المتن:
(14) أَبَوَاب الْوِتْر
باب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ
990 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلاَم: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى.
الشرح:
990 قوله: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى المعنى: صلوا الليل مثنى مثنى، فهو خبر بمعنى الأمر، وهو نص في أن صلاة الليل يسلم فيها من كل ثنتين، ويستثنى من ذلك الوتر، فإنه يجوز أن يوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع بسلام واحد؛ لفعل النبي ﷺ، فيوتر بثلاث لا يجلس إلا في آخرها، ويوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها أيضًا، أما السبع فإنه يجوز أن يسردها ولا يجلس إلا في آخرها كالخمس، ويجوز أن يجلس في السادسة فيتشهد ثم يقوم إلى السابعة فيتشهد ويسلم كما جاء عن النبي ﷺ[(904)]، وأما التسع فإنه يجلس في الثامنة ويتشهد ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم، هذا إذا أراد الوتر.
قال بعضهم: أو بعشرة أيضًا هذا ذكره الفقهاء.
أما إذا لم ينو وترًا فيجب أن يسلم من كل ركعتين، فليس له أن يصلي أربع ركعات بسلام واحد، ولا ست ركعات بسلام واحد ولا ثماني ركعات بسلام واحد؛ لهذا الحديث: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى والأمر للوجوب.
أما صلاة النهار ففيها خلاف:
الجمهور يجيزون أن يصلي في النهار أربع ركعات بسلام واحد، ومنع من ذلك آخرون من أهل العلم، ومنشأ النزاع حديث عليٍّ البارقي: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى [(905)] رواه أحمد وأهل السنن، والجمهور من العلماء طعن في لفظة: وَالنَّهَارِ؛ فالنسائي عندما رواه في «سننه» بلفظ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قال: «هذا الحديث عندي خطأ» [(906)]؛ لأن عليًّا البارقي انفرد بها، وهو ثقة لكن خالف الثقات، فقالوا: إنها شاذة فلا يعمل بها؛ لأن مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه تعتبر شذوذًا.
ومن أولئك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد طعن فيها وذكر أن آخر الحديث يدل على عدم صحة هذه اللفظة، وهو قوله: فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ وهذا لا يناسب النهار، وإنما يناسب الليل فدل ذلك على خطئها[(907)].
ومن العلماء من صوب ثبوتها، وقال: إنها زيادة من الثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومنهم سماحة شيخنا: ابن باز رحمه الله فهو يرى ثبوت هذه اللفظة ويمنع من أن يُصلى في النهار أربع ركعات بسلام واحد.
فالذي ينبغي للمسلم حتى في النهار أن يسلم من كل ركعتين، لكن لو صلى أربع ركعات ما ينكر عليه؛ لأن الخلاف مشهور.
المتن:
الشرح:
991 قوله: «كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ» يعني: يوتر بثلاث ركعات، يصلي ركعتين ثم يسلم، ويتكلم ويأمر ببعض حاجته ثم يقوم ويأتي بركعة.
هذا هو الأفضل في صلاة الوتر، وإن سردها بسلام واحد فلا بأس، لكن لا يجلس إلا في آخرها فلا يشبهها بالمغرب.
المتن:
الشرح:
962 قوله في الحديث: «عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ» فقد كان في ذلك الوقت صبيًّا صغير السن قريبًا من البلوغ لكنه ذكي، وجاء في رواية أخرى: «أن أباه العباس بعثه لينظر له صلاة النبي ﷺ»[(908)].
قوله: «فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا» فيه: جواز نوم الصبي الصغير عند الرجل وأهله إذا كان محرمًا للمرأة، وأنه يكون في عرض الوسادة والرجل وأهله في طولها.
قوله: «فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ» في اللفظ الآخر: «لما انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام رسول الله ﷺ» [(909)]، وفيه: أن صلاة النبي ﷺ كانت في النصف الأخير قبل نصف الليل بقليل، أو إذا انتصف أو بعده بقليل.
وقوله: «ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ» فيه: مشروعية قراءة هذه الآيات العشر إذا استيقظ من النوم: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُِولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عِمرَان: 190-191] إلى آخر السورة، عشر آيات يستحب قراءتها إذا استيقظ من النوم.
قوله: «ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» الشن يعني: قربة، وسميت شنًّا؛ لأنها قربة قديمة.
وجاء في رواية أخرى: «أنه صب من الشن في الإناء ثم توضأ» [(910)]، وابن عباس رضي الله عنهما يرقب النبي ﷺ وينظر إليه فقام إلى قربة معلقة فتوضأ منها فأحسن الوضوء، وفي لفظ قال: «فتمطيت» [(911)]، والتمطي: التمدد، وفعل ابن عباس رضي الله عنهما ذلك كراهية أن يظن النبي ﷺ أنه لاحظه وراقبه، فلما توضأ النبي ﷺ قام فصلى.
وقوله: «فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ» أي: توضأ من الشن ثم جاء وصلى بجوار النبي ﷺ.
قوله: «فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا» . فيه: أن العمل القليل في الصلاة لا بأس به لمصلحة الصلاة، فابن عباس رضي الله عنهما كأنه أصابه شيء من النعاس؛ ولهذا فتل النبي ﷺ أذنه.
وقوله: «ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ» ؛ هذه اثنتا عشرة ركعة.
وقوله: «ثُمَّ أَوْتَرَ» ، أي: بواحدة.
وفيه: أن النبي ﷺ أوتر بثلاث عشرة ركعة، فدل على أن حديث عائشة رضي الله عنها: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة» [(912)] تعني: الأغلب من فعل النبي ﷺ، وإلا ففي هذا الحديث أنه أوتر بثلاث عشرة ركعة، وجاء في الحديث الآخر: «أنه أوتر بتسع ولما سَنَّ أوتر بسبع» [(913)]، وقد يغلبه النوم ﷺ فيصلي من النهار ثنتي عشرة ركعة، ففي حديث عائشة رضي الله عنها: «أنه ﷺ كان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة [(914)]، يشفع الركعات، فلا وتر بالنهار، فإذا قضاها يزيد ركعة، إذا كان يوتر بإحدى عشرة يصلي ثنتي عشرة، وإذا كان يوتر بتسع يزيد ركعة فيوتر بعشر وهكذا.
وقوله: «ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ» فيه: أنه اضطجع بعد الوتر، ثم صلى ركعتين، وفي الحديث الآخر: «أنه اضطجع بعد ركعتي الفجر» [(915)]؛ لأنه يصليها في بيته، فدل على أنه إذا صلى في بيته يشرع له أن يضطجع على شقه الأيمن، وهنا اضطجع بعد الوتر ليستريح من تعب طول القيام.
المتن:
993 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُوٌ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ.
قَالَ الْقَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ وَإِنَّ كُلًّا لَوَاسِعٌ أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ.
الشرح:
993 قوله: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فيه: أن صلاة الليل تكون مثنى مثنى، فهذا خبر بمعنى الأمر، ولا يجوز للإنسان أن يصلي أربع ركعات بسلام واحد، وإنما يسلم من كل ركعتين، فإذا أراد أن ينصرف أوتر بركعة.
قوله: «قَالَ الْقَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ» ، يعني: إذا أراد أن يسردها بسلام واحد فلا بأس.
قوله: «وَإِنَّ كُلًّا لَوَاسِعٌ» يعني: الأمر واسع في كيفيتها، فلا بأس أن يصلي ثلاثًا بسلام واحد، أو يصليها بسلامين ركعتين وركعة؛ ولهذا قال القاسم: «أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ» ، لكن الأفضل أن يصليها بسلامين.
المتن:
الشرح:
994 قولها: «فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً» فيه: أن النبي ﷺ كان يطيل السجود في صلاة الليل، وكذلك كان يطيل القراءة؛ لأنه كما جاء في الحديث الآخر صلى بالبقرة وآل عمران والنساء في ركعة[(916)]. وأحيانًا يصلي جالسًا، فإذا بقي من قراءته قدر ثلاثين آية أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع[(917)].
قولها: «ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَْيْمَنِ» فيه: مشروعية الاضطجاع على شقه الأيمن بعد ركعتي الفجر إذا كان يصليها في البيت؛ وفي الحديث السابق أنه اضطجع بعد الوتر، فدل على أن هناك ضجعتين: الأولى بعد الوتر يستريح من قيام الليل، والثانية إذا أذن المؤذن صلى ركعتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه بلال .
والحكمة من الاضطجاع أنها استراحة خفيفة من تعب قيام الليل.