وقوله في آخر الحديث: «فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا» ، جاء في رواية مسلم أن الاختلاف إنما هو بين سُمَيّ وبعض أهله، اختلفوا في كيفية التسبيح، والتكبير، والتحميد؛ هل يكون التسبيح، والتحميد، والتكبير مجتمعة، فيقول: سبحان الله، والحمد لله، والله وأكبر، ثلاثًا وثلاثين، أو يكون التسبيح منفردًا، والتحميد منفردًا، والتكبير منفردًا، فيقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، ثلاثًا وثلاثين ثم يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، ثلاثًا وثلاثين، ثم يقول: الله أكبر، الله أكبر، ثلاثًا وثلاثين.
قوله: «فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ» ، يعني: رجع سُمَيّ إلى أبي صالح راوي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقوله: «تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ» ؛ هذا مجمل أيضًا، والمراد أن التسبيح والتحميد والتكبير بعد الاستغفار والتهليل كما دلت عليه الأحاديث المفصلة.
وقوله: «تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» ، يعني: أن أبا صالح قال لسمي، تجمعهن تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين، وقال غيره: يفردها يقول: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين.
وقال بعضهم: إن الإفراد فيه زيادة في الحركات إذا كانت بالأصابع، ويكتب له بهذه الحركات أجر وثواب، بخلاف من جمع سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فلا يحصل من الحركة إلا الثلث، والأمر في هذا واسع، فمن أفردها فهو أفضل، ومن جمعها فلا حرج.
وفي الحديث: بيان نوع من أنواع الذكر بعد الصلاة وهو قول: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين؛ فالجميع تسعة وتسعون، وليس فيه أنه يختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، هكذا علمهم النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قوله: «وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ» فهذا من الاختلاف الذي حصل بين سمي وبعض أهله، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» فالجميع تسع وتسعون فقط.
والنوع الثاني: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، ثم يختم فيقول تمام المائة: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [(680)].
وثبت نوع ثالث أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم أن يقولوا دبر كل صلاة وكذلك عند النوم: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين[(681)] فيكون الجميع مائة.
وهناك نوع رابع أيضًا جاء في الأحاديث ـ وهو ثابت ـ يكون التسبيح خمسًا وعشرين، والتحميد خمسًا وعشرين، والتهليل خمسًا وعشرين، والتكبير خمسًا وعشرين[(682)]، ويكون جميع ذلك مائة.
وجاء أيضًا نوع خامس وهو أن يكون التسبيح إحدى عشرة مرة، والتحميد إحدى عشرة مرة، والتكبير إحدى عشرة مرة، فيكون ثلاثًا وثلاثين[(683)].
وقد يحسن للإنسان أن يعمل بهذا تارة وبهذا تارة.
}844{ قوله: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» ؛ بيان أنه مما يقال دبر الصلاة، وهذا بعد أن يستغفر الله فيقول: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [(684)] وهذا في الصحيح، وثبت في غير الصحيح زيادة «يحيي ويميت» ؛ فعند الترمذي : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» [(685)] وثبت في حديث ابن الزبير رضي الله عنهما عند مسلم يقول بعد ذلك: «لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن» [(686)] فإذا ضم حديث المغيرة مع حديث ابن الزبير كمل الذكر.
وزاد الطبراني رحمه الله من طريق المغيرة رضي الله عنه: «وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» [(687)] ورواته موثقون. ووقع عند الطبراني، وفي «مسند عبد بن حميد»: «ولا راد لما قضيت» [(688)] ووقع عند أحمد، والنسائي، وابن خزيمة، تكرار «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [(689)] ثلاث مرات دبر كل صلاة.
وثبت أيضًا تكرار قوله: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» ، عشر مرات بعد المغرب، وبعد الفجر[(690)]، وهو ثابت في السنن وفي غيرها، ويكون هذا خاصًّا بالمغرب والفجر، أما بقية الصلوات يكون هذا الذكر مرة، أو ثلاث مرات، والأفضل ثلاث مرات.
والسنة أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، ولا يجمع بينهما في وقت واحد، مثل أن يسبح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويكبر ثلاثًا وثلاثين، ويختم بالمائة : لا إله إلا الله، وحده لا شريك له؛ ومرة أخرى يجعل التكبير أربعًا وثلاثين، فيعمل بهذا مرة، وبهذا مرة.
والسنة أن يقول الإمام: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله» ، ثلاثًا، ثم يقول: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [(691)]، وهو متجه للقبلة، ثم يستقبل بوجهه المأمومين، ثم يقول: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» [(692)]، هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ، الجَد: المراد به الغنى والحظ؛ والمعنى أن الحظ من المال، ومن الغنى، والجاه، والسلطان والنسب، لا ينفع صاحبه عند الله عز وجل ولا ينقذه من عذاب الله عز وجل وحده، فما ينفع إلا العمل الصالح؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» [(693)] فمن أخرّه العمل فلا يلحقه النسب، ولو كان من أولاد الأنبياء، ولا ينفع صاحب الغنى كونه وجيهًا، أو كونه شريفًا، أو كونه نسيبًا، أو كونه ذا سلطان، ولا ينقذه من عذاب الله عز وجل إلا إذا استعمله في طاعة الله.
والجد يطلق على معانٍ، منها: الحظ، والغنى؛ كما في الحديث، ويطلق الجد على والد الأب أو الأم، ويطلق الجد على العظمة، كما في قول الله تعالى: [الجنّ: 3]{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا *}، يعني: ارتفعت عظمته عز وجل، وكذلك ما جاء في الاستفتاح: «سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك» [(694)]؛ يعني: ارتفعت عظمتك عن كل ذي عظمة.
; يَسْتَقْبِلُ الإِْمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ
}845{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ.
}846{ حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ».
}847{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلاَةَ».
}845{ في الحديث: بيان أن السنة للإمام أن يستقبل الناس بوجهه؛ لأنه إنما يستدبر المأمومين، ويستقبل القبلة في حال الصلاة، فلما انتهت الصلاة انتهى المطلوب منه من استقبال القبلة، فكان عليه أن ينصرف، ويستقبل المأمومين بوجهه.
}846{ قوله: «عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ» ، يعني: عقب مطر، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «عَلَى إِثْرِ» ، بكسر الهمزة، وسكون المثلثة على المشهور، وهو ما يعقب الشيء» كأنه يشير رحمه الله إلى أن فيه قولاً آخر، وهو أثر بالفتح.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح في الحديبية، وذلك في سنة ست من الهجرة، والحديبية على حدود الحرم من جهة جدة - وتسمى الآن : الشميسي - فجاء النبي صلى الله عليه وسلم معتمرًا هو وأصحابه، فصدهم المشركون، فتفاوض معهم، وكتب الصلح على أنهم يرجعون هذا العام، ويعودون في العام المقبل، فصلى بهم صلاة الصبح عقب المطر.
وقوله: «أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ» ، فيه: استقبال الإمام المأمومين بوجهه، وهو محل الشاهد.
وقوله: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» ، فيه: إلقاء العالم المسألة بصيغة السؤال لتكون أوقع في النفوس، ويكون الجواب له عناية، فينتبه له المسئولون.
وفيه: إلقاء العالم على أصحابه المسألة ليختبر ما عندهم.
وقوله: «قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» ، فيه: أنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل الإنسان يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يقال: الله أعلم، ولا يقال: الله ورسوله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد توفي.
وقوله: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي» ، يعني: قال الرب سبحانه وتعالى هذا، وهو حديث قدسي، والحديث القدسي تكلم الله عز وجل به لفظًا ومعنى مثل القرآن، إلا أن القرآن له أحكام تخصه تختلف عن أحكام الحديث القدسي؛ فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته؛ والقرآن لا يمسه إلا المتطهرون والحديث القدسي يمسه غير المتطهرين، والقرآن معجز بتلاوته والحديث القدسي غير معجز.
وقول الرب سبحانه: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» النوء هو النجم، وفيه أن من قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر، لكن إن اعتقد أن للنجم تأثيرًا في إنزال المطر فهو كافر كفرًا أكبر يخرجه من الملة؛ لأنه مشرك في الربوبية، اعتَقَد أن هناك مدبر مع الله عز وجل وهو النجم، وإن اعتقد أن منزل المطر هو الله عز وجل والنجم سبب فهذا شرك أصغر؛ لأن الله عز وجل لم يجعل النجم سببًا في إنزال المطر؛ فمن جعل سببًا لم يجعله الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مشرك شركًا أصغر، مثل من علق تميمة واعتقد أنها سبب في الشفاء؛ فالله تعالى لم يجعل التميمة سببًا في الشفاء.
وفي الحديث : التحذير من قول: مطرنا بنجم كذا، حتى ولو اعتقد أن النجم ليس بسبب، ولكن يقول: أجرى الله العادة على أنه إذا طلع النجم أو غرب نزل المطر، فلا تأتي بالباء، لكن تأتي بفي التي تفيد الظرفية، فتقول: مطرنا في نجم كذا، يعني : في وقت طلوع النجم، فهذا لا بأس به، ويقال هذا في الربيع في الخريف؛ لأن المراد بها الوقت، أما الباء فممنوعة على كل حال، سواء اعتقد أن للنجم تأثيرًا، وهذا شرك أكبر، أو اعتقد أنه سبب، وهذا شرك أصغر، أو اعتقد أنها ليست سببًا ولكن مقصوده أن العادة جرت بذلك.
ولا بأس بمعرفة فصول السنة، ومعرفة وقت البذر، أو ما شابه ذلك، فهذا يقال له علم التسيير، وهو نوع من ثلاثة أنواع:
النوع الأول: اعتقاده أن النجوم مؤثرة، وأن لها تأثيرًا في الأرض، وهذا شرك في الربوبية، وهو شرك الصابئة قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: ألا يعتقد أن النجوم لها تأثير، لكنه يدعي بها علم الغيب، ويدعي أن اجتماعها، أو افتراقها، أو غيابها، أو طلوعها، يكون لحدث في الأرض، كموت عظيم، أو ولادة عظيم، أو غلاء أسعار، أو وجود الأمطار، فهذا شرك أيضًا.
وهذان النوعان يسميان علم التأثير.
النوع الثالث: وهو علم التسيير، وهو أن يستدل بالنجوم، والشمس، والقمر، على معرفة فصول السنة، ومعرفة زوال الشمس، لمعرفة أوقات الصلوات، ومعرفة أوقات البذر، فهذا لا بأس به ـ على الصحيح ـ عند جمهور العلماء، وإلا فبعض العلماء منع منه؛ ولهذا كره قتادة رحمه الله تعلم منازل القمر، ولم يرخص فيه ابن عيينة رحمه الله، وذكره حرب رحمه الله عنهما.
ورخص في تعلم المنازل أحمد رحمه الله[(695)]، وإسحاق رحمه الله، وهو الصواب الذي عليه جمهور العلماء.
أما الأمطار فلا يعلم وقت المطر إلا الله عز وجل، فلا يستدل بالنجوم على الأمطار، لكن يقال: أجرى الله عز وجل العادة في نزول المطر في وقت كذا، أما أن يجزم فلا، أما التوقعات فهذا شيء آخر.
}847{ قوله: «أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» ، فيه: مشروعية إقبال الإمام على المأمومين بوجهه بعد الصلاة، فهو مضطر أن يستقبل القبلة في الصلاة، فلما انتهت الصلاة عليه أن يستقبل المأمومين.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلاَةَ» ، فيه: فضل المنتظر للصلاة، وأن منتظر الصلاة في حكم المصلي، وهذا فضل عظيم، وفي اللفظ الآخر، في الحديث الآخر، أن الملائكة تستغفر له، وتدعو له: «اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اعف عنه، ما لم يحدث أو يؤذ» [(696)] وَيُحِدث يعني: ينتقض وضوءه، ويؤذي: أي يؤذي أحدًا بغيبة، أو نميمة، أو سب؛ فتتوقف الملائكة عن الدعاء له إذا آذى، أو أحدث.
; مُكْثِ الإِْمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ
}848{ وَقَالَ لَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «كُانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ» وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «لاَ يَتَطَوَّعُ الإِْمَامُ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَصِحَّ».
}849{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ.
}850{ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا قَالَتْ: «كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْقُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ بْنِ الْمِقْدَادِ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ شُعَيْبٌ: عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْقُرَشِيَّةُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ الْفِرَاسِيَّةِ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: «بَاب مُكْثِ الإِْمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ» هذه الترجمة معقودة لمكث الإمام في مصلاه بعد السلام، واستقبال المأمومين بوجهه، إذا كانت تصلي معه نساء، حتى تنصرف النساء.
}848{ قوله: «كُانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ» صح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يصلي النافلة في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، والأمر في هذا واسع، إن شاء صلى في مكانه، وإن شاء صلى في غيره، إلا الإمام فالأولى ألا يتطوع في مكانه؛ لما روى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي رضي الله عنه قال: «إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام» [(697)] وهذا ذكره الشارح رحمه الله، وكذلك في الباب عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول» [(698)] لكن رواه أبو داود بسند منقطع.
وذكر الشارح رحمه الله أن ابن قدامة رحمه الله في «المغني» حكى عن أحمد رحمه الله أنه كره ذلك، وقال: «لا أعرفه عن غير علي رضي الله عنه» [(699)]، وكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة رضي الله عنه،ولا المغيرة رضي الله عنه، وكأن المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة.
وقوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لاَ يَتَطَوَّعُ الإِْمَامُ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَصِحَّ» ؛ لا يصح لضعفه واضطرابه، ولو لم يأت الحديث لكان الأولى ألا يتطوع الإمام في مكانه لما يحصل من الإيهام للداخل؛ لأن الإمام إذا صلى الفريضة ثم قام وصلى النافلة في مكان الفريضة يحصل إيهام للداخل؛ فقد يظن الظان أن الإمام يصلي الفريضة فيقتدي به، وقد يظن الإمام نفسه أنه يصلي الفريضة أو ينسى فيجهر بالتكبير؛ فالأولى للإمام ألا يصلي النافلة في المكان الذي صلى فيه الفريضة، وينتقل إلى مكان آخر.
أما المأموم فيصلي في مكانه أو في غيره، فالأمر في هذا واسع، إنما المنهي عنه أن يصل الإنسان صلاة بصلاة قبل أن يتكلم أو ينتقل، كما في حديث معاوية رضي الله عنه: «أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج» [(700)] فالمنهي عنه وصل النافلة بالفريضة، أما إذا تكلم، واستغفر، وذكر الله عز وجل، وسبح، وهلل، فلا بأس.
}849{ قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا» ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي معه نساء في الغالب، فثبت أن النساء كن يصلين معه صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فينصرفن متلفعات بمروطهن، ما يعرفهن أحد من الغلس[(701)].
قوله: «قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:» ، هو الزهري.
وقوله: «فَنُرَى» . بالضم: بمعنى نظن، وبالفتح بمعنى نعلم، والضم أصح هنا؛ لأن هذا ليس بعلم، وإنما هو ظن منهم، ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث لأجل خروج النساء.
قوله: «لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ» ، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تأخر في مكانه حتى يتأخر الناس فينصرف النساء إلى بيوتهن قبل أن يدركهن الرجال؛ ففيه مشروعية مكث الإمام في مكانه وكذا المأموم إذا صلى معهم نساء؛ لكي ينصرفن قبل أن يدركهن الرجال.
}850{ قوله: «كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . كما سبق أنه ينبغي للإمام، وكذلك للمأمومين، إن كان معهم نساء أن لا يعجلوا، ويتركوا فرصة للنساء حتى ينصرفن قبل أن يدركهن الرجال.
; مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُم
}851{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ: «ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ».
هذه الترجمة مستثناة من الترجمة السابقة، فالترجمة السابقة: «مُكْثِ الإِْمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ» ، وهذه الترجمة فيها أنه يستثنى من ذلك ما إذا كان الإمام له حاجة فقام لحاجته؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: «بَاب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُم» ، فالمكث السابق في الباب قبله مُقَيدّ بما إذا لم يعرض للإمام حاجة إلى القيام، فإن عرض للإمام حاجة إلى القيام قام، كما في هذا الحديث.
}851{ قوله: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ» ، فيه: جواز تخطي رقاب الناس بعد الانصراف من الصلاة، وإنما الممنوع تخطي رقاب الناس قبل الصلاة للبحث عن مكان؛ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الجمعة فقال له: «اجلس فقد آذيت وآنيت» [(702)]، أي: آذيت الناس بتخطي رقابهم، وآنيت يعني تأخرت عن المجيء إلى الجمعة؛ فجمع بين سيئتين:
السيئة الأولى: تأخره عن الجمعة.
السيئة الثانية: إيذاؤه الناس بتخطي رقابهم.
وقوله: «فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ» ؛ فيه: أن الإنسان إذا فعل شيئًا ليس من عادته، أو قد ينتقد عليه، يخبر الناس، ويبين لهم وجه ذلك، حتى يعلموا؛ لأن الأفضل للإنسان أن يجلس في مكانه، ويأتي بالأذكار، فإذا فعل الإنسان خلاف الأفضل لحاجة، يبين للناس حتى يعلموا الحكم فيقول: أنا شغلت بكذا، أو عندي مريض، أو سأذهب إلى جنازة، أو عندي شيء لابد منه؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ورأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: «ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ» والتبر هو: قطع الذهب غير المضروبة.
وفي الحديث: مشروعية المبادرة إلى فعل الخيرات، والمسابقة فيها، قبل أن تعرض للإنسان العوارض : من موت، أو مرض، أو نسيان، أو ذهاب المال، وضياعه، قال الله تعالى: [البَقَرَة: 148]{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}؛ وقال سبحانه: [آل عِمرَان: 133]{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *}، وقال سبحانه عن موسى: [طه: 84]{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى *}.
فالمسارعة في الخيرات مطلوبة قبل أن تعرض للإنسان العوارض وتمنعه الموانع؛ ولهذا أسرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الخير، وأمر بقسمة هذا التبر.
; الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
وَكَانَ أَنَسٌ «يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى أَوْ مَنْ يَعْمِدُ الاِنْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ».
}852{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الأَْسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ عَنْ يَمِينِهِ «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ».
قوله: «بَاب الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ» هذه الترجمة معقودة لبيان كيفية انصراف الإمام إلى المأمومين ـ والانفتال والانصراف بمعنى واحد ـ وإذا أراد أن ينصرف إلى المأمومين بوجهه هل ينصرف عن يمينه أم عن يساره؟ والأمر في هذا واسع: فله ينصرف عن يمينه، أو عن يساره، ولا يتحرى واحدًا منهما، فينصرف كيفما اتفق، وكان أنس رضي الله عنه يعيب على من يتوخى أو يتعمد الانفتال عن يمينه يعتقد أن فيه فضيلة.
}852{ قوله: «عَنْ الأَْسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ» : هو: عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؛ لأن الأسود وهو ابن يزيد النخعي من تلاميذه.
وقوله: «لاَ يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ» ؛ بأن يعتقد شيئًا مشروعًا، وهو ليس بمشروع، كأن يعتقد أن الأفضل أن ينصرف عن يمينه، ولم يدل الدليل على ذلك، فإذا اعتقد هذا الاعتقاد، كان هذا من حظ الشيطان.
وقوله: «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ» ؛ فيه: جواز انصراف الإمام إلى المأمومين عن يمينه، أو عن يساره، وأنه لا فضل لليمين على الشمال في ذلك.
; مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوْ الْبَصَلَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا.
}853{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا».
}854{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يُرِيدُ الثُّومَ فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا» قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلاَّ نِيئَهُ وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: «إِلاَّ نَتْنَهُ».
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أُتِيَ بِبَدْرٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ.
}855{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا» إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ: كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: بَعْدَ حَدِيثِ يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَهْوَ يُثْبِتُ قَوْلَ يُونُسَ.
}856{ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَنَساً مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي الثُّومِ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا أَوْ لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا.
قوله: «بَاب مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان حكم من أكل: الثوم، والبصل، والكراث، وما له رائحة كريهة، كالفجل، وما أشبهه.
وقيد المصنف رحمه الله الثوم بالنيء ـ يعني غير المطبوخ ـ فحمل الأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج المطبوخ؛ لأن المطبوخ إذا طبخ زالت رائحته الكريهة، وكذا البصل إذا طبخ زالت الرائحة.
فالنضج إذا كان يزيل الرائحة يزول الحكم، أما إذا كان لا يزيل الرائحة فالحكم باق.
}853{، }854{، }855{، }856{ هذه الأحاديث، فيها: أن من أكل من هذه الخضروات ذوات الرائحة الكريهة لمصلحة شرعية، فهو معذور في ترك الجماعة، كمن احتاج إلى أكل كراث أو بصل للتداوي، أو لأنه جائع، ولم يجد غيرها فأكلها، فليست حرامًا، ولكنها مكروهة لما فيها من الرائحة.
وما جاء في بعض الأحاديث: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة» [(703)] فالمراد بالخبث : الكراهة؛ فالخبث يأتي بمعنى التحريم ويأتي بمعنى المكروه كراهة تنزيه، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كسب الحجام خبيث» ، يعني: رديء، «ومهر البغي خبيث» [(704)] يعني: حرام.
ويستفاد من الأحاديث ما يلي:
أولاً: أن من أكل ثومًا، أو كراثًا، أو بصلاً، واتخذ ذلك حيلة حتى يترك الجماعة، صار ذلك حرامًا عليه، ولو اتفق له ذلك ـ من غير قصد ـ فهذا يعتزل الجماعة، ويصلي في بيته، وتسقط عنه الجماعة في هذه الحالة، كما أن حضور الطعام يسوغ ترك الجماعة لمن قدم بين يديه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت العشاء والعشاء فابدءوا بالعَشاء» ، الحديث[(705)]، فإذا قدم بين يديك العَشاء تبدأ به ولو فاتتك الجماعة، وتكون معذورًا ما لم تتخذ ذلك حيلة لترك الجماعة، وكان ابن عمر رضي الله عنه يتعشى وهو يسمع الإمام يصلي ولكنه لم يتخذ هذا حيلة، ولا عذرًا، لترك الجماعة.
ولا يدل هذا على أن صلاة الجماعة غير واجبة، بل هي واجبة، وهذا عذر من أعذار تركها.
ومثله ـ بل أشد منه ـ رائحة الدخان، فلا يجوز لمن شرب الدخان أن يصلي مع الجماعة إلا إذا أزال الرائحة، وبعض الناس لا يبالي بشرب الدخان عند باب المسجد، ثم يدخل المسجد فيؤذي الناس والملائكة، وهذا حرام.
وكذلك من به رائحة كالبخر في الفم، أو رائحة العرق في الآباط، كل هؤلاء عليهم أن يعالجوا هذه الرائحة ويزيلوها؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
ثانيًا: منع الإيذاء للآدميين والملائكة.
ثالثًا: ـ وهو أعظم ـ امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، فإنه أمر بإزالة الرائحة الكريهة، فقال في اللفظ الآخر: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فليمتها طبخًا» [(706)] فإذا طبخها وأزال الرائحة فلا بأس بأكلها.
والمقصود أن على المسلم أن يراعي إخوانه ولا ينفرهم، فلا يأكل ثومًا، أو كراثًا، أو بصلاً ويؤذي الناس في المسجد، ولو في غير الصلوات، فإذا أراد مجتمعًا أو مكانًا يكثر فيه الناس فلا يؤذي الناس، وعليه أن يتعاهد ثوبه وبدنه بالنظافة والطيب؛ فإن الله جميل يحب الجمال.
ولهذا شرع للمسلم أن يغتسل في يوم الجمعة حتى يأتي المسجد ويقف بين يدي الله عز وجل، ويجلس مع إخوانه المسلمين على أحسن حالة، ورائحته طيبة؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن غسل يوم الجمعة واجب على كل أحد، والجمهور على أنه مستحب، وقال بعض العلماء: غسل الجمعة واجب على العمال ومن تنبعث منه رائحة كريهة، والصواب ما ذهب إليه الجمهور.
وبعض العمال يأتي الصلاة في ثياب مِهْنَته، فينبغي للعامل أن يكون له ثوب خاص بالصلاة حتى لا يؤذي المسلمين، ولا يلوث المسجد.
ويستحب أيضًا للمسلم السواك للذهاب إلى الجمعة، وهذا من العناية بالرائحة الطيبة والبعد عن الإيذاء.
فلابد للمسلم أن يعتني بهذا الأمر، ولاسيما طالب العلم لأنه قدوة لغيره، وإن كان بعض طلبة العلم لا يبالي، فيأكل كراثًا، أو ثومًا، أو بصلاً، ويذهب للصلاة!
فالواجب على المسلم الحذر والبعد عن الإيذاء، وأن يكون ملاحظًا لإخوانه المسلمين ويبتعد عما يؤذيهم ويضر بهم ويشق عليهم.
; وُضُوءِ الصِّبْيَانِ وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغُسْلُ وَالطُّهُورُ
وَحُضُورِهِمْ الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ
}857{ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ.
}858{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
}859{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَنَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَأَتَاهُ الْمُنَادِي يَأْذَنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌ: وسَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ رُؤْيَا الأَْنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ: [الصَّافات: 102]{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}.
}860{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ فَقَالَ: قُومُوا فَلأُِصَلِّيَ بِكُمْ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْيَتِيمُ مَعِي وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ.
}861{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَْتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ.
}862{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ قَدْ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَْرْضِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ» وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
}863{ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَهُ رَجُلٌ شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَعَمْ وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ «أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ ثُمَّ أَتَى هُوَ وَبِلاَلٌ الْبَيْتَ».
هذه الترجمة معقودة لحكم وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الوضوء والغسل؟ وهل يحضرون الجمعة والعيدين والجنائز؟ وهل يصفون مع الناس؟ كل هذه الأحكام داخلة في الترجمة.
}857{ قوله: «أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ» . والشاهد أن ابن عباس رضي الله عنهما وهو صبي صغير صلى معهم على هذا القبر، ومن المعلوم أن صلاة الجنازة صلاة لها تكبير وتسليم فلابد من الوضوء؛ فدل على مشروعية وضوء الصبي وصلاته على الجنازة كالكبير، فكما أن الكبير يتوضأ ويصلي على الجنازة فكذلك الصغير يتوضأ ويصلي على الجنازة، كما أنه يصلي الفريضة، وصلاته مستحبة، ويؤمر بالصلاة لسبع؛ كما في الحديث: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» [(707)].
}858{ قوله: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» ؛ فيه: مشروعية الغسل على كل محتلم، والمراد بالمحتلم : البالغ الحلم، واستدل جمع من أهل العلم بذلك على وجوب الغسل على كل من ذهب إلى الجمعة، وإذا لم يغتسل فهو آثم.
وذهب الجمهور إلى أن الغسل مستحب، وليس بواجب، فإذا تركه لم يأثم، لكنه ترك الأفضل، واستدلوا بحديث سمرة رضي الله عنه: «من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» [(708)] لكن حديث أبي سعيد رضي الله عنه أصح.
وقال آخرون: إن غسل الجمعة واجب على أهل المهن الذين تنبعث منهم الروائح، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان الناس يعملون في المهن، فيأتون إلى الجمعة فتنبعث منهم الريح؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو اغتسلتم»[(709)].
والشاهد من الحديث: أن غسل الجمعة لا يجب على الصبي غير المحتلم، فيكون مستحبًّا في حقه؛ لأن الجمعة ليست واجبة على الصبي، وإنما مستحبة، فالغسل يكون مستحبًّا، ولا يجب عليه كذلك الطهارة، والصلاة، ولكن ذلك من باب الاستحباب حتى يعتادها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» [(710)].
}859{ في الحديث: أن ابن عباس رضي الله عنهما بات عند خالته ميمونة ـ وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ وكان غلامًا دون البلوغ، وكان ذكيًّا، وكان يريد أن ينظر ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي به ـ كما جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم نام وأهله في طول الوسادة، ونام ابن عباس في عرضها معهم، فراقب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل، قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى شن معلق ـ وهي القربة القديمة ـ فصب منها ماء وتوضأ، ثم قام يصلي وابن عباس رضي الله عنهما ينظر، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قام ابن عباس رضي الله عنهما وصب من القربة وتوضأ، وقام بجوار النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فصف عن يساره، فحوله النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ بأذنه يفتلها، وجعله عن يمينه[(711)]؛ فدل على أن موقف المأموم الواحد يكون عن يمين الإمام، ولا يكون عن يساره، ودل على أنه لو صف عن يساره صحت صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ابن عباس رضي الله عنهما على صلاته ولم يبطل أولها، وأداره عن يمينه، واستمر في صلاته.
وفيه: دليل على صحة مصافة الصبي في النافلة والفريضة؛ لأن الأصل أن الفريضة والنافلة سواء، وذهب الحنابلة[(712)] إلى أنه لا تصح مصافة الصبي في الفريضة، وتصح في النافلة، أخذًا بهذا الحديث؛ والصواب أنه لا فرق بين النافلة وبين الفريضة إلا ما دل الدليل على التفريق بينهما.
والشاهد من الحديث وضوء ابن عباس رضي الله عنهما، وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وهو صبي، فدل على مشروعية وضوء الصبيان وصلاتهم، وأنه يشرع للصبي أن يتوضأ ويصلي كالكبير، وليس بواجب عليه.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم «اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ» ، فأتاه المنادي للصلاة ـ وهو بلال رضي الله عنه ـ فقام إلى الصلاة ولم يتوضأ؛ فدل على أن نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، فلو خرج الحدث علم بذلك، بخلاف نومنا، فإن نومنا تنام فيه العينان والقلب. ففي الحديث: «العين وكاء السّه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء» [(713)] الوكاء هو: رباط مثل الحبل الذي يربط به فم القربة، والسه: حلقة الدبر، فوكاء السه: أي رباط للدبر، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء يعني زال الرباط فخرج الحدث وهو لا يشعر؛ وعليه فالنوم مظنة للحدث؛ ولهذا جاء في حديث صفوان رضي الله عنه: «ولكن من غائط، وبول، ونوم» [(714)].
قوله: «قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌ: وسَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ رُؤْيَا الأَْنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ: [الصَّافات: 102]{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}» ، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تأتيه الرؤيا في النوم، ورؤيا الأنبياء وحي، فوجب أن يكون على طهارة.
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالليل بعد نوم، وصلاة الليل تسمى القيام، أو التهجد، ووقتها من بعد صلاة العشاء ـ بعد السنة الراتبة ـ إلى طلوع الفجر، بل حتى بين العشاءين، وكل هذا قيام ليل، سواء بعد نوم أو قبل نوم، ولكن كونه بعد النوم أفضل؛ ولهذا يسمى ناشئة الليل: [المُزّمل: 6]{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً *} وقيل: الناشئة لا تكون إلا بعد نوم، والصلاة في آخر الليل أفضل في ثلث الليل الأخير.
}860{ في الحديث: جواز الصلاة على الحصير، فالإنسان يصلي على ما يتيسر، على الأرض والتراب، وإن كان هناك حصير يصلي عليه، وإن كان هناك بساط يصلي علىه، ولا يتكلف، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الحصى، وصلى على الخمرة، وصلى على التراب.
وقوله: «فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ» ـ وفي اللفظ الآخر: «من طول ما لبس» [(715)] ـ فيه: أن الجلوس يسمى لبثًا أو لبسًا.
وقول أنس رضي الله عنه: «فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ» ؛ من أجل النظافة، لا لأنه نجس.
وقوله: «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْيَتِيمُ مَعِي وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ» ـ وفي اللفظ الآخر: «فصففت واليتيم وراءه، والعجوز من خلفنا» [(716)]. فيه: جواز صلاة النافلة في جماعة، إذا لم تتخذ عادة في الضحى، أو في الليل.
وفيه: أن المرأة تصلي خلف الرجال، ولا تصف معهم ولو كان الرجال من محارمها، ولو كان زوجها، أو أبوها، ولو كانت واحدة.
وفيه: ـ وهو محل الشاهد ـ أن اليتيم ـ يعني الصغير الذي دون البلوغ ـ صلى بوضوء، فدل على مشروعية مصافة الصبي، ووضوئه، وصلاته؛ لكنها مستحبة.
}861{ قوله: «أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ» ، يعني : أن ابن عباس رضي الله عنهما أقبل راكبًا على حمار، وهو قريب من البلوغ، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى في حجة الوداع، في السنة العاشرة من الهجرة؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار فاستدل به على أن السترة ليست واجبة.
وقوله: «فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَْتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ» ، يعني: كان راكبًا الحمار بين الصفوف خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تجاوز الصف نزل عن الحمار وصف مع الناس وترك الحمار ترعى.
وفيه: أن سترة الإمام سترة للمأموم؛ لذا لم يُؤَثّر مرور الحمار بين يدي الصف، والحمار يقطع الصلاة إذا مر بين يدي المنفرد، أو الإمام قريبًا منه دون ثلاثة أذرع، وليس له سترة على الصحيح؛ لما ثبت في «صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل» [(717)].
والشاهد: أن ابن عباس رضي الله عنهما صلى وهو دون البلوغ، ومعلوم أنه يسبق الصلاة وضوء، فدل على مشروعية وضوء الصبيان وصلاتهم، وهذا مستحب، وليس واجبًا.
}862{ قوله: «أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِشَاءِ» ؛ فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر هذه الليلة بصلاة العشاء لأسباب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنه لوقتها» [(718)] يعني: الأفضل.
وقوله: «حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ قَدْ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ» ، فيه: حضور النساء والصبيان، وأن الصبيان كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، والوضوء يسبق صلاتهم، فدل على مشروعية الوضوء والصلاة للصبيان، وأنها مستحبة.
وقوله: «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَْرْضِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ» ، أي: ليس أحد من أهل الأرض يصلي غيركم الآن.
قوله: «وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» أي: لم يكن الإسلام انتشر في ذلك الوقت، ولذلك ما كان يصلي إلا أهل المدينة.
والصواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا بوحي من الله عز وجل وأن أهل مكة وغيرهم من المسلمين كلهم صلوا ولم يبق أحد لم يصل في تلك الليلة إلا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالإسلام وقتئذ قد انتشر في البوادي، وحول المدينة، وفي مكة، وفي جواثا المعروفة الآن بالأحساء.
}863{ في الحديث: دليل على أنه لا بأس بحضور الصبيان العيد، وصلاتهم، ووضوئهم، وكل هذا مشروع، لكنه مستحب ليس بواجب عليهم، ولهذا شهد ابن عباس رضي الله عنهما صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى معه وهو صغير.
قوله: «سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَهُ رَجُلٌ شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» استفهام بحذف حرف الهمزة يعني أشهدت الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم؟
وقوله: «نَعَمْ وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ» ، يعني: لولا منزلتي عند النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدت العيد؛ لأنني كنت صغيرًا.
وقوله: «ثُمَّ خَطَبَ» ، يعني: بعد الصلاة خطب خطبة العيد.
وقوله: «ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ» ، فيه: دليل على تخصيص النساء بتوجيه الخطبة والوعظ إليهن في العيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب الرجال، ثم أتى النساء فوعظهن، وهذا إذا كانت النساء لا تسمع، أما إذا كان يسمعهن بِمُكَبّر ونحوه، فلا حاجة في تخصيصهن بالوعظ والذكرى.
وقوله: «وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ ثُمَّ أَتَى هُوَ وَبِلاَلٌ الْبَيْتَ» ، أي: حثهن على الصدقة ومعه بلال رضي الله عنه وهو جامع ثوبه ليجمع فيه الصدقات، فكانت المرأة تأخذ من الذهب الذي على حلقها، أو من الخواتم التي في أصابعها، أو القرط الذي في أذنها، وتلقيه في ثوب بلال رضي الله عنه، تتصدق به.
وفيه: جواز تصرف المرأة في مالها، ولو لم يأذن لها زوجها، ما دامت رشيدة؛ أما من مال زوجها فليس لها أن تتصدق إلا بإذنه، أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «لا يجوز للمرأة عطية إلا بإذن زوجها» [(719)] فهو شاذ عند أهل العلم، وليس بصحيح، ومن العلماء من حمله على أنها ليس لها عطية في مال زوجها، أما في مالها فلا بأس؛ لما ثبت في الصحيح أن ميمونة رضي الله عنها أعتقت وليدة لها ـ يعني جارية ـ ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أشعرت أني أعتقت وليدتي، فقال: «أما إنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك» [(720)] فلم ينكر عليها صلى الله عليه وسلم، لكن بين لها أنها لو أعطتها أخوالها لكان خيرًا لها، فدل ذلك على أن صلة الرحم أفضل من العتق.
والمرأة لها أن تتصرف وتتصدق من مالها إذا كانت رشيدة، وتبيع وتشتري، ولا تستأذن زوجها، إلا أن تستأذنه من باب حسن المعاشرة، وتطييب الخاطر.
; خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ
}864{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَتَمَةِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَْرْضِ» وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَْوَّلِ.
}865{ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
}866{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا: «أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ الرِّجَالُ».
}867{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ».
}868{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا الأَْوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَْنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ».
}869{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَمُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قوله: «بَاب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ» هذه الترجمة فيها بيان جواز خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس، يعني إذا لم تخش عليهن الفتنة، وكن متحجبات؛ ولهذا كان النساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصلوات، وكن يصلين معه الفجر متلفعات بمروطهن، وينصرفن ما يعرفهن أحد من الغلس؛ والغلس هو اختلاط ضياء الصبح بظلام الليل.
}864{ قوله: «مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَْرْضِ» ، يعني: لا يصلي العشاء الآن أحد من أهل الأرض غيركم.
وقول عائشة رضي الله عنها: «وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَْوَّلِ» هذا اجتهاد من عائشة رضي الله عنها أنه لا يصلى يومئذ إلا بالمدينة لكون الإسلام لم ينتشر إلا في المدينة وما يجاورها، والصواب أنه كان يصلى في المدينة، وحول المدينة، وفي مكة، وفي البوادي، وفي جواثا بالأحساء؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا بوحي من الله عز وجل.
}865{ قوله: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» ، فيه: نهي أن يمنع الرجل امرأته إذا استأذنته للذهاب إلى المسجد، وأنه ينبغي له أن يأذن لها إذا استأذنته لحضور الصلاة؛ وهذا مقيد بعدم وجود مانع، كخوف الفتنة عليها، أو كان يخشى عليها من الفساق، أو خروجها متبرجة متكشفة تفتن الناس، فإنها تمنع أخذًا بالنصوص الأخرى؛ أما إذا كانت محتشمة متحجبة، وليس هناك محذور، فلا ينبغي للإنسان أن يمنعها، وكانت امرأة ابن عمر رضي الله عنه تستأذن ولا يستطيع منعها لهذا الحديث، تقول له: هل تمنعني قد سمعت هذا الحديث؟! فلا يمنعها، فدل على أن المرأة لا تمنع من الخروج للمسجد إذا لم يكن هناك مانع.
ولما قال ابن لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما ـ يسمى بلالاً ـ لما قيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها» ، فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن؛ أقبل عليه عبدالله رضي الله عنه وسبه سبًّا قبيحًا ـ قال الراوي: ما سمعته سبه مثل سبه ـ وقال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لنمنعهن؟![(721)] فعزره؛ لأنه خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
فدل على أنه يجب تعظيم السنة والعناية بها، ونظير ذلك ما وقع من حذيفة رضي الله عنه أنه رأى أحد أقاربه يخذف ـ يعني يجعل الحصاة بين أصبعيه ويرمي بها ـ فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: «إنه لا يقتل الصيد، ولا ينكأ العدو، وإنما يفقأ العين، ويكسر السن» ، ثم رآه مرة أخرى يخذف، فهجره حذيفة رضي الله عنه تعزيرًا له، وقال: لا أكلمك أبدًا[(722)]؛ لأنه خالف السنة بعدما بلغته، فدل على أنه من خالف السنة يعزر ويؤدب ولو بالهجر.