شعار الموقع

شرح كتاب أخبار الآحاد من صحيح البخاري(95-443)

00:00
00:00
تحميل
142

 

(95)كِتَاب أخْبَارِ الآحَادِ

مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ

الصَّدُوقِ فِي الأَْذَانِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَْحْكَامِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [التّوبَة: 122]{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ *}.

وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [الحُجرَات: 9]{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فَلَوْ اقْتَتَلَ رَجُلاَنِ دَخَلَ فِي مَعْنَى الآْيَةِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: [الحُجرَات: 6]{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ} وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ.

}7246{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ» وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا «وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

}7247{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى عَنْ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ ـ أَوْ قَالَ: ـ يُنَادِي لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا» وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَمَدَّ يَحْيَى إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ.

}7248{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».

}7349{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ.

}7250{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، ثُمَّ رَفَعَ.

}7251{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.

}7252{ حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: [البَقَرَة: 144]{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الأَْنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ.

}7253{ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأَْنْصَارِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَهُوَ تَمْرٌ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ.

}7254{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَِهْلِ نَجْرَانَ: «لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ.

}7255{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُْمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ».

}7256{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم، قَالَ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَْنْصَارِ، إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَهُ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

}7257{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: «لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » وَقَالَ لِلآْخَرِينَ: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ».

}7258{، }7259{ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}7260{ وحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَْعْرَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: اقْضِ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُلْ: فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَاـ وَالْعَسِيفُ الأَْجِيرُـ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ، وَأَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَام،ٍ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرُدُّوهَا، وَأَمَّا ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ ـ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ ـ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.

 

هذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله في بيان حكم خبر الواحد، وأن قبول خبر الواحد مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة، فهو حجة في العقائد والأحكام، وقد نقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك خلافًا لأهل البدع وأهل الكلام من الجهمية والمعتزلة، القائلين بأن العقائد لا يقبل فيها خبر الواحد ولا تثبت به، وأهل الكلام من الجهمية والمعتزلة متهمون في دينهم فقولهم باطل، والصواب قبول خبر الواحد كما ذكر الإمام البخاري رحمه الله في الأذان وفي الصلاة وفي الصوم وفي الفرائض وفي الأحكام.

والمراد بخبر الواحد ما لم يبلغ حد التواتر، فالواحد والاثنان والثلاثة إلى العشرة كلها أخبار آحاد، ويقابلها الخبر المتواتر، وهو ما رواه جمع كثير يستحيل تواطؤهم في العادة على الكذب عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه، ويكون منتهى السند إلى حسٍّ، والخبر المتواتر يفيد العلم واليقين، والصواب أن خبر الآحاد ـ ولو كان واحدًا ـ إذا صح السند وعدلت رواته يفيد العلم أيضًا، قال بعضهم: يفيد الظن، قال ابن عبدالبر: «إن خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب العلم»[(401)] ، يعني: يعمل به لكن لا يفيد العلم بل يفيد الظن، وقال كثير من الأصوليين: يفيد الظن، وقال بعضهم: إنه يفيد العلم إذا كان مسلسلاً بالأئمة كالإمام الشافعي عن مالك، وقال بعضهم: يفيد الظن إلا أحاديث «الصحيحين»، فإن الأمة تلقتها بالقبول فتفيد العلم، والصواب: أنه يفيد العلم، لكن بعد النظر عند أهل الاختصاص من المحدثين، أي: إذا كان السند صحيحًا فهو يفيد العلم، وهو حجة ولو كان من واحد عن واحد، ولكن إذا كان له طرق متعددة وكان مسلسلاً بالثقات كان أقرب للصدق في أصح أقوال أهل العلم.

قوله: «بَاب مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ» المراد بالإجازة: جواز العمل به والقول بأنه حجة، والرد على من يقول: إن خبر الواحد لا يحتج به.

قوله: «الصَّدُوقِ» هذا قيد، فلابد أن يكون صدوقًا، وإلا فلا يقبل الخبر؛ ولهذا اشترط في المؤذن أن يكون أمينًا وأن يكون صيتًا، فاشترط الأمانة حتى يوثق به، فإذا أذن فإنه يعتمد عليه في دخول الوقت من إفطار الصائم في أذان المغرب وفي امتناع المتسحر في آخر الليل من الأكل، وكذلك في الصلاة يعتمد عليه كما سيذكر المؤلف رحمه الله إذا نبه الإمام ثقة أو اثنان ـ خبر واحد ـ يعتمد عليه، وكذلك في الصوم في الإفطار وفي الإمساك، وكذلك في باقي الفرائض والأحكام، والخطاب متعلق بأفعال المكلفين الذي يفيد الاقتضاء أو التخيير.

ثم صدر المؤلف رحمه الله الباب بآية التوبة، قال تعالى: « [التّوبَة: 122]{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ *}» ُ س ِ : للتحضيض مثل: فهلا، والمعنى ما كان المؤمنون لينفروا كافة في الجهاد بل يبقى طائفة في البلد، فهذا من أمر الله بأن تنفر من كل فرقة طائفة للتفقه في الدين ولإنذار قومهم إذا رجعوا.

قال المؤلف رحمه الله: «وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً» ، ووجه الدلالة أنه إذا نفر واحد وتعلم وتفقه في الدين، ثم رجع ينذر قومه قبل خبره، والدليل على أن الواحد يسمى طائفة ما ذكره المؤلف: «وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [الحُجرَات: 9]{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فلو اقتتل رجلان دخل في معنى الآية» ، فلفظ الطائفة يتناول واحدًا فما فوقه ولا يختص بعدد معين، واستدل أيضًا بقوله تعالى: [الحُجرَات: 6]{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} قيل: إن وجه الدلالة يفهم من مفهوم الشرط والصفة، ولكن الأوضح أن يقال: إن الله تعالى أمر بأخذ الحذر من خبر الفاسق، فإذا لم يكن فاسقًا فهو على الأصل فيقبل قوله.

قوله: «وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ» ، أي: بعث أمراءه إلى الأمصار، فقد بعث معاذًا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن، أحدهما بعد الآخر؛ يعلمون الناس ويقضون بينهم ويقبل الناس أخبارهما وأحكامهما، ولم يشترط أن يكونوا عددًا يبلغ حد التواتر.

قوله: «فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ» ، يعني: لو سها أحد أو غلط يبين له ويرد، فإن لم يسهُ فهذا هو الأصل.

 

}7246{ صدر المؤلف هذا الباب بحديث مالك بن الحويرث.

وفيه: أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد من الشباب، وكان هذا في السنة التاسعة من الهجرة، وهي عام الوفود.

قوله: «وَنَحْنُ شَبَبَةٌ» جمع شاب، وهي بمعنى شباب.

قوله: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ» فيه: ما جبل الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم من الرفق والرحمة والرقة، قال الله تعالى: [آل عِمرَان: 159]{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

قوله: «فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ» ؛ لأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلمهم وبين لهم، وهذا دليل على قبول خبر الواحد؛ لإجازته في تعليمهم وأمرهم والأذان لهم وإمامتهم كل هذا يقبل في خبر الواحد، ولما جاءوا إلى أهليهم ما قالوا: يارسول الله هذه أخبار آحاد لابد أن يأتينا جماعة كثيرون، بل قبلوا خبرهم وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على قبول خبرهم في التعليم والأمر والأذان والصلاة.

قوله: «وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فيه: دليل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم هي الميزان في التخفيف والإطالة، ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أم الناس فليخفف، فإن من ورائه الصغير والضعيف وذا الحاجة»[(402)] فهذا التخفيف بيَّنه فعله صلى الله عليه وسلم قال: «وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وإذا رأينا صلاته صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه يطمئن في صلاته وأن الصحابة كانوا يعدون له في الركوع عشر تسبيحات مع التدبر، وفي السجود عشرًا مع التدبر، وكان إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود جلس حتى يقول القائل: قد نسي[(403)]، فقوله يفسر فعله صلى الله عليه وسلم ولا يتناقضان، فبعض الذين يرون نقر الصلاة ويستدلون بحديث: «من أم الناس فليخفف» يقال لهم: أنتم أهل زيغ؛ تأخذون بعض النصوص وتلقون بالبعض الآخر، خذوا بنصوص السنة كلها، واجمعوا بين القول والفعل، فالقول يفسره الفعل، والتخفيف هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يسبح عشر تسبيحات، لكن لو جاء إمام وسبح خمسين تسبيحة أو عشرين أو ثلاثين، زاد عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: عليك أن تخفف، إذا كان هناك واحد يسبح أربع تسبيحات أو خمسًا أو سبعًا، أو يقرأ عشر آيات أو عشرين آية في صلاة الفجر، ويأتي بعض الناس ويقول: أطلت علينا، يقال له: بل هذه هي السنة وفعل الرسول، أما الذين يريدون أن ينقروا الصلاة نقر الغراب فلا يجب أن يطاعوا.

قوله: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» استدل به على وجوب الأذان لكل جماعة في الحضر وفي السفر، والمشهور عند الحنابلة[(404)] وغيرهم أن الأذان والإقامة فرض كفاية، فإذا قام به من يكفي في البلد كفى، وبعض الناس يتساهلون في الأسفار فيقيمون الصلاة بدون أذان، بل لابد من الأذان؛ لأن ظاهر الأحاديث وجوب الأذان، ولو كان واحدًا أو اثنين أو ثلاثة.

تنبيه:

ما يجري في بعض المرافق العامة من كون الأذان بالتسجيل هذا لا يكفي، بل لابد أن يؤذن مؤذن.

 

}7247{ قوله: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ» ؛ السُّحور ـ بالضم ـ الفعل وهو الأكل، والسَّحور ـ بالفتح ـ الطعام الذي يؤكل، هذا هو الأفصح، مثل الوَضوء والوُضوء، فالوُضوء ـ بالضم ـ الفعل، أما الوَضوء ـ بالفتح ـ فهو الماء الذي يتوضأ به، وقد يطلق أحدهما على الآخر.

قوله: «لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ» ؛ يرجع: من الفعل الثلاثي رجع، يعني: ليرد قائمكم، ومنه قول الله تعالى: [التّوبَة: 83]{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} يعني: ردك، ويجوز ليُرجع قائمكم من الفعل الرباعي أرجع، والمعنى: إذا أذن بلال في آخر الليل وسمع الأذان القائم الذي يصلي الليل عرف أن الفجر قريب فلا يطيل، فيتهيأ لبقية صلاته ثم يوتر.

قوله: «وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» ، فالنائم ينبهه الأذان الذي في آخر الليل حتى يقوم ويتوضأ ويصلي قيامه ويوتر، وهذا يدل على أن الأذان الأول يكون قريبًا من أذان الفجر، أما إذا كان قبله بمدة ـ ساعتين أو ثلاث أو أربع ـ لم يحصل به المقصود؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر: أنه ليس بينهما ـ بين أذان بلال وبين أذان ابن أم مكتوم ـ إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا، يعني: المقصود المبالغة في قصر المدة.

قوله: «وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا» يعني: أن الفجر فجران: فجر كاذب وفجر صادق، الفجر الكاذب يكون خطًّا دقيقًا مثل ذنب السرحان في وسط السماء ثم يظلم، وأما الفجر الصادق فهو الذي يكون معترضًا في المشرق ثم ينتشر ويسفر.

 

}7248{ قوله: «إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ» فيه: مشروعية الأذان في الفجر قبل الوقت إذا كان هناك مؤذن آخر يؤذن مع الوقت حتى لا يغر الناس، أو كان المؤذن هو نفسه يعيد فيؤذن مرة قبل الوقت ومرة مع الوقت.

وفي هذا الحديث والذي قبله: قبول خبر بلال في الأذان وقبول خبر ابن أم مكتوم أيضًا، وهو خبر واحد.

 

}7249{ قوله: «عبدالله» هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؛ لأن علقمة من أصحابه.

قوله: «أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟» وفي لفظ: «فوشوش الناس فسألهم فقيل: أزيد في الصلاة؟».

قوله: «فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» ، وفي لفظ: «فثنى رجليه وسجد سجدتين»[(405)] ، فيه: دليل على أن الزيادة في الصلاة ركوعًا أو سجودًا أو ركعة فإنه يسجد سجدتين قبل أن يسلم إذا علم، لكن هنا سجد سجدتين بعدما سلم؛ لأنه لم يعلم، فلما أخبر سجد سجدتين، وإلا فسجود السهو كله قبل السلام إلا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا سلم على النقص ركعة أو غيرها.

الحالة الثانية: إذا بنى على غلبة الظن، أما إذا بنى وكان عنده شك أو كان فيه زيادة أو ترك التشهد الأول فيكون قبل السلام.

ووجه الدلالة هنا: قبول خبر الواحد لأن القائل: «صَلَّيْتَ خَمْسًا» ، عدد قليل، فهم آحاد لم يصلوا إلى حد التواتر، ومع ذلك قبل النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، فدل على قبول خبر الواحد، والرد على من لم يقبل خبر الواحد من الجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع.

 

}7250{ قوله: «ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ» فيه: دليل على أن من سلم عن نقص فإن سجوده يكون بعد السلام، بعد أن يأتي بما نقص من صلاته، فإذا سلم من رباعية عن ثلاثة أو عن ثنتين ثم تذكر أو ذُكر، فإنه يستقبل القبلة وينوي الدخول في الصلاة، ثم يأتي بالركعة أو الركعتين التي عليه ويسلم منها، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك إذا بنى على غلبة الظن كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه: «فليتحر الصواب، وليتم عليه وليسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم»[(406)] .

أما إذا كان عنده شك وليس عنده غلبة ظن فتكون السجدتان قبل السلام كما في حديث أبي سعيد، وكذلك إذا ترك التشهد الأول.

قوله: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» وفي اللفظ الآخر أنه قال: «لم أنسَ ولم تقصر»[(407)] فقال: بلى قد كان بعض ذلك، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحق ما يقول ذو اليدين؟»[(408)] وفيهم أبو بكر وعمر قالوا: نعم، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه أن جعل نبيه ينسى حتى يكون تشريعًا للأمة، فالحكمة من هذا حتى يعلم الناس ماذا يعملون إذا حصل لهم ذلك في صلاتهم.

وفي الحديث من الفوائد: أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاءه ذو اليدين وتكلم، وفي بعض روايات الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عن ركعتين ثم قام إلى خشبة معروضة في مؤخر المسجد، واتكأ عليها وشبك بين أصابعه كأنه مغضب[(409)]، والصحابة سكتوا لا يدرون ما حدث، يظنون أن هذا تشريع جديد وأن الصلاة قصرت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي.

والشاهد من الحديث: قبول خبر الواحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل خبر الصحابة الذين سألهم وفيهم أبو بكر وعمر وهم لم يبلغوا حد التواتر فدل على قبول خبر الواحد.

وفي هذا الحديث: دليل على أن الواحد إذا شك في خبره ينبغي أن يتثبت فيه، فإذا تكلم واحد بين جماعة وهم سكوت استثبت من خبره؛ ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» كما استثبت عمر من خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان لما جاء أبو موسى رضي الله عنه واستأذن عليه قال: السلام عليكم أأدخل؟ وكان عمر مشغولاً فلم يأذن له، ثم طرق الباب مرة ثانية فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فلم يأذن له، ثم استأذن مرة ثالثة ثم انصرف، وفي لفظ أنه قال: السلام عليكم ورحمة الله، هذا أبو موسى، السلام عليكم ورحمة الله هذا الأشعري، السلام عليكم ورحمة الله، ثلاث مرات ثم انصرف وعمر مشغول فلما فرغ من شغله، قال: ألم أسمع صوت أبي موسى؟ قالوا: بلى استأذن ثلاثًا، قال: علي به، فجاء إليه فقال: ما الذي منعك أن تأتيني؟ قال: إني استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع»[(410)] فقال: لتأتين بمن يشهد معك أو لأجعلنك مأدبة، فذهب مذعورًا إلى الصحابة وقال: من يشهد لي؟ قالوا: هذا أمر معلوم لكل أحد قال: وكأنهم ضحكوا منه، قال: جاءكم أخوكم يطلب منكم ثم تضحكون منه، قالوا: نعم هذا أمر معروف، قالوا: والله لا يذهب معك إلا أصغرنا يذهب معك أبو سعيد؛ لأن هذا أمر معروف عندنا، فجاء فشهد عنده، وفي لفظ: أن أُبيًّا وجماعة قالوا: يا عمر لا تكن عذابًا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أردت أن أستثبت، ثم أيضًا أبو موسى وأبو سعيد كلهم خبر آحاد وقبل خبرهم.

 

}7251{ هذا الحديث حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في تغيير القبلة في مسجد قباء.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وُجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، ثم حولت القبلة إلى الكعبة، وكان أهل قباء بينهم وبين المدينة مسافة، وليس هناك مواصلات كالتي عندنا الآن، فصلى رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد حولت القبلة إلى الكعبة وجاء إلى أهل قباء فوجدهم يصلون إلى بيت المقدس؛ لأنهم لم يبلغهم الخبر، فقال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ» ، وفي لفظ: «أشهد أني صليت مع رسول الله وقد استقبل الكعبة»[(411)] .

قوله: «وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ» ؛ لأنهم كانوا في الصلاة فكانت أول الصلاة إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة، الركعة الأولى إلى بيت المقدس والركعة الثانية إلى الكعبة، استداروا فصار الإمام في مكان المأمومين والمأمومون في مكان الإمام.

وفي هذا الحديث: قبول خبر الواحد.

وفيه: دليل على أن الإنسان إذا اجتهد وأخطأ فإنه لا يؤاخذ بالخطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وقد صلوا الركعة الأولى إلى بيت المقدس، ومثله لو كان الإنسان في برية واجتهد في معرفة جهة القبلة بالعلامات ثم أخطأ ثم تبين له أنه صلى إلى غير القبلة فصلاته صحيحة، أما إذا صلى بغير اجتهاد فعليه أن يعيد الصلاة.

 

}7252{ هذا الحديث فيه: قبول خبر الواحد في الصلاة، والحديث الأول فيه: أن هذا كان في صلاة الصبح، والحديث الثاني فيه: أنه في صلاة العصر، فما الجمع بينهما؟ كما أن الحديث الأول فيه: أنهم أهل قباء، والحديث الثاني ليس فيه أنهم أهل قباء، قال: «وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الأَْنْصَارِ» فهل هي واقعة أو واقعتان؟

_خ الجواب: أنهما حادثتان، الأولى: في نفس الصلاة في نفس اليوم، والثانية: في اليوم التالي.

 

}7253{ قوله: «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي» ؛ لأنه أصغرهم سنًّا فكان يسقي أبا طلحة الأنصاري ـ هو زوج أمه أم سليم ـ وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شرابًا من فضيخ وهو تمر، وكانت خمرهم من التمر يفضخونه ويمرسونه بالماء وبعد يومين أو ثلاثة في شدة الحر يصير خمرًا فيشربونه، وقد يكون من العنب وقد يكون من الشعير وقد يكون من التفاح وقد يكون من غيره، وكان هذا قبل أن تحرم الخمر.

قوله: «فَجَاءَهُمْ آتٍ» ، أي: وهم يشربون، «فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» ، فقبلوا خبره وهو واحد، وهذا هو الشاهد.

قوله: «فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ» ، أي: لماسمعوا مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، جعلوا يتسمعون، فلما سمعوه قبلوا الخبر ـ وهو خبر واحد ـ فكسروها.

وفيه: فضل الصحابة وسرعة امتثالهم إلى أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يكن عندهم تردد، قال تعالى: [الأحزَاب: 36]{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.

}7254{ هذا الحديث في مجيء وفد أهل نجران - وهم نصارى - إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، فلما أرادوا أن يتكلموا معه وقالوا: إنك تسب عيسى، وتقول: إنه عبد الله ورسوله، فقرأ عليهم ما أنزله الله في شأن عيسى فلم يقبلوا، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة، قال تعالى: [آل عِمرَان: 61]{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ *} وجاء في الحديث أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى: [الأحزَاب: 33]{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *} في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنًا وحسينًا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا» قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: «أنت على مكانك، وأنت على خير»[(412)] فلما جعل عليهم كساء سموا أهل الكساء، فلما رأى ذلك أهل نجران خافوا وقال بعضهم لبعض: إنكم تعلمون أنه لو دعا عليكم لا يبقى منكم عين تطرف فقالوا: لا، ماذا تطلب؟ قال: الإسلام أو الجزية أو السيف، قالوا: نعطيك الجزية، فاتفق معهم على أن يعطوه كذا وكذا من الحلل في شهر صفر، وقالوا: ابعث لنا أمينًا؛ حتى يكون بينه وبينهم مفاوضة ويدفعون إليه ما التزموا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» ، وحق: مضاف من إضافة الصفة إلى الموصوف وهو تأكيد، يعني: أمينًا حقًّا.

قوله: «فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: تطلعوا لها حتى عمر، فكل واحد يقول: لعله أنا، ليس حبًّا في الرئاسة بل كل واحد يريد أن ينطبق عليه هذا الوصف أمين حق أمين، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه»[(413)] فجعل الصحابة يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ لا رغبة في الإمارة، ولكن رغبة في الوصف، وإن كان كل مؤمن له هذا الوصف، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم ينص على شخص بعينه أنه يحبه الله ورسوله فهذه منقبة الكل يسعى لها.

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة رضي الله عنه سفيرًا في قبض الجزية، وفي اللفظ الآخر قال: «قم يا أبا عبيدة»[(414)] فدل على قبول خبر الواحد في قبض الجزية، وكذلك في قبض الخراج قد يكون واحدًا ويقبل خبره، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل خبر أبي عبيدة رضي الله عنه في أخذ الجزية ولم يرسل عددًا حتى يقبل الخبر، وهذا الحديث أصل في بعث السفراء بين الدول.

 

}7255{ هذا الحديث فيه: ما سبق في الحديث قبله.

 

}7256{ هذا الحديث حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التناوب في طلب العلم، فهذا عمر رضي الله عنه وصاحب له من الأنصار يتناوبان على النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم؛ لأن سكنهم بعيد، فينزل عمر يومًا أو أيامًا وينزل الأنصاري يومًا أو أيامًا، فإذا نزل عمر وسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسمع الأخبارفأخبر الأنصاري بما علم من الأحكام ومن العلم، وفي اليوم الثاني ينزل الأنصاري ويسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والأحكام، فإذا رجع أخبر عمر بما سمعه، فإذا كان لا يتيسر للإنسان أن يحضر مثلاً درسًا من الدروس فينبغي أن يكون له صاحب يسأله عما حصل ليستفيد منه.

والشاهد: قبول خبر الواحد في العلم والأحكام، فعمررضي الله عنه قبل خبر صاحبه الأنصاري، والأنصاري قبل خبر عمر رضي الله عنه.

 

}7257{ قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا» يعني: سرية.

قوله: «وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً» هذا الرجل من الأنصار، وهو: عبدالله بن حذافة السهمي رضي الله عنه.

قوله: «فَأَوْقَدَ نَارًا» ، الحديث هنا فيه اختصار، وجاء في الرواية الأخرى أنهم أغضبوه، فقال: أوقدوا نارًا، وفي لفظ أنه قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ قالوا: بلى قال: اجمعوا لي حطبًا فجمعوا حطبًا فقال: أججوها نارًا فلما أججوها قال: ادخلوا فيها، فانقسموا إلى طائفتين: طائفة «فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا» وطائفة أخرى قالوا: «إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا» قالوا: نحن آمنا فرارًا من النار كيف ندخل النار؟ «فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» فخاطب كلا من الطائفتين، خاطب الطائفة الذين هموا بالدخول في النار فقال: «لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، يعني: لم يزالوا في العذاب في البرزخ إلى يوم القيامة، وهذا من أحاديث الوعيد، قاله النبي صلى الله عليه وسلم للتحذير والإنذار.

والمعنى: أنهم ارتكبوا كبيرة وليسوا كفارًا، بل هم تحت مشيئة الله، لكن هذا من باب الوعيد، والظاهر أنهم لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة يعني: يستمر العذاب عليهم، يتصل عذاب الدنيا بعذاب الآخرة.

والذي حمله على أمرهم بدخول النار الغضب كما سبق، والغضب لا شك أنه له تأثير في تغيير شعور الإنسان، فلما غضب عليهم لم يتأمل العاقبة، ألا ترى أن موسى عليه السلام لما غضب على قومه حينما رأى قومه يعبدون العجل، حينما ذهب لموعد ربه وأخبره الله أن قومه عبدوا العجل قال الله عز وجل: [طه: 85]{فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} لكنه لم يتأثر فلما جاء ورآهم يعبدون العجل تأثر، فكان في الأول عنده علم اليقين، لكن لما رآهم يعبدون صار عين اليقين شاهد فغضب وألقى الألواح وفيها كلام الله، وأخذ برأس أخيه هارون ولحيته ـ وهو نبي كريم مثله ـ يجره من شدة الغضب، ويقول: كيف تتركهم يعبدون العجل؟ فقال له: [طه: 94]{يَابْنَأُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ} يعني: أنا ما قصرت، وفي الآية الأخرى: [الأعرَاف: 150]{إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} والله تعالى عفا عنه، ولو كان في حالة شعور تام ما كان ليلقي الألواح، فدل هذا على أن الغضبان له شأن، وقد يُعفى عنه ولا يؤاخذ.

قوله: «وَقَالَ لِلآْخَرِينَ:» ، أي: الذين لم يريدوا أن يدخلوها «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» ، وهذا قيد في طاعة الأمراء وولاة الأمور وغيرهم من الآباء والأزواج، وهو أنه يجب أن تكون الطاعة في المعروف لا في المعصية، وهذا القيد يُقيد به جميع النصوص التي فيها الأوامر بالطاعة مثل قوله تعالى: [النِّسَاء: 59]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني: إذا كان في طاعة الله وهذا من المواضع التي قُيد فيها القرآن بالسنة.

والشاهد من الحديث: أن طاعة الأمير ـ وهو واحد ـ واجبة في غير دخول النار وهو دليل على قبول خبر الواحد، وقبول النبي صلى الله عليه وسلم لخبرهم عن الأمير أيضًا.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد