المتن:
باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ
932 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَهَلَكَ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا.
الشرح:
932 فيه: دليل على أنه لا بأس أن يكلم الإمام وهو يخطب رجلٌ من المأمومين، فإذا أراد الإنسان أن يكلم الإمام فلا بأس أن يكلمه أو يكلمه الإمام، أما أن يتكلم مع غيره فلا. فهذا الرجل دخل والنبي ﷺ يخطب فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ» يعني: الكراع من الضأن والماعز، و «َهَلَكَ الشَّاءُ» جمع: شاة.
وقوله: «فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا» دل: على مشروعية الدعاء ورفع اليدين في الاستسقاء في خطبة الجمعة.
المتن:
باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
933 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَْوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَبَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ ﷺ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُْخْرَى وَقَامَ ذَلِكَ الأَْعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجوْدِ.
الشرح:
في هذه الترجمة دليل على مشروعية الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، والاكتفاء بخطبة الجمعة وصلاتها فيه، فالنبي ﷺ استسقى وهو على المنبر يوم الجمعة، وصلى ركعتين. ودعا ورفع يديه بالدعاء عند أحجار الزيت بالمدينة وهو خارج باب المسجد.
فكان له ﷺ أحوال: فأحيانًا يستسقي في الجمعة، وأحيانًا يصلي ركعتين ويستسقي ويخطب، وأحيانًا يدعو بدون صلاة.
933 قوله: «أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ» أي: جدب.
وقوله: «فَبَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ» فيه: مشروعية رفع اليدين في الدعاء، «وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً» يعني: سحابًا.
قال أنس : «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ» يعني: أجاب الله دعاءه في الحال، وهذا من دلائل نبوته ﷺ.
ثم استمر المطر أسبوعًا كاملاً، فلما جاءت الجمعة الأخرى دخل ذلك الرجل أو غيره، فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا» أي: بالاستصحاء، «فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ» وفي النص الآخر: « وخرجنا نمشي في الشمس » أي: أجاب الله دعاءه ﷺ في الحال، فانفرجت ووقف المطر، وصارت المدينة مثل الجوبة أي الفتحة، يعني أن كل ما حول المدينة يمطر، والمدينة كأنها شيء مستدير لا يأتيه المطر، «وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا» أي: اسم الوادي: قناة، «وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجوْدِ» يعني: جود الله وكرمه بالمطر في كل ناحية.
المتن:
باب الإِْنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا
وَقَالَ سَلْمَانُ: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِْمَامُ
934 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ.
الشرح:
قوله: «بَاب الإِْنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ» يعني: أنه واجب.
وقوله: «وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا» أي: يكون هذا من اللغو.
934 فيه: تحريم الكلام والإمام يخطب وأنه لا يجوز أثناءها كما لا يجوز في الصلاة.
وفيه: وجوب الإنصات للجمعة، وتحريم الكلام وقت الخطبة، إلا مع الإمام أو مع من يكلمه الإمام، كما سبق، ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس، كحاله في الصلاة، لكن يرد السلام بالإشارة، وينكر المنكر على من تكلم بالإشارة كما لو كان في الصلاة، ولا يقول له: أنصت، فإن قال له: أنصت فقد لغا، وفي الحديث الآخر: مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [(823)]، وجاء عن أبيّ أنه قال لمن تكلم في الخطبة بعد أن قضوا الصلاة ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فلما أخبر النبي ﷺ قال: «صدق أبيّ» [(824)].
وكما أنه لا يتسوك في الصلاة فلا يتسوك والإمام يخطب.
وإذا تكلم والإمام يخطب يكون آثمًا ولا أجر له في الجمعة، لكن الجمعة صحيحة لا يعيدها.
المتن:
باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
935 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.
الشرح:
935 فيه: دليل على أن يوم الجمعة فيه ساعة إجابة، اختلف العلماء في تحديدها، فذكر الحافظ ابن حجر فيها اثنين وأربعين قولاً، لكنها تصح على قولين: أحدهما أنها من صعود الخطيب المنبر إلى ختم الصلاة، والثاني أنها آخر ساعة بعد العصر.
قال النبي ﷺ: لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وهذه الساعة أخفاها الله ولم يبينها، كما أن في الليل ساعة إجابة أخفاها الله وذلك لحكمة بالغة، وهي ـ والله أعلم ـ حتى يجتهد العباد في تحريها وطلبها في جميع يوم الجمعة، وفي جميع الليل بالنسبة لساعة الليل.
وجاء في صحيح مسلم عن أبي موسى: أنها من حين دخول الخطيب حتى تقام الصلاة[(825)]. وجاء في حديث آخر: أنها آخر ساعة بعد العصر[(826)].
ولما قال أبو هريرة لعبدلله بن سلام رضي الله عنهما: كيف آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد قال رسول الله: وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي؛ فقال عبدالله ألم يقل رسول الله ﷺ: من جلس مجلسا ينتظر فهو في صلاة حتى يصلي قال: فقلت بلى، قال: «هو ذلك» [(827)] فمن تطهر وانتظر الصلاة فهو في صلاة.
المتن:
باب إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنْ الإِْمَامِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَصَلاَةُ الإِْمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ
936 حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجُمُعَة: 11].
الشرح:
936 قوله: «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ» يعني: ننتظر الصلاة، فما حدث كان قبل الصلاة وهو ﷺ يخطب، لما وقع في «صحيح مسلم»: «ورسول الله ﷺ يخطب» [(828)]، وفي رواية أبي نعيم في «المستخرج»: «بينما نحن مع رسول الله ﷺ في الصلاة» [(829)] فقوله: «في الصلاة» يعني في الخطبة، وهو من باب تسمية الشيء بما يقاربه، وبهذا يجمع بين الروايتين.
وخروج الصحابة إلى العير التي جاءت معها شيء من الطعام والتجارة كان بسبب الحاجة التي أصابتهم، فإن المهاجرين أصابتهم حاجة شديدة في أول الهجرة، وهذا الخروج كان قبل أن يتقدم لهم نهي عن ذلك، وقبل نزول الآية: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجُمُعَة: 11] فلما نزلت وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه، فوصفهم الله بعد ذلك بما في آية سورة النور؛ قال الله تعالى: رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النُّور: 37].
واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن الجمعة لا تنعقد بأقل من اثني عشر رجلاً؛ لأنه بقي مع النبي ﷺ اثنا عشر رجلاً، وهي مسألة خلافية وهي: من تنعقد بهم الجمعة، والصواب أنها تنعقد بثلاثة، إذا كانوا مستوطنين في قرية، إمام ومؤذن وواحد؛ لأنهم أقل من يتناولهم الخطاب في قوله : فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجُمُعَة: 9]، وقيل: تنعقد باثنين مثل صلاة الجماعة، وقيل: لابد من أربعين رجلاً لحديث: «مضت السنة أن في كل ثلاثة إمام، أو في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرًا؛ وذلك أنهم جماعة» [(830)] وهذا مذهب الحنابلة[(831)]، لكنه قول ضعيف؛ لأن الحديث ضعيف، فالصواب أنها تنعقد بثلاثة.
قوله: «فَصَلاَةُ الإِْمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ» يؤخذ منها أنه لو انفضوا في الركعة الأولى أو في الخطبة ولم يبق إلا الإمام وحده أو واحد معه فإنها لا تصح، أي لا تصح لهم الجمعة فليتموها ظهرًا، فلو خرجوا ولم يتبع الإمام إلا واحد أو اثنان يصلونها ظهرًا، وقيل: إذا بقي اثنان فإنه يتمها جمعة، وقيل: ولو بقي واحد. والصواب أن صلاة الجمعة بثلاثة، والجماعة تنعقد باثنين، فأقل جماعة اثنان، وأقل جمعة ثلاثة: إمام، وهو الذي يخطب، ومؤذن، وواحد ليخاطبهم الإمام.
المتن:
باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا
937 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
الشرح:
937 فيه: أنه ﷺ كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، وجاء في حديث آخر أنه ﷺ كان يصلي بعد الجمعة في المسجد أربع ركعات، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، ولو صلى في البيت أربع ركعات كما جاء في الحديث الآخر فحسن، وإن اقتصر على ركعتين كما في هذا الحديث فلا بأس.
والجمعة ليس لها سنة قبلها، وإنما يصلي ما شاء.
المتن:
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10]
938 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كُانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ.
الشرح:
وفيه: بيان ما أصاب الصحابة من شدة الحاجة أول الهجرة، فكانوا يتمنون يوم الجمعة ليذهبوا إلى هذه العجوز، فتطحن لهم حبات من الشعير وتطبخ أصول السلق معها كأنه بمثابة اللحم، وتقربه لهم بعد صلاة الجمعة من شدة ما أصابهم .
938 قوله «عَلَى أَرْبِعَاءَ» جمع ربيع وهو الجدول الصغير، وقيل: الأربعة حافة الأحواض، على وزن أنصبة.
قوله: «فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا» فيه جواز السلام على المرأة الأجنبية، وجواز إجابة دعوتها للوليمة، لكن بشرط أن يكون ذلك في غير ريبة ولا خلوة، أما إذا كان فيه ريبة أو خلوة فلا، فالخلوة ممنوعة بالمرأة الأجنبية، فعلى الرجل ألا يخلو بها في البيت أو في السيارة، فإن هذا من أسباب الشر والفواحش، قال عليه الصلاة والسلام: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ [(832)] لكن إذا امتنع المحذور جاز أن يسلم على المرأة الأجنبية وتسلم عليه، كما جاءت أم هانئ وسلمت على النبي ﷺ وهو يغتسل يوم الفتح، ثم قال ﷺ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ [(833)].
وكان الصحابة يأتون هذه العجوز ويسلمون عليها ويدخلون عليها وتقدم لهم هذا الطعام.
وفيه: جواز محادثة المرأة في الهاتف أو في البيع والشراء من غير ريبة ولا خلوة.
وفيه: أن صوت المرأة العادي الذي ليس فيه لين ولا خضوع ليس بعورة، لكن إذا كان فيه خضوع فحرام؛ قال تعالى: فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزَاب: 32] فالمرأة إذا خضعت بالقول أطمعت الفاسقين، لكن لو كان صوتها صوتًا طبيعيًّا فلا بأس إذا كانت محتاجة إلى هذا بشرط ألا يكون هناك ريبة ولا خلوة، أما إذا خشيت الشر فلا تتكلم، أو خشي الرجل كذلك على نفسه الفتن فلا، وقد كانت الصحابيات يكلمن النبي ﷺ ويستفتينه.
المتن:
الشرح:
939 في هذا الحديث: دليل على أنهم كانوا يبكرون بالجمعة في أول وقت الزوال، لا قبل الزوال، وكانوا يؤخرون القيلولة والغداء بعد الجمعة، لكن في غير الجمعة كان النبي ﷺ ـ ولاسيما في شدة الحر ـ يبرد أي يتأخر على الوقت ساعة أو ساعتين فيتغدون ثم يصلون الظهر.
المتن:
باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
940 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: «سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ».
الشرح:
941 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ».
940، 941 في الحديثين: أن وقت القيلولة بعد الجمعة؛ لأن الجمعة يبكر بها في أول وقت الزوال، وليس قبله، فيتأخرون ويصلون، ثم تكون القيلولة بعدُ، ولأن التبكير يكون في الساعة الأولى، فلا يتمكن من القيلولة في الساعة الثانية، ثم إذا زالت الشمس خطب النبي ﷺ وصلى، ثم بعد الصلاة يتغدون ويقيلون، أما في غير الجمعة فالنبي ﷺ يؤخر صلاة الظهر حتى يبرد، ثم يصلون، ويكون الغداء والقيلولة قبل الصلاة.