المتن:
باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالأَْيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالأَْيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» قول ابن عباس هذا هو الصواب، فالأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.
وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
الشرح:
قوله: «يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا» هذا في أيام العشر، وكذلك أيام التشريق تقاس عليها في التكبير، والجامع بينهما ما يقع فيها من أعمال الحج، فكما كانوا يكبرون في أيام العشر فكذلك يكون التكبير في أيام التشريق.
قوله: «وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ» هو: أبو جعفر الباقر.
قوله: «خَلْفَ النَّافِلَةِ» يعني: خلف صلاة النافلة.
المتن:
الشرح:
969 قوله: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ وقع في رواية كريمة، عن الكشميهني بلفظ: «ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه» ، وهي رواية شاذة مخالفة لرواية أبي ذر الهروي.
والمراد بالأيام العشر في الحديث عشر ذي الحجة، لكنه مشكل على ترجمة البخاري.
ويمكن أن يجاب عن مناسبة الحديث للترجمة بأجوبة:
أحدها: أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر، وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث، فتثبت بذلك الفضيلة لأيام التشريق.
الثاني: لاشتراكهما في وقوع أعمال الحج.
وعلق الحافظ ابن حجر رحمه الله على رواية كريمة، عن الكشميهني قائلاً: «وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق، وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري، وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة، فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق، وفسر العمل بالتكبير؛ لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط. وقال ابن أبي جمرة: الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيرها. قال: ولا يعكر على هذا كونها أيام عيد كما تقدم من حديث عائشة، ولا ما صح من قوله ﷺ: أنها أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ [(881)] كما رواه مسلم؛ لأن ذلك لا يمنع العمل فيها، بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى، ولم يمنع فيها منها إلا الصيام.
قال: وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم مَنَّ عليه بالفداء فثبت لها الفضل بذلك. اهـ.
وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه، والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر ـ وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة ـ بلفظ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذَا الْعَشْرِ، وكذا أخرجه أحمد[(882)] وغيره عن غندر، عن شعبة بالإسناد المذكور، ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» عن شعبة فقال: فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ [(883)] وكذا رواه الدارمي[(884)] عن سعيد بن الربيع عن شعبة، ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ [(885)]، يعني: أيام العشر .
فتبين مما سرده الحافظ ابن حجر رحمه الله من روايات أن المراد بأيام العشر: العشر من ذي الحجة.
المتن:
التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ
وَكَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَْسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا.
الشرح:
قوله: «يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى» يعني: في الحج.
قوله: «فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ» المراد بالمسجد: المكان الذي يصلون فيه، وهو مكان المسجد الآن، وكل مكان يصلى فيه فهو مسجد.
المتن:
الشرح:
قوله: «فُسْطَاطِهِ» يعني: خيمته، وفيه مشروعية التكبير في هذه الأيام، في منى وفي غيرها.
المتن:
الشرح:
قوله: «وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ» وقع في غير رواية أبي ذر: «وكن النساء»، وهذه لغة قليلة تسمى لغة: أكلوني البراغيث، جمع فيها بين الظاهر والمضمر.
المتن:
الشرح:
970 قوله: «كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ» فيه: دليل على جواز التكبير والتلبية للمحرم، فكل هذا مشروع، لكن الأفضل التلبية؛ لأن النبي ﷺ كان يسمع المكبر والملبي فلا ينكر على أحدهما، إلا أنه ﷺ كان يلزم التلبية، وعليه فالتلبية أفضل.
المتن:
الشرح:
971 قوله: «كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا» ذهب جمهور العلماء إلى أن الخروج إلى العيد سنة، وخالفهم في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(886)] فقال بالوجوب، وهو قول قوي لحديث أم عطية هذا: «كُنَّا نُؤْمَرُ» ، والأصل في الأمر الوجوب، وكونه يأمر النساء حتى البكر في خدرها والعواتق والحيض هذا دليل على الوجوب.
المتن:
باب الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ
972 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي.
الشرح:
972 قوله: «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي» فيه: مشروعية السترة أمام المصلي، سواء في صلاة العيد أو في غيرها من الصلوات.
المتن:
باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ أَوْ الْحَرْبَةِ بَيْنَ يَدَيْ الإِْمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ
973 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا
الشرح:
973 فيه: دليل على أنه لا بأس بحمل العنزة أو الحربة ليصلَّى إليها، وكذا تحمل للإنسان كالإمام؛ ليجعلها أمامه في العيد وغيره.
المتن:
باب خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالْحُيَّضِ إِلَى الْمُصَلَّى
974 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: اُمِرْنا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ.
وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ: أَوْ قَالَتْ: الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى.
الشرح:
974 قولها: «اُمِرْنا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ» فيه: الأمر بإخراج النساء لصلاة العيد، وقد اختلف العلماء في صلاة العيد على ثلاثة أقوال، هل هي فرض عين، أو فرض كفاية، أو سنة؟
وأرجحها: أنها فرض عين على الرجال؛ لأنها فرض العام، تجب في العام مرتين، وأما الصلوات الخمس ففرض يومي.
وقال آخرون: إنها فرض كفاية، فإذا صلى بعض الناس سقط الإثم عن الباقين.
والمشهور عن الجمهور أنها سنة.
فأما النساء فإن صلاة العيد سنة في حقهن عند جمهور العلماء، وقال شيخ الإسلام: «ولو قيل إنها فرض عين على النساء لما كان بعيدًا» [(887)]؛ لهذا الحديث، وهو قول أم عطية: «اُمِرْنا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ» ، والأمر فيه للوجوب، والقول بأنها فرض عين قول قوي.
المتن:
خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى الْمُصَلَّى
975 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ.
الشرح:
975 في الحديث: الحديث يدل على مشروعية خروج الصبيان لصلاة العيد، فكما يخرج الصبي ليصلي صلاة الجماعة يخرج أيضًا لصلاة العيد.
المتن:
باب اسْتِقْبَالِ الإِْمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَامَ النَّبِيُّ ﷺ مُقَابِلَ النَّاسِ.
976 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لأَِهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ: اذْبَحْهَا وَلاَ تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ.
الشرح:
976 الحديث كرره المؤلف رحمه الله هنا لاستنباط الأحكام.
والشاهد منه: قوله: «أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» ؛ ففيه: استحباب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد وغيره.
المتن:
باب الْعَلَمِ الَّذِي بِالْمُصَلَّى
977 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ.
الشرح:
977 قوله: «حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ» العلم هذا للتعريف بمكان المصلى، ولم يكن على عهد النبي ﷺ، وإنما أحدث بعد وفاة النبي ﷺ، والمراد التعريف بالمكان الذي صلى فيه النبي ﷺ وأنه الذي فيه العلم في ذلك الوقت في عهد ابن عباس.
وفيه: استحباب صلاة العيد في الصحراء.
وفيه: جواز تصرف المرأة الرشيدة في مالها بدون إذن زوجها؛ ولهذا تصدق النساء، فكن يقذفن في ثوب بلال الصدقة من حليهن.
المتن:
باب مَوْعِظَةِ الإِْمَامِ النِّسَاءَ يَوْمَ الْعِيدِ
978 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ.
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ تُلْقِي فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ قُلْتُ: أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِْمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَهُ.
الشرح:
978 قوله: «فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ» هذا إذا لم يسمعن خطبة العيد، فإن سمعنها من مكبر الصوت فقد حصل المقصود.
المتن:
979 قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: شَهِدْتُ الْفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يُخْطَبُ بَعْدُ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلاَلٌ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ [المُمتَحنَة: 12] الآْيَةَ ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ: لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا نَعَمْ لاَ يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ قَالَ: فَتَصَدَّقْنَ فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ لَكُنَّ فِدَاءٌ أَبِي وَأُمِّي فَيُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: الْفَتَخُ الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
الشرح:
979 قوله: «حِينَ يُجَلِّسُ بِيَدِهِ» يعني: لما أراد أن يذهب إلى النساء، فكأن بعض الناس قام لينصرف، فأشار إليهم بيده أن يجلسوا.
وفيه: أن الصلاة تكون قبل الخطبة، وهذا ما كان عليه عمل الخلفاء. وفيه جواز صدقة المرأة بدون إذن زوجها.
المتن:
باب إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي الْعِيدِ
980 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي الْكَلْمَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ فَقَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي وَقَلَّمَا ذَكَرَتْ النَّبِيَّ ﷺ إِلاَّ قَالَتْ: بِأَبِي قَالَ: لِيَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ قَالَ: الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ شَكَّ أَيُّوبُ وَالْحُيَّضُ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: الْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا.
الشرح:
قوله: «فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ فَقَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا الجلباب يشبه العباءة، وكون المرأتين تأتيان في جلباب واحد يدل على تأكيد حضور النساء العيد، مع مراعاة الآداب الإسلامية من الحجاب والحشمة وعدم الاختلاط بالرجال.
المتن:
باب اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ الْمُصَلَّى
981 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ: أُمُّ عَطِيَّةَ أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الْحُيَّضَ وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَوْ الْعَوَاتِقَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلاَّهُمْ.
الشرح:
981 قوله: «الْعَوَاتِقَ» العاتق: هي البكر البالغ التي لم تتزوج.
وقوله: «ذَوَاتِ الْخُدُورِ» : الأبكار المخبآت في البيوت.
وفيه: على تأكيد حضور صلاة العيد، وأنه لما أمر العواتق وذوات الخدور بالخروج للعيد دل على تأكيد الأمر.
المتن:
باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُصَلَّى
982 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِالْمُصَلَّى.
الشرح:
982 قوله: «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِالْمُصَلَّى» كانت الصلاة في صحراء قريبة من البلد، فكان النبي ﷺ يذبح وينحر بالمصلى ثم يقتدي به الناس؛ ولهذا قال بعض العلماء: لا ينحر الناس حتى ينحر الإمام، فيصلي ثم ينحر، ثم ينحر الناس بعده.
980 قوله: «فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي الْكَلْمَى» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي هذا الحديث من الفوائد جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلاً والمعالجة بغير مباشرة، إلا إن احتيج إليها عند أمن الفتنة».
والكلمى: الجرحى، وهذا في حالة الحرب، كانت النساء يداوين الجرحى ويسقينهم، ومعروف أن الجريح يكون مشغولاً بألم الجراح التي أصابته، وهذا إذا كان للضرورة فلا بأس به عند أمن الفتنة، فأما في حالة السعة وحصول الفتنة فلا يجوز للمرأة أن تداوي الرجال وتخالطهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه، وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة، ومشروعية عارية الثياب، واستدل به على وجوب صلاة العيد، وفيه نظر؛ لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف، فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع، ولتعم الجميع البركة، والله أعلم.
وفيه: استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين، سواء كن شواب أم لا، وذوات هيئات أم لا».
ولا شك في الاستحباب، والقول بالوجوب له وجه كما قدمنا.
المتن:
باب كَلاَمِ الإِْمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَإِذَا سُئِلَ الإِْمَامُ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَخْطُبُ
983 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَْحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي قَالَ: نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ.
الشرح:
قوله: «بَاب كَلاَمِ الإِْمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ، وَإِذَا سُئِلَ الإِْمَامُ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَخْطُبُ» هذه الترجمة فيها بيان حكم شرعي، وهو جواز كلام الإمام والناس في خطبة العيد، وأما في خطبة الجمعة فيجوز للإمام أن يكلم أحدًا من الناس، ويجوز للمأموم أن يكلم الإمام، أما أن يتكلم المأموم مع المأموم فهذا ممنوع؛ لقول النبي ﷺ: من قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له [(888)] وأما خطبة العيد فليس حكمها حكم خطبة الجمعة.
983 قوله: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ المراد: أصاب السنة وأصاب النسك المشروع، وهو الأضحية.
قوله: وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ أي: لحم كسائر اللحم المباح، ولكنه لم يصب السنة، ولم يؤد الأضحية. وفيه دليل على أن الأضحية لا تكون إلا بعد الصلاة، وأن من ذبح قبل الصلاة لا تجزئه، وتكون شاته شاة لحم.
قوله: «فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ» ثم بين السبب في مبادرته للذبح قبل الصلاة، فقال: «وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ، وهذا صريح في أن من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ولا تجزئ عنه.
قوله: «قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ» عناقًا جذعة، يعني: من المعز، وهي التي لم تبلغ السن، ومعلوم أن المعز لا يجزئ منها إلا ما تم له سنة، وأما الضأن فيجزئ منه الجذعة، وهي ما تم لها ستة أشهر. وقول أبي بردة: «هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ» أي: خير من شاتين، وكأنها فيها لحم كثير؛ فلذلك صارت خيرًا من شاتي لحم.
قوله: وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ فيه: دليل على الخصوصية، وأن إجزاء ذبح العناق وهي التي لم تبلغ السن خاص بأبي بردة.
ووجه الدلالة: قوله: «فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» ، وهذا كان والنبي ﷺ يخطب، ففيه جواز مكالمة الإمام في خطبة العيد، وكذا في خطبة الجمعة، فالمأموم له أن يكلم الإمام في خطبة الجمعة والعيد، وله أن يتكلم إذا كلمه الإمام، كأن يسأله الإمام عن شيء فيجيب؛ ولهذا تكلم أبو بردة بن نيار لما خطب النبي ﷺ وبين أن الأضحية لا تجزئ قبل الصلاة، فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ» .
وفيه: مشروعية الخطبة لصلاة العيد، وأن الخطبة تكون بعد الصلاة، بخلاف صلاة الجمعة فإن الخطبة فيها مقدمة على الصلاة.
وفيه: دليل على أن الشريعة عامة للأمة كلها في جميع الأحكام، إلا ما دل دليل على تخصيصه، فلا يقال على شيء من الشريعة إنه خاص إلا بدليل، ولما كان هذا خاصًّا بأبي بردة بين له النبي ﷺ، فقال: نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ فدل على الخصوصية.
وفيه: رد على من قال: إن الحديث ليس فيه دليل الخصوصية؛ لأنه بذلك يكون قد صادم النص، فنص النبي ﷺ صريح لا إشكال فيه: نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ، فإن لَنْ أداة نفي ونصب واستقبال، يعني: وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ في المستقبل.
المتن:
الشرح:
984 قوله: «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِيرَانٌ لِي إِمَّا قَالَ: بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَإِمَّا قَالَ: فَقْرٌ» فيه: بيان السبب الحامل له على المبادرة بالذبح قبل الصلاة، وهو أنه كان له جيران بهم خصاصة، وقوله: «وَإِمَّا قَالَ: فَقْرٌ» شك من الراوي، وهو من باب الاحتياط في الألفاظ، والمعنى واحد فإن الخصاصة هي الفقر، فرخص له النبي ﷺ في أن يذبح مكانها عناقًا جذعة.
المتن:
الشرح:
985 قوله: «صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ فيه: بيان أن صلاة العيد مقدمة على الخطبة، ثم بعد الخطبة الذبح، وفيه مشروعية ذبح الإمام في المصلى؛ حتى يقتدي به الناس فيذبحون بعده، والمصلى يكون في الصحراء قريبًا من البلد، والذبح يكون قريبًا من المصلى، وليس في نفس المكان الذي يصلى فيه.
قوله: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ قيدها بالصلاة لا بالخطبة، فدل على أن الذبح بعد الصلاة وقبل الخطبة يجزئ، لكن الأكمل أن يكون بعد الخطبة، وفي البوادي التي ليس فيها صلاة عيد ولا جمعة يذبحون إذا مضى بعد طلوع الشمس مقدار صلاة العيد والخطبة.
وذهب الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله إلى أنه لا يستدل بهذا الحديث على جواز الكلام في الخطبة فقال: «في الاستدلال بهذا الحديث على الكلام في خطبة العيد نظر لوجهين:
أحدهما: أنه ليس فيه التصريح بأن ذلك كان في الخطبة، فيحتمل أنه قاله قبلها أو بعدها، وقد وقع في رواية لمسلم في «صحيحه» من هذا الحديث ما يدل على أنه قاله قبل الخطبة، فإنه قال: «فلم يعد أن صلى وفرغ من صلاته سلم، فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: مَنْ كَانَ ذَبَحَ... [(889)] إلى آخره».
وقوله: «وفرغ من صلاته» لا يدل على أنه انتهى من الخطبة، فإنه لم يقل: فرغ من صلاته وخطبته، ولذا فهم البخاري أنه كلّمه في الخطبة، وبوب على ذلك، وفهمه أدق.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: « والثاني: أن هذا لم يكن خطابًا لأحد معين، ولا في الحديث أن أحدًا قام إليه فخاطبه، كما في حديث البراء وحديث أنس المتقدمين».
فيه: أنه قام إليه أبو بردة، ونصه: «فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» ، والأقرب أن النبي ﷺ بين ذلك في خطبة العيد، فإنه قام وخطب وبين للناس الأحكام، وقال: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ، فهذه خطبة، وقد فهم البخاري ذلك، وفهمه أدق.
وفيه: بيان أن الإمام إذا سئل عن شيء وهو يخطب فإنه يجيب، فأبو بردة سأل النبي ﷺ وهو الإمام فأجابه، وأما غير الإمام وغير المأموم الذي يكلمه الإمام فيستحب لهما أن ينصتا ويستمعا لخطبة العيد، ويجب عليهما الإنصات لخطبة الجمعة.
المتن:
مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ الْعِيدِ
986 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.
تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ.
الشرح:
986 في الحديث: مشروعية مخالفة الطريق في يوم العيد، وهو أن يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر، وكذا يشرع في العبادات كلها، كالحج والصلاة يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر.
قال العلماء: الحكمة في ذلك أنه ﷺ في ذهابه من طريق وإيابه من طريق آخر لعله يجد سائلين في كلا الطريقين فيقضي حوائجهم.
وقيل: ليسلم على أهل الطريقين.
وقيل: يخالف الطريق لإغاظة المنافقين.
وقيل: لأن البقاع تشهد له.
ولا مانع من أن تكون هذه الأمور كلها مرادة.
المتن:
باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِْسْلاَمِ.
وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِْمَامُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
987 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ وَالنَّبِيُّ ﷺ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ الأَْيَّامُ أَيَّامُ مِنًى.
988 وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ يَعْنِي مِنْ الأَْمْنِ.
الشرح:
قوله: «بَاب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» في هذه الترجمة جزم المؤلف بالحكم؛ وذلك لقوة الدليل عنده، فأثبت في هذه الترجمة حكمًا، وهو أن المسلم إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام يصلي ركعتين على صفتها يصليها وحده إن كان منفردًا، وإن كان مع جماعة صلوا جماعة.
وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو الصواب، ولأهل العلم في هذه المسألة أقوال:
فقال بعضهم: إذا فاتت صلاة العيد لا تُقضى.
وقال آخرون: إذا فاتته مع الإمام صلى أربع ركعات.
وقال آخرون: إذا فاتته مع الإمام فصلى وحده فأربع ركعات، وإن صلى في جماعة فصلاته ركعتان.
والصواب: ما ذهب إليه المؤلف، وهو أنه إذا فاتته صلاة العيد صلى ركعتين على صفتها، سواء كان وحده أم مع الجماعة.
قوله: «وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى» المشروع أن تخرج النساء وتصلي مع الناس، كما قالت أم عطية: «أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور يشهدن الخير» [(891)] ويُؤَمِّن على الدعاء، فالسنة للنساء أن يخرجن؛ ولهذا استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأمر النبي ﷺ بإخراج العواتق وذوات الخدور على وجوب صلاة العيد[(892)]، وعلى فرضيتها، وفي الحديث: أن امرأة قالت: يا رسول الله المرأة ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين [(893)] فهذا يدل على التأكيد، ويدل على فرضيتها، وكأن المؤلف رحمه الله لا يرى الفرضية؛ ولهذا قال: «وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى» أي: يصلون ركعتين، فالمرأة إذا لم تخرج تصلي ركعتين في البيت، وكذلك أهل القرى وأهل المزارع والبوادي كلهم يصلون ركعتين؛ لقول النبي ﷺ: هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِْسْلاَمِ.
قوله: «بِالزَّاوِيَةِ» هو: موضع على فرسخين من البصرة.
قوله: «فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ» المراد: بأهل المصر: أهل البلد، فأمر أنس وهم خارج مدينة البصرة فجمع أهله وبنيه وصلى كصلاة أهل المصر ركعتين بالتكبير.
قوله: «وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِْمَامُ» أهل السواد يعني: أهل المزارع والبوادي، يجتمعون ويصلون ركعتين كما يصنع الإمام.
قوله: «وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» فهذا الأثر وغيره من الآثار التي سبقت استدل بها المؤلف رحمه الله على أن صلاة العيد إذا فاتت تصلَّى ركعتين على صفتها.
987 قولها: «تُدَفِّفَانِ» أي: تضربان بالدف.
وفيه: دليل على جواز اللعب والضرب بالدف للجواري الصغار أيام العيد.
قولها: «وَالنَّبِيُّ ﷺ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ» أي: مغطى بثوبه.
قولها: «فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ» في رواية: «فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله ﷺ» [(894)].
قولها: «فَكَشَفَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ فيه: دليل على الجواز؛ لأن النبي ﷺ أقر هاتين الجاريتين فدل على أنه لا بأس بذلك، وفي رواية قال: لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدٌ وَهَذَا عِيدُنَا [(895)].
988 قوله: «وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ» فيه: جواز اللعب بالحراب والدرق والسيوف في المسجد إذا كان فيه رحبة وفيه سعة؛ لما فيه من التدرب على الحرب والجهاد؛ لأن النبي ﷺ أقر الحبشة على اللعب.
وفيه: دليل على جواز نظر المرأة إلى عموم الرجال وهم يلعبون بالحراب أو يصلون؛ لأن عائشة كانت تنظر إليهم والنبي ﷺ يسترها، وفي اللفظ الآخر: «خدي على خده» ـ أي: جعلت تنظر إليهم، ووجهها من قبل كتفه، حتى صار خدها مقابلاً لخد النبي ﷺ ـ قالت: حتى إذا مللت، قال: حَسْبُكِ؟ قالت: نعم، قال: فَاذْهَبِي [(896)].
قوله: «فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ يَعْنِي مِنْ الأَْمْنِ» يعني: اتركهم، حيث إنا أمناهم أمنًا، وهو مشتق من الأمن، لا من الأمان الذي للكفار.
قولها: «وَتِلْكَ الأَْيَّامُ أَيَّامُ مِنًى» هذا هو محل الشاهد من الحديث، فالبخاري رحمه الله يستدل أحيانًا في الترجمة بما ورد في الطرق الأخرى من الحديث، وقد ورد في رواية أخرى: أنها تصلى ركعتين، فالمؤلف استدل بمثل هذا وبقوله: فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ قالت عائشة رضي الله عنها: «وَتِلْكَ الأَْيَّامُ أَيَّامُ مِنًى» ، والنبي ﷺ صلى العيد ركعتين، والأصل أنها إذا فاتت تقضى على حالها، وإن لم يقع التصريح في هذه الرواية بأنه صلى ركعتين، فقد وقع في الرواية الأخرى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ» ، أي: مع الإمام «يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» ، في هذه الترجمة حكمان: مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تُقضى ركعتين كأصلها، وخالف في الأول جماعة منهم المزني فقال: لا تقضى، وفي الثانى الثوري وأحمد قالا: إن صلاها وحده صلى أربعًا، ولهما في ذلك سلف، قال ابن مسعود : «من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعًا»، أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح، وقال إسحاق: إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا فأربعًا، قال الزين ابن المنير: كأنهم قاسوها على الجمعة، لكن الفرق ظاهر؛ لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد، انتهى. وقال أبو حنيفة: يتخير بين القضاء والترك، وبين الثنتين والأربع، وأورد البخاري في هذا الباب حديث عائشة في قصة الجاريتين المغنيتين، وأشكلت مطابقته للترجمة على جماعة، وأجاب ابن المنير بأن ذلك يؤخذ من قوله ﷺ: فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، فأضاف نسبة العيد إلى اليوم، فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال».
فالترجمة مأخوذة من قوله ﷺ في الحديث: فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن رشيد: وتتمته أن يقال: فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، أي: لأهل الإسلام، بدليل قوله في الحديث الآخر: عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ [(890)]؛ ولهذا ذكره البخاري في صدر الباب، وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفرادًا وجمعًا، وهذا يستفاد منه الحكم الثاني لا مشروعية القضاء.
قال: والذي يظهر لي أنه أخذ مشروعية القضاء من قوله: فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. أي: أيام منى، فلما سماها أيام عيد كانت محلًّا لأداء هذه الصلاة؛ لأنها شرعت ليوم العيد، فيستفاد من ذلك أنها تقع أداء، وأن لوقت الأداء آخرًا وهو آخر أيام منى.
قال: ووجدت بخط أبي القاسم بن الورد: لما سوغ ﷺ للنساء راحة العيد المباحة كان آكد أن يندبهن إلى صلاته في بيوتهن قوله في الترجمة: «وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ» مع قوله في الحديث: دَعْهُمَا، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.
والخلاف في هذه المسألة مشهور، لكن الصواب ما ذهب إليه المؤلف، أن من فاتته صلاة العيد فإنه يقضيها ركعتين، سواء صلاها وحده أو صلاها مع جماعة، وسواء كان من أهل البوادي، أو من أهل القرى، أو من أهل البساتين أو في المدن، فإذا فات وقتها ولم يعلموا إلا بعد الظهر صلوها من الغد، أما إذا علموا من أول النهار صلوها.
قوله: هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِْسْلاَمِ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «ووجه الاستدلال به على ما بوب عليه البخاري: أن النبي ﷺ جعل العيد عامًّا لأهل الإسلام كلهم، فدل على أنهم يشتركون فيما يشرع فيه جميعهم، رجالهم ونساؤهم، أهل أمصارهم وأهل قراهم، فتكون صلاة العيد مشروعة لجميعهم من غير تخصيص لأحد منهم.
والمنازع في ذلك قد يقول: أنا لا أمنع ذلك، ولا أن يشهد العيد جميع المسلمين إذا صلاها الإمام أو نائبه في المصلى، فأما الانفراد بصلاتها لآحاد الناس في بيوتهم فهذا لم ينقل عن أحد من السلف فعله، ولو كان مشروعًا لما تركوه، ولو فعلوه لنقل».
كيف لم ينقل عن السلف وقد ذكر المؤلف عن أنس أنه أمر مولاه وجمع أهله وبنيه ـ وهو من السلف، صحابي جليل ـ وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم، وكذلك نقل عن عكرمة، وعطاء؟!
قوله: «وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ» يعني: عبدالله بن أبي عتبة مولى أنس .
المتن:
باب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا
وَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى: سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْعِيدِ.
989 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا وَمَعَهُ بِلاَلٌ.
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا» هذه الترجمة معقودة لبيان هل يصلَّى قبل العيد أو بعدها أم لا؟
989 قوله: «خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا» في الحديث دليل على أن صلاة العيد ركعتان، وأنه لا يُصلى قبلها ولا بعدها، لكن إن كانت صلاة العيد في المسجد فإنه يُصلَّى ركعتان تحية المسجد عند دخول المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة أن النبي ﷺ قال: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ [(897)]، أما إذا كانت الصلاة في الصحراء فإنه لا يصلَّى قبلها ولا بعدها، ويؤيد هذا حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ لم يصل قبلها ولا بعدها في عيد»[(898)].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا» أورد فيه أثر ابن عباس رضي الله عنهما أنه كره الصلاة قبل العيد وحديثه المرفوع في ترك الصلاة قبلها وبعدها، ولم يجزم بحكم ذلك؛ لأن الأثر يحتمل أن يراد به منع التنفل أو نفي الراتبة، وعلى المنع فهل هو لكونه وقت كراهة أو لأعم من ذلك؟ ويؤيد الأول الاقتصار على القبلية، وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة، فيحتمل اختصاصه بالإمام دون المأموم، أو بالمصلى دون البيت».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد اختلف السلف في جميع ذلك، فذكر ابن المنذر عن أحمد أنه قال: الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والمدنيون لا قبلها ولا بعدها».
ومراد الحافظ ابن حجر رحمه الله أن المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: يُصلَّى بعدها.
الثاني: يُصلَّى قبلها.
الثالث: لا يُصلَّى قبلها ولا بعدها. وهذا هو الصواب، وهو اختيار البخاري رحمه الله.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية، وبالثاني قال الحسن البصري وجماعة، وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد، وأما مالك فمنعه في المصلى».
يعني: في مصلى العيد، لكن إذا ذهب إلى البيت لا مانع أن يصلي، فهذا قول الإمام مالك[(899)].
ثم قال الحافظ رحمه الله: «وعنه في المسجد روايتان».
يعني: عن الإمام مالك روايتان إذا كان في المسجد، قيل: يصلَّى، وقيل: لا يصلَّى[(900)].
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال الشافعي في «الأم» ونقله البيهقي عنه في «المعرفة» ـ بعد أن روى حديث ابن عباس حديث الباب ما نصه ـ: وهكذا يجب للإمام ألا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالف له في ذلك. ثم بسط الكلام في ذلك.
وقال الرافعي: يكره للإمام التنفل قبل العيد وبعدها، وقيده في البويطي بالمصلى، وجرى على ذلك الصيمري فقال: لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقًا إلا للإمام في موضع الصلاة.
وأما النووي في «شرح مسلم» فقال: قال الشافعي وجماعة من السلف: لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها. فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور، ويؤيد ما في البويطي حديث أبي سعيد : «أن النبي ﷺ كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» [(901)]، أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن، وقد صححه الحاكم، وبهذا قال إسحاق، ونقل بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى.
وقال ابن العربي: التنفل في المصلى لو فعل لنقل، ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رأى أن النبي ﷺ لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى، انتهى. والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها، خلافًا لمن قاسها على الجمعة».
وما قاله الحافظ رحمه الله هو الصواب أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة لا قبلها ولا بعدها، ويدل له حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه ﷺ لم يصل للعيد قبلها ولا بعدها» [(902)]، وإن صح كان فاصلاً في النزاع، ويؤيده حديث ابن عباس هذا «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا» وهذا فعله ﷺ.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص، إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام، والله أعلم».
أي: إن مطلق النفل ليس في جوازه إشكال، لكن لا يكون بعد الصلاة مباشرة، بل ينتظر شيئًا من الوقت. فمثلاً سنة الوضوء، إذا كان يصليها في مكانه في بيته يجوز.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وروى عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد : «أن النبي ﷺ كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» [(903)]، أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في «صحيحه» والحاكم، وقال: سنة عزيزة بإسناد صحيح. كذا قال، وابن عقيل مختلف فيه، وقالت طائفة: لا صلاة يوم العيد حتى تزول الشمس».