بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
قال المؤلف - رحمه الله - وغفر الله لشيخنا والحاضرين:
المتن
وأما تعريف العبادة، فقد قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكافية:
وَعِـبَادَةُ الرَّحمَـنِ غَايَـةُ حُبِّـهِ | مَـع ذُلِّ عَـابِـدِهِ هُمَـا قُـطْبَـانِ |
وَعَلَيهِمَــا فَلَـكُ العِبَـادَةِ دَائِـرٌ | مَـا دَارَ حَــتَّى قَــامَتِ القُطبَـانِ |
وَمَـدَارُهُ بِـالأَمرِ أَمــرِ رَسُـولِهِ | لَا بِالهَـوَى وَالنَّفـسِ وَالشَّـيطَانِ |
فذكر أصل العبادة التي يصلح العمل مع حصولها إذا كان على السنة، فذكر قطبيها، وهما غاية المحبة لله في غاية الذل له، والغاية تفوت بدخول الشرك، وبه يبطل هذا الأصل؛ لأن المشرك لا بد أن يحب معبوده، ولا بد أن يذل له، ففسد الأصل بوجود الشرك فيه، ولا تحصل الغاية فيهما إلا بانتفاء الشرك، وقصر المحبة والتذلل لله وحده؛ وبهذا تصلح جميع الأعمال المشروعة، وهي المراد بقوله: وعليهما فلك العبادة دائر، والدائر هي الأعمال، ولا تصلح إلا بمتابعة السنة، وهذا معنى قول الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى- في قول الله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك: 2]، قال: "أخلصه وأصوبه"، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة".
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وأما تعريف العبادة، فقد قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية)، نقل المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن الحسن -رحمه الله- ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، تعريف العبادة عن ابن القيم -رحمه الله- وقد عرف العبادة عدد من أهل العلم، وكلها صحيح، عرفها شيخ الإسلام بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، هذا تعريف شامل، اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وعرفها بعضهم بأنها ما أمر به شرعًا من غير اضطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، وعرفها ابن القيم -رحمه الله - كما نقل المؤلف بأنها العبادة غاية الحب مع غاية الذل، بمعنى أنك حينما تؤدي العبادة من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تفعل العبادة مع غاية الحب لله، وغاية الذل له، تتعبد لله، وأنت تخضع له، وتذل له، لا بد من غاية الحب مع غاية الذل، ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله - في الكافية، القصيدة النونية التي تسمى الكافية الشافية، قصيدة عظيمة في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، والرد على أهل البدع، وهي تقارب ستة آلاف بيت.
يقول فيها:
وَعِـبَادَةُ الرَّحمَـنِ غَايَـةُ حُبِّـهِ | مَـع ذُلِّ عَـابِـدِهِ هُمَـا قُـطْبَـانِ |
قطبا العبادة اثنان، غاية الحب مع غاية الذل، وغاية الحب تفوت مع الشرك، المشرك ما عنده غاية في الحب، لأن المشرك يحب الله، ويحب غيره، يحب معبوده، فتفوت غاية الحب، وكذلك يذل لله، يخضع لله ويخضع لغيره، فيفوت غاية الحب مع غاية الذل، يفوت بالشرك.
وَعِـبَادَةُ الرَّحمَـنِ غَايَـةُ حُبِّـهِ | مَـع ذُلِّ عَـابِـدِهِ هُمَـا قُـطْبَـانِ |
قطبا العبادة، والقطبان لا بد لهما من فلك يدور، قال: (وعليهما فلك العبادة دائر)، فلك العبادة يدور على هذين القطبين، غاية الحب مع غاية الذل، العبادة الصلاة، وغاية الحب، وغاية الذل تدور على الصلاة، على الزكاة.
وَعَلَيهِمَــا فَلَـكُ العِبَـادَةِ دَائِـرٌ | مَـا دَارَ حَــتَّى قَــامَتِ القُطبَـانِ |
ما يدور إلا بالقطبين، ومداره الذي يديره ما هو؟ بالأمر، أمر رسوله، لا بالهوى والنفس والشيطان، مداره بأمر الله، وأمر رسوله، لا بالهوى، لأن الهوى يعمي ويضل، يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص:26]، لا بالهوى والنفس، النفس، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53]، والشيطان، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268]، إذًا مداره الذي يديره أمر الرسول ﷺ، لا الهوى ولا النفس ولا الشيطان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى - تعليقًا على هذه العبارة، قال: (فذكر) يعني ابن القيم -رحمه الله- (في هذه الأبيات، ذكر أصل العبادة التي يصلح العمل مع حصولها إذا كان على السنة، وهما) فذكر قطبيها، (وهما غاية المحبة لله في غاية الذل)،أصل العبادة التي يصلح العمل مع خصولها إذا كان على السنة، فغاية الحب مع غاية الذل، هذا الذي يصلح العمل إذا كان على السنة، يعني العبادة التي تأتي موافقة للسنة، جاء بها الشرع، نعم، أما إذا تعبد بعبادة مبتدعة ما يصلح، لا بد من أن تكون عبادة شرعية، مشروعة، على السنة، لكن من تعبد ببدع، أتى بأذكار مبتدعة، أو احتفل بالمولد، هذا ما تنفع، ما يصلح العمل مع حصولها، العمل غير صالح حتى يأتي هذين القطبين، غاية الحب مع غاية الذل، (.....) ما ينفع، لا يكون عبادة.
ولهذا قال المؤلف: (فذكر أصل العبادة التي يصلح العمل مع حصولها إذا كان على السنة، فذكر قطبيها وهما غاية المحبة لله، في غاية الذل له، والغاية تفوت بدخول الشرك)، لأن من دعا الله ودعا غيره، ما صار عنده غاية المحبة، صارت المحبة مقسمة، مشتركة بين الله وبين المعبود، وكذلك الذل، الذل لله ولغيره، ففات الغاية، تفوت الغاية.
ولهذا قال المؤلف: (والغاية تفوت بدخول الشرك، وبه يبطل هذا الأصل) وهي غاية الحب، وإذا بطل هذا الأصل بطلت العبادة، يبطل غاية الحب وغاية الذل، لماذا؟ قال: (لأن المشرك لا بد أن يحب معبوده)، وإذا أحب معبوده نقصت محبة الله، فلم تكن غاية، ما تكون غاية، صارت محبة ما تصير غاية، محبة مشتركة، ولهذا قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، قال العلماء: والذين آمنوا أشد حبًّا لله من محبة أهل الأنداد لأندادهم، لأن محبة المؤمنين خاصة، ومحبة أهل الأنداد مشتركة، والمحبة الخالصة أكثر من المحبة المشتركة.
قال: (وبه يبطل هذا الأصل، لأن المشرك لا بد أن يحب معبوده، ولا بد أن يذل له، ففسد الأصل بوجود الشرك فيه)، الأصل الذي هو غاية الحب مع غاية الذل، فسد هذا الأصل لدخول الشرك.
قال المؤلف: (ولا تحصل الغاية فيهما إلا بانتفاء الشرك، وقصر المحبة والتذلل على الله وحده)، لا تحصل غاية الحب مع غاية الذل إلا إذا انتفى الشرك، وقصر العابد محبته وتذلله على الله وحده، قال: (وبهذا تصلح جميع الأعمال المشروعة)، تصلح جميع الأعمال المشروعة، أن يكون العمل الذي يعمله الإنسان والعبادة على السنة، ويدور عليها هذان القطبان: غاية الحب، وغاية الذل، ولهذا قال المؤلف: (وبهذا تصلح جميع الأعمال المشروعة، وهي المراد بقوله: وعليهما فلك العبادة دائر، والدائر هي الأعمال) ولا تصلح الأعمال إلا بمتابعة السنة.
(وهذا معنى قول الفضيل بن عياض -رحمه الله - في قول الله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك: 2]، قال:) الفضيل تعليقًا على قال هذه الآية قال: ("أخلصه وأصوبه")، أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، العمل قال: أخلصه وأصوبه، (قالوا: يا أبا علي)، أبا علي كنية الفضيل بن عياض، (قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟)، ما معنى أخلصه وأصوبه؟ (قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صواًبا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة")، يعني أن العمل لا بد له من شرطي، أو لا بد له من ركنين، الأول أن يكون لله خالصًا له، والثاني أن يكون موافقًا للسنة، نعم.
المتن:
أحسن الله إليك:
(وأما أقسام التوحيد فهي ثلاثة: توحيد الإلهية، وهي العبادة كما تقدم، فهي تتعلق بأعمال العبد وأقواله الباطنة والظاهرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة".
قلت: فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك بالله، وهذا هو الذي أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب بالإنذار عنه، وترتبت عليه عقوبات الدنيا والآخرة في حق من لم يتب منه.
ويسمى هذا التوحيد إذا كان لله وحده "توحيد القصد والطلب والإرادة" وهو الذي جحده المشركون من الأمم.
وقد بعث الله نبينا محمدًا ﷺ بالأمر به، والنهي عما ينافيه من الشرك، فأبى المشركون إلا التمسك بالشرك الذي عهدوه من أسلافهم، فجاهدهم ﷺ على هذا الشرك، وعلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً [ص: 4-5]، إلى قوله: وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص: 6].
الشرح:
نعم، المؤلف -رحمه الله- بين أقسام التوحيد، قال: (أقسام التوحيد ثلاثة)، توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا التقسيم مأخوذ دليله الاستقراء والتتبع، بمعنى أن العلماء تتبعوا النصوص، واستقرأوا النصوص، فوجدوا أن أنواع التوحيد تلتقي مع هذه الثلاثة، الأنواع الثلاثة: توحيد الربوبية، هو توحيد الله بأفعاله هو، كالخلق والرزق والإماتة والإحياء، يعني تضيفها إلى الله، وتعتقد أن الله هو الفاعل، وحده دون سواه، وليس له شريك في الخلق والرزق والإماتة، وتوحيد الألوهية توحيد الله بأفعالك أنت، بأفعال العباد، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والذبح، والنذر، بمعنى أنك تخلصها لله، وتفرد الله بها، وتوحيد الأسماء والصفات، وهو الإيمان بالأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة.
هذه الأنواع الثلاثة مأخوذة من النصوص، دليلها الاستقراء والتتبع، كذلك العلماء استقرأوا وتتبعوا سنن الصلاة فوجدوها تسعة، محظورات الإحرام وجدوها تسعة، ما هو دليلها؟ الدليل الاستقراء والتتبع، وقد دلت آية كريمة على أنواع التوحيد الثلاثة كلها، وهي آية (12:58) قال الله تعالى: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ هذا في إثبات توحيد الربوبية، فَاعْبُدْهُ هذا توحيد العبادة، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا توحيد الأسماء والصفات.
إذًا النصوص دلت على هذا، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأعراف:54]، هذا توحيد الربوبية، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163]، هذا توحيد الألوهية، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:23]، هذا توحيد الأسماء والصفات. إذًا مأخوذ من النصوص، العلماء استقرأوا وتتبعوا النصوص.
وبعض أهل الانحراف وأهل الزيغ ينكر هذا التوحيد، من أين أخذتم هذا التوحيد؟ هاتوا الدليل على أن أقسام التوحيد ثلاثة، ما تجدون، هذا مبتدَع، وقد بالغ بعض المنحرفين قال: هذا التثليث مثل تثليث النصارى، النصارى يعبدون آلهة ثلاثة، وأنتم تقولون أقسام التوحيد ثلاثة، إذًا فأنتم مثلثة مثل النصارى - نعوذ بالله - هذا زيغ وانحراف، (.....)، هذا من السنة، ما جئنا بشيء من عندنا، مثل ما تتبع العلماء فروض الصلاة فوجدوها تسعة، فروض الوضوء ستة، من أين؟ من النص، من الآية.
بدأ المؤلف - رحمه الله - بتوحيد الألوهية، فقال: (أقسام التوحيد فهي ثلاثة: توحيد الإلهية وهي العبادة كما تقدم)،توحيد الإلهية يسمى توحيد العبادة، يسمى توحيد الألوهية، يسمى توحيد الإرادة وقصد الطلب، يسمى التوحيد الإرادي، يسمى توحيد القصد، يسمى التوحيد الاعتقاد، يسمى التوحيد الفعلي، كل هذه أسماء له.
قال المؤلف: (فهي تعلق بأعمال العبد وأقواله الباطنة والظاهرة)، أن العبادة توحيد العبادة تتعلق بأفعال العبد، أعمال العبد من صلاة وصيام، وأقواله تلاوة القرآن والذكر والوعظ، الباطنة كتصديق القلب والقول والعمل، إخلاص النية والإخلاص، والظاهرة مثل الصلاة والصيام، قال: (كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رجمه الله تعالى: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)، كل ما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة، سواء كان قولًا كتلاوة القرآن، أو عملًا كالصلاة، باطن كتصديق القلب، هذا قوله، والعمل كالنية والإخلاص، أو ظاهر كالصلاة والصيام، إذًا هذه هي العبادة، اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
(قلت) هذا من كلام المؤلف، (فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك بالله)، من صرف الدعاء، أو الذبح، أو النذر، أو القراءة، أو النية، أو غيرها لغير الله فهو مشرك، صرف نوع من أنواع العبادة سواء كان قولًا أو عملًا، باطنًا أو ظاهرًا، هذا مشرك، (قلت: فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك بالله، وهذا هو الذي أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب بالإنذار عنه، وترتبت عليه عقوبات الدنيا والآخرة في حق من لم يتب منه)، فمن صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله فهو مشرك، صرف الدعاء لغير الله مشرك، صرف الصلاة، صرف الذبح، صرف النذر، صرف التوكل، صرف الرغبة، صرف الرهبة، صرف أي نوع من أنواع العبادة، صرف الركوع، صرف السجود لغير الله، فهذا مشرك بالله، فمن صرف منها أي من أنواع العبادة، شيئًا لغير الله فهو مشرك بالله.
قال: (وهذا هو الذي أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب بالإنذار عنه) الشرك، هو الذي أرسلت الرسل وأنزلت الكتب للتحذير منه، وبيان عظم مرتكبه، وأنه خارج من الملة، وأنه مخلد في النار، وأنه محبط للأعمال، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72]، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، لأن هذا الشرك (هو الذي أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب بالإنذار عنه، وترتبت عليه عقوبات الدنيا والآخرة في حق من لم يتب منه)، أما من تاب قبل الموت تاب الله عليه.
(ويسمى هذا التوحيد إذا كان لله وحده توحيد القصد والطلب والإرادة)، وسبق أنه يسمى توحيد الإلهية، عدة أسماء، يسمى توحيد الإلهية، يسمى توحيد العبادة، يسمى توحيد القصد والطلب والإرادة، ويسمى التوحيد الفعلي أيضًا، الفعلي نعم، لأنه من أفعال العبد.
قال: (وهو الذي جحده المشركون من الأمم)، الأمم جحدوا هذا التوحيد، توحيد الألوهية، من الذي جحده؟ قوم نوح، قوم هود، قوم صالح، لكن ما جحدوا توحيد الربوبية، لماذا؟ لأنه فطري، أمر فطري فطر الله عليه الخلائق، الخلائق فطروا على أن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، ما أنكر هذا إلا من شذ من بني آدم، لكن أنكروا توحيد الألوهية، ولما قال النبي ﷺ لقريش: قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا، قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا أنكروه، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، تعجبوا، أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا، ما فيه إلا إله واحد يعبد، بس ما نعبد إلا الرب، إلا الله، ما نعبد الأصنام، ما نعبد الأشجار، ما نعبد الملائكة، أنكروا هذا، أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ [ص:5-6]، هكذا، يأمرون بعضهم بعضًا بالصبر على آلهتهم، على الشرك، والثبات عليه، والعياذ بالله.
(وهو الذي جحده المشركون من الأمم، وقد بعث الله نبينا محمدًا ﷺ بالأمر به) يعني التوحيد، توحيد الإلهية، (والنهي عما ينافيه من الشرك)، مكث ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد، ما يدعُو إلى الصلاة، ولا الصيام، ولا زكاة، ولا حج، ولا أي شيء، فقط يدعو إلى التوحيد، لماذا؟ لأنه أصل الدين وأساس الملة، لأن أعمالنا تبنى عليه، ولا تصح الصلاة، ولا الصيام، ولا الزكاة، حتى تصح العقيدة، تسلم العقيدة.
(وقد بعث الله نبينا محمدا ﷺ بالأمر به، والنهي عما ينافيه من الشرك، فأبى المشركون إلا التمسك بالشرك الذي عهدوه من أسلافهم)، رفض المشركون، أبى إلا البقاء على الشرك، (فأبى المشركون إلا التمسك بالشرك الذي عهدوه من أسلافهم، فجاهدهم ﷺ على هذا الشرك، وعلى إخلاص العبادة لله وحده)، جاهدهم على هذا الشرك يعني في نهيهم عن الشرك، وتحذيرهم منه، وجاهدهم على إخلاص العبادة لله، جاهدهم على إخلاص العبادة لله وحده، وجاهدهم على أن يتركوا الشرك كما قال الله تعالى: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ص:4]، قالوا على الرسول ﷺ قالوا: ساحر، قالوا: كذاب، وفي النهاية قالوا: مجنون، قالوا: هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ص:4-5]، يعني كيف؟ ما فيه إلا إله واحد، معبود واحد، أنكروا هذا، استنكروا؛ لأن عندهم آلهة متعددة، الحصين، والد عمران بن الحصين، كان يعبد سبعة آلهة، فقال له النبي: كَم تَعبُدُ؟، قال: سبعة: ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: مَن هُوَ الَّذِي تُعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟، قال: الذي في السماء، قال: اترُك الآلِهَةَ وَاعبُد الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَسَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، فأسلم، وعلمه قال: قُل: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَقِنِي شَرِّ نَفْسِي، كلمتين، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَقِنِي شَرِّ نَفْسِي هاتين الجملتين إذا تقبل الله تشمل خيري الدنيا والآخرة، إذا ألهمه الله رشده، ووقاه شر نفسه حصل على خيري الدنيا والآخرة، وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ [ص:4-6]، شوف يصبر بعضهم بعضًا وهم على الباطل، شوف صبر أهل الشرك وأهل الباطل وأهل البدع، وأهل الحق عندهم ضعف، وهم على الحق، شوف تعاون أهل الباطل، تكاتفهم، تعاون المشركين وهم على الباطل، يصبر بعضهم بعضًا، امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ [ص:6]، يصبرون وهم على الباطل، وأهل الحق ما يصبرون وهم على الحق، عندهم ضعف، وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص:6]، نعم.
المتن:
أحسن الله إليك:
الشرح:
نعم، النوع الثاني توحيد الربوبية، عرفه المؤلف بأنه (العلم والإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، وهو المدبر لأمور خلقه جميعهم) يعني أن تعلم في نفسك وتقر بأن الله رب كل شيء، مل شيء، كلمة شيء عامة، كل شيء من المخلوقات: من الآدميين، الجن، والإنس، والملائكة، والبحار، والأشجار، والأنهار، والأفلاك، والعوالم، العالم العلوي والسفلي، فالله ربه، تعتقد هذا، ربه يعني مربيه وخالقه وموجده، ومدبره، وهو مدبر أمور خلقه جميعها، يعني تعتقد أن الله هو الذي خلق هذه المخلوقات، وهو الذي خلقها، وهو الذي دبرها، وهو الذي يربيها، كما قال تعالى هذا الدليل: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، إذًا يقرون بهذا، من هم هؤلاء؟ كفار قريش، إذا سألتهم من يرزقكم من السماء؟ قالوا: الله، من يملك السماء والأرض؟ قالوا: الله، من يدبر الأمر؟ قالوا: الله، ما عندهم إشكال في هذا، لكن الإشكال في توحيد العبادة، فسيقولون: الله، ماذا تقول؟ قل لهم: أفلا تتقون الله، فتبتعدوا عن الشك في العبادة، إذا كنتم تعترفون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، إذًا اعبدوه، اتقوا الله واحذروا من الشرك في العبادة، اعبدوه وحده، خصوه وحده بالعبادة.
وقال: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:84]، ماذا يقولون؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [المؤمنون:85]، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:86-89]، إذًا هم معترفون، وأمثال ذلك في القرآن كثير.
قال المؤلف: (وهذا النوع قد أقر به المشركون كما دلت عليه الآيات)، وضابطه: توحيد الله بأفعاله هو، توحد الله بأفعاله هو، الرزق والإماتة والإحياء، نعم.
المتن:
أحسن الله إليك:
الشيخ:
يعني النوع الثالث توحيد الأسماء والصفات، تعريفه، عرفه المؤلف بأنه (أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله ﷺ من صفات الكمال، التي تعرَّف بها إلى عباده، ونفي ما لا يليق بجلاله وعظمته)، نعم، هذا هو توحيد الأسماء والصفات، أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ من صفات الكمال، وصف الله نفسه مثلًا بالعلم، العليم، لأنه سمى نفسه بالعليم، والأسماء مشتملة على الصفات، كل اسم مشتمل على صفة، سمى نفسه العليم مشتمل على صفة العلم، قدير مشتمل على صفة القدرة، فالعليم مشتمل على صفة العلم، ووصف نفسه بصفة العلم: يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [العنكبوت:52]، فأنت تثبت تصف الله بما وصف به نفسه، بالعلم، وتنفي ما لا يليق لجلاله وعظمته، تنفي أضدادها، ما هي أضدادها؟ الجهل، تصف الله بالعلم، وتنفي ضده وهو الجهل، لأن إثبات الشيء نفي لضده، ووصف نفسه بالسمع، فتثبت لله السمع، وتنفي ضدها وهو الصمم، وصف نفسه بالبصر، تثبت لله البصر، وتنفي ضدها وهو إيش؟ العمى، وصف نفسه بالكلام، فتثبت لله الكلام، وتنفي ضدها وهو البكم والخرس، وهكذا، وصف نفسه بالعلو، فتثبت لله العلو، وتنفي ضده وهو السفل، وصف نفسه بالحياة، فتثبت لله الحياة، وتنفي ضده وهو الموت، لا بد من هذا، إثبات صفات الكمال ونفي أضدادها.
طالب:
الاسم مشتملة على الصفة، والا الصفة مشتملة على الاسم؟
الشيخ:
لا، الاسم مشتمل على الصفة، كل اسم مشتمل على صفة، العليم مشتمل على صفة العلم، القدير مشتمل على صفة القدرة، الله مشتمل على صفة الألوهية، الرحمن صفة الرحمة، أما الصفة لا، ما يشتق منها الاسم، مثل أن وصف نفسه بالاستواء، استواء على العرش ما تدل على أن من أسماء الله تعالى هو المستوي، لا، يقول تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المجادلة: 22] ما تثبت لله اسم الراضي، غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13]، فما تثبت له صفة الغاضب لا، الصفة ما يشتق منها الاسم، لكن الاسم مشتمل على صفة، لأن أسماء الله مشتقة ليست جامدة، مشتملة على معاني.
والنفي أقسام، هذا النفي كما قال المؤلف - رحمه الله - النفي قد يكون نفي صفات النقص، ونفي مثلًا صفة الموت، النقائص والعيوب، نفي أضدادها، نفي النقائص والعيوب، ينفى عن الله الموت والنوم، والخرس والبكم، وجميع صفات النقص، كلها منفية عن الله، وينفى عن الله أيضًا الولد والصاحبة.
وفهي أقسام، بعض الصفات تكون كمال في حق المخلوق، لكنها نقص في حق الخالق مثل الولد، الولد كمال في حق المخلوق، لكن الرب إثبات الولد لله من أعظم الجرائم، من الجرائم العظيمة والبهتان العظيم والشرك الذي تكاد السماوات تتفطر وتنشق، قال الله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:89-93]، كل من في السماوات يأتي يوم القيامة معبد مذلل مقصور تنفذ فيه قدرة الله، والولد كمال في حق المخلوق، لأنه يحتاج إليه، ويكون عند الكبر ضعيف الإنسان، أما الخالق فلا يحتاج إلى أحد، كامل، الصمد الأحد المتوحد في نفسه بأسمائه وصفاته، الصمد الكامل في نفسه، القائم بنفسه، الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وتقصده، فلا يحتاج إلى أحد، لكن المخلوق ضعيف، فبعض الصفات نقص في حق الخالق والمخلوق، وبعضها نقص في حق الخالق، وكمال في حق المخلوق، فالنفي أقسام كما ذكر، ذكرها ابن القيم في الكافية الشافية.
قال: (فأهل السنة والجماعة سلفًا وخلفًا يثبتون لله هذا التوحيد)، يعني توحيد الربوبية، (على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتًا بلا تمثيل) يعني تثبت صفة السمع لكن لا يشبه سمع المخلوق، العلم لا يشبه علم المخلوق، لا يشبهه، علو لا يشبه علو المخلوق، (وتنزيهًا بلا تعطيل)، تنزهه عن النقائص والعيوب تنزيهًا بلا تعطيل، بأن تثبت الصفة لله لكن لا يصح التمثيل بصفة بالمخلوق، وتنزه الله عن النقائص والعيوب لكن هذا التنزيه لا يصل إلى حد التعطيل ونفي الصفة.
قال: (وهذا النوع والذي قبله هو توحيد العلم والاعتقاد) يعني توحيد الربوبية الذي يسمى توحيد العلم والاعتقاد، يسمى التوحيد الاعتقادي، ويسمى التوحيد القولي.
وهو مبني توحيد الأسماء والصفات على ثلاثة أصول:
الأصل الأول: إثبات الأسماء والصفات لله الواردة في الكتاب والسنة.
الأصل الثاني: تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين فيها.
الأصل الثالث: نفي معرفة الكيفية، كيفية الأسماء والصفات، أي قطع الطمع عن إدراك كيفية أسماء الله وصفاته، يعني تقطع الطمع عن كونك تعرف الكيفية، ما تعرف الكيفية، قطع الطمع أو نفي معرفة الكيفية في الأسماء والصفات.
جاء رجل إلى الإمام مالك - رحمه الله - فقال: يا مالك، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ فأطرق مالك مليًّا حتى علته الرحضاء، ثم قال: أين السائل؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأخرج، وقال: ما أراك إلا رجل سوء.
وقد تلقى العلماء هذه المقالة عن الإمام مالك بالقبول، قالوا: إن هذا يقال في جميع الأسماء والصفات، من قال: الرب ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، كيف النزول؟ تقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، كيف العلم؟ العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، هكذا، يعني العلم معناه في اللغة العربية معناه ضد الجهل، معلوم، والكيف مجهول، كيفية اتصاف الله بالعلم مجهول، والإيمان به واجب، لأنه ورد في الكتاب والسنة، والسؤال عن الكيفية بدعة.
فيكون مبني على ثلاثة أصول، هي إيش؟ إثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة، نفي المماثلة والمشابهة للمخلوقين، ثالثًا: نفي إدراك الكيفية، وقطع الطمع عن إدراك الكيفية.
وأما توحيد العبادة فمبني على أصلين: إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه، مبنية على أصلين: أن تثبت العبادة بجميع أنواعها لله، وأن تنفيها عن غيره.
وتوحيد الربوبية كذلك، تابع لتوحيد الأسماء والصفات، الأصل أن توحيد الربوبية والأسماء والصفات توحيد واحد، يقال فيه مثل السابق، جعلوا التوحيد نوعين، قالوا: التوحيد نوعان، توحيد في العلم والقول والاعتقاد، وهو توحيد الربوبية، وهذا توحيد الأسماء والصفات، إثبات حقيقة ذات الرب والأسماء والصفات هذا واحد، والنوع الثاني توحيد العبادة، وهو التوحيد الإرادي الطلبي، توحيد في القصد والإرادة والطلب، نعم.
المتن
أحسن الله إليكم قال:
وأما تعريف التوحيد فقد ذكره ابن القيم في الكافية الشافية فقال:
وَالصدْقُ والإِخلَاصُ رُكنَا ذَلِك الـــتـ | ــتَّوحِيدِ كالرُّكْنَيْنِ للبُنْيَانِ |
وَحَقِيقَةُ الإِخْلاص تَوْحِيدُ المُرَا | دِ فَلاَ يُزَاحِمُهُ مُرَادٌ ثَانِي |
والصِدْقُ تَوْحِيدُ الإِرَادَةِ وَهُوَ بَذ | لُ الجَهْدِ لاَ كَسَلاً وَلاَ مُتَوَانِ |
ثم ذكر توحيد المتابعة فقال:
وَالسُّنَّةُ المُثْلى لِسَالِكِهَا فَتَوْ | حِيد الطَّرِيقِ الأَعْظَمِ السُلْطَانِ |
فلواحِدٍ كُن وَاحِداً فِي وَاحِدٍ | أَعنِي سَبِيلَ الحَقِّ وَالإِيمَانِ |
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- الإخلاص بمثل ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال: "الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه".
الشيخ:
نعم، هذا تعريف التوحيد، أنه المراد توحيد العبادة والألوهية، قال: (وأما تعريف التوحيد فقد ذكره ابن القيم في الكافية الشافية) قال:
وَالصدْقُ والإِخلَاصُ رُكنَا ذَلِك الـــتـ | ــتَّوحِيدِ كالرُّكْنَيْنِ للبُنْيَانِ |
توحيد العبادة له ركنان، الصدق والإخلاص، الإخلاص هو تجريد التوحيد لله ، والصدق هو أن تكون صادقًا لا كاذبًا، بحلاف المنافقين فإنهم لم يصدقوا في التوحيد، قد يظهرون أنهم مؤمنون بالله، وقلوبهم مكذبة، كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، وقال: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، إذًا المنافقون ما عندهم صدق، عندهم كذب، قلوبهم مكذبة، ولهذا من شروط لا إلا الله الصدق المانع من النفاق، الصدق والإخلاص، والإخلاص ضده الشرك، توحيد العبادة لا بد أن يكون خالصًا لله، يخلص من الشرك، وصادقًا ليس فيه نفاق، الصدق والإخلاص، لا بد أن يكون صادقًا حتى لا يكون من المنافقين، ولا بد أن يكون مخلصًا حتى لا يكون من المشركين، قال:
وَالصدْقُ والإِخلَاصُ رُكنَا ذَلِك الـــتـ | ــتَّوحِيدِ كالرُّكْنَيْنِ للبُنْيَانِ |
من لم يخلص في عمله لله، ولم يصدق، فليس بمؤمن، إذا لم يصدق كان منافقًا، وإذا لم يخلص كان مشركًا.
طالب:يعني يا شيخ، الإخلاص براءة من الشرك.
الشيخ:
الإخلاص هو إفراد الله بالعبادة، فلا يكون معه شريك، والصدق هو أن يكون الشخص مصدقًا لله في الباطن، في قلبه، ويكون لسانه يطابق ما في قلبه، والمنافق يتكلم بلسانه ما يخالف ما في قلبه:
وَالصدْقُ والإِخلَاصُ رُكنَا ذَلِك الـــتـ | ــتَّوحِيدِ كالرُّكْنَيْنِ للبُنْيَانِ |
وحقيقة الإخلاص، ما هو الإخلاص؟ توحيد المراد فلا يزاحمه مراد غيره، توحيد المراد مرادك يكون الله، فلا يزاحمه مراد ثاني، لا تريد به الدنيا، ولا حطامها، ولا الشهرة، ولا أي قصد آخر، مرادك الله لا تزاحمه بمراد ثاني، لا تزاحمه بإرادة الدنيا، لا تزاحمه بإرادة الشهرة، لا تزاحمه بإرادة المال، لا تزاحمه بأي مراد ثاني، لا يكون لك إلا مراد واحد، وهو مراد الله، إرادة وجه الله:
وَحَقِيقَةُ الإِخْلاص تَوْحِيدُ المُرَا | دِ فَلاَ يُزَاحِمُهُ مُرَادٌ ثَانِي |
والصِدْقُ تَوْحِيدُ الإِرَادَةِ وَهُوَ بَذ | لُ الجَهْدِ لاَ كَسَلاً وَلاَ مُتَوَانِ |
الصدق هو إيش؟ توحيد الإرادة، يعني توحد إرادتك لله فلا تريد غير وجهه، وهو بذل الجهد لا كسلًا ولا متواني.
ثم ذكر توحيد المتابعة، المتابعة للرسول ﷺ، وهي تجريد المتابعة للنبي - ﷺ - قال:
وَالسُّنَّةُ المُثْلى لِسَالِكِهَا فَتَوْ | حِيد الطَّرِيقِ الأَعْظَمِ السُلْطَانِ |
السنة المثلى لسالكها توحد الطريق الأعظم السلطان، الطريق المثلى إلى الله إنما عن طريق الرسول ﷺ سدت الطرق إلا من طريق الرسول ﷺ توحد الرسول ﷺ في المتابعة، توحد الله في العبادة والإخلاص، وتوحد الرسول ﷺ في المتابعة، قال:
فلواحِدٍ كُن وَاحِداً فِي وَاحِدٍ | أَعنِي سَبِيلَ الحَقِّ وَالإِيمَانِ |
طالب: توحيد الإرادة يا شيخ، كيف يكون توحيد الإرادة، إرادة الإنسان..
الشيخ:
الإرادة، توحيد الإرادة إرادة الموحد المعبود، معبودك واحد لا تقصد غيره، توحيد الإرادة وهو بذل الجهد لا كسلًا، تبذل جهدك في أن تخلص العبادة لله فقط، ليس له شريك، والصدق توحيد الإرادة وهو بذل الجهد لا كسلًا ولا متواني.
ثم ذكر توحيد المتابعة، المتابعة الرسول ﷺ فقال:
وَالسُّنَّةُ المُثْلى لِسَالِكِهَا فَتَوْ | حِيد الطَّرِيقِ الأَعْظَمِ السُلْطَانِ |
السنة المثلى لسالكها توحيد الطريق الأعظم، الطريق الموصل إلى الله عن طريق الرسول - ﷺ - المتابعة، قال: (فلواحد كن واحدًا في واحد) فلواحد وهو الله، كن واحدًا أنت كن مجتمع الهمة، لا تكن مشتت لله ولغيره، لا، كن واحد، وحد إيش؟ وحد همتك وتوجهك، في واحد، فسره (أعني سبيل الحق والإيمان)، طريق واحد وهو طريق سبيل الإيمان، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، طريق واحد، وهو طريق الإسلام، وهو ما جاء به النبي - ﷺ - شوفوا الآن عندنا ثلاثة أشياء، (فلواحد كن واحدًا في واحد)، فلواحد الأولى هو الله، واحد، كن واحدًا، أنت العابد كن واحدًا أنت، كن واحد في همتك وتوجهك إلى الله، وحد همتك، ولا تكون مشتت لله ولغيره، (في واحد) في طريق واحد وهو طريق الإسلام، أعني سبيل الحق والإيمان:
فلواحِدٍ كُن وَاحِداً فِي وَاحِدٍ | أَعنِي سَبِيلَ الحَقِّ وَالإِيمَانِ |
قال: (وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- الإخلاص بمثل ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال: "الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه") هذا كلام شيخ الإسلام، الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه، إرادة وجهه في العبادة، لا تريد إلا الله بعبادتك، لا تريد مدح الناس ولا ثناءهم، ولا الدنيا، لا تريد إلا الله، أنت تحب الله وتريد وجهه، هذا هو الإخلاص، نعم.
المتن
وأما أقسام العلم النافع الذي يجب معرفته واعتقاده فهو يتضمن ما سبق ذكره، وهو ثلاثة أقسام، ذكرها العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكافية الشافية قال:
وَ العِلْمُ أَقْسَامٌ ثَلاثٌ مَا لَهَا | مِنْ رَابِعٍ وَالحَقُّ ذُو تِبْيَانِ |
عِلْمٌ بِأَوْصَافِ الإلهِ وَفِعْلِهِ | وَكَذَلكَ الأَسْمَاءُ للرّحْمَنِ |
وَالأَمْرُ والنَّهْي الذِي هُوَ دِينُهُ | وَجَزَاؤهُ يَوْمَ المَعَادِ الثَّانِي |
وبهذا تم الجواب عما أوردناه، وصلى الله على محمد، وآله، وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ:
نعم، أما أقسام العلم النافع، قال المؤلف: (وأما أقسام العلم النافع الذي يجب معرفته أو اعتقاده فهو يتضمن ما سبق ذكره، وهو ثلاثة أقسام، ذكرها العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكافية الشافية)، أقسام العلم النافع الذي يجب معرفته، أما العلوم كثيرة، لكن ليست نافعة، العلوم كثيرة، فهي علوم ضارة، مثل علم السحر، علم السحر هذا علم، لكنه علم ضار، العلوم كثيرة منها النافع ومنها غير النافع، ومنها العلوم الدنيوية بأنواعها، علم الطب والصيدلة، هذه علوم دنيوية قد تكون نافعة، وقد تكون غير نافعة.
إذًا العلم النافع ينقسم إلى كم؟ إلى ثلاثة أقسام، العلم النافع ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهو ما بعث الله به نبيه ﷺ قال العلامة ابن القيم:
وَ العِلْمُ أَقْسَامٌ ثَلاثٌ مَا لَهَا | مِنْ رَابِعٍ وَالحَقُّ ذُو تِبْيَانِ |
الأول:
عِلْمٌ بِأَوْصَافِ الإلهِ وَفِعْلِهِ | وَكَذَلكَ الأَسْمَاءُ للرّحْمَنِ |
العلم بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله، هذا القسم الأول، تعلم ربك بأسمائه، سمى نفسه الرحيم تعلم ربك الرحيم، سمى نفسه الرحمن تعلمه بأوصاف، وصف نفسه بالعلو، وصف نفسه بالاستواء، وفعله، أفعال الرب كالخلق والرزق والإماتة والإحياء، إذًا القسم الأول من أقسام العلم النافع العلم بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله.
النوع الثاني الأمر والنهي الذي هو دينه، دين الله، الأوامر والنواهي، الحلال والحام، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ أمر، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا نهي، دين الله، الأمر الثاني تعلم دينه الأوامر والنواهي.
الأمر الثالث القسم الثالث: هو جزاؤه يوم المعاد الثاني، تعلم ما أعد الله من الجزاء في الآخرة للمؤمنين الموحدين، وأن الله أعد لهم الجنة، وأنهم ينالون كرامته، وأن الله يرضى عنهم، وأنهم يرونه في الآخرة، وتعلم أيضًا جزاء من خرج عن التوحيد من المشركين، وأن جزاءهم النار يخلدون فيها، وأنهم محجوبون عن الله، فلا يرونه، إذًا هذه أقسام العلم النافع، كم هي؟
طالب: ثلاثة.
الشيخ: ثلاثة، علم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، الثاني: علم بدين الله الذي هو الحلال والحرام، الأمر والنهي، الثالث: العلم بالجزاء يوم القيامة، جزاء الموحدين وجزاء المشركين، فجزاء الموحدين أنهم في جنة الله وكرامته، والنظر إلى وجهه، وجزاء المشركين الخلود في النار والحجب عن رؤيته، نعوذ بالله، وصلى الله على محمدٍ، وآله وصحبه وسلم.