مَنْ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ
فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً
}7181{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا».
}7182{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِي مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى.
هذه الترجمة جزم فيها المؤلف رحمه الله بالحكم قال: «بَاب مَنْ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً» ؛ لأن الحديث صريح في هذا: «مَنْ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ» فالحكم أنه يحرم عليه أخذه، والتعليل في هذا أن قضاء الحاكم إنما هو على حسب ما يرى من البينات ولا يحل الحرام ولا يحرم الحلال في نفس الأمر.
}7181{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ» ، يعني: حسب ما يسمع من الدعوى.
وفي الحديث: دليل لما استنبطه المؤلف رحمه الله في الترجمة أن قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً، وأنه يحرم على من حكم له بحق أخيه أن يأخذه، وهذا واضح من قوله صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا».
فإذا حكم الحاكم بمقتضى شهود زور أو عدلوا وهم ليسوا عدولاً أو حكم الحاكم بمقتضى بلاغة الخصم وقوة حجته وهو يعلم أنه لا حق له فهو حرام عليه لا يحل له أخذه مطلقًا، سواء كان في مال أو في نكاح أو في طلاق، وهذا هو قول جمهور العلماء، وهو الصواب، ومعهم أبو يوسف رحمه الله ومحمد صاحبا أبي حنيفة رحمه الله[(306)].
وذهب آخرون من أهل العلم من أهل الكوفة وأبو حنيفة[(307)] إلى التفصيل وقالوا إن الحكم إذا كان في مال فإنه ينفذ ظاهرًا لا باطنًا؛ ففي الظاهر يحكم له لكن في الباطن لا يحل له أخذه، أما إذا كان في نكاح أو طلاق نفذ باطنًا وظاهرًا، هذا مذهب أبي حنيفة.
أما إذا كان في نكاح أو طلاق فزور شخص بأن أتى بشاهد زور أن فلانة زوجته وهي ليست زوجته وحكم له الحاكم فإنها تكون زوجته باطنًا وظاهرًا، وكذلك إذا حكم بالطلاق ولو كان لم يطلق بأن شهدوا زورًا بأنه طلق وأنكر هذا فإنها تطلق ظاهرًا وباطنًا، واحتجوا بقصة المتلاعنين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرق بينهما مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به.
ولا شك أن هذا ليس بالأمر الهين، وعلى هذا لو أتى شخص بشاهد زور أن فلانة زوجته وليست زوجته تحل له ويبقى معها ظاهرًا وباطنًا على مذهب أبي حنيفة؛ لأن حكم الحاكم ينفذ في النكاح والطلاق في الظاهر وفي الباطن، وإذا خطب شخص امرأة وأبوا أن يزوجوه؛ لأنه فاسق مثلاً ثم أتى بشاهدي زور عند القاضي وحكم له بأنها زوجته صارت زوجته باطنًا وظاهرًا على مذهب أبي حنيفة، أما الجمهور فيقولون لا، فحكم الحاكم لا يحل الحرام، ولو حكم له فهي حرام عليه ولا تكون زوجته ويكون بقاؤه معها زنًا وسفاحًا، وهو خلاف قوي وخلاف جذري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الطحاوي رحمه الله: ذهب قوم إلى أن الحكم بتمليك مال أو إزالة ملك أو إثبات نكاح أو فرقة أو نحو ذلك إن كان في الباطن كما هو في الظاهر نفذ على ما حكم به، وإن كان في الباطن على خلاف ما استند إليه الحاكم من الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبًا للتمليك ولا الإزالة ولا النكاح ولا الطلاق ولا غيرها، وهو قول الجمهور، ومعهم أبو يوسف رحمه الله.
وذهب آخرون إلى أن الحكم إن كان في مال وكان الأمر في الباطن بخلاف ما استند إليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبًا لحله للمحكوم له، وإن كان في نكاح أو طلاق فإنه ينفذ باطنًا وظاهرًا، وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال، واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين فإنه صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به، قال: فيؤخذ من هذا أن كل قضاء ليس فيه تمليك مال أنه على الظاهر ولو كان الباطن بخلافه وأن حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم والتحليل بخلاف الأموال، وتعقب بأن الفرقة في اللعان إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب وهو أصل برأسه فلا يقاس عليه، وأجاب غيره من الحنفية بأن ظاهر الحديث يدل على أن ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم حيث لا بينة هناك ولا يمين وليس النزاع فيه، وإنما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة وبأن «من» في قوله: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ» شرطية، وهي لا تستلزم الوقوع».
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال النووي رحمه الله: والقول بأن حكم الحاكم يحل ظاهرًا وباطنًا مخالف لهذا الحديث الصحيح وللإجماع السابق على قائله ولقاعدة أجمع العلماء عليها ووافقهم القائل المذكور وهو أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال».
يعني أن النووي رحمه الله يقول إن قول أبي حنيفة مخالف للحديث الصحيح، ثم كيف إذا حكم بشهادة الزور تحل له في الظاهر وفي الباطن والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ» وهو مخالف أيضًا للإجماع ومخالف لقاعدة أن الأبضاع أولى بالاحتياط.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن العربي رحمه الله: إن كان حاكمًا نفذ على المحكوم له أو عليه وإن كان مفتيًا لم يحل؛ فإن كان المفتى له مجتهدًا يرى بخلاف ما أفتاه به لم يجز وإلا جاز، والله أعلم».
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال القرطبي رحمه الله: شنعوا على من قال ذلك قديمًا وحديثًا؛ لمخالفة الحديث الصحيح، ولأن فيه صيانة المال وابتذال الفروج وهي أحق أن يحتاط لها وتصان، واحتج بعض الحنفية بما جاء عن علي رضي الله عنه أن رجلاً خطب امرأة فأبت فادعى أنه تزوجها وأقام شاهدين فقالت المرأة: إنهما شهدا بالزور فزوجني أنت منه فقد رضيت؛ فقال: شاهداك زوجاك وأمضى عليها النكاح، وتعقب بأنه لم يثبت عن علي رضي الله عنه، واحتج المذكور من حيث النظر بأن الحاكم قضى بحجة شرعية فيما له ولاية الإنشاء فيه فجعل الإنشاء تحرزًا عن الحرام، والحديث صريح في المال وليس النزاع فيه فإن القاضي لا يملك دفع مال زيد إلى عمرو ويملك إنشاء العقود والفسوخ».
وفي الحديث: دليل على أن الحاكم وهو قاض معذور إذا لم يعلم كذب الخصم أو لم يعلم أن الشهود شهود زور لا إثم عليه، والإثم على الخصم المبطل وعلى شهود الزور.
}7182{ ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها في قصة ابن وليدة زمعة حينما اختصم فيه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة رضي الله عنهما وتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في حجة الوداع، وذلك أن عتبة بن أبي وقاص كان زنى بوليدة زمعة، والوليدة يعني: الأمة، وزمعة هذا والد أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهذه الوليدة كانت فراشًا لزمعة يتسراها ويطؤها فجاءت بولد، وعتبة بن أبي وقاص لما توفي أوصى أخاه سعدًا رضي الله عنه قال: إذا ولدت وليدة زمعة ولدًا فخذه فإنه ابني ـ وهذا قبل أن يعلم الحكم الشرعي ـ فلما ولدت الوليدة أراد سعد رضي الله عنه أن ينفذ الوصية فأخذ الابن لما ولدته وجاء عبد بن زمعة رضي الله عنه أخو الولد وقال: هذا أخي ولد على فراش أبي وهذه الوليدة يطؤها أبي، وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لا فهذا ابن أخي عهد إلي وأوصاني؛ فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل منهم يدعيه، وكان هذا في عام الفتح؛ فلما مثلا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أدلى كل بحجته، «فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ» يعني: أوصاني في الجاهلية وقال إنه وقع على وليدة زمعة وأن هذا منه، وفي اللفظ الآخر: أنه قال: انظر إلى شبهه به يا رسول الله، وكان يشبه أخاه، «وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ» أي: كان والدي يطؤها فهي فراش له «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ»» . هذا هو الحكم الشرعي، «ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»» . وهذا حكم شرعي عام أن العاهر الزاني لا يعطى ولدًا بل له الخيبة والخسران وإقامة الحد عليه، ويكون الولد للفراش؛ أي: على فراش زمعة الذي كان يتسراها.
وفي الحديث: دليل على أن المرأة إذا كانت فراشًا ـ زوجة أو أمة يطؤها سيدها ـ ثم ولدت فإنه يلحق الولد بالزوج أو بالسيد ولو سبق منها زنا فلا يلحق الولد بالزاني.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الولد يشبه عتبة بن أبي وقاص الذي ادعى أنه زنى بها قال لأخته أم المؤمنين سودة رضي الله عنها «احْتَجِبِي مِنْهُ» فاحتجبت عنه وهو أخوها شرعًا احتياطًا؛ فصار الحكم له جهتان: جهة الحكم الشرعي أنه يعتبر أخوها، وجهة الاحتياط الذي يقضي بأن تحتجب منه، وذلك لأنه كان يشبه عتبة بن أبي وقاص؛ فما رآها حتى لقي الله رحمه الله.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في ابن وليدة زمعة بالظاهر، والواقع الذي يُحكم به شرعًا هو من البينات والدلائل الشرعية والحسية.
أما إذا لم تكن فراشًا للزوج ولا يطؤها السيد أو نفى الزوج الولد باللعان وولدت فإنه يلحق بأمه لا بالزاني، ومثله في قصة المتلاعنين، لما وضعت التي لاعنت ولدًا يشبه الذي رميت به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولولا الأيمان لكان لي ولها شأن»[(308)] .
الْحُكْمِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا
}7183{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ مَالاً وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ [آل عِمرَان: 77]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} الآْيَةَ
}7184{ فَجَاءَ الأَْشْعَثُ وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ فِيَّ نَزَلَتْ وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «فَلْيَحْلِفْ» قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ} الآْيَةَ
قوله: «بَاب الْحُكْمِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا» ، يعني: أن القصة وردت في البئر وفي غيره؛ ولهذا قال ابن المنير رحمه الله فيما نقل عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وجه دخول هذه الترجمة في القصة مع أنه لا فرق بين البئر والدار والعبد حتى ترجم على البئر وحدها أنه أراد الرد على من زعم أن الماء لا يملك؛ فحقق بالترجمة أنه يملك لوقوع الحكم بين المتخاصمين فيها».
ولقد اعترض الحافظ ابن حجر رحمه الله على كلام ابن المنير وقال: «وفيه نظر من وجهين: أحدهما أنه لم يقتصر في الترجمة على البئر بل قال: ونحوها، والثاني لو اقتصر لم يكن فيه حجة على من منع بيع الماء؛ لأنه يجوز بيع البئر ولا يدخل الماء، وليس في الخبر تصريح بالماء فكيف يصح الرد».
}7183{، }7184{ وهذا الحديث فيه: الوعيد الشديد على من أخذ مال أخيه بيمين صبر، وذلك كأن يكون المدعي ليس له بينة فتوجه اليمين للمدعى عليه فيحلف فيأكل مال أخيه، والوعيد مأخوذ من الآية ومن الحديث، أما الآية فقوله تعالى: [آل عِمرَان: 77]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} هذا الوعيد الشديد لمن أخذ مال أخيه بيمينه، وكذلك الحديث «لاَ يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ» لأنه ما عنده بينة، كأنه أخذ ماله بدون اختياره، وكأنه حبسه وليس له ما يدافع به عن نفسه، ومن ذلك: «من قتل صبرًا»[(309)] ، يعني: أنه حبس وربط وقتل وهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وهذا أخذ ماله وهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
وفي معناه: حديث أبي أمامة رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة» قيل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: «وإن قضيبًا من أراك»[(310)] أي: سلك من أسلاك السواك، وهذا وعيد شديد.
وهذا الحديث أيضًا يؤيد الحديث السابق، ويؤيد قول الجمهور في أن حكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً كما استدل بذلك الشراح، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن بطال رحمه الله: هذا الحديث حجة في أن حكم الحاكم في الظاهر لا يحل الحرام ولا يبيح المحظور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حذر أمته عقوبة من اقتطع من حق أخيه شيئًا بيمين فاجرة، والآية المذكورة من أشد وعيد جاء في القرآن؛ فيؤخذ من ذلك أن من تحيل على أخيه وتوصل إلى شيء من حقه بالباطل؛ فإنه لا يحل له لشدة الإثم فيه».
الْقَضَاءُ فِي كَثِيرِ الْمَالِ وقَلِيلِه سَوَاءٌ
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ: الْقَضَاءُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ.
}7185{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضًا أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، أَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ، وَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا».
}7185{ كرر المؤلف رحمه الله الحديث لاستنباط الأحكام، فالترجمة التي مرت للدلالة على أن حكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً فكأن المؤلف خشي أن يظن أن هذا إنما هو في الكثير فبين في هذه الترجمة أنه في القليل والكثير سواء .
قال ابن المنير: «كأنه خشي غائلة التخصيص في الترجمة التي قبل هذه فترجم بأن القضاء عام في كل شيء قل أو جل».
والشاهد للترجمة قوله: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا» ، وهو يتناول القليل والكثير.
وفيه: أن من قضي له بحق أخيه يحرم عليه أخذه سواء كان قليلاً أو كثيًرًا.
وفيه: الرد على من قال: إن القاضي يستنيب في بعض الأمور وهذا منقول عن بعض المالكية[(311)]، وكذلك من قال لا يجب اليمين إلا في قدر معين ولا يجب في الشيء التافه، هذا كله ليس بصحيح؛ لأن القاضي ليس له أن يستنيب في القضاء والحكم، وليس مثل الإمام في الصلاة له أن يستنيب، ويأتي بواحد يحكم عنه ويقول أنا مشغول اليوم، بل يأتي بشخص يحكم ولا يكون نائبًا عنه، وكذلك ليس للقضاة ألا يتعاطون الحكم في الشيء التافه بحيث إذا كان شيئًا تافهًا رده أحدهم إلى نائبه.
أما إن كانت النيابة من قبل ولي الأمر فلا بأس به، كأن يكون هناك محكمة مستعجلة، وهناك محاكم للجنايات ومحاكم للأموال، ومحكمة مستقلة لعقود الأنكحة.
كذلك ليس للولي في الأنكحة أن يأتي بأحد بدلاً منه، أو لمن ولي مثلاً في الأموال يغيب ويأتي القاضي بواحد بدل منه، وإنما لابد أن يكون من ولي الأمر أو من ولي من قبل ولاة الأمور، وكذلك لا يجلس للإفتاء من لم يول في مكان المفتي فليس له ذلك.
بَيْعِ الإِْمَامِ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَضِيَاعَهُمْ
وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُدَبَّرًا مِنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّام.
}7186{ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ.
هذه الترجمة معقودة لبيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، والضِّياع بكسر الضاد: العقار، كما في قاموس المنجد، وبفتحها الضَّياع: الشيء المفقود، وليس المراد هنا بيع المفقود بل المراد بيع الإمام العقار؛ يعني: جواز بيع الإمام على الناس أموالهم وعقارهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يتصرف الإنسان ويبيع أمواله مثلاً ويكون عليه ديون أكثر فهذا يتولى الإمام بيع عقاره ويحجر عليه.
}7186{ ذكر المؤلف رحمه الله هنا حديث جابر رضي الله عنه، أنه «بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ» ؛ يعني: أن له عبدًا وليس له مال غيره فقال: عبدي هذا حر بعد موتي فلا ينفذ؛ لأن حكمه صار حكم الوصية والموصي ليس له إلا الثلث، ولو أعتقه في حياته لنفذ، ولذلك باعه النبي صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه، وفي الحديث الآخر أن رجلاً له ستة أعبد فأعتق عن دبر فالنبي صلى الله عليه وسلم جزأهم أثلاثًا فأمضى الثلث ورد الثلثين[(312)]؛ لأنه كان لا يملك إلا الثلث.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن المنير رحمه الله: أضاف البيع إلى الإمام ليشير إلى أن ذلك يقع في مال السفيه أو في وفاء دين الغائب أو من يمتنع أو غير ذلك ليتحقق أن للإمام التصرف في عقود الأموال في الجملة».
يعني: أن للإمام أن يتصرف في مال السفيه لو اشترى مالاً لا يحق له أو خشي أن يتصرف فيه؛ فللإمام أن يبيع ماله عليه ويرد المال عليه وكذلك وفاء الدين إذا كان عليه دين فله أن يبيعه ليحجر عليه ويقضي دينه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُدَبَّرًا مِنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّام» ، قال ابن المنير رحمه الله: ذكر في الترجمة الضياع ولم يذكر إلا بيع العبد فكأنه أشار إلى قياس العقار على الحيوان، ثم أسند حديث جابر رضي الله عنه قال: «بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ» ، وقد مضى شرحه في كتاب العتق، ووقع هنا للكشميهني «عن دَيْن» بفتح الدال وسكون التحتانية بعدها نون بدل قوله: «عَنْ دُبُرٍ» بضم الدال والموحدة بعدها راء والثاني هو المعروف والمشهور في الروايات كلها والأول تصحيف».
يعني: أنه عن دبر الحياة بعد وفاته يصير حرًّا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال المهلب رحمه الله: إنما يبيع الإمام على الناس أموالهم إذا رأى منهم سفهًا في أموالهم، وأما من ليس بسفيه فلا يباع عليه شيء من ماله إلا في حق يكون عليه؛ يعني: إذا امتنع من أداء الحق وهو كما قال لكن قصة بيع المدبر ترد على هذا الحصر، وقد أجاب عنها بأن صاحب المدبر لم يكن له مال غيره فلما رآه أنفق جميع ماله وأنه تعرض بذلك للتهلكة نقض عليه فعله، ولو كان لم ينفق جميع ماله لم ينقض فعله كما قال للذي كان يخدع في البيوع: «قل لا خلابة»[(313)] ؛ لأنه لم يفوت على نفسه جميع ماله. انتهى. فكأنه كان في حكم السفيه فلذلك باع عليه ماله، والله أعلم».
ولو توفي فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث إلا برضا الورثة؛ لأنه لا يملك إلا الثلث بعد وفاته؛ وذلك لأن حكمه حكم الوصية.
مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ فِي الأُْمَرَاءِ حَدِيثًا
}7187{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطُعِنَ فِي إِمَارَتِهِ، وَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِْمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ».
هذه الترجمة في كتاب الأحكام في الأمراء والإمارة، قال المؤلف رحمه الله: «بَاب مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ فِي الأُْمَرَاءِ» ، يكترث بمعنى يلتفت وزنه ومعناه؛ يعني: أنه لم يلتفت ولم يهتم لطعن من لا يُعلم في الأمراء أولي الأمر، حيث إذا كان أمير على سرية أو جيش أو في بلد مثلاً ثم طعن فيه بعض الناس فلا يلتفت إلى هذا الطعن إن كان الأمير معروفًا بالاستقامة والصلاح، ولو كان هذا الذي طعن فيه معروفًا بالنفاق.
وهذه الترجمة جاءت في نسخة بزيادة كلمة «حَدِيثًا» وقد استشكل معناها حتى قال شيخنا سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: لا معنى لهذه الكلمة ولعلها خطأ من بعض النساخ، ولذلك لم يتعرض لها الشارح، قال: ولو قال: من لم يكترث لطعن من لا يعلم في الأمراء شيئًا أو صوابًا لكان أقرب.
وقد ظهر لي أن لها معنى، وأن التقدير: باب من لم يكترث لطعن من لا يعلم في الأمراء حديثًا مقبولا عليه دليل.
}7187{ قوله: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطُعِنَ فِي إِمَارَتِهِ» . وهذا الذي طعن في إمارته قيل إنه ينسب إلى النفاق، وقيل إنما طعن فيه لكونه مولى، وهذا الطعن ليس له مستند أو دليل فلا يلتفت إليه؛ ولهذا دافع النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وخطب الناس وقال: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ» ، وهو زيد بن حارثة رضي الله عنهما حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة إلى الشام في حرب الروم قال: «وَايْمُ اللَّهِ» قسم أصلها وأيمن الله «إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِْمْرَةِ» ، يعني: إن كان لجديرًا وأهلا للإمرة، وهذه تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة رضي الله عنه.
قوله: «وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» ، يعني: أن زيد بن حارثة رضي الله عنه كان من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن ابنه أسامة رضي الله عنه من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وهذا فيه منقبة لزيد وأسامة رضي الله عنهما وأنهما من أحباب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: دليل على تولية الصغير على الكبار إذا كان أهلاً لذلك؛ لأن أسامة رضي الله عنه كان صغيرًا حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن سبع عشرة سنة، وكان تحت إمرته أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من الأشياخ، كما يكون أيضًا إمامًا في الصلاة وخلفه من هو أكبر منه فلا حرج.
وفيه: دليل على أن الدعوى إذا لم يكن عليها دليل فأصحابها أدعياء.
والحافظ ابن حجر رحمه الله قارن بين طعن الناس لأسامة رضي الله عنه ولم يلتفت إلى طعنه، وبين طعن أهل العراق في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في زمان عمر رضي الله عنه وعزله.
نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن المهلب قوله: «معنى هذه الترجمة أن الطاعن إذا لم يعلم حال المطعون عليه فرماه بما ليس فيه لا يعبأ بذلك الطعن ولا يعمل به، وقيده في الترجمة بمن لا يعلم إشارة إلى أن من طعن بعلم أنه يعمل به؛ فلو طعن بأمر محتمل كان ذلك راجعًا إلى رأي الامام، وعلى هذا يتنزل فعل عمر رضي الله عنه مع سعد رضي الله عنه حتى عزله مع براءته مما رماه به أهل الكوفة، وأجاب المهلب رحمه الله بأن عمر رضي الله عنه لم يعلم من مغيب سعد رضي الله عنه ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من زيد وأسامة؛ يعني: فكان سبب عزله قيام الاحتمال، وقال غيره: كان رأي عمر رضي الله عنه احتمال أخف المفسدتين؛ فرأى أن عزل سعد رضي الله عنه أسهل من فتنة يثيرها من قام عليه من أهل تلك البلد، وقد قال عمر رضي الله عنه في وصيته: لم أعزله لضعف ولا لخيانة».
وهذا هو الصواب أن عمر رضي الله عنه إنما عزله درءًا للفتنة؛ لأن أهل العراق كانوا أهل شغب من ذلك الوقت من زمان عمر رضي الله عنه، ولهذا لما طعن رضي الله عنه أوصى بأن تكون الشورى بين ستة ومنهم سعد رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: إن أصابت سعدًا فذاك ـ يعني: فهو أهل لذاك ـ فإني لم أعزله لعجز ولا خيانة، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعزل أسامة رضي الله عنه لأنه لا أحد يقدر أن يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم ومسدد من الله عز وجل، وعلى هذا فلا منافاة بين إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم أسامة رضي الله عنه وقد طعن فيه بعض الناس وبين عزل عمر رضي الله عنه لسعد رضي الله عنه وقد طعن فيه بعض الناس.
الأَْلَدِّ الْخَصِمِ
وَهُوَ الدَّائِمُ فِي الْخُصُومَةِ [مَريَم: 97]{قَوْمًا لُدًّا *} عُوجًا.
}7188{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَْلَدُّ الْخَصِمُ».
هذه الترجمة معقودة للتحذير من المخاصمة، ولاسيما عند طلب الحقوق وعند الحاكم.
وفسر المؤلف رحمه الله الألد الخصم أنه «الدَّائِمُ فِي الْخُصُومَةِ» ، ولذلك هو بغيض إلى الله عز وجل.
قوله: «بَاب الأَْلَدِّ الْخَصِمِ» ، يعني: من التحذير والوعيد والذم؛ فالألد الخصم يحتمل الكثرة ويحتمل الشدة في الخصومة.
والمؤلف رحمه الله قال: « [مَريَم: 97]{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا *}، يسرناه أي: القرآن، والألد: الأعوج، المراد به المنحرف عن الجادة، واللدد: هو الميل والاعوجاج والانحراف عن الحق، وأصله من اللديد، وهو جانب الوادي، ويطلق على جانب الفم، ومنه اللدود وهو صب الدواء منحرفًا عن وسط الفم إلى جانبه؛ فالمادة تدل على الانحراف والميل، ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لد وصب الدواء من أحد جانبي فمه أشار إليهم ألا يفعلوا ففعلوا ـ قالوا: كراهية المريض للدواء ـ ثم اقتص منهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك قال: «لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا العباس»[(314)] قال الله عز وجل: [مَريَم: 89]{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا *} يعني: شيئًا منحرفًا عن الصواب ومعوجًا عن الاعتدال، وقيل: يعني: أمرًا عظيمًا.
}7188{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَْلَدُّ الْخَصِمُ» فيه: التحذير من المخاصمة وأن أبغض الرجال المتخاصمون.
وفيه: إثبات البغض لله عز وجل، وأنه من صفاته فيجب إثباتها بما يليق بالله عز وجل ومنه حديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»[(315)] ومنه قوله تعالى: [غَافر: 10]{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ *} والمقت أشد البغض؛ فأثبت لله عز وجل المقت.
وقوله: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَْلَدُّ الْخَصِمُ» هل هو خاص بالكافر أو عام؟ قال بعض العلماء إن المراد به الكافر، وعليه يكون معنى الحديث: أبغض الرجال إلى الله عز وجل الكفار المعاندون، والصواب أنه عام يشمل الكافر أو ضعيف الإيمان كثير الخصومة، والمنحرف عن الصواب؛ فمن اتصف بهذا الوصف فهو بغيض إلى الله عز وجل.
فينبغي على الإنسان إذا كان له خصومة ألا ينحرف عن جادة الصواب، وألا يخاصم بالباطل وألا يتكلم إلا بالحق؛ عملاً بما جاء في الحديث عند أبي داود وصححه الحافظ ابن حجر رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا»[(316)] زعيم يعني: كفيل، والمراء هو الجدال.
وفي الحديث فضل من ترك المراء والخصومة والجدال، وهذا إذا كان بالباطل، أما إذا كان جدالاً بالحق لإظهار الحق ورد الباطل فهذا مطلوب، قال الله تعالى: [العَنكبوت: 46]{وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال سبحانه: [النّحل: 125]{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ رَدٌّ
}7189{ حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدًا، ح.
وحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، فَقَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» مَرَّتَيْنِ.
هذه الترجمة جزم المؤلف رحمه الله فيها بالحكم لوضوح الدليل، قال: «بَاب إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ رَدٌّ» . الجور هو غير الحق؛ سمي جورًا لميله عن الحق، وخلاف أهل العلم يعني: إجماع أهل العلم، والمعنى أنه إذا قضى الحاكم أو القاضي بحكم فيه جور وظلم وخالف النصوص أو إجماع أهل العلم فهو مردود عليه.
وهذه الترجمة فقه عظيم، وهو أن حكم الحاكم لا يرد ولا ينقض إلا إذا خالف نصًّا واضحًا من الكتاب أو السنة أو خالف إجماعًا لأهل العلم.
}7189{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه لما أرسله إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام فأقبلوا عليه ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا: صبأنا وقصدوا أنهم خرجوا من دينهم السابق إلى الدين الجديد، لكن خالدًا رضي الله عنه اجتهد وتسرع وجعل يقتل ويأسر ودفع إلى كل من كان معه من أفراد السرية أسيره وقال: كل واحد معه أسير من بني جذيمة يقتل أسيره، لكن ابن عمر رضي الله عنهما امتنع هو وأصحابه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: «وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ» ، وأصحابه هم الذين له ولاية عليهم كأقاربه وأبنائه وأهله، قال لهم: لا يقتل أحد منكم أسيره؛ لأن هؤلاء تكلموا وقالوا صبأنا بمعنى خرجنا من ديننا، وكانوا يسمعون أن من خرج عن دينه إلى دين آخر يسمى صابئًا، ولكن خالدًا رضي الله عنه اجتهد ولم يظن أن هذه الكلمة تدل على إسلامهم فجعل يقتلهم؛ فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك فقال: ««اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» مَرَّتَيْنِ» ، أي: تبرأ من فعله.
ووجه الدلالة للترجمة في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فعل خالد رضي الله عنه لمخالفته الشرع؛ لأنه إذا أعلن إسلامه بخروجه من دينه السابق لا يجوز قتله، لكنه لما كان مجتهدًا كان معذورًا، ولذلك وداهم النبي صلى الله عليه وسلم من عنده، حتى دفع دية الإناء الذي كان يشرب فيه الكلب؛ لأنهم قتلوا خطأ بغير حق.
ومن ذلك أيضًا خطأ أسامة بن زيد رضي الله عنه في بعض الغزوات في قتله الرجل الذي قال لا إله إلا الله متأولاً، لما رفع السيف فوق رأسه قال لا إله إلا الله فظن أسامة رضي الله عنه أنه قالها تعوذًا من القتل فقتله؛ فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم شدد عليه وقال: «أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟!» قال: يا رسول الله إنما قالها متعوذًا؛ فجعل يكرر عليه حتى قال: «كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة»[(317)] قال أسامة رضي الله عنه: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. فاستفاد أسامة رضي الله عنه من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه بعد ذلك لم يشارك في القتال الذي دار بين علي ومعاوية رضي الله عنهما واعتزل الفريقين هو وجماعة من الصحابة منهم سلمة بن الأكوع وابن عمر وغيرهم.
الإِْمَامِ يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُم
}7190{ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّاد،ٌ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَأَذَّنَ بِلاَلٌ وَأَقَامَ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاَةِ، فَشَقَّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَتَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ قَالَ: وَصَفَّحَ الْقَوْمُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْرُغَ، فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لاَ يُمْسَكُ عَلَيْهِ الْتَفَتَ، فَرَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ أَنْ امْضِهْ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيَّةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَضَيْتَ» قَالَ: لَمْ يَكُنْ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: «إِذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ».
قوله: «بَاب الإِْمَامِ يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُم» المراد إمام المسلمين وولي الأمر.
وفقه هذه الترجمة جواز مباشرة الحاكم الصلح بين الخصوم والذهاب إلى موضع الخصوم للصلح بينهم، فإذا سمع الإمام أو القاضي أن أناسًا بينهم خصومة وذهب إليهم في حيهم وفي حارتهم وأصلح بينهم فهذا مشروع، وفيه: فضيلة، ولا يعتبر هذا انحرافًا في الحكم؛ لأن هذا فيه إصلاح.
وفيه: قطع للخصومة، ولو في غير الدوام الرسمي فهذا حسن وهذا من الخير الذي ذكره الله عز وجل: [النِّسَاء: 114]{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا *}، وقال تعالى: [النِّسَاء: 128]{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.
}7190{ في هذا الحديث من الفوائد:
1- أنه إذا تأخر إمام المسجد عن الصلاة فإن المؤذن يقدم من يصلي بالناس، هذا إذا غلب على الظن أنه لا يأتي.
2- أنه على الإمام ألا يغضب إذا جاء وقد قدموا واحدًا يصلي بهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا جاء وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس.
وفي الحديث الآخر: أن بلالاً جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حبس فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال: نعم إن شئت. فلما تأخر صلى الله عليه وسلم أقام بلال رضي الله عنه وتقدم أبو بكر رضي الله عنه ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس فشق صلى الله عليه وسلم الناس حتى قام خلف أبي بكر رضي الله عنه[(318)]... ثم مشى القهقرى فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تقدم فصلى النبي بالناس... لئلا يفهم أن النبي صلى خلف أبي بكر كامل الصلاة.
وفي قصة غزوة تبوك لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم هو والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه جعل المغيرة يصب عليه الماء ليتوضأ وتأخر على الناس فقدموا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ليصلي بهم فصلى بهم ركعة ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة رضي الله عنه فصلوا خلف عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه فلما قضى عبدالرحمن صلاته قام النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة كل منهم يقضي الركعة التي فاتته، ولما شق ذلك على الناس صوبهم وقال: «أحسنتم وأصبتم»[(319)] ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته غير عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه وكذلك أبي بكر رضي الله عنه في هذه القصة.
فالمقصود: أنه لا ينبغي للإمام أن يغضب إذا تأخر وقدم الناس غيره حتى لا يجمع بين سيئتين: سيئة التأخير، وسيئة الغضب.
3- أن الإمام إذا جاء وهم يصلون فهو بالخيار؛ فإن شاء تقدم وصلى بهم وإن شاء صلى معهم مأمومًا كما أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه أن امض وصلى وراءه مأمومًا[(320)]، كما صلى صلى الله عليه وسلم خلف عبدالرحمن بن عوف في غزوة تبوك لما أبطأ عليهم[(321)].
ولكن الأولى للإمام إذا جاء وقد فاتته ركعة أو أكثر أن يصلي مأمومًا حتى لا يشوش على الناس.
4- جواز الالتفات في الصلاة للحاجة كما فعل الصديق رضي الله عنه؛ فإن الصديق صلى الله عليه وسلم كان لا يلتفت فلما أكثر الناس من التصفيق والتصفيح التفت وكما لو حصل شيء في الصلاة، أما بدون حاجة فالالتفات مكروه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن الالتفات اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد[(322)]، والمراد الالتفات بالعنق وبالرأس، أما إذا التفت المصلي بجسمه واستدار عن القبلة فهذا تبطل صلاته.
5- جواز حمد الله تعالى في الصلاة إذا حصل لذلك سبب من حصول نعمة؛ فالصديق رضي الله عنه كان لا يلتفت فلما أكثروا من التصفيق التفت؛ فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليه أن امضه تأخر ورفع يديه وحمد الله عز وجل وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، كما أنه يجوز أن يحمد الله عز وجل إذا عطس وهو في الصلاة، وهذا لا ينافي الصلاة.
6- أن المشي القليل أو العمل القليل لا يؤثر في الصلاة كما تأخر أبو بكر رضي الله عنه قليلاً، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكما في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وجعل يعلم الناس ويصلي على المنبر؛ فإذا أراد أن يسجد تأخر وسجد في الأرض حتى يريهم ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما فعلت ذلك لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي»[(323)] ، وكما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة رضي الله عنها وهو يصلي[(324)] هذه أعمال يسيرة من العمل القليل، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ومعه أمامة بنت أبي العاص بنت ابنته زينب فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها[(325)].
7- جواز الإشارة في الصلاة، وأدلة الإشارة كثيرة، من ذلك ما جاء في صلاة الكسوف في إشارة عائشة رضي الله عنها لأسماء رضي الله عنها لما جاءت قالت: ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء فقالت: آية؛ فأشارت برأسها أن نعم[(326)].
8- فضل الصديق رضي الله عنه وتواضعه وتوقيره للنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته العظيمة له، وهو رضي الله عنه أفضل الناس بعد الأنبياء إذ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَكُنْ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم» .
9- مشروعية التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إذا ناب الإمام شيء في صلاته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ» فالرجال يقولون: سبحان الله، والمرأة تصفق ببطن اليمنى على ظهر اليسرى.
قوله: «وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ» يصفح بتشديد الفاء من صفح يصفح معناه: يصفق وزنًا ومعنى.
10- دليل على عناية الإسلام بالبعد عن أسباب الفتنة؛ فإن المرأة وهي في الصلاة ممنوعة من الكلام، لا تتكلم وإنما تصفق؛ فإذا كان هذا في الصلاة فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يخرجوا المرأة ويجعلوها تختلط بالرجال ويجعلوها ألعوبة للرجال؟! فالمرأة في الإسلام لا تصلي مع الرجال بل تصلي خلفهم، ولا تتكلم إذا ناب الإمام شيء بل تصفق، ولا يجوز أن تسافر إلا مع ذي محرم، ولا يجوز أن يخلو بها الرجل في أي مكان من الخلوة سواء في البيت أو في السيارة أو في مصعد كهربائي وغيره؛ لأن هذا كله من أسباب الشرور والفتن.
ومع ذلك تتمرد المرأة ويتمرد كثير من الرجال على أوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ويريدون إخراج المرأة حتى تخالط الرجال وتتكشف وتخرج من عفافها إلى السفور والانحلال، ـ نسأل الله تعالى السلامة والعافية ـ.
يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلاً
}7191{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَيَا. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ [التّوبَة: 128]{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ، فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، وَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عز وجل، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: اللِّخَافُ يَعْنِي الْخَزَفَ .
}7191{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه في قصته مع أبي بكر رضي الله عنه في جمع القرآن.
قوله: «وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ» ، قال بعض الشراح: إن العقل هو أصل الخلال المحمودة؛ لأن أبا بكر رضي الله عنهوصف زيدًا بالعقل وجعله سببًا لانتفاء التهمة، وقد زاد أبو بكر رضي الله عنه على ذلك فقال: «قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فاجتمع فيه الوصفان أنه عاقل لا يتهم وأنه كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذ المؤلف رحمه الله من هذا مشروعية اتخاذ الكاتب للسلطان والقاضي وأنه يستحب أن يكون أمينًا عاقلاً.
جَمعُ القرآن وقع مرتين:
المرة الأولى في زمن أبي بكر رضي الله عنه كما في حديث زيد رضي الله عنه هذا، قال: «بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ» ، أي: كثر القتل في القراء حينما قاتلوا أهل اليمامة؛ لأنهم اتبعوا مسيلمة الكذاب فقاتلهم الصحابة «وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ» . وكان القرآن لم يجمع في ذلك الوقت؛ لأن القرآن كان لا يزال ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجمع في دفة واحدة في مصحف، ولأنه كان محفوظًا في الصدور، وكان مكتوبًا في اللخاف والعسب وغيرها؛ فعمر رضي الله عنه أشار على أبي بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن في مكان واحد في مصحف واحد خشية أن يذهب القراء.
فعمر رضي الله عنه هو الذي رأى هذا أولا فتوقف أبو بكر رضي الله عنه وجعل يراجعه عمر رضي الله عنه حتى شرح الله عز وجل صدره لذلك، ثم دعوا زيدًا وذكرا له جمع القرآن فتوقف أيضًا زيد رضي الله عنه وجعلا يراجعانه حتى شرح الله عز وجل صدره للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قوله: «قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ» . وهذا يدل على أمانته رضي الله عنه وهو أنه أهل لذلك؛ ولذلك اختاره النبي صلى الله عليه وسلم كاتبًا واختاره الصديق جامعًا، رأى رضي الله عنه هذه أمانة عظيمة فجعل يراجع الصديق والفاروق رضي الله عنهما قائلاً: «كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَيَا. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ [التّوبَة: 128]{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ، فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا».
وكان رضي الله عنه لا يكتب الآية حتى يجتمع فيها أمران الكتابة والحفظ؛ ولهذا توقف في الآية الأخيرة حين وجدها مكتوبة غيرمحفوظة؛ فلما وجدها عند خزيمة أو أبي خزيمة محفوظة سجلها، وهذا من حفظ الله تعالى لكتابه أن جمع القرآن في مصحف واحد، وبقي عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفاه الله عز وجل ثم كان عند عمر رضي الله عنه حتى توفاه الله عز وجل ثم كان عند حفصة رضي الله عنها.
المرة الثانية : في عهد عثمان رضي الله عنه أخذ الصحف من حفصة رضي الله عنها وكان جمع القرآن في زمن الصديق رضي الله عنه يشمل الحروف السبعة كلها، ثم لما جمع المرة الثانية لما اختلف الناس في القراءة وفزع حذيفة رضي الله عنه من اختلاف الناس وهو غاز أرمينية وأذربيجان جاء إلى عثمان رضي الله عنه وقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كما اختلفت اليهود والنصارى؛ فجمعهم على حرف واحد، وهو الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة، وهذا الحرف يشمل القراءات السبع والعشر كلها.