وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رقد فجاءه المؤذن فقام وصلى ولم يتوضأ، وهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أن نومه لا ينقض الوضوء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، أما نحن فإن نومنا ينقض الوضوء؛ لحديث صفوان بن عسال: «أمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام، إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم» [(446)]، وفي الحديث الآخر: «العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء» [(447)]، والوكاء هو الحبل الذي يربط به فم القربة، والمعنى أن اليقظة رباط لحلقة الدبر، فإذا نام ذهب الرباط، فخرج الحدث، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإن نومه لا ينقض الوضوء؛ لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه؛ وذلك لأنه قد يوحى إليه في نومه، ورؤيا الأنبياء وحي، قال الله تعالى عن إبراهيم: [الصَّافات: 102]{يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، فقال تعالى: [الصَّافات: 105]{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، أي: هي رؤيا في حكم الوحي.
; الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا
}727{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا.
}727{ في هذا الحديث أن المرأة تكون صفًّا ولو كانت وحدها.
أما الرجل فلا يكون صفًّا وحده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» [(448)] وإذا جاء رجل ولم يجد مكانًا في الصف فإنه يصلي وحده وتصح صلاته للضرورة على قول بعض أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(449)]، وقال آخرون: لا تصح، وهو الصواب؛ لعموم حديث: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» [(450)]، وإنما عليه أن يجتهد لعله يجد فرجة في الصف، أو يصلي عن يمين الإمام، فإذا لم يجد ينتظر حتى يأتيه أحد، وإذا صلى وحده فلا تصح صلاته.
وإذا علم بقدوم آخرين ـ كأن رآهم يتوضئون مثلاً ـ فلا بأس أن يصلي وحده خلف الصف.
أما جذب أحد من الصف ليصلي معه فلا، وما جاء عند الطبراني من حديث وابصة بن معبد: «هلا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً» حديث ضعيف[(451)].
وفي جذب أحد من الصف مفاسد منها:
1- أنه نقله من الصف الأفضل إلى المفضول.
2- أنه تصرف فيه بغير إذنه.
3- أنه أوجد فرجة في الصف يتحرك كثيرون من أجل سدها.
قوله: «صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» يعني: يتيم صغير، فاليتيم هو الذي لم يبلغ.
وفي هذا الحديث فوائد منها:
1- جواز مصافة الصبي وصحتها مثلما سبق في حديث ابن عباس لما صف مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الرجل والصبي أو الصبيين فأكثر يكونون صفًّا خلف الإمام، أما إذا كان المأموم وحده فيكون عن يمين الإمام، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
2- أن المرأة تكون صفًّا وحدها، ولو لم يكن مع الإمام أحد من الرجال، حتى ولو كانت زوجته.
3- جواز صلاة النافلة جماعة أحيانًا من غير أن تتخذ عادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم زار أنسًا وصلى بهم النافلة جماعة، وكذلك لما زار عتبان بن مالك رضي الله عنه ضحى صلى به وبأبي بكر جماعة.
فلا بأس أن يجتمع بعض الإخوان لصلاة نافلة كقيام الليل أو صلاة الضحى ـ وتكون القراءة في الضحى سرًّا ـ على ألا يتخذ ذلك عادة.
أما عن موقف المأمومين من الإمام:
فإذا كان المأموم واحدًا فيكون عن يمينه، أما إذا كانا اثنين أو أكثر فإنهم يصفون خلف الإمام.
وقد جاء في «صحيح مسلم» أن ابن مسعود رضي الله عنه صلى معه اثنان ـ فكان بينهما ـ أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره[(452)].
والسُّنة أن يكونا خلفه إلا إذا كان المكان ضيقًا، فإن كان المكان ضيقًا فلا بأس.
وإذا صلى إنسان وحده ثم جاءت امرأة فصلت بجنبه فلا بأس وصلاتهما صحيحة على رأي الجمهور كما ذكر الشارح، وبعض العلماء يرى أن الصلاة فاسدة، وعند الأحناف[(453)] تفسد صلاة الرجل دون المرأة، ونقله الشارح أيضًا، وقال الأحناف أيضًا[(454)]: إذا صلت المرأة بجوار الرجل فسدت صلاتها وصلاة من بجوارها، ويعفى عن ذلك عند الضرورة، كما يحصل في المسجد الحرام في أيام الموسم [البَقَرَة: 286]{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.
; مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالإِْمَامِ
}728{ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي أَوْ بِعَضُدِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي.
}728{ قوله: «قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» فيه: دليل على أن المأموم لو كان وحده فصلى عن يسار الإمام صحت صلاته لاسيما إذا كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة أول صلاته، ولكن ينبغي على الإمام أن يديره عن يمينه.
; إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِْمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ.
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإِْمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِْمَامِ.
}729{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَْنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوابِذَلِكَ فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ».
هذه الترجمة عقدها الإمام البخاري رحمه الله لبيان حكم اقتداء المأموم بالإمام إذا كان بينهما طريق يسير فيه الناس أو كانت تسير فيه السيارات، أو نهر يجري فيه الماء والسفن، أو بينهما جدار أو حاجز، فهل يصح عندها الاقتداء أو لا يصح؟
وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: أنه يصح اقتداء المأموم بالإمام مطلقًا سواء كان بينهما حاجز أو لم يكن، داخل المسجد أو خارجه.
القول الثاني: أنه لا تصح الصلاة مطلقًا داخل المسجد أو خارجه إذا كان بينهما حاجز.
القول الثالث: أنه تصح الصلاة إذا كان المأموم يقتدي بالإمام داخل المسجد، سواء كان في الدور العلوي أو السفلي، وسواء كان المأموم فوق أو تحت الإمام، وسواء كان بينهما حاجز أو لم يكن، طالما أنه يسمع التكبير أو يمكنه رؤية المأمومين ويمكن اقتداؤه بالإمام، وكذلك إذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف خارج المسجد فالحكم واحد.
أما إذا كان خارج المسجد ولم تتصل الصفوف، أو كان بين الإمام والمأموم طريق تسير فيه السيارات أو نهر تجري فيه السفن فإنه لا تصح الصلاة، وكذا من يقتدي بالإمام في البيوت المجاورة كما يحدث في المسجد الحرام.
وهذا هو الصواب وهو أعدل الأقوال، وهو القول الوسط.
أما من يقتدي بالإمام عبر التلفاز فصلاته غير صحيحه.
قوله: «َقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ» وقوله: «وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإِْمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِْمَامِ» يتبين من إيراد المؤلف رحمه الله لهذين الأثرين أنه يرى الجواز مطلقًا.
}729{ قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ» : تأوله الشارح بأن المقصود بالحجرة: حجرة تكون من حصير داخل المسجد؛ لأنه لو كان صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته لكان الذين يقتدون به يصلون في الطريق.
وقوله: «وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِير» : يدل على أنهم كانوا يشاهدون شخص النبي صلى الله عليه وسلم من وراء جدار؛ فدل ذلك أيضًا على أن المقصود بها الحجرة التي من الحصير في المسجد، وليس حجرة النبي صلى الله عليه وسلم بدليل الحديث الذي بعد هذا.
; صَلاَةِ اللَّيْلِ
}730{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ.
}731{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ».
قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله في هذه الترجمة: «بَاب صَلاَةِ اللَّيْلِ» وهم من بعض الرواة، فأكثر رواة الصحيح لم يذكروا هذه الترجمة، وإنما وقعت هكذا في نسخة المستملي وحده، والصواب حذفها، وأن هذين الحديثين تابعان للترجمة السابقة «إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِْمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ» فهذه الأحاديث الثلاثة كلها بمعنًى واحد؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر حجرة من حصير وصلى فيها ثم اقتدى به أناس من خارجها.
}730{ قوله: «فَثَابَ» يعني: اجتمع.
وفي هذا الحديث: أن الحائل إذا كان قصيرًا، أو يمكن مع وجوده متابعة الإمام لا يؤثر في صحة الصلاة.
}731{ في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد خشية أن يفرض عليهم قيام الليل، وكان هذا في رمضان، فصلى بهم صلى الله عليه وسلم ليالي منه؛ الليلة الأولى إلى ثلث الليل، والليلة الثانية إلى نصف الليل، والليلة الثالثة إلى قرب الفجر، وجاء أنه صلى بهم ليلة ثلاث وعشرين ثم لم يخرج في الليلة التالية، ثم صلى في ليلة خمس وعشرين فصلى بصلاته أناس، ثم لم يخرج في الليلة التالية، ثم صلى في ليلة سبع وعشرين فصلى وراءه أناس حتى امتلأ المسجد[(455)].
فهذه الأحاديث الثلاثة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وبينه وبينهم حصير جعله حجرة كأنه حاجز بينه وبينهم إلا أن الحصير قصير بحيث إذا وقف شاهدوا شخصه صلى الله عليه وسلم فصلوا خلفه واقتدوا بصلاته؛ فدل هذا على أنه لا بأس باقتداء المأمومين بالإمام ولو كان بينه وبينهم حائط أو سترة إذا كان يُرى أو يُسمع تكبيره.
فإذا كان في المسجد فالصلاة صحيحة مطلقًا سواء كان المأموم فوق أو تحت ـ بالدور العلوي أو السفلي ـ واتصلت الصفوف، ويسمع التكبير أو يستطيع أن يقتدي بالإمام، وكذا إذا كان خارج المسجد واتصلت الصفوف فلا بأس، والصلاة صحيحة.
فإن لم تتصل الصفوف وصلى خارج المسجد وبينه وبين المسجد فراغ، أو بينه وبين المسجد شارع تسير فيه السيارات أو نهر تجري فيه السفن فهذا محل خلاف بين العلماء؛ فمنهم من صحح صلاة المأموم واقتداءه، ومنهم من منعه، والصواب المنع.
وظاهر اختيار الإمام البخاري رحمه الله الجواز؛ لأنه استدل ـ كما تقدم ـ بقول الحسن: «لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ»، وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإِْمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِْمَامِ» .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «فهاهنا مسألتان:
إحداهما: إذا كان بين الإمام والمأموم طريق أو نهر، وقد حكي جوازه في صورة النهر عن الحسن، وفي صورة الطريق عن أبي مجلز.
وقال الأوزاعي في السفينتين يأتم مَن في إحداهما بإمام الأخرى: الصلاة جائزة، وإن كان بينهما فرجة إذا كان أمام الأخرى، وبه قال الثوري؛ نقله ابن المنذر.
وروى الأثرم بإسناده، عن هشام بن عروة، قال: رأيت أبي وحميد بن عبدالرحمن يصليان الجمعة بصلاة الإمام في دار حميد، وبينهما وبين المسجد جدار.
وكره آخرون ذلك».
ثم قال رحمه الله: «وكره أبو حنيفة وأحمد أن يصلي المأموم وبينه وبين إمامه طريق لا تتصل فيه الصفوف، فإن فعل، فقال أبو حنيفة: لا تجزئه صلاته. وفيه عن أحمد روايتان.
والنهر الذي تجري فيه السفن كالطريق عند الإمام أحمد؛ واحتج بصلاة أنس في غرفة يوم الجمعة، فمن أصحابه من خصه بالجمعة عند الزحام، والأكثرون لم يخصوه بالجمعة.
وكذلك مذهب إسحاق؛ قال حرب: قلت لإسحاق: الرجل يصلي في دار وبينه وبين المسجد طريق يمر فيه الناس؟ قال: لا يعجبني، ولم يرخص فيه. قلت: صلاته جائزة؟ قال: لو كانت جائزة كنت لا أقول: لا يعجبني. قال: إلا أن يكون طريق يقوم فيه الناس، ويصفون فيه للصلاة. قلت: فإنا حين صلينا لم يمر فيه أحد، فذهب إلى أن الصلاة جائزة.
قلت لإسحاق: فرجل صلى وبين يديه نهر يجري فيه الماء؟ قال: إن كان نهرًا تجري فيه السفن فلا يصل، وإن لم يكن تجري فيه السفن فهو أسهل.
وكره آخرون الصلاة خلف الإمام خارج المسجد؛ روي عن أبي هريرة رضي الله عنه وقيس بن عبادة، قالا: لا جمعة لمن لم يصل في المسجد.
ورخصت طائفة في الصلاة في الرحاب المتصلة بالمسجد؛ منهم: النخعي والشافعي.
وكذلك قال مالك، وزاد أنه يصلَّى فيما اتصل بالمسجد من غيره».
ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «قال مالك: فمن صلى في شيء من المسجد أو في رحابه التي تليه، فإن ذلك مجزئ عنه، ولم يزل ذلك من أمر الناس، لم يعبه أحد من أهل الفقه.
قال مالك: فأما دار مغلقة لا تدخل إلا بإذن، فإنه لا ينبغي لأحد أن يصلي فيها بصلاة الإمام يوم الجمعة، وإن قربت؛ فإنها ليست من المسجد».
ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «فهذا أنس قد صلى في دار لا تدخل بغير إذن، وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدمها وإدخالها في المسجد لم تكن تدخل بغير إذن أيضًا.
وقد استدل أحمد بالمروي عن أنس في هذا في رواية حرب، ورخص في الصلاة في الدار خارج المسجد، وإن كان بينها وبين المسجد طريق، ولم يشترط الإمام أحمد لذلك رؤية الإمام، ولا مَن خلفه، والظاهر: أنه اكتفى بسماع التكبير.
واشترط طائفة من أصحابه الرؤية، واشترط كثير من متقدميهم اتصال الصفوف في الطريق.
وشرطه الشافعي أيضا، وقال في رواية الربيع فيمن كان في دار قرب المسجد، أو بعيدًا منه: لم يجز له أن يصلي فيها، إلا أن تتصل الصفوف به، وهو في أسفل الدار، لا حائل بينه وبين الصفوف.
واستدل بقول عائشة رضي الله عنها من غير إسناد، وتوقف في صحته عنها».
ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: « المسألة الثانية: إذا كان بين المأموم والإمام حائل يمنع الرؤية، فقد حكى البخاري عن أبي مجلز أنه يجوز الاقتداء به إذا سمع تكبير الإمام.
وأجازه أبو حنيفة وإسحاق؛ قال إسحاق: إذا سمع قراءته واقتدى به.
وقد تقدم كلام الشافعي في منعه، واستدلاله بحديث عائشة رضي الله عنها؛ قال الشافعي: هذا مخالف للمقصورة؛ المقصورة شيء من المسجد».
والمقصود: أن الخلاف في هذه المسألة مشهور ومعروف، لكن أعدل الأقوال وأرجحها وهو القول الوسط أنها تصح إذا كان داخل المسجد ولا تصح خارجه إلا إذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف، فإذا لم تتصل الصفوف لا تصح ولو كان يرى الإمام ما دام بينه وبينه مسافة، وطالما يمكنه أن يكون داخل المسجد.
; إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ
}732{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَْنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَْيْمَنُ قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلاَةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا ثُمَّ قَالَ: لَمَّا سَلَّمَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».
}733{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «إِنَّمَا الإِْمَامُ أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا».
}734{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُواوَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».
يبين لنا المؤلف رحمه الله في هذه الترجمة أن التكبير واجب.
فالتكبير واجب في كل خفض ورفع في الصلاة، والتكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تنعقد الصلاة إلا بها، خلافًا للأحناف[(456)]؛ فإن الأحناف يرون أن الصلاة تنعقد بكل لفظ يفيد التعظيم، فإذا قال: الله أعظم أو الله أجل أو الله أعلى صح.
والصواب الذي تدل عليه النصوص وعليه جماهير العلماء أن الصلاة لا تنعقد إلا بالتكبير، ولا يجزئ غيره.
أما تكبيرات الانتقال للركوع والسجود والرفع من السجود والقيام من الركعتين فهي سنة عند جماهير العلماء ومستحبة، وذهب الإمام أحمد إلى أنها واجبة في رواية وهو مذهب الحنابلة[(457)].
والصواب أن تكبيرات الانتقال واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(458)].
وفي هذه الأحاديث: دليل على أنه يجب الاقتداء بالإمام ومتابعته وأن المأموم يأتي بأفعاله بعد أفعال الإمام وأنه لا يخالف الإمام، فإذا صلى الإمام جالسًا صلى المأموم جالسًا، ويقتدي به في الركوع والسجود والخفض والرفع.
}732{ قوله: «رَكِبَ فَرَسًا فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَْيْمَنُ» يعني: جرح شقه الأيمن فلم يستطع أن يصلي قائمًا فصلى قاعدًا فصلى الصحابة وراءه قعودًا ثم لما سلم قال: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ـ والفاء للتعقيب ـ وإذا قال : وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» .
وفيه: أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
أما المأموم فإنه لا يجمع بينهما بل يقول فقط: ربنا ولك الحمد.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المأموم يجمع بينهما كالإمام؛ فيقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ولكن هذا الحديث فيه حجة عليهم؛ لأنه قال: «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ولم يقل: فقولوا: سمع الله لمن حمده؛ فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، إنما الذي يقولها الإمام؛ حيث يجمع الإمام بين التسميع والتحميد.
}733{ قوله: «خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ» يعني: سقط.
قوله: «فَجُحِشَ» يعني: جرح.
قوله: «فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «إِنَّمَا الإِْمَامُ أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» : يستفاد منه وجوب متابعة الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» .
ودل الحديث أيضًا على وجوب التكبير والتسميع لقوله: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» .
والفاء للترتيب والتعقيب بدون تأخير، بخلاف (ثم) فإنها للترتيب مع التأخير؛ لأن المأموم يأتي بأفعاله بعد أفعال الإمام مباشرة من غير تأخير كما أنه لا يتقدم عليه، وهذه هي المتابعة.
أما المسابقة فهي أن يتقدم الإمامَ فإذا سبقه بركن أو اثنين متعمدًا بطلت صلاته، أما إذا سبقه ناسيًا أو ناعسًا فإنه يأتي بما فاته ويلحق الإمام فيكون معذورًا في هذه الحالة، وأما التأخر الكثير إذا كان متعمدًا ـ كأن قام الإمام وهو جالس ـ يبطل الصلاة؛ لأنه ترك ركنًا من أركان الصلاة.
}734{ قوله: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُواوَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» .
ويستفاد من هذا الحديث: وجوب التكبير ووجوب متابعة الإمام، وأن المأموم يأتي بأفعاله بعد أفعال الإمام، وأن المأموم لا يختلف على الإمام؛ فإذا صلى الإمام قاعدًا ـ لمرض ـ صلى المأموم قاعدًا إلا إذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم اعتل فإن المأمومين يصلون وراءه قيامًا، وإن أحبوا أن يجلسوا فلا حرج على الصحيح.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وقد نص أحمد على أن الإمام إذا سلم وقد بقي على المأموم شيء من الدعاء فإنه يسلم معه، إلا أن يكون بقي عليه شيء يسير، فيأتي به ويسلم واستدل بقوله: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ».
وينبغي على المأموم ألا يتأخر عن متابعة الإمام كثيرًا، فإن تأخر عنه فترك ركنًا من أركان الصلاة ـ كالقيام مثلاً ـ بطلت صلاته.
فإذا ركع الإمام والمأموم لم ينته من قراءة الفاتحة فليتمها ويتابع الإمام.
وإذا سلم الإمام بعد التشهد الأخير والمأموم لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم وتابع الإمام صحت صلاته.
وإن استطاع أن يتمه بعد سلام الإمام فلا بأس.
أما التعوذ بالله من الأربع ـ عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ـ عقب التشهد الأخير فهو مستحب عند الجمهور، إلا طاوس بن كيسان اليماني التابعي الجليل فإنه يرى وجوبه.
; رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً
}735{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ« وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.
قوله: «بَاب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً» يعني: أن رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع افتتاح الصلاة يكونان « سواء » يعني بدون تقديم أحدهما على الآخر؛ فيبدأ الرفع مع بدأ التكبير وينتهي مع انتهائه، وهذا معنى ترجمة المؤلف رحمه الله.
وقد ورد في «صحيح مسلم» [(459)] تقديم الرفع على التكبير، وورد أيضًا تقديم التكبير على الرفع[(460)].
وفي المسألة خلاف بين أهل العلم إلا أن المؤلف رحمه الله اختار القول الأول.
}735{ في هذا الحديث أن رفع اليدين في الصلاة يكون في مواضع ثلاثة:
الموضع الأول: إذا افتتح الصلاة عند تكبيرة الإحرام يرفع يديه حذو منكبيه.
الموضع الثاني: إذا كبر للركوع.
الموضع الثالث: إذا رفع رأسه من الركوع.
وهناك موضع رابع: ـ سيأتي أيضًا ـ وهو إذا قام من التشهد الأول.
وفيه أيضًا: أنه لا يرفع يديه عند السجود ولا عند الرفع منه.
وقد جاء في بعض الأحاديث في السنن أنه يرفع يديه عند السجود وعند الرفع منه[(461)]، لكنها أحاديث ضعيفة لا تصح.
والصواب: أن رفع اليدين يكون في أربعة مواضع لا غير؛ عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، وما عدا ذلك فلا.
; رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ
}736{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.
}737{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ هَكَذَا.
}736{ في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه، يعني في هذه المواضع الثلاثة:
الأول: «إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ» يعني: عند تكبيرة الإحرام.
الثاني: «وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ» .
الثالث: «وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» .
وقوله: «َلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» يعني: لا يرفع يده عند السجود ولا عند الرفع من السجود، وسيأتي أيضًا بعد هذا أنه يرفع يديه إلى فروع أذنيه.
ورفع اليدين مستحب وليس بواجب، فإذا تركه فلا حرج.
ويرى ابن حزم أنه واجب، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «واحتج ابن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»» [(462)]، والصواب: أنه مستحب.
وأما قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(463)] فيشمل المستحبات والواجبات.
وأما الأحاديث الواردة في رفع اليدين عند السجود في السنن[(464)] فهي ضعيفة وشاذة؛ حيث جاءت مخالفة للأحاديث الصحيحة.
}737{ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «لم يخرج البخاري في «صحيحه» في رفع اليدين غير حديث ابن عمر وحديث مالك بن الحويرث، وقد أفرد للرفع كتابًا، خرج فيه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، وكذلك صنف في الرفع غير واحد من أئمة أهل الحديث؛ منهم النسائي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما.
وسبب اعتنائهم بذلك أن جميع أمصار المسلمين، كالحجاز واليمن ومصر والعراق كان عامة أهلها يرون رفع الأيدي في الصلاة عند الركوع والرفع منه، سوى أهل الكوفة؛ فكانوا لا يرفعون أيديهم في الصلاة، إلا في افتتاح الصلاة خاصة، فاعتنى علماء الأمصار بهذه المسألة والاحتجاج لها، والرد على من خالفها».
وقد أُفرد رفع اليدين في الصلاة بمؤلفات خاصة؛ لأن أهل الكوفة ـ أبا حنيفة وأصحابه ـ يرون الرفع عند الافتتاح فقط مع تكبيرة الإحرام[(465)]؛ ولهذا اعتنى به العلماء، وبينوا أن السنة رفع اليدين وإن لم يكن واجبًا.
; إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ
}738{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ.
}738{ يبين لنا هذا الحديث كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه.
قوله: «حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» ، المنكب : أعلى الكتف، وجاء في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى أذنيه[(466)].
واختلف العلماء في الجمع بينهما، والصواب أنه يجمع بينهما بأحد وجهين:
الوجه الأول: أنه فعلهما جميعًا، فتارة يرفع يديه إلى فروع أذنيه، وتارة يرفعهما إلى حذو المنكبين.
الوجه الثاني: أنه عند الرفع تكون أطراف الأصابع تحاذي فروع الأذنين والكف يحاذي المنكبين، فيكون في هذا الجمع بين الأحاديث التي فيها الرفع إلى فروع الأذنين والأحاديث التي فيها الرفع إلى المنكبين.
والوجه الأول أقرب؛ فمرة يكبر ويرفع يديه إلى فروع أذنيه، ومرة يكبر فيجعل يديه تحاذي منكبيه.
; رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
}739{ حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا
}739{ يبين لنا هذا الحديث مواضع رفع اليدين في الصلاة بأسرها، وهي:
الأول: عند تكبيرة الإحرام في قوله: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ» .
الثاني: «وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ» .
الثالث: «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ» .
الرابع: «وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ» .
ويرفع المصلي يديه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه.
أما رفع اليدين في السجود والرفع منه؛ فقد جاء ذلك في أحاديث في السنن[(467)] لكنها ضعيفة؛ ولهذا قال ابن عمر في الحديث السابق : «وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» .
; وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى
}740{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِسْمَاعِيلُ يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي
}740{ في الحديث: مشروعية وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.
قوله: «كُانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ» ، قيل: المراد منه أصابع يده اليمنى على ذراعه اليسرى؛ ففي حديث وائل بن حجر عند أبي داود والنسائي: «ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد» [(468)] والرسغ هو مفصل الكف؛ فتكون الكف اليمنى على ظهر الكف اليسرى وأطراف الأصابع على الرسغ والساعد، والصواب أنه كان يفعل هذا تارة وهذا تارة جمعًا بين الأحاديث.
والسنة وضعهما فوق الصدر كما في حديث وائل بن حجر لا تحت الحلق كما يفعله البعض، وأما حديث علي رضي الله عنه: «من السنة وضعهما تحت السرة» [(469)] فهو حديث ضعيف.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «واختلف القائلون بالوضع: هل يضعهما على صدره، أو تحت سرته، أو يخير بين الأمرين؟ على ثلاثة أقوال، هي ثلاث روايات عن أحمد.
وممن روي عنه أنه يضعهما تحت سرته: علي ، وأبو هريرة ، والنخعي ، وأبو مجلز، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة ، ومالك ، وإسحاق».
وهذا ضعيف كما سبق.
ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وروي عن علي أيضًا وعن سعيد بن جبير أنه يضعهما على صدره، وهو قول الشافعي.
وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابه: يضعهما تحت سرته.
وحكى ابن المنذر التخيير بينهما.
قال الترمذي في «جامعه»: رأى بعضهم أن يضعهما فوق سرته، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت سرته؛ كل ذلك واسع عندهم».
; الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ
}741{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي».
}742{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ».
أصل الخشوع في الصلاة واجب لابد منه، وهو لب الصلاة وروحها، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، فإذا أتى المصلي بقدر من الخشوع صحت صلاته.
}741{، }742{ في هذين الحديثين : الحث على الخشوع في الصلاة، وبيان أن أصل الخشوع في القلب، وأنه إذا خشع القلب خشعت الجوارح.
قوله: «وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي» ، فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى الصحابة من وراء ظهره في الصلاة، وهذا خاص بالصلاة، وهو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، ومن المعجزات التي حباه ربه عز وجل بها.
ولعل الحكمة في هذا أن يتعلم الصحابة مراقبة الله، والإحسان في الصلاة، والخشوع فيها؛ فإذا علم الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم وهم يصلون خلفه دفعهم هذا إلى إحسان الصلاة، وأعانهم على الخشوع فيها.
; مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
}743{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بـ [الفَاتِحَة: 2]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}.
}744{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كُانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ».
}743{ قوله: «كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بـ [الفَاتِحَة: 2]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}.
وفي المصاحف المطبوعة الآن جعلوا البسملة هي الآية الأولى، وجعلوا [الفَاتِحَة: 7]{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} آية واحدة.
والراجح أن الفاتحة سبع آيات بدون البسملة، وأن البسملة آية مستقلة في أول كل سورة، وأن الآية الأولى هي: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}آية مستقلة، وهي الآية السابعة.
ويدل لهذا الحديث القدسي الذي يقول فيه الرب سبحانه: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» ـ والصلاة يعني الفاتحة ـ «فإذا قال العبد: ُ ' ( % × ء پ! ! ِ قال الله: حمدني عبدي» [(470)] ولم يقل: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم؛ فدل على أن أول الفاتحة: ُ ' ( % × ء پ! ! ِ .
}744{ هذا الحديث أصح وأفضل ما ورد من صيغ الاستفتاحات في الصلاة، وهو قوله: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» ، فقد اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم؛ وفي لفظ: «اغسلني من خطاياي» [(471)].
وأخصر صيغ الاستفتاح وأسهلها: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» [(472)]؛ حيث يحفظها أغلب الناس وهي أفضلها في ذاتها؛ لأنها كلها ثناء على الله، وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يلقنه الناس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أصح منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بهما في الفرائض.
وهناك صيغ أخرى للاستفتاح، منها: «الله أكبر كبيًرا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً» . أخرجه مسلم[(473)].
وإذا استفتح المرء الصلاة بأي صيغة من صيغ الاستفتاحات الواردة أصاب السنة.
وهناك استفتاحات أخرى عند قيام الليل ، كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» [(474)]
وأيضًا الاستفتاح الذي رواه ابن عباس في قيام الليل، وهو استفتاح طويل «اللهم أنت الحق، وأن النار حق، والجنة حق، والنبيين حق» [(475)].
;
}745{ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا لاَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ قَالَ نَافِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ خَشِيشِ أَوْ خَشَاشِ».
}745{ حديث أسماء بنت أبي بكر فيه : بيان صفة صلاة الكسوف، وأنها ركعتان، في كل ركعة ركوعان وسجدتان، وهذا أصح ما ورد في صلاة الكسوف فتكون أربع ركوعات وأربع سجدات.
وفيه: أنها صلاة طويلة يطول فيها الركوع والقيام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قراءة طويلة ، ثم يركع ركوعًا طويلاً ، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ، ويقرأ قراءة طويلة ، ثم يركع الركوع الثاني ، ثم يرفع ، ثم يسجد؛ وجاء في روايات أخرى أنه في كل ركعة ثلاث ركوعات[(476)]، وأربع ركوعات[(477)]، وخمس ركوعات[(478)].
قال العلماء: إن الروايات التي فيها زيادة على الركوعين شاذة، وهي وهم؛ لأن الكسوف إنما حصل مرة واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب: أنها ركعتان ـ وهو الذي اتفق عليه الشيخان ـ في كل ركعة ركوعان.
وفي هذا الحديث إثبات الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان الآن؛ ففيه أنهما قُرِّبتا للنبي صلى الله عليه وسلم، ومُثِّلتا له أيضًا كما سيأتي في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مثلتا لي في قبلة هذا الجدار» [(479)].
وهذا الحديث تكلم العلماء في مناسبته للترجمة «بَاب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ» ، فقال بعضهم: إن دعاء الاستفتاح مستلزم لتطويل القيام ، وحديث الكسوف فيه تطويل القيام فتناسبا، وذكر بعضهم أن المناسبة في قوله: «حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ» ؛ أنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف.
; رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِْمَامِ فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ
}746{ حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.
}747{ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ.
}748{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ قَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا».
}749{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الآْنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمْ الصَّلاَةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ثَلاَثًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: «فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ» ؛ فيه: أنه لا بأس برفع البصر إلى الإمام في الصلاة؛ لأن هذا من تمام الصلاة، ويعين على متابعته إذا ركع وإذا سجد.
قوله: «حِينَ رَأَيْتُمُونِي» ؛ فيه: إقرارهم على نظرهم إليه صلى الله عليه وسلم؛ فإذا نظر المأموم إلى الإمام فلا بأس؛ لأن هذا لمصلحة الصلاة، وهو من مقاصد الائتمام.
أما نظره يمينًا وشمالاً فلا، وينبغي أن يكون نظره إلى موضع السجود، وقال بعضهم: ينظر أمامه إلى القبلة، والأرجح أنه ينظر إلى موضع السجود.
}746{ قوله: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ» ؛ هذا يدل على نظرهم إليه، فلولا أنهم ينظرون إليه لما رأوا اضطراب لحيته؛ فنظر المأموم إلى الإمام بقصد الائتمام لا بأس به عند الحاجة، والأكمل والأفضل للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم القراءة في الصلاة السرية أحيانًا[(480)]، فيجهر في القراءة، وهذا ـ والله أعلم ـ حتى يعلم الناس أنه يقرأ.
}747{ قوله: «يَرَوْنَهُ» فيه: أنهم كانوا ينظرون إلى الإمام حين يركع وحين يسجد. وفيه : أن الواجب على المأموم أن يتأخر حتى يسجد الإمام ثم يتبعه.
}748{ قوله: «رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ» فيه أنهم كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أقرهم على ذلك، ولم ينكر عليهم.
وفيه إثبات الجنة والنار، وأنهما مثلتا له وكشفتا له صلى الله عليه وسلم.
وفيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن الجنة والنار لا تخلقان إلا يوم القيامة، وأنهما الآن معدومتان، وقولهم هذا من أبطل الباطل.
قوله: «تَكَعْكَعْتَ» ، أي: تأخرت وأحجمت، وفي رواية: «تأخر وتأخرت الصفوف خلفه» [(481)]، فهذا يدل على أنهم كانوا ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم، فإذا نظر المأموم إلى الإمام فلا حرج؛ لأن هذا من مقاصد الائتمام به.
}749{ قوله: «رَقِيَ» على وزن رضي، والمعنى صعد، أما رَقَى ـ بالألف- على وزن غزا، فإنه من الرقية، وهي القراءة على المريض.
قوله: «مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ» ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف في المسجد.
قوله: «الْخَيْرِ» ، يعني: الجنة، «وَالشَّرِّ» ، يعني: النار؛ أي: أنه رأى الخير والشر في وقت واحد.
; رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ
}750{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ» فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».
}750{ في الحديث: دليل على تحريم رفع البصر إلى السماء في الصلاة؛ لأن الوعيد لا يكون إلا على فعل محرم ، وذلك في قوله: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» ، فهو وعيد شديد يدل على تحريم رفع المصلي بصره إلى السماء، لكن لا يدل على بطلان الصلاة؛ فقد تكون الصلاة صحيحة مع الإثم.
أما رفع البصر خارج الصلاة فلا بأس به، وقول البعض: إنه يشمل الصلاة وخارجها غير وجيه؛ فالله تعالى قد أمر بالنظر في مخلوقاته، فقال سبحانه: [الغَاشِيَة: 17-18]{أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ *وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ *}.
; الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ
}751{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَْحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ».
}752{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَقَالَ: «شَغَلَتْنِي أَعْلاَمُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ».
لم يجزم المؤلف رحمه الله بحكم الالتفات في الصلاة هل هو مكروه أو محرم ، فقال: «بَاب الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ» .
وجمهور العلماء على أنه مكروه.
وذهب الظاهرية إلى أنه حرام إلا عند الحاجة.
والصواب أنه إذا لم يكن هناك حاجة فهو مكروه؛ وعلة كراهة الالتفات أنه يؤثر في الخشوع.
}751{ قوله: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ» يدل على كراهة الالتفات بالرأس في الصلاة، وأن الكراهة للتنزيه إلا لحاجة، كالتفات أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما كان يؤم الناس في الصلاة فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في مرض موته صلى الله عليه وسلم.
أما إذا التفت بجسمه واستدبر القبلة بطلت صلاته.
وإن مر أمامه ثعبان، فإنه يقتله دون أن يستدبر القبلة.
}752{ قوله: «خَمِيصَةٍ» ، هي: كساء مربع: «لَهَا أَعْلاَمٌ» يعني: أن فيه خطوطًا أو نقوشًا.
قوله: «بِأَنْبِجَانِيَّةٍ» هي: كساء ليس فيه خطوط.
قوله: «شَغَلَتْنِي أَعْلاَمُ هَذِهِ» ، يعني: خطوط الخميصة التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «اذْهَبُوا بِهَا» أي: بالخميصة التي فيها الخطوط.
ووجه مناسبة الحديث للترجمة: أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقه، كان قريبًا من الالتفات.
وفيه: أنه ينبغي للمصلي أن يبعد كل ما يشغله أو يؤثر في خشوعه، ومن ذلك الفُرُش التي فيها النقوش؛ فإنها تشوش على المصلي، فينبغي أن يصلي على فرش ليس فيها نقوش، وكذلك إذا كان أمامه في الجدار نقوش أو كتابة أو ألوان كل هذا مكروه، والأولى أن يكون كل ذلك خاليًا من الخطوط والنقوش.
; هَلْ يَلْتَفِتُ لأَِمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ
أَوْ يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ
وَقَالَ سَهْلٌ: الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَرَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
}753{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ: حِينَ انْصَرَفَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ» رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ.
}754{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: «أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ» فَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.