المتن:
(20) كِتَاب فَضْل الصَّلاَة في مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ;
فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
1188 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ أَرْبَعًا قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً ح.
1189 حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ ﷺ وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى.
الشرح:
هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة يعني: في المسجد الحرام والمسجد النبوي.
1188 هذا حديث قزعة عن أبي سعيد قال: «سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ» ولم يذكر الأربع، لكن سيأتي الحديث في آخر الباب وأن الأربع هي: لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ، إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي [(205)]، فهذه الأربع التي سمعها ستأتي في آخر الباب.
1189 وقال في حديث أبي هريرة : لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ ﷺ وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى.
وقال في حديث أبي سعيد : لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فهو يوافق حديث أبي هريرة .
والشاهد: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ ففي هذين الحديثين: النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة؛ والمراد النهي عن السفر إلى غيرها للعبادة.
والرحال جمع رحل، والرحل هو الشداد الذي يوضع على البعير، والمراد: السفر سواء على بعير، أو سيارة، أو طائرة، أو قطار، أو دابة؛ فلا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بقعة يتعبد فيها إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
قوله: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ هذا بلفظ النفي، وهو أبلغ من صريح النهي؛ كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقع الثلاث، وفي لفظ آخر: لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ [(206)] روي بالنهي، وروي بالنفي؛ لكن النفي أبلغ.
ولا بأس بالزيارة والسفر لطلب العلم وللتجارة وللدعوة فكل هذا لا بأس به.
المتن:
الشرح:
1190 فيه: فضل الصلاة في المسجد النبوي، وأنها أفضل من الصلاة في أي: مسجد سواه إلا المسجد الحرام؛ وجاء في الحديث الآخر أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، وصلاة في مسجد النبي ﷺ أفضل من ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة[(207)].
والحديث الأول يدل على أنه لا تشد الرحال لغير المساجد الثلاثة، وأنه يحرم السفر إلى زيارة القبور؛ لأن زيارة القبور ليست من المساجد الثلاثة، يعني: هذا الحديث دل على أنه يحرم السفر إلى غير المساجد الثلاثة؛ ومن ذلك زيارة القبور؛ فلا يشد الرحل ليسافر إلى زيارة القبر النبوي، لكن ينوي الزيارة للمسجد النبوي، ثم يزور قبر النبي ﷺ.
وهذه المسألة وهي مسألة شد الرحل إلى زيارة القبور فيها خلاف، فبعض الفقهاء المتأخرين أجازوها وقالوا: ليس ثمة مانع ولا حرج أن يسافر ويشد الرحل؛ وحصلت بين شيخ الإسلام رحمه الله لما بين حرمة شد الرحال وبين علماء عصره مشادة، فأنكروها عليه[(208)]، وقالوا: إن بعض الفقهاء يرى أنه لا بأس في شد الرحل، وصنف في مسألة شد الرحل وأوذي وسجن بسببها، حتى أن الحافظ ابن حجر أنكر عليه ذلك، فقال الحافظ رحمه الله: «قال الكرماني: وقع في هذه المسألة في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة» وهي مسألة السفر وشد الرحل لزيارة القبر.
وقال أيضًا: «وصنف فيها رسائل من الطرفين، قلت» ـ أي الحافظ ابن حجر وهو ممن يرى شد الرحل ـ يقول: «يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين ابن تيمية وما انتصر به الحافظ شمس الدين ابن عبدالهادي وغيره لابن تيمية».
فابن عبدالهادي، وهو من تلاميذ شيخ الإسلام، رد على السبكي في جوازه شد الرحل؛ يعني: السفر إلى القبور.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «وهي مشهورة في بلادنا، والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله ﷺ وأنكرنا صورة ذلك».
فالحافظ يقول: إنهم ألزموا شيخ الإسلام بأنه يحرم شد الرحل وهو ملتزم بهذا، ونحن أنكرنا هذه الصورة.
ثم يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي شرح ذلك من الطرفين طول، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي ﷺ ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول: زرت قبر النبي ﷺ، وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبًا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب».
واللازم هو أنهم ألزموه بتحريم شد الرحل وهو ملتزم به حيث يقول: أنا ألتزم بأن شد الرحل حرام؛ فلا يجوز السفر إلى القبور.
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «هذا اللازم لا بأس به، وقد التزمه الشيخ، وليس في ذلك بشاعة ـ بحمد الله ـ عند من عرف السنة ومواردها ومصادرها، والأحاديث المروية في فضل زيارة قبر النبي ﷺ كلها ضعيفة، بل موضوعة كما حقق ذلك أبو العباس في «منسكه» وغيره؛ ولو صحت لم يكن فيها حجة على جواز شد الرحال إلى زيارة قبره عليه الصلاة والسلام من دون قصد المسجد؛ بل تكون عامة مطلقة، وأحاديث النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة يخصصها ويقيدها، والشيخ لم ينكر زيارة قبر النبي ﷺ من دون شد الرحال، وإنما أنكر شد الرحل من أجلها مجردًا عن قصد المسجد، فتنبه وافهم، والله أعلم»[(209)].
وبعض المتأخرين من الحنابلة[(210)] وغيرهم ممن ليس عندهم تحقيق في هذه المسائل يرون أنه لا بأس بالسفر لزيارة القبور.
ولا منافاة بين السفر لطلب العلم والدعوة وبين حديث الباب: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ؛ لأن المعنى: لا تشد الرحال إلى بقعة يتعبد فيها، والعلماء مختلفون في التقدير؛ يعني: لا تشد الرحال إلى بقعة يتعبد فيها إلا إلى هذه المساجد.
أما شد الرحل لطلب العلم، أو للدعوة إلى الله، أو للتجارة، أو للسياحة، أو لغير ذلك، فلا حرج؛ ولهذا أنكر أحد الصحابة على أبي هريرة لما شد الرحل إلى الطور، وأما القبور فلا تشد الرحال إليها للزيارة أو لغيرها.
المتن:
باب مَسْجِدِ قُبَاءٍ
1191 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ لاَ يُصَلِّي مِنْ الضُّحَى إِلاَّ فِي يَوْمَيْنِ يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا.
1192 قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ وَلاَ أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لاَ تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا.
الشرح:
هذه الترجمة تتعلق بمسجد قباء، وهي داخلة في كتاب فضائل مكة والمدينة.
1191 وذكر فيها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يصلي الضحى إلا في يومين:
اليوم الأول: يوم يقدم مكة، فإنه يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلي ركعتين خلف المقام؛ يعني: يصلي ركعتي الطواف إذا طاف ضحى.
اليوم الثاني: يوم يأتي مسجد قباء؛ فإنه كان يأتيه كل سبت اقتداء بالنبي ﷺ، فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلي ركعتين.
وكون ابن عمر رضي الله عنهما لا يصلي الضحى إلا في يومين لا يدل على عدم مشروعية صلاة الضحى، فقد ثبت أن النبي ﷺ أوصى أبا هريرة[(211)]، وأبا الدرداء[(212)]، وأبا ذر[(213)] بصلاة الضحى، ووصيته لهم وصية لجميع الأمة، فثبتت بذلك السنة.
وثبت أيضًا أنه ﷺ صلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى، وثبت أيضًا من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله[(214)]؛ فصلاة الضحى ثابتة من فعله ﷺ وقوله.
1192 قوله: «وَلاَ أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لاَ تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا» هذا قول ابن عمر، كأن ابن عمر يرى أنه لا بأس بالصلاة بعد العصر وبعد الفجر، ولا يمنع إلا تحري طلوع الشمس وتحري غروبها؛ لما جاء في بعض الأحاديث أن النبي ﷺ قال: لا تتحروا الصلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها [(215)] وكذا ما جاء في النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر؛ حيث قال ﷺ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ [(216)] والأحاديث متواترة في هذا، ولكن تحري الصلاة عند طلوع الشمس وعند الغروب أشد؛ لأنه حينئذ يكون في الوقتين القصيرين عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ فالصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها منهي عنها؛ لما فيه من مشابهة المشركين الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، والصلاة بعد العصر وبعد الفجر منهي عنها؛ لأنها وسيلة إلى الصلاة عند طلوعها وعند غروبها فنهي عنها.
وقد يسأل سائل عن حكم التوسعة إذا وسع المسجد؟ والصواب أن التوسعة تأخذ حكم المسجد؛ لأنها أصبحت منه.
المتن:
باب مَنْ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ
1193 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ.
الشرح:
1193 فيه: مشروعية إتيان مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين كما سيأتي عَقِبه، وأنه من فِعْل النبي ﷺ؛ فلهذا أعاد الترجمة وأعاد الحديث لبيان أن النبي ﷺ كان يأتي مسجد قباء كل سبت.
المتن:
باب اتْيَانِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا
1194 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: حدثني نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا.
زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.
الشرح:
1194 هذا الحديث فيه: زيادة عن الباب الذي قبله أنه صلى فيه ركعتين، فدل هذا على مشروعية الإتيان لمسجد قباء لمن كان في المدينة، والصلاة فيه في كل سبت ركعتين، وأن هذه سنة يستحب للمسلم فعلها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفيه أن النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التحريم؛ لكون النبي ﷺ كان يأتي مسجد قباء راكبًا».
وتُعقب بأن مجيئه ﷺ إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصار وتفقد حالهم.
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «هذا فيه نظر، والصواب أنه للتحريم كما هو الأصل في نهيه ﷺ»[(217)].
فالنهي للتحريم لكن كونه يركب وهو في البلد، هذا لا يسمى شد رحل فالمراد بشد الرحل المنهي عنه هو: السفر.
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «والجواب عن حديث قباء أن المراد بشد الرحل في أحاديث النهي بالكناية عن السفر لا مجرد شد الرحل، وعليه فلا إشكال في ركوب النبي ﷺ إلى مسجد قباء، وقد سبق للشارح ما يرشد إلى هذا في كلامه على أحاديث النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة. فتنبه. والله الموفق»[(218)].
ويشرع المجيء إلى قباء في كل وقت والسبت أفضل، وإلا لو أتى في أيّ يوم جاز، وفي الحديث الآخر: من تطهر في بيته وصلى في مسجد قباء كان كأجر عمرة [(219)] وليس فيه تحديد السبت، وهذا فيه فضيلة لمن تطهر في بيته ثم ذهب وصلى ركعتين في مسجد قباء كان له كأجر عمرة، لكن لم يذكره المؤلف لأنه ليس على شرطه.
وعلى المسلم الذي يأتي مسجد قباء أن يتحرى وقت النهي عند طلوع الشمس وما بعد العصر عند غروبها، فلا يصلي في تلك الأوقات المنهي عنها إلا الصلوات ذوات الأسباب.
المتن:
باب فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ
1195 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.
1196 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: حدثني خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي.
الشرح:
1195، 1196 هذان الحديثان فيهما: فضل الصلاة في الروضة الشريفة؛ والروضة الشريفة هي ما بين بيت النبي ﷺ ومنبره، وهي معروفة الآن، تجد الناس يصلون فيها ويزدحمون، والكلام في الفضيلة هو في غير الفريضة.
أما في الفريضة فإنه يشرع للمسلم أن يتقدم في الصف الأول ولو كان أمام الروضة؛ لأن الصف الأول مقدم في الفريضة؛ للأحاديث التي فيها الأمر بالتبكير، والأمر بالمسابقة إلى الصف الأول، ومنها: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا [(220)].
وأما في صلاة النافلة فيشرع للمسلم أن يصلي في الروضة الشريفة؛ اغتنامًا لهذا الفضل.
والمؤلف رحمه الله ترجم فقال: «بَاب فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ» والأحاديث فيها «البيت» وليس «القبر»؛ وذلك لأن النبي ﷺ إنما دفن في بيته، فصار قبره ﷺ بعد ذلك في بيته، فهذان الحديثان فيهما فضل الصلاة في الروضة الشريفة، والروضة هي ما بين منبر النبي ﷺ وبيته.
قوله: وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي فيه: دليل على أن منبر النبي ﷺ ومسجده يكون من الحوض يوم القيامة، يعني: يكون من أرض الحوض، وقيل: معناه: أن الصلاة فيه يكون من ثواب صاحبها الشرب من الحوض.
المتن:
باب مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
1197 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي قَالَ: لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالأَْضْحَى وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى وَمَسْجِدِي.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان فضل مسجد بيت المقدس.
1197 فيه: أنه يشد الرحل إلى بيت المقدس، فدل على فضله، وهذا الحديث الذي رواه قزعة عن أبي سعيد في أول الباب قال: حدثني بأربع[(221)]، ولم يذكرها، وهذه هي الأربع التي في أول حديث في هذا الكتاب، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة؛ رواه المؤلف بسنده عن قزعة، عن أبي سعيد.
وقوله: «حدثني بأربع» لم يذكر هذه الأربع في الرواية الأولى للحديث.
قوله: «فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي» آنقنني بمعنى أعجبنني، وهما لفظان مترادفان.
قوله: لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ فيه: تقييد السفر بيومين، وهذا مثال؛ وإلا فالحكم مقيد بالسفر، سواء كان السفر يومًا، أم يومين، أم ثلاثة، أو أكثر، لكن هذا من باب المثال، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث الآخر عند الشيخين: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم [(222)] قال: أن تسافر ولم يقيد لا بيوم ولا بيومين ولا بثلاثة، فكل ما يسمى سفرًا لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا ومعها محرم، وثبت أن النبي ﷺ خطب الناس يومًا فقال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم فقام رجل وقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال النبي ﷺ: ارْجِعْ، فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ [(223)] فأمره النبي ﷺ أن يترك الغزو ويصحب امرأته في سفرها للحج فيكون محرمًا لها، مما يدل على أن المحرم لابد منه للمرأة.
قوله: وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالأَْضْحَى هذا إجماع من المسلمين أنه لا يصح صوم هذين اليومين، ولو صامهما فهو آثم، وصومه باطل.
قوله: وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ هذا من الأحاديث المتواترة.
قوله: وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى وَمَسْجِدِي يعني: مسجد الرسول ﷺ، فدل على فضل المسجد الأقصى وأنه يشد الرحل إليه؛ وجاء في الحديث الآخر أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة[(224)].