمل في الظاهر يصححه الإيمان الباطن.
قال المؤلف - رحمه الله -: (لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به، وهي كلمة الإخلاص)، سميت كلمة الإخلاص لما فيها من إخلاص الدين لله، إخلاص العبادة لله، (وهي كلمة الإخلاص المنافية للشرك) تنافي الشرك، يعني لو كان هناك شرك ما صحت كلمة الإخلاص، الإخلاص إفراد الله بالعبادة، إخلاصه لله، (.....).
(وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الشرك بالله) سميت كلمة التقوى لأنها تقي هذا الشرك.
قال: (فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبعة)، ما هي؟
(الأول: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا)، كما سبق.
(الثاني: اليقين، وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب)، كمال العلم بهذه الكلمة، يتيقن أن العبادة حق الله، وأنه لا معبود بحق إلا هو، بخلاف المنافقين الذين ليس عندهم يقين، بل عندهم شك وريب.
(الثالث: الإخلاص المنافي للشرك)، فلا يقع في عملهم أي شرك، فمن كان يقول: لا إله إلا الله، ثم يدعو غير الله، فما حقق الإخلاص.
(الرابع: الصدق المانع من النفاق)، الصدق لأن المنافقين يقولونها لكن عن كذب، ما عندهم صدق، يقولها بلسانه، والقلب مكذب، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، وقال: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1].
(الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك)، محبة هذه الكلمة وما دلت عليه من أداء الواجبات، وترك المحرمات، والسرور بذلك.
(السادس: الانقياد بحقوقها)، حقوقها: الصلاة والزكاة، والصوم، والحج، وترك المحرمات، ترك الزنا، ترك الخمر، ترك عقوق الوالدين، ترك قطيعة الرحم، ترك العدوان على الأنفس والدماء والأموال والأعراض، لا بد من الانقياد بحقوقها، قال: (وهي: الأعمال الواجبة إخلاصًا لله، وطلبًا لمرضاته)، تنقاد لحقوقها في هذا المقام، طيب، إخلاص، وطلب.
(السابع: القبول المنافي للرد، فقد يقولها من يعرفها لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تعصبًا وتكبرًا) يعني تقولها، تقبلها ولا تتعصب، تقولها تقبل هذه الكلمة، ولا تردها تعصبًا وتكبرًا، كما هو قد وقع من كثير من الناس، يقولها بعض من الناس، لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها التعصب والكبر.
وزاد بعضهم شرطًا ثامنًا، وهو الكفر بما يعبد من دون الله، وبعضهم قال: إن هذا داخل ضمن الشروط السبعة، الكفر بما يعبد من دون الله، قال الله تعالى، أو كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ، قالوا هذا الشرط الثامن، الكفر بما يعبد من دون الله، نعم.
المتن
أحسن الله إليك، ثم قال:
الشيخ:
نعم، المؤلف بعد أن بين معنى كلمة التوحيد وشروطها، أراد أن يبين إعرابها، إعراب هذه الكلمة، الإعراب، ومعرفة اللغة والنحو يتبين به إعرابها، قال: (إذا عرفت ذلك، فقولك لا إله إلا الله، لا نافية للجنس)، يعني أن كلمة (لا) من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر، المعروف عند النحاة أن كان وأخواتها ترفع الاسم وتنصب الخبر، (كان وأمسى وأضحى) وأما إن وأخواتها فعلى العكس، تنصب الاسم الذي هو المبتدأ، وترفع الخبر، (إن وأن، وكأن، ولكن، ولعل) هذه أخواتها، فهنا لا نافية للجنس من أخوات إن، ومنها، لا، (إن وأن، وكأن، ولكن، ولعل، ولا) نافية للجنس، والمراد بالجنس يعني جنس الشيء، فلا النافية للجنس قد تكون نافية للواحد، إذا قلت: (لا رجلَ في الدار) هنا ننفي الجنس، يعني جنس الرجال غير موجود في الدار، هذا معناها، أما إذا قلت (لا رجلٌ في الدار) هذا نفي الواحد، يعني ليس هناك رجل واحد، قد يكون هناك رجلين أو ثلاثة أو أربعة، وهنا نفي الجنس، (لا إله) يعني لا يوجد معبود بحق إلا الله، جنس الإله الحق لا يوجد إلا الله، (لا) نافية للجنس من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر.
والإله (إلهَ) اسم إن منصوب، قال المؤلف: (والإله هو المألوه بالعبادة) الإله سمي إلهاً لأنه مألوه تألهه العبادة، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في معنى الله: (ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين)، الإله هو المألوه، إله فِعال، على وزن مفعول يعني إله بمعنى مألوه، سمي إلهاً، لأن القلوب تألهه محبة وإجلالًا وتعظيمًا وخوفًا ورجاء وتقوى، وغير ذلك من معنى العبادة، ولذلك قال المؤلف: (والإله هو المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع، أو دفع ضر)، هذا هو الإله، إله هذا عام، يشمل إلهًا بالحق، وإلهًا بالباطل، لكن إذا جاءت الإله لا ينصرف إلا إلى الإله بالحق، خاص بالله، الإله، ولهذا يقال إذا سمعنا عبدًا يقال: عبد الإله، الإله بأل خاص بالله، لا يكون إلا الإله الحق، أما إله بدون أل يشمل الإله الحق والإله بالباطل، آلهة المشركين تسمى إلهًا.
(الإله هو المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع ودفع ضر، كحال من عبد الأموات والغائبين والأصنام)، الذي يعبد الأموات والغائبين والأصنام يقصدونهم لحصول نفع أو دفع ضر، يعتقدون الميت ينفعهم، يجلب لهم نفعًا، أو يدفع عنه ضرًّا، يعتقدون أنه يشفع لهم عند الله، وأنه يقضي حوائجهم من الله، وبعض أهل الجاهلية اعتقد أن روح الميت تسمع من دعاها، تجيبه، وتنصر من لاذ بحماها، وتجير من استجار بها، ولذلك يألهونه، يقصدونه لجلب النفع ودفع الضرر، وهذا هو الشرك الأكبر، إذًا الإله هو الذي تألهه القلوب وتقصده رغبة إليه في جلب النفع أو دفع الضرر، كحال من عبد الأموات والغائبين والأصنام، هكذا يقصدونهم، يقصدونهم يعتقدون أنهم يجلبون لهم النفع، ويدفعون عنهم الضر. قال المؤلف: (فكل معبود مألوه بالعبادة) كل معبود مألوه بالعبادة، يعني مقصود بالعبادة.
قال المؤلف: (وخبر لا المرفوع محذوف تقديره حق، وقوله (إلا الله) استثناء من الخبر المرفوع)، يعني بقية إعراب كلمة التوحيد، (لا إله إلا الله)، لا نافية للجنس من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر، (إله) اسمها، أين الخبر؟ محذوف تقديره حق، لا إله حق إلا الله، وإلا الله اسمه الشريف مستثنى من الخبر المحذوف تقديره حق، لا إله حق إلا الله، ليس مراد لا إله لا يوجد آلهة، لا، الإله موجود، الدنيا مليئة بالآلهة، لكنها عبدت بالباطل، الشمس عبدت، والقمر عبد، والنجوم والأصنام، وعبد كل شيء، والأشجار والأحجار، حتى عبدت القرود، حتى يقال في الهند أكثر من مائة معبود، بل وأكثر من ألف معبود، حتى الفأر يعبدونه، حتى الشيطان عبد، كلهم معبودة بالباطل، والعبادة بالحق لله وحده، كما قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
قال المؤلف رحمه الله: (وقوله إلا الله استثناء من الخبر المرفوع، فالله سبحانه هو الحق، لا إله حق) الله هو الحق، (وعبادته وحده هي الحق، ودينه هو الحق، قال : وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:25]) فالله هو الحق، ودينه الحق، وعبادته وحده هي الحق، (وعبادة غيره منتفية بلا) لا إله، قال العلماء هذه منتفية، (في هذه الكلمة، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، فإلهية من سواه باطلة)، كل إله ما سوى الله باطل، (فدلت الآية) يعني شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18]، (على أن صرف الدعاء الذي هو مخ العبادة عنه) يعني عن الله (لغيره باطل، فتبين أن الإلهية هي العبادة، لأن الدعاء من أفرادها)، الإلهية هي العبادة، لا إله، هذا نفي الإلهية عن غيره، الإلهية العبادة، والدعاء فرد من أفرادها، والصلاة فرد من أفرادها، والصيام فرد، والزكاة فرد، والذبح فرد، والطواف بالبيت فرد، وهكذا، الإلهية عامة، الإلهية هي العبادة، وأفرادها كثيرة، أفراد العبادة: دعاء، صلاة، صيام، زكاة، حج، إلى آخره.
قال المؤلف: (فما صرف منها لغيره تعالى، فهو باطل)، ما صرف منها لغير الله تعالى فهو باطل.
طيب، (والقرآن كله...).
المتن:
الشيخ:
المؤلف - رحمه الله - قال: (القرآن كله يدل على أن الإلهية العبادة)، القرآن من أوله إلى آخره يدل على أن الإلهية هي العبادة، فالإلهية حق الله، وهي منفية عن غيره بهذه الكلمة، لا إله، الإلهية منفية عن غيره، إلا الله أثبتت الإلهية لله.
قال المؤلف رحمه الله: (كما قال تعالى) أمثلة تدل على أن الإلهية هي العبادة، (وأنها منفية عن غيره، كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:26-27])، قوله إِنَّنِي بَرَاءٌ، هذه النفي، نفي الإلهية عن غير الله، وإِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ، هذا إثباتها لله، فهذه الآية هي معنى لا إله إلا الله، إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:26-27]، هو معنى الآية الأولى، إِنَّنِي بَرَاءٌ، مثل لا إله، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ، إلا الله، ولهذا قال المؤلف: (فذكر البراءة من كل معبود سواه، ولم يستثن إلا عبادة من فطره)، إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:26-27].
(ثم قال: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف:28]) جعل إبراهيم الكلمة، ما هي الكلمة التي جعلها في عقبه؟ هي كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، جعلها، جعل إبراهيم هذه الكلمة كلمة التوحيد، باقية في عقبه، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف:28]، أي لا إله إلا الله، فعبر عن الإلهية بالعبادة في النفي والإثبات، يقول: لا إله إلا الله.
وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا [الجن:20]، قوله: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي، هذا هو معنى إلا الله، في كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص، وقوله: ولا أشرك به، هو المنفي في كلمة الإخلاص، أن الآية تفيد معنى لا إله إلا الله، قال المؤلف: (فتبين أن لا إله إلا الله دلت على البراءة من الشرك في العبادة في حق كل ما سوى الله)، أين هذا؟ أين البراءة؟ في قولك: لا إله، هذه براءة من الشرك في العبادة في حق كل من سوى الله، وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ [الرعد:36]، أمرت أن أعبد الله هذا إثبات العبادة لله، وَلا أُشْرِكُ بِهِ [الرعد:36]، هذا نفي العبادة عن غيره.
وقال: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [فصلت:6]، إلهكم إله واحد، هذا هو معنى لا إله إلا الله، إله واحد، لأن من عبد غير الله، تراه جعل لله شريكًا، أي الذي لا تصلح الإلهية إلا له وحده، قال: (فانتفت الإلهية وبطلت في حق كل ما سوى الله)، انتفت الإلهية العبادة عن غير الله، وبطلت، فهي باطلة في كل ما سوى الله.
نعم، والقرآن....
المتن
الشيخ:
نعم، يقول المؤلف رحمه الله: القرآن يبين بعضه بعضًا، أو يفسر بعضه بعضًا، هذه قاعدة، أن النصوص يفسر بعضها بعضًا، كلام الله يفسر بكلام الله، وكلام الرسول ﷺ يفسر بكلام الرسول ﷺ، ويفسر كلام الله بكلام الله وبكلام الرسول ﷺ، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، يبين بعضه بعضًا ويفسره، والرسل إنما يفتتحون دعوتهم بمعنى لا إله إلا الله، لأن كل رسول بعثه الله يقول: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، كل الرسل، كلهم يفتتحون دعوتهم بها، يقول تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73]، وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85]، كل الرسل، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، كل الرسل يفتتحون دعوتهم بذلك اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ.
قال المؤلف: (فتبين أن الإلهية هي العبادة) الإلهية هي العبادة، وبهذا قال قوم هود لما قال هود: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65]، ماذا قالوا له؟ بماذا ردوا عليه؟ قالوا: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [الأعراف: 70]، استنكروا، ماذا استنكروا؟ هل استنكروا عبادة الله؟ لا استنكروا أن يخص الله بالعبادة، قالوا: لا، نريد أن نعبد الله ونعبد الأصنام، لا بد ما يعبد آباؤنا.
قال: (فتبين بالآية أنهم لم يستنكفوا من عبادة الله) قريش لما دعاهم النبي ﷺ وحصل بينه وبينهم نزاع، جاؤوا، مرة وقالوا: يا محمد، فيه صلح بيننا وبينك، أنت الآن أتعبتنا وآذيتنا، وسفهت أمرنا، وخلاص، اعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة، صلح بيننا نحن نعبد إلهك سنة، واعبد إلهنا سنة، فأنزل الله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:1-6]، تيئيس لهم في المستقبل، لا أَعْبُدُ جملة فعلية مَا تَعْبُدُونَ، يعني في الحال لا أعبد ما تعبدون، وأنتم لا تعبدون، وفي المستقبل وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ، جملة اسمية حتى في المستقبل تيئيس لهم، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، أنتم مصرون على ما أنتم عليه، لكم دينكم الباطل، ولي ديني الحق.
فإذًا قوم هود، ماذا قالوا لنبيهم؟ لما قال لهم نبيهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65]، ماذا قالوا له؟ قالوا: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [الأعراف: 70]، تأتينا لنخصص الله بالعبادة، ونترك ما كان يعبد آباؤنا؟ لا، نريد أن نعبد الله، ونعبد ما يعبد آباؤنا، نجمع بينهم، هذا هو الشرك، عجيب، تريد أن نعبد الله ونترك ما يعبد آباؤنا، قال المؤلف: (فتبين بالآية أنهم لم يستنكروا من عبادة الله)، ما أنكروا عبادة الله، لكن أبوا أن يخلصوا العبادة لله، أبوا أن يخصصوا الله بالعبادة، قالوا: لا، نجعل معه شريك، نعبده ونعبد غيره، (فلم ينفوا ما نفته لا إله إلا الله، فاستوجبوا ما وقع بهم من العذاب) ماذا وقع بهم من العذاب؟ سلط الله عليهم الريح، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:7]، وكانوا قومًا طوالًا، الواحد طويل، وكانوا أشداء حتى إنهم افتخروا بقوتهم، وقالوا لهود: وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15]، فأرسل الله عليهم الريح، ريحاً خفيفة، ريح الدبور، فصارت تقتلع الواحد منهم، فترسله إلى السماء، ثم تنكسه على أم رأسه، فيبين الرأس من الجسد، فيكون الرأس في جهة، والجسد في جهة، فإذا سقطوا من طولهم صاروا: كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7]، كأنهم نخيل قطعت رؤوسها، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7]، هذا عذاب أصابهم بسبب الشرك، ولهذا قال: (فاستوجبوا ما وقع بهم من العذاب، لعدم قبولهم من دعاهم إليه من إخلاص العبادة)، كما قال تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ هو هود يعني، إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ، معروف الأحقاف هذه في اليمن، وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، يعني سبقته الرسل من بين يديه أمامه، ومن خلفه، الرسل سبقوه، سبقه نوح، سبقه عليه الصلاة والسلام، سبقه أيضًا شيث، سبق آدم، وإن كانوا لم يقع الشرك في زمانهم، لكن دعوا إلى التوحيد، وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، يعني الرسل جاؤوا قبله وبعده، وهم يدعون جميعهم، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [الأحقاف:21]، الرسل الذين سبقوا والذين لحقوا كلهم اتفقوا على التوحيد، دعوة قومهم ألا يعبدوا إلا الله.
قال المؤلف: (وهذا هو معنى كلمة الإخلاص الذي اجتمعت عليه الرسل، فقوله: أَلَّا تَعْبُدُوا) قول هود، (هو معنى (لا إله) وقوله: إِلَّا اللَّهَ هو المستثنى في كلمة الإخلاص) تبين لنا أن دعوة الرسل واحدة، نعم.
المتن
فهذا هو تحقيق معناها -بحمد الله- إنذار الرسل جميعهم أممهم عن الشرك في العبادة، وأن يخلصوها لله وحده لا شريك له، ففيما ذكرناه في هذه الآيات في معناه كافٍ وافٍ شافٍ، ولله الحمد والمنة.
وأما تعريف العبادة، فقد قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكافية:
وَعِـبَادَةُ الرَّحمَـنِ غَايَـةُ حُبِّـهِ | مَـع ذُلِّ عَـابِـدِهِ هُمَـا قُـطْبَـانِ |
وَعَلَيهِمَــا فَلَـكُ العِبَـادَةِ دَائِـرٌ | مَـا دَارَ حَــتَّى قَــامَتِ القُطبَـانِ |
وَمَـدَارُهُ بِـالأَمرِ أَمــرِ رَسُـولِهِ | لَا بِالهَـوَى وَالنَّفـسِ وَالشَّـيطَانِ |
فذكر أصل العبادة التي يصلح العمل مع حصولها إذا كان على السنة، فذكر قطبيها، وهما غاية المحبة لله في غاية الذل له، والغاية تفوت بدخول الشرك، وبه يبطل هذا الأصل؛ لأن المشرك لا بد أن يحب معبوده، ولا بد أن يذل له، ففسد الأصل بوجود الشرك فيه، ولا تحصل الغاية فيهما إلا بانتفاء الشرك، وقصر المحبة والتذلل على الله وحده؛ وبهذا تصلح جميع الأعمال المشروعة، وهي المراد بقوله: وعليهما فلك العبادة دائر، والدائرة هي الأعمال، ولا تصلح إلا بمتابعة السنة، وهذا معنى قول الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى- في قول الله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك: 2]، قال: "أخلصه وأصوبه"، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صواًبا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة".
الشيخ:
نعم، يقول المؤلف رحمه الله: (هذا هو تحقيق معنى هذه الكلمة)، يعني كلمة التوحيد، يعني تحقيقها ما سبق، هو إفراد الله بالعبادة، ونفي العبادة عن ما سواه، قال المؤلف رحمه الله: (إنذار الرسل جميعهم أممهم عن الشرك في العبادة، وأن يخلصوها لله وحده لا شريك له) الرسل كلهم أنذروا أممهم عن الشرك في العبادة، نهوهم عن الشرك، حذروهم، وأمروهم أن يخلصوا العبادة لله وحده، هذا هو ما قاله باختصار.
قال المؤلف: (ففيما ذكرناه في هذه الآيات في معناه كافٍ وافٍ شافٍ، ولله الحمد والمنة.
وأما تعريف العبادة)، ما هو تعريف العبادة؟ العبادات فسرها عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وعرفها غيره بأنها ما أمر به شرعًا من غير اقتضاء العرف ولا اقتضاء العقل والعبادة هي الأوامر والنواهي، تفعل الأوامر، وتترك النواهي محبة وخضوعًا لله، ابن القيم - رحمه الله - له النونية، القصيدة النونية تسمى الكافية الشافية، وهي منظومة عظيمة تبين معتقدات أهل السنة والجماعة، وأبطل فيها جميع المذاهب الباطلة، أبطل فيها مذاهب الصوفية، ومذاهب الأشاعرة، ومذاهب المعتزلة، ومذاهب الرافضة، ومذاهب جميع أهل الباطل كلهم، فهي كالشهب، وهي تقارب ستة آلاف بيت، يقول في تعريف العبادة، تعريف ابن القيم في هذه الكافية الشافية، ما هو تعريف العبادة عنده؟ قلنا الشيخ يقول: اسم جامع لكل ما يحبه الله، ولا منافاة بينها، كلها حق، وكلها تؤدي، يقول المؤلف عن ابن القيم:
وَعِـبَادَةُ الرَّحمَـنِ غَايَـةُ حُبِّـهِ | مَـع ذُلِّ عَـابِـدِهِ هُمَـا قُـطْبَـانِ |
غاية الحب في غاية الذل، ركنان، الركنان غاية الحب في غاية الذل، غاية الحب لله، في غاية الذل والخضوع لله.
قال: (وعليهما فلك العبادة دائر) يعني قطبان، يعني حدوث العبادة على قطبين، غاية المحبة في غاية الذل، غاية المحبة مع غاية الذل، غاية الحب في غاية الذل، (وعليهما فلك العبادة دائر) الصلاة، والصيام، والزكاة، كله يدور على الفلكين، غاية الحب مع غاية الذل، تصلي وأنت تحب الله وتذل له، وتخضع، تصوم، تزكي، تحج، جميع أنواع العبادة لا بد أن تكون في هذا قطبان، فلك العبادة يدور على هذين القطبين.
وَعَلَيهِمَــا فَلَـكُ العِبَـادَةِ دَائِـرٌ | مَـا دَارَ حَــتَّى قَــامَتِ القُطبَـانِ |
ما يدور فلك العبادة إلا بالقطبين، لو صلى الإنسان بغير محبة، وبغير ذل ما صحت الصلاة، لو زكى بغير محبة وغير ذل، لا معنى لما فعل، ما صح، العبادة، فلك العبادة جمع هذين القطبين،
وَعِـبَادَةُ الرَّحمَـنِ غَايَـةُ حُبِّـهِ | مَـع ذُلِّ عَـابِـدِهِ هُمَـا قُـطْبَـانِ |
وَعَلَيهِمَــا فَلَـكُ العِبَـادَةِ دَائِـرٌ | مَـا دَارَ حَــتَّى قَــامَتِ القُطبَـانِ |
ما يدور فلك العبادة، إلا بهذين القطبين، حتى يقوم القطبان، لكن ما الذي يديره؟ يدير هذين القطبين، الفلك لا بد هناك شيء يديره، ما الذي يديره؟ الأمر، وما داره بالأمر، فمداره بالأمر، ما هو الأمر؟ هو أمر الله وأمر رسوله، ما هو بالهوى والنفس والشيطان، الذي يدير ما هو؟ أمر الله وأمر رسوله، أمر الله أَقِيمُوا الصَّلاةَ [الأنعام:72]، هذا أمر بالفعل، وأمر وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا، هذا أمر بالترك، أمر بالفعل وأمر بالترك، أمر بالفعل: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، أمر بالفعل: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا، أمر بالترك، مداره:
وَمَـدَارُهُ بِـالأَمرِ أَمــرِ رَسُـولِهِ | لَا بِالهَـوَى وَالنَّفـسِ وَالشَّـيطَانِ |
طيب.