المتن:
(6) كِتَاب الْحَيْضِ
كِتَاب الْحَيْضِ
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.
الشرح:
قوله: «كِتَاب الْحَيْضِ» ، هذا هو الكتاب السادس من الكتب التي وضعها البخاري في صحيح، وكل كتاب منها تحته أبواب.
ومناسبة ذكر كتاب الحيض بعد كتاب الغسل، أنه ذكر في كتاب الغسل شيئين مما يوجب الغسل، وهما: الجماع، وخروج المني، وبقيت بعض الأسباب لوجوب الغسل، ذكر المؤلف رحمه الله منها في هذا الكتاب: الحيض، والنفاس، فيكون قد ذكر ستة أسباب توجب الغسل:
أولاً: الجماع: وهو الإيلاج بتغييب الحشفة في الفرج.
ثانيًا: خروج المني، سواء كان في اليقظة أو في النوم؛ وفي اليقظة لابد أن يكون دفقًا بلذة.
ثالثًا: الحيض.
رابعًا: النفاس.
خامسًا: الموت؛ فهو يوجب الغسل.
سادسًا: وهو سببٌ مختلف فيه، وهو: إسلام الكافر؛ فبعض العلماء ذكر أنه يوجب الغسل، والصواب: أنه مستحبٌّ وليس بواجب؛ لأنه أسلم جم غفير يوم فتح مكة ولم يأمرهم النبي ﷺ بالاغتسال، وقد أمر النبي ﷺ بعض من أسلم بأن يغتسل؛ فيكون الأمر محمولاً على الاستحباب.
والحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال.
وشرعًا: هو خروج الدم من فرج المرأة في أوقات معلومة.
وقد صدَّر المؤلف رحمه الله هذا الكتاب بالآية الكريمة، وهي قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وفي الآية جواب عن سؤال وجِّه إلى النبي ﷺ عن الحيض.
قوله: قُلْ هُوَ أَذىً لما فيه من النتن والقذارة والنجاسة.
قوله: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ هذا أمر بوجوب اعتزال المرأة في وقت الحيض، والمراد اعتزال الجماع، وليس اعتزال شخص المرأة؛ لأن بدنها طاهر، وعرقها طاهر، وثيابها طاهرة، فالنجاسة إنما هي في خصوص الدم.
قوله: وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ؛ المراد بالقربان الجماع، وإلا فالمباشرة جائزة؛ فقد كان النبي ﷺ يباشر المرأة من نسائه وهي حائض[(810)].
قوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ أي: حتى ينقطع الدم، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ، أي: اغتسلن.
قوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، أي: الإتيان في خصوص الفرج، سواء كانت مقبلة أو مدبرة، أو قائمة أو قاعدة إذا كان في الفرج؛ ففيه تحريم الجماع في الدبر.
قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، فيه: إثبات صفة المحبة لله ، وهي من صفاته التي تليق بجلاله وعظمته.
وفيه: فضل التائبين والمتطهرين وأن الله يحبهم.
ويدل على أنه يجوز للرجل أن يباشر زوجته ـ وهي حائض ـ ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي ﷺ قال: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ [(811)]، أي: كل شيء من المباشرة إلا الجماع.
وسبب نزول هذه الآية أن عباد بن بشر جاء هو وأسيد بن حضير فسألا النبي ﷺ عن الحائض، وكان اليهود إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت؛ فأنزل الله هذه الآية، وقالا: «يا رسول الله أفلا نجامعهن؟» [(812)]، يعني: مخالفة لليهود، فلم يرخص لهم النبي ﷺ في ذلك.
المتن:
كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ
وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ أَكْثَرُ.
الشرح:
قوله: «بَاب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ» وبدء الحيض كان من حواء وبناتها؛ ولهذا قال النبي ﷺ لعائشة لما دخل عليها وهي حائض وهي تبكي في الحج: هَل نُفِسْتِ؟ قالت: نعم، قال: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ. [(813)].
وقال بعض الناس: «كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث الصحيح مقدم على هذا.
قوله: «عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» يعني: على بنات بني إسرائيل.
وأما ما روي أنه أول ما أرسل على بني إسرائيل، فهذا مروي عن ابن مسعود ولم يسنده إلى النبي ﷺ؛ ولهذا قال البخاري رحمه الله: «وَحَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ أَكْثَرُ» أي: يشمل بني إسرائيل، ومن سبق بني إسرائيل، فهو أكثر وأصح.
المتن:
الشرح:
294 قوله: «لاَ نَرَى» ، ـ بالضم ـ أي: لا نظن، أما نَرى ـ بالفتح ـ فإنه بمعنى: نعلم.
قوله: أَنُفِسْتِ؛ بفتح النون، ويصح أنُفست بالضم، وهي أفصح.
قول عائشة: «خَرَجْنَا لاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ» ، فيه: دليل على ما كانوا اعتادوه في الجاهلية، من أنهم لا يعتمرون في أشهر الحج، ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويقولون: إن أشهر الحج تبقى للحج خالصة، ويقولون: إذا برأ الدَّبَر، وانسلخ شهر صفر، حلت العمرة لمن اعتمر. ومعنى ذلك: أنهم كانوا يحجون على الإبل، ويأتون من مسافات بعيدة فيصيبها الدَّبَر ـ أي: جروح في ظهرها ـ فإذا انتهت أيام الحج، وبرئت من الجروح، وانسلخ شهر صفر حلت العمرة في ذلك الوقت.
فأمرهم النبي ﷺ جميعًا أن يجعلوها عمرة، فتحللوا كلهم إلا من ساق الهدي، فإنه لا يتحلل حتى ينحر إبله، لكنهم قالوا: يا رسول الله كيف نعتمر وقد سمَّينا الحج؟ فقال: افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ [(814)]، قالوا: يا رسول الله أنت ما أحللت؟ قال: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ [(815)]. وقال: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهَدْيَ [(816)]، فقالوا: يا رسول الله نتحلل؟ قال: نعم، قالوا: أي حل؟ قال: الحِلُّ كُلُّهُ [(817)]، أي: الحل الكامل.
فتعجبوا حتى قالوا: «يا رسول الله يذهب أحدنا إلى منى يقطر ذكره منيًّا» [(818)] يعني: يتحلل ويجامع زوجته ثم يحرم بالحج؟! لأنهم يرون أن أشهر الحج ليس فيها تحلل؛ ولهذا قالت عائشة: «خَرَجْنَا لاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ» ، ثم بعد ذلك أحرمت عائشة بالعمرة، لكنها لما وصلت سرف قريبًا من مكة وهي ملبية بالعمرة حاضت، ثم جاء النبي ودخل عليها، فإذا هي تبكي، فقال: مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ يعني: أحضت؟ قالت: نعم.
وفيه: تسمية الحيض نفاسًا، والنفاس كذلك يسمى حيضًا.
قوله: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، وفي رواية: غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي [(819)]، وفي لفظ أنه قال لها: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ [(820)]؛ لأنها جاءها الدم وهي ما أدت مناسك الحج، واستمر الدم معها حتى جاء الحج، فأمرها النبي ﷺ أن تترك أعمال العمرة، وأن تلبي بالحج؛ ولهذا اغتسلت ومشطت شعرها ثم لبت بالحج، وأدخلت الحج على العمرة، ففيه: دليل على أن المتمتع المعتمر إذا لم يتمكن من أداء مناسك العمرة وجاء اليوم الثامن من ذي الحجة وهو على حاله فإنه يلبي بالحج، ويدخل الحج على العمرة ويكون قارنًا، كما فعلت عائشة بأمر النبي ﷺ، حيث لبت بالحج، ووقفت بعرفة، ورمت الجمرة، وقصَّرت شعرها، حتى إذا طهرت طافت طوافًا واحدًا، وسعت سعيًا واحدًا لحجها، وعمرتها.
واحتج بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة الحائض لها أن تقرأ القرآن؛ لأنه قال: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ [(821)]، أو فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، والحاج يقرأ القرآن، فدل على أنها تقرأ القرآن، لكن عن ظهر قلب.
قوله: «وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» ، المراد: الهدي، يعني: أهدى عن نسائه بالبقرة؛ لأنهن متمتعات.
والمرأة إذا جاءت متمتعة فإنها تطوف بالبيت، وتسعى، وتقصر، وتتحلل؛ فإن نزل عليها الدم تبقى في مكة حتى تطهر، فإن طهرت قبل اليوم الثامن طافت، وسعت، وقصَّرت، وإن جاء اليوم الثامن وهي لم تطهر لبَّت بالحج، وأدخلت الحج على العمرة، وصارت قارنة، وتفعل جميع المناسك.
فتذهب في اليوم الثامن لمنى، وفي اليوم التاسع تقف بعرفة، وليلة العيد تقف بمزدلفة، ثم ترمي جمرة العقبة وتقصر، وتبقى حتى تطهر، فإذا طهرت يوم العيد، أو الحادي عشر، أو الثاني عشر، اغتسلت، وطافت طوافًا واحدًا، وسعت سعيًا واحدًا، يكفيها لحجها وعمرتها، وتكون العمرة قد دخلت في الحج.
وإذا طهرت في اليوم التاسع، فإنها تؤدي المناسك كلها، ولا شيء عليها.
ولو فقدت الماء فيباح وطؤها بالتيمم؛ كما يجزئ التيمم للصلاة إذا عُدم الماءُ، فالتيمم يقوم مقام الماء.
المتن:
باب غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ
295 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا حَائِضٌ.
الشرح:
295 قوله: «كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»، الترجيل: تسريح شعر الرأس. وكانت عائشة رضي الله عنها ترجل رأس رسول الله ﷺ وهي حائض وهو معتكف في المسجد؛ لأن حجرتها كانت بجوار المسجد، فكان يدني إليها رأسه فترجله، فدل هذا على أن الحائض بدنها طاهر وذاتها طاهرة فيجوز لمسها فهي ليست نجسة وثيابها كلها طاهرة، والنجاسة خاصة بالدم فقط فإذا أصاب الدم شيئًا من ثوبها فإنها تغسله.
المتن:
الشرح:
296 قوله: «وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ» ، المجاور يعني: المعتكف.
وفي الحديث: أنه لا بأس للمرأة أن تخدم زوجها وهي حائض أو عليها الجنابة.
وفيه: دليل على أن إخراج المعتكف رأسه لا يعتبر خروجًا من المسجد؛ ولهذا كان رسول الله ﷺ يدني إلى عائشة رضي الله عنها رأسه وهي خارجة، وهو في المسجد، فلو حلف إنسان ألا يخرج من المسجد ثم أخرج رأسه فإنه لا يحنث؛ لأنه ما خرج من المسجد حقيقة ما دام أن جسمه ما زال داخل المسجد.
فخدمة الحائض لزوجها لا بأس بها؛ فتصنع له الطعام، وتأتي له بالماء، وتغسل ثيابه، وتغسل شعره وترجله، فكل بدنها طاهر: ريقها وعرقها وجسدها وثيابها، خلافًا لليهود؛ فإن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اجتنبوها وجعلوها في بيت مستقل، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، فقال النبي ﷺ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، يعني: إلا الجماع، رواه مسلم في «صحيحه» [(822)].
ولهذا جاء عباد بن بشر وأسيد بن حضير فقالا: «يا رسول الله ألا نجامعهن؟» [(823)]، يعني: مخالفة لليهود، فسكت النبي ﷺ كأنه مغضب.
المتن:
باب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ
وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ.
الشرح:
297 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
قوله: «وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ» ، والعلاقة: كيس له خيط يوضع فيه المصحف، فهي تأخذ بخيط العلاقة التي فيها المصحف وتأتيه به، فلا بأس بهذا.
297 في الحديث أن النبي ﷺ كان يقرأ القرآن في حجرها وهي حائض.
قاس المؤلف رحمه الله قراءة القرآن في حجر الحائض، والقرآن في جوف القارئ، على حمل الحائض المصحف بعلاقته، فكما أن المرأة تحمل المصحف بعلاقته، والمصحف في جوف العلاقة، فكذلك الرجل له أن يقرأ القرآن في حجر الحائض، والقرآن في جوفه.
وقال بعضهم: إن هذا يدل على أن الحائض لا تقرأ القرآن؛ لأنها لو كانت تقرأ القرآن لما نبه المؤلف رحمه الله على جواز قراءة الرجل القرآن في حجرها بهذا الحديث، لكن هذا ليس دليلاً واضحًا.
المتن:
باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا وَالْحَيْضَ نِفَاسًا
298 حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ؛ فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، قَالَ: أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ.
الشرح:
298 قوله: «حِيضَتِي» بكسر الحاء وفتحها، والكسر أفصح.
قوله: «بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ؛ فَانْسَلَلْتُ» ؛ لأنها كرهت أن تبقى مع النبي ﷺ وقد جاءها الدم، فانسلت فقال لها النبي ﷺ: أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ» ، والخميلة كساء له أهداب.
وهذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على تسمية الحيض نفاسًا، فالحيض يسمى نفاسًا، والنفاس يسمى حيضًا؛ لأن النفاس معناه الخروج، فيشمله من جهة المعنى العام.
وفيه: دليل على جواز الاضطجاع مع المرأة الحائض؛ ولهذا دعا النبي ﷺ أم سلمة وقد حاضت أن تدخل معه في الخميلة.
فلا بأس من مضاجعة الحائض، ومؤاكلتها، ومشاربتها، وملامستها، وتقبيلها، ومباشرتها فيما دون الفرج، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ [(824)]، أي: إلا الجماع، ولكن الأفضل ـ كما سيأتي ـ أن الرجل إذا أراد أن يباشر امرأته أن تستر ما بين السرة والركبة، ثم يباشرها حتى يكون هذا أحوط وأبعد عن الوقوع فيما حرم الله؛ لأنه قد لا يملك نفسه؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: عن النبي ﷺ: «كان أملككم لإربه» [(825)]، وهذا هو الجامع بين حديث أنس: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ [(826)]، وبين ما سيأتي أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض، أمرها أن تتزر فيما بين السرة والركبة[(827)].
المتن:
باب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ
299 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلاَنَا جُنُبٌ.
300 وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ.
301 وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
الشرح:
299، 300، 301 قوله: «فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ» ، أي: كان إذا أراد أن يباشرها يأمرها فتتزر، يعني: تجعل ثوبًا فيما بين السرة والركبة.
قوله: «فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» ، وفي رواية: وكان يدني إليها رأسه فترجله وتسرح شعره وهي حائض[(828)]، كل هذا يدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض والمباشرة تشمل الملامسة والقبلة، فيجوز التلذذ بها وضمها إليه ومضاجعتها فيما دون الفرج، إلا أن الأفضل أن تتزر فيما بين السرة والركبة.
المتن:
302 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَْسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِيفَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَمْلِكُ إِرْبَهُ.
تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ.
الشرح:
302 قوله: «فِيفَوْرِ حَيْضَتِهَا» يعني: في قوة حيضتها.
وقوله: «إِرْبَهُ» ، قيل: المراد بالإرب العضو، وقيل: المراد الحاجة، يعني: أيكم يملك نفسه مثلما يملك النبي ﷺ نفسه؟
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر المرأة من نسائه أن تتزر إذا أراد أن يباشرها؛ تعليمًا للأمة، وهذا على سبيل الاستحباب، والذي صرفه إلى الاستحباب الحديث الآخر، وهو حديث أنس عند مسلم: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ [(829)]، يعني إلا الجماع، ولم يقل: من فوق الإزار؛ فدل على أنه لا بأس أن يضاجعها دون إزار، لكن يحذر من الوقوع في الجماع.
المتن:
303 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ.
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ.
الشرح:
303 قولها: «فَاتَّزَرَتْ» ، يعني: فيما بين السرة والركبة.
المتن:
باب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ
304 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؛ فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا.
الشرح:
قوله: «بَاب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ» ؛ هذه الترجمة لبيان أن الحائض لا تصلي، ولا تصوم، لكنها تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة.
وهذا من تيسير الله على النساء؛ فإن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فلو أمرت بقضائها لشق ذلك عليها بخلاف الصوم، فإنه لا يجب إلا مرة واحدة في السنة، خلافًا للخوارج الذين يأمرون الحائض أن تقضي الصلاة.
ونبه المؤلف على الصوم؛ لأنه خَفِيٌّ بخلاف الصلاة؛ فإنها واضحة.
304 قوله في هذا الحديث: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ» ، يعني: لصلاة العيد.
قوله: «فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ» ، فالنساء يخرجن لصلاة العيد، فقد جاء الأمر من النبي ﷺ بخروج النساء لصلاة العيد، قالت أم عطية: «كنا أمرنا بإخراج العواتق، والحيض، وذوات الخدور، ولكن الحيض يعتزلن المصلى ويشهدن الخير» [(830)]، أي: يسمعن الخطبة، ويستفدن من الموعظة، ويعتزلن المصلى، وأما غير الحُيّض فإنهن يصلين مع الناس.
وكان النبي ﷺ يصلي بالناس ثم يخطب، ثم بعد ذلك يوجه إلى النساء خطبة خاصة، وموعظة خاصة؛ لكن الآن مكبرات الصوت تُغني الإمام عن أن يخصهن بخطبة، فيكفيهن أن يسمعن خطبة الرجال، لكن إذا كانت النساء لا تسمع، فينبغي للإمام أن يخصهن بموعظة؛ ولهذا لما صلى بالناس عليه الصلاة والسلام، ووعظ الناس، ظن أنه لم يُسمع النساء، فجاء إلى النساء ومعه بلال، فوعظ النساء، وذكَّرهن، وأمرهن بالصدقة، وقال: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فجعلت النساء يتصدقن، فهذه تلقي خرصها، وهذه تلقي سخابها.
وفيه: دليل على أن المرأة لها أن تتصدق من مالها، ولا يشترط إذن الزوج إذا كانت حرة رشيدة.
قوله: «فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» ، أي: ما لنا أكثر أهل النار؟ فقال: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ؛ أي: السباب والشتام، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، و «الْعَشِيرَ» يعني: المعاشر، وهو الزوج المخالط، يعني أنها تُنكر جميله وإحسانه؛ فجاء في الحديث الآخر: لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ [(831)].
وفيه: التحذير من كثرة السباب، والشتم، والتحذير من إنكار الإحسان والجميل، وأنه من أسباب دخول النار.
وفي الحديث الآخر يقول النبي ﷺ: لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ [(832)]، وفي الحديث الآخر: إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [(833)].
قوله: «وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا؛ يشير إلى قول الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ. فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، ولكن هذا نقص لا يضرها؛ لأنه ليس باختيارها.
وهناك نكتة في هذا المقام، وهو أن بعض القضاة جاءت عنده امرأتان تشهدان مع رجل في قضية، فأراد أن يفرق بينهما حتى يتأكد من الشهادة، فقالت إحداهما: ليس لك ذلك، فقال: ولم؟ قالت: لأن الله يقول: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فكانت فقيهة في هذا.
قوله: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا؛ وفي الحديث الآخر: مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، [(834)]؛ واللب: العقل، فإذا كان الرجل الحازم اللبيب العاقل تُذهب المرأة لبه بكلامها، فكيف بغير العاقل الحازم؟!
والشاهد هنا قوله: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ فالمرأة الحائض لا تصلي ولا تصوم لكنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ ولهذا في الحديث الآخر لما جاءت معاذة تسأل عائشة رضي الله عنها قالت: «ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟» ؛ لم تعرف كيف تسأل، فأخرجت السؤال بصيغة الاعتراض، فاشتدت عليها عائشة وقالت: «أحرورية أنت؟» يعني: هل أنت من الخوارج الذين يسكنون حروراء، فقالت لها: «لست بحرورية، ولكني أسأل»؛ قالت: «كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» [(835)].
فخافت عائشة رضي الله عنها أن تكون المرأة متأثرة بفكر الخوارج، حيث إن هذه المسألة من الأشياء التي خالف فيها الخوارج، فأمروا الحائض أن تقضي الصلاة.
والحائض إذا كانت لها أعمال وأوراد من صلاة وصيام ـ كأن كانت تصوم الإثنين والخميس مثلاً، وتصلي الليل، وتصلي الضحى ـ، فإنه يُرجى أن يكتب الله لها أجر ما كانت تعمل قبل الحيض؛ لما جاء في حديث أبي موسى أن النبي ﷺ قال: إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا [(836)]؛ وهذا من فضل الله تعالى، إذا مرض العبد أو سافر ولم يتمكن من العمل، يكتب الله له أعماله التي كان يعملها في حال الصحة، وفي حال الإقامة؛ وكذلك المرأة الحائض يرجى لها ذلك.
المتن:
باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ لاَ بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآْيَةَ.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا.
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ الآْيَةَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: عَنْ جَابِرٍ حَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلاَ تُصَلِّي.
وَقَالَ الْحَكَمُ: إِنِّي لَأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ، وَقَالَ اللَّهُ : وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
305 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ! قَالَ: لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي.
الشرح:
قوله: «وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ لاَ بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآْيَةَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا» المؤلف رحمه الله يؤيد ما ذهب إليه من أن الجنب والحائض يجوز أن يقرأ القرآن، لكن هذا اجتهاد من المؤلف رحمه الله.
وورد في الحديث: فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلا، وَلا آيَةَ[(837)]، لكن لعله ما صح عند البخاري أو ما اعتمده.
قوله: «وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ؛ استدل به على أن الجنب يذكر الله في حال الجنابة بقرآن أو بغيره من الأذكار.
قوله: «وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ» التكبير والدعاء ذكر والقرآن مثله، هكذا استدل المؤلف رحمه الله.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ الآية» فكتب النبي ﷺ لهرقل، وهرقل نصراني، والنصارى لا يتطهرون من الجنابة، ومع ذلك كتب لهم قرآنًا يمسونه بأيديهم، ويقرءونه بألسنتهم، فدل على أنه لا بأس بقراءة الجنب والحائض شيئًا من القرآن.
قوله: «وَقَالَ الْحَكَمُ: إِنِّي لَأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ» يعني: عند الذبح يقول: بسم الله، يذكر الله وعليه الجنابة، فهذا لا بأس به.
كل هذه الآثار استدل بها المؤلف رحمه الله على أنه لا بأس بقراءة الجنب والحائض، والصواب التفريق بينهما.
305 قولها: «طَمِثْتُ» ، يعني: حضت.
وهذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله ليستدل به على الآثار التي سبقت، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قالت: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ» ـ وذلك على عادتهم في الجاهلية؛ أنهم لا يرون العمرة في أشهر الحج ـ فحاضت لما وصلت «سَرِفَ» ـ وهو مكان قريب من مكة ـ فدخل عليها النبي ﷺ وهي تبكي، قال: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ!» ، يعني: لما نزل عليها الدم ودت أنها لم تحج هذا العام، وتحج في سنة أخرى لا يأتيها فيها الدم، فقال: لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي، أي: افعلي كل شيء يفعله الحاج، من الوقوف بعرفة، والنزول بمنى والوقوف بمزدلفة ورمي الجمار وتقصير شعر الرأس والذبح، إلا الطواف بالبيت حتى تطهري.
واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث على أن الجنب يقرأ القرآن قياسًا على الحائض، فإذا كانت الحائض تفعل كل شيء إلا الطواف بالبيت، ومن عمل الحاج قراءة القرآن، فهي تقرأ القرآن ـ يعني: عن ظهر قلب بدون مس للمصحف ـ وحدثها أغلظ من حدث الجنب فجائز للجنب أن يقرأ القرآن، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: قول كثير من الفقهاء كالحنابلة[(838)] منع الجنب والحائض جميعًا فلا يقرءون شيئًا من القرآن، وهذا هو رأي الأكثرين، واستدلوا بحديث: لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ شيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ [(839)].
القول الثاني: يفرق بين الجنب وبين الحائض لأسباب:
أولاً: الجنب مدته لا تطول، والحائض مدتها تطول ـ وكذلك النفساء قد تصل إلى أربعين يومًا ـ فلو منعت من قراءة القرآن نسيت القرآن.
ثانيًا: يستطيع الجنب أن يزيل الجنابة، فيغتسل ثم يقرأ؛ أما الحائض والنفساء فلا؛ فذلك ليس بيدها، فدلَّ هذا على جواز القراءة للحائض والنفساء دون الجنب، وحديث: لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ شيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ [(840)]، حديث ضعيف عند أهل العلم؛ وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلا، وَلا آيَةَ [(841)]، فدل هذا على أن الجنب لا يقرأ شيئًا من القرآن، بخلاف الحائض فإنها تقرأ، وهذا هو الصواب.
هذا القول الثالث: البخاري يرى أنه لا فرق بين الجنب وبين الحائض والنفساء فكل منهم له أن يقرأ القرآن، واستدل بالآثار التي ذكرناها.
والجنب ليس له أن يمس المصحف، وله أن يمس الكتب التي فيها آيات، لكن لا يقرأها، إلا أن يقرأ بنية الدعاء، كأن يقرأ قوله سبحانه: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ بنية الدعاء، وإن قالها بنية القراءة حرمت.
والسعي بين الصفا والمروة لا بأس به للحائض، فلو طافت المرأة بالبيت وهي طاهرة ثم نزل عليها الدم قبل السعي فإنها تسعى؛ لأن السعي لا تشترط له الطهارة، بل تستحب؛ كما أن المسعى ليس من الحرم أيضًا، فالحائض لا تمكث في الحرم؛ أما الطواف بالبيت فلابد له من الطهارة.
المتن:
باب الاِسْتِحَاضَةِ
306 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ: لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي.
الشرح:
قوله: «بَاب الاِسْتِحَاضَةِ» ؛ هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان حكم الاستحاضة، والاستحاضة هي نزول الدم في غير وقت الحيض، واستمراره على المرأة.
306 قوله في حديث الباب: «إِنِّي لاَ أَطْهُرُ» أي: إني أستحاض فلا أطهر، فقال ﷺ: إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي وفي رواية: إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي [(842)].
وفي الحديث: دليل على أن المستحاضة تعمل بإقبال الحيض وإدباره، أي: إذا كانت تميز دم الحيض من غيره، فإنها تجلس وقت نزول دم الحيض، فإذا انتهت المدة اغتسلت وصلت وصامت، تتلجم وتتوضأ لكل صلاة، فالمستحاضة لا تترك الصلاة.
والمستحاضات ـ كما سيأتي ـ أنواع:
النوع الأول من المستحاضات: التي تعرف وقت دم حيضها وزمانه من الشهر، وهذه تسمَّى المستحاضة المعتادة، فهذه إذا استمر معها الدم تعمل بالعادة، كما في حديث: امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ [(843)]، فتجلس المدة التي اعتادتها ـ أي: التي كانت قبل الاستحاضة ـ فلا تصوم ولا تصلي، فإذا انتهت المدة اغتسلت وصلت وصامت ولو كان الدم يجري معها، لكن تتلجم وتتحفظ، ولابد أن تتوضأ لكل صلاة، وليس لها أن تتوضأ إلا بعد دخول الوقت ثم تصلي ـ ما دام الوقت ـ ما شاءت من فروض ونوافل، وتمس المصحف، فإذا خرج الوقت توضأت للوقت الآخر وهكذا.
النوع الثاني من المستحاضات: التي لا تعرف عادتها، أو التي ليس لها عادة، كأن يستمر معها الدم من أول ما جاءها، أو أن لها عادة ولكن نسيتها، فإذا كان لها تمييز صالح تعمل بالتمييز ـ أي: تعمل بإقبال الحيض وإدباره ـ فتجلس مدة دم الحيض الذي تعرفه النساء؛ فدم الحيض يكون في العادة دمًا أسود ثخينًا وله رائحة منتنة، كما في الحديث: دَمُ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ [(844)]، فإذا جاء الدم الأحمر أو الأصفر الرقيق، فإنها تغتسل، وتتلجم، وتصلي، وتصوم.
النوع الثالث من المستحاضات: التي ليس لها تمييز، ولا تعرف عادتها؛ وهذه تسمى متحيرة؛ والمتحيرة إن كانت تعرف أول الحيض تجلس من أوله ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها ـ أمها وأخواتها وعماتها ـ فإن كانت لا تعرف أول الحيض تجلس من أول كل شهر هلالي ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها، وتصلي بقية الشهر ثلاثة وعشرين يومًا، أو أربعة وعشرين يومًا.
وقوله: «إِنِّي لاَ أَطْهُرُ» ؛ يفهم منه أنها ظنت أن الوقت الذي يجري فيه الدم كله ليس بوقت طهارة، فبين لها النبي ﷺ أنه ليس كذلك، وأنها إنما تعمل بإقبال الحيض وإدباره، فقال: فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي، فدل على أن المميزة تجلس الأيام التي تميز فيها دم الحيض، فإذا انقضت اغتسلت وصلت.
قوله: فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي، فيه: دليل على نجاسة الدم، وقد نقل النووي إجماع العلماء على أن الدم نجس.
والاستحاضة لا تمنع الصلاة، ولا الصوم، ولا الطواف بالبيت، ولا تمنع زوجها من إتيانها، ولها أن تؤدي جميع العبادات، إلا أنها تتوضأ لكل صلاة.
وقد كان على عهد النبي ﷺ ست أو سبع نساء مستحاضات، وكانت بنات جحش كلهن مستحاضات، منهن زينب زوجة النبي ﷺ، وأم حبيبة امرأة عبدالرحمن بن عوف.
المتن:
باب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ
307 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ.
الشرح:
307 قوله في حديث أسماء رضي الله عنها: فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ، فيه: دليل على أنه لا بأس بالصلاة بالثوب الذي تحيض فيه المرأة بشرط إزالة النجاسة.
قوله: فَلْتَقْرُصْهُ: القرص بمعنى الدلك بالأظافر وأطراف الأصابع وحت ما فيه لإزالة النجاسة، والقرص إنما يكون إذا كان الدم يشكل طبقة، وإلا فالغسل يكفي.
قوله: ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، يعني: تغسله بماء. فدل هذا على أن دم الحيض نجس، ولا تصح الصلاة في الثوب النجس، ولا يعفى عن دم الحيض ولو كان قليلاً.
المتن:
الشرح:
308 قوله: «ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ» ، يعني: تدلكه وتحكه بأظفارها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: « «ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ» ، بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل، أي: تغسله بأطراف أصابعها. وقال ابن الجوزي: معناه تقتطع كأنها تحوزه دون باقي المواضع».
قوله: «وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ» ، هذا اجتهاد منها رضي الله عنها، ولم يأمرها النبي ﷺ بذلك، فيكفي النضح على موضع النجاسة.
المتن:
باب الاْعْتِكَافِ للْمُسْتَحَاضَةِ
309 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنْ الدَّمِ، وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ الْعُصْفُرِ؛ فَقَالَت: كَانَ هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُهُ.
الشرح:
309 قوله: «اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» ، فيه: دليل على جواز اعتكاف المستحاضة، وعلى جواز مكثها في المسجد، ولكن عليها أن تراقب الدم، وتتحفظ حتى لا تلوث المسجد؛ والمستحاضة تصلي وتصوم ويأتيها زوجها، بخلاف الحائض، فالحائض لا تصلي، ولا تصوم، ولا يأتيها زوجها، ولا تمكث في المسجد إلا عبورًا، كما قال الله تعالى: وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ، فلها أن تعبر من الباب إلى الباب، أو تأخذ شيئًا وتنصرف وقد قال النبي ﷺ لعائشة: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ ـ وهي سجادة صغيرة من خوص ـ فقالت: يا رسول الله إني حائض، فقال: لَيْسَتْ حَيْضَتُكِ فِي يَدِكِ [(845)]. فتعتكف إذا أمنت الفتنة، وكان حولها أحد من محارمها، وكان هناك متسع في المسجد؛ أما إذا خشيت الفتنة فلا ينبغي لها ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله في الرواية الثانية: «امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ» ، وقد ذكرها الحميدي عقب الرواية الأولى، فما أدري كيف غفل عنها ابن الجوزي؛ وفي الرواية الثالثة: «بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ» ؛ ومن المستبعد أن تعتكف معه ﷺ امرأة غير زوجاته، وإن كان لها به تعلق، وقد حكى ابن عبدالبر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات: زينب أم المؤمنين، وحمنة زوج طلحة، وأم حبيبة زوج عبدالرحمن بن عوف، وهي المشهورة منهن بذلك»، أي: أن أم حبيبة زوجة عبدالرحمن بن عوف كانت أشدهن استحاضة.
المتن:
الشرح:
310 قوله: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ» : هي أم المؤمنين زينب؛ لأنها المستحاضة.
المتن:
الشرح:
311 قوله: «بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ» ؛ المعروف أنها زينب كما سبق.
المتن:
باب هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ
312 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا.
الشرح:
312 قوله: «مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ» ؛ فيه: أنه لا بأس أن تصلي المرأة في الثوب الذي تحيض فيه إذا أزالت عنه الدم.
وقوله: «قَالَتْ بِرِيقِهَا: فَقَصَعَتْهُ» ، يعني: لتخفيف الأثر، و «فَقَصَعَتْهُ» بالصاد والعين المهملتين المفتوحتين، أي: حكته وفركته بظفرها.
جاء في بعض نسخ البخاري قوله: «ثم غسلته» أي: عند إرادة الصلاة، فإذا جاء وقت الصلاة فلابد من غسل الثوب، أما المصع فللتخفيف قبل وقت الصلاة