شعار الموقع

شرح كتاب الأذان من صحيح البخاري (10-53)

00:00
00:00
تحميل
117

فلا بأس بالجمع بين السورتين، فمثلاً يقرأ [الإخلاص: 1]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، و [الفَلَق: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}، و [النَّاس: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *} في ركعة، أو يقرأ المفصل كله كما في الحديث الأخير، أن رجلاً قرأ المفصل كله في ركعة، والمفصل من {ق *} إلى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}، وكذلك القراءة بخواتيم السور لا بأس به، وذكر ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» أنه يكره، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقرأ بخواتيم السور وإنما يقرأ من أول السورة[(527)]، لكن الصواب أنه لا بأس به فالأصل في هذا قول الله تعالى: [المُزّمل: 20]{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، وهذا عام فإذا قرأ بسورة كاملة، أو قرأ بسورتين أو ثلاث سور في ركعة، أو قرأ بآخر السورة أو من أولها أو من وسطها فلا بأس.

قوله: «وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ» ، يعني :يقرأ في الركعة الأولى بسورة الغاشية، وفي الثانية بسبح فهذا لا بأس به، وجائز على الصحيح، لكن الأفضل أن يرتب السور، فيقرأ في الركعة الأولى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *} والثانية {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}، وإذا قرأ بسورة قبل سورة فلا بأس؛ لأن ترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص.

قوله: «وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ» ، يعني: يقرأ بأول السورة كما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أول سورة المؤمنون، في الفريضة والنافلة.

قوله: «قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ» ، يعني: سورة المؤمنون.

قوله: «حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ» ، فيه: أنه قرأ من أول السورة حتى جاء ذكر موسى فركع، فقد قرأ صلى الله عليه وسلم ببعض سورة؛ وعليه فلا بأس بذلك.

وقوله: «أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ» ، يعني: أصابه سعال شديد، أو صوت ناتج عن وجع الحلق ويبوسته.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «والسعلة من السعال، قيده كثير من الناس بفتح السين، وقيل: إنه وهم، وأن الصواب بضمها، والله أعلم».

وفي رواية ابن ماجه: «شرقة» [(528)].

قوله: «وَقَرَأَ الأَْحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُْولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ» ، وترتيب السور فيه خلاف على قولين لأهل العلم:

القول الأول: أن ترتيب السور بالاجتهاد؛ وعليه فلا بأس بقراءة سورة قبل سورة.

القول الثاني: أن ترتيب السور توقيفي بالنص، وعليه فلا يجوز تنكيس السور، بل يجب ترتيبها، فلا يجوز أن يقرأ: [النَّاس: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *} قبل: [الفَلَق: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}، بل يقرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *} ثم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}، وما فعله الأحنف هنا من تنكيس السور وذلك أنه قرأ الكهف ثم قرأ في الثانية يوسف أو يونس -دليل على أنه يرى أن ترتيب السور بالاجتهاد وهذا هو الصواب.

وأما ترتيب الآيات داخل السورة الواحدة فإنه توقيفي بالنص وذلك بالإجماع، فآيات السورة الواحدة لا يجوز فيها أن يقرأ آية قبل آية، وهذا بالاتفاق.

قوله: «وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه الصُّبْحَ بِهِمَا» ، يعني: أن الأحنف ذكر أن هذا فعل عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه وهو يقتدي به.

قوله: «وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ الأَْنْفَالِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ» وهذا لا بأس به؛ لأنه لا يلزم أن يكمل الآيات التي قرأ بها في الركعة الأولى؛ فالأصل في هذا قول الله تعالى: [المُزّمل: 20]{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} لكن الأفضل أنه إذا قرأ من سورة فعليه أن يقرأ الآيات التي بعدها، خروجًا من الخلاف.

ولو قرأ سورة واحدة وكررها في ركعتين فلا بأس؛ فقد ثبت في «سنن أبي داود» أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر بالزلزلة في الركعتين كلتيهما[(529)].

 

}774{ قوله: «كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَْنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يُقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ [الإخلاص: 1]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» ، والمعنى: أنه كان يقرأ سورتين فإذا قرأ الفاتحة قرأ: ُ س ش ص ض ء ـ! ! ِ ، ثم يقرأ السورة الثانية، وفي الركعة الثانية كذلك.

قوله: «فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ» ، يعني: أنكروا عليه.

قوله: «فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ» ، يعني: سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}.

قوله: «لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى؟» ، يعني: إما أن تكتفي بقراءتها ولا تقرأ معها سورة أخرى، أو تدعها وتقرأ سورة أخرى.

قوله: «فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ» أي: أنه سيقرأ بـ ُ س ش ص ض ء ـ! ! ِ سيقرأ سورة معها، فإن أحبوا أن يؤمهم هكذا، وإلا تركهم.

قوله: «وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وكرهوا أن يؤمهم غيره، إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث، وإما لكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرره».

قوله: «فَقَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» .

وفي الحديث : أن حب هذه السورة من أسباب دخول الجنة؛ لأنه يلزم من حبها أن يتأمل ويتدبر هذه السورة العظيمة بما اشتملت عليه من الأسماء الكريمة [الإخلاص: 1-2]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} فالصمد : السيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، ولا يحتاج إلى شيء، وهو الأحد الذي لا نظير له ولا مثيل له [الإخلاص: 4]{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} لم يتفرع منه شيء ولم يتفرع من شيء، ليس له ولد ولا والد، بل هو واجب الوجود سبحانه وتعالى، ُ ] ء _ . ! ء »! ! ِ أي: ليس له مثيل، فمن يتدبر هذه الأسماء ويتأملها ويعمل بمقتضاها فيدخل في العبادة لله عز وجل كان ذلك من أسباب دخوله الجنة.

 

}775{ قوله: «قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ» المفصل ـ على الصحيح: من أول سورة {ق *} إلى {ق *}، ثم قالوا: وحزب المفصل واحد من {ق *} إلى ُ 9 : ؛ چ ء ـ! ! ِ .

فهذا الرجل قال لابن مسعود: «قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ» ، فقال له ابن مسعود: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ» يعني: استنكر ابن مسعود رضي الله عنه هذا الفعل منه وقال: قرأت هذه السور الكثيرة بدون تدبر وتأمل؛ وذلك أنك تسرع في قراءتها وتهذها كهذِّ الشعر، ثم قال: «لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ» ، يعني: هناك سور من المفصل كل سورة منها تقرن بسورة معها، قال: «فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» . وهذا فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين السورتين في ركعة؛ فدل على جواز الجمع بين السورتين في ركعة في الفريضة والنافلة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» . وقع في فضائل القرآن من رواية واصل عن أبي وائل «ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم» [(530)] يعني: من الحواميم ـ غافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والاحقاف ـ وهذا في الصحيح.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وقد روي تفسير هذه السور التي ذكرها ابن مسعود في روايات أخر عنه، وفي رواية لمسلم في هذا الحديث: «ثمان عشرة من المفصل، وسورتين من آل حم» [(531)]، وفي رواية لأبي داود من طريق أبي إسحاق، عن الأسود وعلقمة، عن عبدالله قال: الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة و(ن) في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، والمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى والقيامة في ركعة وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان والتكوير في ركعة[(532)].

قال أبو داود: هذا تأليف من ابن مسعود رضي الله عنه.

وليس في هذه الرواية من آل حم سوى سورة الدخان، وهذا يخالف رواية مسلم المتقدمة: «وسورتين من آل حم ».

على كل حال فالجمع بين السورتين لا إشكال فيه ولا كراهة سواء كان في الفريضة أو في النافلة.

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وعرف بهذا أن قوله في رواية واصل: «وسورتين من آل حم» مشكل لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب، أو فيه حذف كأنه قال: وسورتين إحداهما من آل حم، وكذا قوله في رواية أبي حمزة: «آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون» [(533)] مشكل؛ لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات، وأما عم فهي في رواية أبي خالد السابعة عشرة، وفي رواية أبي إسحاق الثامنة عشرة فكأن فيه تجوزًا؛ لأن عم وقعت في الركعتين الأخيرتين في الجملة، ويتبين بهذا أن قوله في حديث الباب: «عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ» تجوزًا لأن الدخان ليست منه؛ ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل، نعم يصح ذلك على أحد الآراء في حد المفصل كما تقدم، وكما سيأتي بيانه أيضا في فضائل القرآن».

يعني: على أحد الأقوال أن الحواميم من المفصل والصواب أن المفصل أوله {ق *}، وأن الحواميم ليست من المفصل.

ومما يدل على جواز القراءة من الآيات ولو من وسط السورة ما جاء في السنة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر بآية البقرة: [البَقَرَة: 136]{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}، وفي الركعة الثانية بآية آل عمران [آل عِمرَان: 64]{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}، فهذه آية من وسط البقرة وهذه آية من وسط آل عمران، والنافلة والفريضة سواء.

;  يَقْرَأُ فِي الأُْخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ

}776{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُْولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُْخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الآْيَةَ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ.

 

}776{ استدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث على أنه يقتصر في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر على فاتحة الكتاب، وكذلك العشاء وكذلك الثالثة في المغرب، لكن جاء في حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما قرأ مع الفاتحة في الركعتين الأخريين من الظهر، فإنه ذكر أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بمقدار ثلاثين آية وفي الأخريين على النصف من ذلك[(534)] يعني: خمس عشرة آية والفاتحة سبع آيات يقرأ معها سبع آيات أو ثمان آيات، فإذا قرأ في بعض الأحيان في الركعتين الأخريين في الظهر زيادة على الفاتحة فلا بأس.

وجاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سُمع يقرأ في الركعة الثالثة من المغرب بعد الفاتحة: [آل عِمرَان: 8]{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *}.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قد خرج البخاري هذا الحديث فيما سبق من رواية شيبان وهشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، وليس في حديثهما: «ويقرأ في الركعتين الأخريين بأم الكتاب» ، وخرجه هاهنا من طريق همام، عن يحيى بهذه الزيادة، وخرجه مسلم في «صحيحه» من راوية همام وأبان العطار، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير[(535)].

وقد سأل الأثرم الإمام أحمد عن هذه الزيادة: أثبتت هي؟ قال: رواها عدة، ورواها بعضهم عن الأوزاعي، فقال له الأثرم: هشام لا يقولها؟ قال: نعم، هشام لا يقولها.

وقد ذهب أكثر العلماء إلى القول بذلك، وأنه لا يزيد في الركعتين الأخريين والثالثة من المغرب على فاتحة الكتاب».

وهذه الزيادة ثابتة؛ لأن يحيى وهمامًا ثقات.

;  مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

}777{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قُلْتُ لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِه.

 

}777{ في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بقراءته في الظهر والعصر، وأنهم رضوان الله عليهم كانوا يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ من اضطراب لحيته، وأنه كان يسمعهم الآية أحيانًا[(536)].

والشاهد: أنه صلى الله عليه وسلم كان يُسِرُّ في صلاة الظهر والعصر.

;  إِذَا أَسْمَعَ الإِْمَامُ الآْيَةَ

}778{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُْولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَيُسْمِعُنَا الآْيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى.

 

}778{ هذا هو الإسماع الذي في صلاة الظهر والعصر؛ ليعلم المأموم بقراءته، أما المأموم فإنه يُسِرّ، وليس المعنى أن الإمام يجهرفيها كالمغرب أو يقرأ الآية كاملة، بل يجهر ببعض كلماتها جهرًا خفيفًا؛ فيعلم الناس أنه يقرأ.

;  يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى

}779{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ.

 

}779{ السنة أن تكون الركعة الأولى أطول من الثانية في الفجر وفي الظهر وكذلك في العصر وفي العشاء.

;  جَهْرِ الإِْمَامِ بِالتَّأْمِينِ

وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ

أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً

وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإِْمَامَ لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ

وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا

}780{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الإِْمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ آمِينَ.

 

قوله: «آمِينَ دُعَاءٌ» معناها: اللهم استجب.

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وفي «آمين» لغتان: المد، والقصر، والميم مخففة، وحكي عن بعضهم تشديدها، وقالوا: معناها قاصدين نحوك، وزعم بعضهم أن آمين اسم من أسماء الله».

ويستحب الجهر بها للإمام وللمأموم جميعًا وللمنفرد أيضًا في الصلاة الجهرية، أما في السرية فكلٌّ يقرأ ويسر؛ الإمام والمأموم والمنفرد.

قوله: «أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً» ، وذلك كما هو المشهور الآن، يؤمن الإمام ويؤمن من خلفه حتى يكون المسجد له لجة.

قوله: «وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإِْمَامَ لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ» ، فقد كان أبو هريرة رضي الله عنه مؤذنًا لمروان بن الحكم لما كان أميرًا على المدينة، فربما كان مروان يسابقه فيكبر قبل أن ينزل، أو كان أبو هريرة رضي الله عنه يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف ومروان يسرع في القراءة فيخشى أن يفوته التأمين، فقال أبو هريرة لمروان: «لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ» ، أي: لا تستعجل حتى ألحق الصلاة وأؤمن خلفك.

قوله: «وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ» ، يعني: لا يدع التأمين، «وَيَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا» ؛ وذلك لما فيه من الدعاء ورجاء الاستجابة.

 

}780{ يستفاد من هذا الحديث: بيان فضل التأمين، وأنه من أسباب مغفرة الذنوب، وأن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له.

قوله: «إِذَا أَمَّنَ الإِْمَامُ فَأَمِّنُوا» ، استُدل به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام، وأن المأموم لا يؤمن حتى يؤمن الإمام؛ لأنه رتبه عليه بالفاء، فقال: «إِذَا أَمَّنَ الإِْمَامُ فَأَمِّنُوا» والفاء تفيد الترتيب والتعقيب، وممن قال بهذا وأفتى به العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ فقد أخبرني من أثق به أنه كان في سفر الحج ، فكان رحمه الله يأمرهم بذلك ويقول: لا تؤمنوا حتى يؤمن الإمام.

والصواب أن تأمين المأموم لا يتقيد، وهذا الحكم المفهوم من هذا النص منفي ولا يعمل به؛ لقوله في الحديث الآخر الذي سيأتي: «إذا قال الإمام: [الفَاتِحَة: 7]{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} فقولوا: آمين يجبكم الله» [(537)] فهذا ليس فيه كون تأمين المأموم مرتبًا على تأمين الإمام، فيجوز للمأموم أن يؤمن مع الإمام ، أو قبله ، أو بعده ولا حرج.

وقوله: «إِذَا أَمَّنَ الإِْمَامُ فَأَمِّنُوا» ، مفهومه أن المأموم لا يؤمن إلا إذا أمن الإمام، وحديث: «إذا قال الإمام: ُ ؛ چ 9 : ؟ ء صلى الله عليه وسلم! ! ِ فقولوا: آمين» ؛ منطوق، والمنطوق مقدم على المفهوم ، كما هو معلوم عند أهل الأصول.

وفي الحديث: مشروعية التأمين للإمام؛ حيث بوَّب المؤلف عليه فقال: «بَاب جَهْرِ الإِْمَامِ بِالتَّأْمِينِ» .

وفيه: الرد على من قال: إن التأمين يختص بالمأموم. والأمر بالتأمين للندب، فهو مستحب وليس بواجب عند الجمهور.

- والتأمين من خصائص هذه الأمة التي وفقها الله له وحرمه غيرهم، وحسدنا اليهود من أجله كما في الحديث: «إن اليهود حسدونا على قولنا خلف الإمام: آمين» [(538)]؛ لأنه من الخصائص.

وبعض الطوائف المنحرفة كالرافضة لا يؤمِّنون ولا يجهرون بالتأمين، بل لو أمنت وأنت بين أظهرهم عرفوا أنك من أهل السنة، وتربصوا لك بكل شر.

$ر مسألة: كيف يوافق تأمين الإنسان تأمين الملائكة؟

_خ الجواب: عِلْم هذا عند الله، لكن الإنسان يحرص على التأمين لعله يوافق تأمين الملائكة.

;  فَضْلِ التَّأْمِينِ

}781{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُْخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

 

}781{ قوله: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُْخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، فيه: فضل التأمين.

وفيه: دليل على أنه لا يتقيد تأمين المأموم بتأمين الإمام.

قوله: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ» ، سواء كان إمامًا أو مأمومًا، ففيه فضل التأمين لكليهما.

والشارح رحمه الله ذكر أنه يؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء كان داخل الصلاة أو خارجها، وفي رواية مسلم: «إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين» [(539)] قال: إنه يحمل المطلق على المقيد.

;  جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ

}782{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِْمَامُ: [الفَاتِحَة: 7]{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} فَقُولُوا: آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

 

}782{ قوله: «فَقُولُوا: آمِينَ» فيه مشروعية جهر المأموم بالتأمين.

وفيه : أن تأمين المأموم لا يتقيد بتأمين الإمام؛ حيث قال: «إِذَا قَالَ الإِْمَامُ: [الفَاتِحَة: 7]{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} فَقُولُوا: آمِينَ» ولم يقل: إذا قال الإمام: آمين فقولوا: آمين، ومنطوق هذا الحديث يلغي المفهوم من الحديث السابق: «إذا أمن الإمام فأمنوا» [(540)].

والسنة في الصلاة الجهرية ـ كصلاة الفجر والعشاء والمغرب ـ سواء صلى وحده أو مع جماعة أن يجهر بالقراءة وبالتأمين، وإن أسر صحت الصلاة لكن السنة الجهر.

;  إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ

}783{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ الأَْعْلَمِ وَهُوَ زِيَادٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ».

 

}783{ يستفاد من هذا الحديث أن المأموم إذا ركع دون الصف ثم دخل فيه فصلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة رضي الله عنه بالإعادة، وهذا مستثنًى من حديث: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» [(541)] فإنه يخصص هذا الحديث؛ لأن أبا بكرة رضي الله عنه ركع دون الصف ثم دب دبيبًا حتى دخل في الصف حرصًا على إدراك الركعة، لكنه لا ينبغي للمصلي أن يفعل هذا؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة عن أن يركع دون الصف، فقال: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ» .

وفيه: أن من أدرك الإمام راكعًا فقد أدرك الركعة وتسقط عنه الفاتحة، وهذا مستثنًى أيضًا من حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» [(542)]، والبخاري رحمه الله يرى أن من أدرك الإمام راكعًا لا تسقط عنه الفاتحة وأنه لم يدرك الركعة؛ فالبخاري هنا لم يجزم بالحكم، فقال: «بَاب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ» ، أي: ما الحكم؟ هل تصح صلاته أو لا تصح؟ لأن المسألة فيها خلاف، والصواب أنه تصح صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة، بل قال: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ» ، أي: ولا تعد لمثل هذا العمل فتركع دون الصف، أو «ولا تُعِدْ» يعني: لا تعد صلاتك، أو «وَلاَ تَعُدْ» ؛ ففيها روايات.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «تنبيه: قوله: «وَلاَ تَعُدْ» ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روي بضم أوله وكسر العين من الإعادة ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني: «صل ما أدركت، واقض ما سبقك» [(543)] وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف» [(544)] واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها»، يعني: يدخل معه، فإذا جاء والإمام راكع يركع معه، وإذا جاء والإمام ساجد يسجد معه.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد ورد الأمر بذلك صريحًا في «سنن سعيد بن منصور» ، من رواية عبد العزيز بن رفيع ، عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من وجدني قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا فليكن معي على الحال التي أنا عليها» [(545)] وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعًا[(546)] وفي إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة».

وصلاة المنفرد خلف الصف لا تصح لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» [(547)]. فعليه أن يعتني، إما أن يجد فرجة في الصف، وإما أن يصف عن يمين الإمام.

;  إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ

}784{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَأَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ.

}785{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

 

قوله: «إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ» يراد به أحد أمرين: إما أن يمده بحيث ينتهي بتمامه، وأما يكمل عدد تكبيرات الصلاة، فيتم التكبيرات في كل خفض ورفع، فيكبر في الركوع وفي السجود وفي الرفع وفي الخفض.

}784{ في الحديث: فضل علي رضي الله عنه وعنايته بالسنة وتحريه لها، وهو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين.

وقوله: «ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَأَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ» . يؤيد هذا أن المراد إتمام التكبير في كل خفض ورفع، وهذه هي السنة ـ التكبير في الخفض والرفع ـ خلافًا لما فعله بعض أمراء بني أمية، فإنهم تساهلوا وصاروا لا يكبرون، ولا يُسمعون ـ فإما كبروا سرًّا، وإما اقتصروا على تكبيرة الإحرام ـ حتى إن بعضهم استنكر من يكبر كما سيأتي.

فالسنة التكبير في كل خفض ورفع، فإذا ركع كبر وإذا رفع قال: سمع الله لمن حمده، وإذا سجد كبر، وإذا رفع كبر؛ وهكذا في كل خفض ورفع.

 

}785{ يستفاد من هذا الحديث الذي هو من فعل أبي هريرة رضي الله عنه، ثم رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم: أن المراد بإتمام التكبير إتمامه في كل خفض ورفع.

;  إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ

}786{ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

}787{ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ أُمَّ لَكَ.

 

}786{ في الحديث: مطرف فيه مشروعية التكبير في كل خفض ورفع.

وفيه: إتمام التكبير في السجود ـ يعني إتمام عدد التكبيرات ـ فالتكبيرات لها عدد في الرباعية وفي الثلاثية وفي الثنائية، ومن إتمامها إتمام التكبير في السجود والركوع.

 

}787{ قوله «رَأَيْتُ رَجُلاً عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ» ، فيه: استنكار عكرمة مولى ابن عباس ذلك من الرجل، لما روي أنه قال: «شيخ أحمق يكبر بثنتين وعشرين تكبيرة في كل صلاة» [(548)]؛ وذلك لأن بعض أمراء بني أمية كانوا لا يكبرون أو كانوا يسرون بالتكبير، وهذا مما غير فيه بنو أمية، وأمراء بني أمية ما لهم حجة في هذا، وهم أمراء وليسوا علماء، وليسوا أهلاً للحِجَاج.

فأخبرعكرمه ابنَ عباس رضي الله عنهما فأنكر استنكاره هذا، وقال له: «أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ أُمَّ لَكَ؟!» وظاهره دعاء عليه بفقد أمه، وليس كذلك، فالمراد به التأكيد وهو مما يجري على اللسان من غير قصد.

;  التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ

}788{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ.

}789{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ.

 

}788{ في الحديث : بيان استنكار عكرمة لما رأى هذا الشيخ يكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فقال لابن عباس رضي الله عنهما: «إِنَّهُ أَحْمَقُ» ؛ لأنه رأى أمراء بني أمية لا يكبرون إلا تكبيرة الإحرام، وهذا الرجل كان يكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، وهذا في الرباعية، فالصلاة الرباعية في كل ركعة منها خمس تكبيرات، فتكون عشرين تكبيرة، وتكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، فيكون المجموع اثنتين وعشرين تكبيرة؛ أما الثلاثية ففي كل ركعة خمس تكبيرات، فتلك خمس عشرة تكبيرة؛ وتكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، فتلك سبع عشرة تكبيرة؛ وأما الجمعة، والفجر، والنافلة، ففيها إحدى عشرة تكبيرة في الركعتين؛ عشر تكبيرات مع تكبيرة الإحرام.

وكان عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما يصلي خلف أمراء بني أمية فكانوا يسرون بالتكبير أو لا يكبرون، فلما رأى هذا الشيخ بمكة يكبر ثنتين وعشرين تكبيرة جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما وقال: هذا أحمق يكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقال له: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

}789{ في الحديث: دليل على أن السنة هي التكبير في كل خفض ورفع كما سبق، أما ما فعله أمراء بني أمية ففيه مخالفة للسنة.

وقد اتفق العلماء على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لكن اختلفوا في باقي التكبيرات هل هي واجبة أم سنة؟

فالجمهور على أنها سنة، وذهب الإمام أحمد[(549)] إلى أنها واجبة، وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ على التكبير وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(550)] فإذا تركها سهوًا يجبرها بسجود السهو، ولا يجوز له أن يتركها عمدًا على الصحيح.

- والحكمة من مشروعية التكبير هي تعظيم الله تعالى في كل خفض ورفع مع تنبيه المصلي.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله نقلاً عن ابن المنير: «الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية».

وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله: «ولو قيل: إن الحكمة في شرعية تكرار التكبير تنبيه المصلي على أن الله سبحانه أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم فلا ينبغي التشاغل عن طاعته بشيء من الأشياء ، بل ينبغي الإقبال عليها بالقلب والقالب والخشوع فيها تعظيمًا له سبحانه وطلبًا لرضاه لكان ذلك متوجهًا والله أعلم»[(551)].

وعلى القول بأن التكبير واجب فالتسميع، وقول: «رب اغفر لي» بين السجدتين، وقول: «سبحان ربي العظيم» في الركوع، و«سبحان ربي الأعلى» في السجود كلها واجبة، والجمهور على أنها مستحبة لو نسيها يسجد للسهو، وإذا كان مع الإمام فإنه يتحمل عنه إذا كان من أول الصلاة، فإن فاته شيء يقضي ما فاته ثم يسجد للسهو.

;  وَضْعِ الأَْكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ أَمْكَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ

}790{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ.

 

}790{ هذا الحديث: يدل على أن المصلي يضع يديه على ركبتيه في ركوعه، أما التطبيق فهو منسوخ، فقد كانوا في أول الإسلام يطبق الواحد بين يديه ويضعهما بين ركبتيه وهو راكع، ثم نسخ وأمروا بأن يضعوا الأيدي على الركب في الركوع، وقد خفي هذا على ابن مسعود رضي الله عنه فكان يفعل التطبيق، وأبان سعدُ بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه أنه منسوخ، فقال: «كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ» .

;  إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ

}791{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم.

 

لم يجزم الإمام البخاري رحمه الله في الترجمه بالحكم، فقال : «بَاب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ» ، أي: ما حكم الصلاة حينئذ؟ واستدل بحديث حذيفة على أنه يؤمر بإعادة الصلاة؛ لأنها باطلة؛ فهذا جواب إذا المحذوف، والتقدير: باب إذا لم يتم الركوع فإنه يؤمر بإعادة الصلاة لبطلانها.

}791{ قوله: «مَا صَلَّيْتَ» ، يستفاد منه أنه إذا لم يتم الركوع فصلاته باطلة؛ فيؤمر بإعادتها؛ لأنه نفى وجود الصلاة، والذي تنفى عنه الصلاة تكون صلاته باطلة، فقوله: «مَا صَلَّيْتَ» ، أي: صلاة حقيقية، وإن كنت صليت صلاة صورية، والصلاة الصورية لا تبرأ بها الذمة.

قوله: «وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ» ، والفطرة هي الإسلام «الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم» . وهذا دليل على وجوب الطمأنينة، وهي السكون في كل ركن حتى يعود كل مفصل إلى موضعه.

;  اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ

}792{ حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: كُانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلاَ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ.

}793{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلاَثًا فَقَالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا».

 

قوله: «هَصَرَ ظَهْرَهُ» ، أي: جعل ظهره مستويًا، وهذه هي السنة، وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع كان ظهره مستويًا حتى لو وضع عليه قدح فيه ماء لما تحرك[(552)].

 

}792{ قوله: «قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ» ، يعني: أن صلاته صلى الله عليه وسلم متناسبة ومتقاربة، فالركوع والسجود والجلسة بين السجدتين والرفع من الركوع كلها متقاربة، فطول الركوع بطول السجود، وطول الجلسة بين السجدتين بطول القيام بعد الركوع «مَا خَلاَ الْقِيَامَ» ؛ لأنه طويل لقراءة الفاتحة وما تيسر، والقعود للتشهد كذلك؛ لأنه طويل، وما عدا ذلك فصلاته متناسبة.

وبعض الناس يخفف القيام بعد الركوع ، ويخفف الجلسة بين السجدتين ، فهذا خلاف السنة، فالسنة أن يكون قيامه بعد الركوع مثل طول ركوعه، وكذلك الجلسة بين السجدتين مثل طول السجود.

 

}793{ هذا الحديث يسمى عند أهل العلم بحديث المسيء صلاته، وفيه من الأحكام والفوائد الكثير:

1- أن الذي لا يتم ركوعه أو سجوده صلاته باطلة يؤمر بإعادتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ثلاث مرات: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ، فنفى صلاته، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ تُصَلِّ» ، أي: لم تصل صلاة شرعية ، وإن كنت صليت صلاة صورية.

2- عناية الإمام برعيته والنظر في أحوالهم.

3- مباشرة الإمام التعليم بنفسه.

4- أن الطمأنينة ـ وهي السكون والهدوء حتى يعود كل فقار إلى مكانه ـ ركن من أركان الصلاة لا تصلح الصلاة إلا بها ، وأنه إذا انعدمت الطمأنينة بطلت الصلاة.

5- الرفق بالجاهل في التعليم وعدم التعنيف عليه، فقد تركه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث مرات ولم يعلمه في أول مرة لأمرين:

أحدهما: لعله ينتبه للخطأ ويدرك الخطأ بنفسه.

الثاني: أن التعليم بعد الثلاث يكون أوقع في نفسه.

6- أن المسيء في صلاته الذي لا يصلي إلا هذه الصلاة طوال عمره يؤمر بإعادة الصلاة الحاضرة فقط، ولا يؤمر بإعادة الصلوات السابقة خلال السنوات الماضية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره إلا أن يعيد الصلاة الحاضرة، وهو قال: «ما أحسن غيره فعلمني» ، وظاهره أنه لا يصلي إلا هذه الصلاة، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة صلوات السنين الماضية، وإنما أمره بإعادة الصلاة الحاضرة.

7- الزيادة على الجواب والتعليم على ما يحتاجه السائل، فقد ورد في بعض روايات الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر» [(553)].

8- تكرار السلام بعد كل صلاة؛ لأن هذا الرجل صلى ركعتين ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ، ثم رجع فصلى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ، ثم رجع فصلى، ثم سلم ثلاث مرات، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بتكرار السلام، وأن الصلاة تعتبر فاصلاً، حتى ولو كنت تنظر إليه ولو كان قريبًا منك، فهذا كان قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم.

9- أن الواجب على من أرى رجلاً لا يطمئن في الصلاة أن يأمره بإعادة الصلاة ويبين له أن صلاته باطلة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء، فهذا التشريع ليس خاصًّا بهذا الرجل، فإذا رأى الإنسان إنسانًا يصلي صلاة فيها خلل يؤدي إلى بطلانها ولم يأمره بإعادتها يأثم ولا شك.

10- أن كل ما يؤثر على الطمأنينة في الصلاة ينبغي للإنسان ألا يفعله، كصوت المزمار، أو الموسيقى في الهاتف الجوال، فهذا الصوت منكر ولاسيما في المسجد، فعلى الإنسان أن يغلق الجوال في المسجد حتى لا يشوش على المصلين.

والمشهور عند متأخري الأحناف[(554)] أن الطمأنينة سنة، لكن ذكر الطحاوي أن أبا حنيفة[(555)] يرى أن الطمأنينة واجبة، وأن ما زاد على الطمأنينة فهو سنة.

;  الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ

}794{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي».

 

}794{ قوله: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» دعاء يشرع في الركوع وفي السجود، وهو دعاء يسير تابع للتسبيح ولا ينافي ما جاء في الحديث: «نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» [(556)] فالركوع ليس محلًّا للدعاء ، وإنما هو محل للتعظيم، لكن هذا دعاء قليل تابع للتعظيم يشرع أن يقوله في الركوع وفي السجود بعدما يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، ويقول أيضًا: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» [(557)] في السجود وفي الركوع.

;  مَا يَقُولُ الإِْمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ

}795{ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»: قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ».

 

}795{ قوله: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ، هذا للإمام والمنفرد عند الرفع من الركوع وهي السنة، وأما المأموم فيقول: «ربنا ولك الحمد» [(558)] أو «ربنا لك الحمد» [(559)] أو «اللهم ربنا ولك الحمد»، أو «اللهم ربنا لك الحمد» [(560)]، كل هذا مشروع ، وكله جائز جاءت به السنة، فأي لفظة جاء بها المصلي فقد أصاب السنة.

قوله: «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ» ، هذه هي السنة للإمام والمأموم أن يكبر في كل خفض ورفع.

وقوله: «وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ» ، المراد بالسجدتين: الركعتان، وتسمى سجدتين؛ لأن السجدة هي أعظم الأركان، فسمى الركعة سجدة.

;  فَضْلِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ

}796{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِْمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

 

}796{ يستفاد من هذا الحديث: فضل قول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» ، وأن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ـ كما سبق مثله في التأمين ـ.

وفيه : أن الملائكة تقول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» أنها أيضا تؤمن، فإذا قال الإمام: آمين أمنت الملائكة، «ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له» [(561)] وإذا قال الإمام: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» قالت الملائكة: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» ، والمأموم يقول كذلك.

وفيه: دليل على أن المأموم لا يقول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ؛ لقوله: «إِذَا قَالَ الإِْمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» ، وفيه: الرد على من قال: إن المأموم يجمع بينهما، والصواب أن هذا خاص بالإمام والمنفرد، والمأموم يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» .

;

}797{ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَقَرِّبَنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الاُخْرَى مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ الْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ.

}798{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَْسْوَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ.

}799{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلاَّدٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» قَالَ: رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَنْ الْمُتَكَلِّمُ؟» قَالَ: أَنَا قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ».

 

}797{ يستفاد من هذا الحديث : مشروعية القنوت في النوازل، فإذا نزل بالمسلمين نازلة قنت بهم الإمام، واحتج به البعض أنه لا يشترط فيه أن يفعله الإمام ، لأنه دعاء للمؤمنين ودعاء على الكافرين.

وفيه: أن القنوت يكون في الركعة الأخيرة.

وفيه: جواز القنوت في صلاة الظهر والعشاء والصبح، لكن الأفضل أن يقتصر على الفجر وعلى المغرب، وإذا دعت الحاجة إلى القنوت في جميع الصلوات فلا بأس به.

وفيه: أنه يبدأ بالدعاء للمؤمنين أولاً كما فعل أبو هريرة رضي الله عنه «فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ» ، وما يفعله بعض الأئمة من كونه يأتي في النازلة بدعاء القنوت في الوتر أولاً، فهذا غير مشروع في قنوت النوازل، ففي النوازل يبدأ بالدعاء للمؤمنين ويستغفر الله لهم ويدعو لهم، ولا حاجة لمقدمات في الدعاء، وهذا إنما يكون في الوتر، أما في النوازل فيبدأ بالدعاء، كقول: اللهم انصر المجاهدين، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم خالف بين كلمة أعدائهم الكفرة، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم شتت شملهم.

 

}798{ قوله: «كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ» ، يعني: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك بقية الأوقات، لكن في الغالب يكون في المغرب والفجر، وإذا اشتد الأمر يقنت في جميع الصلوات، كما فعل أبو هريرة في العشاء والفجر.

 

}799{ يستفاد من هذا الحديث: فضل الثناء بعد التسبيح ، وأنه مرضٍ لله عز وجل، وأن هذا الثناء يكون بعدما يقول الإمام: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» لما سمع رجلاً يقول: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ» ؛ وإن زاد: «ملء السموات والأرض» [(562)] فحسن، فينبغي المحافظة عليه.

;  الاطْمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ.

}800{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كُانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ.

}801{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ.

}802{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: كُانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَبَ هُنَيَّةً قَالَ: فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الآْخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ.

 

قوله: «الأطمأنينة» ، يعني: الطمأنينة، وهي السكون، وحدُّها: ذهاب الحركة التي قبلها؛ فيسكن حتى تذهب الحركة ويعود كل فقار إلى مكانه، فإذا لم يطمئن بطلت الصلاة كما سيأتي.

}800{ معنى الحديث: أنه يطمئن ويطول في الرفع من الركوع؛ لأن الطمأنينة التي بعد الرفع من الركوع واجبة لابد منها حتى يعود كل فقار إلى موضعه.

وفيه الرد على من قال: لا تجب الطمأنينة بعد الركوع من الأحناف[(563)] فإنهم إذا رفعوا من الركوع سجدوا مباشرة دون طمأنينة، ونقل الطحاوي عن أبي حنيفة[(564)] أنه يقول بوجوب الطمأنينة ، وهي الركود أو السكون، لكن يقول بسنية ما زاد على الطمأنينة.

 

}801{ في هذا الحديث: دليل على أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم متناسبة في الركوع والسجود والرفع والخفض.

وفيه: مشروعية الطمأنينة بعد الركوع، وفي الحديث الآخر: «ما عدا القيام والقعود» [(565)].

 

}802{ قوله: «فَأَنْصَبَ هُنَيَّةً» ، فيه: مشروعية الطمأنينة بعد الركوع.

وقوله: «وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الآْخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ» . هذه تسمى: جلسة الاستراحة، وهي مشروعة مطلقًا، فهي من سنن الصلاة عند بعض العلماء كالشافعية[(566)]؛ حيث يقولون: إنها مستحبة إذا قام للركعة الثانية ، وإذا قام للركعة الرابعة، فهي كرفع اليدين عند الركوع وغيرها من سنن الأفعال.

القول الثاني: أنها مشروعة عند الحاجة إليها من كبر أو مرض؛ لأن أكثر الأحاديث خلت من جلسة الاستراحة، كحديث أبي حميد وغيره، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها لما تقدم به السن، فمالك بن الحويرث قدم إليه صلى الله عليه وسلم في سنة الوفود، وذلك لما كَبِرَت سنُّ النبي صلى الله عليه وسلم فرواها عنه آنذاك.

وإذا فعلها المأموم أو المنفرد فلا بأس، أما إذا فعلها الإمام فعليه أن ينبه المأمومين، أو لا يكبر إلا بعد القيام، فإن خشي الإمام أن يسبقوه فلا يفعل.

;  يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ

وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ.

}803{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الاِثْنَتَيْنِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلاَةِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلاَتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.

}804{ قَالاَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ.

}805{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَْيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا وَقَالَ سُفْيَانُ: مَرَّةً صَلَّيْنَا قُعُودًا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: لَقَدْ حَفِظَ كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَكَ الْحَمْدُ حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الأَْيْمَنِ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَنَا عِنْدَهُ فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَْيْمَنُ.

 

قوله: «بَاب يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ» . هذه الترجمة معقودة لبيان التكبير حين يهوي للسجود، وأنه مشروع للمصلي أن يكبر في كل خفض ورفع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما وصف أبو هريرة رضي الله عنه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال: «إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ففيه: مشروعية التكبير في كل خفض ورفع، إلا إذا رفع رأسه من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وهذا للإمام وللمنفرد على الصحيح ولا يقولها المأموم، أما قول: ربنا ولك الحمد، فيقولها الجميع : الإمام والمأموم والمنفرد.

والجمهور على أن تكبيرات الانتقال كلها مستحبة، وكذا قول: سمع الله لمن حمده، وقول: ربنا ولك الحمد، وقول: رب اغفر لي بين السجدتين، وقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وسبحان ربي العظيم في الركوع، فكل هذه مستحبات عند الجمهور.

القول الثاني : ذهب إليه الإمام أحمد[(567)] وجماعة إلى أنها من واجبات الصلاة، وأنه يجب التكبير في كل خفض ورفع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(568)] فدل على وجوبها وهذا هو الأقرب.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد