المتن:
الشرح:
242 قوله: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وجه الدلالة: من الحديث للترجمة أن المسكر حرام، وما كان حرامًا فلا يجوز الوضوء به.
وكذلك الماء المغصوب لا يجوز الوضوء به.
مسألة: اختلف العلماء فيما لو توضأ بماء مغصوب ثم صلى؛ هل تصح الصلاة أو لا تصح؟ على قولين لأهل العلم:
القول الأول: وهو مذهب الحنابلة[(711)]: أنها لا تصح، ومثله لو صلى في ثوب مغصوب أو صلى في أرض مغصوبة.
القول الثاني: أنها تصح مع الإثم، وهذا هو الصواب، فيكون له ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب؛ لأن الجهة منفكة، فجهة الثواب غير جهة العقاب، جهة العقاب الغصب، وجهة الثواب الصلاة، فتكون الصلاة صحيحة مع الإثم، فيأثم لكونه توضأ بمغصوب، أو لكونه لبس ثوبًا مغصوبًا، أو لكونه صلى في أرض مغصوبة، أو لكونه لبس ثوب حرير، وصلاته صحيحة، هذا هو الصواب.
ومثله أيضًا: لو توضأ من مبرد ماء وضع للشرب، فهذا يعتبر غصبًا وتعديًا؛ لأنه لم يوضع للوضوء، وعليه ففيه الخلاف المذكور.
وماء البحر طهور، فقد سئل النبي ﷺ قيل: إنا نركب البحر وليس معنا إلا الماء القليل، فإن توضأنا به عطشنا، قال: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ [(712)]، فماء البحر طهور بإجماع المسلمين.
المتن:
باب غَسْلِ الْمَرْأَةِ أَبَاهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: امْسَحُوا عَلَى رِجْلِي فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ.
الشرح:
قوله: «غَسْلِ الْمَرْأَةِ أَبَاهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ» فيه: أنه لا بأس بأن تعاون المرأة أباها أو أحدًا من محارمها وتباشره لعلاجه أو غسل الدم عنه.
قوله: «وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: امْسَحُوا عَلَى رِجْلِي فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ» هذا فيه: معاونة المريض في وضوئه، وهو مستحب.
وقوله: «فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ» يعني بها: ألم أخرجها عن طبيعتها.
المتن:
الشرح:
243 قوله: «بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ ﷺ؟» كان هذا في غزوة أحد لما جُرحت وجنتا النبي ﷺ، وكسرت رباعيته، وصار الدم يخرج منه، وسقط في حفرة، وصاح الشيطان: إن محمدًا قد قتل.
وفي هذا دليل: على أنه ﷺ بشر يُصيبه ما يصيب البشر، ليس إلهًا يعبد ولكنه نبي ﷺ، فالأنبياء بشر يصيبهم ما يصيب الناس؛ فأصيب النبي ﷺ؛ ليكون قدوة لأمته وليعظم الله له الأجر، وهو أشرف الخلق وسيد الخلق وأكرم الناس على الله.
ولما جُرح ﷺ وسال الدم طلب العلاج، وهذا فيه دليل على أنه لا بأس باستعمال العلاج؛ لأن النبي ﷺ أقرهم على مداواة جرحه.
ففيه: دليل على أن العلاج مستحب على الصحيح، قال بعض العلماء: إنه مباح، والصواب أنه مستحب، وأن العلاج أفضل من الترك، وإذا ترك العلاج فلا بأس؛ لأنه ليس بواجب.
فالنبي ﷺ أقرهم على العلاج، فكان علي يأتي بالماء في الترس ـ وهو الذي يتقي به الفارس وقع النبال ـ ويصبه على جرح النبي ﷺ، وفاطمة ابنته تغسل الدم، فلم يستمسك الجرح ولم يقف الدم، بل ازداد الدم كثرة، فلما رأت فاطمة رضي الله عنها ذلك جاءت بالحصير ـ وهو من سعف النخل أو من غيره ـ وأحرقته ثم ألصقته مكان الجرح فاستمسك الدم.
وفي الحديث أيضًا: دليل على الأخذ بالأسباب، فعلى الفارس أن يأخذ السلاح ليتقي به ضربات العدو؛ ولذلك حرص علي على استعمال الترس ليتقي به وقع النبال، فالأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، والنبي ﷺ ـ وهو سيد المتوكلين ـ كان يأخذ بالأسباب، فقد ظاهر بين درعين يوم أحد، فدل هذا على أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله .
والشاهد من الحديث: أن فاطمة رضي الله عنها كانت تغسل الدم عن أبيها، ففيه: دليل على أنه لا بأس بمباشرة المرأة أباها أو أحدًا من محارمها بالعلاج وغسل الدم، وأنه لا حرج في ذلك.
المتن:
باب السِّوَاكِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَنَّ.
الشرح:
قوله: «بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَنَّ» فيه: مشروعية السواك؛ ولهذا كان النبي ﷺ يستن ـ أي: كان يتسوك ـ فالنبي ﷺ كان يحب السواك كثيرًا، كان إذا أراد الصلاة استن، وكذلك الوضوء[(713)]، وكان إذا قام من الليل يتسوك[(714)]، فيشرع السواك عند الصلاة وعند الوضوء وعند تغير الفم، وعند الاستيقاظ من النوم، قالت عائشة رضي الله عنها: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله من الليل فيتسوك[(715)]، فيستاك ثم يتوضأ؛ لأن النوم يغير رائحة الفم، فيشرع السواك لإزالة الرائحة.
ومناسبة ذكر البخاري رحمه الله للسواك في «كتاب الوضوء» أن السواك يشرع عند الوضوء، قال ﷺ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ [(716)]، وفي لفظ: مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ [(717)].
المتن:
الشرح:
244 قوله: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ» يستن بمعنى: يستاك، وهذا يدل على محبته ﷺ للسواك وملازمته له، والاستياك يكون للسان والأسنان، قال العلماء: السواك للسان طولاً، وللأسنان عرضًا.
قوله: «كَأَنَّه يَتَهَوَّعُ» أي: يقول: أع أع كأنما ذهب شيء إلى حلقه؛ محبة للسواك ومبالغة منه عليه الصلاة والسلام.
المتن:
الشرح:
245 قوله: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» فيه: مشروعية الاستياك عند القيام، والانتباه من الليل لإزالة الرائحة، فهو يشرع عند القيام من الليل، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول البيت، وعند تغير رائحة الفم، ومعنى مشروعيته في هذه الأوقات أي: أنه يتأكد، وإلا فهو مشروع في كل وقت، لكن يتأكد ويستحب في هذه المواضع أكثر من غيرها.
والصائم ينبغي له أن يلاحظ السواك؛ لئلا يتفتت فيذهب الفتات إلى حلقه، وحتى لا يجرح اللثة، وينبغي أن يحرص على ألا تكون فيه مواد حارة، فبعضهم يجعل فيه فلفلاً أو طعمًا طيبًا وهذا مما لا ينبغي، فالصائم يحتاط من هذا، أما إذا كان مفطرًا فالأمر واسع.
ولا يستاك المرء في الصلاة ولا في خطبة الجمعة، أما في غيرهما فلا بأس؛ لأن الحركة في الصلاة وكذا أثناء خطبة الجمعة يجب فيها الإنصات فلا يجوز له أن ينشغل بالسواك ولا بغيره، ولا يرد السلام في الصلاة ولا في خطبة الجمعة، أما المحاضرة والدرس فلا بأس؛ لأن الجلوس فيها غير واجب، فيجوز للمرء أن ينصرف ويجوز له أن يتكلم ـ وإن كان يستحب له الإنصات وعدم الانشغال عن العلم ـ لكن في خطبة الجمعة لا يجوز الانصرف ولا التكلم، ويُكتفى بالمصافحة في رد السلام.
وذكر العلماء للسواك فوائد كثيرة متعددة حتى أوصلها بعضهم إلى أكثر من مائة فائدة منها: أنه يذكر الشهادة عند الموت.
مسألة: بم يكون الاستياك، باليمين أم باليسار؟
الجواب: الأمر في هذا واسع؛ فمن قال: إنه إزالة أذى قال باليسار، ومن قال: إنه للتنظيف فباليمين، والأقرب أنه باليسار؛ لأنه إزالة أذى.
وذكر بعض الفقهاء أنه إذا لم يجد السواك يستاك بخرقة أو بأصبع خشنة، وأنه يقوم مقامه عند عدمه.
واستعمال السواك سنة ولا يلزم الشراء، ويكثر الأراك في جنوب المملكة، وهناك أنواع أخرى من النباتات تصلح كالأراك، المهم أن يكون العود لا يجرح ولا يتفتت، كما وصف العلماء التسوك بأنه بعود لين لا يجرح ولا يتفتت، لكن الأراك من أحسن ما يكون.
المتن:
باب دَفْعِ السِّوَاكِ إِلَى الأَْكْبَرِ
246 وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الآْخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَْصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَْكْبَرِ مِنْهُمَا.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ عَنْ ابْن الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
الشرح:
قوله: فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ فيه: دفع السواك إلى الأكبر، فإذا أراد أن يناول وعنده رجلان فإنه يناول الأكبر منهما، ومثله أيضًا: الهدية إذا لم يمكن قسمتها.
وأيضًا: الكلام، فإذا أراد أن يتكلم مع واحد من اثنين تكلم مع الأكبر منهما، كما قال النبي ﷺ في قصة محيصة وحويصة لما قتل عبدالله بن سهل في خيبر وجاء الأصغر ليتكلم قال له النبي ﷺ: كبِّر كبِّر [(719)]، يعني: يتكلم الأكبر.
وكذا في تقديم الطعام إذا لم يكونوا مرتبين، أما إذا كانوا في المجلس مرتبين وهو جالس بينهم فيعطي الأيمن، أما الداخل على المجلس فيعطي الأكبر، وإذا فرغ الأكبر أعطى من على يمينه، هذا هو السنة؛ لأن النبي ﷺ كما ثبت في «الصحيح» لما شرب ﷺ، كان عن يمينه أعرابي وكان عن يساره الأشياخ، فأعطى الأعرابي[(720)]، وفي لفظ: أنه كان غلام عن يمينه، وكان الأشياخ عن يساره، فقال النبي ﷺ له: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ؟ فقال: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، فتله في يده ﷺ[(721)]، فدل على أنه يقدم الأيمن، وقال في اللفظ الآخر: الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ [(722)]، أي: قدم الأيمن.
قوله: أَرَانِي، كأن هذا رؤيا أثناء النوم، ورؤيا الأنبياء وحي؛ كما ذكر الله تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال لابنه: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصَّافات: 102] ثم قال الله بعد ذلك: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصَّافات: 105]، فرأى في المنام أنه يذبح ولده فشرع في تنفيذ الرؤيا؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ولمسلم من طريق علي بن نصر الجهضمي عن صخر أَرَانِي فِي الْمَنَامِ [(718)]، وللإسماعيلي: «رأيت في المنام» ، فعلى هذا فهو من الرؤيا».
ورؤيا الأنبياء قسم من أقسام الوحي.
المتن:
باب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الْوُضُوءِ
247 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَْيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
الشرح:
247 قوله: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ففي رواية أخرى: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ [(723)]، وهذا استدل به المؤلف على فضل من بات على الطهور، وأنه إن مات يموت على الفطرة.
وهذا الحديث فيه: استحباب الوضوء عند النوم، واستحباب أن ينام على شقه الأيمن، واستحباب أن يقول هذا الذكر: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فهذه ثلاثة أمور مستحبات.
وهناك سنة رابعة أيضًا : وهي أن يجعل كفَّه اليمنى تحت خده الأيمن أيضًا ويقول هذا الذكر، ويكون هذا الذكر آخر ما يقول؛ لأنه إذا مات على ذلك مات على الفطرة.
وفيه: مشروعية الالتزام بألفاظ هذا الذكر وأنه لا يُغَيَّر؛ ولهذا لما جاء الراوي يرددها قال: آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فغيَّر فقال: «وَرَسُولِكَ» بدلاً من: وَبِنَبِيِّكَ، فقال النبي ﷺ: لاَ، وَنَبِيِّكَ، وإن كان المعنى واحدًا، فهذا يدل على أن الذكر بلفظه، لا يغير ولو بالمعنى، واحتج بعضهم بهذا الحديث على أنه لا يجوز رواية الحديث بالمعنى، لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن قوله: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، مختلف عن: «ورسولك الذي أرسلت» ، فقوله: وَبِنَبِيِّكَ فيه: إثبات النبوة والرسالة، أما قوله: «وَرَسُولِكَ» فليس فيه: إلا إثبات الرسالة؛ ولأن الرسالة قد تكون لغير الأنبياء، فجبريل مرسل، وهو من الملائكة؛ قال الله تعالى: جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً [فَاطِر: 1]، فالرسل تكون من الملائكة ومن الآدميين، أما النبوة فخاصة بالآدميين؛ ولهذا لما أكد فقال: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، دل على أنه مختلف عن قوله: «ورسولك الذي أرسلت»، أي: لتغير المعنى. فدل هذا على أن الأذكار لا يغير لفظها ولا تروى بالمعنى، بل يقولها الإنسان كما وردت بلفظها.
مسألة: اختلف في الرسالة والنبوة أيهما أعم؟
الجواب: فقيل: إن الرسالة أعم من النبوة، والرسول: هو الذي أرسل إلى أمة مشركة، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله[(724)] أن النبي: هو الذي ينبأ أي: يكلَّف بشريعة سابقة مثل داود وسليمان وزكريا كلِّفوا بشريعة التوراة، والرسول هو الذي يرسل إلى أمة مشركة فيصدقه قوم ويكذبه آخرون.
فالنبي هو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة ولا يرسل إلى قوم كفار، وإنما يرسل إلى قوم مؤمنين، وقد يوحى إليه وحي خاص في قضية خاصة. والرسول: هو الذي يرسل إلى أمة مشركين فيؤمن به قوم ويكذب به آخرون، مثل: نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد عليهم الصلاة والتسليم، هؤلاء هم الرسل، أما الأنبياء: فهم مكلفون بالعمل بشريعة سابقة، مثل أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى ، كلهم كلفوا بالعمل بالتوراة ـ حتى جاء عيسى ـ كداود وسليمان ويحيى وزكريا عليهم السلام، قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المَائدة: 44]، فهم أرسلوا إلى قوم مؤمنين، ولم يرسلوا إلى كفار، وإن كان قد يوحى إليهم وحي خاص في قضية خاصة.
وفي الحديث: فضل من بات طاهرًا وأنه يموت على الفطرة إذا توضأ وضوءه للصلاة وقال هذا الذكر، وجعله آخر ما يقول، وهناك أذكار أخرى مستحبة أيضًا؛ فقد ورد أنه يضع يده تحت خده الأيمن ويقول: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا [(725)]، و بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ [(726)].
وهذا الذكر يقال في الليل؛ لأن فيه النوم الكثير، أما نوم النهار ففي الغالب يكون قليلاً؛ ولهذا قال: فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ يعني: إن مت من ليلتك مت على الفطرة، والليل ينتهي بطلوع الفجر، ولو قاله في النهار فهو حسن.
والأذكار التي ورد فيها عدد يلتزم بالعدد الوارد في الذكر، مثل التسبيح ثلاثًا وثلاثين بعد الصلاة والتكبير والتحميد ثلاثًا وثلاثين، فيلتزم بالعدد أولاً، وإذا أراد بعد ذلك أن يزيد فلا بأس.