شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب الجمعة من صحيح البخاري (11-3) من باب إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - إلى باب مَنْ جَاءَ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ

00:00

00:00

تحميل
48

المتن:

باب إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

906 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ.

قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ: بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ.

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ: لأَِنَسٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ.

الشرح:

قوله: «بَاب إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» لم يجزم المؤلف رحمه الله بالحكم في هذه المسألة؛ لأن الخلاف فيها قوي.

ومعنى الترجمة: هل تؤخر الجمعة في شدة الحر، كما يؤخر الظهر عن أول وقته، حتى تنكسر شدة الحر؟

906 قوله: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ» يعني: صلاة الظهر كما بينت الأحاديث الأخرى، فهل يدخل في ذلك العموم صلاة الجمعة؛ لأن الراوي قال: «يَعْنِي الْجُمُعَةَ؟» الجواب: لا؛ لأن الوارد عنهم أنهم كانوا يبردون في صلاة الظهر خاصة، وأما لفظة «يَعْنِي الْجُمُعَةَ» فهي: من بعض الرواة وليست من قول أنس ، وظاهر الأحاديث أن الجمعة لا إبراد فيها ولم يأت دليل مخصوص بذلك، والسنة التبكير بها، وأنها تصلى بعد الزوال من غير إبراد.

أما صلاة الظهر فقد ورد من الأحاديث ما يفيد أن السنة إذا اشتد البرد أن يبكر بها وإذا اشتد الحر أن يبرد بها.

وينبغي على الخطيب ألا يتأخر إذا زالت الشمس مراعاة للمبكرين إلى الجمعة من أول النهار، لئلا يشق ذلك عليهم.

والحكمة من عدم الصلاة قبل الزوال أن جهنم تسجر في هذا الوقت؛ كما جاء في رواية مسلم من حديث عمرو بن عبسة: ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ [(793)] فلا يُتنفل في وقت الزوال، أما الجمعة فمستثناة من هذا بدليل أن النبي ﷺ قال: ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى [(794)] فيستنبط منه أن وقت الزوال يوم الجمعة لا تسجر فيه جهنم؛ ولهذا شرع لمن أتى الجمعة أن يصلي في هذا الوقت حتى يدخل الإمام.

المتن:

باب الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.

وَمَنْ قَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يَحْرُمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: عَنْ الزُّهْرِيِّ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ.

907 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ.

908 حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا.

909 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ.

الشرح:

قوله: «وَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجُمُعَة: 9] وَمَنْ قَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا [الإسرَاء: 19]» : استدل بالآيتين على أن المراد بالسعي إلى الجمعة العمل، وليس المراد به الاشتداد والعدو، فقوله تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا [الإسرَاء: 19] يعني: وعمل لها عملها، والذهاب والمشي إلى الجمعة عمل، وفي الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعَة: 9] قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع، فدل على أن المراد بالسعي العمل؛ لأن ترك البيع عمل فيكون مقابله وهو السعي عمل أيضًا.

قوله: «يَحْرُمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ» يعني: حين الأذان، والمراد به الأذان الثاني حين يجلس الإمام على المنبر، فيحرم البيع.

قوله: «تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا» مثل النجارة والحدادة والبناء وغيرها من الصناعات، فيحرم عليه العمل إذا أذن المؤذن الأذان الثاني؛ لأنها مثل البيع والشراء تلهي عن حضور الجمعة، وأما الأذان لباقي الصلوات فلا يحرم البيع ولا الصناعات ولا السفر؛ لأن الجمعة وقتها ضيق حيث تكون الخطبة بعد النداء ثم الصلاة.

وإذا اضطر إلى السفر بعد النداء الثاني بسبب الخوف من فوات رفقة السفر، أو فوات رحلة الطائرة ـ جاز له السفر حينئذ ـ، وصار هذا رخصة بسبب الضرورة والضرورة تقدر بقدرها.

وعلى كل حال ينبغي له أن يبادر، فإن الله أثنى على رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قال سبحانه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ۝ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النُّور: 36-37]، جاء في تفسير هذه الآية: أنهم كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع الأذان وميزانه في يده خفض ميزانه وأقبل على الصلاة، لكن لا يَحرُم إلا إذا كان بعد النداء الثاني يوم الجمعة.

907 قوله: مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ فيه: فضيلة المشي للجمعة، حيث فهم أبو عبس أن الجمعة داخلة في هذا الحديث، فجعل قوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ عامًّا يشمل كل عبادة يمشى إليها ولا يختص بالجهاد فقط. وللعلماء قول ثانٍ، وهو: أن قوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ خاص بالجهاد دون غيره.

والشاهد من الحديث: أن من ذهب إلى الجمعة واغبرت قدماه فهذا سعي ومشي إليها، وهو داخل في قول الله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجُمُعَة: 9].

908 قوله: فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَُ: المراد بالسعي في هذا الحديث العدو والاشتداد؛ بدليل أنه قابله بقوله: وَأْتُوهَا تَمْشُونَُ.

فالإنسان إذا كان خارجًا من بيته إلى الصلاة فهو في حكم المصلي، وخطواته تكتب، وإذا فاته شيء من الصلاة فإنه يقضيها، وإذا كان معذورًا فله أجره، ولا ينبغي له أن يركب، لكن قال العلماء: لا بأس أن يسرع الخطوات قليلاً حتى يدرك الركعة.

909 قوله: لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي فيه: شفقة النبي ﷺ على المصلين حيث أمرهم ألا يقوموا حتى يروه؛ لئلا يشق ذلك عليهم.

وقوله: لاَ تَقُومُوا الأصل في النهي التحريم إلا إذا وجدت قرينة تصرفه، فلما كان هذا من نصحه ﷺ ورفع المشقة عنهم، فمن قام فلا حرج.

قوله: وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ هذا هو الشاهد من الحديث: أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة ينبغي أن تكون عليه السكينة، يعني: لا تسرعوا في القيام ولكن قوموا بطمأنينة وسكون ووقار.

وصفة المشي بالسكينة هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» [(795)] في مشيه ﷺ حيث قال: قال علي بن أبي طالب : «كان رسول الله ﷺ إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنما ينحط من صبب» [(796)]. يعني: هذا مشيه ﷺ للجمعة وغيرها، فلم يكن يمشي مشيًا متماوتًا بطيئًا ولا أهوج ولكن معتدلاً، وهذا هو المقصود بمشي السكينة.

المتن:

باب لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

910 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِْمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُْخْرَى.

الشرح:

910 قوله: فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ: هذا موضع الشاهد على أن التفريق بين اثنين لا ينبغي، واختلفوا في حكمه، وأكثر العلماء على كراهة تخطي الناس يوم الجمعة، سواء كان الإمام قد خرج أو لم يخرج بعد، ويجوز التخطي بإذنهما أو إذا كانت هناك فرجة، ولما رأى النبي ﷺ رجلاً يتخطى رقاب الناس قال له: اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ [(797)] يعني: آذَيْتَ الناس بتخطي رقابهم، وَآنَيْتَ: أي تأخرت عن الجمعة.

قوله: غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُْخْرَى في حديث أبي هريرة عند مسلم: وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ [(798)]، وفيه: دليل على أن المجيء إلى الجمعة من أسباب المغفرة، بهذه القيود: أن يغتسل، ويتطيب، وألا يفرق بين اثنين، ويصلي ما كتب له، وينصت إذا تكلم الإمام، ولفظ: وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فيه: مضاعفة الثواب.

المتن:

باب لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ

911 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ.

قُلْتُ لِنَافِعٍ: الْجُمُعَةَ؟ قَالَ: الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا.

الشرح:

911 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ» هذا النهي يشمل أي قاعد حتى لو كان ابنه، أو عبده، أو صبيًّا إذا كان مميزًا، يعني أكبر من سبع سنين، وأما أقل من سبع فليس من أهل الصلاة.

والحكمة من هذا النهي: أن ذلك نوع من التعدي، وهو من أسباب الشحناء والتنفير، وأما الأدب في ذلك أن يفسحوا لأخيهم، وله أن يقول لهم: افسحوا.

كما جاء في بعض روايات هذا الحديث زيادة: وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا [(799)] وفي رواية عند مسلم من حديث جابر أن النبي ﷺ قال: وَلَكِنْ يَقُولُ افْسَحُوا [(800)] وإذا آثره شخص بمكانه فلا بأس، وفي الإيثار في القُرَب خلاف بين أهل العلم.

قوله: «الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا» هذا دليل على أنه حكم عام.

المتن:

باب الأَْذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

912 حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِْمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ.

الشرح:

912 قوله: «النِّدَاءَ الثَّالِثَ» كان الأذان الأول على عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما إذا جلس الخطيب على المنبر، والأذان الثاني: هو الإقامة، والأذان الثالث: هو ما زاده عثمان ، ويسمى الأخير باسم الأذان الأول من حيث إنه يتقدمهم في زمن الفعل.

قوله: «عَلَى الزَّوْرَاءِ» أمر عثمان المنادي أن ينادي قبل الأذان الثاني بمدة تسمح للناس بالاستعداد للجمعة.

وحكم النداء الزائد أنه سنة الخليفة الراشد، قال النبي ﷺ: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ [(801)] وأجمع الصحابة على العمل به، فلا يصح قول من قال: إنه بدعة.

والحكمة من زيادة النداء الثالث نص عليها في الحديث، وهي كثرة الناس، فربما لم يصلهم صوت المؤذن لكثرتهم وبعدهم عن المسجد، فهذه هي العلة التي جعلت عثمان يزيد النداء الثالث.

المتن:

باب الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

913 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ ﷺ مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِْمَامُ يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ.

الشرح:

قوله: «الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ظاهر الترجمة أن القول الذي مال إليه البخاري هو أن الجمعة يشرع لها مؤذن واحد.

ووقع خلاف في المسألة سيأتي في شرح الحديث التالي.

913 أراد المؤلف رحمه الله بهذا الحديث زيادة الإيضاح للحديث السابق، بأن الذي كان يقوم بالأذان كله على عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مؤذن واحد فقط.

تنبيه:

ما يفعله بعض المؤذنين من جعل الفترة بين الأذان الأول والثاني فترة يسيرة جدًّا لا يستطيع الناس معها أن يستعدوا للجمعة ـ ليس فيه من الحكمة التي من أجلها شرع زيادة الأذان الأول، وهي استعداد الناس بالغسل والوضوء ولبس أحسن الثياب والتطيب والتسوك والمشي إليها بسكينة، وغير ذلك من آداب حضور الجمعة.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «قال حرب: قلت لأحمد: فالأذان يوم الجمعة إذا أذن على المنارة عدة؟ قال: لا بأس بذلك؛ قد كان يؤذن للنبي ﷺ بلال وابن أم مكتوم، وجاء أبو محذورة، وقد أذن رجل قبله فأذن أبو محذورة. وظاهر هذا أنه لو أذن على منارة مؤذن بعد مؤذن جاز، وهذا قبل خروج الإمام.

وقال القاضي أبو يعلى: إنه يستحب أن يكون المؤذن للجمعة واحدًا، فإذا أذن أكثر من واحد جاز ولم يكره».

وذكر ابن قدامة في «المغني»: «أنه لا يستحب الزيادة على مؤذنين؛ لأن الذي حفظ عن النبي ﷺ أنه كان له مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم، إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز، فقد روي عن عثمان أنه كان له أربعة مؤذنين»[(802)].ء

المتن:

باب يُجِيبُ الإِْمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ

914 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ: مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي.

الشرح:

914 قوله: «سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ» فيه: مشروعية إجابة الإمام المؤذن وهو على المنبر.

وقوله: «قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا» فيه: مشروعية إجابة المؤذن في الشهادتين بقول: «وَأَنَا» ، وفي لفظ آخر: «وأنا أشهد» [(803)].

والنوع الثاني من إجابة المؤذن: أن يقول مثل ما يقول المؤذن، فيأتي بالشهادتين كما هما؛ لحديث: إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ [(804)] إلا في الحيعلتين كما جاء في حديث عمر بن الخطاب في «صحيح مسلم» فإنه يقول بعدهما: لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [(805)].

وكلا النوعين في إجابة المؤذن جائز؛ لأن هذا من اختلاف التنوع.

وله أن يقول بعد الأذان ما رواه مسلم في «صحيحه» عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله ﷺ أنه قال: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ [(806)]، وهناك أذكار كثيرة تقال بعد الأذان ليس هذا محل بسطها.

المتن:

باب الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ التَّأْذِينِ

915 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ التَّأْذِينَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِْمَامُ.

الشرح:

915 قوله: «َكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِْمَامُ» هذا موضع الشاهد على الترجمة.

وفيه: مشروعية جلوس الإمام على المنبر وقت التأذين، ثم يؤذن المؤذن ويجيبه الإمام، ثم يقوم إلى الخطبة.

وجلوس الإمام على المنبر مستثنى من حديث تحية المسجد: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ [(807)]؛ لأن جلسته المراد بها التهيؤ والاستعداد للخطبة.

المتن:

باب التَّأْذِينِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ

916 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: إِنَّ الأَْذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِْمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَلَمَّا كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَكَثُرُوا أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالأَْذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ فَثَبَتَ الأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ.

الشرح:

916 قوله: «سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ» هو صحابي .

قوله: «إِنَّ الأَْذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِْمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما» فيه: شاهد الترجمة وهو أن التأذين يكون قبل الخطبة، حال كون الإمام جالس على المنبر، فيشرع المؤذن في التأذين.

قوله: «فَثَبَتَ الأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ» أي: استمر الناس على العمل به إلى يومنا هذا.

المتن:

باب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ

وَقَالَ أَنَسٌ : خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْمِنْبَر.

917 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الإِْسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالاً أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَقَدْ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: واللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى فُلاَنَةَ امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي.

الشرح:

قوله: «خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْمِنْبَر» حتى يراه الناس ويسمعوا صوته، وكان النبي ﷺ في أول الأمر يخطب على جذع نخلة، ثم بعد ذلك عمل له المنبر، ولا يُروى عنه ﷺ أنه خطب الجمعة بدون منبر.

917 قوله: «الْقَارِيُّ» نسبة إلى بني قارة، وهو بطن معروف من العرب.

قوله: «امْتَرَوْا» يعني: اختلفوا.

قوله: «فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ» أي: من الطرفاء: الأثل، وقد تقدم في رواية في أوائل كتاب الصلاة: «أثل الغابة»[(808)]، والغابة موضع معروف من عوالي المدينة.

قوله: «فَأَمَرَ بِهَا» يعني أمر بالأعواد.

قوله: «ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا» فيه: مشروعية الصلاة على المنبر للتعليم.

وفيه: دليل على جواز صلاة الإمام في موضع مرتفع عن المأمومين قليلاً؛ لمصلحة الاقتداء بالإمام والتعلم منه.

وفيه: دليل على جواز التحرك في الصلاة والعمل فيها لمصلحة الصلاة وللحاجة والضرورة.

قوله: «ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى» أي: مشى إلى الخلف.

قوله: «فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ» أي: سجد على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى.

وكونه تأخر ﷺ حتى سجد على الأرض ولم يسجد على المنبر؛ لأنه لا يمكنه السجود على المنبر؛ لكونه درجًا، والمنبر مصنوع من ثلاث درجات، فلا يوجد متسع يسجد عليه.

قوله: «فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ظاهره أنه صلى ثم خطب.

قوله: لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي فيه : لتصريح بالحكمة من صلاته ﷺ على المنبر؛ وهي الاقتداء وتعلُّم صلاة النبي ﷺ.

والظاهر أن هذه الصلاة ليست نافلة وإنما هي فريضة وأنها الجمعة؛ إذ المنبر مشروع لصلاة الجمعة، ويؤيده ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال: «وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني: فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة، فكبر وهو على المنبر[(809)]»، أي: إن الخطبة تقدمت على الصلاة. كما أفادت رواية هشام بن سعد.

وفيه: دليل على ترجمة المصنف رحمه الله أن الخطبة يوم الجمعة تكون على المنبر؛ ليراه الناس ويسمعوا كلامه.

تنبيه:

لو فعل أحد العلماء مثل ما فعل الرسول ﷺ من الصلاة على المنبر لتعليم الناس فلا يجوز الإنكار عليه؛ لأن الناس في زمن النبوة إن كانوا محتاجين إلى هذا التعليم فالناس في هذا الزمن أحوج.

المتن:

918 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ.

قَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَاً.

الشرح:

918 قوله: «فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ» هو الشاهد من الحديث، فالسنة أن تكون خطبة الجمعة على المنبر؛ حتى يرى الناس الإمام، ويسمعوا الذكر.

قوله: «سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ» فيه: دليل على أن الصحابة سمعوا صوته، و «الْعِشَارِ» جمع: عشراء، وهي: الناقة الحامل التي لها عشرة أشهر والتي قاربت الولادة.

وسبب صوت الجذع أنه كان يسمع الموعظة من النبي ﷺ، كما في بعض روايات الحديث في الصحيح: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا [(810)].

قوله: «نَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ» هذا من معجزاته ودلائل نبوته ﷺ، وفي رواية جابر: «حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يُسَكَّتُ حتى استقرت، قال: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ [(811)].

المتن:

919 حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ.

الشرح:

919 تقدم الكلام عليه في «بَاب فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .

والشاهد من الحديث للترجمة قوله: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ» .

المتن:

باب الْخُطْبَةِ قَائِمًا

وَقَالَ أَنَسٌ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ قَائِمًا.

920 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ كَمَا تَفْعَلُونَ الآْنَ.

الشرح:

اختلف العلماء في حكم قيام الخطيب حال خطبته للجمعة، هل هو شرط أو واجب أو سنة؟

فالجمهور على أنه شرط عند القدرة، ولو خطب جالسًا لفاته سنة الفصل بين الخطبتين بجلسة.

وروي عن مالك[(812)] أنه واجب، وروي عن أحمد[(813)] وأبي حنيفة[(814)] ورواية عن مالك[(815)] أنه سنة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: « باب الخطبة قائمًا » قال ابن المنذر: الذي حمل عليه جل أهل العلم من علماء الأمصار ذلك، ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب».

وقول الحافظ نقلاً عن ابن المنذر: «الذي حمل عليه جل أهل العلم» يعني على الاشتراط.

ثم قال الحافظ: «وعن مالك رواية أنه واجب، فإن تركه أساء وصحت الخطبة، وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة، واستدل للأول بحديث أبي سعيد الآتي في المناقب «أن النبي ﷺ جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله» [(816)]، وبحديث سهل الماضي قبل: مُرِي غُلَامَكِ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهَا [(817)] والله الموفق.

وأجيب عن الأول أنه كان في غير خطبة الجمعة، وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد وبين الخطبتين، واستدل للجمهور بحديث جابر بن سمرة المذكور وبحديث كعب بن عجرة : «أنه دخل المسجد وعبدالرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدًا فأنكر عليه وتلا: وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجُمُعَة: 11]» .

وفي رواية ابن خزيمة: «ما رأيت كاليوم قط إمامًا يؤم المسلمين يخطب وهو جالس» يقول ذلك مرتين.

وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس: «خطب رسول الله ﷺ قائمًا وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من جلس على المنبر معاوية »[(818)].

وبمواظبة النبي ﷺ على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعًا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس؛ ولأن الذي نقل عنه القعود كان معذورًا، فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي: «أن معاوية إنما خطب قاعدًا لما كثر شحم بطنه ولحمه».

وأما من احتج بأنه لو كان شرطًا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود ، ثم إنه صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر».

والصواب: أنه يشرع بكل حال، والقول بأنه شرط مع القدرة له وجاهته، أو أنه واجب على الأقل.

920 الحديث ظاهر الدلالة على الترجمة.

المتن:

باب يَسْتَقْبِلُ الإِْمَامُ الْقَوْمَ وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإِْمَامَ إِذَا خَطَبَ وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ الإِْمَامَ

921 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ.

الشرح:

921 قوله: «إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ» فيه: مشروعية استقبال الإمام الناس إذا خطب، وأن يستقبله الناس بوجوههم، وهذا في غير خطبة الجمعة.

وأما في خطبة الجمعة في وقتنا هذا، مع كثرة الناس ووجود أجهزة مكبرات الصوت ـ فلا حرج أن يجلس على أي حال كان ـ.

وفيه أيضًا: مشروعية الجلوس على المنبر للموعظة في غير خطبة الجمعة والعيدين.

المتن:

باب مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ

رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

922 وَقَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ قَالَتْ: فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِدًّا حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَفَتَحْتُهَا فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ قَالَتْ: وَلَغَطَ نِسْوَةٌ مِنْ الأَْنْصَارِ فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُِسَكِّتَهُنَّ فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ قَالَ: الْمُوقِنُ شَكَّ هِشَامٌ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ قَالَ: الْمُرْتَابُ شَكَّ هِشَامٌ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ.

قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ: فَأَوْعَيْتُهُ غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ.

الشرح:

922 قولها: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ» فيه: مشروعية صلاة الكسوف للرجال والنساء جميعًا؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تصلي معهم كما هو ظاهر الحديث، وتصلي النساء خلف صفوف الرجال كما في غيرها من الصلوات.

قولها: «مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ» فيه: دليل على أنه لا بأس بالإشارة للمصلي، ومشروعية كلام من هو خارج الصلاة للمصلي إذا كان لمصلحة الصلاة.

قولها: «تَجَلاَّنِي» : ظاهره حال كونها تصلي.

قولها: «الْغَشْيُ» تعني: أغمي عليها.

قولها: «فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ» فيه: مشروعية الخطبة والموعظة بعد صلاة الكسوف.

قولها: «ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: هذا هو الشاهد من الحديث، ففيه: استحباب قول الخطيب في خطبته: «أما بعد» ، وهي كلمة تفصل الكلام السابق عمَّا بعده، وسواء قالها في خطبة الجمعة أو غيرها. ومكانها بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ. ويقال: إن أول من قالها هو داود ، وقيل غيره.

قولها: «فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ» تعني: ذهبت إليهن.

قوله: وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ فيه إثبات فتنة القبر، وأنها فتنة شديدة.

قوله: يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فيه: إثبات سؤال القبر، وأن الناس يسألون عن النبي ﷺ.

المتن:

923 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ فَأَعْطَى رِجَالاً وَتَرَكَ رِجَالاً فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُمْرَ النَّعَمِ.

تَابَعَهُ يُونُسُ.

الشرح:

923 قوله: «حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ» فيه: أن النبي ﷺ كان إذا جاءه مال فإنه يتولى تقسيمه بنفسه في مصلحة الإسلام والمسلمين بما يراه أنفع لهم.

قوله: أَمَّا بَعْدُ هو: موضع الشاهد من الحديث.

ففيه: مشروعية قول: «أَمَّا بَعْدُ» للخطيب.

قوله: أُعْطِي وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ أي: لما يظهر منهم من علامات تدل على ذلك، أو بما أوحى الله إلى رسوله ﷺ أن في قلوبهم جزع وقلة صبر وضعف إيمان؛ لهذا كان يعطيهم ليتقوى إيمانهم؛ وليتألف قلوبهم.

قوله: وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ: لأن في قلوبهم إيمانًا قويًّا طمأنينةً وقناعةً ورضًا عن الله، فهم يصبرون وأجرهم عند الله أعظم.

قوله: فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، وفي اللفظ الآخر: منهم فيه: منقبة لعمرو بن تغلب .

قوله: «فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُمْرَ النَّعَمِ» يعني: ما أحب أن لي بدلها حمر النعم، وهذا مثال، والمعنى: ما أحب أن لي بهذه الكلمة الدنيا كلها؛ لأن النبي ﷺ نص على أنه من الذين جعل الله في قلوبهم الغنى والخير.

وقوله: «حُمْر النَّعم» بإسكان الميم، جمع أحمر، وهي نوع من الإبل النفيسة، وهي أنفس أموال العرب.

وأما «حمُر» بضم الميم، فهي جمع حمار وليست المقصودة في الحديث.

المتن:

924 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا.

تَابَعَهُ يُونُسُ.

الشرح:

924، 925، 926 قوله: أَمَّا بَعْدُ هو شاهد ترجمة الباب.

وقوله: لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا فيه: إظهار رأفته ﷺ ورحمته بأمته.

وفي حديث عائشة أيضًا: دليل على مشروعية صلاة التراويح جماعة في رمضان، وأنها سنة نبوية، خلافًا لمن قال: إنها سنة عمرية، وسيأتي تفصيل ذلك في «كتاب صلاة التراويح» .

المتن:

925 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ.

تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ.

تَابَعَهُ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ فِي أَمَّا بَعْدُ.

الشرح:

قوله: أَمَّا بَعْدُ هو: موضع الشاهد.

المتن:

926 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ.

تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ.

927 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ الْمِنْبَرَ وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ، فَثَابُوا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الأَْنْصَارِ يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُ النَّاسُ فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ.

الشرح:

927 قوله: «قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ» هذا الحديث في مرض موته ﷺ.

قوله: «فَثَابُوا إِلَيْه» يعني: اجتمعوا.

قوله: فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ: هذا الأمر ليس خاصًّا بالأنصار فقط، وإن كانوا هم أولى الناس بذلك؛ لأنهم نصروا الله ورسوله ﷺ، ولكن هو عام في المسلمين جميعًا، وهذا في غير حقوق الناس، وكذلك في غير الحدود.

المتن:

باب الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

928 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا.

الشرح:

قوله: «بَاب الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» لم يصرح البخاري رحمه الله بحكم القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة للخلاف في ذلك.

928 قوله: «كُانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا» هو شاهد الترجمة.

وفيه: مشروعية القعدة بين الخطبتين.

وفيه أيضًا: دليل على الخطبة قائمًا؛ لأنه قال: «يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا» والقعود يكون من قيام.

المتن:

باب الاِسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبَةِ

929 حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَْغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَْوَّلَ فَالأَْوَّلَ وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ كَبْشًا ثُمَّ دَجَاجَةً ثُمَّ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِْمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ.

الشرح:

929 قوله: وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً فيه فضيلة التبكير إلى الجمعة، وفي الحديث الآخر: ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً [(819)] فسماها الساعة الأولى، والبدنة يعني: البعير.

قوله: ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً في اللفظ الآخر: وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً [(820)] فسماها الساعة الثانية وهكذا باقي الساعات. وفيه دليل على أن الناس يتفاوتون في حضورهم الجمعة إلى خمس ساعات.

قوله: وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ هو شاهد الباب.

وفيه: دليل على الاستماع والإنصات للخطبة؛ لأنه إذا كان هذا حال الملائكة مع الذكر فبني آدم أولى بهذا؛ لأنهم المعنيون بالخطبة. وستأتي الأحاديث الأخرى التي تبين وجوب الإنصات والإصغاء للخطيب يوم الجمعة، وتحريم الكلام حينئذ، وألا يشير لأحد بالكلام، ولا يقل: اسكت. إنما يكتفي بالإشارة.

المتن:

باب إِذَا رَأَى الإِْمَامُ رَجُلاً جَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ

930 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟ قَالَ: لاَ قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ.

الشرح:

930 قوله: «جاء رجل» هو: سليك الغطفاني، كما بينته الروايات الأخرى.

قوله: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ زاد في رواية مسلم: وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا [(821)] يعني: خففهما.

وفيه: دليل على تأكيد ركعتي تحية المسجد؛ لأنه ﷺ أمره بهما في وقت وجوب الاستماع إلى الخطبة، فدل على تأكدهما، وهما سنة عند الجمهور، وذهبت الظاهرية وجماعة إلى أن تحية المسجد واجبة؛ لأن وجوبها له سبب خاص، وهو الدخول للمسجد، وهو قول قوي.

وفيه: دليل على أنه لا بأس للإمام إذا رأى من دخل المسجد وجلس أن يقطع خطبته ويقول له: قم فصل ركعتين.

المتن:

باب مَنْ جَاءَ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ

931 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لاَ قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.

الشرح:

قوله: «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» قال الحافظ: «قال الإسماعيلي: لم يقع في الحديث الذي ذكره التقييد بكونهما خفيفتين. قلت: هو كما قال، إلا أن المصنف جرى على عادته في الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث وهو كذلك، وقد أخرجه أبو قرة في «السنن» عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَينِ [(822)].

931 قال الحافظ ابن حجر: «قوله: أَصَلَّيْتَ؟ كذا للأكثر أيضًا بحذف الهمزة، وثبتت لكريمة وللمستملي».

قوله: «قَالَ: قُمْ فَصَلِّ كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية أخرى: «قال: فَصَلِّ.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد