هذه الترجمة فيها كراهة الصلاة في الثوب الذي له نقوش أو خطوط؛ لأنه يشغل عن الصلاة، والمؤلف رحمه الله ترك الحكم فقال: «بَاب إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلاَمٌ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا» ، وتقدير الجواب أن هذا مكروه، ولكن مع صحة الصلاة.
373 في حديث الباب: كراهة كل ما يشغل عن الصلاة.
والخميصة: كساء مربع له خطوط وأعلام.
والأنبجانية: نسبة إلى موضع أو مكان، وهي كساء لا علم له وليس فيه خطوط.
فلما أهدي إليه عليه الصلاة والسلام خميصةٌ لها أعلام ونظر إليها شغلته، فقال: وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فرد ﷺ الثوب الذي له أعلام وطلب الخالي من الأعلام والخطوط؛ حتى لا تشغله في الصلاة، فدل هذا على كراهة كل ما يشغل عن الصلاة، فيكره أن يصلي المرء في ثوب فيه نقوش، أو على سجادة فيها نقوش، ويكره أيضًا أن يصلي المرء وأمامه ما يشغله ويذهب خشوعه.
وفيه: أن النبي ﷺ كان يقبل الهدية من أصحابه ويرسل بها إليهم، وهذا من حسن خلقه ﷺ.
وفيه: دليل على صحة الصلاة في الثوب، أو في المكان الذي فيه نقوش، أو أصباغ مع الكراهة، وأن الأولى والأفضل ألا يكون عند الإنسان شيء يشغله لا أمامه ولا تحته، ولا في ثيابه، سواء أكان هذا الشيء نقوشًا، أم كتابات، أم غير ذلك.
والأولى أن تكون الفُرُش في المساجد كلها خالية من النقوش وغيرها.
ويكره للمرء إذا صلى على شيء فيه نقوش أن يغمض عينيه؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن إغماض العينين في الصلاة من فعل اليهود.
المتن:
باب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ
374 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا؛ فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي.
الشرح:
قوله: «إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ» ، أي: فيه صورة صلبان، فإذا صلى المسلم في ثوب فيه صورة الصليب، أو فيه تصاوير، فهل تصح الصلاة أم لا تصح؟
والمؤلف رحمه الله لم يجزم بالحكم؛ لأن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وعادة المؤلف إذا كانت المسألة خلافية ألا يجزم بالحكم، بل يترك الحكم لطالب العلم حتى يتأمل وينظر في الأدلة ويرجح.
ومثله أيضًا لو صلى في ثوب حرير، أو صلى في ثوب مغصوب، أو صلى في أرض مغصوبة، فالحكم واحد، فمن العلماء من قال: إنها تصح، ومنهم من قال: لا تصح. والمذهب عند الحنابلة[(1006)] أنها لا تصح؛ لأن النهي يقتضي الفساد.
ـ ومنشأ الخلاف في هذه المسألة الخلاف في كون النهي يقتضي الفساد أو لا يقتضيه، على قولين لأهل العلم:
القول الأول: أنه يقتضي الفساد مطلقًا؛ وعليه فتفسد الصلاة إذا صلى في ثوب مغصوب، أو في أرض مغصوبة، أو في ثوب حرير، أو في ثوب فيه صليب، أو في ثوب فيه صورة، أو توضأ بماء مغصوب، أو توضأ من ماء مبرد؛ لأن ماء المبرد جعل للشرب ولم يجعل للوضوء؛ فإذا توضأ منه صار كالمغتصب فلا تصح صلاته على هذا القول.
القول الثاني ـ وهو مذهب الجمهور وهو الراجح ـ: التفصيل، وهو أنه إن كان النهي لمعنى في نفس المنهي عنه وذاته اقتضى الفساد، وعليه فلا تصح الصلاة في الثوب النجس أو البقعة النجسة قولاً واحدًا؛ لأن النهي لمعنى في ذات المنهي عنه، فالطهارة شرط لصحة الصلاة، فيطلب من المصلي أن يكون ثوبه طاهرًا والبقعة التي يصلي عليها طاهرة والبدن طاهرًا، فإذا صلى في ثوب نجس أو في بقعة نجسة أو كان عليه نجاسة لم تصح الصلاة.
أما إذا صلى في منهي عنه لكن هذا النهي لا يرجع لذات المنهي عنه وإنما يرجع لشيء خارج فإن الصلاة صحيحة مع الإثم، كما لو صلى في ثوب حرير فالصلاة صحيحة وله ثوابها وعليه إثم لبس الحرير، وإذا صلى في ثوب فيه صليب فله ثواب الصلاة وعليه إثم الصليب، وإذا صلى في ثوب فيه صورة فله ثواب الصلاة وعليه إثم لبس الثوب الذي فيه صورة، وإذا صلى في أرض مغصوبة فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب، وإذا توضأ بماء مغصوب فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب، وإذا توضأ من ماء مبرد صحت صلاته وعليه إثم الغصب؛ لأن ماء المبرد جعل للشرب ولم يجعل للوضوء.
فالصواب: التفرقة بين ما إذا كان النهي يرجع إلى ذات المنهي عنه أو إلى شيء خارج عن المنهي عنه؛ فلبس الحرير مثلاً لا يجوز في الصلاة وخارج الصلاة، ولبس الثوب الذي فيه صورة لا يجوز في الصلاة ولا في خارج الصلاة، بخلاف الثوب النجس فيجوز لبسه في غير الصلاة ولا يجوز لبسه في وقت الصلاة؛ فلو لبس ثوبًا نجسًا بنجاسة يابسة لا يأثم، لكن إذا جاءت الصلاة وجب عليه خلعه أو غسله؛ هذا هو التحقيق في هذه المسألة، ومثله البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة، فمن العلماء من قال: إنه لا يصح، والقول الثاني: إنه يصح مع الإثم؛ لأن البيع إذا صحت شروطه صح، وإنما النهي لأجل النداء الثاني فقط، فالنهي ليس لشيءٍ يتعلق بالبيع ولا بشروطه.
وعلى هذا تكون الترجمة «بَاب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ، هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟» الصواب: أنها لا تفسد.
374 قوله: أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا القِرَام سِتر رقيق من صوف.
قوله: فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي فالقِرَام كان له ألوان وتصاوير تشغل المصلي عن صلاته فأمر النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها بإزالة القِرَام، ولم يُعِدِ الصلاة ولم يقطعها؛ فدل على أن الصلاة صحيحة مع الكراهة.
المتن:
باب مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ
375 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، وَقَالَ: لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ.
الشرح:
375 قوله: «فَصَلَّى فِيهِ» فيه: أن النبي ﷺ صلى في ثوب حرير أولاً قبل أن يحرم.
قوله: «ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا» ، أي: لما نزل التحريم نزعه، فظاهر الحديث أن الوحي نزل عليه في الحال، فقد لبس النبي ﷺ الحرير في حال كونه مباحًا ثم لما جاءه الوحي بالتحريم نزعه نزعًا شديدًا؛ مسارعة في الامتثال لأمر الله تعالى، وقال: لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ، وعلى هذا يكون وقت نزعه ﷺ له هو ابتداء وقت التحريم.
وعند الجمهور: لو صلى في ثوب حرير فالصلاة صحيحة مع التحريم، ويأثم للصلاة فيه.
المتن:
باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَْحْمَرِ
376 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ الْعَنَزَةِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَْحْمَرِ» ؛ هذه الترجمة معقودة لبيان الخلاف بين أهل العلم في صحة الصلاة في الثوب الأحمر، والجمهور على أن الصلاة في الثوب الأحمر صحيحة، ويدل عليه حديث الباب.
376 قوله: «وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ» فيه: دليل على جواز لبس الثوب الأحمر، ومن أدلة جواز لبس الأحمر أيضًا ما ثبت عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله ﷺ رجلاً مربوعًا، بعيدًا ما بين منكبيه، عظيم الجمة إلى شحمة أذنه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئًا قط أحسن منه[(1007)]، وفي رواية: ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله ﷺ[(1008)].
القول الثاني: ذهب الأحناف[(1009)] إلى أنه لا يجوز لبس الأحمر، وتأولوا هذا الحديث بأن الحلة ليست حمراء خالصة بل فيها خطوط حمر، وقالوا: يجوز لبس الأحمر إذا لم يكن خالصًا.
والصواب: أنه لا بأس بلبس الأحمر؛ لحديث الباب الذي فيه: «وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ» ، ولحديث البراء الذي فيه: «عليه حلة حمراء»، وليس فيهما أن الحلة كانت مخططة بخطوط حمر، ولم تكن كلها حمراء، فالتأويل يحتاج إلى دليل.
وفي الحديث: مشروعية السترة للمصلي، وأنه لا يضر المصلي ما مر من ورائها من الدواب والآدميين وغيرهم؛ ولهذا ركز بلال للنبي ﷺ عَنَزة.
قوله: «فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ» ، فيه: طهارة الماء المستعمل، فهو طاهر وطهور أيضًا، خلافًا لكثير من الفقهاء الذين يرون أن الماء المأخوذ من ماء الوضوء مستعمل لا يتوضأ به مرة ثانية، فيسمونه طاهرًا غير مطهر لغيره، ويقولون: يجوز استعماله في الأكل والشرب والطبخ وغسل الثياب أما الوضوء فلا؛ لأنه طاهر غير طهور فلا يقوى على رفع الحدث، وهذا ليس بصحيح، والصواب أنه طاهر ومطهر؛ لأن الماء المطلق ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس، وهذا ليس بنجس فيصح استعماله في الوضوء وفي الشرب وغيره.
وفيه: التبرك بالنبي ﷺ؛ لما جعل الله تعالى في جسده وما لامسه من البركة؛ ولهذا كان الصحابة يبتدرون ما يسقط من وضوء النبي ﷺ ويتمسحون به، ومن لم يدرك منهم شيئًا من النبي ﷺ أخذ من يد صاحبه وتبرك.
وهذا خاص به ﷺ لا يقاس عليه غيره؛ ولهذا لم يتبرك الصحابة بأحد غير النبي ﷺ، فلم يتبركوا بأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم، ولأن التبرك بغير النبي ﷺ من وسائل الشرك، وأما قول الحافظ ابن حجر رحمه الله وقول النووي رحمه الله: «إنه فيه التبرك بالصالحين»، فهذا غلط لا وجه له.
قوله: «الْوَضُوءَ» ، بالفتح، أي: الماء الذي يتوضأ به، والوُضوء ـ بالضم ـ الفعل.
المتن:
باب الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجُمْدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ، أَوْ فَوْقَهَا، أَوْ أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.
وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِْمَامِ.
وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ.
377 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ: قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ، وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الأَْرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَْرْضِ فَهَذَا شَأْنُهُ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا، فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: لاَ.
الشرح:
هذه الترجمة كما ذكر المؤلف رحمه الله معقودة للصلاة في السطوح، والمنبر، والخشب، وإذا صلى على الجَمْد.
قوله: «قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجُمْدِ» أي: على الماء إذا جمد، «وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ، أَوْ فَوْقَهَا، أَوْ أَمَامَهَا» ، أي: لا بأس بالصلاة في المكان الطاهر ولو كانت حوله النجاسات، «إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» ، أي: إذا كان بينه وبين النجاسات سترة فالصلاة صحيحة على ما ذهب إليه الحسن.
قوله: «وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِْمَامِ» أي: لا بأس بالصلاة على سقف المسجد بصلاة الإمام، وكذا صلاة المأموم في الدور الثاني والإمام في الدور الأرضي، ولا بأس كذلك بالصلاة على الثلج؛ ولهذا قال: «وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ» ، وكذلك على الخشب؛ لحديث سهل بن سعد أن النبي ﷺ جعل له منبر من أثل الغاب من الخشب وصلى عليه، فدل على جواز الصلاة على الخشب وعلى المنبر؛ لأن النبي ﷺ صلى على المنبر، والمنبر من الخشب.
377 في حديث سهل بن سعد : جواز العمل اليسير في الصلاة للحاجة؛ حيث ركع ورفع، ثم لما أراد السجود تأخر ونزل وسجد في الأرض، ثم لما قام تقدم وصعد المنبر وركع ورفع، ثم لما أراد السجود تأخر وسجد، وفي رواية: فقال: إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي [(1010)] وكما أنه ﷺ تأخر في صلاة الكسوف[(1011)]، وكذلك: فَتَح ﷺ الباب لعائشة رضي الله عنها وهو يصلي[(1012)]، وحمل أمامة بنت زينب وهو يصلي بالناس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها[(1013)]، فدل كل هذا على أن العمل اليسير في الصلاة لا يؤثر.
وفي صلاة النبي ﷺ على المنبر ـ وهو مرتفع يسيرًا ـ والمأمومون خلفه: دليل على جواز علو الإمام على المأمومين إذا كان يسيرًا، أما كون الإمام يصلي وحده مرتفعًا كثيرًا عن المأمومين فهذا لا يصح، أما المأموم فيجوز له العلو ولو كثيرًا كما صلى أبو هريرة على سطح المسجد بصلاة الإمام، وكأن الحكمة في تقييد علو الإمام بالقدر اليسير أن علو الإمام على المأمومين قد يفضي إلى العجب والكبر، بخلاف المأموم.
قال البخاري في آخر الحديث: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ:» ، يعني: ابن المديني، «سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله» ، أي: عن هذا الحديث، «قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ» يعني: في الصلاة على المنبر، «فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ:» ، يعني: علي بن المديني، «فَقُلْتُ:» يعني: لأحمد، «إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا، فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ» ، يعني: من سفيان؛ لأن علي بن المديني وأحمد بن حنبل قرينان، وشيخهما سفيان بن عيينة، «قَالَ: لاَ» .
المتن:
الشرح:
378 قوله في الحديث: «فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ» ، يعني: في غرفة مرتفعة.
قوله: «دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ» ، أي: من جذوع النخل، وهذا استدل به المؤلف رحمه الله على جواز الصلاة على الخشب وجواز الصلاة على السطوح، وفيه الرد على من كره ذلك، وهذا هو الشاهد للترجمة؛ لأنه ﷺ صلى في مشربة مرتفعة والصحابة خلفه.
قوله: «فَجُحِشَتْ سَاقُهُ» يعني: خُدِشَتْ لما سقط عن فرسه، وهذا فيه: دليل على أن النبي ﷺ بشر يصيبه ما يصيب البشر من أمراض وأنه ليس إلهًا يُعبد، فالرب سبحانه هو المستحق للعبادة وهو المنزه عن النقص فلا يضره شيء ، وهو منزه عن المرض والموت والنوم والنسيان، كامل في ذاته وصفاته وأفعاله، فالله أحد صمد، قائم بنفسه، وتصمد إليه الخلائق في حوائجها، أما البشر فيصيبهم الضرر ولو كانوا أنبياء، والرسول ﷺ وإن كان أشرف الخلق ويجب أن يُطاع ويُتبع ويُحب أكثر من محبة النفس والمال والولد، إلا أنه بشر يصيبه ما يصيب البشر.
ولما سقط عن فرسه وجُحِشت ساقه ﷺ أتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسًا وهم قيام، فلما سلم قال: إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فأنكر عليهم عليه الصلاة والسلام صلاتهم خلفه قيامًا، وأمرهم أن يتابعوا الإمام الراتب، وفي رواية قال ﷺ: وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ [(1014)]، ففيه أن الإمام الراتب إذا صلى جالسًا لعلة صلى من خلفه جلوسًا، وهذا هو الأفضل، وإن صلوا خلفه قيامًا جاز؛ كما فعل الصحابة في مرض النبي ﷺ في آخر حياته حيث صلوا خلفه قيامًا وهو جالس[(1015)]، وقال بعض العلماء ـ ومنهم البخاري رحمه الله: إن هذا ناسخ لأمرهم بالجلوس؛ لأنه هو الآخِر وقد أقر النبي ﷺ الصحابة عليه.
وقال بعض العلماء بالتفصيل: وهو أن الإمام إذا ابتدأ بهم الصلاة قائمًا ثم اعتل صلوا قيامًا، وإذا ابتدأ بهم الصلاة جالسًا صلوا جلوسًا، فتكون الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:
القول الأول: أن الإمام إذا صلى جالسًا فالمأموم مخير بين أن يصلي خلفه قائمًا وصلاته صحيحة، أو يصلي قاعدًا وهو الأفضل؛ جمعًا بين الحديثين.
القول الثاني: أن الأمر بالقيام منسوخ، وأن ما أقره النبي ﷺ في آخر حياته من صلاة الصحابة خلفه قيامًا وهو جالس ناسخ لأمره لهم بالجلوس في هذا الحديث.
القول الثالث: التفصيل، وهو أن الإمام إذا ابتدأ الصلاة جالسًا وجب عليهم أن يجلسوا، وإذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم أصابه علة فجلس فإنهم يستمرون قيامًا، فالنبي ﷺ في هذا الحديث ـ حديث أنس ابتدأ بهم الصلاة جالسًا فأمرهم بالجلوس، أما في آخر حياته فصلى بهم أبو بكر ثم جاء النبي ﷺ وجلس بجواره وصار أبو بكر يقتدي بالنبي ﷺ والناس يقتدون بأبي بكر[(1016)]، فأبو بكر ابتدأ بهم الصلاة قيامًا، وجاء النبي ﷺ فصار هو الإمام وجلس فاستمروا قيامًا.
والصواب: القول الأول وهو: أن الأفضل الجلوس إذا جلس الإمام، ويمكن الجمع بين الحديثين بأن أمره لهم بالقعود في هذا الحديث محمول على الاستحباب، وإقراره ﷺ لقيامهم في آخر حياته محمول على الجواز.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وقد يستدل بذلك على أن شهود المسجد للجماعة غير واجب على الأعيان، كما هو رواية عن أحمد؛ فإنه ﷺ لم يأمرهم بإعادة صلاتهم في المسجد، بل اكتفى منهم بصلاتهم معه في مشربته».
وهذا رواية في مذهب الحنابلة[(1017)] تقول: إن الصلاة في المسجد مستحبة. وإن كان هذا الحديث يعبر عن حالة خاصة.
وفي هذا الحديث أن النبي ﷺ: «وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا» ، يعني: حلف ألا يدخل على نسائه شهرًا، وليس المراد به الإيلاء المعروف عند الفقهاء.
وسبب ذلك أنهن اجتمعن وطلبن النفقة فغضب عليهن ﷺ وحلف ألا يدخل عليهن شهرًا، واعتزلهن في هذه المشربة، ثم لما مضى تسع وعشرون نزل فقالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا؟» أي: ولم يمض إلا تسع وعشرون، وفي رواية أن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله إنه مضى تسع وعشرون أعدهن بيدي عدًّا» [(1018)] فقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، يعني: يكون تسعًا وعشرين كما يكون ثلاثين، وهذا الشهر كان تسعًا وعشرين.
المتن:
باب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ
379 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ، قَالَتْ: وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ.
الشرح:
قوله: «بَاب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ» ، يعني: ما الحكم؟ فالمؤلف رحمه الله ترك الحكم ليتأمل طالب العلم.
379 قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ» ، فيه: صحة صلاة الرجل إذا كانت امرأته معترضة أمامه وأنها لا تقطع الصلاة؛ لأن كونه يصلي وهي أمامه جالسة أو نائمة أو كونها أمامه على السرير فهذا لا يسمى مرورًا، إنما المرور هو المجيء من جانب إلى جانب.
قوله: «وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ» ، فيه: أنه إذا أصاب ثوب المصلي امرأتَه الحائض فصلاته صحيحة لهذا الحديث؛ فالنبي ﷺ كان يصلي وميمونة حذاءه وهي حائض ويصيب ثوبه ثوبها ولا يضره.
قوله: «وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ» ، فيه: جواز الصلاة على الخُمْرة كالسجاد ونحوه مما يحول بينه وبين الأرض، وأنه لا كراهة في ذلك، والخُمْرة: سجادة صغيرة من سعف النخل بمقدار الوجه والكفين، فإذا كانت كبيرة بمقدار ما يصلي عليه الإنسان سميت حصيرًا، وقيل: يطلق أحدها على الآخر، وقيل: الخُمْرة مسمى عام، فالحصير يسمى أيضا: خمرة.
وسميت خُمْرة لأنها تُخَمِّر الوجه، يعني: تغطيه وتستره من الأرض، ومنه سمى خمار المرأة، كما سميت الخَمْر خمرًا لأنها تستر العقل وتغطيه، فمادة "الخاء والميم والراء: تدل على: الستر والتغطية.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ» ، وقد تقدم ضبطها في آخر كتاب الحيض، قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها».
فلا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلاة على الخمرة والسجادة والحصير وغير ذلك، والنبي ﷺ كان يصلي على الأرض ويصلي على السجادة ويصلي على الحصير، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يميز نفسه عن الناس، بل يصلي على ما يصلي عليه الناس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة، وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض».
وهذا لو صح عن عمر بن عبدالعزيز وعن عروة فلا حجة فيه، إنما الحجة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والحديث واضح في أنه ﷺ كان يصلي على الخُمْرة، وإنما يعتذر عنهما بأنهما تأولا أو لم يبلغهما الحديث.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وكذا روي عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه، والله أعلم».
والصواب: أنه لا كراهة فيه، ولكن يعتذر عن العلماء ويترحم عليهم، فلعل الحديث لم يبلغهم أو لعلهم تأولوه.
المتن:
باب الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ
وَصَلَّى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا وَإِلاَّ فَقَاعِدًا.
380 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلأُِصَلِّ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ» هذه الترجمة معقودة لبيان جواز الصلاة على غير الأرض، كالسفينة والخشب والحصير فلا بأس أن يصلي المرء على غير الأرض ولا حرج ولا كراهة، والحصير أكبر من الخمرة، فالخمرة سجادة صغيرة من سعف بقدر الوجه والكفين، والحصير بقدر ما يصلي عليه الإنسان.
قال البخاري رحمه الله: «وَصَلَّى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَائِمًامَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا وَإِلاَّ فَقَاعِدًا» ، هذا في حالة ما إذا صلى في السفينة أو الطائرة أو القطار؛ فإنه يصلي قائمًا ويدور مع القبلة حيث دارت إذا استطاع ذلك، فإن كان لا يستطيع أو يخشى أن يسقط يصلي قاعدًا.
ويؤخذ من هذه الترجمة أنه لا يشترط مباشرة الأرض في حال الصلاة.
380 قوله: «وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ» ، فيه: صحة مصافة الصبي المميز الذي يحسن الوضوء والصلاة فرضًا ونفلاً.
وقال بعض العلماء: لا تصح مصافته في الفرض وتصح في النفل؛ لأن النبي ﷺ صلى بهم نافلة.
والصواب: أن الفريضة كالنافلة لا فرق بينهما.
قوله: «وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» فيه: أن المرأة تصف خلف الرجال ولو كانت وحدها، بخلاف الرجل إذا صف خلف الرجال وحده مع إمكانية دخوله في الصف فلا تصح صلاته، والمرأة إذا صفت خلف الرجال وحدها صحت صلاتها، فإن كان معها نساء وصلت وحدها بطلت صلاتها.
وفيه: جواز صلاة النافلة جماعة في البيوت إذا لم تتخذ عادة؛ وقد صلى النبي ﷺ بأنس واليتيم والعجوز نافلة في وقت الضحى، فإذا تزاور بعض الإخوان في الليل مثلاً أو الضحى وصلوا جماعة فلا بأس إذا لم يتخذ عادة.
قوله: «فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ» ، يعني: من طول ما افترش، ففيه: تسمية الافتراش لُبسًا، وقد استدل به على منع افتراش الحرير؛ لعموم النهي عن لبس الحرير.
وفيه: تواضع النبي ﷺ حيث صلى على حصير قد اسودَّ ولم يأمر بتغييره.
المتن:
باب الصَّلاَةِ عَلَى الْخُمْرَةِ
381 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ.
الشرح:
381 حديث ميمونة رضي الله عنها سبق الكلام عليه، والنبي ﷺ كان يصلي أحيانًا على الأرض وأحيانًا على شيء ساتر بينه وبين الأرض كالخمرة.
والمقصود أن الصلاة على شيء يحول دون الأرض لا بأس بها، وكان النبي ﷺ يفعله، كما في حديث أنس السابق: أنه أتى بحصير قد اسودَّ من طول ما لُبِس، وصلى عليه النبي ﷺ[(1019)]، وكان الصحابة أيضًا يصلون على أطراف ثيابهم إذا اشتد الحر أو البرد فلا بأس أن يصلي الإنسان على سجادة أو على الأرض أو على التراب، فكل هذا جائز لا كراهة فيه.
المتن:
باب الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاشِ
وَصَلَّى أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِهِ.
وَقَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ.
382 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ؛ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاشِ» ، هذه الترجمة فيها أنه لا بأس بالصلاة على الفراش، سواء كان هذا الفراش ينام عليه أو لا، كما صلى أنس على فراشه.
وقوله: «فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ» ، يعني: إذا كان في شدة الحر ليقيه الحر، أو في شدة البرد ليقيه البرد.
382 قولها رضي الله عنها في الحديث الأول: «فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي» ، فيه: أن الحجرة ليست واسعة، فإذا مدت رجلها لم يستطع النبي ﷺ السجود؛ فيغمزها لتقبض رجلها، فإذا قام مدت رجلها، وهكذا.
وفيه: جواز صلاة المرء وغيره أمامه نائم معترض ولو كان امرأة، وأنها لا تقطع الصلاة، ولا يسمى هذا مرورًا؛ لأن النائم ساكن غير متحرك، بخلاف مرور المرأة بين يدي المصلي من غير سترة فإنها تقطع الصلاة على الصحيح؛ لحديث أبي ذر في صحيح مسلم: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ [(1020)]، والمرور هو أن يأتي المار من يمين المصلي إلى يساره أو من يساره إلى يمينه.
وفي قول عائشة رضي الله عنها: «فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي» دليل على أن مس الرجل المتوضئ المرأة لا ينقض الوضوء، خلافًا للشافعية، وأهل العلم لهم في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن مس الرجل المرأة ينقض الوضوء مطلًقا، وهذا قول الشافعي[(1021)].
القول الثاني: أنه ينقض إذا كان بشهوة، ولا ينقض بغير شهوة، وهذا قول الحنابلة[(1022)]، وهو المذهب المعتمد؛ ولهذا عده الإمام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الوضوء.
القول الثالث: ـ وهو الصواب ـ: أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ما لم يخرج منه المذي، سواء أكانت زوجته أو غيرها من محارمه، لكن إذا كانت من غير محارمه فيحرم عليه أن يمسها، وأما قوله تعالى: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً، فالصواب أن المراد به الجماع لا المس باليد، وبعض الشافعية والمقلدين للمذاهب الذين يرون أن مس المرأة ينقض الوضوء يقولون للطائف الذي يطوف بالبيت: عليك أن تتوضأ وتحرص على ألا تمس يدك يد امرأة؛ لئلا ينتقض الوضوء، ولا يخفى ما في هذا من الحرج والمشقة.
وأما قول عائشة: «وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» ، يعني: أن البيوت كان يعمها الظلام، فهي لا ترى النبي ﷺ والنبي ﷺ لا يراها، وفيه: الرد على من قال: إن النبي ﷺ إذا دخل بيتًا نوره فزالت الظلمة، كما يقوله بعض الغلاة الذين يعبدون النبي ﷺ.
وفيه: أنه ﷺ كغيره من البشر يكون المكان مظلمًا عليه، وأما كونه سراجًا فالمراد منه أنه سراج معنوي؛ لما جاء به من العلم والنور والهدى والوحي الرباني، لا أنه سراج حسي، وأما الغلاة فيقولون: إن الرسول ﷺ مخلوق من نور، وهذا خطأ، فهو مخلوق من أب وأم، من ماء أبيه عبدالله وأمه آمنة بنت وهب؛ لا كما يقوله الغلاة.
المتن:
الشرح:
383 قولها عائشة رضي الله عنها في الحديث الثاني: «وَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» ، فيه: أن اعتراض الإنسان نائمًا بين المصلي وبين قبلته لا يعتبر مرورًا؛ لأن النائم ساكن غير متحرك، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: «كانت تبدو لي الحاجة فأنسل انسلالاً من عند رجليه» [(1023)] وهذا أيضًا لا يعتبر مرورًا؛ فالمرور هو أن يمر من اليمين إلى الشمال أو من الشمال إلى اليمن.
المتن:
الشرح:
384 قوله: «وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» ، فيه: أنه لا تكره الصلاة وراء الإنسان النائم، بل قد يكون سترة له، وقال بعض العلماء: تكره إذا كان مستقبلاً وجهه كالذي يتعبد لصنم.
المتن:
باب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
وَقَالَ: الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ.
الشرح:
قوله: «بَاب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ» يعني: أنه لا حرج فيه، فإذا كانت الأرض حارة أو باردة أو كانت حصباء تؤذي الوجه فسجد المرء على طرف ثوبه أو طرف سترته أو قلنسوته ـ والقلنسوة شيء يشبه العمامة يوضع على الرأس ـ أو على العمامة فلا بأس؛ ولذلك قال الحسن: «كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ» .
ولا ينبغي للمرء إذا كان يصلي مع الناس أن يتميز عنهم، بأن يفرش لنفسه سجادة مخصوصة غير ما يصلي عليه الناس، ولا يلزم من هذا الإثم، لكن تركه أولى.
المتن:
الشرح:
385 قوله: «فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ» ، فيه: جواز الصلاة على الحائل بينه وبين الأرض، سواء كان ذلك لحاجة كأن يقيه شدة الحر أو البرد، أو لغير حاجة كما صلى النبي ﷺ على الخُمْرة، وعلى الحصير كما في حديث أنس السابق[(1024)]، فالصلاة على الفرش لا حرج فيها.
ولا بأس أن يضع المصلي شيئًا يقيه شدة الحر، وقد اشتكى الصحابة من شدة الحر، كما جاء في حديث آخر: «شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء فلم يشكنا» [(1025)]، يعني لم يزل شكواهم؛ لأن الحر لا يزول حتى ولو جلسوا إلى العصر ولكنه يخف؛ ولذلك يسن الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر؛ لقوله ﷺ: إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ [(1026)] فيتأخر الإمام ساعة أو أكثر ليخف الحر بعض الشيء.
المتن:
باب الصَّلاَةِ فِي النِّعَالِ
386 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَْزْدِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
الشرح:
386 قوله: «سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» فيه: دليل على جواز الصلاة في النعلين إذا تفقدهما ولم يكن فيهما نجاسة.
وقال بعض العلماء: الصلاة في النعال مباحة، والصواب: أنها سنة؛ لقول النبي ﷺ: خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ [(1027)] فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة لليهود، فيستحب للمسلم أن يصلي في نعليه إذا تفقدهما ولم يترتب على هذا مفسدة، كأن ينقل الأذى للفرش التي في المساجد فيلوث المسجد وينفر الناس، فالأولى في مثل هذه الحال أن يخلعهما عند الباب، أما فعل السنة فيكون في الأماكن التي لا يوجد فيها فرش فإذا كان يصلي في الصحراء أو في الفضاء فالأفضل أن يصلي في النعلين، وإن خلع فلا حرج.
ومن دخل المسجد الحرام بالنعلين لا ينكر عليه، ولكنه خلاف الأولى؛ لأنه يترتب عليه تنفير لبعض الناس.
المتن:
باب الصَّلاَةِ فِي الْخِفَافِ
387 حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَسُئِلَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ لأَِنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ.
الشرح:
387 في الحديث: دليل على مشروعية المسح على الخفين، والرد على من أنكره.
قوله: «فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ» ، يعني: أن أصحاب عبدالله بن مسعود كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن جريرًا أسلم بعد نزول آية الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فالآية فيها الوضوء، والأحاديث المتواترة فيها المسح على الخفين، فقال بعض الناس: إن المسح على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء، فلما نزلت آية الوضوء نُسخ المسح على الخفين، فكان في هذا الحديث رد على من يقول بذلك. ولما قيل لجرير في المسح على الخفين، قال: وهل أسلمت إلا بعد نزول المائدة[(1028)]؛ ولهذا قال إبراهيم: «فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ» أي: هذا الحديث؛ لما فيه من الرد على من أنكر المسح على الخفين متأولاً أن المسح على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء، فجرير كان إسلامه بعد نزول آية الوضوء ومع ذلك مسح على الخفين، فدل على أن المسح ليس منسوخًا بل مشروعيته باقية.
المتن:
الشرح:
388 قوله: «فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى» فيه: مشروعية المسح على الخفين، وأن مشروعيته باقية.
قوله: «وَضَّأْتُ النَّبِيَّ ﷺ» يعني: صببت عليه الماء، كما جاء مصرحًا به في غزوة تبوك: أن النبي ﷺ قضى حاجته واستنجى ثم جاء المغيرة فصب عليه[(1029)]، وفي رواية: أنه كان عليه جبة شامية فصب عليه وغسل وجهه، فلما أراد أن يغسل ذراعيه ضاق عليه كم الجبة فأخرجهما من أسفل، فصب عليه فغسلهما، ثم مسح رأسه، فلما انتهى من مسح رأسه أهوى المغيرة ليخلع خفيه فقال: دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، ثم مسح عليهما [(1030)].
والإعانة في الوضوء لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يعينه، بأن يأتي له بالماء ويضعه عنده، وهذا لا إشكال فيه.
الحالة الثانية: أن يصب عليه الماء وهو يتوضأ، وهذا أيضًا لا بأس به، كما فعل المغيرة مع النبي ﷺ.
الحالة الثالثة: أن يوضئه بمعنى: أن يغسل أعضاءه، فينوي المتوضئ الوضوء، والمُعِين هو: الذي يتولى غسل أعضائه، وهذا لا ينبغي إلا إذا كان المرء مريضًا لا يستطيع أن يوضئ نفسه، أما إذا كان المرء صحيحًا فلا ينبغي له ذلك؛ لأن هذا من الكسل، والكسل مذموم.
والمقصود من إيراد هذين الحديثين بيان مشروعية الصلاة في الخفين، ومثلهما النعلان ولا تكره الصلاة فيهما إلا في الكعبة.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وليس لنا موضع يكره أن يصلي فيه في النعلين والخفين إلا الكعبة؛ فإنه يكره لمن دخلها أن يلبس خفيه أو نعليه، نص عليه عطاء ومجاهد وأحمد وقال: لا أعلم أحدًا رخص فيه».
المتن:
باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
389 أَخْبَرَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ، قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ، قَالَ: لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
الشرح:
قوله: «بَاب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ» ، يعني: فصلاته باطلة.
389 قول حذيفة : «مَا صَلَّيْتَ» أي: لأن الطمأنينة لابد منها، ويدل على ذلك حديث المسيء؛ حيث قال النبي ﷺ له: ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا [(1031)].
وقوله: «لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ» ، فيه: أن من لم يتم السجود فصلاته باطلة؛ لأن النبي ﷺ في الحديث الآخر أمر الأعرابي المسيء بالإعادة فقال: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، أي ارجع فصل هذه الصلاة وأما ما مضى من صلوات فلم يأمره النبي ﷺ بإعادتها، بل عذره بالجهل وأمره بإعادة الصلوات الحاضرة.
وقول النبي ﷺ للمسيء صلاته: فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، يعني: لم تصل الصلاة الشرعية المأمور بأدائها، وإن كنت صليت في الظاهر.
المتن:
باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
390 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ.
الشرح:
390 قوله: «فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ» ، فيه: استحباب المجافاة في السجود، وهي أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، فهذه هي السنة، فالنبي ﷺ كان من شدة المجافاة في السجود يُرى بياض إبطيه؛ لأنه ﷺ كان في الغالب يلبس الإزار والرداء فإذا سجد بان بياض إبطيه لمن كان خلفه.
وإنما تستحب المجافاة التامة للمصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا، أما المأموم فلا يجافي مجافاة تامة؛ حتى لا يؤذي جاره.
ولم يأت في وصف سجود النبي ﷺ أنه كان يمد صلبه، إنما كان يجافي حتى لو أرادت بَهمة أن تمر من بين يديه لمرت[(1032)].
وأما المرأة فلا تجافي بل تضم نفسها كما قال الفقهاء؛ لأنها عورة، وإن كان ظاهر السُّنة أنها كالرجل في الاستحباب.
المتن:
باب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ
قَالَ: أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
391 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ.
الشرح:
391 قوله: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، فيه: مشروعية استقبال القبلة بما أمكن من الأعضاء، ويدخل في عموم ذلك الاستقبال بأطراف الرجلين، أي: رؤوس أصابعهما؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله في الترجمة: «يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ» ، أي: يدخل في عموم ذلك الاستقبال الاستقبالُ بأطراف الرجلين.
قوله: فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، يعني: أن من يفعل ذلك بعد النطق بالشهادتين ـ كما سيأتي في الأحاديث التالية ـ فذلك هو المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، والمراد بذمة الله: أمانه وعهده.
قوله: فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ أي: لا تغدروا، وتخفروا من أخفر بمعنى غدر، وأخفر ذمته بمعنى غدر به، بخلاف خَفَرَ من الثلاثي فإنه بمعنى حمى.
وهذا الحديث يقيد الإطلاق في الأحاديث الأخرى، كحديث: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ [(1033)] وحديث: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ [(1034)] أي: أن المراد من قول لا إله إلا الله ليس فقط النطق بها، ولكنه أيضًا الالتزام بحقوقها، وعدم فعل ما يناقضها؛ وذلك لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض، ويفسر بعضها بعضًا، ويقيد بعضها بعضًا، ويخصص بعضها بعضًا، فكما أنه لابد من النطق بالشهادتين فلابد أيضًا من العمل والالتزام بأحكام الإسلام، فلابد لمن يقول: لا إله إلا الله أن يصلي الصلاة ويستقبل القبلة ويلتزم بأحكام الإسلام فهذا هو المسلم، أما من نطق بالشهادتين ولم يعمل فلا تقبل منه؛ فكما أن النبي ﷺ قال في الحديث: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فقد قال في الحديث الآخر: حتى يقولوا: لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة [(1035)]، وفي بعض الروايات: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، [(1036)]، وفي الحديث التالي: فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا، وفي لفظ: إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ [(1037)].
يفهم من مجموع النصوص : أنه لابد من أداء حق هذه الكلمة، وحقها هو: العمل بالأوامر وأداء الفرائض والانتهاء عن المحارم، فالنصوص يضم بعضها إلى بعض، فليس للإنسان أن يتعلق ببعض النصوص دون بعض؛ ولذلك قال هنا: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ.
المتن:
الشرح:
392 قوله: فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فيه: بيان أن المسلم هو الذي يتبع قول: لا إله إلا الله بالصلاة، باستقبال القبلة، وذبح ذبيحة المسلمين، فهذا هو المسلم الذي يُحفظ دمه وماله.
وقوله: إِلاَّ بِحَقِّهَا، يعني: إلا إذا قصر في شيء من حقها فإنه يطالب به، ومن حقوق كلمة التوحيد: الالتزام بأحكام الإسلام بأداء الفرائض والانتهاء عن المحارم، فإذا قتل نفسًا معصومة قتل؛ لأن هذا من حقها