المتن:
(18) أَبَواب تَقْصِيرِ الصَّلاَة
باب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
1080 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا.
1081 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا.
الشرح:
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله في تقصير الصلاة، والتقصير بمعنى القصر وهو تخفيف الرباعية إلى ركعتين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ؟» في هذه الترجمة إشكال؛ لأن الإقامة ليست سببًا للقصر، ولا القصر غاية للإقامة، قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكورة سبب لمعرفة جواز القصر فيها ومنع الزيادة عليها، وأجاب غيره بأن المعنى: وكم إقامته المغياة بالقصر؟ وحاصله: كم يقيم مقصرًا؟ وقيل: المراد كم يقصر حتى يقيم؟ أي حتى يسمى مقيمًا فانقلب اللفظ، أو «حَتَّى» هنا بمعنى: حين، أي : كم يقيم حين يقصر؟ وقيل: فاعل «يُقِيمُ» هو المسافر، والمراد : إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر».
1080 جاء بهذا الحديث البخاري رحمه الله لبيان المدة التي يقصر فيها المسافر، ولم يجزم في الترجمة؛ لأن المسألة فيها خلاف ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله.
فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «تسعة عشر» أي يومًا بليلته، زاد في «المغازي» من وجه آخر عن عاصم وحده: «بمكة» [(1056)]، وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبدالرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة[(1057)]، وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ: «سبعة عشر» [(1058)] بتقديم السين، وكذا أخرجه من طريق حفص بن غياث، عن عاصم قال: وقال عباد بن منصور، عن عكرمة: «تسع عشرة» [(1059)] كذا ذكرها معلقة، وقد وصلها البيهقي[(1060)].
ولأبي داود أيضًا من حديث عمران بن حصين: «غزوت مع رسول الله ﷺ عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين»[(1061)].
وله من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أقام رسول الله ﷺ بمكة عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة» [(1062)]، وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال: تسع عشرة عد يومي الدخول والخروج، ومن قال: سبع عشرة حذفهما، ومن قال: ثماني عشرة عد أحدهما.
وأما رواية: «خمسة عشر» فضعفها النووي في «الخلاصة»، وليس بجيد؛ لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق؛ فقد أخرجها النسائي من رواية عراك ابن مالك، عن عبيد الله كذلك، وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية: «سبعة عشر» فحذف منها يومي الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية: «تسعة عشر» أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضًا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة، وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية: «خمسة عشر» لكونها أقل ما ورد، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقًا. وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين ، لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة، فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام، فإن أزمع الإقامة في أول الحال على أربعة أيام أتم على خلاف بين أصحابه في دخول يومي الدخول والخروج فيها أو لا، وحجته حديث أنس الذي يليه.
قوله: «فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا» ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الإتمام ، وليس ذلك المراد، وقد صرح أبو يعلى، عن شيبان، عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه: «إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر» [(1063)] ويؤيده صدر الحديث وهو قوله: «أَقَامَ» ، وللترمذي من وجه آخر عن عاصم: «فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعًا»[(1064)].
1081 قوله: «فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» يعني: إلا المغرب فمعلوم أن المغرب لا تقصر، وكذلك الفجر، وهذا بإجماع العلماء، فلا تقصر إلا الرباعية: الظهر والعصر والعشاء فتصلى ركعتين، فتكون جميع الصلوات ركعتين إلا المغرب.
وقد جاء التصريح بذلك كما عند البيهقي، فعنده: «إلا في المغرب»[(1065)].
قوله: «أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور؛ لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة، وحديث أنس في حجة الوداع، وسيأتي بعد باب من حديث ابن عباس: «قدم النبي ﷺ وأصحابه لصبح رابعة» [(1066)] الحديث، ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر، فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء؛ لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى، ومن ثم قال الشافعي: إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام، وقال أحمد: إحدى وعشرين صلاة».
ثم ذكر الحافظ رحمه الله أن ابن رشيد أورد أن البخاري أراد أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس؛ لأن إقامة عشر داخل في إقامة تسع عشرة ـ فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين ـ، ثم رد عليه الحافظ رحمه الله فقال : «فيه نظر؛ لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين، والحق أنهما مختلفتان:
فالمدة التي في حديث ابن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو الإقامة، بل كان مترددًا متى يتهيأ له فراغ حاجته يرحل.
والمدة التي في حديث أنس يستدل بها على من نوى الإقامة؛ لأنه ﷺ في أيام الحج كان جازمًا بالإقامة تلك المدة.
ووجه الدلالة من حديث ابن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام، فلما لم يجئ عنه ﷺ أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر. وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي».
ثم ذكر الحافظ من فوائد الحديث في قوله: «أَقَمْنَا بِهَا» أي: بمكة «عَشْرًا» فقال رحمه الله وفيه: أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة، وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها؛ لأن منى وعرفة ليستا من مكة، أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعًا، وأما منى ففيها احتمال. والظاهر أنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم، قال أحمد بن حنبل: ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته ﷺ في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا.
وقال المحب الطبري: أطلق على ذلك: إقامة بمكة؛ لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة؛ لأنها المقصود بالأصالة، لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد، والله أعلم. وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيمًا، وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي، وهي رواية عن مالك».
المتن:
باب الصَّلاَةِ بِمِنًى
1082 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا.
1083 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ.
1084 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الأَْعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الصَّلاَةِ بِمِنًى» لم يجزم بالحكم؛ لأن المسألة فيها خلاف.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب الصَّلاَةِ بِمِنًى» أي : في أيام الرمي، ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها، وخص منى بالذكر؛ لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديمًا.
واختلف السلف في المقيم بمنى، هل يقصر أو يتم؟ بناء على أن القصر بها للسفر أو للنسك. واختار الثاني مالك، وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك.
وقال بعض المالكية: لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي ﷺ أتموا، وليس بين مكة ومنى مسافة القصر، فدل على أنهم قصروا للنسك.
وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين: أنه ﷺ كان يصلي بمكة ركعتين ويقول: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ [(1067)] وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة. قلت: وهذا ضعيف؛ لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ولو صح فالقصة كانت في الفتح، وقصة منى في حجة الوداع، وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد».
1082 قوله: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ» هو ابن عمر؛ لأن نافعًا يروي عن ابن عمر.
وفي هذا الحديث ذكر ابن عمر أنه صلى بمنى خلف النبي ﷺ الرباعية فقصرها، وكذلك خلف أبي بكر وعمر وصدرًا من خلافة عثمان ثم أتمها عثمان بعد ذلك، وقد اجتهد عثمان في ذلك، وسيأتي أن عبد الله بن مسعود صلى خلفه، فلما صلى قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون» فاعتبرها مصيبة، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، تعتبرها مصيبة وتصلي؟ فقال : الخلاف شر.
وإجماع الصحابة على الصلاة خلف أمير المؤمنين عثمان يدل على أن قصر الصلاة في السفر ليس بواجب، لكنه مستحب متأكد، وهذا قول الجمهور.
وجمهور العلماء يرى أن القصر للسفر، وعلى هذا يقولون: إن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون بمنى ولا بالمزدلفة ولا بعرفة بل يتمون الصلاة.
وقال الأحناف[(1068)] وبعض الشافعية[(1069)]: الجمع نسك، وعلى هذا يكون جميع الحجاج يجمعون، ولو لم تكن مسافة القصر؛ لأن الجمع نسك من مناسك الحج.
والصواب أن الحجاج يقصرون جميعًا سواء قلنا: إنه نسك أو لم نقل؛ لأن النبي ﷺ صلى بالحجاج جميعًا حتى أهل مكة، ولم يأمرهم بالإتمام، ولم يقل: أتموا يا أهل مكة، ولكن لما صلى النبي ﷺ في جوف مكة في غزوة الفتح قصر وقال: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ [(1070)] ـ وسبق أنه ضعيف ـ أما في حجة الوداع فما قال لهم: أتموا، فصلى وراءه قصرًا جميع الحجاج من أهل مكة وغيرهم، هذا هو الصواب كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(1071)] والعلامة ابن القيم رحمه الله[(1072)] وغيرهم من المحققين، أما الفقهاء كالحنابلة[(1073)] وغيرهم يرون أن أهل مكة لا يجمعون ولا يقصرون؛ لأن المسافة ليست مسافة قصر، وكذلك من قدم من مسافة ليست مسافة قصر لا يجمعون ولا يقصرون.
والباعة الذين لم يحرموا لا يقصرون الصلاة إلا إذا كانوا مسافرين وجاءوا من بعيد، أما إذا كان خرج من مكة للبيع والشراء أو قريب منها فلا يجمع ولا يقصر.
1083 يستدل بهذا الحديث على أن القصر لا يشترط له الخوف مع السفر، بل يكفي السفر وحده.
ففيه: أن النبي ﷺ صلى بهم بمنى ركعتين وهم آمنون.
أما قول الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النِّسَاء: 101]، فقد اشترط شرطين للقصر: الأول: السفر، والثاني: الخوف، وهذا وصف أغلبي، أو أنه منسوخ؛ وقد جاء في الحديث الصحيح: أن رجلاً سأل عمر قال: ما بالنا نقصر الصلاة ونحن آمنون وقد قال الله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقال عمر: سألت عنها الرسول ﷺ فقال: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ [(1074)].
فالآية فيها اشتراط الخوف والسنة جاءت بعدم اشتراط الخوف، فالمسافر يقصر الصلاة ركعتين سواء كان خائفًا أو آمنًا، ففي اللفظ الآخر قال: «ونحن كنا أكثر ما كنا وآمن» [(1075)] أي: ومع ذلك صلينا مع النبي ﷺ ركعتين فدل على أن اشتراط الخوف في الآية إما منسوخ أو وصف أغلبي، يعني أنَّ الغالب أنْ يكون هناك خوف.
1084 قوله: «صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» فمعلوم أن عثمان فعل هذا متأولاً، فهو حينما أتم كان مجتهدًا في هذا، والاجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، واجتهاد عثمان هنا خالف السنة، فالسنة صلاتها ركعتين كما فعل النبي ﷺ، ولكن عثمان رأى أن يتمها حتى لا يظن الداخلون في الإسلام حديثًا أن الفريضة تصلى ركعتين أصلاً.
وقد ورد في اللفظ الآخر: أن ابن مسعود لما قيل له قال: الخلاف شر[(1076)].
فدل هذا على أن المأموم يترك رأيه لرأي الإمام، وأن جمع الكلمة خير من الاختلاف والفرقة، وأن المسائل الفرعية الخلاف فيها لا يجب أن يكون عاملاً في التفرق والاختلاف.
فهذا يدل على أن الصحابة يراعون مسألة الخلاف والفرقة، ويرون ترك رأيهم لولاة الأمور ما دامت المسألة لم تصل إلى حد المعاصي، فعبدالله بن مسعود ترك رأيه لرأي عثمان وهو يرى أن الصواب معه، لكن صلى خلفه أربع ركعات.
وكذلك كان أبو موسى الأشعري يفتي بالمتعة فقيل له: إن أمير المؤمنين يفتي بغير فتياك، يفتي بالإفراد، فقال: «رويدكم اتئدوا من أفتيناه فتيا فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به» كل هذا مراعاة لولاة الأمور وعدم الخلاف وعدم مخالفتهم ما دام الأمر فيه سعة؛ حتى لا يحصل الشر؛ لأن الاتفاق فيه اجتماع القلوب وتآلفها، والخلاف يؤدي إلى تنافر القلوب واختلافها مما يؤدي إلى الشحناء والبغضاء والعداوة، بل قد يؤدي إلى القتال.
ولهذا فإن الإمام أحمد[(1077)] رحمه الله لا يرى القنوت في صلاة الفجر، وكان الشافعية[(1078)] يرون القنوت، وكان إذا صلى خلف من يقنت رفع يديه وأمن، ويقول: الخلاف شر، وهذه مسألة يجب الانتباه لها.
المتن:
باب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّتِهِ
1085 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ.
تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ.
الشرح:
1085 قوله: «قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «لا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء؛ لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى».
المتن:
الشرح:
وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ «يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا.
المتن:
1086 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ: لأَِبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.
1087 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَاً إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1088 حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ.
تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
الشرح:
قوله رحمه الله: «بَاب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟ وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا» ، وفي لفظٍ: «باب في كم تقصر الصلاة ؟ وسمى النبي ﷺ يومًا وليلة» قصد المؤلف رحمه الله من هذه الترجمة بيان المسافة التي إذا أرادها المسافر جاز له القصر، أي: ما هي المسافة التي إذا وقعت قصر المسافر فيها الصلاة وأفطر في رمضان وجمع بين الصلاتين ومسح على الخفين أو الجوربين ثلاثة أيام بلياليها؟
فالمسافر له هذه الأحكام الأربعة: قصر الصلاة، والجمع بين الصلاتين: بين الظهرين وبين العشاءين، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، والإفطار في رمضان.
فما هي المسافة التي إذا أرادها المسافر صارت له هذه الأحكام؟
قال المؤلف: «بَاب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟» لم يجزم بالحكم ولم يبين المسافة؛ لأن المسافة فيها خلاف كبير بين أهل العلم، ولهذا قال: «بَاب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟ وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا» واختار المؤلف رحمه الله هذا المذهب وهو مذهب الجمهور أن المسافة يوم وليلة أو نهاران ويومان قاصدان بالإبل المزودة بالأحمال، فقد اختلفوا في المسافة التي إذا أرادها المسافر ترخص برخص السفر على نحو من عشرين قولاً حكاها ابن المنذر، وأرجحها قول الجمهور.
فالمسافة التي إذا قصدها المسافر تصبح له هذه الأحكام الأربعة هي يوم وليلة أو نهاران وهي أربعة برد، والبريد أربعة فراسخ، فتكون المسافة ستة عشر فرسخًا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، وهو ما يعادل ألف وستمائة متر تقريبًا.
وهذا اختيار البخاري واستدل بحديث أبي هريرة وهو الحديث الأخير: لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ وهذا القول ـ وهو قول الجمهور ـ فيه احتياط لهذه العبادة العظيمة.
وحكى النووي رحمه الله عن أهل الظاهر: أنهم ذهبوا إلى أن أقل مسافة لقصر الصلاة ثلاثة أميال، واستدلوا بحديث أنس عند مسلم: «كان رسول الله ﷺ إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة»[(1079)].
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية[(1080)] وتلميذه العلامة ابن القيم[(1081)] رحمهما الله إلى أنه يقصر في كل ما يسمى سفرًا ويحتاج إلى حمل الزاد، وأرجعا هذا إلى العرف، فكل ما يسمى سفرًا ويحتاج إلى حمل الزاد فله أحكام السفر، أما ما لا يسمى سفرًا فلا تقصر الصلاة فيه.
ومثال هذا: من ذهب من الرياض إلى مدينة تبعد ثمانون كيلو مترات ـ لا يعتبر مسافرًا عند شيخ الإسلام؛ لأنه ما حمل الزاد والمزاد، أما على مذهب الجمهور فيسمى سفرًا.
وذهب الأحناف[(1082)] إلى أن مدة السفر ثلاثة أيام، واستدلوا بهذه الأحاديث: حديث ابن عمر: لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وفي اللفظ الآخر: لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا معها ذو محرم فقالوا: إن مدة السفر ثلاثة أيام، وأقل ما ورد في مسافة القصر بريد، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع.
والراجح مذهب الجمهور.
1086، 1087، 1088 اختلفت الأحاديث التي وردت في أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم، فبعضها يوم وليلة كما في حديث أبي هريرة الأخير، وبعضها ثلاثة أيام كما في حديث ابن عمر هنا، وبعضها: لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ [(1083)] بدون تحديد، وبعضها مسافة يومين[(1084)]. فكيف يجمع بينها؟
الجواب: اختلف العلماء في الجمع بينها فقيل: يجمع بينها في أن المسافة واحدة لكن السير مختلف، فالذي يسير ثلاثة أيام هذا بالسير البطيء، والذي يسير يومًا وليلة بالسير الجاد السريع.
وقال آخرون: إن الاختلاف بحسب السائلين، وهذا هو الأرجح.
وقال بعضهم: إن المسافة الكثيرة منسوخة بالمسافة القليلة.
وينبغي التنبه إلى أن الذهاب يختلف عن الإياب، فالذهاب يعني المسافة التي تقصدها، فإذا قصدت الذهاب من الرياض إلى بلدة تبعد عن ثمانون كيلو مترات، أما إذا قصدت أربعين كيلو مترات ذهابًا وأربعين إيابًا فهذه ليست مسافة قصر.
والراجح مذهب الجمهور الذي عليه الفتوى الآن، فمذهب الجمهور أن المسافة التي تسمى سفرًا هي مسافة يوم وليلة، أي: هي أربعة وثمانون كيلو مترات.
المتن:
باب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ
وَخَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ؟ قَالَ: لاَ حَتَّى نَدْخُلَهَا.
1089 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ:حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
1090 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.
الشرح:
قوله: «بَابٌ يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ» هذه الترجمة معقودة لبيان متى يبدأ القصر؟ هل يترخص وهو في البلد قبل أن يسافر أو بعدما يفارق البلد؟
المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: مذهب الكوفيين وهو: أنه إذا أراد سفرًا فإنه يقصر الرباعية ولو كان في منزله، ذلك ما دام أراد أن يسافر مسافة ثمانين كيلو مترات، ويترخص برخص السفر وهو في بلده، هذا مذهب الكوفيين.
القول الثاني: مذهب الجمهور، وهو الذي قصد به البخاري الرد على الكوفيين في هذا الباب، فمذهب الجمهور أنه يقصر إذا فارق بيوت البلد، وكذلك أيضًا يستمر يترخص برخص السفر حتى يرجع إلى البلد، فإذا وصل البيوت انتهت الرخصة.
ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله أثر علي وفيه: «قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ؟ قَالَ: لاَ حَتَّى نَدْخُلَهَا» أي: لا، بل نترخص حتى ندخلها.
وإذا كان سفرًا طويلاً بالطائرة فله أن يصلي كل صلاة في وقتها ويقصر ويدور مع القبلة حيث دارت، يصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وله فيها الجمع.
1089 قوله: «صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» يستفاد منه الرد على الكوفيين الذين قالوا: إذا أراد السفر فإنه يقصر الرباعية ولو كان في منزله، فرد البخاري عليهم بهذا الحديث، وذلك أن النبي ﷺ صلى الظهر بالمدينة أربعًا وهو ينوي السفر في حجة الوداع، وفي العصر كان قد انتقل ووصل إلى الميقات بذي الحليفة، وهي منطقة قريبة من المدينة فصلى فيها ركعتين؛ لأنه فارق البلد، وصلى المغرب ثلاث ركعات والعشاء والفجر والظهر ركعتين، ثم أحرم في اليوم الثاني، فبذلك قد صلى النبي ﷺ فيها خمسة فروض.
مسألة: هل يقصر في المطار أو لا يقصر؟
الجواب: المسألة فيها تفصيل:
إذا كان المطار في البلد فلا يقصر، أما إذا كان خارج البلد في مطار الرياض ـ مثلاً ـ فإنه يقصر؛ لأنه خارج البلد.
فإذا خرج من بيته مسافرًا ووصل المطار فعليه أن ينظر إذا كان المطار خارج البلد بدأت الرخصة، فقد فارق البلد، وإن كان في وسط البلد فلا يترخص حتى يقلع.
وإذا كان موظفًا بالمطار ويذهب من بيته إلى المطار حوالي خمس أو ست مرات في اليوم، فهل يقصر؟
الجواب: لا يقصر في المطار فهو ليس مسافرًا.
إذن الكلام متعلق بالمسافر لا المقيم في البلد.
مسألة: إذا دخل وقت الصلاة وهو في البلد، ثم سافر وفارق البلد فهل يقصر الصلاة أم لا يقصرها؟
الجواب: العبرة بالفعل أي: بأداء الصلاة، فإن صلاها في البلد أتم، وإن صلاها خارج البلد قصر، فإذا كان خروجه بعد دخول الوقت وقد فارق البلد بالفعل له أن يقصر، وإن صلاها في البلد أتمها.
وإذا قدم البلد بعد دخول وقت الظهر، فلم يصلها حتى أدركها في بلده يصليها أربعًا؛ لأنه قد انتهت أحكام السفر.
مسألة: هل له أن يجمع بين الصلاتين إذا غلب على ظنه أنه قد يقدم البلد في وقت الصلاة؟
الجواب: له أن يجمع بين الصلاتين؛ لأن سبب القصر موجود ما دام في السفر، وإذا قدم البلد والناس يصلون صلاها معهم وتكون له نافلة، فالمقصود أنه ما دام سبب القصر موجودًا فله ذلك حتى ينتهي السفر.
مسألة: في الترخص برخص السفر قبل السفر؟
الجواب: هناك آثار عن الصحابة تدل على أنهم كانوا يترخصون قبل السفر، فكان أحدهم يفطر ـ مثلاً ـ ويقصر، لكن في ثبوت هذه الآثار نظر، واحتج بهذا الكوفيون فقالوا: له أن يترخص قبل أن يفارق البلد لكن هذا مرجوح، والصواب ما دل عليه الحديث أنه ﷺ صلى بالمدينة أربعًا وبذي الحليفة ركعتين. فهو عازم على السفر، لكن لما لم يفارق البلد في الظهر صلى أربعًا، ولما فارق البلد صلاها بذي الحليفة ركعتين.
فإن قصر المرء في بيته وهو قاصد السفر يعيد الصلاة، فصلاته باطلة على الصحيح.
ومن كان له عمل في مسافة القصر يذهب ويأتي كل يوم: إذا أدركته الصلاة في الطريق يقصر، وإذا أدرك الصلاة في البلد أتم.
المتن:
باب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا فِي السَّفَرِ
1091 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ.
1092 وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، قَالَ سَالِمٌ: وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةَ، فَقَالَ: سِرْ، فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ فَقَالَ: سِرْ حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ، وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ.
الشرح:
قوله: «يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا فِي السَّفَرِ» أراد المؤلف رحمه الله بهذه الترجمة: أن المغرب لا يدخلها القصر وذلك بالإجماع، وكذلك الفجر لا تقصر وإنما التي تقصر الرباعية: الظهر والعصر والعشاء.
1091 يستفاد من هذا الحديث جواز الجمع والقصر بين المغرب والعشاء في السفر، فالعشاء يقصرها ركعتين والمغرب يصليها ثلاثًا.
1092 قوله: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ، ثم قوله عن النبي ﷺ : «يؤخر المغرب فيصليها ثلاثًا ثم يسلم، ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء فيصليها ركعتين» يستفاد منه أن العشاء يقصرها ركعتين والمغرب يصليها ثلاثًا.
قوله: «اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ» أي: دعي إلى امرأته وكانت مريضة، وهي أخت المختار الثقفي، استغيث بصوت مرتفع أن يأتي إليها.
قوله: «وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ» أي: لا يصلي صلاة السبحة وهي النافلة؛ لأن النبي ﷺ ما كان يتنفل في السفر، يعني الراتبة، فالمسافر إذا سافر على الراجح تسقط عنه سنة الظهر القبلية والبعدية، وسنة المغرب وسنة العشاء، أما سنة الفجر فتبقى عليه فلا تسقط حضرًا ولا سفرًا، وكذلك النوافل المطلقة كصلاة الضحى وصلاة الليل وسنة الوضوء وتحية المسجد إذا دخل المسجد يصليها وهو في طريق سفره، إنما الكلام في السنن الرواتب فقط ما عدا سنة الفجر.
المتن:
باب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ
1093 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
1094 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ.
1095 حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: وكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْعَلُهُ.
الشرح:
قوله: «بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» هذه الترجمة معقودة لبيان مشروعية صلاة التطوع على الدواب ـ إذا سافر ـ حيثما توجهت به راحلته ولو لغير القبلة، لفعل النبي ﷺ.
1093 قوله: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» «حَيْثُ» : ظرف مكان، يعني: توجهت إلى أي مكان وإلى أي جهة.
1094 ذِكْره في الحديث: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ» فيه: التصريح بجواز صلاة التطوع على الدواب إذا سافر حيثما توجهت به راحلته ولو لغير القبلة.
لكن يستحب له أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام ثم ينصرف إلى أي جهة، لحديث ورد عند أبي داود[(1085)].
والأحاديث الكثيرة الصريحة ليس فيها استقبال القبلة عند الإحرام من حديث عامر بن ربيعة، وحديث جابر بن عبد الله، وحديث عبد الله بن عمر.
وحديث أبي داود هذا فرد من أفراد هذه الأحاديث، لكن إذا صلى في الطائرة، أو السيارة، أو القطار، أو السفينة، فإنه يدور مع القبلة حيث دارت؛ لأنه يمكنه ذلك؛ فالعلماء نصوا على أنه إذا صلى على المحمل دار مع القبلة، فالمحمل الذي يوضع على البعير واسع فيستطيع أن يدور فيه مع القبلة، بخلاف من كان على الدابة فإنه لا يمكنه الصلاة على البعير أو الحمار فلا يستطيع أن يدور مع القبلة.
أما الفريضة فإنه يجب عليه أن ينزل ويصلي على الأرض وإلا وجب عليه أن يدور مع القبلة إذا كان على الدابة، إلا إذا كان هناك مطر وبلة ولا يستطيع أن يدور في الفريضة على الدابة فله أن يصلي للضرورة، وإلا فالأصل أن ينزل على الأرض ويصلي الفريضة، أما النافلة فالأمر فيها واسع ويتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها، فيصلي ولو إلى غير القبلة.
مسألة: ويقاس البرد على المطر إذا كان هناك رياح شديدة أو برد شديد زائد عن العادة لا يستطيع معه التنفل في هذا الوقت.
وحديث أبي داود هذا في صحته نظر، لكنه لو صح أن يدور مع القبلة، وقيل بالوجوب فله وجه في استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام.
المتن:
باب الإِْيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ
1096 حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كُانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِي َّﷺ كَانَ يَفْعَلُهُ
الشرح:
1096 في الحديث: بيان أن المتنفل الذي يصلي على الراحلة يومئ للركوع والسجود عند عدم التمكن منهما؛ لأنه يخشى أن يسقط فلا يمكنه الركوع ولا السجود، وبهذا قال الجمهور، أما إذا أمكنه الركوع والسجود فإنه يركع ويسجد كما لو كان مثلاً في الطائرة أو القطار فيمكنه السجود على أرض المركوب.
وينبغي للإنسان على الطائرة أو غيرها إذا أمكنه أن يجمع بين الصلوات قبل الصعود أو بعد الهبوط فإنه يفعل فهذا أولى، أما إذا كان السفر طويلاً ولا حيلة له في ذلك فليصل، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التّغَابُن: 16]، وليصل في مكان تصلى فيه الصلاة، وإلا صلى في مكانه.
وإذا كان الإنسان مريضًا ولا يستطيع أن يتجه إلى القبلة يصلي على حسب حاله، وإن وجد من يوجهه واستطاع أن يوجه وجَّهه، وإن لم يجد فيصلي على حسب استطاعته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن دقيق العيد: الحديث يدل على الإيماء مطلقًا في الركوع والسجود معًا، والفقهاء قالوا: يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه».
وهذا معروف من الأحاديث أن الإيماء للسجود يكون أخفض من الإيماء للركوع، وكذلك المريض الذي لا يستطيع السجود والركوع يومئ للركوع والسجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه أي: يخفضه إلى آخر ما يستطيع والركوع يكون فوقه.
والمسافر مثل ذلك، فالذي يصلي على الدابة يومئ ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع، فأقصى ما يستطيع من الإيماء يجعله للسجود ويجعل إيماءه للركوع أعلى منه.
والدليل على أن الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع أن السجود أخفض من الركوع، فهذا هو الأصل والإيماء بدل، فالبدل يحكي الأصل.
أما قول الحافظ ابن حجر رحمه الله نقلاً عن ابن دقيق العيد: «وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه»، نقول: إن هذا معروف من النصوص الأخرى، ومعروف أن البدل له حكم المبدل، فالسجود على الأرض والركوع في الهواء، إذن فالسجود أخفض من الركوع في الأصل، فكذلك هو أخفض من الركوع في الإيماء، وإذا ثبتت صحة قول النبي ﷺ: واجعل سجودك أقل من ركوعك[(1086)] يكون حجة ويكون هو الدليل، لكن يحتاج ذلك إلى ثبوته.
المتن:
باب يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ
1097 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ.
الشرح:
قوله: «بَابٌ يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ» بعد أن ذكر في الباب السابق أنه يومئ فيصلي النافلة على الدابة بوب في هذا الباب للفريضة وأبان أنه ينزل على الأرض للصلاة المكتوبة ولا يصلي على الدابة، وهذا إذا لم يكن له عذر، فإن كان له عذر كالمطر صلى على الراحلة.
1097 قوله: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ» ، وفي لفظ: «على ظهر راحلته» [(1087)] «يُسَبِّحُ» يعني: يصلي صلاة السُّبحة، وهي النافلة.
قوله: «يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ» أي: يومئ برأسه جهة أي: وجهة في سفره، فيصلي جهة الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، الجهة التي هو سائر إليها.
ثم قال: «وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ» يعني: الفريضة، ففي صلاة الفريضة ينزل ويصلي إلى القبلة ـ إن استطاع ذلك ـ فلا يتسامح فيها ولابد أن يستقبل القبلة عند الاستطاعة، أما النافلة فالأمر فيها واسع.
المتن:
الشرح:
1098 قوله: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا» فيه: دليل على جواز تنفل المسافر على راحلته حيث توجهت به.
واستدل البخاري رحمه الله بهذا الحديث على سنية الوتر، وفيه : الرد على الأحناف الذين يوجبون الوتر[(1088)]، فلو كان فرضًا واجبًا لنزل وصلى على الأرض؛ لأنه ﷺ كان يصلي الفريضة على الأرض، ولا يصليها على الدابة.
المتن:
الشرح:
1099 قوله: «نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» يعني: في الفريضة، فدل على أن الفريضة أمرها أشد من النافلة، فلا بد أن ينزل على الأرض ويستقبل القبلة عند صلاتها، أما النافلة فيصلي على الراحلة ولو كان في غير جهة القبلة.
المتن:
باب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ
1100 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّأْمِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
قوله: «صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ» هذه الترجمة معقودة لبيان حكم صلاة التطوع على الحمار، وأنه لا بأس به.
1100 في الحديث: بيان جواز صلاة التطوع على الحمار وأنه لا بأس به؛ لأن النبي ﷺ كان يصلي على الحمار، ففعله أنس وقال: إن النبي ﷺ فعله، فدل على جوازه.
وفيه: جواز صلاة التطوع على كل دابة ولو لم تكن الدابة طاهرة الفضلات، فيصلي المرء على الحمار، والبغل، والفرس، والبعير، فلا بأس بالصلاة على كل دابة سواء كانت طاهرة الفضلات أم لم تكن طاهرة، فالحمار فضلاته نجسة، والبغل فضلاته نجسة، لكن أصله في الحياة طاهر، وعرقه طاهر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ» ، قال ابن رشيد: مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات، بل الباب في المركوبات واحد بشرط ألا يماس النجاسة».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار؛ لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق»
وفيه: أن أنسًا صلى على الحمار وهو عن يسار القبلة، وأخبر أن النبي ﷺ فعل ذلك، فدل على أنه لا بأس بالتطوع ولو لغير القبلة، وهذا إنما كان يفعله النبي ﷺ في السفر.
مسألة: في التطوع على الراحلة في البلد.
الجواب: الذي في الحديث أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك في السفر لم يفعله في البلد؛ ففي البلد يمكن أن يقف ويصلي في المسجد أو في البيت، وإن كان بعض أهل العلم أجازوا ذلك، إلا أن ظاهر الأحاديث أن التطوع إنما يكون في السفر على الدابة، أما في البلد فلا حاجة للتطوع على السيارة أو على الدابة؛ لأن البلد قريب، فإذا ذهب الإنسان مسافة داخل البلد فإنه يستطيع أن يقف في أي مكان ويصلي.
المتن:
باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا
1101 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ ابْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزَاب: 21].
الشرح:
قوله: «مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا» هذه الترجمة معقودة لبيان حكم تطوع المسافر بالسنن الرواتب القبلية والبعدية في الفريضة، ومعلوم أن السنن الرواتب ثنتا عشرة ركعة كما في حديث أم حبيبة رضي الله عنها مرفوعًا: مَنْ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [(1089)] وهي: أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، فهل المسافر يصلي هذه السنن الرواتب أم لا؟
الجواب: ظاهر صنيع البخاري في الترجمة أنه اختار عدم الصلاة، وهذا هو الصواب وهو الذي دلت عليه الأحاديث.
1101 قوله: «فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ» يعني: لا يصلي صلاة السبحة وهي النافلة قبل الصلاة ولا بعدها.
قوله: «وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزَاب: 21].» يعني: فاقتدوا بالرسول ﷺ؛ لأنه أسوة حسنة لكم، فكان ﷺ لا يصلي السنن الرواتب إذا سافر إلا سنة الفجر.