شعار الموقع

شرح كتاب الأذان من صحيح البخاري (10-50)

00:00
00:00
تحميل
114

;  مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ

وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ

}704{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ فِيهَا فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ».

}705{ حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَْنْصَارِيَّ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ أَوْ أَفَاتِنٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِـ [الأعلى: 1]{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}، و [الشّمس: 1]{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *}، و [الليْل: 1]{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *} فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ» أَحْسِبُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ.

قَالَ عَمْرٌو وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءِ بِالْبَقَرَةِ.

وَتَابَعَهُ الأَْعْمَشُ عَنْ مُحَارِبٍ.

}706{ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُوجِزُ الصَّلاَةَ وَيُكْمِلُهَا.

 

وهذه الترجمة فيها أنه لا بأس أن يشتكي المأموم إمامه إذا طول؛ ولهذا قال أبو أسيد لابنه المنذر: «طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ» ؛ لأن ابنه كان الإمام، وهذا أيضًا فيه دليل على جواز صلاة الأب خلف الابن، والرد على من أنكر ذلك من العلماء.

}704{ فيه: أن رجلاً تأخر عن الصلاة من أجل إطالة الإمام، والإمام هو أبي بن كعب رضي الله عنه وكان في قباء يصلي بالناس فافتتح سورة طويلة فأتمها، فشكاه هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ» يعني: فليخفف مع الإتمام تخفيفًا لا يخل بالطمأنينة؛ «فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» وفي لفظ آخر: «وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» [(411)].

 

}705{ قوله: «فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ» يعني نوى الانفراد، فأكمل صلاته منفردًا ثم انطلق إلى أهله.

قوله: «أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ» يعني: ببعيرين يسقي النخل والزرع عليهما.

قوله: «وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ» يعني: أقبل بظلمته.

وكان هذا الرجل متعبًا، فصف مع معاذ، فافتتح معاذ البقرة واستمر، فلم يستطع هذا الرجل ونوى الانفراد، فلما أُخبر معاذ نال منه، وجاء في بعض الروايات أنه قال: «إنه منافق» [(412)] فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ وأرشده أن يقرأ من أوسط المفصل، فقال له: «فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِـ [الأعلى: 1]{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}، و [الشّمس: 1]{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *}، و [الليْل: 1]{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *}» وفي لفظ: «والضحى، والليل» [(413)] «فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ» .

فإذا طول الإمام ولم يتحمل المأموم فهو معذور، وله أن يكمل صلاته منفردًا ويخرج من الجماعة، أما إذا لم يكن معذورًا فليس له ذلك.

وقوله: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ» تحمل على ظاهرها، يعني تفتن الناس حتى ينصرفوا عن الجماعة.

 

}706{ فيه: أن الإيجاز إنما هو بقيد الإكمال، يعني: أن التخفيف إنما يكون مع الإتمام، وليس بالتخفيف المخل؛ وجاء في بعض النسخ من صحيح البخاري: «باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها» : ولهذا قال الإمام البخاري رحمه الله: «باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها» يعني بالإكمال: الطمأنينة في الركوع والسجود والخفض والرفع، والقيام بعد الركوع، والقعود بين السجدتين، فلابد من الطمأنينة، أما ما يفعله بعض الأحناف[(414)] من عدم الطمأنينة عند الرفع من الركوع وبين السجدتين فهذا لا يصح، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء في صلاته أنه إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي، أي مما يطيل، وإذا رفع رأسه من السجدة جلس حتى يقول القائل: قد نسي[(415)]، فلابد من الإتمام في الركوع والسجود والخفض والرفع والقيام والقعود، وإنما الإيجاز يكون بعدم الإطالة في القراءة.

;  مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ

}707{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ».

تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَبَقِيَّةُ عَنْ الأَْوْزَاعِيِّ.

}708{ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ.

}709{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».

}710{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».

وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.

 

}707{ هذا الحديث فيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومراعاته لحال المأمومين.

وفيه: جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد، وخروج النساء إلى المسجد مشروط بالأمن من الفتنة، فإذا أُمنت الفتنة جاز لهن الخروج والصلاة في المسجد، بل جاء النهي عن منعهن فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» [(416)] يعني: إذا أمنت الفتنة وخرجت محتشمة.

وفيه: جواز دخول الصبي المسجد إذا أمن تلويثه.

وأخذ بعض العلماء من هذا الحديث أنه يجوز للإمام أن ينتظر إذا كان راكعًا وأحس بدخول بعض المأمومين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خفف الصلاة لما سمع بكاء الصبي؛ حتى لا يشق على أمه، فكذلك في المقابل يجوز للإمام أن ينتظر المأموم حتى يدرك الركعة، وقال آخرون: بشرط ألا يشق هذا على المأمومين السابقين؛ لأن حقهم مقدم. وقال محمد بن الحسن: «لا يجوز؛ أخشى أن يكون هذا شركًا؛ لكونه يطيل الصلاة من أجل مخلوق».

والصواب أن هذا ليس من الشرك، وأنه إذا أمكن مراعاة الداخل بدون مشقة على المأمومين فلا بأس.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «واستدل به بعضهم على أن من دخل في تطوع ينوي أن يصلي أربعًا فله أن يقتصر على ركعتين، قال ذلك سفيان الثوري، مع قوله بلزوم النوافل بالشروع، فلا إشكال عنده في جواز ذلك. وكذلك لأصحاب مالك قولان فيمن افتتح صلاة النافلة قائمًا، فهل يجلس في أثنائها أم لا؟».

وصلاة النافلة أربعًا يكون في النهار على قول الجمهور أما في الليل فلا يجوز أن يصلي أربعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى» [(417)] وهذا خبر بمعنى الأمر، والمعنى: صلوا في الليل مثنى مثنى إلا إذا نواها وترًا، فله أن يسرد ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا بسلام واحد، أما صلاة النهار ففيها خلاف، فالجمهور على أنه يجوز صلاة أربع ركعات بسلام واحد، ومنع منه بعضهم؛ لأنه وردت عند النسائي زيادة: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» [(418)]، لكن الجمهور طعنوا في زيادة: «والنهار» وقالوا: لا تصح، والأرجح والأفضل أن يسلم من كل ركعتين في النهار أو الليل.

 

}708{ قوله في الحديث: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» فيه: مشروعية التخفيف مع الإتمام في الصلاة، وأنه ليس المراد من التخفيف أن ينقرها نقر الغراب، وأن يخل بالطمأنينة والإتمام.

 

}709{ قوله في الحديث: «فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ» فيه: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته.

 

}710{ قوله في الحديث: «فَأَتَجَوَّزُ» يعني: أخفف.

;  إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا

}711{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ.

 

}711{ فيه: جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، فقد كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء فريضة، ثم يذهب إلى مسجد قومه ويؤمهم، فتكون صلاته بهم له نافلة ولهم فريضة.

وإذا صح اقتداء المفترض بالمتنفل، فيصح اقتداء المتنفل بالمفترض من باب أولى.

;  مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِْمَامِ

}712{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُوذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ» قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ» فَقُلْتُ: مِثْلَهُ فَقَالَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ» فَصَلَّى وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَْرْضَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ صَلِّ فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ.

تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ عَنْ الأَْعْمَشِ

 

قوله في ترجمة الباب: «مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِْمَامِ» فيه: دليل على جواز التبليغ عن الإمام -بأن يرفع بعض المأمومين صوته بالتكبير ـ إن كان صوت الإمام ضعيفًا، مثل ما يحصل الآن في الحرمين.

}712{ قوله: «مَرَضَهُ» هو من باب عَرِج من أفعال العاهات.

وهذا الحديث فيه جواز التبليغ عن الإمام ـ إذا كان صوت الإمام ضعيفًا ـ حيث جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض فجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه، وأبو بكر يقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بأبي بكر، فكان أبو بكر رضي الله عنه كالمبلغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفيه: دليل على أن الأفضل للمريض أن يتحمل حتى يأتي المسجد ويصلي مع الجماعة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تحمل وجاء يهادى بين رجلين، وإن صلى المريض في بيته فهو معذور.

وكذلك فيه: دليل على استحباب التأكد من مشورة النساء والتأمل فيها، فلا تؤخذ مشورة المرأة من أول وهلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ» قالت عائشة رضي الله عنها: «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ» أي: رقيق، لا يُسمع الناس من البكاء، وهي تريد ألا يتشاءم الناس بأبيها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ففطن النبي صلى الله عليه وسلم لمرادها؛ ولهذا قال: «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» يعني: تظهرن شيئًا وتردن غيره. والمقصود أنه يستحب التأمل في مشورة المرأة؛ فلا يؤخذ بها حتى يظهر صوابها، كما أشارت السيدة أم سلمة رضي الله عنها ـ في صلح الحديبية ـ على النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرج إلى الناس ويبدأ بنفسه فيذبح ويحلق، ففعل صلى الله عليه وسلم فتتابع الناس[(419)]، فهذه مشورة ظاهرٌ صوابها.

;  الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِْمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ

وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ.

}713{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِلاَلٌ يُوذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ» فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَْرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه.

 

قوله: «الرَّجُلُ» كأبي بكر في حديث الباب، «يَأْتَمُّ بِالإِْمَامِ» وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، «وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ» وهو أبو بكر رضي الله عنه، فهذا حكم شرعي، وهو أنه لا بأس أن يأتم مأموم بالإمام ـ إذا كان الإمام مريضًا ـ ويبلغ عنه، والناس يقتدون بالمأموم.

ثم ذكر البخاري هذا الأثر المعلق فقال: «وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ» وهذا الأثر فيه شاهد للترجمة، وهو أن من خلف الإمام يأتم به، ومن خلفهم يأتمون بمن ائتم بالإمام.

وقوله: «وَيُذْكَرُ» بصيغة التمريض ـ مع أن الحديث صحيح ـ فيه: دليل على أن البخاري يستعمل صيغة التمريض للضعيف والصحيح، بخلاف صيغة الجزم فإنه لا يستعملها إلا في الصحيح.

والمعلقات في «صحيح البخاري» قسمان:

معلق بصيغة الجزم : كأن يقول: قال فلان كذا. وهذا صحيح إلى من علقه إليه.

ومعلق بصيغة التمريض : كأن يقول: ويذكر عن فلان. وهذا يحتمل أنه ضعيف، ويحتمل أنه صحيح لكن أتى به بصيغة التمريض لأسباب أخرى، كأن يكون مثلاً قد أخذه عن شيخه في حال المذاكرة لا في حال الإملاء والقراءة.

قال ابن بطال: « «بَاب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِْمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ» هذا الباب موافق لقول الشعبي ومسروق، وذلك أنهما قالا: إن الإمام يؤم الصفوف، والصفوف يؤم بعضها بعضًا».

وذلك على خلاف الجمهور، فالجمهور لا يرون أن الصفوف يؤم بعضها بعضًا.

}713{ وحديث الباب سبق أن ذكره المؤلف مرات، ولكنه رحمه الله يكرر الأحاديث، ويبوب الأبواب والتراجم على الحديث الواحد؛ لأجل أن يتفقه فيه ويستنبط الأحكام الشرعية، وهذه من الميزات التي تميز بها صحيح البخاري؛ حتى صار مثلاً بين العلماء قولُهم: فقه البخاري في تراجمه.

والحديث فيه: دليل على أنه لا بأس أن يصلي الإمام الراتب بالناس ولو كان مريضًا، ولو كان لا يستطيع القيام فله أن يصلي بالناس قاعدًا، فإن ابتدأ الصلاة بهم قاعدًا قعدوا، وإن ابتدأ بهم الصلاة قائمًا ثم اعتل وجلس يستمرون قيامًا في أصح قولي العلماء، وإن جلسوا فلا حرج، وله ـ إذا كان مريضًا أو متعبًا ـ أن ينيب من يؤم الناس عنه، فهو بالخيار، وله ـ إذا أتى متأخرًا وقد أقيمت الصلاة وتقدم بهم نائبه أو خليفته ـ أن يتقدم ويؤم الناس، ويتأخر النائب أو الخليفة إذا تقدم الإمام، فإن كان قد فاته شيء من الصلاة أتى بما فاته وينتظره المأمومون، فإذا سلم سلموا معه ـ أي ينتظرونه حتى يكمل صلاته ثم يسلم ويسلمون ـ لكن الأولى في مثل هذه الحال ـ إذا كان الإمام قد فاته شيء من الصلاة ـ ألا يتقدم، وإنما يصلي مع الناس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لما تأخر هو والمغيرة بن شعبة في صلاة الصبح وقدم الناس عبدالرحمن بن عوف فصلى بهم ركعة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة فلم يتقدم، وإنما صلى مع الناس، فلما سلم عبدالرحمن بن عوف قام النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة يقضيان الركعة التي فاتتهما، ففزع الناس لذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحسنتم وأصبتم» [(420)]، ولم يعنفهم، أما في قصة أبي بكر رضي الله عنه فقد جاء وتقدم؛ لأنه جاء في أول الصلاة ولم يفته شيء منها.

وقول عائشة رضي الله عنها: «لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِلاَلٌ يُوذِنُهُ بِالصَّلاَةِ» فيه: أنه لا بأس أن يأتي المؤذن الإمام إذا تأخر وكان بيته قريبًا ويؤذنه بالصلاة.

وفيه: دليل على أنه يستحب ألا يستعجل المأمومون إذا تأخر الإمام، بل ينتظرونه بعض الشيء؛ لأنه أحق بالإمامة، فبعض المأمومين في المساجد يبادرون بإقامة الصلاة قبل أن يأتي موعد الإقامة، والذي ينبغي أن يُنتظر الإمام، إلا إذا كان بينه وبين المأمومين علامة، بأن قال لهم: إذا تأخرت لوقت كذا فصلوا فلا بأس؛ وذلك لأن الإمام له حق الإمامة، فليس لهم أن يختلفوا عليه ويقيموا الصلاة قبل موعد الإقامة وقبل أن يغلب على الظن أنه سيتأخر.

قوله: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ» فيه: دليل على أن للإمام إذا مرض أو كان له عذر أن ينيب عنه من يصلي بالناس، فإن لم ينب قدم الجماعة من يصلي بهم ولا يتأخرون، والنبي صلى الله عليه وسلم هنا أناب أبا بكر؛ لأنه أفضل الناس، فأفضل الناس أولاهم بالإمامة؛ واستدل الصحابة بذلك على أنه أحق الناس بالخلافة؛ ولهذا اختاروه خليفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟!

قوله: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌَ» يعني: رقيق، «وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاس» أي: من البكاء، «فلو أمرت عمر» كي يتقدم ويصلي بالناس؛ لأنه يسمع الناس. ولكن عائشة رضي الله عنها كان لها مقصد آخر ـ كما بينت في رواية أخرى ـ وهو ألا يتشاءم الناس بأبيها، فقد قالت: «إن الناس لابد أن يتشاءموا بمن يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم» [(421)]، فأرادت أن تصرف عنه الإمامة، ولكن هذا الرأي الذي رأته ليس في محله؛ لأن الأولى أن يتقدم الناس أفضلهم.

قوله عائشة رضي الله عنها: «فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» يعني: تظهرن شيئًا وتردن خلافه. وهذا فيه دليل على أنه ينبغي النظر في قول النساء والحذر من كيدهن؛ لأن من كيد المرأة أن تظهر شيئًا وتريد آخر، كما فعلت عائشة رضي الله عنها فأظهرت أن أباها رجل أسيف، وهي تريد ألا يتشاءم الناس به؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» .

وقوله: «فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَْرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ» فيه: دليل على أن المريض لا تجب عليه الجماعة، لكن إذا تحمل وجاء وصلى فهذا أفضل وهو خير له، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء يهادى بين اثنين، رجل آخذ بعضده الأيمن ورجل آخذ بعضده الأيسر حتى أقيم في الصف.

قوله: «فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» يعني :أشار إليه: لتبق مكانك.

قوله: «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا» ؛ لأنه ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، فأتمها وهو قائم، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس؛ لأنه مريض لا يستطيع القيام، فصار النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وانتقل أبو بكر من كونه إمامًا إلى كونه مأمومًا، فدل على أنه لا بأس بانتقال الإمام إلى كونه مأمومًا، وبالعكس؛ أن ينتقل المصلي من كونه مأمومًا إلى كونه إمامًا، كما لو حصل للإمام شيء فله أن يقدم بعض المأمومين ليتم بهم الصلاة، فيكون هذا المقدَّم انتقل من كونه مأمومًا إلى كونه إمامًا.

;  هَلْ يَأْخُذُ الإِْمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

}714{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ.

}715{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.

 

}714{ وحديث الباب الأول فيه دليل على أن الأنبياء يقع منهم السهو؛ لأنهم بشر يصيبهم ما يصيب الناس من السهو والنسيان والأمراض، فهم ليسوا آلهة تعبد من دون الله، وإنما هم رسل كرام يطاعون ويتبعون، وهم مبلغون عن الله، وتجب محبتهم أعظم من محبة النفس والولد، لكن لا يعبدون؛ فالعبادة حق لله، فهو المعبود سبحانه وتعالى، وهو منزه عن الأمراض والأسقام والأكل والشرب والنسيان، قال الله على لسان موسى: [طه: 52]{فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى *}، أما الرسول فينسى؛ لأنه بشر؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «إني بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني» [(422)]، ومن حكمة الله تعالى أن جعل نبيه ينسى؛ حتى يكون في هذا تشريع للأمة، وإلا فماذا يعملون إذا حصل منهم النسيان؟! فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ـ إما الظهر وإما العصر ـ ركعتين ناسيًا، يظن أنه صلى أربعًا، وفي اللفظ الآخر: «أنه قام إلى خشبة معروضة في مؤخر المسجد وشبك بين يديه واتكأ عليها كأنه غضبان، فجاء ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟» فقال: «لم أنس ولم تقصر» [(423)] أي لا زال مستمرًّا صلى الله عليه وسلم في نسيانه. وفي رواية قال ذو اليدين: بلى قد كان بعض ذلك، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الناس: «أحق ما يقوله ذو اليدين؟» قالوا: نعم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم[(424)]. وفي قصة أخرى «أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بعض حجر نسائه» [(425)]، أي: إنه خرج من المسجد ودخل بيته وجاء وأكمل صلاته.

وهذا فيه: دليل على أن الإنسان إذا سلم عن نقص ناسيًا فإنه يتم صلاته ـ ولو تخللها كلام أو حركة أو مشي؛ لأن هذه الحركة والمشي لا تنافي الصلاة ـ فيستقبل القبلة ويجلس، ثم يقوم فيأتي بما فاته، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم، وهذا إذا لم يطل الفصل، وإذا لم ينتقض وضوء المصلي، أو يتكلم بكلام باطل ينافي الصلاة.

وفيه: دليل على أن المصلي إذا سلم عن نقص ـ ركعة أو ركعتين ـ فإن سجود السهو يكون بعد التسليم، وكذلك إذا سلم عن غلبة ظن، يعني شك مثلاً هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ لكن عنده غلبة الظن أنها أربع، فيبني على غلبة الظن ثم يتم صلاته ثم يسلم ثم يسجد سجدتين ثم يسلم، وما عدا ذلك فكل السجود يكون قبل السلام، مثلما إذا سلم عن زيادة، بأن زاد في الصلاة ركعة، أو ركوعًا، أو سجودًا، أو نسي التشهد الأول، أو شك وليس عنده غلبة ظن، ففي هذا كله يكون السجود قبل السلام.

وفيه: دليل على أن الإمام إذا شك يأخذ بقول الناس، أما إن كان على يقين من فعل نفسه عمل بيقينه ولا يأخذ بقول أحد، والمأمومون أيضًا يعملون بيقين أنفسهم، فلا يتبعونه فيما يخالف يقينهم، بل يجلسون حتى إذا سلم سلموا معه، فإذا قام الإمام مثلاً في الرباعية لخامسة، فلا يخلو إما أن يكون عنده يقين أو لا، فإن كان متيقنًا أنها الرابعة لا يرجع ولو سبح المأمومون ولا يأخذ بقولهم، والمأمومون ليس لهم أن يتابعوه؛ ليقينهم أنها الخامسة، بل يجلس المأموم وينتظر حتى يسلم الإمام فيسلم معه، أما من كان من المأمومين عنده شك، أو كان ساهيًا وليس عنده يقين فإنه يتبع الإمام.

أما إذا شك الإمام فإنه يرجع إلى قول ثقتين ـ أي إذا نبهه ثقتان وجب عليه الرجوع ـ وهذا معنى الترجمة: «بَاب هَلْ يَأْخُذُ الإِْمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ» فالنبي صلى الله عليه وسلم كان على شك من قول ذي اليدين، لكن ذا اليدين واحد، فلم يقبل قول الواحد حتى تأكد من الناس، فدل على أن الإمام لا يلزمه الأخذ بقول الواحد، لكن إذا قال واحد: سبحان الله، ثم قال الثاني: سبحان الله، وهما ثقتان، لزمه قبول قولهما.

ولعل السبب في عدم تنبيه الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ظنوا أنه أوحي إليه شيء في شأن الصلاة، وأنها قد قصرت؛ ولهذا جاء في حديث آخر: أنه خرج السرعان من المسجد وصاروا يتحدثون: قصرت الصلاة قصرت الصلاة[(426)]، والسرعان يعني من يخرجون سريعًا من المسجد بعد الصلاة.

 

}715{ قوله في الحديث: «ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» فيه: دليل على أن المصلي إذا سلم عن نقص فإن سجود السهو يكون بعد التسليم.

;  إِذَا بَكَى الإِْمَامُ فِي الصَّلاَةِ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: [يُوسُف: 86]{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}.

}716{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِي مَرَضِهِ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ» قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُِصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.

 

هذه الترجمة فيها بيان حكم صلاة من بكى في الصلاة، سواء أكان إمامًا أو مأمومًا، هل تفسد صلاته أو لا تفسد؟ وظاهر النصوص أنها لا تفسد، وأن صلاة من بكى من خشية الله صحيحة؛ وذلك لقول عبدالله بن شداد: «سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ:: ُ 6 5 4 3 2 1 ِ » والنشيج: أشد البكاء، فدل ذلك على أن البكاء لا يفسد الصلاة، إذا كان من خشية الله وخوفه.

}716{ هذا الحديث فيه: أن البكاء من خشية الله لا يفسد الصلاة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن الشخير قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» [(427)]، والمرجل: القدر الذي تحته النار. وكذلك كان أبو بكر رضي الله عنه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء» ومع ذلك فصلاته صحيحة. وكذلك عمر، كما قال عبدالله بن شداد: «سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف» .

والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فقد ذهب بعض العلماء ـ منهم: الشعبي والنخعي والثوري ـ إلى أن البكاء والأنين يفسد الصلاة، وذهب بعض العلماء إلى أنها لا تفسد، وهو قول المالكية[(428)] والحنفية[(429)]، وهو الصواب الموافق للحديث، أما الشافعية[(430)] فلهم ثلاثة أقوال ـ كما ذكر الشارح:

القول الأول: أنه إن ظهر منه حرفان فسدت الصلاة، وإن لم يظهر فلا.

القول الثاني: أنها لا تفسد؛ لأن البكاء ليس من جنس الكلام.

وفي القول الثالث: فرقوا بين ما إذا كان فمه مطبقًا؛ فلا تفسد صلاته، وإلا فسدت.

والصواب أنها لا تفسد مطلقًا إذا غلبه البكاء، لكن عليه أن يحاول التحكم في نفسه وألا يظهر له صوت، ولاسيما إذا كان بين الناس؛ خشية أن يدخله الرياء، فإن غلبه البكاء فلا حرج، أما إذا كان وحده فالأمر في هذا واسع.

فالصواب من أقوال أهل العلم أن البكاء لا يفسد الصلاة؛ لأنه ليس من جنس الكلام، ولأنه ليس باختيار الإنسان ولا يستطيع دفعه، وبعض الحنابلة[(431)] يقولون: إذا تنحنح وبان حرفان بطلت الصلاة؛ لأن أقل الكلام حرفان، والصواب أنها لا تبطل؛ فالنحنحة أيضًا بغير اختيار الإنسان.

وهذا إذا كان البكاء من خشية الله، أما إذا كان من أجل أمور الدنيا وبان منه حرفان بطلت الصلاة، كما لو آذاه أحد أو ضربه فبان منه حرفان، وهذا مثل لو قهقه أو ضحك فبان منه حرفان بطلت الصلاة، وعند الأحناف[(432)] إذا قهقه في الصلاة بطلت صلاته ووضوءه جميعًا، أي يعيد الوضوء والصلاة. والصواب أن الوضوء صحيح؛ لأن القهقهة ليست من مبطلات الوضوء، أما التبسم فلا تبطل به الصلاة.

;  تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الإِْقَامَةِ وَبَعْدَهَا

}717{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

}718{ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي».

 

}717{ في الحديث فيه: وعيد شديد يدل على أن تسوية الصفوف واجبة؛ ولهذا توعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسو الصف فقال: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» فيجب على الإمام أن يسوي الصفوف، وكذلك على كل واحد من المأمومين أن يتفقد من بجواره ولا يتقدم أحدهم عن الصف أو يتأخر، وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي الصفوف، فلما أراد أن يكبر رأى رجلاً باديًا صدره فقال: «عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» [(433)] وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يسوي الصفوف. والخطوط الموجودة الآن فيها فائدة عظيمة، فهي تساعد على تسوية الصفوف.

واختلف العلماء في قوله: «لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» فقيل: إنه وعيد على ظاهره، والمراد بالمخالفة بين الوجوه تحويل الوجه عن وضعه، حتى يكون من الخلف من جهة القفا، فيكون من جنس الوعيد الذي ورد فيمن رفع رأسه قبل الإمام: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار» [(434)]، وفي لفظ: «أن يجعل الله صورته صورة كلب» [(435)].

وقال آخرون من أهل العلم: ليس المراد الأمر الحسي، إنما المراد الأمر المعنوي، فقوله صلى الله عليه وسلم: «ليخالفن الله بين وجوهكم» المراد به الافتراق، وتغير القلوب واختلافها، ووقوع البغضاء والعداوة، كما ذهب النووي رحمه الله إلى هذا فقال: «والأظهر ـ والله أعلم ـ أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب، كما يقال: تغير وجه فلان علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن»[(436)].

فإذا اختلفت الظواهر اختلفت البواطن وتغيرت القلوب وتناكرت، والإسلام يريد من المسلمين أن يتآلفوا وأن يكونوا إخوة متحابين متآلفين، فنهى عن كل شيء يسبب العداوة والبغضاء؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان، وعن النجش ـ وهو المزايدة في السلعة لا لأجل شرائها، ولكن ليرفع السعر على أخيه ـ وعن بيع الرجل على بيع أخيه وشراء الرجل على شراء أخيه، ونهى عن بيع العينة، وعن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» [(437)].

وكل هذا للمحافظة على الائتلاف واجتماع القلوب والكلمة، وحتى لا تحصل العداوة والبغضاء والشحناء بين المسلمين، فالمخالفة في الصفوف وعدم تسويتها يؤدي إلى البغضاء واختلاف القلوب وتناكرها، وإن كانت الصلاة لا تبطل بالمخالفة في الصفوف؛ لأن هذا أمر خارج عن الصلاة، خلافًا لمن قال من أهل العلم: إن الصلاة تبطل.

 

}700{ قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي» هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم في الصلاة أنه يرى الصفوف من وراء ظهره، وبعض العلماء أوّل ذلك فقال: يخلق له علم ضروري، وهذا بعيد، والصواب: أنه يراهم من وراء ظهره حقيقة في الصلاة خاصة، أما في غير الصلاة فلا.

وهذا من معجزاته وخصوصياته صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي» يعني: أرى من لم يسو الصف ومن يتقدم أو يتأخر، وهذا من باب الحث لا من باب الوعيد.

;  إِقْبَالِ الإِْمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

}719{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي».

 

}719{ قوله في حديث الباب: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» أمر ظاهره الوجوب؛ فيدل على أن تسوية الصفوف واجبة، وأنه على الإمام أن يقبل على المأمومين ويحثهم على تسوية الصفوف فيقول: أقيموا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، أو من تمام الصلاة، أو من حسن الصلاة ـ كما سيأتي ـ.

وقال بعضهم: إن التسوية مستحبة، والصواب أنها واجبة؛ لأن الأوامر تدل على الوجوب، والوعيد على الترك أيضًا يدل على الوجوب.

;  الصَّفِّ الأَْوَّلِ

}720{ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشُّهَدَاءُ: الْغَرِقُ، وَالْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْهَدِمُ».

}721{ وَقَالَ: «ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لاَسْتَهَمُوا».

 

}720{ قوله: «الشُّهَدَاءُ...» ليس له علاقة بالترجمة؛ لأن الترجمة معقودة لبيان فضل الصف الأول، لكن المصنف رحمه الله أتى بالحديث كاملاً ولم يقتصر على محل الشاهد.

وقوله: «الْغَرِقُ» يعني: أن من مات غرقًا في الماء فهو شهيد.

وقوله: «وَالْمَطْعُونُ» أي: من مات بالطاعون، ويسمى مرض الكوليرا، وهو بثرة تخرج فيما رق من اللحم كالإبط وتحت الأذن فيسود صاحبه ويموت في الحال.

وقوله: «وَالْمَبْطُونُ» أي: من مات بداء البطن، وهو الإسهال.

وقوله: «والهدم» أي: من مات بالهدم، كأن سقط عليه جدار أو بيت فمات، ومثله ـ أو قريب منه ـ من مات بتصادم السيارة أو انقلابها، فهذا ترجى له الشهادة؛ لأنه من جنس صاحب الهدم.

 

}721{ قوله: «ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا» التهجير يعني التبكير إلى الصلوات، وأصله التبكير لصلاة الظهر، والمعنى أن الإنسان لو يعلم ما في التبكير إلى الصلوات من الفضل لتسابق إليه؛ لأن المبكر إلى الصلاة يحصل على خير عظيم، فهو أولاً يؤدي السنة الراتبة، ثم يقرأ ما يسر الله له أو يذكر الله، والملائكة تصلي عليه وتستغفر له وتدعو له، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما دام في مصلاه، وهو أيضًا في حكم المصلي ما دام ينتظر الصلاة، وأيضًا يتقدم ويحصل على الصف الأول وعلى قرب الإمام، فالتهجير فيه خير عظيم، والمتأخر تفوته كل هذه الفضائل.

وقوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» العتمة هي: صلاة العشاء، فلا بأس بتسمية صلاة العشاء العتمة أحيانًا، أما في الأغلب فتسمى العشاء، وقوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ» يعني: من الفضيلة والأجر، «لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» يعني: ولو مشيًا على الركب؛ وذلك لأن الناس يتساهلون في صلاة الصبح؛ لأنها في وقت النوم، والموفق هو الذي يكبح جماح نفسه ويقوم، وكذلك العتمة، ففي الغالب تأتي في وقت انشغال كثير من الناس.

وقوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لاَسْتَهَمُوا» هو: الشاهد للترجمة، والمعنى أنهم لو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة لتسابقوا إليه حتى لا تفصل بينهم إلا القرعة، وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «لو يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» [(438)] والنداء هو الأذان، يعني لو يعلمون ما في الأذان من الفضل والأجر لتسابقوا إليه؛ لأن كل واحد يريد أن يؤذن؛ حتى يحصل على الأجر والفضيلة، فلا تفصل الخصومة التي بينهم إلا القرعة، وكذلك الصف الأول، وهذا فيه بيان فضل النداء وفضل الصف المقدم.

وقد ذكر الشارح رحمه الله أن الصف الأول فيه عشرة فوائد، ذكرها العلماء في الحث على الصف الأول:

1- المسارعة إلى خلاص الذمة، فالذي يتقدم إلى الصف الأول أسرع الناس في براءة ذمته من الصلاة.

2- السبق لدخول المسجد.

3- القرب من الإمام.

4- استماع قراءة الإمام.

5- التعلم من الإمام.

6- الفتح على الإمام إذا غلط.

7- التبليغ عنه إذا احتاج إلى التبليغ.

8- السلامة من اختراق المارة بين يديه.

9- سلامة البال من رؤية من يكون قدامه.

10- سلامة موضع سجوده من أذيال المصلين.

فهذه عشرة فوائد كلها تحصل للمتقدم إلى الصف الأول، أما الذي لا يأتي إلا بعد الإقامة فهذا يفوته دعاء الملائكة، وفضل انتظار الصلاة، وصلاة السنة الراتبة، فيفوته كثير من الفضل؛ ولذا حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصف الأول.

;  إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ

}722{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ».

}723{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ».

 

}722{ قوله: «وَأَقِيمُوا الصَّفَّ» فيه: وجوب تسوية الصفوف.

وقوله: «فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَة» أي: من تمامها.

وهذا الحديث فيه وجوب متابعة الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» .

وقوله: «فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» الفاء للتعقيب، فعلى المأموم أن يأتي بأفعاله بعد أفعال الإمام مباشرة، لا يتأخر ولا يتقدم ولا يوافق؛ لأنه لو جاز له أن يتأخر عنه لقال: ثم اركعوا؛ لأن ثم للترتيب والتراخي، أما الفاء فتفيد في اللغة العربية الترتيب والتعقيب، والمعنى: ائتوا بأفعالكم بعد أفعال الإمام مباشرة من غير تأخير، وكذا «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» .

وقوله: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» هذا أحد الألفاظ الأربعة الواردة:

اللفظ الأول: «ربنا لك الحمد» بدون واو.

اللفظ الثاني: «ربنا ولك الحمد» [(439)] بالواو.

اللفظ الثالث: «اللهم ربنا ولك الحمد» [(440)] بزيادة اللهم والواو.

اللفظ الرابع: «اللهم ربنا لك الحمد» [(441)] بزيادة اللهم وبدون الواو.

وكل هذه الألفاظ ثابتة في الأحاديث الصحيحة.

والأمر في قوله: «وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» للاستحباب.

 

}723{ قوله صلى الله عليه وسلم: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ» فيه: بيان أن إقامة الصف من تمام الصلاة، وفيه وجوب تسوية الصفوف وإقامتها.

والأمر بتسوية الصفوف جاء فيه ثلاثة ألفاظ:

أحدها: كما في حديث: «إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ» .

ثانيها: كما في هذا الحديث: «تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ» .

ثالثها: «تسوية الصفوف من تمام الصلاة» [(442)].

فيقال: سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من حسن الصلاة، أو من إقامة الصلاة، أو من تمام الصلاة، وهذه اللفظة كثير من الأئمة غفل عنها مع أنها ثابتة في الصحيح.

والأمر بتسوية الصفوف في هذا الحديث للوجوب، وبعض العلماء استدل بقوله: «مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ» على بطلان الصلاة في حالة اختلال الصفوف، فذهب ابن حزم إلى أنه إذا لم تسو الصفوف بطلت الصلاة. لكن هذا ليس بظاهر، والصواب أنها لا تبطل.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد كلام له: «وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة»؛ يقصد «إِقَامَةِ الصَّلاَةِ» يعني: اختلف فيها على أبي الوليد، لكنها ثابتة.

وأما عن كيفية المساواة، فالعبرة بمحاذاة الأقدام والمناكب، لكن على وجه لا يكون فيه إيذاء، فبعض الناس يؤذي من بجواره حتى يضيق عليه فلا يستطيع السجود ولا الجلوس، وكأنّه قد ثبت رجليه بمسامير، وهذا غلط، فليس المراد الإيذاء، بل المراد ألا يكون هناك فجوات وخلل؛ ولهذا ورد: «لينوا في أيدي إخوانكم» [(443)].

وحكم النساء ـ إذا صلين في المسجد ـ كالرجال في تسوية الصفوف، ويُذكر أن بعض النساء لا يسوين الصفوف، وأنهن يصلين مجموعات، مجموعة هنا وأخرى هناك، وبينهن فجوات، وبعض النساء يتحدثن والإمام يصلي، وهذا كله غلط، ولا ينبغي أن يكون هناك كلام.

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وقد صرح في هذا الحديث بأن تسوية الصفوف من جملة إقامتها، فإذا لم تسو الصفوف في الصلاة نقص من إقامتها بحسب ذلك أيضًا والله أعلم» فقد ينقص الأجر لكن الصلاة صحيحة.

;  إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ

}724{ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَْنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ.

وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ: عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ بِهَذَا.

 

}724{ استدل المؤلف رحمه الله بإنكار أنس رضي الله عنه في حديث الباب لعدم إقامة الصفوف على أنه ذنب يأثم به الإنسان؛ ولهذا ترجم فقال: «بَاب إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ» .

فقد سئل أنس رضي الله عنه: «مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؛ لأن أنسًا رضي الله عنه تأخرت حياته حتى قارب المائة، فقال: «مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ» . وهذا فيه: دليل على أنه لابد من الاهتمام بالصفوف والعناية بها.

;  إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ

وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ

}725{ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي».

وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ.

 

}725{ الحديث فيه: مشروعية مراصة الصفوف وإلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم، والمراد المحاذاة والتقارب والتراص وعدم وجود فجوات أو فرج، كما في الحديث الآخر: «إن الشياطين تتخلل الصفوف كأنها الحَذَف» [(444)].

وقوله: «فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» سبق أن هذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وأنه من المعجزات.

وظاهر الأحاديث أن الأمر للوجوب، وإذا كان الأمر للوجوب فمن تركه أثم.

;  إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِْمَامِ وَحَوَّلَهُ الإِْمَامُ

خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ

}726{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى وَرَقَدَ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

 

هذه الترجمة جزم فيها المؤلف بالحكم، فقال: « إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِْمَامِ وَحَوَّلَهُ الإِْمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ» وهو لا يجزم بالحكم إلا لقوة الدليل عنده، فإذا قوي الدليل جزم بالحكم، وإلا فإنه يترك الحكم.

وسبق أنه قال في ترجمة أخرى: «لم تفسد صلاتهما» يعني: الإمام والمأموم، وهنا قال: «تَمَّتْ صَلاَتُهُ» ويحتمل أن يكون المقصود هنا تمام صلاة المأموم؛ لأن المأموم هو الذي تحرك، إلا أن هذه الحركة ـ وهي انتقاله من اليسار إلى اليمين ـ حركة لابد منها؛ لأن هذا ليس موقفه، وكذلك قد يقصد صلاة الإمام؛ فالإمام مضطر إلى أن يحوله إلى يمينه، ولكن يحوله من خلفه ولا يأتي به من أمامه؛ حتى لا يكون مارًّا بين يديه، فحركة المأموم لا تؤثر على الصلاة وكذلك الحركة من الإمام.

}726{ الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فصلى عن يساره، فأخذه وأداره من خلفه وجعله عن يمينه، ولم يدره من أمامه حتى لا يكون مرورًا بين يديه. وهذا يدل على أن صلاة الإمام والمأموم صحيحة، أما الإمام فلأنه مضطر إلى هذه الحركة، وأما المأموم فلأن هذا ليس موقفه، فكون الإمام يديره لا يؤثر على صلاته، ولو كانت صلاته باطلة لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة.

وفيه: دليل أيضًا على أن الواحد إذا صلى، ثم جاء أحد وصلى بجواره صح أن يكون إمامًا له، ولو لم ينو الإمامة من أول الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى منفردًا ثم جاء ابن عباس، فنوى الإمامة.

وفيه: جواز مصافة الصبي في الفريضة والنافلة، وقول بعض العلماء ـ كالحنابلة[(445)]: إن مصافته في النافلة جائزة دون الفريضة ليس بوجيه؛ لأن الأصل أن الفريضة والنافلة سواء إلا ما خصه الدليل، فيجوز مصافة الصبي ولو كان في الفريضة إذا كان مميزًا يفهم ويحسن الوضوء، فالصبيان يختلفون؛ فبعضهم عنده عناية واهتمام، وبعضهم يكثر اللعب والعبث، فإذا كان مميزًا ـ يحسن الصلاة ويحسن الوضوء ـ فلا بأس أن يكون في الصف مع الرجال.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد