}7284{، }7285{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لأَِبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ عَنْ اللَّيْثِ عَنَاقًا وَهُوَ أَصَحُّ.
}7286{ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَْمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم [الأعرَاف: 199]{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ *} وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ.
}7287{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَالنَّاسُ قِيَامٌ، وَهِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ قَالَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُسْلِمُ ـ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ فَأَجَبْنَاهُ وَآمَنَّا، فَيُقَالُ نَمْ صَالِحًا عَلِمْنَا أَنَّكَ مُوقِنٌ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ ـ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ».
}7288{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
قوله: «بَاب الاِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» يعني: قبولها والعمل بما دلت عليه من الأقوال والأعمال، والأقوال تشتمل على الأوامر والنواهي والأخبار.
قوله: «وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الفُرقان: 74]{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا *}» هذا من دعاء عباد الرحمن، أنهم سألوا ربهم أن يجعلهم أئمة في الخير يُقتدى بهم، فهم يقتدون بمن سبقهم ويقتدي بهم من بعدهم.
قوله: «أَيِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا» ، أي: نأتم بمن كان قبلنا ويأتم بنا من بعدنا في التقوى، وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: [الأنبيَاء: 73]{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، وأما أهل الضلال ـ والعياذ بالله ـ فهم أئمة يدعون إلى النار كما قال عز وجل في وصفهم: [القَصَص: 41]{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}، وإمام المتقين رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدي به الصحابة والأئمة وهكذا، والأنبياء يقتدي بعضهم ببعض ويقتدي بهم من بعدهم.
قوله: «هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا، وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ» هذه وصايا ابن عون، فالإنسان بحاجة إلى أن يتعلم السنة ويعمل بها، كما أنه عليه أن يمر على القرآن كله من أوله إلى آخره ويتفهمه ويتأمل معانيه ويقرأ تفسيره، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا معانيها والعمل بها وقد ذم الله أهل الكتاب لكونهم لا يعلمون من كتابهم إلا مجرد التلاوة فقال: [البَقَرَة: 78]{وَمِنْهُمْ أُمِيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ}، أي: إلا مجرد التلاوة وقال سبحانه: [النِّسَاء: 82]{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا *}، وقال: [محَمَّد: 24]{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا *}.
قوله: «وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ» ، يعني: يكفوا شرهم، وهذه الثلاثة التي قالها ابن عون ينبغي لكل مسلم أن يعمل بها.
}7275{ قوله: «جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ» ، وهو شيبة بن عثمان الحجبي الذي معه مفاتيح الكعبة «قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا» ، يعني: في المسجد الحرام «فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» يعني: الكنز الذي في الكعبة من الذهب والفضة فـ «صفراء» أي: الذهب و «بَيْضَاءَ» : الفضة، يعني: همَّ عمر أن يقسم الذهب والفضة الذي في الكعبة بين المسلمين قال ابن بطال: «أراد عمر قسمة المال في مصالح المسلمين».
قوله: «مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ» ، أي: لست بفاعل هذا.
قوله: «لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ» ، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
قوله: «هُمَا الْمَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا» ، هذا هو الشاهد الاقتداء بأهل الخير وأهل التقوى ونبينا صلى الله عليه وسلم أتقى الناس، ثم يليه أبو بكر أتقى الناس بعد الأنبياء، فعمر يقتدي بهما، والاقتداء يكون بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأهل الخير وبالمتقين في أفعالهم التي يستنون بها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعملون فيها بكتاب ربهم.
}7276{ قوله: «فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ» ، يعني: في أصل قلوب الرجال.
قوله: «وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَرَءُوا الْقُرْآنَ وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ» ، هذا هو الشاهد أن العمل بالقرآن والسنة هو الواجب على المسلم، وأن الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وكتاب ربه هو طريق السعادة وطريق النجاة، وهو الذي يفعله المتقون ويقتدى بهم.
}7277{ قوله: «إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . هذه المقالة من عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كأنها موعظة بيَّن فيها فضل كتاب الله وفضل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الأثر فضل الاعتصام بالكتاب والسنة، فمن اعتصم بالكتاب والسنة فقد اعتصم بأحسن الحديث وأحسن الهدي، ومن خالفهما وأحدث حدثًا يخالف ما فيه الكتاب والسنة، فقد وقع في شر الأمور وقد أحدث في الدين؛ ولهذا قال: «وَشَرَّ الأُْمُورِ مُحْدَثَاتُهَا» ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها في «الصحيحين»: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»[(438)] وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(439)] .
وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى كلام الشافعي رحمه الله هنا أن المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئًا وقال: فهذه محدثة غير مذمومة وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة، والمقصود البدعة من جهة اللغة، وإلا فما أحدث من الخير لا يسمى بدعة، مثلما فعل عمر حين جمع الناس لصلاة التراويح في رمضان.
قوله: « [الأنعَام: 134]{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ *}» هذه الآية أراد عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن يختم بها موعظته؛ ليختم بشيء من القرآن يناسب الحال ومعناها: ما وعدكم الله سوف يحصل، ولستم بمعجزين الله فلا تفلتون منه ولا تفوتون عليه بل هو قادر عليكم متى ما أراد جاء بكم.
}7278{، }7279{ قوله: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» ، هذا هو الشاهد أن السنة داخلة في الكتاب فيطلق عليها كتاب الله، فكتاب الله إذا أطلق يشمل الكتاب والسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قضى بالجلد والتغريب ومعلوم أن التغريب في السنة، كما أن شهادة أن لا إله إلا الله إذا أطلقت وحدها دخلت فيها شهادة أن محمدًا رسول الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله إذا أطلقت وحدها دخلت فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا اجتمعتا صارت الشهادة الأولى فيها إثبات الوحدانية لله، والثانية إثبات الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم، كذلك الكتاب والسنة إذا اجتمعا صار الكتاب هو الكتاب العزيز الذي أنزله الله، والسنة هي هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر، فمن اعتصم بكتاب الله وتحاكم إليه وحكَّمه فهو السعيد.
}7280{ قوله: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» ، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن طريق النجاة والسعادة في طاعة الله ورسوله، وأن طريق النار هو عصيان الله ورسوله.
ففيه: دليل على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة.
}7281{ قوله: «وَهُوَ نَائِمٌ» ، النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في يقظته وفي نومه ورؤيا الأنبياء وحي.
قوله: «مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً» ، يعني: طعامًا ووليمة.
قوله: «وَبَعَثَ دَاعِيًا» يدعو الناس إلى دخول الدار والأكل من المأدبة.
قوله: «أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا» ، فيه: تأويل الرؤيا، وتأويل الرؤيا: تفسيرها وتعبيرها، وتأويل الكلام يعني: تفسيره وتوضيحه.
قوله: «وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ» ، يعني: الإيمان به يفرق بين الناس، فمن آمن به صار من أهل الجنة ومن أهل السعادة، وومن كفر به فهو من أهل الضلال والشقاوة ومن أهل النار.
}7282{ قوله: «يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا» يعني: على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واسلكوا طريق الاستقامة بالتمسك بأمر الله قولاً وفعلاً.
قوله: «فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا» ، التقدير: استقيموا فإن استقمتم فقد سبقتم سبقًا بعيدًا وحذف للعلم به.
والشاهد: أن من استقام فقد اعتصم بالكتاب والسنة، ومن اعتصم بالكتاب والسنة فهو الناجي.
}7283{ قوله: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ» ، يعني: من الهدى والعلم.
وفيه: ضرب المثل، والأمثال فيها عظة وعبرة وفيها الانتقال من الأمر المعنوي إلى الأمر الحسي، والله تعالى يضرب الأمثال في القرآن، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ» ، أي: يريدون أن يجتاحوكم، فخذوا حذركم واستعدوا.
قوله: «وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ» ، قيل: النذير العريان هو رجل كان في مكان بعيد عن قومه يراهم من بعد ولا يسمعون كلامه، فرأى العدو يسير إليهم وهم لم يروه وهو يريد أن يحذرهم من العدو فجعل يلوح بثوبه ويقول: النجاة النجاة، العدو مصبحكم، فمن شدة نصحه خلع ثوبه وصار عريانًا، فجعل هذا مثلاً يضرب.
قوله: «فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا» ، أي: قالوا: هذا ناصح فهربوا من العدو فكان في هذا نجاتهم.
قوله: «وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ» ، أي: قالوا: لا هذا ليس بصحيح.
قوله: «فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ»؛ الاجتياح استئصال واستيلاء كامل، وهذا العدو اجتاحهم يعني: قضى عليهم عن بكرة أبيهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ» . المراد أنه يسلم وينجو من النار ويكتب له السعادة، «وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ» ، والتقدير أنه يُهلك نفسه في النار، وهذا مثل من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل من عصاه.
}7284{، }7285{ قوله: «وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ» فمنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من منع الزكاة، ومنهم من عبد الأوثان، فهم أبو بكر رضي الله عنه لقتالهم، ولكن عمر رضي الله عنه توقف في أول الأمر وجعل يحاور الصديق، ويقول: «كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ» وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله «وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»» ، فهؤلاء الناس يشهدون أن لا إله إلا الله وعصموا بكلمة التوحيد، فقال الصديق رضي الله عنه: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ» ، وهذا فقه عظيم من أبي بكر اسْتُنْبِطَ من قول النبي صلى الله عليه وسلم «إِلاَّ بِحَقِّهِ» فقاتل من منع الزكاة وقال: إن الزكاة من حق الشهادتين فمن ترك الزكاة ترك حقًّا من حقوق التوحيد، والصلاة حق من حقوق التوحيد، ثم قال الصديق: «وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ» وفي رواية: «لو منعوني عقالاً»[(440)] ، والعقال: هو الحبل الذي يربط به يد البعير.
فلم يزل عمر رضي الله عنه يحاور الصديق رضي الله عنه حتى شرح الله صدر عمر للذي شرح له صدر أبي بكر ورأى أن القتال حق، وانشرح صدر الصحابة حتى أجمعوا على قتال المرتدين.
ولكن جاء في الحديث الآخر وهذا لم يبلغ الصديق وعمر رضي الله عنهما: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة»[(441)] ؛ ولو كانت هذه الرواية بلغت الصديق رضي الله عنه لاحتج عليه بها، ولو كانت بلغت عمر رضي الله عنه ما حاور الصديق رضي الله عنه فقوله: «ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» نص في قتال من منع الزكاة.
والشاهد من الحديث الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع أمره.
قوله: «قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ عَنْ اللَّيْثِ عَنَاقًا وَهُوَ أَصَحُّ» والعناق: هي السخلة من ولد الغنم يكون لها ستة أشهر، أي: يقول: لو منعوني سخلة واحدة لقاتلتهم.
}7286{ هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قدوم عيينة بن حصن على ابن أخيه الحر بن قيس وكان الحر «مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ،» ، أي: يحضرون مجلس عمر رضي الله عنه.
قوله: «وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا» فيه: فضل عمر رضي الله عنه؛ فإنه كان يعقد مجلسًا للقراء فيشاورهم في الأمور التي تنزل به، وكثير من الناس الآن يفتي في مسألة لو كانت في زمن عمر رضي الله عنه لجمع لها القراء، ولكنه لا يبالي بسبب قلة الورع وقلة الديانة وضعف الإيمان، فكان عمر رضي الله عنه إذا نزلت به نازلة جمع القراء وكان منهم الحر بن قيس فجاء عمه عيينة بن حصن وهو من الجفاة من البادية فقال لابن أخيه الحر: «يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَْمِيرِ» يعني: عمر «فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟» ، فاستأذن الحر لعمه وقال لعمر: إن عمي سيزورك، فلما دخل عليه تكلم بالباطل فهو من البادية جاف غليظ الطبع، وأمير المؤمنين عمر الذي يضرب به المثل في العدالة تكلم فيه بهذا الكلام السيئ فقال: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ» أقسم «مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ» ، أي: لا تعطي الناس حقوقهم ولا تحكم فيهم بالعدل، «فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ» ؛ لأنه أساء الأدب، فقال ابن أخيه الحر: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: [الأعرَاف: 199]{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ *} وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ» ، أي: لا تؤاخذه ولا تعاقبه إن هذا جاهل، وإذا كان الله أمر نبيه أن يعرض عن الجاهلين فلك أسوة به، قال: «فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ» ، أي: ما تكلم ولا بكلمة لما ذكَّره بالآية وتركه، وأعرض عنه حتى خرج.
والشاهد من الحديث: وقوف عمر رضي الله عنه عند كتاب الله؛ فالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله هو النجاة وهو السعادة، وقوله: «وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ» يشمل وقوفه عند كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
}7287{ قوله: «وَالنَّاسُ قِيَامٌ» ، أي: يصلون صلاة الكسوف.
قوله: «وَهِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي» ، أي: عائشة تصلي خلف الرجال.
قوله: «مَا لِلنَّاسِ» ، أي: ماذا يعملون؟ ولماذا يصلون؟
قوله: «فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ» ، أي: انظري إلى الكسوف؛ ففيه: دليل على أن الإشارة في الصلاة لا بأس بها، وأن المصلي إذا أشار في الصلاة بإشارة نعم أو لا فلا يؤثر ذلك في الصلاة، فقالت أسماء: «آيَةٌ» تعني آية من الآيات، فأشارت عائشة برأسها: «أَنْ نَعَمْ» ، فأشارت مرتين الأولى بيدها نحو السماء والثانية برأسها.
قوله: «فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ» فيه: مشروعية الموعظة بعد صلاة الكسوف، والخطبة في مكانه ولا يلزم أن يكون على المنبر.
قوله: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» ، وجاء في الحديث الآخر أنه صورت له الجنة والنار أو مثلت له الجنة والنار، ودلي له عنقود من الجنة حتى كأنه يتناول شيئًا حتى تقدم وتقدمت الصفوف، ورأى النار فتكعكع وتكعكعت الصفوف فقال: «لم أر مثل اليوم في الخير والشر»[(442)] .
قوله: «وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ» فيه: إثبات الفتنة في القبر وسؤال منكر ونكير.
قوله: «فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ فَأَجَبْنَاهُ وَآمَنَّا» ، هذا هو الشاهد وهو إيمان المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم وإجابته له واتباعه لسنته صلى الله عليه وسلم؛ حيث اعتصم بالكتاب والسنة فكان في اعتصامه النجاة من عذاب القبر.
قوله: «فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ» فالمنافق يقول هذا؛ لأنه لم يعتصم بالكتاب والسنة فهلك.
}7288{ هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ختم به المؤلف رحمه الله هذا الباب.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثرة السؤال، وبين أن هلاك الأمم السابقة بكثرة السؤال والاختلاف على الأنبياء، وأمر باجتناب المنهيات وتركها كلها بالمرة، وفعل الأوامر على حسب الاستطاعة، كما قال الله تعالى: [التّغَابُن: 16]{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
والشاهد من الحديث: وجوب الإتيان بالأوامر والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في حدود الاستطاعة، فمن امتثل أوامر الكتاب والسنة واعتصم بهما فقد نجا.
والمراد بقوله: «بِسُؤَالِهِمْ» الأسئلة التي فيها تعنت أو التي لم تقع، كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا.
قال بعضهم: إن المناهي يستثنى منها ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وغيره. وعلى كل حال فإن المكره إذا كان إكراهه ملجئًا فهذا معفو عنه.
واستدل بالحديث على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك.
قال البغوي في «شرح السنة»: «المسألة وجهان:
أحدهما: ما كان على وجه التبيّن والتعلم فيما يُحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز مأمور به؛ قول الله تعالى: [النّحل: 43]{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *}، وقال الله تعالى: [يُونس: 94]{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} وقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسائل فأنزل الله سبحانه وتعالى بيانها في كتابه، كما قال الله عز وجل: [البَقَرَة: 189]{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ}، [البَقَرَة: 222]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ} [الأنفَال: 1]{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ}.
والوجه الآخر: ما كان على التكلف، فهو مكروه »[(443)] ، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وهو المراد في هذا الحديث، ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف له، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات[(444)]. قال الأوزاعي: هي شداد المسائل. وقال الأوزاعي أيضًا: إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علمًا. وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل» اهـ.
مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: [المَائدة: 101]{لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
}7289{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ».
}7290{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ، ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ».
}7291{ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا: فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ غَضِبَ وَقَالَ: «سَلُونِي» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ» فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْغَضَبِ قَالَ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عز وجل.
}7292{ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُْمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ.
}7293{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ.
}7294{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، ح وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا، قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي» فَقَالَ: أَنَسٌ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النَّارُ» فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ » قَالَ: ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي سَلُونِي، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ».
}7295{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلاَنٌ» وَنَزَلَتْ [المَائدة: 101]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآْيَةَ.
}7296{ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟!
}7297{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ. فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنْ الرُّوحِ، فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ ثُمَّ قَالَ: [الإسرَاء: 85]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.
قوله: «بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ» المراد كراهة التحريم؛ لأن الكراهة إذا أطلقت في عرف السلف وكذلك في القرآن والسنة يراد بها كراهة التحريم؛ فالله تعالى لما ذكر الشرك وعقوق الوالدين والقتل والزنا وتطفيف المكيال والميزان والكبر قال: [الإسرَاء: 38]{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *} وفي الحديث: «إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وعقوق الأمهات ومنع وهات»[(445)] ، فقال: كره وهذه محرمات.
وقد تأتي الكراهة بمعنى كراهة التنزيه كما عند المتأخرين، وكما في قول أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها[(446)].
والمسائل التي يكره للسائل أن يسألها أنواع:
النوع الأول: الأسئلة التي تكون على وجه التعنت والتكلف.
النوع الثاني: الأسئلة تكون على وجه الإعنات للمسئول، وإيقاعه في الحرج والعنت والضيق فبعض الناس يسأل عن أشياء لم تقع أو عن أشياء فيها إشكال أو يفاجئه مفاجأة ما قصد منها الفائدة قصده إيقاع المسئول في الحرج وإغلاطه.
النوع الثالث: الأسئلة التي تكون على وجه الاختبار للمسؤول وتعجيزه.
النوع الرابع: السؤال على وجه الرياء وإظهار فهم السائل ليرائي الناس، والرياء شرك.
أما السؤال إذا كان على وجه الاسترشاد والتعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين ويقصد منه الفائدة فهذا جائز بل ومأمور به؛ لقول الله تعالى: [النّحل: 43]{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *}، وأما قوله تعالى: [المَائدة: 101]{لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، فهي المسائل التي على وجه التعنت أو على وجه الرياء، وهذا هو الجمع بين النصوص.
وقال بعض العلماء: المراد بالسؤال المنهي عنه سؤال المال، لكن هذا مرجوح، وإن كان سؤال المال منهيًّا عنه إذا لم يكن محتاجًا إليه، لكن ليس داخلاً في هذا، فسؤال المال منهي عنه لأدلة أخرى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر»[(447)] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»[(448)] .
فالمراد بالسؤال هنا في الآية سؤال العلم لكن على هذه الأوجه السابقة.
}7289{ قوله: «مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» ، هذا من الأسئلة المنهي عنها أن يسأل المسلم عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته؛ لأنه تسبب في إعنات المسلمين وإيقاعهم في الحرج، وفي حجة الوداع لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «لو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم» ، وقال: «ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم»[(449)] .
وهذا خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بانقطاع الوحي زال المحظور بالنسبة للتحريم والتحليل، لكن يبقى النهي عن التعنت، وإيقاع الناس في الحرج، وإظهار الرياء.
وكذلك السؤال عن الفرضيات والأشياء التي لم تقع؛ ولهذا كثير من السلف إذا سئل عن شيء يقول: هل وقع؟ فإذا قيل: لا، قال: دعنا نحن في عافية حتى يقع.
}7290{ قوله: «اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ» ، أي: جعل الحصير حاجزًا بين الناس وبين المسجد.
قوله: «حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ» ، أي: صاروا يصلون وراءه وبينهم الحاجز من الحصير، إلا أن بعض الناس يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يقتدون به ويأتمون به في صلاة الليل.
قوله: «فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ» ، أي: في ليلة من الليالي لم يخرج من بيته، ومعروف أن بيت النبي صلى الله عليه وسلم بجوار المسجد، «فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ» رغبة في الخير من قيام الليل خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ» ، والمعنى أن عملكم هذا قد يكون سببًا في فرضية قيام الليل عليكم، ولو فرض عليكم قيام الليل ما استطعتم.
قوله: «فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ» المراد هنا :صلاة النافلة، وليس المراد الفريضة، وهذا فيه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، كما وصفه الله سبحانه: [التّوبَة: 128]{بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *}، حيث صلى بهم بعض الليالي فلما رآهم اجتمعوا خشي أن يُفرض عليهم القيام فجعل يصلي في بيته رأفة بأمته صلى الله عليه وسلم.
والشاهد من الحديث: اجتماعهم، وهذا مما يكره من التكلف كما في الترجمة.
قوله: «فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ» ، أي: الفريضة، وهذا دليل على أن صلاة النوافل في البيوت أفضل منها في المسجد، وهذا عام في مكة والمدينة وغيرهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في المدينة والصلاة في المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة، فعلى هذا إذا صلى المسلم في المسجد الحرام أو صلى في المسجد النبوي الفريضة، فالأفضل أن يصلي السنة في بيته، وكذلك المرأة صلاتها في البيت أفضل.
لكن صلاة النافلة التي تشرع لها الجماعة في المسجد أفضل، كصلاة التراويح وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء، وأما ما لا تشرع لها الجماعة كصلاة الضحى وصلاة الليل وتحية المسجد وسنة الوضوء وغيرها من السنن الرواتب قبل الصلاة وبعدها تصلى في البيت أفضل.
}7291{ حديث أبي موسى رضي الله عنه فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أشياء كرهها، وأكثر عليه الناس في المسألة حتى أغضبوه، فلما غضب قال: «سَلُونِي» ، وفي رواية أخرى فصعد المنبر وقال: «لا تسألوني عن شيء في مقامي هذا إلا أخبرتكم به»[(450)] وهذا قاله بوحي من الله «فَقَامَ رَجُلٌ» يقال له عبدالله بن حذافة، وكان إذا تلاحى مع الناس نسبوه إلى غير أبيه، فأراد أن يعرف هل نسبه إلى أبيه صحيح أم لا فقام فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» ، وفي الحديث الآخر قالت له أمه في دارهم: ما رأيت ابنا أعق منك، ألا تخشى أن تكون أمك قارفت ما يقارفه أهل الجاهلية فتفضحها في هذا الموقف؟! قال: أريد أن أعرف أبي والله لو نسبني إلى كذا أو إلى مولى لانتسبت إليه[(451)]، فثبت نسبه.
وقام آخر فقال: «مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ»» ، وفي لفظ آخر: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: «النار» وجعل يقول: «سلوني سلوني».
وقوله: «فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْغَضَبِ قَالَ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عز وجل» ، في اللفظ الآخر: «فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً» حتى سكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم».
والشاهد من الحديث: غضب النبي صلى الله عليه وسلم من إكثارهم عليه المسألة.
وفيه: أنه لا ينبغي الإكثار من المسألة وإيذاء المسؤول.
ومناسبة هذا لكتاب الاعتصام، أن من الاعتصام بالكتاب والسنة عدم الإلحاح في المسائل، وعدم إعنات المسؤول وعدم السؤال عن الفرضيات التي لم تقع.
}7292{ قوله: «كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، أي: بعدما يسلم من الصلاة يشرع له أن يقول هذا، وجاء في الحديث الآخر أنه يقول أولاً: «أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله» ، ثم يقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام»[(452)] ، ثم ينصرف إلى المأمومين إذا كان إمامًا، ثم يقول: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، فالأحاديث يضم بعضها إلى بعض، فيؤخذ بحديث المغيرة وحديث ثوبان، ثم يقول بعد ذلك: «لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»[(453)] فيجمع بين الأحاديث ثم يقول: «اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ، يعني: من أعطاه الله شيئًا لا أحد يستطيع منعه، ومن منعه الله شيئًا لا أحد يستطيع أن يعطيه، والجد يطلق على الحظ كالجاه والسلطان والمال، ويطلق الجد على أبي الأب، ويطلق الجد على العظمة كقوله صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح: «وتعالى جدك»[(454)] أي: ارتفعت عظمتك، والمراد هنا الحظ، والمعنى أن صاحب الحظ لا ينفعه حظه عند الله إلا إذا استعمله في طاعة الله، فإذا كان شخص رئيسًا أو غنيًّا أو له جاه، فكل هذا لا ينفعه عند الله ولا ينجيه من عذاب الله بمفرده فإذا وجهه لطاعة الله نفعه؛ ولهذا قال الله تعالى نفيًا لما يعتقده الإنسان: [الفَجر: 15-17]{فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ *كَلاَّ بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ *} فالإنسان يظن أنه إذا أكرمه الله ونعمه وأعطاه من المال ظن أن هذا كرامة، وإذا ابتلاه وضيق عليه رزقه ظن أن هذا إهانة، كلا ليس التوسيع في الرزق دليل على الكرامة ولا التضييق دليل على الإهانة، بل إنه ابتلاء وامتحان.
وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُْمَّهَاتِ،
قوله: «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ» ، يعني: كون الإنسان يقول: قالوا كذا وقيل كذا فيقع في الكذب، وكما جاء في الحديث الآخر: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»[(455)] . فينبغي للإنسان أن ينتخب مما يسمع، وليس كل شيء يسمعه يتحدث به فالإنسان له أذنان ولسان واحد فيجب أن يسمع أكثر مما يتكلم.
قوله: «وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ» والمراد: فيما لا يعني: وفي الفرضيات، وتعنتا، ومن أجل الرياء.
قوله: «وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُْمَّهَاتِ» ، يعني: هذا كله من الكبائر، «وَوَأْدِ الْبَنَاتِ» أي: دفن البنت وهي حية، كما كان يفعل بعض أهل الجاهلية، «وَمَنْعٍ وَهَاتِ» يعني: منع الواجب، وأخذ ما لا يستحق من المال وغيره.
والشاهد من الحديث للترجمة: النهي عن كثرة السؤال والنهي للتحريم كما هو معلوم.
}7293{ قوله: «نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ» ، هذا هو الشاهد، ففيه: النهي عن أن يتكلف الإنسان ما لا يعنيه، بأن يسأل عن فرضيات، أو يسأل على وجه إعنات المسؤول وتعجيزه، أو يسأل عن أشياء لم تقع، أو يسأل عن أشياء غير مهمة يضيع بها الوقت.
والواجب على المسلم أن يترك ما لا يعنيه، وأن يسأل عما يهمه من أمر دينه ودنياه وهذا جاء في قول الله تعالى: [ص: 86]{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ *}، فوصف الله نبيه أنه ليس من المتكلفين. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إنما التكلف أن يسأل عن شيء لا يعلمه فيتكلف، وإنما من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم.
}7294{ قوله: «خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ» ، ظاهره أنه وقت الكسوف؛ لأنه قال في آخر الحديث: «لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ» ، وهذا قاله لما صلى الكسوف، فيكون المعنى: حين مالت الشمس إلى وقت الزوال.
قوله: «فَوَاللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا» ، هذا قاله بوحي من الله، وكأن أناسًا أرادوا تعجيزه عن بعض الأشياء فأوحى الله إليه أن يقول لهم: «سَلُونِي» وأن الله يوحي إليه بجواب الأسئلة في الحال، قال أنس: «فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ» ، وفي الحديث الآخر: أن أنسًا كان صغيرًا لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقد كان ابن عشر سنوات، فجعل ينظر إلى الصحابة وكلهم يبكون خوفًا من غضب النبي صلى الله عليه وسلم وخوفًا من أن تنزل عقوبة لغضب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرى أن كل واحد لافًّا ثوبه على وجهه وهو يبكي وله خنين من البكاء.
قوله: «فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النَّارُ»» هذه من الأسئلة المنهي عنها قال الله تعالى: [المَائدة: 101]{لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، فسأل هذا السؤال فأجيب هذا الجواب، وكان في عافية.
قوله: «فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» يريد أن يتأكد من أبيه؛ لأن الناس يشككون في نسبه إلى أبيه فقال: «أبوك حذافة» فثبت نسبه.
قوله: «لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ» ، وفي اللفظ الآخر: «صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط»[(456)] جاء أن هذا في صلاة الكسوف وأنه كشف له عن الجنة والنار وأنهما قربتا منه فدليت له الجنة حتى تدلى له عنقود فقرب منه حتى كأنه يتناول شيئًا، وقربت له النار فتكعكع وتكعكعت الصفوف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» ، فالخير بحذافيره في الجنة والشر بحذافيره في النار فكلها قربت له في مقام واحد.
}7295{ حديث أنس رضي الله عنه، وفيه: النهي عن الأغلوطات والمسائل التي لا تقع والتي يكون في جوابها ضرر على السائل مثل هذا الرجل الذي سأل ـ كما في الحديث السابق ـ فقال: أين مدخلي؟ قال: «النار» نعوذ بالله!
}7296{ قوله: «يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟!» ، جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم قال: قال لي خليلي: «لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله»[(457)] وجاء أن أبا هريرة رضي الله عنه أدركه ذلك فجاءه بعض التابعين وسألوه: وقالوا: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ ثم قالوا: من خلق الله؟ فجعل يحثو في وجوههم التراب، ويقول: صدق خليلي[(458)].
وفي رواية أخرى: «فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته»[(459)] يعني: يقطع التفكير، وسبق أنه عند مسلم: «فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله» ، وفي زيادة أخرى: «ورسله»[(460)] ولأبي داود والنسائي: «فقولوا: [الإخلاص: 1-2]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} ، ثم ليتفل عن يساره ثم ليستعذ»[(461)] وفي لفظ: «فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله»[(462)] وعلى هذا فإذا وجد الإنسان في نفسه هذا التفكير ووسوس له الشيطان فقال: من خلق كذا؟ من خلق ربك؟ فإنه يفعل أمورًا:
الأول: أن يقطع التفكير.
الثاني: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
الثالث: أن يتفل عن يساره.
الرابع: أن يقول: آمنت بالله ورسله.
الخامس: أن يقول: [الإخلاص: 1-4]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *}.
السادس: أن يتشاغل في أمور دينه وأمور دنياه.
فكل هذا مشروع؛ لأن هذه الوسوسة من الشيطان، فالواجب على العبد أن يعتقد أن الله تعالى واجب الوجود لذاته، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، كما أنه الآخر الذي ليس بعده شيء، فلو كان لأوليته بداية لكان معدومًا، فليس لأوليته بداية ولا لآخريته نهاية، ولابد أن يعتقد المسلم أن الله تعالى قديم أزلي وأنه غني عما سواه، وأنه لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، فالله تعالى يقول: [الطُّور: 35]{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *}، وقد ثبت أن جبير بن مطعم جاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية ويصلي بالناس، قال جبير: فكاد قلبي أن يطير[(463)]. فدبت إليه الحياة ثم أسلم بعد ذلك؛ لأن هذه الآية فيها أن المخلوقات إما أن تكون خَلقت نفسها أو خُلقت من غير خالق أو أن لها خالقًا، وهذه القسمة العقلية التي يحاوَر بها الملحد الذي لا يؤمن بالله، فيقال له هذا، وليس هناك قسمة رابعة يتصورها العقل.
أما كونها خلقت نفسها فهذا مستحيل؛ لأنها كانت عدمًا قبل أن توجد، والعدم لا يوجد نفسه.
وأما أن تكون وُجدت من غير موجد كذلك؛ فلا يمكن أن يوجد الشيء بغير موجد، فما دام أنها وجدت فلابد أن لها موجدًا أوجدها.
وإذا كان مستحيلاً أن توجد نفسها ومستحيلاً أن توجد من غير موجد فتعين الأمر الثالث، وهو أن يكون لها موجد، وهذا الموجد الذي أوجدها لابد أن يخالفها في الصفات؛ إذ لو كان مثلها لاحتاج إلى من يوجده، والموجد إلى موجد والخالق إلى خالق وهكذا حتى يتسلسل الأمر، فلابد أن يكون الخالق الذي أوجدها له من الصفات ما يؤهله إلى أن يكون خالقًا، وهو أن يكون واجب الوجود لذاته وجوده من نفسه لا من شيء آخر بخلاف المخلوق، فإن وجوده من إيجاد الله له.
وكذلك أن يكون قديمًا أزليًّا لا بداية لأوليته، وكذلك أن يكون غنيًّا عما سواه لا يحتاج إلى شيء لا من المخلوقات ولا من العرش ولا من الطعام ولا من الشراب؛ فالذي يحتاج إلى شيء لا يصلح للإلهية.
وكذلك لابد ألا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، ولا الأكل ولا الشرب ولا المرض.
}7297{ قوله: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ» ، يعني: زرع.
قوله: «لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ» ، هذا معناه: أن اليهود يعلمون أنه قد يكون جواب السؤال شيئًا يكرهونه.
وفيه: دليل على النهي عن السؤال الذي يخشى منه أن يكون الجواب يكرهه السائل، كما قال الله تعالى: [المَائدة: 101]{لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
قوله: «فَقَامُوا إِلَيْهِ» ، أي: بعدما اتفقوا على أن يسألوه، «فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنْ الرُّوحِ» ثم نزل عليه الوحي فنزل عليه قول الله تعالى: [الإسرَاء: 85]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *}، فالروح من أمر الله لا يعلم أحد كيفيتها ولا كنهها وهي موجودة في الإنسان، موصوفة بصفات ثبوتية وصفات سلبية تصعد وتنزل وتذهب وتقبض، وإذا قبضت الروح تبعها البصر، لكن ما نعرف كيفيتها، لكنها ثابتة لا أحد يستطيع أن ينكرها.
وكذلك أسماء الله وصفاته توافق أسماء المخلوقين وصفاتهم في الاسم، وأما الكيفية والكنه فلا يعلمها إلا الله، فإذا كان مخلوق موجود وموصوف بصفات ثبوتية، ومع ذلك لا نعلم شيئًا عن كيفيته فالخالق من باب أولى، فمثلاً كلمة علم تشمل علم الخالق وعلم المخلوق في الاسم وكذلك في أصل المسمى وأن العلم ضد الجهل، لكن كيفية علم الله وكنهه وحقيقته لا يعلمها إلا هو، وكذلك سائر الصفات.
$ر مسألة: هل النفس هي الروح؟
_خ الجواب: نعم، النفس هي الروح لكن الأغلب أن تسمى روحًا إذا كانت مفردة، وإن كانت في الجسد تسمى نفسًا هذا في الغالب وإلا فيطلق أحدهما على الآخر.
وبعض أهل الكلام يصفونها ببعض صفات البدن فبعضهم يقول: هي الدم، وبعضهم يقول: هي النفس التي تتردد بين جنبي الإنسان، وكل هذا تكلف، والفلاسفة يصفونها بالصفات السلبية لا داخل الإنسان ولا خارجه فيصفونها بما يصفون به واجب الوجود لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق العالم ولا تحته فيصفونها بالعدم وهذا أيضًا من التكلف.
وهذا الحديث فيه: دليل على أن الإنسان علمه قليل، ولا يساوي شيئًا بالنسبة إلى علم الله عز وجل.
الاِقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
}7298{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ» فَنَبَذَهُ وَقَالَ: «إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
هذه الترجمة معقودة للاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم تختلف عن أقواله، فقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان أمرًا فهو للوجوب عند جمهور العلماء، إلا بصارف فيكون للندب، مثل قوله تعالى: [البَقَرَة: 43]{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فهذا أمر للوجوب لأنه ليس هناك صارف، لكن إذا كان هناك صارف قد يكون للندب، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا»[(464)] فالأمر للوجوب، لكن جاء ما يصرفه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قام مرة وقعد مرة، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب فصار القيام للجنازة أفضل والقعود جائز.
أما أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فيها خمسة أقوال أو ستة وذكر أن الأصل فيه قوله تعالى: [الأحزَاب: 21]{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
}7298{ قوله: «اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ» ، كان هذا في أول الإسلام قبل أن ينهى عنه، ثم أوحي إليه بالنهي عنه فنبذه، ثم نبذه الناس خواتيمهم.
وفي هذا الحديث: اقتداء الناس بأفعاله صلى الله عليه وسلم.
لكن هل فعل النبي صلى الله عليه وسلم للوجوب؟ أو للاستحباب؟ أو يحمل على الإباحة؟ أو يحتاج إلى قرينة؟ أو يفصَّل بين التكرار وعدمه؟ أو ينظر في فعله هل هو بيان للمجمل؟
كل هذه أقوال ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال: «قد ذهب جمع إلى وجوبه؛ لدخوله في عموم الأمر بقوله تعالى: [الحَشر: 7]{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، وبقوله: [آل عِمرَان: 31]{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، وبقوله تعالى: [الأنعَام: 153]{فَاتَّبِعُوهُ} فيجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله، حتى يقوم دليل على الندب أو الخصوصية».
هذا القول الأول للعلماء أن أفعاله على الوجوب إلا إذا قام دليل على الندب أو أنه خاص به، مثل قوله تعالى: [الأحزَاب: 50]{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} في المرأة التي وهبت نفسها فهذه خصوصية، وكذلك إذا دل دليل على الندب مثل كونه قام وقعد للجنازة.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال آخرون: يحتمل الوجوب والندب والإباحة فيحتاج إلى القرينة، والجمهور للندب إذا ظهر وجه القربة».
أي: أن مذهب الجمهور وأكثر العلماء أن فعله للندب إذا ظهر أنه للطاعة، أما إذا ظهر أنه من خصوصياته فلا؛ لأنه من الأشياء التي يفعلها بجبلته وطبيعته، مثل عادته في نومه أو في الجلسة التي يجلسها أو في أسفاره وليس على وجه القربة.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقيل: ولو لم يظهر، ومنهم من فصل بين التكرار وعدمه، وقال آخرون: ما يفعله صلى الله عليه وسلم إن كان بيانًا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل وجوبًا أو ندبًا أو إباحة، فإن ظهر وجه القربة فللندب وما لم يظهر فيه وجه التقرب فللإباحة، وأما تقريره على ما يفعل بحضرته فيدل على الجواز، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه ويتعلق بها تعارض قوله وفعله، ويتفرع من ذلك حكم الخصائص، وقد أفردت بالتصنيف، ولشيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي فيه مصنف جليل وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يقدم القول؛ لأن له صيغة تتضمن المعاني بخلاف الفعل.
ثانيها: يقدم الفعل؛ لأنه لا يطرقه من الاحتمال ما يطرق القول.
ثالثها: يفزع إلى الترجيح.
وكل ذلك محله ما لم تقم قرينة تدل على الخصوصية، وذهب الجمهور إلى الأول، والحجة له أن القول يعبر به عن المحسوس والمعقول، بخلاف الفعل فيختص بالمحسوس فكان القول أتم، وبأن القول متفق على أنه دليل بخلاف الفعل، ولأن القول يدل بنفسه بخلاف الفعل فيحتاج إلى واسطة، وبأن تقديم الفعل يفضي إلى ترك العمل بالقول، والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل، فكان القول أرجح بهذه الاعتبارات» اهـ.
مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي الْعِلْمِ
وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالْبِدَعِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [النِّسَاء: 171]{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}.
}7299{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُوَاصِلُوا قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلاَلَ فَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ كَالْمُنَكِّرِ لَهُمْ ».
}7300{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِْبِلِ، وَإِذَا فِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً، وَإِذَا فِيهِ: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً، وَإِذَا فِيهَا: مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً.
}7301{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».
}7302{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَْقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الْحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآْخَرُ بِغَيْرِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلاَفِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: يَا [الحُجرَات: 2- 3]{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ *}.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ ـ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ ـ إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.
}7303{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاء،ِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ» فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُِصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.