المتن:
(13) أَبَوَاب الْعِيدَيْن
باب فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
948 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ.
الشرح:
قوله: «أَبْوَابُ العِيدَيْنِ» ، سمي العيد عيدًا من العود؛ لأنه يتكرر في كل سنة مرة، ولأهل الإسلام عيدان سنويان يعودان ويتكرران في كل عام: عيد الفطر وعيد الأضحى، والعيد الثالث: عيد أسبوعي وهو يوم الجمعة.
وهذا الكتاب معقود للعيدين وما يتعلق بهما من الأحكام وما له صلة بهما.
948 قوله: «أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ» الإستبرق: حرير رقيق، وقد وجدها عمر «تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ» ، وفي اللفظ الآخر: «ابتاع هذه» [(862)] المراد: اشتر هذه لتتجمل بها للعيد والوفود، «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ يعني: من لا نصيب له، وهم الكفار، قال تعالى: أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ [آل عِمرَان: 77].
وفيه: استحباب التجمل للعيد والوفود، وإنما أنكر عليه عرضه أن يشتري لباس الحرير.
ففيه: إقرار وإنكار فأقره على قوله في التجمل، وأنكر عليه كونه عرض عليه أن يشتري جبة الحرير.
ويرى الاغتسال ليوم العيد[(863)] ولعرفة[(864)].
والبخاري رحمه الله استدل بهذا الإقرار على مشروعية التجمل للعيد، وكذلك للوفود وملاقاة الرؤساء والأعيان.
والمقصود: أن لباس الحرير لا يلبسه من الرجال إلا من لا خلاق له وهم الكفرة، أما المسلمون فإن الله حرمه على ذكورهم.
قوله: «فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ» فيه: أن عمر ظن أن النبي ﷺ أراد منه أن يلبس الجبة، فبين له النبي ﷺ السبب بقوله: تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ، وفي لفظ آخر: «أن عمر أرسل بها إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم » [(865)] فأقره النبي ﷺ على ذلك، فدل على أنه لا بأس بالإهداء إلى الكافر.
وفيه: دليل أيضًا على أنه لا يلزم إهداء الشيء الذي لا يجوز للمُهْدَى إليه أن يلبسه أو يستعمله، بل يبيعه فينتفع بثمنه، أو يهديه لمن يجوز له لبسه أو استعماله، كالحرير أو الذهب يهدى إلى الرجل المسلم فيبيعه فينتفع بثمنه، أو يعطيه زوجته أو يهديه إلى كافر قريب، وهذا لما ليس محرمًا لذاته ولعينه كالحرير والذهب، أما المحرم لذاته كالخمر والخنزير والميتة فلا يجوز بيعه ولا إهداؤه لأحد مطلقًا، وكذا إذا كان آلة لهو.
وأما بيع الحرير والذهب للكافر فمستثنى من قول النبي ﷺ: إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا، حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ [(866)].
وليس في إهداء الكافر ذلك إعانة له على الشر؛ لأن تركه الذهب والحرير في حال كفره لا يفيده ـ أما إذا أسلم فيؤمر بالابتعاد عن لبس الحرير والذهب ـ إلا إذا كان يخشى عليه أن يستعمله في الشر، فحينئذ لا يجوز.
ويجوز لبس الحرير للعلة أو للضرورة؛ لأن النبي ﷺ رخص لرجلين من الصحابة أن يلبسا الحرير لحكة بهما[(867)] من باب التداوي؛ لأنه بارد على الجسد وهذا مستثنى للعلة.
ويجب أن يجنب الصبي ما يجتنبه الكبير من لبس الذهب والحرير وذلك من باب التمرين له وتعليمه الآداب الإسلامية؛ ولهذا قال ﷺ: مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ [(868)] وابن السبع لا تجب عليه الصلاة، ولكن يؤمر بها من باب التدريب، ويفرق بينه وبين إخوته في المضاجع لئلا يحصل الشر.
وقال إبراهيم النخعي ـ كما سيأتي عند البخاري ـ: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.
فالسلف الصالح كانوا يضربون الصغار على الشهادة والعهد، حتى لا يتعود شهادة الزور ونقض العهد والحلف بغير حق، فيضرب ضرب تأديب وليس ضرب إيذاء، ويؤدب بما يزجره إذا كان يؤذي إخوانه ويعتدي ولو كان ابن أربع سنين أو خمس إذا كان يفهم، ولا يترك حتى يسوء خلقه.
وكذلك كان الصحابة يُصَوِّمُون الصغار إذا كانوا يطيقون، فإذا بكوا أعطوهم اللعبة من العهن حتى يفطروا، كل هذا من باب التمرين.
وهل يقال: إن فيه دليلاً على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة؟
هذه مسألة أصولية خلافية، فذهب بعض العلماء إلى هذا، وذهب البعض إلى أنهم مخاطبون، ومعنى أنهم مخاطبون أي: أنهم يعذبون على عدم الالتزام بالأوامر والنواهي وعلى ترك الإيمان والإسلام، لكن التزامهم هذه الأمور لا ينفعهم في حال كفرهم.
المتن:
باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ
949 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَْسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا.
950 وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَاذْهَبِي.
الشرح:
قوله: «بَاب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ» : هذا الباب معقود للعب بالحراب والدرق يوم العيد، ومثله السيوف الخفيفة، و «الْحِرَاب» جمع: حربة، و «الدَّرَقِ» جمع: درقة وهي الترس.
949 فقولها: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ» بعاث: حرب ضروس كانت في الجاهلية بين الأوس والخزرج. فالنبي ﷺ دخل على الجاريتين وهما تغنيان بهذا الغناء، فسكت عنهما وأقرهما، «فاضطجع على الفراش وحول وجهه» ، وكان يوم عيد.
950 قولها: «وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ» جاء في الحديث الآخر: «أنهم كانوا يلعبون في المسجد» [(869)] أي: في رحبة المسجد، وفيه دليل على جواز اللعب بالحراب والدرق والسيوف الخفيفة يوم العيد؛ لما فيه من التدرب على السلاح والإعداد للجهاد في سبيل الله، ولو في رحبة المسجد إذا كان فيه سعة، ولا يجوز الرمي بالأسلحة النارية إذا كان فيها خطر.
قولها: «قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ يعني: يقرهم على اللعب، والمراد من قولها: «فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ» : أنها وضعت رأسها على منكبه فكان خدها محاذيًا لخده ﷺ، وجعلت تنظر إلى السودان وهم يلعبون بالدرق والحراب.
وفي إقرار النبي ﷺ لها دليل على جواز نظر المرأة إلى الرجال على العموم، كالنظر إلى المصلين، أو اللاعبين بالحراب، أو في طريقها للأسواق، وغير ذلك، أما النظر للرجال على الخصوص فهذا ممنوع سواء كان في الأسواق أو التلفاز أو المجلات؛ خشية الفتنة.
وكذلك الرجل لا بأس أن ينظر إلى النساء على العموم، أما على الخصوص فهذا ممنوع، إلا لحاجة كزواج وغيره.
قولها: «حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ» في لفظ آخر: أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ قالت: فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده[(870)].
ولا يعتبر هذا الحديث مخصصًا لقول الله : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النُّور: 31]؛ لأن مِنْ للتبعيض وهذا داخل في عموممِنْ أَبْصَارِهِنَّفلم يقل: يغضضن أبصارهن، بل قال: مِنْ أَبْصَارِهِنَّ فهذا من المستثنى.
وفيه: دليل على جواز الغناء من الجواري الصغار يوم العيد بالغناء الذي لا محظور فيه، وكذلك يجوز الغناء للنساء في العرس وضرب الدف؛ لأن هذا من إظهار النكاح، وهو علامة فاصلة بين النكاح وبين السفاح، وهذا بشرط ألا يكون هناك اختلاط بين الرجال والنساء، ولا سماع من الرجال لأصوات النساء، ولا يجوز هذا الغناء للرجال وإنما هذا للنساء.
وفيه: دليل أيضًا على جواز سماع صوت الجارية بالغناء إذا كانت صغيرة، وأنه لا بأس بذلك.
المتن:
باب سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لأَِهْلِ الإِْسْلاَمِ
951 حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا.
الشرح:
951 قوله: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ فيه: أن السنة في العيدين صلاة العيد، ثم يتبع ذلك الخطبة والذكر، ثم النحر، ولهذا قال: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا .
المتن:
الشرح:
952 قوله: «أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» المراد بمزامير الشيطان هنا الغناء، وهو يدل على أن الغناء يسمى مزامير الشيطان لإقرار النبي ﷺ أبا بكر على قوله: «أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» ، فتطلق المزامير على الغناء، و على الآلة التي يضرب بها.
والغناء جائز للجواري الصغار وهو مستثنى من الغناء المحرم، ويكون في يوم العيد والعرس، ولهذا أنكر النبي ﷺ على أبي بكر فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا.
وهنا مسألة متعلقة بالعيد وهي التهنئة، فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله: عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.
وهذا يدل على أنه لا بأس أن يقال في يوم العيد هذه التهنئة، وهي قولهم: تقبل الله منا ومنك، أما المعانقة في يوم العيد فلا أصل لها، وكذلك المعانقة عند التعزية وتهنئة المتزوج، وإنما تشرع المعانقة عند القدوم من السفر، وقد يلحق بها طول الغيبة؛ لحديث أنس: كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، فإذا قدموا من سفر تعانقوا[(875)].
وأما قول الناس بعضهم لبعض في بداية العام الهجري: كل عام أنتم بخير أو تقبل الله منا ومنك ـ فلا أعلم لذلك أصلاً ـ؛ إنما هذا في الأعياد.
وإذا كان من باب الدعاء العام فلا أعلم أنه مستحب وكون الإنسان يتخذه عادة أو يعتقد أنه سنة فهذا يحتاج إلى دليل.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «في هذا الحديث الرخصة للجواري في يوم العيد في اللعب والغناء بغناء الأعراب، وإن سمع ذلك النساء والرجال، وإن كان معه دف مثل دف العرب، وهو يشبه الغربال.
وقد خرجه البخاري في آخر «كتاب العيدين» من رواية الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان، والنبي ﷺ متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي ﷺ عن وجهه، فقال: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ [(871)]، وتلك الأيام أيام منى.
ولا ريب أن العرب كان لهم غناء يتغنون به، وكان لهم دفوف يضربون بها، وكان غناؤهم بأشعار أهل الجاهلية من ذكر الحروب وندب من قتل فيها، وكانت دفوفهم مثل الغرابيل ليس فيها جلاجل، كما في حديث عائشة، عن النَّبيّ ﷺ: أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ [(872)] خرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد فيه ضعفٌ. فكان النبي ﷺ يرخص لهم في أوقات الأفراح، كالأعياد والنكاح وقدوم الغائب في الضرب للجواري بالدفوف، والتغني مع ذلك بهذه الأشعار وما كان في معناها.
فلما فتحت بلاد فارس والروم ظهر للصحابة ما كان أهل فارس والروم قد اعتادوه من الغناء الملحن بالإيقاعات الموزونة، على طريقة الموسيقى بالأشعار التي توصف فيها المحرمات من الخمور والصور الجميلة المثيرة للهوى الكامن في النفوس المجبول محبته فيها، بآلات اللهو المطربة المخرج سماعها عن الاعتدال، فحينئذ أنكر الصحابة الغناء واستماعه، ونهوا عنه وغلظوا فيه، حتى قال ابن مسعود: «الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل»، وروي عنه مرفوعًا[(873)].
وهذا يدل على أنهم فهموا أن الغناء الذي رخص فيه النبي ﷺ لأصحابه لم يكن هذا الغناء، ولا آلاته هي هذه الآلات، وأنه إنما رخص فيما كان في عهده مما يتعارفه العرب بآلاتهم.
فأما غناء الأعاجم بآلاتهم فلم تتناوله الرخصة، وإن سمي غناءً وسميت آلاته دفوفًا، لكن بينهما من التباين ما لا يخفى على عاقل، فإن غناء الأعاجم بآلاتها يثير الهوى، ويغير الطباع، ويدعو إلى المعاصي، فهو رقية الزنا. وغناء الأعراب المرخص به ليس فيه شيء من هذه المفاسد بالكلية البتة، فلا يدخل غناء الأعاجم في الرخصة لفظًا ولا معنى، فإنه ليس هنالك نص عن الشارع بإباحة ما يسمى غناء ولا دفًّا، وإنما هي قضايا أعيان وقع الإقرار عليها، وليس لها من عموم.
وليس الغناء والدف المرخص فيهما في معنى ما في غناء الأعاجم ودفوفها المصلصلة؛ لأن غناءهم ودفوفهم تحرك الطباع وتهيجها إلى المحرمات بخلاف غناء الأعراب، فمن قاس أحدهما على الآخر فقد أخطأ أقبح الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل، فقياسه من أفسد القياس وأبعده عن الصواب.
وقد صحت الأخبار عن النبي ﷺ بذم من يستمع القينات في آخر الزمان[(874)]، وهو إشارة إلى تحريم سماع آلات الملاهي المأخوذة عن الأعاجم».
والمراد أن الغناء المذكور في الحديث لا شك أنه غير الغناء المعروف الآن بالألحان والمزمار، والموجود في الإذاعات، فهذا النوع محرم في الأعياد وفي غيرها، وأما المباح فهو غناء كلمات يسيرة تقولها الجواري بأصواتها، ليس فيه شيء من تلك المحذورات، وكذلك الأمر بالنسبة للضرب بالدف.
المتن:
باب الأَْكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ
953 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.
وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.
الشرح:
953 قوله: «كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات» فيه: استحباب أكل تمرات قبل الغدو إلى عيد الفطر، واستحباب أن تكون وترًا، أي: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة ألا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة. وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، وأشار إلى ذلك ابن أبي جمرة. وقال بعض المالكية: لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته ـ خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصائم ما يعتمد من استصحاب الاعتكاف، ففرق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو. وقيل: لأن الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد، فاستحب تعجيل الفطر بدارًا إلى السلامة من وسوسته».
المتن:
باب الأَْكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ
954 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَدَّقَهُ قَالَ: وعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ.
الشرح:
954 قوله: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ فيه: أن السنة ذبح الأضحية يوم النحر بعد صلاة العيد، وأن من ذبح قبل الصلاة فلا يجزئه بل عليه أن يعيد مكانها، ولهذا لما ذبح أبو بردة بن نيار خال البراء بن عازب شاته قبل الصلاة قال: «هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَدَّقَهُ» ، والمراد أن النبي ﷺ قال: لا تجزئ.
قوله: «قَالَ: وعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ» يعني بالجذعة: التي لم تكمل سنة من الماعز، ولا يجزئ منها إلا ما أكمل سنة.
قوله: «فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ» هذا شك من الراوي، والحديث الذي بعده والأحاديث الأخرى دالة على أن الرخصة خاصة به، وأنها ليست لمن سواه.
المتن:
الشرح:
955 قول أبي بردة: «فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً» العناق: هي السخلة التي لم تبلغ سنة، والجذعة: ما بلغت سنة، قال: «هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ» لأنها سمينة كثيرة اللحم.
قوله: «أَفَتَجْزِي عَنِّي قَالَ: نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ هذه هي الخصوصية، فالشريعة عامة إلا إذا دل الدليل على التخصيص، وهذا صريح في التخصيص، فلا تجزئ الجذعة من الماعز لأحد غير أبي بردة بهذا النص.
والحديث صريح في أن ذبح الأضحية يكون بعد الصلاة، وأن من ذبح قبل الصلاة لا يجزئه.
وفيه: دليل على تخصيص أبي بردة بن نيار بإجزاء العناق في الأضحية.
وفيه: دليل على أنه لا بد أن تكون الأضحية مسنة، وهي من المعز ما له سنة، أما الضأن فإنه يجزئ منه الجذعة، ومن الإبل ما له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان.
المتن:
باب الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ
956 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَْضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ: قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ.
الشرح:
956 قوله: «كُانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَْضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ» فيه: أن خطبة العيد تشتمل على وعظ وإرشاد، والثابت عن النبي ﷺ أنه خطب في العيد خطبة واحدة لا خطبتين، وأما الحديث الذي فيه خطبتان[(876)] فهو حديث ضعيف لا يحتج به، والحجة في ذلك هو فعل النبي ﷺ وفعل الصحابة والسلف جيلاً بعد جيل وعصرًا بعد عصر، والصحابة أعلم الناس بالسنة.
قوله: «فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا» يعني: يخرج جيشًا.
قوله: «قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ» يعني: يفعلون مثل ما يفعل النبي ﷺ يخطبون بدون منبر.
قوله: «حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ» يعني: وضعه كثير لمروان في المصلى، فقال أبو سعيد: «فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي» يعني: أراد أن يمنعه حتى لا يرتقي المنبر، لكن مروان تركه فصعد وخطب، فأنكر عليه أبو سعيد .
قوله: «إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ» إذن فمروان غيَّر أمرين:
الأول: أنه وُضع له منبر ولم يكن هناك منبر.
الثاني: قدم الخطبة على الصلاة فأنكر عليه أبو سعيد، وفي رواية أخرى لمسلم: «فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة» [(877)] وأراد من فعله هذا أن يحبس الناس حتى يسمعهم الخطبة قبل الصلاة؛ لأنهم لا يستطيعون الانصراف قبل الصلاة وقال: «إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ» ، فأنكر عليه أبو سعيد.
وفيه: دليل على إنكار العالم للمنكر على الأمير وغيره باليد مع القدرة، ثم باللسان، ثم بالقلب، وهذا إذا لم يكن يخشى الفتنة، وأبو سعيد صحابي جليل استطاع أن ينكر على مروان باليد لأنه جبذه، وباللسان أيضًا فقال: «غيرتم والله».
فإنكار المنكر واجب، لكن هذا إذا لم يترتب على إنكاره باليد أو اللسان مفسدة أو منكر أعظم، فإن خشي أن يترتب عليه مفسدة أكبر يكون الإنكار بالقلب؛ لقول النبي ﷺ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ [(878)] وهذا بشرط أن تكون المفسدة متحققة ولا تكون مفسدة متوهمة.
وفيه أيضًا: أن السنة في خطبة العيد أن تكون بعد الصلاة، وهذا خاص بصلاة العيد، وقد جاء ما يدل على تقديم الخطبة على الصلاة أو تأخيرها بعد الصلاة في غيرها، كما في صلاة الاستسقاء ففيها الأمران، لكن لا يجوز هذا في صلاة العيد.
وفيه: أن النبي ﷺ خرج للمصلى وصلى بغير منبر؛ لأنه يصلي في الصحراء، بخلاف صلاة الجمعة في المدينة في مسجده ﷺ، فإنه وضع له منبر.
قال العلماء: الحكمة في ذلك أنه في الصحراء يكون بارزًا للناس فيراهم ويرونه كلهم فلا يحتاج إلى منبر، أما في المسجد فإنه لا يكون بارزًا، فجيء بالمنبر حتى يرتفع ويراه الناس.
وفيه: أن السنة أن تصلى صلاة العيد في الصحراء، ولم يصلها النبي ﷺ في مسجده، مع أن الصلاة فيه بألف صلاة، بل كان يخرج إلى المصلى وهو موضع بالمدينة معروف قريب من المسجد.
المتن:
باب الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ
957 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي فِي الأَْضْحَى وَالْفِطْرِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلاَةِ.
958 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
الشرح:
957، 958، 959 في هذه الأحاديث التصريح بأن الصلاة قبل الخطبة، ففي الحديث الأول: «ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلاَةِ» ، وفي الحديث الثاني: «فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» ، وفي الحديث الثالث: إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ.
المتن:
959 قَالَ: وأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويِعَ لَهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ، إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ.
960 وأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلاَ يَوْمَ الأَْضْحَى.
الشرح:
960 قول ابن عباس وجابر : «لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلاَ يَوْمَ الأَْضْحَى» فيه: أن السنة في صلاة العيد أنها بلا أذان ولا إقامة ولا نداء، فلا يؤذن ولا يقام لها، ولا ينادى بقول: صلاة العيد أثابكم الله، فكل هذا لا أصل له، والنداء إنما يشرع في صلاة الكسوف فيقال: الصلاة جامعة، وكذا التكبير الجماعي في العيدين فإنه بدعة، والسنة أن يكبر كل شخص على حدة.
المتن:
الشرح:
961 قوله: «فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ» فيه: مشروعية توجيه الوعظ للنساء بعد صلاة العيد، وإفرادهن بموعظة، أما الآن فيكفي مكبر الصوت، فإذا كن يسمعن مكبر الصوت حصل المقصود فلا حاجة إلى تخصيصهن بموعظة لكن يخصصهن في نفس الخطبة فيقول: أيتها النساء اتقين الله. يوجههن في نفس الخطبة ولا يخصهن بخطبة بعد الصلاة إنما كان ذلك على عهد النبي ﷺ لتعذر سماع النساء، أما الآن فيسمعن بمكبر الصوت من بعيد.
قوله: «يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً» فيه: دليل على جواز عطية المرأة بغير إذن زوجها إذا كانت رشيدة؛ لأن النبي ﷺ حثهن على الصدقة وكانت النساء يتصدقن ويلقين في ثوب بلال، وأما حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: لا يجوز للمرأة عطية إلا بإذن زوجها [(879)] فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، أو محمول على عطية المرأة من مال زوجها؛ لأنه ليس لها أن تعطي من مال زوجها إلا بإذنه.
المتن:
باب الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ
962 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
الشرح:
962، 963 ذكر البخاري رحمه الله فعل أبي بكر وعمر وعثمان في كونهم يصلون قبل الخطبة مع أن فعل النبي ﷺ في ذلك كاف وحده.
وفيه: دليل على ثبوت هذا الحكم وأنه مستمر ولم ينسخ، فقد فعله الخلفاء الثلاثة، وإنما الذي غير مروان بن الحكم فقدم الخطبة على الصلاة فأنكر عليه أبو سعيد.
المتن:
963 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
964 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا.
الشرح:
964 قوله: «لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا» فيه: أن صلاة العيد ليس لها نوافل قبلها ولا بعدها.
قوله: «فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ» فيه: حث النساء على الصدقة، وجواز تصدق المرأة بغير إذن زوجها كأن تلقي «خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا» ، والخرص: ما يكون في الأذن، والسخاب: القلادة، فكانت بعضهن تلقي ما في أصابعها من الخواتم، وبعضهن تلقي الخرص الذي في أذنيها لتتصدق به.
المتن:
الشرح:
965 حديث البراء في هذا الباب صريح في أن الأضحية إنما تكون بعد الصلاة، وأن من ذبحها قبل الصلاة فلا تجزئه، وصريح في أن إجزاء الجذعة خاص بأبي بردة، ومن عداه فلا يجزئه إلا المسنة من المعز وهي ما كان لها سنة.
المتن:
باب مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلاَحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلاَّ أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا.
966 حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي قَالَ: وكَيْفَ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الْحَرَمَ وَلَمْ يَكُنْ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلاَحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ» هذه الترجمة معقودة لبيان النهي عن حمل السلاح في الحرم المكي خاصة، والحكمة في النهي ـ والله أعلم ـ أن الحرم مكان اجتماع الناس في الموسم كالحج وغيره، فربما أصاب السلاح أحدًا لاسيما عند المزاحمة والمسالك الضيقة، فنهي عن حمله إلا لضرورة كخوف من عدو.
قوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلاَّ أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا» قال العلماء: يستثنى من هذا النهي عن حمل السلاح ما إذا خيف عدو كما قال الحسن. وأما حمل السلاح الخفيف في العيد في غير الحرم كالحراب والدرق والسيوف للعب بها والتدرب للجهاد ـ كما لعب السودان في مسجد النبي ﷺ ـ فهذا لا بأس به، وإنما النهي عن هذا في الحرم المكي.
966 قوله: «أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ» قد ورد ما يدل على أن الذي أصابه كان من حاشية الحجاج، صلى بالسلاح بجواره وجعل يحكه حتى أصاب أخمص قدمه.
قوله: «لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي قَالَ: وكَيْفَ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الْحَرَمَ وَلَمْ يَكُنْ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ» ولعل الحجاج حمل السلاح هو وجنده لأنه كان حديث عهد بقتال ابن الزبير.
والحجاج هو ابن يوسف الثقفي أمير من أمراء المسلمين، كان ظالمًا فاسقًا أسرف في القتل، لكنه كان مسلمًا موحدًا، له حسنات وله سيئات كغيره من المسلمين، ومن حسناته: أنه قاتل الخوارج وأخضعهم، ومنها: أنه شكل المصحف ونقطه، وصلى خلفه من الصحابة أنس بن مالك وغيره.
وقيل: إنه لما قَتَلَ سعيد بن جبير رؤي الحجاج في النوم بعد موته، فسئل عن حال نفسه، فقال: قتلني بكل قتيل قَتَلته قتلة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة، وأنا بعد ذلك أرجو ما يرجو الموحدون[(880)].
المتن:
الشرح:
967 الحديث فيه: أن من دخل المسجد ومعه سلاح فليمسك عليه حتى لا يصيب أحدًا من المسلمين، وكذلك من كان معه حديدة ونحوها ودخل في أسواق ضيقة فليمسك عليها حتى لا تصيب أحدًا من الناس.
المتن:
باب التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ.
الشرح:
قوله: «إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ» المراد: حين وقت صلاة السبحة وهي النافلة وذلك بعد ارتفاع الشمس، وفيه التبكير للعيد، وأن صلاة العيد تصلى في أول وقتها في أول النهار.
المتن:
الشرح: