المتن:
باب الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ
1180 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا.
1181 حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
الشرح:
1180، 1181 في هذا الحديث بيان السنن الرواتب كما قال ابن عمر: «عَشْرَ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ» هذه عشر.
وفي حديث أم حبيبة[(194)] وعائشة[(195)] زيادة أربع ركعات قبل الظهر وهذا هو الأولى.
والشاهد الركعتان قبل الظهر؛ حيث بوب المؤلف فقال: «بَاب الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ» .
المتن:
1182حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حدثنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ.
تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ.
الشرح:
1182 قوله: «الْغَدَاةِ» هي الفجر.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها هذا أنه ﷺ كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين؛ فيؤخذ من مجموع حديثي ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أن الرواتب ثنتا عشرة ركعة.
ولو بوب المؤلف رحمه الله فقال: باب أربع ركعات قبل الظهر؛ لكان أولى، ولكنه بوب على حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يبوب للزيادة التي جاءت في حديث عائشة، وفي حديث أم حبيبة رضي الله عنها أيضًا.
وإذا فاتته الركعتان قبل الظهر صلى السنة الراتبة بعد الظهر ركعتين أو أربعًا، ثم يقضي الأربع ركعات التي فاتته قبل الظهر، فله أن يقضيها إلى دخول وقت العصر، ولكن إذا خرج الوقت فلا يقضي السنن الرواتب إلا ركعتي الفجر، فله أن يقضيهما.
المتن:
باب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ
1183 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ قال: حدثني عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً.
الشرح:
1183 في هذا الحديث مشروعية الصلاة قبل المغرب ولكنها ليست من الرواتب فهي صلاة مستحبة، ولهذا قال النبي ﷺ: صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ كررها ثلاثًا هكذا: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب.
قوله: «قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ يدل على أنها مستحبة وليست مؤكدة مثل الرواتب.
قوله: «كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّة» يعني: سنة لازمة؛ أي: لو لم يقل: لمن شاء، لكان الأمر للوجوب ولقلنا إن صلاة السنة قبل المغرب واجبة، لكن النبي ﷺ صرف هذا الأمر وجعله لاختيار الإنسان، فلما جعل الاختيار للإنسان دل على أنها ليست واجبة.
المتن:
الشرح:
1184 قوله: «أَلاَ أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ» يعني: مرثد بن عبد الله المزني قال لعقبة هذا، كأنه استنكر فعل أبي تميم.
قوله: «فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» أي: ليست هذه الصلاة بدعة من أبي تميم.
قوله: «قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآْنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ» فيه: دليل على أن وقت المغرب ليس ضيقًا كما يزعمه بعض العلماء، وأنه لا يتسع إلا لمقدار صلاة ثلاث ركعات، ويفعل هذا بعض الأئمة حيث تجده يقف عند المؤذن وبمجرد أن ينته المؤذن من أذانه أمره بإقامة الصلاة، وهذا غلط؛ لأن وقت المغرب وقت واسع كما في الحديث: مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ [(196)]، وهو بمقدار ساعة وعشر دقائق تقريبًا أو ساعة وربع أو قريبًا من هذا، وكان الصحابة أيضًا يصلون قبل المغرب، وكان الداخل يظن أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها، وكانوا يبتدرون السواري.
المتن:
باب صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً
ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1185 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَْنْصَارِيُّ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ.
1186 فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَْنْصارِيَّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتْ الأَْمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتْ الأَْمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَأَفْعَلُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِي فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لاَ أَرَاهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَاكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ أَلاَ تَرَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لاَ نَرَى وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إِلاَّ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ.
قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ فَأَنْكَرَهَا عَلَيَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا قُلْتَ: قَطُّ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْ الصَّلاَةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
الشرح:
قوله: «بَاب صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً» هذه الترجمة معقودة لبيان حكم صلاة النوافل جماعة، يعني: إذا لم تتخذ عادة مستمرة، فلا بأس بصلاة النوافل جماعة، فلو زارك ضيوف أو أناس من أصحابك ومن إخوانك في الضحى مثلاً في يوم الخميس وصليتم الضحى جماعة فلا حرج، أو زارك أحد بعد العشاء وصليتم في الليل جماعة فلا بأس إذا لم تتخذ عادة.
أما أن تتخذ عادة كل يوم، فهذا لا يصح وليس بمشروع، إنما هذا في الفرائض، وفيما تشرع له الجماعة كصلاة التراويح وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء.
قوله: «ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ» يعني: ذكراه من فعله ﷺ.
1185، 1186 حديث عتبان مشهور والشاهد فيه: أن النبي ﷺ قال: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. فهذا فيه فضل التوحيد، وأن من مات على الإخلاص والتوحيد فإن النار تحرم عليه إن عاجلاً أو آجلاً، لكن إن مات على توحيد خالص سالم من الشرك ومن البدع والكبائر دخل الجنة من أول وهلة، وتحرم عليه النار تحريم دخول.
أما إن مات على توحيد مشوب بالكبائر، فهو موحد لكن مات على الكبائر من غير توبة، فهذا تحرم عليه النار تحريم خلود، لكن قد يدخلها قبل ذلك، فهو تحت مشيئة الله قد يعفو الله عنه وقد يعذبه، فإذا عذب وطهر خرج منها، ثم يدخل الجنة فتحرم عليه النار بعد ذلك تحريم خلود.
ومحمود هو ابن الربيع الأنصاري، وهو راوي الحديث عن عتبان، وكان صغيرًا ابن خمس سنين.
قوله: «عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ» هذا يدل على أنه وعى وفهم ما فعله النبي ﷺ وهو ابن خمس سنين، حيث ذهب إليهم في بيتهم واستخرج دلوًا من بئرهم ثم تمضمض ومج مجة في وجه محمود هذا، وكانوا يحبون هذا حتى تصيبه البركة؛ لأن النبي ﷺ مبارك وما لامس جسده تحل عليه البركة بسببه.
قوله: «كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ» فعتبان إمامهم، وكان يحول بينه وبينهم واد، فإذا جاءت الأمطار يشق عليه اجتيازه قِبل مسجدهم، فجاء إلى رسول الله ﷺ.
قوله: «فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي» يعني: ضعف بصره.
قوله: «وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتْ الأَْمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ» هذا هو العذر الذي ذكره، والذي منعه من صلاة الجماعة في مسجد قومه.
قوله: «فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا» فيه: استئذان عتبان النبي ﷺ أن يصلي في بيته، فرخص له النبي ﷺ ترك الصلاة في المسجد، مع أن ابن أم مكتوم استأذنه في ذلك ـ وكان أعمى وليس له قائد يلازمه ـ فلم يرخص[(197)] له؛ وذلك لأن عتبان يحول بينه وبين المسجد واد وسباع، وهذا عذر حتى للمبصرين، وأما ابن أم مكتوم فإنه يستطيع أن يأتي إلى المسجد، وليس كل العميان لا يعجزون، فالعميان يختلفون: بعضهم يستطيع أن يمشي بدون قائد، حتى أن بعض العميان يستطيع أن يذهب إلى البر يحتطب ويرجع، وبعض العميان يدل المبصرين، فهم يختلفون في هذا، وما ذكر عتبان أنه يمنعه ان ليس له قائد يلائمه فلا يستطيع هذا عذره، أما من كان يستطيع بدون قائد أو عنده قائد فليس معذورا حينئذ.
وفي هذا الحديث: أن عتبان طلب من النبي ﷺ أن يأتي إليه ويصلي في مكان يتخذه مصلى، وهذا ليجد تبركًا في المكان الذي يصلي فيه النبي ﷺ، وهو من خواص النبي ﷺ، لكن ليس للإنسان إذا أراد أن يصلي في البيت أن يأتي لإمام المسجد ويقول: تعال صل في بيتي حتى أصلي فيه، فهذا خاص بالنبي ﷺ؛ ولهذا فإن الصحابة كانوا يتبركون بفضلاته ﷺ فكان ﷺ، إذا توضأ يكادون يقتتلون على القطرات يأخذونها يمسحون بها وجوههم، وإذا تنخم كانت في كف واحد منهم فيدلك بها وجهه ويديه ورأسه[(198)]، لما جعل الله في فضلاته من البركة؛ ولما حلق رأسه في حجة الوداع[(199)] قسمه بين الناس، يوزع عليهم شعرة شعرة؛ ولما نام عند أم سليم ـ وكان بينه وبينها محرمية ـ وَعَرِقَ، سلتت العرق وجعلته في قارورة وقالت: إنه لأطيب الطيب[(200)]. هذا كله من خصائصه ﷺ؛ أما غيره فلا يتبرك به.
أما قول النووي والحافظ ابن حجر: إنه يتبرك بالصالحين. فهذا خطأ؛ لأن الصحابة ما تبركوا بأبي بكر ولا بعمر ولا بعثمان، ولأن هذا من الغلو الذي يؤدي إلى الشرك، كما أن هذا خاص بالنبي ﷺ؛ فلهذا طلب عتبان من النبي ﷺ أن يصلي في مكان يتخذه مصلى لتحصل البركة.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَأَفْعَلُ» قاله لعتبان.
قوله: «فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ» ، يعني: ضحى في اشتداد النهار، يعني: الساعة التاسعة مثلاً أو العاشرة، فهذا وقت اشتداد الضحى.
قوله: «فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟» ، كراهية أن يشق عليه.
قوله: «فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ» فيه: استحباب اتخاذ مكانٍ خاصٍّ في البيت للصلاة.
قوله: «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ» هذه صلاة الضحى.
فدل على جواز صلاة النافلة جماعة إذا لم تتخذ عادة كما ذكرنا؛ فقد صلى النبي ﷺ الضحى جماعة، لكنها لم تكن عادة.
قوله: «فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ» وفي لفظ: «خزيرة» [(201)] والخزيرة هي: العصيدة يكون فيها قطع من اللحم.
قوله: «يُصْنَعُ لَهُ» يعني: أنه أَخَّر النبي ﷺ وقال: عندنا طعام، فتأخر بعض الشيء حتى انتهى إصلاح الخزيرة ثم قدمها، وهذا هو الموجود عندهم في زمانهم.
قوله: «فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِي» أهل الدار يعني: أهل المحلة، أو أهل الحارة، أو أهل الحي الذي حوله؛ والحي يسمى الدور؛ ولهذا جاء في الحديث أن النبي ﷺ أمر أن تبنى المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب[(202)]، والمراد بالدور الحارات والمحلات مثل حي الربوة يسمى دارًا، وحي الملز يسمى دارًا، ودور بني الأنصار، ومنه قوله ﷺ: أي دور الأنصار أفضل؟ [(203)] يعني: القبائل والأحياء، وأمر النبي ﷺ أن تبنى المساجد في الأحياء والقبائل. والمعني أن أهل الحي سمعوا أن رسول الله ﷺ في بيتي فجاؤا.
قوله: «فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ» يعني: جاءوا واجتمعوا لما سمعوا أن رسول الله ﷺ عند عتبان. والمعنى أن كل واحد منهم يريد أن يسمع منه، وأن يستفيد ويقتدي به ﷺ.
قوله: «فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لاَ أَرَاهُ» يعني: مالك بن الدخشم.
قوله: «فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَاكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» أي: أجابه رجل بهذا القول.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ فيه: الذب والرد عن عرض المسلم.
قوله: أَلاَ تَرَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟» يعني: ألم يكن موحدًا مخلصًا من أهل التوحيد.
قوله: «فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» فيه: أنه في حياة النبي ﷺ يقال: الله ورسوله أعلم؛ لأن الرسول ﷺ ينزل عليه الوحي من الله، أما بعد وفاته فيقال: الله أعلم؛ لأن الرسول ﷺ مات ولا يدري أعمال أمته على الصحيح، وإنما يقال هذا في حياته.
قوله: «أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لاَ نَرَى وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إِلاَّ إِلَى الْمُنَافِقِينَ» يعني: هذا الرجل مالك بن الدخشم، وقد يكون هذا لأسباب اقتضت ذلك، فقد يكون هناك مسائل دنيوية، أو شيء يتعلق بماله، فلا تدل مخالطته هذا على أنه منافق.
وفيه: دليل على أنه يُعمل بالظاهر، وأن الأصل في الموحد الذي نطق بالشهادتين، أنه تجرى عليه أحكام الإسلام، ولا يخرج عن الظاهر إلا إذا وجد فيه ناقض من نواقض الإسلام يعلم عنه بدون شك.
قوله: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» فيه: فضل التوحيد، وأن من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة، والنار عليه حرام، لكن إن مات على توحيد خالص من الشرك والبدع والكبائر فتحرم عليه النار تحريم دخول فلا يدخلها أبدًا، وإن مات على توحيد أضعفه بالكبائر والمعاصي فقد يعذب وقد لا يعذب، وإذا عذب حرمت عليه النار تحريم خلود، ولكنه قد يدخل النار ثم يخرج منها.
قوله: «قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ» ،وهو الأنصاري صاحب النبي ﷺ.
قوله: «وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ» يعني: هو القائد في فتح القسطنطينية.
قوله: «فَأَنْكَرَهَا عَلَيَّ أَبُو أَيُّوبَ» يعني: لما حدثّ محمود بهذا الحديث أنكر أبو أيوب الأنصاري هذا الحديث على محمود بن الربيع.
قوله: «قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا قُلْتَ: قَطُّ» يشكك في قوله.
قوله: «فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ» يعني: قال محمود: فشق علي ّذلك.
قوله: «فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ» يريد التأكد؛ لأنه ينبغي للإنسان أن يتثبت، فلما شككه أبو أيوب أراد أن يتثبت حتى ولو كان قد سمعه، بل نذر إن سلمه الله ووجد عتبان حيًّا أن يسأله.
قوله: «فَقَفَلْتُ» ؛ يعني: رجعت من الغزوة ـ وكان يغزو الروم ـ وعتبان في المدينة، «فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ» سافر إلى مكة للحج أو العمرة.
قوله: «ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ» فهو إمامهم رغم أنه أعمى، ويدل على جواز صلاة الأعمى إمامًا بالناس.
قوله: «فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْ الصَّلاَةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا» فيه: أن الإنسان إذا سئل ـ عن التعريف بنفسه ـ يخبر ويقول: أنا فلان بن فلان. تأمل النص: هل سأل عتبان محمود بن الربيع عمن هو؟ أم بادر محمود بتعريف نفسه قبل أن يسأله عتبان؟ الظاهر أن بادر...
قوله: «فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» فتثّبت، وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يتثبت مرة أخرى، وأن يكون على بصيرة من أمره.
المتن:
باب التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ
1187 حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا.
تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ.
الشرح:
وفي الباب حديث: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فإن أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ [(204)] فهذان الحديثان يدلان على استحباب الصلاة في البيوت، وأنها أفضل من الصلاة في المسجد، إلا ما تشرع له الجماعة، كالفرائض، وصلاة التراويح، والكسوف، والاستسقاء.
1187 قوله: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ هذا الأمر للاستحباب وليس للوجوب؛ فإنه يستحب للمسلم أن يصلي في بيته، بأن يجعل لبيته نصيبًا من صلاته، كصلاة الضحى، وصلاة السنة الراتبة قبل الظهر وبعدها، والوتر، وصلاة الليل.
والذي صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب إقرارُ النبي ﷺ للصحابة على الصلاة في المسجد في بعض الأحيان، وعدم إنكاره عليهم أن يصلوها في المساجد؛ وهو نفسه كان يفعلها بعض الأحيان؛ فدل على أن الأمر للاستحباب، فيستحب للمسلم أن يصلي النوافل في بيته.
قوله: وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا ؛ يعني: لا تشبهوها بالقبور التي لا يصلى فيها؛ فإن القبور لا يصلى عندها، والصلاة عند القبور من وسائل الشرك؛ والمعنى اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تشبهوها بالمقابر التي لا يصلى فيها؛ فدل على مشروعية صلاة النوافل في البيوت، وأن المقبرة لا يصلى فيها.