المتن:
كِتَابَ الغُسْلِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
الشرح:
هذا الكتاب عقد المؤلف رحمه الله تحته أبوابًا للغسل، فبعد أن انتهى من الكلام على الوضوء وأحكام الوضوء انتقل إلى أحكام الغسل.
قوله: «الغُسْلِ» بالضم يطلق على الفعل، وهو تعميم الماء وجريانه على البدن كله، والغَسل بالفتح المصدر، والغِسل بالكسر ما يجعل مع الماء من أدوات التنظيف، كالأشنان والخطم والصابون ونحوه.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله آيتي المائدة والنساء، وقدم آية المائدة، وهي قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا لأن كلمة فَاطَّهَّرُوا مجملة، أما آية النساء: وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ففيها تفصيل، كما أن المراد منها بيان التطهير وأنه الاغتسال؛ ولهذا قدم آية المائدة على آية النساء، وإن كانت آية النساء تسبقها في المصحف.
وآية المائدة آية عظيمة بيَّن الله تعالى فيها أحكام الوضوء، وأحكام الغسل، وأحكام التيمم، فبدأها تعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهو خطاب للمؤمنين بالإيمان؛ لأنه أخص صفاتهم، ثم قال: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وهذه صفة الوضوء.
ثم قال سبحانه: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، وهذا هو الذي قد ذكره المؤلف أي: تطهروا، ويكون التطهر بالاغتسال أو بالتيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله.
ثم قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ...، فقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى، أي: لا تستطيعون استعمال الماء، أَوْ عَلَى سَفَرٍ بأن فَقِد الماء؛ لأن الغالب أن المسافر هو الذي يفقد الماء، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ يعني قضى حاجته، أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ، والملامسة هنا الجماع، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا أي: في هذه الأحوال إذا لم يجد الإنسان ماءً أو عجز عن استعماله بأن كان مريضًا ـ كما سيأتي في التيمم ـ.
وكيفيته: أن ينوي ثم يسمي ثم يضرب بيده الأرض ضربة واحدة مفرجتي الأصابع، ثم يمسح بهما وجهه ويديه.
وقوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، كلمة مِنْهُ تُفيد التبعيض، واحتج بها العلماء على أنه ينبغي أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، فإذا تيسر للمسلم التراب الذي فيه غبار فإنه يجب عليه، فإن لم يجد تيمم على ما تصعَّد على وجه الأرض؛ لقول الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، فالله شرع لنا الوضوء وشرع لنا الغسل بالماء، وعند العجز أو فقد الماء نتيمم؛ لأن الله ما يريد ليجعل علينا من حرج، فلقد رفع الحرج والأغلال والآصار عن هذه الأمة، وهذا من خصائصها، كما في الحديث: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، ومنها: وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا[(727)].
وآية النساء بيَّن الله فيها الغسل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا، فالمراد بـلاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ يعني مواضع الصلاة، وهي المساجد.
وقوله:وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا، أي: لا يجوز للإنسان أن يدخل المسجد وعليه جنابة ويلبث فيه إلا أن يمر به مرورًا ؛ أما أن يمكث في المسجد فليس له ذلك، وكذلك الحائض ليس لها أن تمكث في المسجد، لكن لها أن تمر، فالمرور لا بأس به.
وقوله في آية النساء: حَتَّى تَغْتَسِلُوا، مفصل؛ حيث ذكر فيه بيان الاغتسال؛ ولهذا أخره عن آية المائدة فَاطَّهَّرُوا المجملة.
أما حكم ذكر الله بالنسبة للجنب فالصواب أنه يجوز، وقد كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه[(728)]، أي أن من عليه جنابة يجوز له أن يسبح ويهلل ويكبر، لكن الأفضل أن يكون متوضئًا، ومن ذلك أيضًا الأذان؛ لأنه ذكر فلا بأس به، لكن لا يقرأ القرآن.
المتن:
الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ
248 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّه.
الشرح:
248 قوله: «كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ...» هذه كيفية الغسل الكامل، فالغسل له صفتان:
الصفة الأولى: صفة الإجزاء: وهي أن ينوي الاغتسال أو رفع الحدث، ثم يسمي الله، ثم يعمم بدنه بالماء مرة واحدة، ولا يشترط الترتيب، وإذا بدأ بيديه فحسن، فهذا هو الغسل المجزئ.
الصفة الثانية: الغسل الكامل: وهي كما جاء في حديث عائشة[(729)] أن ينوي، ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاث مرات، ثم يغسل فرجه وما حوله وما لوَّثه، ثم يغسل مذاكيره، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة: يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه، ثم يغسل يديه، ويمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، ثم يغسل رأسه ثلاثًا؛ يأخذ ثلاث غرفات يصب الماء على رأسه ثلاًثا يرويه، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثًا، ثم يغسل شقه الأيسر؛ فهذا هو الغسل الكامل.
وفي حديث ميمونة ـ كما سيأتي ـ: أنه أخر غسل الرجلين بعد الغسل[(730)]، فهو مخير بين أن يتوضأ ويكمل الوضوء ثم يصب الماء على رأسه ثلاثًا ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثًا ثم يغسل شقه الأيسر ثلاثًا كما في حديث عائشة رضي الله عنها، أو يفعل كما في حديث ميمونة ـ وهو الحديث الذي يأتي بعد هذا ـ أن يتوضأ وضوءه للصلاة إلا الرجلين يؤخرهما، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثًا، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، ثم يغسل رجليه.
وفي بعض الأحاديث: أنه تنحى عن مكان الغسل وغسل رجليه؛ لأن الرجلين قد يعلق بهما شيء من الطين أو التراب فإذا غسلهما آخر شيء انتهى ما علق بهما؛ لأن الحمامات لم تكن مبلطة في ذلك الوقت، ولم يكونوا يلبسون الأحذية عند الاغتسال، فيغتسلون على الأرض؛ على التراب والطين؛ ولذلك شرع تأخير غسل الرجلين.
وأحاديث التسمية عند الوضوء فيها مقال، ولكن بمجموعها يشد بعضها بعضًا، وقد ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره على آية المائدة.
والتسمية في الغسل مستحبة عند الجمهور، وعند بعض أهل العلم كالحنابلة[(731)] وغيرهم أنها واجبة مع التذكر، فإذا كان متذكرًا وجب عليه أن يبدأ بالتسمية، فإن نسي ثم ذكر في أثناء الوضوء فيسمي، فإن نسي حتى انتهى من الوضوء فلا حرج، والجمهور على أنها مستحبة ـ كما سبق ـ فلو تركها فلا حرج؛ لأن كل أحاديث التسمية فيها ضعف، ومثله الغسل، لكن ينبغي للإنسان أن يسمي إذا كان متذكرًا.
مسألة: هل يكفي الغسل لرفع الحدث الأصغر والأكبر أو لابد من الوضوء؟
القول الأول: أنه إذا نوى بالغسل رفع الحدثين فإنه يكفي، لكن بعد أن يستنجي ويغسل مذاكيره بشرط ألا يخرج منه ريح ولا يمس فرجه، فإن خرج منه ريح أو مس فرجه فلابد أن يتوضأ.
القول الثاني: أنه لابد أن يتوضأ.
وعلى كل حال فالأكمل والأولى أن يتوضأ الإنسان قبل الغسل، على ما في حديث عائشة: يستنجي ثم يتوضأ ثم يغتسل.
المتن:
الشرح:
249 قوله في حديث ميمونة: «ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا» وفي حديث عائشة المتقدم: أنه أكملَ الوضوء ـ فمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل رجليه ـ وفي هذا الحديث أنه أخر غسل الرجلين؛ فغسل مذاكيره ثم توضأ إلا رجليه، فصب الماء على رأسه ثم تنحَّى عن مكانه الأول فغسل رجليه، فإذا أكمل الوضوء على ما في حديث عائشة فحسن، وإن أخَّره على ما في حديث ميمونة فلا حرج.
المتن:
باب غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ
250 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ: الْفَرَقُ.
الشرح:
250 قول عائشة رضي الله عنها: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ» فيه: دليل على جواز غُسل الرجل مع امرأته وهما عريانان.
وقولها: «الْفَرَقُ» بفتح الراء هو: إناء يسع صاعين أو ثلاثة آصع.
وقد ورد في الحديث الآخر جواز الاغتراف، وهو قولها: «نغترف جميعًا» [(733)] وفي اللفظ الآخر: «تختلف أيدينا» [(734)] وهذا يدل على أن اغتراف الجنب من الماء في الإناء لا يجعله مستعملاً.
وفيه: وجواز نظر الرجل إلى عورة امرأته والمرأة إلى عورة زوجها؛ لأنها حل له، وإذا كان يستمتع بها ـ وأعلى ما يستمتع به الجماع ـ فالنظر إلى العورة من باب أولى.
وأما حديث عائشة قالت: ما رأيت منه ولا رأى مني ـ يعني: العورة[(732)]ـ فهو حديث ضعيف فلا يقاوم هذا الحديث الصحيح؛ لأن المرأة كلها حل لزوجها، والله تعالى قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ.
المتن:
باب الْغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ
251 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ، وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ.
قَالَ أَبُو عَبْداللَّهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ عَنْ شُعْبَةَ قَدْرِ صَاعٍ.
الشرح:
251 قوله: «فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ» فيه: دليل على اغتسال الرجل بالصاع، فكان النبي ﷺ يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد[(735)]، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط الكفين اللتين ليستا بالصغيرتين ولا بالكبيرتين.
ولما قال رجل ـ كما سيأتي ـ: إني رجل كثير الشعر، قال له جابر: «كان النبي ﷺ أكثر منك شعر» وفي لفظ: «كان يكفي من هو خير منك وأكثر شعرًا» [(736)]، يعني: النبي ﷺ، فقد كان ﷺ شعره كثيفًا ومع ذلك كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع[(737)] ـ أي: في الغالب ـ وربما زاد على ذلك، فقد جاء عنه أنه عليه الصلاة والسلام. توضأ بثلثي مد[(738)].
وعائشة رضي الله عنها خالة أبي سلمة من الرضاعة، ففي هذه القصة أن أخاها من الرضاع وأبا سلمة ـ الذي هي خالته من الرضاع ـ جاءا وسألاها عن غسل النبي ﷺ، فجاءت بماء نحو الصاع، واغتسلت وبينها وبينهم حجاب وهم يرون رأسها وأعالي جسدها تريهم غسل النبي ﷺ.
لكن هذا فيه إشكال ـ وإن كان هذا في الصحيح ـ وذلك لعدة أسباب:
أولاً: أن عائشة رضي الله عنها من أفقه النساء، وهي تعلم أن وصفها غسل النبي ﷺ يكفي بدون فعل.
ثانيًا: أنه لا فائدة في كونهم يشاهدون الرأس وأعالي الجسد.
ثالثًا: أن في النفس شيئًا من كونها تكشف رأسها وأعالي جسدها أمامهم ولو كانوا محارمَ لها، فإذا كان غُسل المرأة أمام المرأة فيه ما فيه، فكيف بغسلها أمام محارمها، وإن كان بينهم حجاب؟!
فليس هناك داع إلى الاغتسال أمامهم، بل يكفي أن تعلمهم وتخبرهم بالسنة، وعلى كل حال فالحديث فيه إشكال وإن كان في الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ» قال القاضي عياض: ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمَحْرم؛ لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع؛ أرضعته أختها أم كلثوم، وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه، قال: وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى، وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل؛ لأنه أوقع في النفس ولما كان السؤال محتملاً للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الأمرين معًا، أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء، وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع».
المتن:
الشرح:
252 قوله: «قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ وَأَبُوهُ» وأبوه هو علي بن الحسين، وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قوله: «كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا» يعني: النبي ﷺ، فقد كان شعره كثيفًا؛ فكان كثَّ اللحية عليه الصلاة والسلام، وكان شعر رأسه ربما يضرب إلى الأذنين؛ فقد يكون جمة وقد يكون وفرة، ومع ذلك يكتفي بصاع، أي: أربعة أمداد.
وهذا خطاب للرجل الذي استقل الصاع وقال: «مَا يَكْفِينِي!» يعني: هو قليل.
قوله: «ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ» يعني: أن جابرًا صلَّى بالناس إمامًا بثوب واحد، والمراد بالثوب القطعة الواحدة؛ فالإزار ثوب، والرداء ثوب، والمحرم في الحج أو العمرة يلبس ثوبين: إزارًا ورداء، فالإزار يشد به النصف الأسفل، والرداء يضعه على عاتقيه، والمراد أن جابرًا أخذ قطعة واحدة فاتزر بها وأمَّهم.
وفي الحديث الآخر أنه: وضع رداءه على المشجب، يعني لم يضع رداءه على الكتفين، فلما قال له بعضهم: تصلي في إزار واحد؟ قال: عرفت أنه يأتيني رجل أحمق مثلك[(740)] يعني: فأخبره بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام أنهما كذلك.
وهذا فيه: دليل لما ذهب إليه الجمهور من أنه يجوز للإنسان أن يصلي في الثوب الواحد ـ يعني القطعة الواحدة ـ إذا كانت ساترة للعورة، ولو لم يكن على كتفيه شيء.
والقول الثاني: أنه لابد من ستر الكتفين إن استطاع؛ لما ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال: لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ [(741)] وفي لفظ: عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ [(742)].
مسألة: إذا كان المصلي واجدًا للثوب ولم يضعه على كتفيه، وصلى بإزار وكتفاه مكشوفتان فقد اختلف العلماء في حكم الصلاة:
القول الأول: لا تصح الصلاة.
القول الثاني: تصح مع الإثم.
وستأتي هذه المسألة في كتاب الصلاة.
المتن:
253 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ عَنْ شُعْبَةَ قَدْرِ صَاعٍ.
الشرح:
253 قوله: «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» فيه: جواز اغتسال الرجل وامرأته جميعًا، وفي الحديث السابق: «في إناء يسع ثلاثة آصع أو صاعين» [(743)].
وفيه: دليل على أن اغتراف الجنب من الماء بيديه لا يصيره مستعملاً ولا يؤثر في طهوريته.
المتن:
باب مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا
254 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا.
255 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا.
الشرح:
254، 255 قوله: فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا وقول جابر: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا» هذا هو الغسل الكامل، وهو أن يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثًا يروي أصول شعره، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثًا، ثم يغسل شقه الأيسر.
أما الغسل المجزئ فهو أن يعمم جسده بالماء مرة واحدة، ولا يشترط غسله ثلاثًا، فإذا غسل رأسه مرة واحدة بأن عمم الرأس ووصل إلى أصول الشعر وكذلك بقية جسده كفى.
المتن:
256 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ لِي جَابِرُِ: وَأَتَانِي ابْنُ عَمِّكَ يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَيْفَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ.
فَقَالَ لِي الْحَسَنُ: إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا.
الشرح:
256 قوله: «يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ» أبو جعفر هذا أبوه محمد بن علي بن أبي طالب، يسمى محمد بن الحنفية؛ لأن أمه من سبايا بني حنيفة، سباها علي
فاشتهر بمحمد بن الحنفية من بين إخوته؛ تمييزًا له، وإلا فهو محمد بن علي بن أبي طالب.
قوله: «ابْنُ عَمِّكَ» أبو جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فيكون ابن عم أبيه الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، أي: أن أبا جعفر ابن عم الحسن بن محمد بن علي.
قول الحسن: «ِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ؟» يعني: لا يكفيني الصاع حتى أغتسل غسلاً كاملاً.
فقال له جابر: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا» أي: وكان عليه الصلاة والسلام يغتسل بالصاع[(744)]، وهذا ليس مطلقاً فربما زاد على الصاع أحيانًا.
المتن:
باب الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً
257 حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَْرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً» أي: إذا عمم جسده بالماء كفى، لكن إذا توضأ قبل ذلك فهذا هو الغسل الكامل.
257 حديث ميمونة فيه أنه توضأ وضوءه للصلاة.
وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام «فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا» لكن جاء في رواية أخرى أنها: «ثلاثًا» [(745)]، والقاعدة أن الروايات يفسر بعضها بعضًا، كما أن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا، والآيات يفسر بعضها بعضًا، وما جاء مجملاً يفسر بالنصوص الأخرى التي جاءت مفصلة، فهو غسل يديه ثلاثًا.
قوله: «ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَْرْضِ» ، وفي اللفظ الآخر: «الحائط» [(746)]، أي: دلكها بها حتى تزول الرائحة التي قد تعلق باليد من أثر الاستنجاء.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً» قال ابن بطال: يستفاد ذلك من قوله: «ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ» ؛ لأنه لم يقيد بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة؛ لأن الأصل عدم الزيادة عليها.
قوله: «فَغَسَلَ يَدَيْهِ» ؛ وللكشميهني: «يديه» .
قوله: «مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا» الشك من الأعمش، كما سيأتي من رواية أبي عوانة عنه، وغفل الكرماني فقال: الشك من ميمونة.
قوله: «مَذَاكِيرَهُ» هو جمع ذكر على غير قياس، وقيل: واحده مذكار».
المتن:
باب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوْ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ
258 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَْيْمَنِ ثُمَّ الأَْيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوْ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ» ؛ ظاهره أنه يرى أن الحلاب نوع من الطيب، وقد أشكلت هذه الترجمة على الأئمة والعلماء قديمًا وحديثًا؛ فاختلفوا في مراد البخاري رحمه الله منها.
فمن العلماء من وهَّم البخاري كالإسماعيلي وغيره وقالوا: إنه وهم رحمه الله فظن أنه يُبدأ بالطيب قبل الغسل، والطيب قبل الغسل لا يفيد؛ لأن الماء يزيله.
ومنهم من تأول قول البخاري: «بَاب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ» قال: صوابها الجلاب، وهو أن يوضع مع الماء ماء الورد زيادة في التنظيف.
ومنهم من قال: المراد بالحلاب: الإناء الذي يسع قدر حلب الناقة.
وعلى كل حال فالعلماء اختلفوا في مراد البخاري من هذا، والمناسب لحديث الغسل أن المراد بالحلاب الإناء الذي يحلب فيه، يوضع فيه ماء الغسل ثم يغتسل به.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوْ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ» مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب أشكل أمرها قديمًا وحديثًا على جماعة من الأئمة، فمنهم من نسب البخاري فيها إلى الوهم، ومنهم من ضبط لفظ الحلاب على غير المعروف في الرواية لتتجه المطابقة، ومنهم من تكلَّف لها توجيهًا من غير تغيير.
فأما الطائفة الأولى فأولهم الإسماعيلي فإنه قال في مستخرجه: رحم الله أبا عبدالله ـ يعني البخاري ـ من ذا الذي يسلم من الغلط، سبق إلى قلبه أن الحلاب طيب وأي معنى للطيب عند الاغتسال قبل الغسل، وإنما الحلاب إناء وهو ما يحلب فيه يسمى حلابًا ومحلبًا قال: وفي تأمل طرق هذا الحديث بيان ذلك حيث جاء فيه: كان يغتسل من حلاب[(747)] انتهى. وهي رواية ابن خزيمة وابن حبان أيضًا، وقال الخطابي في شرح أبي داود: الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة قال: وقد ذكره البخاري وتأوله على استعمال الطيب في الطهور، وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي، وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك، قال: وقال الشاعر:
صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ | رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا فَرَى فِي الْحِلَابِ |
وأما الطائفة الثانية فأولهم الأزهري قال في التهذيب: الحلاب في هذا الحديث ضبطه جماعة بالمهملة واللام الخفيفة أي: ما يحلب فيه كالمحلب فصحفوه، وإنما هو الـجُلاَّب بضم الجيم وتشديد اللام، وهو ماء الورد فارسي معرب.
وقد أنكر جماعة على الأزهري هذا من جهة أن المعروف في الرواية بالمهملة والتخفيف، ومن جهة المعنى أيضًا، قال ابن الأثير: لأن الطيب يستعمل بعد الغسل أليق منه قبله وأولى؛ لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء، وقال الحميدي في الكلام على غريب الصحيحين: ضم مسلم هذا الحديث مع حديث الفرق وحديث قدر الصاع في موضع واحد، فكأنه تأولها على الإناء، وأما البخاري فربما ظن ظان أنه تأوله على أنه نوع من الطيب يكون قبل الغسل؛ لأنه لم يذكر في الترجمة غير هذا الحديث انتهى. فجعل الحميدي كون البخاري أراد ذلك احتمالاً، أي: ويحتمل أنه أراد غير ذلك لكن لم يفصح به، وقال القاضي عياض: الحلاب والمِحْلَب بكسر الميم إناء يملؤه قدر حلب الناقة، وقيل: المراد، أي: في هذا الحديث مَحلب الطيب، وهو بفتح الميم».
258 قوله في حديث الباب: «إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ...» ، ظاهره أنه بعد الغسل يأخذ شيئًا من الطيب فيقول به على رأسه، على شقه الأيمن وعلى شقه الأيسر؛ فكونه يغتسل ثم يتطيب لا إشكال فيه، لكن الإشكال كونه قبل الغسل، فالإشكال في قوله: «بَاب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوْ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ» أي: أن الإشكال في فهم البخاري وفقهه، ولكن ظاهر الحديث أنه يأتي به بعد الغسل.
وإذا قيل: المراد بالحلاب: الإناء الذي فيه الماء فهذا حسن، لكن في الحديث أنه إذا اغتسل أتى بشيء يشبه الحلاب ويضعه على شقيه؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَْيْمَنِ ثُمَّ الأَْيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» ، وهذا ظاهره أنه نوع من الطيب فالحديث ليس فيه إشكال؛ ولهذا ضم الإمام مسلم رحمه الله هذا الحديث مع حديث الفرق فزال الإشكال.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فإنه قال بعد حكايته لكلام الخطابي: وأظن البخاري جعل الحلاب في هذه الترجمة ضربًا من الطيب قال: فإن كان ظن ذلك فقد وهم، وإنما الحلاب الإناء الذي كان فيه طيب رسول الله ﷺ الذي كان يستعمله عند الغسل، قال: وفي الحديث الحض على استعمال الطيب عند الغسل؛ تأسيًا بالنبي ﷺ».
على كل حال فظاهر الحديث واضح في أنه بعد الاغتسال يأتي بشيء نحو الحلاب ويضعه على شقه الأيمن وشقه الأيسر، أي: نوع من الطيب، وهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال في لفظ الترجمة.
المتن:
باب الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْجَنَابَةِ
259 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ غُسْلاً، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَْرْضَ، فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ، فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا.
الشرح:
259 قول ميمونة رضي الله عنها: «صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ غُسْلاً» ، فيه: بيان الغسل الكامل، وميمونة هي خالة ابن عباس.
وفيه: أنه لما غسل مذاكيره ضرب بيديه الأرض، فغسلها حتى يزيل ما علق بها من الرائحة من أثر الاستنجاء، وهذا من باب الاستحباب.
والشاهد في الحديث قوله: «تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَق» ، فهل المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وفي الغسل؟
القول الأول: أنهما واجبتان في الوضوء دون الغسل.
القول الثاني: أنهما واجبتان في الوضوء والغسل.
القول الثالث: أنه تجب المضمضة دون الاستنشاق.
وعلى كل حال فالأحوط للمسلم ألا يترك المضمضة والاستنشاق، وهما في الوضوء آكد من الغسل؛ فقد كان النبي ﷺ لا يترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
مسألة: لو اغتسل غسلا مجزئًا ونوى رفع الحدثين ولم يتوضأ، ثم لم يتمضمض ولم يستنشق، فهل يصح غسله أو لا يصح؟
القول الأول: يعيد.
القول الثاني: يتمضمض ويستنشق في الحال، كما لو ترك شيئا من جسده ثم رآه بعد ذلك فإنه يغسله، وهذا على القول بعدم وجوب الموالاة في الغسل، وفيه خلاف.
الترجيح: ظاهر الأدلة وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء وفي الغسل، ولم يجزم المؤلف بالحكم؛ لأن المسألة خلافية بين أهل العلم.
المتن:
باب مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى
260 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ سَالِمِ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
الشرح:
260 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ...» ؛ هذا حديث ميمونة السابق كرره المؤلف مرارًا لاستنباط الأحكام التي تدل على فقهه العظيم، فالبخاري رحمه الله فقيه، وفقهه في تراجمه.
والشاهد من الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام لما غسل مذاكيره دلك بيده الحائط ثم غسلها؛ حتى تزول الرائحة، وكان الحائط من تراب وطين، والآن ينوب عنه الصابون؛ لأن الحائط الآن ليس فيه تراب.
وهذا من باب النقاء والاستحباب وليس بواجب، فالماء يكفي لكن يستحب له إذا استنجى أن يغسل يده بالتراب أو بالطين أو بالصابون حتى يزول ما لعله يعلق بها من الرائحة من أثر الغائط والاستنجاء.
وفي رواية في حديث ميمونة السابق أنها قالت: أتيته بخرقة فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده[(748)] أي: لم يأخذ الخرقة ليتنشف بها.
وفيه: أن ترك التنشف في الغسل أفضل، أما الوضوء فلم يأت فيه شيء، والعلماء يقولون: تباح معونة المتوضئ وتنشيف أعضائه، لكن في الغسل تركه أولى، وإن تنشف فلا حرج.
المتن:
باب هَلْ يُدْخِلُ الْجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِْنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ
وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ.
الشرح:
قوله في ترجمة الباب: «فِي الطَّهُورِ» ؛ الطَّهور بالفتح: الماء الذي يتطهر به، والطُّهور بالضم الفعل.
فقوله: «وَلَمْ يَغْسِلْهَا» ؛ يعني: ولم يغسل يديه ثلاثًا، والأفضل أن يغسل يديه ثلاثًا قبل أن يدخلهما الإناء إذا كان عليه جنابة، ويتأكد هذا في حقه إذا كان مستيقظًا من نوم الليل، والحنابلة يوجبونه[(749)]؛ لحديث: وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ [(750)].
والصواب: أنه مستحب وليس بواجب، فإذا أدخل يده ولم يغسلها لم يصر الماء مستعملاً إلا إذا تحقق أن فيها نجاسة، أما إذا لم يتحقق ولم يعلم أن فيها نجاسة فلا يقال: إن الماء مستعمل؛ ولهذا «وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا» ؛ والأفضل للمغتسل أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، وإذا أدخلهما قبل غسلهما فقد خالف السنة، والماء طهور لا يضره ذلك، وهو على حاله ليس مستعملاً ولا نجسًا، إلا إذا تحقق أن فيها نجاسة، للأدلة التي دلت على أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة.
وأيضًا لأن هذا عند العلماء من باب الآداب، وجمهور العلماء يرون أن الأوامر في الآداب تحمل على الاستحباب، وإلا فالقول بالوجوب قول قوي، فلا شك أن الأصل في الأوامر الوجوب إلا بصارف، لكن حتى على القول بالوجوب فإنه إذا خالف يأثم والماء غير مستعمل فلا يزال طهورًا.
المتن:
الشرح:
قوله: «وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ» ؛ يعني: أن الماء الذي يتطاير من غسل الجنابة لا يضر، فإذا انتضح من بدن الجنب ماء على الثوب فإنه لا ينجس، وأيضًا قطرات الماء من بدن الجنب إذا وقعت على الماء الذي يغتسل منه فهو طهور لا يتأثر؛ لأنه طاهر والجنابة ليست نجسًا وإنما هي معنى يقوم بالبدن؛ فالجنب طاهر.
المتن:
الشرح:
261 قول عائشة رضي الله عنها في حديث الباب الأول: «تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ» هذا هو الشاهد من الحديث؛ فهو يدخل يده، وهي تدخل يدها، وكل منهما جنب، فدل هذا على أن إدخال اليد في الماء لا يصيره مستعملاً، وكذلك لو تطاير منه قطرات ووقعت في الماء الذي يغتسل منه لا يصيره مستعملاً، وكذلك لو انتضح شيء من بدن الجنب على ماء أو على ثوب لا يصيره نجسًا لأن بدنه طاهر؛ ولهذا كان النبي ﷺ وعائشة يغتسلان من إناء واحد تختلف أيديهما، وفي بعض الروايات أنها كانت تقول له: دع لي، وهو يقول لها: دعي لي [(751)]، يعني: اترك لي بعض الماء؛ فقد صار الماء قليلاً.
والماء المتساقط من الجنب إذا جمع فكثير من الفقهاء يرون أنه مستعمل طاهر، بمعنى أنه يستعمل في الشرب وفي الطبخ، لكن لا يستعمل في الوضوء مرة أخرى، والصواب أنه طاهر طهور، ولا يصير مستعملاً؛ لأن هذا ليس عليه دليل، كما ذهب إلى ذلك المحققون مثل شيخ الإسلام[(752)] وغيره.
المتن:
الشرح:
262 قولها عائشة رضي الله عنها في الحديث الثاني: «إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ» ، هذا هو الأفضل وليس بواجب.
المتن:
263 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ.
وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
الشرح:
263 الكلام على هذا الحديث كالكلام على الحديث الأول في الباب.
المتن:
264 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبُ عَنْ شُعْبَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ.
الشرح:
264 قوله أنس بن مالك في الحديث الرابع: «يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» ، يعني: تختلف أيديهما في الماء فلا يصيره ذلك مستعملاً.
وهذه الأحاديث كلها واضحة لما ترجم له المؤلف من أن غمس الجنب يده في الماء لا يصيره مستعملاً.
المتن:
باب تَفْرِيقِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ
وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ.
265 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ علَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَْرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ
الشرح:
265 هذا الحديث: استدل به المؤلف رحمه الله على أن الموالاة في الغسل ليست واجبة؛ لأن النبي ﷺ استنجى ثم توضأ ثم تنحَّى فغسل قدميه.