المتن:
(16) أَبَوَاب الْكُسُوف
باب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
1040 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ.
1041 حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا.
1042 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا.
1043 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كُسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ.
الشرح:
قوله: «أبواب الكسوف» : الكسوف لغة: التغير إلى سواد، ومنه: كسف وجهه وحاله، وكسفت الشمس: اسودت وذهب شعاعها.
مسألة:
اختلف في الكسوف والخسوف: هل هما مترادفان أو ليسا مترادفين؟ وهل يطلق كل منهما على الشمس وعلى القمر؟
والصواب أن الكسوف والخسوف يقال للشمس والقمر؛ فيقال: كسفت الشمس وخسفت الشمس، ويقال: كسف القمر وخسف القمر.
1040 قوله: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ فيه: أن النبي ﷺ تأثر لما كسفت الشمس وقام مسرعًا يجر رداءه من العجلة والفزع، وفي اللفظ الآخر: «فقام النبي ﷺ فزعًا يخشى أن تكون الساعة»[(971)].
وفيه: أن النبي ﷺ كان يضع رداءه، كما هي عادة الإنسان في بيته أنه يتخفف من بعض ملابس الزينة إذا دخل بيته، فيلبس قميصًا خاصًّا بالبيت، وإذا أراد الخروج وضع رداءه على كتفيه، وهذا دليل على أنه ﷺ كان يلبس الإزار والرداء على عادة العرب.
والإزار: قطعة قماش يشد بها النصف الأسفل، والرداء: قطعة أخرى يضعها على كتفيه مثل المحرم في حج أو عمرة، وكانت العرب تلبس الأزر والأردية دائمًا ولو في غير الحج والعمرة، وكانوا أحيانًا يلبسون القمص.
فلما دخل المسجد صلى ركعتين، ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام، فقال: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا.
وفي الحديث: دليل على أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد لقوله ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ.
وفيه: الأمر بالصلاة والدعاء عند الكسوف، والأصل في الأوامر الوجوب؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى وجوب صلاة الكسوف، وكذلك ذهب بعضهم إلى وجوب تحية المسجد؛ وقالوا: لأن هذه لها أسباب خاصة.
أما جمهور العلماء فعلى أن الأمر هنا للاستحباب، وأن صلاة الكسوف غير واجبة، بل هي مستحبة، وكذا تحية المسجد، واستدلوا بحديث: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فقال السائل: هل علي غيرها؟ قال: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ [(972)].
وصلاة الكسوف تصلى في أي وقت حصل فيه الكسوف؛ لأن الصلاة علقت برؤية الكسوف؛ لقوله ﷺ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا.
وفي الحديث : الرد على من استثنى أوقات الكراهة، وهي أوقات النهي، وقال: إنها لا تصلى في وقت النهي، والصواب أنها تصلى في وقت النهي؛ فإذا كسفت الشمس بعد العصر تصلى؛ لأن لها سببًا.
وصلاة الكسوف مشروعة للرجال والنساء، في الحضر والسفر، جماعة وفرادى، فالمريض يصلي وحده، والمرأة في البيت تصلي وحدها، وإن تجشم المريض المشقة وصلى في المسجد فهو أفضل، وكذا النساء إذا صلينها في المسجد مع الرجال فهو أفضل، وإلا صلت المرأة وحدها في بيتها.
1041 قوله: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا فيه: الأمر بالصلاة عند الكسوف، فهذا أمر من النبي ﷺ.
1042 في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: الأمر بالصلاة عند الكسوف.
وقوله: آيَتَانِ، أي: علامتان من آيات الله الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته.
وفي اللفظ الآخر: يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ [(973)] قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسرَاء: 59].
1043 قوله: «كُسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ» ، وهو ابن صغير للنبي ﷺ من مارية القبطية، وكان هذا في السنة العاشرة من الهجرة؛ «فَقَالَ النَّاسُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ» ، ظنوا أنها كسفت لموته؛ فقال النبي ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ؛ وفي الحديث السابق: وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فدل ذلك على أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته.
ولم تكسف الشمس بعد هجرة النبي ﷺ إلا هذه المرة، هكذا قرر جمهور العلماء، وقيل: كسف القمر في السنة الخامسة من الهجرة حكاه ابن حبان في «السيرة» له[(974)]، نقله الحافظ ابن حجر عنه.
وقال بعض العلماء: إن الكسوف وقع مرات فصلى النبي ﷺ صلاة الكسوف على صفات مختلفة جاءت في الأحاديث، ولكن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن صلاة الكسوف لها صفة واحدة وهي أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان، وسجدتان، أي: أربع ركوعات وأربع سجدات، وما عدا ذلك فهو شاذ، وإن كان ورد فيها صفات مختلفة.
فصلاة الكسوف مشروعة على كل حال، وهذا أمر متفق عليه، ولكن الخلاف في حكمها؛ فالجمهور على أنها سنة مؤكدة. وصرح أبو عوانة في «صحيحه» بوجوبها، وحكي عن مالك[(975)] أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين ابن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها[(976)]، وكذلك نقل عن بعض مصنفي الحنفية[(977)] أنها واجبة.
واستدل من قال إن صلاة الكسوف كصلاة النافلة بقوله في أول حديث في الباب: «فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ» .
وحمله ابن حبان والبيهقي على أن المعنى: كما تصلون في الكسوف؛ لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وكان ابن عباس علمهم أنها ركعتان، في كل ركعة ركوعان.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض»؛ وذلك أن الناس كانوا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء؛ فأبطل النبي ﷺ هذه الدعوى، ولهذا قال: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي ﷺ أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما».
ثم قال الحافظ: «وفيه: ما كان النبي ﷺ عليه من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه»؛ لأنه قام مسرعًا من الفزع والعجلة يخشى أن تكون الساعة.
هذا، وليس للناس أن يعيدوا الصلاة أو يكرروها إن لم تنجل الشمس، هذا هو الصواب، وإنما عليهم أن يكثروا من الذكر والدعاء والصدقة والعتق حتى تنجلي ويشرع في الصلاة الإطالة.
ويخرج الناس لصلاة الكسوف بالمسجد رجالاً ونساء؛ ويشرع للنساء فيها صلاة الجماعة؛ لأن النبي ﷺ لما صلى الكسوف صلى معه النساء كما ورد في حديث أسماء: «لما جاءت عائشة رضي الله عنها وهي تصلي قالت: ما شأن الناس؟ فأشارت برأسها إلى السماء فقالت أسماء: آية؟ فأشارت أي: نعم» [(978)]؛ فالنساء صلين خلف النبي ﷺ.
والأفضل أن يصليها المسلم مع الجماعة، ولا يعارض ذلك قول الرسول ﷺ: خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة [(979)]؛ لأن النبي ﷺ إنما شرع لها الجماعة، وكذلك شرعها للعيدين والاستسقاء والتراويح، هذا الذي أعلمه في ذلك.
وإن لم يتيسر لبعض الناس الجماعة كالمريض أو المرأة أو المسافر فلا بأس أن يصليها في البيت أو منفردًا.
المتن:
باب الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ
1044 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُْولَى ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا.
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ» ؛ ترجم بهذا لقوله ﷺ: فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا.
1044 يستفاد من هذا الحديث كيفية صلاة الكسوف، وأنها ركعتان، في كل ركعة ركوعان وسجودان، فتكون أربع ركوعات وأربع سجدات.
وفيه: أنه يشرع إطالتها، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ» . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فأطال القيام نحوًا من قراءة سورة البقرة» [(980)] يعني: قيامًا طويلاً ما يقارب جزأين ونصفًا، «ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ» ، ثم لما رفع رأسه من الركوع «قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ» كذلك، «وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ» ، يعني: أن القيام الأول كان طويلاً، وفي هذا القيام قرأ النبي ﷺ الفاتحة، وقرأ قراءة إلا أنها أقل من القيام الأول، «ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ» ؛ هذا هو الركوع الثاني، «ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُْولَى» ؛ ففي كل ركعة ركوعان وسجودان.
وقولها: «ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ» ، أي: ذهب الكسوف، «فَخَطَبَ النَّاسَ» ؛ فيه: مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف وحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي ﷺ، ولا يلزم أن تكون الخطبة على المنبر إذا كانت أمام الجماعة وهناك مكبرات الصوت؛ فهي موعظة يكفي فيها كلمات معدودة.
ومن الخطب التي خطبها النبي ﷺ في الكسوف قال: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا.
وفيه: مشروعية الدعاء، والصلاة، والصدقة، والتكبير في الكسوف؛ ويشرع العتق أيضا كما في اللفظ الآخر: «أنه ﷺ أمر بالعتق»[(981)].
قوله: وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ قال بعض العلماء: إن ذكر الزنا في هذا المقام فيه التحذير من الزنا والمعاصي، وأنها من أسباب ذهاب نور الإيمان، وأن الذي أذهب نور الشمس والقمر بالكسوف قادر على أن يذهب بنور الإيمان بسبب المعاصي، فليحذر العبد من ذلك.
وفيه: أن المعاصي سبب في العقوبات: من الجدب، والقحط، وتسليط الأعداء، والحروب، وغلاء الأسعار، وغير ذلك؛ فكل هذا سببه المعاصي، فالواجب الحذر من المعاصي، والله تعالى يقول في كتابه العظيم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشّورى: 30].
وقوله: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا يعني: لو تعلمون ما أعلم مما أعد الله للعصاة لكثر بكاؤكم وقل ضحككم.
وقوله: مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ فيه: إثبات صفة الغيرة لله ، وهي من الصفات الفعلية كما يليق بجلاله وعظمته كسائر الصفات مثل: الرضا، والغضب، والسخط، والعلو، والاستواء، والعجب، والضحك، والسمع، والبصر، والكلام؛ كلها صفات تليق بجلال الله وعظمته لا يماثل أحدًا من خلقه كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشّورى: 11].
فالصفات ثابتة لله بمعانيها، أما الكيفية فلا يعلمها إلا الله، كما قال الإمام مالك لما سئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة[(982)].
وكذلك الغيرة؛ ففي الحديث الآخر قال النبي ﷺ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي [(983)] فأثبت الغيرة لله .
وقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: أَغْيَرُ: أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة، وهي في اللغة: تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والأهلين، وكل ذلك محال على الله تعالى؛ لأنه منزه عن كل تغير ونقص، فيتعين حمله على المجاز».
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «المحال عليه وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق، وأما الغيرة اللائقة بجلاله فلا يستحيل وصفه بها كما دل عليه هذا الحديث وما جاء في معناه، فهو سبحانه يوصف بالغيرة عند أهل السنة على وجه لا يماثل فيه صفة المخلوقين، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه، كالقول في الاستواء، والنزول، والرضا، والغضب، وغير ذلك من صفاته سبحانه، والله أعلم»[(984)].
نعم هكذا ينبغي لطالب العلم أن يكون على بينة من هذا الأمر، وأن يعض على مذهب أهل السنة والجماعة بالنواجذ، فالله تعالى يوصف بالغيرة، ولكن هذه الغيرة لا تشابه غيرة المخلوقين؛ لأنه أخبر عن نفسه وقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشّورى: 11]، وقال سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مَريَم: 65]. فليس له مسامٍ، وقال تعالى: فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البَقَرَة: 22]. وقال تعالى: فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النّحل: 74].
فالصفة ثابتة لله والكيفية منفية والمعنى كما قال العلماء في الاستواء: استوى في اللغة يعني: استقر، وعلا، وصعد، وارتفع؛ هذه معانيه الأربعة في اللغة، وعليه تدور تفاسير السلف.
وكذلك الغيرة معلومة، أي: معناها معلوم في اللغة، والكيف مجهول، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة.
المتن:
باب النِّدَاءِ بِالصَّلاَةِ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ
1045 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمِ بْنِ أَبِي سَلاَّمٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نُودِيَ إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ.
الشرح:
1045 في الحديث: دليل على مشروعية النداء لصلاة الكسوف بقول: الصلاة جامعة، ويكررها على حسب الحاجة.
وأما صلاة الاستسقاء، وصلاة العيد، وصلاة النوافل كالتراويح، فلا يشرع لها النداء، ولا كقول بعضهم: صلاة العيد أثابكم الله، ولكن يقوم الإمام ويكبر ويكبر الناس، فالنداء يكون لصلاة الكسوف والصلوات الخمس.
المتن:
باب خُطْبَةِ الإِْمَامِ فِي الْكُسُوفِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ.
1046 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح.
وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَكَبَّرَ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الأُْولَى ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّكْعَةِ الآْخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ.
وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ قَالَ: أَجَلْ لأَِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ.
الشرح:
1046 وصفت عائشة رضي الله عنها صلاة النبي ﷺ لصلاة الكسوف، وأنها أربع ركوعات، وأربع سجدات، في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
وهذا أصح ما ورد في صلاة الكسوف، وهذا الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم، وانفرد مسلم بصفات أخرى، أما البخاري فلم يروِ إلا هذه الكيفية أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، ومسلم روى هذه الكيفية[(985)]، وروى كيفيات أخرى وهي: ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان[(986)]، وركعتان في كل ركعة أربع ركوعات وسجدتان[(987)].
وكذلك أخرج أبو داود صفة أخرى وهي ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان[(988)]. فتكون الصفات الأخرى التي في خارج البخاري عدة صفات:
الأولى: ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات.
الثانية: ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات.
الثالثة: ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات.
وهذه روايات مسلم وأصحاب «السنن»، واختلف العلماء في هذا؛ فقيل: إن ما عدا ما اتفق عليه الشيخان وهم من بعض الرواة، وهو مذهب بعض المحققين، والجمهور على أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان فقط.
أما الصفات الأخرى التي ورد فيها في كل ركعة ثلاث ركوعات، أو في كل ركعة أربع ركوعات، أو في كل ركعة خمس ركوعات، فقالوا بشذوذها، وأنها وهم من بعض الرواة، ورجحوا ما اتفق عليه الشيخان، وقالوا: صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان وسجدتان، وهو الذي عليه العمل الآن.
وذهب بعض العلماء إلى اعتبار الصفات الأخرى، وقالوا: إن كل صفة مشروعة لصحة الأحاديث؛ فثبت في «صحيح مسلم» أن النبي ﷺ صلى في كل ركعة ثلاث ركوعات[(989)]؛ وفي بعض الروايات أربع ركوعات[(990)]؛ وعند أبي داود خمس ركوعات[(991)].
وقال الجمهور: إن صلاة الكسوف ما حدثت إلا مرة واحدة في حياة النبي ﷺ في السنة العاشرة يوم موت إبراهيم، وصلى النبي ﷺ ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
أما ما ورد في «صحيح مسلم» و«السنن» أن في كل ركعة ثلاث ركوعات وأربع ركوعات وخمس ركوعات؛ فقالوا: هذا وهم وغلط من بعض الرواة، وهذا شاذ فلهذا ما اعتبروا إلا هذه الصفة.
وقال آخرون من أهل العلم: إن كل صفة وردت فإنها مشروعة لصحة الأحاديث كما ورد في «صحيح مسلم»، وتغليط الرواة خلاف الأصل، ولا يمكن أن يوهم الرواة ويُغَلَّطُوا، وقالوا: يحمل هذا على أن النبي ﷺ صلى الكسوف مرات متعددة في كل مرة على صفة؛ لأن النبي ﷺ أقام بالمدينة عشر سنين، ويبعد ألا يحدث الكسوف إلا مرة واحدة.
وفي الحديث: بيان إطالتها عن غيرها من الصلوات، فالقراءة فيها طويلة، والركوع والرفع منه طويل، والسجود طويل، والقراءة الأولى في الركعة الأولى أطول شيء، ثم الركوع الذي بعده أطول ركوع، ثم القراءة الثانية دون القراءة الأولى، والركوع الثاني دون الركوع الأول، وكذلك الركعة الثانية.
وهذه المسألة فيها كلام لأهل العلم مختصره: هل كل قراءة دون القراءة التي قبلها، وكل ركوع دون الركوع الذي قبله، وكل سجود دون السجود الذي قبله، أم أن هذا خاص بالقراءة الأولى، والركوع الأول؟
فمن العلماء من قال بهذا، ومنهم من قال بهذا، والأرجح أن كل قراءة أقل من القراءة التي قبلها، وكل ركوع أقل من الركوع الذي قبله.
قولها: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ» . وفي الحديث الذي قبله: «كسفت الشمس» ففية: دليل على أن الشمس يقال لها: كسوف وخسوف، كما أن القمر يقال له: كسوف وخسوف. قال الله تعالى: وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [القِيَامَة: 8-9].
وقولها: «فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَكَبَّرَ» فيه: مشروعية صلاة الكسوف للرجال والنساء جماعة.
وفيه: أن النبي ﷺ لما صلى انجلت الشمس، لكن إذا سلم المصلي من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء والذكر حتى تنجلي، ولا يكرر الصلاة؛ فهذا هو ظاهر الأحاديث.
وقولها: «ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ» فيه: مشروعية خطبة الإمام بعد صلاة الكسوف، وهذا هو الشاهد من الترجمة، قال: «بَاب خُطْبَةِ الإِْمَامِ فِي الْكُسُوف» ، وهي خطبة تناسب الحال، ويجوز أن يكون الخطيب فيها على المنبر أو واقفًا على الأرض أو جالسًا مع وجود مكبر الصوت؛ لأن به يحصل المقصود وهو الإسماع.
وفيه: الرد على من قال من الحنفية[(992)]: ليس في الكسوف خطبة، ولكن ذهب جمهور العلماء إلى أنها مستحبة كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح»، فقد قال: «استحبها الشافعي، وإسحاق، وأكثر أصحاب الحديث، قال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحمد ذلك. وقال صاحب «الهداية» من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل. وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة. والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها، مع أن مالكًا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة. وأجاب بعضهم بأنه ﷺ لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس.
وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث. فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل». وهذا هو الصواب.
قوله: «وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ» ، يعني: في بيان كيفية صلاة الكسوف، وأنها أربع ركوعات، وأربع سجدات، في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
قوله: «فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ:» ، القائل هو: الزهري، وعروة هو: ابن الزبير بن العوام.
قوله: «إِنَّ أَخَاكَ» ، يعني: عبدالله بن الزبير.
قوله: «يَوْمَ خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ» ، أي: إن عبدالله بن الزبير صلى الكسوف بالمدينة على مثل صلاة الصبح، يصلي في كل ركعة ركوعًا واحدًا، فقال عروة بن الزبير: «أَجَلْ لأَِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ» ، والسنة أن يصلي في كل ركعة ركوعين، والحجة في ذلك فعل النبي ﷺ وقوله.
وفعل عبدالله بن الزبير يحمل على أنه خفيت عليه السنة، وأنه اجتهد فصلى مثل صلاة الفجر.
المتن:
باب هَلْ يَقُولُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القِيَامَة: 8].
1047 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَقَامَ كَمَا هُوَ ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الأُْولَى ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الرَّكْعَةِ الأُْولَى ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآْخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ.
الشرح:
1047 حديث الباب ظاهر في أنه يقال للشمس: كسفت وخسفت؛ ويقال للقمر: خسف وكسف.
ففي أوله: «َنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ» ، وفي آخره: «فخطب الناس فقال في كسوف الشمس والقمر» وقال المؤلف رحمه الله: «وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القِيَامَة: 8]» .
وفي الحديث: بيان صفة صلاة الكسوف وأنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
وفيه: الأمر بالصلاة والفزع إليها عند الكسوف.
وفيه: أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن آيات يخوف الله بها عباده.
مسألة:
وعظ الناس عند الأحداث العظيمة كالزلازل وغيرها لا بأس فيه، لكن هل يقال: هو سنة؟
الجواب:
لا؛ فالأصل في العبادة التوقيف، أما وعظ الناس فهو مطلوب في كل وقت للتذكير والوعظ.
المتن:
باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1048 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادُ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ.
وَتَابَعَهُ مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ.
وَتَابَعَهُ أَشْعَثُ عَنْ الْحَسَنِ.
الشرح:
قوله: «بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ هذه الترجمة فيها بيان الحكمة من الكسوف، وبيان سببه الشرعي، وهو تخويف الله عباده بالكسوف.
وللكسوف سبب حسي وآخر شرعي، فالحسي يدرك بالحساب؛ فإذا كان الحاسب جيدًا ضابطًا أصاب، وإن كان غير ضابط أخطأ في معرفة الكسوف. كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية[(993)] وتلميذه ابن القيم[(994)]، رحمهما الله.
وأهل الحساب في ذلك قد يصيبون وقد يخطئون، كما يُرى الآن أنه قد يعلن عن الكسوف لكنه يقع أحيانًا وأحيانًا لا يقع، فلا ينبغي أن يصدقوا ولا أن يكذبوا؛ ولهذا بين النبي ﷺ الحكمة فقال: ولكن يخوف الله بها عباده يعني: أن الحكمة منهما التخويف.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم؛ إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر، وقد رد ذلك عليهم ابن العربي وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى، الآتي حيث قال: «فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة» [(995)] قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف. ومما نقض ابن العربي وغيره» يعني: مما نقض به ابن العربي وغيره كلامَهم كما يذكر الحافظ ابن حجر: «أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة، وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين فقال: هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم» الجرم بالكسر: الجسم، وبالضم: مصدر الجريمة وهي الذنب والمعصية.
ثم قال رحمه الله: «فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله، أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولا سيما وهو من جنسه؟ وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها؛ لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفًا. وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة، وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ [(996)] وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال: إنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها. قال: ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلاً من أصول الشريعة. قال ابن بزيزة: هذا عجب منه، كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة مع أنها مبنية على أن العالم كروي الشكل، وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك، والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب.
والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضًا؛ لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته. ويؤيده قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعرَاف: 143]. ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت وقال: هي أخوف لله منا.
وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. وليس بشيء؛ لأن الله أجرى أفعالاً على حسب العادة، وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب، حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها.
وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقًّا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفًا لعباد الله تعالى».
وكلام ابن دقيق العيد كلام جيد، ويؤيده كلام شيخ الإسلام ابن تيمية[(997)]، وهو أن للكسوف سببًا شرعيًّا وهو التخويف، وسببًا حسيًّا يعرفه أهل الحساب.
قال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله: «ما قاله ابن دقيق العيد هنا تحقيق جيد، وقد ذكر كثير من المحققين ـ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ ما يوافق ذلك، وأن الله سبحانه قد أجرى العادة بخسوف الشمس والقمر لأسباب معلومة يعقلها أهل الحساب، والواقع شاهد بذلك، ولكن لا يلزم من ذلك أن يصيب أهل الحساب في كل ما يقولون، بل قد يخطئون في حسابهم، فلا ينبغي أن يصدقوا ولا أن يكذبوا، والتخويف بذلك حاصل على كل تقدير لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، والله أعلم»[(998)].
المتن:
باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ
1049 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
1050 ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
الشرح:
هذه الترجمة فيها التعوذ من عذاب القبر في صلاة الكسوف، والشاهد: قولها في آخر الحديث: «ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» .
1049، 1050 في الحديث: مشروعية التعوذ بالله من عذاب القبر بعد صلاة الكسوف وبعد خطبة الإمام في الكسوف، ولذلك بينت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ صلى، ثم خطب، ثم استعاذ بالله من عذاب القبر؛ فقالت: «وَانْصَرَفَ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ» وهذه هي الخطبة.
قولها: «ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» فيه: مشروعية أمر الإمام للناس أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر بعد خطبة الإمام في الكسوف.
قال الحافظ ابن حجر: «قال ابن المنير في «الحاشية»: مناسبة التعوذ عند الكسوف أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وإن كان نهارًا، والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف من هذا».
وفي الحديث: بيان كيفية صلاة الكسوف وأنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
وفيه: مشروعية إطالة صلاة الكسوف.
وفيه: مشروعية أن يكون كل قيام أقل من الذي قبله في الطول، وكل ركوع أقل من الذي قبله في الطول.
المتن:
باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ
1051 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نُودِيَ إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ فَرَكَعَ النَّبِيُّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّجَلَسَ ثُمَّ جُلِّيَ عَنْ الشَّمْسِ.
قَالَ: وقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا.
الشرح:
قوله: «بَاب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ» هذه الترجمة لبيان طول السجود في الكسوف، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من أنكره، واستدل بعض المالكية على ترك إطالته بأن الذي شرع فيه التطويل شرع تكراره كالقيام والركوع ولم تشرع الزيادة في السجود فلا يشرع تطويله، وهو قياس في مقابلة النص كما سيأتي بيانه فهو فاسد الاعتبار».
1051 قوله: «نُودِيَ إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ» فيه: مشروعية النداء لصلاة الكسوف بـ: الصلاة جامعة.
وقوله: «فَرَكَعَ النَّبِيُّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ» المراد بالسجدة هنا أي: في ركعة بتمامها، والمراد بالركعتين: الركوعان.
وقوله: «وقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا» هذا هو شاهد الترجمة. وفيه: مشروعية إطالة السجود في صلاة الكسوف، كما يشرع طول القيام والركوع.
وفيه: الرد على من أنكر طول السجود من المالكية[(999)]، وغيرهم، كما أشار إليه الشارح.
فقياس بعض المالكية قياس فاسد؛ لأنه في مقابلة النص؛ تقول عائشة رضي الله عنها: «مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا» ثم يقول: يشرع التطويل في القيام والركوع؛ لأنه يشرع تكراره، والسجود لا يشرع تكراره وزيادته، فلا يشرع تطويله. وهذا رأي في مقابلة نص فَيُطَّرح؛ لأنه قياس فاسد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأبدى بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع دون السجود أن القائم والراكع يمكنه رؤية الانجلاء بخلاف الساجد؛ فإن الآية علوية، فناسب طول القيام لها بخلاف السجود، ولأن في تطويل السجود استرخاء الأعضاء فقد يفضي إلى النوم. وكل هذا مردود بثبوت الأحاديث الصحيحة في تطويله».
وصدق رحمه الله فيما قال؛ فكل هذا باطل.
ثم قال رحمه الله: «وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع. وأبدى بعض المالكية فيه بحثًا فقال: لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد الإطالة في الركوع، وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ: «وسجوده نحو من ركوعه» [(1000)].
وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي» يعني: أن السجود قريب من الركوع، فهذه هي السنة.
قال الحافظ: «وتعقبه صاحب «المهذب» بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي. اهـ. ورد عليه في الأمرين معًا؛ فإن الشافعي نص عليه في البويطي ولفظه: ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوًا مما قام في ركوعه.
تنبيه:
وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه: «ثم ركع فأطال، ثم سجد [(1001)]. وقال النووي: هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها، أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع، وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما، من حديث عبدالله بن عمرو أيضًا؛ ففيه: «ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع، ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد، ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد» [(1002)] لفظ ابن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه، والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح، ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام، وإلا فهو محجوج بهذه الرواية».
وصدق الحافظ رحمه الله، فلا شك أن الغزالي محجوج بالحديث، وأن السنة التطويل.
المتن:
باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً
وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ.
وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ.
1052 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ قَالَ ﷺ: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِْحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.
الشرح:
قوله: «بَاب صَلاَةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً» فهذا الباب بما فيه يستدل به على ما ذكر أولاً من مشروعية الجماعة في الكسوف؛ فصلاة الكسوف يشرع لها الجماعة، فهي سنة مؤكدة عند الجمهور، وهي عند بعض العلماء واجبة؛ لأن لها سببًا، فهي من ذوات الأسباب فتشرع لها الجماعة كالعيدين والاستسقاء والتراويح، بخلاف النوافل المطلقة كصلاة الليل وتحية المسجد والضحى فلا تشرع لها الجماعة في الأصل.
قوله: «وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ» أي: بالناس جماعة في داخل صفة زمزم ومعه بعض المأمومين؛ فهذا الفعل هو السنة.
وعادة المؤلف رحمه الله أن يذكر الترجمة ثم يذكر الآثار التي تؤيد الترجمة، ثم يذكر الأحاديث المسندة.
وقوله: «وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ» الذي يقال له: السَّجَّاد، كان يصلي في كل يوم مائة سجدة، أو ألف سجدة، قاله العيني.
ومعنى أنه جمّع بالناس، أي: صلى بهم صلاة الكسوف جماعة.
وكذلك فعل ابن عمر رضي الله عنهما أي: صلى بالناس، وسبق أن النبي ﷺ صلى بالناس الكسوف جماعة. والجماعة مشروعة في الكسوف للرجال والنساء والمسافر والمقيم.
1052 يستفاد من هذا الحديث صفة صلاة الخسوف، وسبق أن ذكرنا رأي الجمهور بأن الشمس لم تخسف إلا مرة واحدة في السنة العاشرة يوم مات إبراهيم وهو ابن صغير لرسول الله ﷺ من مارية القبطية، فصلى النبي ﷺ فقام قيامًا طويلاً فصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجدتان فاستكمل أربع ركوعات وأربع سجدات.
ووصف ابن عباس صلاة النبي ﷺ للكسوف بقوله: «فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» وفيه: دليل على مشروعية تطويل القيام الأول في صلاة الكسوف بقدر سورة البقرة ما لم يشق على المأمومين، وإن شق راعى حالهم ولكن السنة التطويل.
قال بعض الصحابة: صليت مع النبي ﷺ أطول قيام في صلاة الكسوف، وفيه دليل على أن القيام الأول أطول، ثم يليه القيام الثاني، ثم يليه القيام الثالث، ثم يليه القيام الرابع.
قوله: «ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ» فيه: دليل على أن الركعة الأولى فيها ركوعان.
قوله: «ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ» أي: في الركعة الثانية «ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ» وفيه: أن كل قيام أقل من الذي قبله وكل ركوع أقل من الركوع الذي قبله، وهذا هو الصواب.
قال بعض العلماء: إن هذا خاص بالركوع الأول، والقيام الأول، ولكن ظاهر هذا الحديث أن كل قيام أقل من القيام الذي قبله، وكل ركوع أقل من الركوع الذي قبله. ثم انصرف النبي ﷺ من صلاة الكسوف وقد تجلت الشمس.
وفي الحديث: مشروعية الخطبة في الكسوف كما سبق، وأن الإمام يخطب الناس خطبة تناسب الحال؛ فالنبي ﷺ قال: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ فلما قال الناس: إنها كسفت لموت إبراهيم بين لهم النبي ﷺ أن الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ.
قوله: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ» أي: تقدمت وتأخرت، فلما سألوه قال: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا أي: قربت له الجنة والنار أو كشف له عنهما. وقيل: المعنى أنهما مثلتا له كما جاء في الحديث الآخر، فقيل: صورت له الجنة والنار. وقيل: قربت له أي: كشف له الحجاب.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ظاهره أنها رؤية عين، فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها فرآها على حقيقتها، وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها، وهذا أشبه بظاهر هذا الخبر، ويؤيده حديث أسماء الماضي في أوائل «صفة الصلاة» بلفظ: دَنَتْ مِنِّيَ الْجَنَّةُ حَتَّى لَو اجترأت عَلَيْهَا لجئتكم بقطف مِنْ قِطَافِهَا [(1003)].
ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس الآتي في التوحيد: لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي [(1004)] وفي رواية: لَقَدْ مُثِّلَتْ ولمسلم: لَقَدْ صُوِّرَتْ [(1005)] ولا يرد على هذا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الثقيلة؛ لأنا نقول هو شرط عادي، فيجوز أن تنخرق العادة خصوصًا للنبي ﷺ، لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارًا على صور مختلفة. وأبعد من قال: إن المراد بالرؤية رؤية العلم.
قال القرطبي: لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها، لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا، فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه ﷺ إدراكًا خاصًّا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما».
قول أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن دائمتان لا تفنيان، بخلاف قول المعتزلة: إن الجنة والنار معدومتان الآن وأنهما تخلقان يوم القيامة وقالوا: وجودهما الآن ولا جزاء عبث والعبث محال على الله، وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأنهم يعارضون النصوص بآرائهم وأهوائهم، يقولون: إنهما معطلتان الآن. كيف وقد جاءت النصوص بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الشهداء في الجنة[(1006)]، والحور العين في الجنة[(1007)]، وأنه يفتح باب للمؤمن في قبره إلى الجنة يأتيه من ريحها وطيبها، وكذلك يفتح باب للكافر في قبره إلى النار يأتيه من حرها وسمومها[(1008)]، وأرواح الكفار تعذب في النار؟!ثم أيضًا النصوص القرآنية جاءت بذلك، قال تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عِمرَان: 133] وقال : أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البَقَرَة: 24]، فهذه نصوص صريحة على أنها مخلوقة، ثم أيضًا الترغيب والترهيب في كونها موجودة أبلغ من كونه يقال: يوم القيامة تخلق، فهذا من جهل المعتزلة وضلالهم.
فالصواب الذي دلت عليه النصوص أن الجنة والنار مخلوقتان الآن دائمتان لا تفنيان.
قوله: وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ رأى النار فتكعكع وتكعكعت الصفوف.
وقوله: وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ أي: أكثر أهل النار «قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ أي: بينهن وبين أزواجهن.
قوله: وَيَكْفُرْنَ الإِْحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ أي: تجحد وتنكر الإحسان، فهذا سبب دخولها النار، وفي اللفظ الآخر: يكثرن اللعن ويكفرن العشير [(1009)].
فالنساء أكثر أهل النار؛ لأنهن يفعلن الأسباب التي توجب دخول النار، وهي كثرة اللعن والسباب، وجحد حق الزوج، وإنكار جميله، وهو كفران العشير.
وفي الحديث : جواز تقدم الصفوف وتأخرها للحاجة في الصلاة، فالنبي ﷺ تقدم وتقدمت الصفوف، وتأخر وتأخرت الصفوف، كما لو تقدموا لكثرة الجمع أو لسد فرجة.
وقد ثبت أن النبي ﷺ صعد المنبر ليعلم الناس الصلاة فركع وركع الناس وهو على المنبر، ثم رفع ثم تأخر القهقرى فسجد على الأرض[(1010)].
وفيه: مشروعية صلاة الكسوف جماعة وإن لم يحضرها الإمام الراتب، وهو قول الجمهور، فإذا لم يحضر الإمام صلى بهم غيره خلافًا لسفيان الثوري الذي يقول: إن لم يحضر الإمام صلوا فرادى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم: المبادرة إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه، واستدفاع البلاء بذكر الله وأنواع طاعته، ومعجزة ظاهرة للنبي ﷺ وما كان عليه من نصح أمته، وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم، ومراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه، وجواز الاستفهام عن علة الحكم، وبيان العالم ما يحتاج إليه تلميذه، وتحريم كفران الحقوق، ووجوب شكر المنعم. وفيه: أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم، وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة، وتعذيب أهل التوحيد على المعاصي، وجواز العمل في الصلاة إذا لم يكثر».
المتن:
باب صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ
1053 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ: أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ.
الشرح:
قوله: «بَاب صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ» هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لاستنباط حكم شرعي وهو مشروعية صلاة النساء مع الرجال في صلاة الكسوف، وذكر حديث عائشة أنها صلت مع النساء خلف الرجال، فيشرع أن تُصلى في المسجد فيصلي الإمام بالرجال، والنساء في الخلف، ولو صلى المريض في بيته أو المرأة في بيتها فلا حرج، وكذلك المسافر، وتصلى جماعة وفرادى، والأفضل صلاتها جماعة.
1053 قوله: «عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما» ، هي أخت عائشة، وهي أكبر منها، وهي زوجة الزبير بن العوام.
قولها: «حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ» يقال للشمس: خسفت وكسفت كما سبق.
قولها: «فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ» فيه : مشروعية الجماعة للكسوف.
قولها: «وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي» يعني :أن عائشة تصلي وجاءت أسماء وفدخلت المسجد والناس يصلون، وهي لم تدخل في الصلاة بعد.
قولها: «فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟» تعني: ما أصابهم؟
قولها: «فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ» أي: عائشة، وفيه جواز الإشارة باليد والرأس في الصلاة بما يفهم الإجابة بنعم أو لا، وأنه لا يخل بالصلاة، والحجة أن النبي ﷺ أقرها ولم ينكر عليها، وكما جاء في الحديث جواز رد السلام من المصلي بالإشارة باليد أو الأصبع[(1012)]، إذا قال: السلام عليكم.
وفيه: مشروعية صلاة النساء مع الرجال في الكسوف.
وفيه: الرد على من منع ذلك وقال: يصلين فرادى وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين.
والسنة أن النساء خلف الرجال.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ» أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى، وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين. وفي «المدونة»: تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة».
والمتجالة ـ بتشديد اللام مع ضم الميم ـ هي المرأة الكبيرة، والمعنى: أن المرأة تصلي في بيتها إلا إذا كانت كبيرة السن تصلي في المسجد. وهذا مخالف للنص؛ فللمرأة أن تصلي في المسجد لكن المهم أن تخرج متسترة محتشمة غير متبرجة ولا متطيبة؛ قال النبي ﷺ: لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ [(1011)] فإذا خرجت للصلاة فإنها تخرج محتشمة، أما إذا كانت متبرجة أو يخشى عليها من الفتنة فتمنع.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وعن الشافعي: يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال. وقال القرطبي: روي عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة، والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلى في حقهن بحكم المسجد».
والصواب أنه عام في الرجال والنساء جميعًا، أما الجمعة فلا يخاطب بها إلا الرجال، والنساء إذا صلين صحت صلاتهن.
قوله: «قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:» فيه: مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف، وأن الإمام يخطب خطبة تناسب الحال.
وفيه: أنه يحمد الله ويثني عليه كما فعل النبي ﷺ فقد حمد الله وأثنى عليه ثم قال: مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وقد سبق في الحديث الآخر أنه قال: إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ [(1013)].
وفيه : أنه أمرهم بالصدقة، وبالعتق، وبالتكبير، وبالصلاة في الكسوف.
قوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فيه: إثبات عذاب القبر والفتنة فيه، وهناك فرق بين فتنة القبر وعذابه فالفتنة السؤال، وجاء في الحديث الآخر أن الذي يختبر الميت ويمتحنه ملكان وأنهما يسألانه ثلاثة أسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فأما المؤمن فيثبته الله فيقول: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي[(1014)].
وأما الكافر أو الفاجر فلا يستطيع أن يجيب عن هذه الأسئلة، وإن كان من أفصح الناس، فإذا قال له: من ربك؟ قال: هاه هاه لا أدري. وإذا قال له: ما دينك؟ قال: هاه هاه لا أدري، ويضرب بمرزبة من حديد ويضيق القبر عليه، والمؤمن ينعم ويفتح له باب إلى الجنة، والفاجر يفتح له باب للنار، جاء كل هذا في حديث البراء[(1015)] وغيره.
قوله: يُؤْتَى أَحَدُكُمْ يعني: في القبر.
قوله: فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ المقصود هو محمد ﷺ.
قوله: فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَيَقُول فهذا شك من الراوي، والمعنى واحد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ» أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى، وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين. وفي «المدونة»: تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة».
والمتجالة ـ بتشديد اللام مع ضم الميم ـ هي المرأة الكبيرة، والمعنى: أن المرأة تصلي في بيتها إلا إذا كانت كبيرة السن تصلي في المسجد. وهذا مخالف للنص؛ فللمرأة أن تصلي في المسجد لكن المهم أن تخرج متسترة محتشمة غير متبرجة ولا متطيبة؛ قال النبي ﷺ: لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ[(1011)] فإذا خرجت للصلاة فإنها تخرج محتشمة، أما إذا كانت متبرجة أو يخشى عليها من الفتنة فتمنع.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وعن الشافعي: يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال. وقال القرطبي: روي عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة، والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلى في حقهن بحكم المسجد».
والصواب أنه عام في الرجال والنساء جميعًا، أما الجمعة فلا يخاطب بها إلا الرجال، والنساء إذا صلين صحت صلاتهن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الزين ابن المنير: استدل به ابن بطال على جواز خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف وفيه نظر؛ لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة، لكن يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه: أن نساء غير أسماء كن بعيدات عنها، فعلى هذا فقد كن في مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات».
هذا هو الصواب أنه يشرع للنساء أن يصلين خلف الرجال لكن المرأة تخرج محتشمة متسترة.
المتن:
باب مَنْ أَحَبَّ الْعَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
1054 حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ.
الشرح:
1054 يستفاد من الحديث: مشروعية عتق الرقاب عند الكسوف.
كما يشرع فيها الصلاة كما قال النبي ﷺ: فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ [(1016)] ويشرع الدعاء، ويشرع التكبير وتشرع الصدقة، فهذه العبادات كلها مشروعة إذا وجد كسوف للشمس أو خسوف للقمر، وهذه العبادات يدفع الله بها البلاء، فهاتان آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده.
المتن:
باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ
1055 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
1056 ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الأَْوَّلِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
الشرح:
قوله: «بَاب صَلاَةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ» فيه : مشروعية صلاة الكسوف في المسجد وأن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد وإن صلاها وحده في البيت، لكونه معذورًا أدرك السنة، وكذلك المرأة.
ويستفاد من الحديث : أن الركعة في صلاة الكسوف تدرك بالركوع الأول؛ لأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان هذه الصفة المتفق عليها عند البخاري ومسلم، وذهب إلى هذا المحققون من أهل العلم والجمهور.
وذهب آخرون من أهل العلم أن لها صفات مختلفة كما جاء في روايات لمسلم: أنها ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات[(1018)].
ولها صفة ثالثة: أنها ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات[(1019)].
وفيها صفة رابعة: أنها تصلى في كل ركعة خمس ركوعات.
واكتفى المحققون بما اتفق عليه الشيخان وقالوا: إن النبي ﷺ لم يصل إلا مرة واحدة، وهي في السنة العاشرة، يوم مات إبراهيم.
وقال آخرون من أهل العلم: إن هذه الأحاديث صحيحة ولا يمكن أن يغلط الحفاظ، فيحمل تعدد الصفات على أنه صلاها مرات، والقول بأنه صلاها مرة واحدة بعيد؛ لأن النبي ﷺ أقام بالمدينة عشر سنوات، فيحمل على أنه خسف القمر كما روى ابن حبان في «السيرة» له[(1020)]: أن القمر خسف في السنة الخامسة من الهجرة.
قولها: «ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» فيه : مشروعية التعوذ بالله من عذاب القبر بعد صلاة الكسوف وبعد الخطبة.
وفي اللفظ الآخر: أن يهودية دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ: «نعم عذاب القبر»، قالت عائشة: فما رأيت رسول الله ﷺ يصلي صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر[(1017)].
1055 قوله: «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فكان قبل ذلك لم يوح إليه ثم أوحي إليه عليه الصلاة السلام، ولهذا استنكرت عائشة مقولة اليهودية أولاً.
وفي اللفظ الآخر: أن يهودية دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ: «نعم عذاب القبر»، قالت عائشة: فما رأيت رسول الله ﷺ يصلي صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر[(1017)].
1055 قولها: «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ» هذا المركب الذي ركبه النبي ﷺ كان بسبب موت ابنه إبراهيم.
والحجر: بيوت أزواج النبي ﷺ كل زوجة لها حجرة، وهي ملاصقة للمسجد، وقد وقع التصريح به في رواية سليمان بن بلال.
قولها: «ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً» فيه: وصف لصلاة الكسوف، وفي حديث ابن عباس السابق أنه بمقدار قراءة سورة البقرة.
قولها: «ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً» هذا هو الركوع الأول.
قولها: «ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً» فيه: أن الركعة في صلاة الكسوف فيها ركوعان، ومن فاته الركوع الأول فاتته الركعة ولو أدرك الركوع الثاني.
وفيه: أن السنة إطالة السجود أيضًا، وأن كل قيام أقل من الذي قبله، وكل ركوع أقل من الذي قبله هذا في الركعتين جميعًا لا في الركعة الأولى فقط كما ذهب البعض، فالحديث صريح في هذا.
وفي الحديث : مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وصح أن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء والله أعلم».
المتن:
باب لاَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ
رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ
1057 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا.
1058 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالاَلرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ وَهِيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الأُْولَى ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ الأَْوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ.
الشرح:
قوله: لا تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ هذه الترجمة بين فيها المؤلف رحمه الله الحكمة من الكسوف والخسوف، وأنه تخويف من الله لعباده، وهما من آيات الله؛ وفيه رد على أهل الجاهلية الذين يعتقدون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم، أو ولادة عظيم؛ وذلك أن كسوف الشمس وافق اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي ﷺ فشاع بين الناس أن الشمس كسفت لموت إبراهيم.
1057 قوله: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فيه: بيان نفي النبي ﷺ لما يعتقده أهل الجهل من أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو حياته، فبين أن الحكمة من الكسوف أن فيه تخويفًا للعباد.
قوله: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا فيه: مشروعية الصلاة، وفي الحديث الذي بعده: فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ وقام النبي ﷺ مسرعًا فزعًا يخشى أن تكون الساعة يجر رداءه من العجلة.
ففيه: المبادرة والسرعة بالصلاة عند رؤية الكسوف.
1058 في هذا الحديث: وصف لصلاة الكسوف، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، وفيه بيان طولها، وأنها من أطول الصلوات عن غيرها.
وفيه: أن كل قيام أطول من القيام الذي بعده، وكل ركوع أطول من الركوع الذي بعده، وكل سجود أطول من السجود الذي بعده.
وقول النبي ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ قد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد الإشارة إلى طرق الحديث: «فهذه عدة طرق غالبها على شرط الصحة، وهي تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي ﷺ قال، فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد».
وقد ذكر المؤلف رحمه الله عدة طرق للحديث، وحتى لو لم يذكر طرقًا للحديث فأحاديث الصحيحين تلقتها الأمة بالقبول، وأحاديثهما صحيحة تفيد العلم، إلا أن هناك حروفًا يسيرة حصل فيها بعض الوهم من بعض الرواة مثل ما جاء في حديث: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ قال: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ [(1021)] جاء أنه انقلب على بعض الرواة فقال: حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ [(1022)]. والشمال ليست هي التي تنفق، وهذا وهم يسير، وإلا فما في الصحيحين تلقته الأمة بالقبول.
المتن:
باب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
1059 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ: هَذِهِ الآْيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ» يفيد بهذه الترجمة جواز الذكر عند الكسوف، والذكر يشمل: الصلاة، والدعاء، والصدقة، والتكبير، والعتق؛ كل هذا من ذكر الله، فالعابد ذاكر لله، والذي يسبح ويهلل ويكبر ذاكر لله، والمصلي ذاكر لله، والصائم ذاكر لله، والمتصدق ذاكر لله في المعنى.
1059 قوله: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ» فيه: دليل على قول: خسفت الشمس أو كسفت الشمس، كما يقال في القمر: خسف وكسف.
قوله: «فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ» وفي اللفظ الآخر: «يجر رداءه» [(1023)] فيه: المبادرة إلى صلاة الكسوف، وأن من كان بالله أعرف كان منه أخوف، فلما كان أعرف الناس بالله وأكمل الناس إيمانًا قام فزعًا ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكثير من الناس لا يبالي الآن فيرى الآيات ولا يتأثر بسبب ضعف الإيمان، تقول عائشة: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهة؟ قال: وَمَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف: 24]» [(1024)]، وهم عاد قوم هود، جاءتهم سحابة، وظنوا أنها تمطرهم فصارت ريحًا عذابًا، فقام النبي ﷺ فزعًا يخشى أن تكون الساعة، وكان هذا ـ والله أعلم ـ قبل أن يوحى إليه أن الساعة تسبقها أشراط كبار كالدجال، ونزول عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، ثم تتابع الأشراط، ثم الدخان، وهدم الكعبة عياذًا بالله، ونزع القرآن من الصدور والمصاحف، ثم طلوع الشمس من مغربها، ثم خروج الدابة ثم آخر ذلك نار تخرج من قعر عدن.
قوله: «فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ» فيه: دليل على أن صلاة الكسوف صلاة طويلة؛ لأن القيام الأول كما جاء أنه قرأ نحوًا من سورة البقرة، لكن كما سبق أن الإمام عليه أن يراعي حال المأمومين.
قوله: هَذِهِ الآْيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ؛ لإزالة اعتقاد أهل الجاهلية من أن الكسوف والخسوف لموت عظيم أو ولادة عظيم.
قوله: وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فيه: بيان الحكمة من هذه الآيات.
قوله: فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ فالدعاء والاستغفار من الذكر، وهذا من عطف الخاص على العام، ففيه مشروعية الذكر، والدعاء، والاستغفار في الكسوف.
المتن:
باب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ رضي الله عنهما: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1060 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ.
الشرح:
قول الإمام البخاري هنا: «بَاب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ» وسبق أنه قال: «باب الذكر في الكسوف» وقال: «باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس» ؛ لاستنباط الأحكام وذلك أيضًا لتعدد الطرق التي يقوي بها الأحاديث.
وكذلك أيضًا لتعدد الرواة من الصحابة؛ فجاء حديث الكسوف من حديث أبي بكرة وأبي موسى وأبي مسعود البدري والمغيرة وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو وعائشة وكل هذا يزيد الحديث قوة.
1060 قوله: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ» فأنكر رسول الله ﷺ عليهم ذلك.
قوله: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ؛ لإزالة اعتقاد أهل الجاهلية.
قوله: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ وهذا هو الشاهد للترجمة، وفيه : مشروعية الصلاة والدعاء عند الكسوف.
المتن:
باب قَوْلِ الإِْمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ: أَمَّا بَعْدُ
1061 وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ.
الشرح:
قوله: «بَاب قَوْلِ الإِْمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ أَمَّا بَعْدُ» في هذه الترجمة: مشروعية قول الإمام: «أَمَّا بَعْدُ» في خطبة الكسوف.
1061 قولها: «فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فيه: مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف.
وفيه: مشروعية قول: «أَمَّا بَعْدُ» ، ويؤتى بها للفصل وللانتقال من شيء إلى شيء وكان النبي ﷺ يأتي بها في خطبه ويؤتى بها في الكتب والرسائل، وهو أولى من قول بعض الناس: «وبعد»، وتقال بعد الحمد والثناء على الله والصلاة على نبيه ﷺ.
واختلف في أول من قال: «أَمَّا بَعْدُ» ؛ فقيل: أول من قالها داود ، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه.
وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة، وقيل غيره.
والمقصود أن النبي ﷺ كان يقولها في خطبه ورسائله إلى الأمراء والملوك فلما كتب إلى هرقل كتب: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عِمرَان: 64]»[(1025)].
المتن:
باب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ
1062 حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
1063 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ، وَذَاكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ ﷺ مَاتَ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: فِي ذَاكَ
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ» هذه الترجمة معقودة للصلاة في كسوف القمر، والحديث إنما ورد في صلاة الكسوف والمؤلف رحمه الله يستنبط الأحكام ليبين مشروعية الصلاة في خسوف القمر كما بين المشروعية قبل ذلك في صلاة الكسوف.
1062 في الحديث: مشروعية الصلاة في كسوف الشمس، واستنبط منه البخاري مشروعية الصلاة في خسوف القمر.
1063 قوله: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ» ليس فيه أنه صلى في كسوف القمر، لكن الحكم يؤخذ من جمعهما معًا في الحديث: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ.
قوله: وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا اسم الإشارة «ذَاكَ» يعود إلى كسوف الشمس والقمر جميعًا، وهذا وجه الدلالة، وهذا هو شاهد الترجمة، وإلا فإن النبي ﷺ إنما صلى في كسوف الشمس وهي لم تكسف إلا مرة واحدة على قول المحققين من أهل العلم.
وفيه: دليل على جواز قول: كسف القمر، وكذلك: خسف القمر، وكذلك الشمس يقال: كسفت وخسفت كما سبق في الأحاديث، وقال في هذا الحديث: وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ.
وفيه أيضًا: دليل على مشروعية الصلاة في كسوف القمر وخسوفه كما تشرع في كسوف الشمس.
وفيه: إبطال اعتقاد أهل الجاهلية أن الشمس تكسف لموت عظيم أو ولادة عظيم، وقد نفى النبي ﷺ هذا الاعتقاد الخاطئ وبين الحكمة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ» أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرًا ومطولاً، واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال، والجواب: أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول، وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله: وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا بعد قوله: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك، فعند ابن حبان من طريق نوح بن قيس، عن يونس بن عبيد في هذا الحديث: فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ [(1026)] وعنده في حديث عبدالله بن عمرو: فَإِذَا انْكَسَفَ أَحَدُهُمَا [(1027)] وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ: كُسُوفُ أَيُّهُمَا انْكَسَفَ [(1028)]وفي ذلك رد على من قال: لا تندب الجماعة في كسوف القمر، وفرق بوجود المشقة في الليل غالبًا دون النهار».
وهذا باطل؛ لأنه قياس فاسد في مقابلة النص.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «ووقع عند ابن حبان من وجه آخر أنه ﷺ صلى في كسوف القمر، ولفظه من طريق النضر بن شميل، عن أشعث بإسناده في هذا الحديث: «صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم» [(1029)]. وأخرجه الدارقطني[(1030)] أيضًا.
وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه ﷺ لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله: «صلى» أي: أمر بالصلاة، جمعًا بين الروايتين.
وقال صاحب «الهدي»: لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في «السيرة» له: «أن القمر خسف في السنة الخامسة، فصلى النبي ﷺ بأصحابه صلاة الكسوف، وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام»، وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور، وقد جزم به مغلطاي في «سيرته» المختصرة، وتبعه شيخنا في نظمها».
والحافظ لم يجزم بثبوت حديث ابن حبان، والعلم عند الله تعالى.
والجمهور يقولون: ما حدث كسوف الشمس إلا مرة واحدة في السنة العاشرة.
وقال بعض العلماء: إن النبي ﷺ صلى صلاة الكسوف بصفات مختلفة، كما في «صحيح مسلم» أنه صلى ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات[(1031)]، وجاء: في كل ركعة أربع ركوعات[(1032)]، وعند أبي داود في كل ركعة خمس ركوعات[(1033)]. فقالوا: دل ذلك على أن صلاة الكسوف تعددت وأنه ﷺ أقام في المدينة عشر سنين، ويبعد أن تكون الشمس ما كسفت إلا مرة واحدة، ويحمل على أنه حصل الكسوف مرات وصلاها على صفات مختلفة.
أما جمهور المحققين فقالوا: لم تكسف الشمس إلا مرة واحدة في عهد النبي ﷺ، فهي على صفة واحدة، وهي ركعتان في كل ركعة ركوعان.
المتن:
باب الرَّكْعَةُ الأُْولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ
1064 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ الأَْوَّلُ الأَْوَّلُ أَطْوَلُ.
الشرح:
هذه الترجمة لبيان أن الركعة الأولى في الكسوف أطول وكما سبق أن المؤلف رحمه الله يعيد التراجم لاستنباط الأحكام.
1064 يستفاد من الحديث : أن الركعة الأولى في الكسوف أطول من الركعة الثانية؛ فالقراءة الأولى أطول من القراءة الثانية والركوع الأول أطول من الركوع الثاني وهكذا، فالسنة في الكسوف أن تكون الركعة الأولى أطول من الثانية.
المتن:
باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ
1065 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَهَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
1066 وَقَالَ الأَْوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَعَثَ مُنَادِيًا بِالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ قَالَ: أَجَلْ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ.
تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الْجَهْرِ.
الشرح:
قوله: «الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ» هذه الترجمة استنبط فيها البخاري رحمه الله مشروعية الجهر بالقراءة في الكسوف ليلاً أو نهارًا.
1065 قوله: «جَهَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» هذا هو الشاهد للترجمة، ففي الحديث: مشروعية الجهر بالقراءة في كسوف الشمس والقمر ليلاً أو نهارًا.
والحكمة والله أعلم : حتى يستفيد الناس ويتدبروا؛ لأن الصلاة التي فيها اجتماع الناس يشرع فيها الجهر، ولذلك يشرع الجهر في صلاة الجمعة؛ لأنها صلاة يجتمع فيها الناس، وكذلك في صلاة العيد وصلاة الاستسقاء كل ذلك يشرع فيه الجهر بالقراءة.
1066 قوله: «أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ» فيه: صفة صلاة الكسوف أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان.
قوله: «إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ» أي: إنه أخطأ إذ صلى الكسوف مثل صلاة الصبح، وهذا بخلاف السنة، والسنة أن يصليها ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجدتان، وليس فعل عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما حجة؛ فكل يؤخذ من قوله ويرد، إنما الحجة في قول النبي ﷺ وفعله، وأما من أخطأ فهذا يترحم عليه ويترضى عنه ويلتمس له العذر ولا يقتدى به في الخطأ، ولعل عبدالله بن الزبير خفيت عليه السنة أو تأول.