شعار الموقع

شرح كتاب التمني من صحيح البخاري (94-442)

00:00
00:00
تحميل
129

قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْتَ كَذَا وَكَذَا»

}7231{ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَرِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ» إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَحِ قَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ، فَنَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ بِلاَلٌ:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً

بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

 

هذه الترجمة في حكم قول: «لَيْتَ كَذَا وَكَذَا» ، وليت: حرف من حروف التمني يتعلق بالمستقبل غالبًا ويتعلق بالممكن، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ» ، فلا بأس بقول: «لَيْتَ» في الممكن وفي رجاء حصول الخير.

}7231{ قوله: «أَرِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» يعني: سهر.

قوله: «سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ» فيه: فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم له بين أبويه في التفدية يوم أحد، فقال: «ارم فداك أبي وأمي»[(383)] .

وفيه: دليل على أن الحراسة وأخذ السلاح والعدة لا ينافي التوكل على الله، بل هذا من الأخذ بالأسباب.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يُحرس، وقيل: إن هذا كان قبل نزول قوله تعالى: [المَائدة: 67]{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فلما نزلت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُحرس.

قوله: «قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ:» هو البخاري، «وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ بِلاَلٌ:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً

بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ»

هذه أماكن في مكة يتذكرها بلال رضي الله عنه، وكان ذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة فأصابتهم الحمى، وكانت شديدة، فكان بلال إذا أخذته الحمى يتذكر مواضع في مكة ويتمنى الرجوع إليها فيقول هذا البيت.

قوله: «فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم» يعني: أخبرت عائشة رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم بما يقوله بلال رضي الله عنه، وجاء في اللفظ الآخر أنه قال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد»[(384)] يعني: ولم ينكر على بلال تمنيه، وهذا هو الشاهد، فدل على جواز التمني في المستقبل لما فيه فائدة للإنسان إذا كان في أمر مباح.

 تَمَنِّي الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ

}7232{ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ».

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بِهَذَا.

 

هذه الترجمة فيها مشروعية تمني القرآن والعلم؛ لأن هذا من الخير، فتمنيه مشروع ومستحب.

}7232{ قوله: «لاَ تَحَاسُدَ» المراد بالتحاسد هنا: الغبطة، فالحسد نوعان:

النوع الأول: حسد مذموم وهو تمني زوال النعمة عن الغير، وهذا هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

النوع الثاني: حسد غير مذموم ويسمى الغبطة، وهو أن تتمنى أن يكون لك من الخير مثل ما لأخيك، من غير أن تتمنى زوال النعمة عنه، وهذا هو المراد في الحديث.

قوله: «إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ:» يعني: إلا في خصلتين:

الخصلة الأولى: «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ:» يعني: جاره أو صاحبه أو شخص آخر: «لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ» وهذا فيه تمني الخير.

الخصلة الثانية: «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ» ، أي: يكون عنده مال فينفق مثله.

وسبق هذا الحديث بلفظ: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»[(385)] والذي يسلط على هلكة ماله في الحق هو الذي ينفقه في المشاريع الخيرية، والحكمة هي العلم النافع، والقرآن المشتمل على العلم والحكمة، وهنا: «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ» ، وفي لفظ: «يقوم به آناء الليل وآناء النهار»[(386)] .

وفي الحديث من الفوائد: أن من تمنى من الخير مثل ما لفلان من الخير فله مثل أجره، لكن صدق هذا التمني وتحقيقه يكون بالعمل وبذل الأسباب في الحصول على ما تمناه، من الجد في طلب العلم حتى يكون مثله، والجد في كسب المال من الوجوه المشروعة حتى يكون عنده مال فينفق منه.

 مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّمَنِّي

ُ ـ لله   ْ ّ ِ ُ َ ٍ ٌ ً ي ى و ه ن م ل ك ق ف ص ض ط ظ ر ء پف! ! ِ .

}7233{ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَْحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ» لَتَمَنَّيْتُ.

}7234{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَْرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.

}7235{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ».

 

هذه الترجمة فيما يكره من التمني، وفيها أن هناك أشياء تتمنى وأشياء لا تتمنى، فالأشياء الممكنة إذا كانت لمصلحة وكانت في أمور الخير فلا تكره بل تستحب، وأما الأشياء غير الممكنة أو المحرمة فيكره تمنيها.

وقد صدر المؤلف رحمه الله هذه الترجمة بآية النساء: « [النِّسَاء: 32]{وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا *}» فهذه الآية فيها النهي عن التمني بما يكون داعيًا إلى الحسد والتباغض، فلا يتمنى الرجال ما للنساء، ولا يتمنى النساء ما للرجال، فلا ينبغي للمرأة أن تقول: ليتني رجلاً، ولا ينبغي للرجل أن يقول: ليتني امرأة، بل على كل واحد أن يسأل الله أن يرزقه وأن يعطيه من فضله.

}7233{ قوله: «لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ» لَتَمَنَّيْتُ» ، يحتمل أن هذا بسبب ما حصل له في آخر حياته من ظلم الحجاج بن يوسف، فقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أن الحجاج تهدد أنس بن مالك رضي الله عنه، فشكاه أنس رضي الله عنه إلى الخليفة عبدالملك بن مروان، فكتب عبدالملك بن مروان للحجاج كتابًا شديد اللهجة، وقال فيه كما نقل الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»: «لعنك الله من عبد أخفش العينين...»[(387)] إلى آخر كلامه.

ويحتمل أن أنسًا رضي الله عنه قال ذلك بسبب ما حصل من الفتن، لكنه يقول: لا أتمنى الموت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، لكن لو كان جائزًا لتمنيت، والشاهد من الحديث للترجمة ذكر الأشياء التي يكره تمنيها ومنها الموت.

 

}7234{ قوله: «وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا» ، أي: اكتوى سبع كيات؛ لأنه مريض.

قوله: «لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ» هذا من شدة المرض.

وفي هذا الحديث والذي قبله: النهي عن تمني الموت، وأن على الإنسان أن يصبر على المرض، ويصبر على الهموم والأكدار، ويصبر على ما يحصل من الفتن، ويسأل الله الثبات، ولا يتمنى الموت، وثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، فإن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرًا»[(388)] فهذا الحديث فيه: دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت.

 

}7235{ قوله: «عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ» اسمه: سعد بن عبيد، مولى عبدالرحمن بن أزهر.

قوله: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ» ، فيه: بيان الحكمة من عدم تمني الموت، يعني: حياة المؤمن فيها خير، فإن كان محسنًا ازداد من الخير، وإن كان مذنبًا فلعله يتوب فلا يتمنى الموت.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «فإن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرًا»[(389)] .

 قَوْلِ الرَّجُلِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

}7236{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَْحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، يَقُولُ: «لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا نَحْنُ وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّ الأُْلَى ـ وَرُبَّمَا قَالَ: الْمَلاَـ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا» يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.

 

هذه الترجمة فيها جواز قول: «لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا» .

}7236{ قوله: «وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ» فيه: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان ينقل بنفسه مع أصحابه التراب.

قوله: «لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا» يخاطب الرب سبحانه.

ومناسبة الحديث للترجمة هي اشتمال هذا الحديث على قول: «لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا» ، وهذه الصيغة إذا علق بها القول الحق لا يمنع من قولها، بخلاف إذا علق بها ما ليس بحق، وهنا علق بها الهداية.

وفي الحديث من الفوائد:

فيه: جواز إنشاد الشعر والكلمات المشجعة وقت العمل، وقد كان حسان ينشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: استحباب مشاركة الرئيس والكبير رعيته وأصحابه في العمل لتشجيعهم وتنشيطهم.

 كَرَاهِيَةِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ

وَرَوَاهُ الأَْعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}7237{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ».

 

}6739{ قوله: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ» فيه: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني لقاء العدو، وهو في الظاهر يعارض الأحاديث التي فيها جواز تمني الشهادة كحديث: «وددت أني أقاتل في سبيل الله ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل»[(390)] وكذلك تمني أنس بن النضر رضي الله عنه أن يشهده الله مشهد الجهاد في سبيله، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم حين تمنى الشهادة.

والأقرب في الجمع بينهما أن النهي محمول على من يتمنى لقاء العدو ثقة بقوته وعجبًا بنفسه أو رياء ومفاخرة، والجواز محمول على الرغبة في الآخرة، والشوق إلى لقاء الله، والرغبة في إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وتوسعة دائرة الإسلام.

والخلاصة في الجمع بينهما أن حصول الشهادة أخص من اللقاء؛ فلقاء العدو قد يكون للشهادة ولغير الشهادة، فإذا تمنى لقاء العدو للشهادة فلا يمنع، وإذا تمنى لقاء العدو لغير الشهادة فيمنع، فالشرط تمني الشهادة بصدق وإخلاص، ويدل على ذلك الحديث: «من تمنى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»[(391)] .

 مَا يَجُوزُ مِنْ اللَّوْ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: [هُود: 80]{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}

}7238{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» قَالَ: لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ.

}7239{ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ ـ وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاَةِ هَذِهِ السَّاعَةَ».

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الصَّلاَةَ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَلْوَقْتُ لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي».

وَقَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ: رَأْسُهُ يَقْطُرُ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ، وَقَالَ عَمْرٌو «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي».

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «إِنَّهُ لَلْوَقْتُ لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي».

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}7240{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر،ٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ».

}7241{ حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ،عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: وَاصَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آخِرَ الشَّهْرِ، وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}7242{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «أَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: «لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ.

}7243{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَْحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنْ الأَْسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَدْرِ، أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ » قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ» قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أَلْصِقْ بَابَهُ فِي الأَْرْضِ».

}7244{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَْنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الأَْنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَْنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَْنْصَارِ».

}7245{ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَْنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَْنْصَارِ وَشِعْبَهَا» تَابَعَهُ أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّعْبِ.

 

هذه الترجمة فيما يجوز من قول: لو، وقول: لو يجوز في بعض الأحوال، مثل تمني الخير، كأن يقول: لو علمت أن في المسجد حلقة علم لحضرت فهذا لا بأس، ويمنع إذا كان فيه اعتراض على القدر أو تحسر على ما فات.

قوله: «وَقَوْلِهِ تَعَالَى: [هُود: 80]{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي}» ، يعني: حكاية عن لوط لما جاءه قومه، وهذه الآية هي دليل الجواز.

 

}7238{ قوله: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» هذا فيه: دليل على جواز قول: «لو».

وفيه: أن رجم الزاني لا يكون إلا ببينة أو إقرار، وأنه لا يرجم المتهم بالزنا إلا ببينة حتى ولو أعلن ذلك، لكن إذا لم يكن ثم بينة فيؤدب بالضرب والسجن.

 

}7239{ قوله: «رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ» فيه: دليل على التأخير.

قوله: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ ـ وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاَةِ هَذِهِ السَّاعَةَ» ، يعني: أن هذا الوقت هو الفاضل، وفي اللفظ الآخر قال: «إنه لوقتها»[(392)] ، فوقت العشاء الفاضل يكون بالتأخير إلى ثلث الليل؛ ولهذا يقول الحنابلة[(393)] وغيرهم: وتأخيرها ـ أي: العشاء ـ إلى ثلث الليل أفضل إن لم يكن هناك مشقة، لكن في المدن والقرى لا تؤخر؛ لأن هذا فيه مشقة على الناس، لكن لو كان الناس في قرية مثلاً أو في مزرعة أو في برية وليس معهم غيرهم، واتفقوا على تأخير العشاء إلى ثلث الليل فهذا هو الأفضل.

والشاهد من هذين الحديثين: قوله: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ، ففيه: جواز استعمال «لو» وأنه لا بأس به في مثل هذه الحالة.

 

}7240{ قوله: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ، وفي رواية «عند كل صلاة»[(394)] وفي رواية: «عند كل وضوء»[(395)] فيه: مشروعية استعمال السواك عند الوضوء وعند الصلاة.

والشاهد من الحديث: استعمال «لولا» وأنه لا بأس بها في تمني الخير، وأن الممنوع قول لو في الاعتراض على القدر والتحسر على ما فات.

 

}7241{ قوله: «وَاصَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آخِرَ الشَّهْرِ، وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ» واصل بهم اليوم الثامن والعشرين واليوم التاسع والعشرين ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر الهلال وصار ثلاثين لواصلت بكم اليوم الثالث تعزيرًا لهم؛ لأنهم امتنعوا عن الإفطار، لا عصيانًا له ولكن رغبة في الخير، فهم يريدون أن يفعلوا مثله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين لهم أنه غير مشروع في حقهم.

قوله: «لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ» مُدَّ: بضم الميم، وبي: بفتح الياء، وهذا الشاهد من الحديث.

وفيه: جواز قول «لَوْ» فيما كان جائزًا، وفي تمني الخير.

 

}7242{ قوله: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ» ، الوصال: هو أن يصل الليل بالنهار ولا يفطر، يصوم النهار ثم الليل ثم يصوم النهار وهكذا لمدة يومين أو ثلاثة أو أربعة، والصائم له حالات:

الحالة الأولى: حالة كمال وفضل، بأن يبادر بالفطر من حين غروب الشمس، وفي الحديث القدسي يقول الرب عز وجل: «أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا»[(396)] .

الحالة الثانية: الوصال إلى السحر، بأن يأكل مرة واحدة في السحر فيجعل سحوره عشاءً وسحورًا، وهذا جائز، ولكنه ليس الأفضل.

الحالة الثالثة: أن يصل الليل مع النهار ولايفطر يومًا أو يومين، وهذا مكروه أو محرم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، لكن هذا من خصوصياته، حيث كان يصوم اليومين والثلاثة ولا يأكل في الليل، فأراد الصحابة أن يقتدوا به فقال: «لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى»[(397)] قالوا: يا رسول الله، نريد فعل الخير مثلك، فعزرهم صلى الله عليه وسلم.

وقد اختلف العلماء هل النهي للتحريم أو للتنزيه؟

والصواب: أنه للتنزيه فيفيد الكراهة، والصارف له عن التحريم فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو كان محرمًا لما فعله صلى الله عليه وسلم.

قوله: «إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» اختلف العلماء في معنى الإطعام والإسقاء:

القول الأول: المعنى أنه يطعم بطعام وشراب من الجنة، لكن هذا قول ضعيف؛ لأنه لو كان يأكل طعامًا، ويشرب شرابًا لما كان مواصلاً، وهو قد أقرهم على قولهم: «فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ» .

القول الثاني ـ وهو الصواب ـ: أن الله تعالى يفتح على نبيه من نفحات قدسه ومواد أنسه ما يغنيه عن الطعام والشراب وما يقوم مقامهما كما قال إدريس ابن أبي حفصة[(398)]:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها

عن الركوع وتلهيها عن الزاد

قوله: «فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا» ، يعني: لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ـ رغبة في الخير وظَنًّا منهم أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال شفقة عليهم من المشقة ـ واصل بهم اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين، «ثُمَّ رَأَوْا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: «لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» أي: لو تم الشهر لواصلت بكم يوم الثلاثين، وهذا هو الشاهد من استعمال «لو».

 

}7243{ قوله: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَدْرِ» ، الجدر: هو الجدار، والمراد به الحجر الذي حول الكعبة، ويسمى الحطيم؛ لأنه محطوم من الكعبة، والذي يسميه بعض الناس حجر إسماعيل، وهو ليس لإسماعيل؛ لأنه هو الجزء الذي أخرجته قريش من الكعبة، ولهذا قال العلماء: ستة أذرع ونصف من الحجر كلها من البيت، أما في زمن إسماعيل فما كان فيه حجر.

فعائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنه قالت: «أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟» أي: من الكعبة؟ قال: «نعم» يعني: هو من الكعبة، قالت: «فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟» ، أي: ما سبب إخراجه من البيت؟ قال: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ» ، يعني: قريش لما تصدعت الكعبة وأرادوا أن يبنوها قالوا: لا ندخل فيها إلا نفقة من حلال: فجمعوا المال الحلال فوجدوه لا يكفي لبناء الكعبة، ولم يجدوا إلا مالاً حرامًا، فالأموال كلها من ربا أو زنا أو غيرها من المحرمات، فبنوا جزءًا منها من المال الحلال، وأخرجوا جزءًا منها؛ لأنهم قصرت بهم النفقة.

قوله: «فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟» أي: لماذا رفعوا باب الكعبة فلا يصعد إليه إلا بسلم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا» ، أي: ليتحكموا بأهوائهم، فلا يُدخلون الكعبة إلا من يريدون، وجاء في الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: «ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيًا وغربيًا، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟» قالت: لا، قال: «تعززًا أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط»[(399)] يعني: يضعون سلمًا فإذا رقى من لا يريدون أخذوا السلم فيسقط على الأرض.

قوله: «وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أَلْصِقْ بَابَهُ فِي الأَْرْضِ» ، يعني: لولا أن قريشًا أسلموا حديثًا، ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم لأدخلت الحجر في الكعبة وجعلت باب الكعبة على الأرض، لكن أخاف ألا يتحملوا، فيرتدوا.

وقد أخذ العلماء من هذا الحديث قواعد:

القاعدة الأولى: ترك ما كان فعله مستحبًّا لدفع مفسدة تحصل بفعله، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك تنزيل الباب وإدخال الحجر في الكعبة دفعًا للمفسدة، لأنه خاف أن تنكر قلوبهم.

القاعدة الثانية: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكون الحجر يدخل فهذه مصلحة، لكن كونهم يرتدون عن الدين فهذه مفسدة، فيقدم درء المفسدة على جلب المصلحة.

القاعدة الثالثة: تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، والمصلحتان هما: مصلحة إدخال الحجر داخل الكعبة، ومصلحة بقائهم على إيمانهم، فقدم أعلاهما وهي بقاؤهم على إيمانهم.

والشاهد من هذا الحديث جواز استعمال كلمة «لو».

 

}7244{، }7245{ قوله: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَْنْصَارِ» ، هذا من تمني الخير وفيه: فضل الأنصار رضي الله عنهم؛ لأن الأنصار من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، وفي اللفظ الآخر: «الأنصار شعار والناس دثار»[(400)] والشعار هو الذي يلي الجسد من الثياب، والدثار: هو ما فوق ذلك، وسمي شعارًا لكونه يلي شعر الجسد.

وهذا فيه: دليل على أن المهاجرين أفضل من الأنصار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ» ، أي: لولا فضيلة الهجرة وأني لا أترك فضيلة الهجرة لكنت واحدًا من الأنصار، لكن الهجرة لا أفرط فيها، فالأنصار آووا المهاجرين ونصروا رسول الله، لكن المهاجرين أفضل؛ لأنهم تركوا ديارهم وأموالهم.

وهذان الحديثان فيهما: جواز قول: لو فيما كان جائزًا وفي تمني الخير، وإنما يمنع قولها في الاعتراض على القدر أو التحسر على الماضي.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد