المتن:
(21) أَبَواب الْعَمَلِ في الصَّلاَةِ
باب اسْتِعَانَةِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ» وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ: «قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاَةِ وَرَفَعَهَا» وَوَضَعَ عَلِيٌّ كَفَّهُ عَلَى رُسْغِهِ الأَْيْسَرِ إِلاَّ أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا
والرسغ بالصاد والسين وآخره غين: هو مفصل ما بين الكف والساعد.
1198 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَلَسَ فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوأَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم العمل والحركات في الصلاة، هل للمصلي أن يعمل، أو يتحرك أو يفعل شيئًا من الأفعال؟ وهل يخل بالصلاة، أو لا يخل بها؟
حيث ترجم فقال: «بَاب اسْتِعَانَةِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ» يعني: يستعين الإنسان بيده وهو يصلي إذا حدث شيء يتعلق بالصلاة؛ حيث قيده بقوله: «إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ» ، أما إذا كان شيئًا آخر لا يتعلق بالصلاة فلا ينبغي للإنسان أن يشتغل به.
قوله: «وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ» هو السبيعي، «قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاَةِ وَرَفَعَهَا» والقلنسوة: ما يوضع على الرأس، يعني خلعها ثم لبسها وهو يصلي، وهذا عمل.
وهذا مثل وضع الطاقية في الصلاة ثم رفعها، كأنه يحتاج إلى وضعها من أجل الحر أو لأي شيء آخر.
قوله: «وَوَضَعَ عَلِيٌّ كَفَّهُ عَلَى رُسْغِهِ الأَْيْسَرِ» كذا وهو في الصلاة يضع كفه على رسغه الأيسر ثم يضعه على الصدر، «إِلاَّ أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا» هذا من الحاجة، فإذا احتاج حك جلده لا بأس به؛ لأن حك الجلد عمل يسير، وهذا الشيء الذي يؤذيه قد يشغله عن الخشوع، فكونه يحكه حتى يتفرغ أولى، أو يصلح ثوبه الإصلاح اليسير لا بأس به؛ فهذا من العمل اليسير.
1198 ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين - وهي خالته وفيه:
قوله: «فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا» فيه: أنه لا بأس أن ينام الصبي المحرم مع الرجل وأهله؛ فالرسول ﷺ نام وأهله في طول الوسادة، وابن عباس من الجهة الأخرى على عرض الوسادة وهو صغير ـ ابن عشر سنين ـ وكانت ميمونة خالته.
وفيه: أن ابن عباس كان ذكيًّا فهماً يراقب النبي ﷺ، وينظر ماذا يفعل حتى يصنع مثله.
قوله: «فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ» فابن عباس رضي الله عنهما من ذكائه وفطنته يراقب النبي ﷺ فهو ما جاء للنوم وإنما جاء ليقتدي بالنبي ﷺ، مكث ـ كأنه نائم وما نام ـ يرقب الوقت حتى إنه يعرف الوقت لما انتصف الليل ـ أو قبله بقليل، أو بعده بقليل ـ قام رسول الله ﷺ، فهذا يدل على أن النبي ﷺ يصلي صلاة طويلة من منتصف الليل ـ أو قبله بقليل أو بعده بقليل ـ فهذا وقت طويل يقارب ست ساعات أو أربع ساعات على الأقل؛ ولهذا كان النبي ﷺ يصلي اثنتي عشرة ركعة يطيل فيها، يطيل في القراءة والركوع والسجود، وكانت السجدة كما قالت عائشة بقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
قوله: «ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَلَسَ فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ» وهي قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عِمرَان: 190-200]، وفيه: مشروعية قراءة هذه الآيات العشر بعد الاستيقاظ من النوم.
قوله: «ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوأَه» والشن: القربة القديمة من الجلد إذا كان فيها غشاء، وكان الناس يضعون الماء في القرب سابقًا قبل أن توجد الثلاجات؛ لأن الشن وهو الجلد إذا كان قديمًا يُبرّد الماء، بخلاف الجلد الجديد فإنه لا يُبرّد الماء، فكان الناس يُبرّدون في القرب، فقام النبي ﷺ وتوضأ من القربة فأحسن الوضوء، وابن عباس يراقب النبي ﷺ.
قوله: «ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ» قام ابن عباس رضي الله عنهما وصب من القربة وتوضأ، ثم جاء وصلى بجوار النبي ﷺ.
قوله: «ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ» وفي الحديث: الآخر أنه قام عن يساره[(225)]، ومعلوم أن المأموم إنما يقوم عن اليمين إذا كان واحدًا.
قوله: «فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ» أي: يدلكها، وفي الحديث الآخر: أنه أداره للخلف أي: أتى به عن يمينه[(226)]، وهذا عمل.
وهذا هو الشاهد في الحديث: أن النبي ﷺ أخذ بأذن ابن عباس رضي الله عنهما يفتلها، وأخذ برأسه وأداره عن يمينه، وهذا العمل لا يؤثر في الصلاة.
وفيه: دليل على أن المأموم الواحد إذا صلى عن يسار الإمام ثم أداره عن يمينه فصلاته صحيحة؛ ولهذا ما عاد ابن عباس إلى أول صلاته، وكونه يتقدم ويمشي خطوات حتى يأتي عن يمينه لا يؤثر في الصلاة.
قوله: «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ» مجموعها اثنتا عشرة ركعة.
قوله: «ثُمَّ أَوْتَرَ» أوتر بثلاث عشرة ركعة.
قوله: «ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» هما ركعتا الفجر.
المتن:
باب مَا يُنْهَى مِنْ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ
1199 حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً.
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ.
1200 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ... [البَقَرَة: 238] الآْيَةَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ.
الشرح:
1199، 1200 هذه الأحاديث فيها أن الكلام منهي عنه في الصلاة، وأنه كان في أول الإسلام مباحًا ثم نهي عنه فنُسخ فدل على أنه لا يجوز الكلام في الصلاة عمدًا، وأن من تكلم عامدًا في الصلاة بطلت صلاته، فنهوا عن الكلام في الصلاة وأمروا بالقنوت لما نزل قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالصَّلاَةِ الوُسْطَى، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ.
قوله: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا» هذا في أول الأمر.
قوله: «فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً قال ذلك بعد السلام؛ فدل على أن الكلام في الصلاة منهي عنه، وقد كان مباحًا قبل ذلك.
لكن إن تكلم جاهلاً أو ناسيًا فصلاته صحيحة، كما يدل على ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم، أنه جاء وسلم فلم يردوا عليه السلام، فجعل الصحابة يسكتونه، ويشيرون إليه، فقال: ما لي واثكل أمياه؟! ماذا فعلت؟! فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونه[(227)]، ولم يأمره النبي ﷺ بإعادة الصلاة؛ لأنه جاهل، وفي هذا دليل على أن الجاهل أو الناسي إذا تكلم فصلاته صحيحة، أما إذا تكلم عامدًا فتبطل الصلاة.
وإذا عطس في الصلاة وحمد الله فهذا لا يكون كلامًا في الصلاة، لكن يكون في نفسه، وإن حمد الله بلسانه فلا حرج؛ لأنه ذِكْر لا ينافي الصلاة، لكن لا يُشمّته من يسمعه، ولا يرد هو على من شمته ـ لو شمته أحد ـ.
المتن:
باب مَا يَجُوزُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ فِي الصَّلاَةِ لِلرِّجَالِ
1201 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَحَانَتْ الصَّلاَةُ فَجَاءَ بِلاَلٌ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: حُبِسَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَؤُمُّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتُمْ فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَْوَّلِ فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرُوا الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّفِّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى.
الشرح:
باب
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز التسبيح والحمد في الصلاة للرجال.
1201 ذَكر في هذا الحديث قصة ذهاب النبي ﷺ للإصلاح بين بني عمرو بن عوف لما بلغه أنه حصل بينهم شيء أو شر، فذهب يصلح بينهم حتى تأخر عن الصلاة، والله تعالى يقول في كتابه: لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النِّسَاء: 114].
ففيه: مشروعية الإصلاح بين الناس، وأنه من الأعمال العظيمة، وأنه ينبغي للعلماء والأخيار أن يصلحوا بين الناس؛ اقتداء بالنبي ﷺ.
وفيه: أن الإمام إذا تأخر فإن الناس يصلون ولا يُحبس الناس، فإذا تأخر الإمام فالمؤذن يقول لبعض المصلين: أتصلي بالناس؟ ولهذا جاء بلال ـ لما تأخر النبي ﷺ ـ إلى أبي بكر، وقال: يا أبا بكر إن رسول الله ﷺ حبس؛ «فَتَؤُمُّ النَّاسَ؟» على حذف حرف الاستفهام؛ يعني: أفتؤم الناس؟ فقال أبو بكر: «نَعَمْ إِنْ شِئْتُمْ» .
وفيه: دليل على أنه يشرع أن يصلي بالناس من يرضونه؛ ولهذا قال: «إن شئتم» وهو أفضلهم لكنه ترك الاختيار إليهم، «فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى» .
ولا ينبغي للإمام أن يغضب إذا تأخر وأم الناسَ غيرُه، فلا يجمع بين السيئتين: يتأخر فيحبس الناس، ثم يغضب؛ ولهذا أقر النبي ﷺ أبا بكر ولم ينكر عليه، «فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَْوَّلِ فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ» أي: التصفيق، يقال: تصفيح، ويقال: تصفيق؛ ولهذا قال سهل: «هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرُوا الْتَفَتَ» يعني: بعنقه دون جسمه.
وفيه: دليل على أن الالتفات بالعنق والرأس فقط لا يبطل الصلاة إذا كان لحاجة، فلا بأس به ولا يؤثر، وإذا كان لغير حاجة فهو مكروه، أما إذا التفت بجميع جسمه واستدبر القبلة فهذا يبطل الصلاة.
وجاء في الحديث الآخر عن الالتفات: هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ [(228)].
فلما التفت أبو بكر إذ بالنبي ﷺ «فِي الصَّفِّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانَكَ» يعني: استمر في الإمامة، لكن أبا بكر فهم أن الإشارة ليست ملزمة، «فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ» .
وفيه: دليل على أنه لا بأس برفع اليدين في الصلاة وحمد الله وأن هذا لا ينافى الصلاة.
وفيه: أن النبي ﷺ أقر أبا بكر على ذلك عندما رجع القهقرى خلفه، فتقدم النبي ﷺ فصار إمامًا، وصار أبو بكر مأمومًا، وهذا هو الشاهد من الترجمة؛ رجوع أبي بكر وتأخره وتقدم النبي ﷺ، وهذا عمل لم تبطل معه الصلاة.
وفيه: دليل على أنه لا بأس أن يتحول الإمام إلى مأموم فينوي الإمام أن يكون مأموما، وأن يتحول المأموم إلى إمام فينوي المأموم الإمامة، وأن هذا لا يبطل الصلاة؛ فأبو بكر تحول من كونه إمامًا إلى مأموم، والنبي ﷺ تحول من كونه مأمومًا إلى إمام، وكل هذا عمل لا يؤثر في الصلاة، ويدل على أن العمل اليسير لا يؤثر في الصلاة، كما لو تقدم إنسان ليسد فرجة فلا بأس.
ومما يدل على أن العمل اليسير في الصلاة لا يبطلها ما ثبت أن النبي ﷺ تقدم في صلاة الكسوف وتأخر، وذكر أنه رأى الجنة والنار، ودلي له عنقود من الجنة فتقدم، ولما رأى النار قُرِّبت إليه تأخر في الصفوف[(230)]، وهذا كله عمل ولا بأس.
وثبت أن النبي ﷺ علَّم الناس الصلاة؛ فقد كان يصلي على منبر مرتفع حتى يراه الناس فوقه؛ فكان يركع وهو على المنبر، فإذا أراد السجود تأخر ـ تقهقر ـ ورجع وصلى على الأرض، فإذا قام تقدم وصعد المنبر، وهكذا؛ وقال بعد ذلك: إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي[(231)] فصعوده ﷺ المنبر ونزوله كل هذا من العمل اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة.
وثبت أن النبي ﷺ صلى بالناس وهو يحمل بنت ابنته زينب أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، وهو يصلي بالناس إمامًا[(232)]؛ فهذا كله من العمل الذي لا يؤثر في الصلاة.
وثبت أن النبي ﷺ فتح الباب لعائشة[(233)]، وهذا كله عمل لا ينافي الصلاة، وكذلك عائشة أشارت برأسها في صلاة الكسوف عندما سألتها أسماء: ما بال الناس؟ فأشارت عائشة بيدها إلى السماء، فقالت أسماء: آية؟ فأشارت عائشة برأسها أن نعم[(234)]. فالإشارة بالرأس واليد كل هذا من العمل الذي لا ينهى عنه في الصلاة.
فإذا سألك إنسان عن شيء تقول برأسك نعم، أو تقول بيدك لا، وهكذا، وهذا لا ينافي الصلاة.
وإذا ناب الإمام شيء في صلاته فالتصفيق للنساء والتسبيح للرجال؛ فقد نهاهم النبي ﷺ فقال: مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ، إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ [(235)].