المتن:
(22) أَبَواب مَا جَاءَ في الْسَّهْوِ
باب مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ إِذَا قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَرِيضَةِ
1224 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَْعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ سَلَّمَ.
1225 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَْعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ.
الشرح:
1224، 1225 هذا الحديث مشهور بحديث عبدالله بن بحينة ، وفيه: أن النبي ﷺ صلى الرباعية ونسي التشهد، فقام ولم يتشهد التشهد الأول فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ففي الحديث دليل على أن من ترك التشهد الأول ناسيًا فإنه يسجد سجدتين للسهو مكانه.
قوله: «فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا» أي: انتظرنا «تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» فيه: دليل على أن السجدتين لترك التشهد الأول تكون قبل السلام.
قوله: «كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم» فيه: دليل على أن التشهد الأول واجب مخفف وليس بركن؛ لأنه جُبر بسجدتي سهو، فهذا يدل على أن من ترك التشهد الأول سواء كان إمامًا أم منفردًا فإنه يسجد سجدتين مكانه، ويكون السجود قبل السلام، ويكون هذا جبرًا للتشهد الأول.
وفيه: دليل على أن التشهد الأول واجب مخفف بخلاف الأركان؛ فإنها لا تسقط لا سهوًا ولا عمدًا ولا جهلاً؛ ولهذا لما سلم النبي ﷺ من إحدى صلاتي العشي وبقي عليه ركعتان أتى بهما ثم سجد للسهو، فلم يكتف بسجود السهو فقط[(271)]؛ فدل على أن الركن لا يسقط لا سهوًا ولا عمدًا ولا جهلاً، والركن مثل الركوع والسجود وقراءة الفاتحة فكلهما أركان لا لا تسقط.
أما لو كانت مخففة كالتشهد الأول وتسبيحات الركوع والسجود ـ على القول بوجوبها ـ فتجبر بسجدتي السهو.
وفيه: دليل على أن السهو والنسيان جائز على الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهذا من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل النبي ﷺ يسهو؛ حتى يكون فيه تشريع للأمة.
وفيه: دليل على أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها؛ فالمأموم يتابع الإمام إذا ترك التشهد الأول، كما سيأتي أن المصلي إذا نسي التشهد الأول له حالات ثلاث:
الأولى: أن يتذكر قبل أن يستتم قائمًا، وفي هذه الحالة يجب عليه الرجوع.
الثانية: أن يتذكر بعد أن استتم قائمًا وقبل أن يشرع في القراءة، وهنا يكره له الرجوع، وإذا رجع فلا بأس.
الثالثة: أن لا يذكر حتى يشرع في الفاتحة، وفي هذه الحالة يحرم عليه الرجوع، فإذا رجع وكان متعمدًا بطلت صلاته، وإن كان ساهيًا فصلاته صحيحة كما سيأتي، وعليه فلا يرجع إذا شرع في القراءة.
المتن:
باب إِذَا صَلَّى خَمْسًا
1226 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ.
الشرح:
1226 هذا حديث عبدالله وهو ابن مسعود ؛ لأن علقمة من تلاميذه.
وفيه: أن النبي ﷺ صلى خمسًا ناسيًا، فزاد في الرباعية ركعة.
قوله: «فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ» يعني: لما سلم قيل له ذلك، وفي لفظ آخر: «فثنى رجليه ثم سجد سجدتين» [(272)]. ففي هذا الحديث: دليل على أن من صلى خمسًا ساهيًا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته صحيحة لا تفسد؛ خلافًا للكوفيين الذين يقولون: تفسد صلاته. لأن النبي ﷺ صلى خمسًا ولم يتشهد إلا في الخامسة.
وفيه: دليل على أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها، فإذا زاد قيامًا أو ركوعًا أو سجودًا أو ركعة أو ركعتين ناسيًا فصلاته صحيحة.
وفيه: أنه يكفيه أن يسجد سجدتين إذا زاد في الصلاة.
وفيه: دليل على أن من لم يعلم بالزيادة والسهو إلا بعدما سلم فإنه يسجد للسهو سجدتين وصلاته صحيحة.
وفيه: دليل على أن كلام العبد لمصلحة الصلاة بعد السلام لا يفسدها؛ ولهذا سلم النبي ﷺ وسلم الصحابة فسألوه؛ أي: تكلموا: «أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟» ، وهذا من كلام الناس فقال النبي ﷺ: «وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا» فهذا كلام بعد الصلاة في مصلحة الصلاة فلا يبطلها.
وهنا مسألة هامة تتعلق بهذا البحث وهي: إذا زاد الإمام في الصلاة ركعة في الرباعية أو في الثلاثية وهناك بعض الناس فاته شيء من الصلاة ماذا يعمل المسبوق هل يتابعه في الركعة الزائدة؟ وهل يعتد بها أو لا؟
أما المأموم غير المسبوق فله مع الإمام أحوال ثلاثة:
الأولى: أن يكون غير عالم بالزيادة، بل هو ناسٍ كالإمام، فهذا يتابع الإمام، وصلاته صحيحة، وحكمه حكم الإمام.
الثانية: أن يكون عالمًا بالزيادة، ويدري أن الإمام زاد، لكنه جاهل بالحكم، وفي ظنه أن الإمام يتابع ولو بالزيادة، فهذا يتابع الإمام كحال الصحابة، فإنهم تابعوا النبي ﷺ في الركعة الخامسة جاهلين بالحكم، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة.
الثالثة: أن يكون عالمًا بالزيادة، عالمًا بالحكم، يعلم أن الإمام جاء بركعة زائدة، ويعلم أنه لا يجوز متابعته فإن تابعه تبطل صلاته؛ لأنه زاد في الصلاة متعمدًا.
أما الإمام فإنه يجب على المأموم العالم أن ينبهه فإذا نبهه ثقتان وجب عليه الرجوع لقولهم؛ أما إذا نبهه واحد فلا يرجع لقوله؛ لأن النبي ﷺ لما نسي في قصة ذي اليدين وقد نبه ذو اليدين سأل: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قالوا: نعم[(273)]. فرجع إلى قولهم، إلا إذا تيقن الصواب بنفسه فإنه لا يرجع إلى قول أحد ولو كان اثنان فأكثر، فللإمام اجتهاده والمأموم له اجتهاده، وكل يعمل بيقين نفسه.
أما المسبوق، وهو من فاته شيء في الصلاة، إذا قام الإمام للركعة الخامسة، وفات المسبوق ركعة هل يعتد بها؟
فالصواب في هذه المسألة: أنه إذا علم أنها زائدة، وكان جاهلاً بالحكم لا يدري ما هو، فلا يتابعه، فإن تابعه فإنه لا يعتد بها، وصحت صلاته، ويأتي بركعة بدلها ويسجد للسهو، فإن تابعه مع علمه بالزيادة وعلمه بالحكم بطلت صلاته؛ لأنه تعمد الإتيان بركعة زائدة.
هذا إذا لم يطل الفصل، فإن طال الفصل فقد يقال: تصح صلاته كما صحت صلاة المأموم الذي تابع إمامه في الركعة الزائدة جاهلاً بها وبالحكم، وقد يقال: إن عليه أن يعيد الصلاة، وهذا هو الأولى، فالأولى أن يعيد الصلاة إذا طال الفصل.
المتن:
باب إِذَا سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ فِي ثَلاَثٍ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِثْلَ سُجُودِ الصَّلاَةِ أَوْ أَطْوَلَ
1227 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لأَِصْحَابِهِ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
قَالَ سَعْدٌ: وَرَأَيْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ.
الشرح:
1227 هذا من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل النبي ﷺ يسهو؛ حتى يكون فيه تشريع للأمة.
وفيه: دليل على مشروعية سجود السهو للنقص، وأن المصلي إذا سلم عن نقص فإنه يسجد سجدتين لكن بعد السلام.
وفي هذه الحالة يأتي بما بقي عليه إذا سلم عن نقص، فيأتي بالركعة، أو الركعتين، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم، على ما في حديث ذي اليدين؛ فدل على أن السجود عن نقص يكون بعد السلام، والسجود عن ترك التشهد الأول يكون قبل السلام على ما في حديث عبدالله بن بحينة ، فإنه ترك التشهد الأول، فسجد سجدتين قبل السلام[(274)].
وكذلك إذا ترك التسبيح أو أحد التكبيرات يكون قبل السلام، وهذا على ما ذهب إليه جمع من أهل العلم من الحنابلة وغيرهم أن التسبيحات في الركوع والسجود والتكبيرات واجبة[(275)]، وإلا فإنها عند الجمهور مستحبة.
وسجود السهو حين الزيادة كما إذا زاد ركعة أو أكثر يكون بعد السلام، على ما في حديث عبدالله بن مسعود : «صلى الظهر خمسًا، فسلم، فسجد سجدتين بعدما سلم»[(276)].
وفيه: دليل على أن الإمام إذا نسي لا يرجع إلى قول واحد، بل لابد من ثقتين فأكثر؛ ولهذا لما سلم النبي ﷺ عن نقص قال له ذو اليدين: «الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقَصَتْ؟» فلم يرجع النبي ﷺ إلى قوله بل سأل الناس فقال النبي ﷺ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ فلما أخبروه رجع إلى قولهم.
وفيه: دليل على أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها؛ ولهذا لما سلم النبي ﷺ عن نقص، فصلى ركعتين، وتكلم ذو اليدين، وتكلم النبي ﷺ، وتكلم مع الناس، وسألهم، وردوا عليه، لم تبطل الصلاة؛ فدل على أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها.
إذن فالصواب في سجود السهو أن له حالات:
الحالة الأولى: إذا نسي التشهد الأول فيكون قبل السلام؛ على ما في حديث عبدالله بن بحينة .
الحالة الثانية: إذا زاد في الصلاة يكون بعد السلام؛ على ما في حديث عبدالله بن مسعود .
الحالة الثالثة: إذا سلم عن نقص يكون بعد السلام؛ على ما في حديث ذي اليدين .
الحالة الرابعة: كذلك إذا شك فإنه يبني على اليقين ويكون السجود قبل السلام؛ على ما جاء في حديث أبي سعيد قال: إذا شك أحدكم فليبن على ما استيقن وليسجد سجدتين قبل أن يسلم [(277)].
الحالة الخامسة: إذا شك لكن صار عنده غلبة ظن يبني على ما غلب على ظنه ويكون سجوده بعد السلام؛ على ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود ، قال: فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ [(278)] فيبني عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم.
فدلت الأحاديث على أن السجود يكون كله قبل السلام إلا في حالتين:
إذا بنى على غلبة الظن، وإذا سلم عن نقص، أو زاد في الصلاة فيكون بعد السلام، والباقي كله قبل السلام.
هكذا جاء في الأحاديث؛ ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: «يكون السجود على حسب ما ورد في الأحاديث»[(279)].
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله المذاهب فقال: «قال الخطابي: لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح، وأيضا فقصة ذي اليدين وقع السجود فيها بعد السلام، وهي عن نقصان.
وأما قول النووي: أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم أحمد؛ فقد قال غيره: بل طريق أحمد أقوى؛ لأنه قال: «يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام» قال: ولولا ما روي عن النبي ﷺ في ذلك لرأيته كله قبل السلام؛ لأنه من شأن الصلاة فيفعله قبل السلام».
وقال إسحاق مثله إلا أنه قال: «ما لم يرد فيه شيء يفرق فيه بين الزيادة والنقصان» فحرر مذهبه من قولي أحمد ومالك وهو أعدل المذاهب فيما يظهر.
وأما داود فجرى على ظاهريته فقال: «لا يشرع سجود السهو إلا في المواضع التي سجد النبي ﷺ فيها فقط».
وعند الشافعي سجود السهو كله قبل السلام، وعند الحنفية كله بعد السلام.
وقال الإمام أحمد: «يعمل على مثل ما ورد في الأحاديث» وهذا هو الصواب، وذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: «ولكن عند العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعد السلام فالصلاة صحيحة»[(280)].
فشيخ الإسلام يرى أنه ينبغي للإنسان أن يعمل بالأحاديث؛ فما ورد فيه قبل السلام فيكون قبل السلام، وما ورد فيه بعد السلام فيكون بعد السلام[(281)].
المتن:
باب مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ
وَسَلَّمَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَلَمْ يَتَشَهَّدَا
وَقَالَ قَتَادَةُ: «لاَ يَتَشَهَّدُ».
1228 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: قُلْتُ: لِمُحَمَّدٍ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ قَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الشرح:
1228 قوله: «فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ» هذا صريح في أن النبي ﷺ سجد سجدتي السهو بعد ما سلم؛ فدل على أنه إذا سلم عن نقص يأتي بما بقي عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم.
قوله: «وَسَلَّمَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَلَمْ يَتَشَهَّدَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: «لاَ يَتَشَهَّدُ»» فيه: دليل على أن سجدتي السهو ليس فيها تشهد، وهذا هو الصواب أنه لا يتشهد لسجدتي السهو سواء أكان بعد السلام أم قبل السلام؛ خلافًا لمن يرى من العلماء أنه إذا سجد بعد السلام فإنه يتشهد ثم يأتي بسجدتين، وما ورد من الآثار في التشهد بعد السجود فهو ضعيف.
وكذلك إذا سجد قبل السلام فلا يعيد التشهد أيضًا مرة أخرى كما ذكره بعضهم.
وقال بعض العلماء: يسجد سجدتين ثم يعيد التشهد ثم يسلم، وهذا قول مرجوح.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَابُ مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» أي: إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة، وأما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد، وحكى ابن عبدالبر عن الليث أنه يعيده»، وهذا ضعيف مرجوح.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وعن البويطي عن الشافعي مثله، وخطئوه في هذا النقل؛ فإنه لا يعرف، وعن عطاء يتخير»؛ يعني: إن شاء تشهد وإن شاء لم يتشهد.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «واختلف فيه عند المالكية، وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد، وهو قول بعض المالكية والشافعية ونقله أبو حامد الإسفراييني عن القديم، لكن وقع في مختصر المزني سمعت الشافعي يقول: إذا سجد بعد السلام تشهد، أو قبل السلام أجزأه التشهد الأول، وتأول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم، وفيه ما لا يخفى».
المتن:
باب مَنْ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ
1229 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ إِحْدَى صَلاَتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ ﷺ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَنْ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» هذا فيه: دليل على أنه يكبر لسجدة السهو ثم يرفع بتكبير ثم يهوي بتكبير ثم يرفع بتكبير ثم يسلم.
1229، 1230 في هذين الحديثين: مشروعية التكبير في سجدتي السهو في كل خفض ورفع.
المتن:
1230 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَْسْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَبَّرَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ.
تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي التَّكْبِيرِ.
الشرح:
وحينما ترك التشهد الأول سجد قبل السلام، وفي الحديث: أنه كبر لسجدتي السهو؛ كبر لما رفع، وكبر لما سجد، وكبر لما رفع، ثم كبر لما سجد، ثم كبر لما رفع، ومنه يشرع التكبير في كل خفض ورفع لسجدتي السهو.
المتن:
باب إِذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ
1231 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَْذَانَ فَإِذَا قُضِيَ الأَْذَانُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
الشرح:
1231 في الحديث: بيان مشروعية سجدتي السهو لمن شك في صلاته وسها فإنه يسجد سجدتين.
وفيه: حرص عدو الله إبليس على إفساد صلاة المسلم.
قوله: إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَْذَانَ يعني: يشوش على نفسه.
قوله: فَإِذَا قُضِيَ الأَْذَانُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ يعني: إذا أقام المؤذن الصلاة.
قوله: فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى إن هنا نافية، بمعنى: حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى.
قوله: فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ هذا حديث مجمل تفسره الأحاديث الأخرى، فإذا لم يدر الإنسان كم صلى ثلاثًا أو أربعًا فإنه يبني على ما استيقن وهو الثلاث، ثم يأتي بالركعة الرابعة ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم على ما في حديث أبي سعيد [(287)]؛ هذا إذا لم يكن عنده غلبة ظن، فإن كان عنده غلبة ظن تحرى وبنى على غلبة ظنه ثلاثًا أو أربعًا، ويتم صلاته على غلبة الظن ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم على ما في حديث عبدالله بن مسعود [(288)].
ومن العلماء من يحمل حديث ابن مسعود على حديث أبي سعيد ؛ يعني: يبني على اليقين وهو الأقل، والراجح الأول وهو العمل بكل منهما على حدة، فحديث أبي سعيد إذا بنى على اليقين، وحديث ابن مسعود إذا بنى على غلبة الظن، فإذا بنى على اليقين كان السجود قبل السلام، وإذا بنى على غلبة الظن كان السجود بعد السلام.
المتن:
باب السَّهْوِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ
وَسَجَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ وِتْرِهِ»
1232 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة للسهو في الفرض والتطوع، يعني: سجدتي السهو تكون في صلاة الفرض وتكون في صلاة النافلة؛ ولهذا سجد ابن عباس رضي الله عنهما سجدتين بعد وتره، والوتر تطوع.
1232 قوله: إنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ عام في الفرض والنافلة.
قوله: فَلَبَسَ عَلَيْهِ يعني: لبس عليه الصلاة.
قوله: حَتَّى لاَ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ هذا يؤخذ منه مشروعية سجدتي السهو في الفرض والتطوع.
المتن:
باب إِذَا كُلِّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَاسْتَمَعَ
1233 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قال: حدثني ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا عَنْكِ أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْهَا فَقَالَ: كرَيْبٌ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عَنْهَا ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنْ الأَْنْصَارِ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ فَفَعَلَتْ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ.
الشرح:
هذه الترجمة من دقائق فقه البخاري رحمه الله؛ لأن البخاري رحمه الله فقهه في تراجمه؛
1233 في الحديث: صلاة الركعتين اللتين قضاهما النبي ﷺ وهما راتبة الظهر قضاهما بعد العصر، لكن البخاري رحمه الله جاء هنا بهذا الحديث لشيء آخر، وهو الكلام مع المصلي، فإن النبي ﷺ كلمته جارية وهو يصلي، فأشار بيده، واستمع لكلامها؛ ففيه جواز استماع المصلي إلى كلام غيره وفهمه له، وأن هذا لا يقدح في صلاته.
وفيه: جواز الإشارة في الصلاة.
وفيه: جواز تكليم المصلي وأنه يجيب بالإشارة.
وفيه: أنه لا يُصلى بعد العصر نافلة، وأن قضاء النبي ﷺ لركعتي الظهر بعد العصر من خصوصياته، وكذلك المداومة عليها من خصوصياته؛ لأنه ﷺ كان إذا عمل عملاً أثبته[(289)]، ودليل هذا ما ورد عند أحمد: أن النبي ﷺ سألته أم سلمة: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا [(290)].
وفيه: دليل على أن الناس إذا اختلفوا فإنهم يرجعون إلى العلماء؛ حتى يبينوا لهم الحكم الشرعي من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ ولهذا لما اختلف ابن عباس والمسور ابن مخرمة وعبدالرحمن بن أزهر في هذه المسألة ـ وهي الصلاة بعد العصر ـ أرسلوا كريبًا إلى عائشة رضي الله عنها يسألها، فلما رجعوا إلى عائشة رضي الله عنها ردتهم إلى من هو أعلم منها في هذه المسألة.
وفيه: دليل على أن العالم يرد المسألة أيضًا إلى من هو أعلم منه إذا لم يكن عنده يقين، وإذا كان عنده يقين ورده إلى من هو أعلم منه فهو حسن، وإذا أجابه فلا بأس، والناس لا يزالون بخير ما رجعوا إلى العلماء؛ فالعلماء ورثة الأنبياء.
ولهذا قال العلماء: حوت تراجمه فقهًا عظيمًا، وحيّر العلماء والفطاحل في هذه التراجم العظيمة التي ضمّنها الفقه العظيم الذي استنبطه من النصوص.
المتن:
باب الإِْشَارَةِ فِي الصَّلاَةِ
قَالَهُ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1234 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَحَانَتْ الصَّلاَةُ فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتْ الصَّلاَةُ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ نَعَمْ: إِنْ شِئْتَ فَأَقَامَ بِلاَلٌ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلاَّ الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
الشرح:
1234 هذا الحديث كرره المؤلف رحمه الله مرات متعددة؛ ليستنبط الأحكام الكثيرة، وساقه هنا لبيان حكم الإشارة في الصلاة، وأنه لا بأس بأن يشير المصلي في الصلاة بيده أو برأسه؛ فيشير بيده يرد السلام، أو يشير بيده يقول هكذا نعم، أو يقول هكذا لا، أو يشير برأسه أن نعم، فهذا لا بأس به، وكل هذا دلت عليه النصوص.
وفيه: مشروعية الإصلاح بين الناس، ولاسيما الكبير والرئيس والعالم ينبغي أن يكونوا في مقدمة الناس، ويكون لهم سبق في هذا؛ حتى يصلحوا بين الناس، لأن الناس يقبلون منهم في الغالب؛ فهم قدوة الناس.
وفيه: دليل على أنه إذا تأخر الإمام ففيتقدم واحدٌ فيصلي بالناس كما سبق.
وفيه: أن الإمام إذا جاء والناس يصلون فله أن يتقدم ويصلي بالناس إمامًا وله أن يصلي معهم مأمومًا.
وفيه: جواز الإشارة في الصلاة وأنه لا بأس بها؛ ولهذا أشار النبي ﷺ إلى أبي بكر في الصلاة أن استمر في صلاتك.
وفيه: جواز رفع اليدين وحمد الله في الصلاة عند حصول ما يسر.
وفيه: جواز الالتفات في الصلاة لحاجة.
وفيه: جواز الحركة القليلة في الصلاة كالتقدم والتأخر؛ ومن أدلته صلاة النبي ﷺ على المنبر لتعليم الناس وهو يسجد على الأرض[(291)]، وتأخر الصفوف وتقدمها في صلاة الكسوف.
وفيه: مشروعية التسبيح للرجال والتصفيق للنساء؛ لتنبيه الإمام إذا نابه شيء في صلاته.
وفيه: جواز استخلاف الإمام غيره ليصلي بالناس إذا تأخر ويتقدم خليفته. كل هذه الفوائد مأخوذة من هذا الحديث؛ والحديث ساقه المؤلف هنا لبيان حكم الإشارة في الصلاة.
المتن:
الشرح:
1235 هذا فيه جواز الإشارة في الصلاة؛ فإذا كانت الإشارة بالرأس أو باليد فلا حرج. قولها: «مَا شَأْنُ النَّاسِ؟» فيه: تكليم المصلي؛ لأنها كلمتها وهي تصلي واستمعت لها، فلا حرج في هذا.
المتن:
الشرح:
1236 الشاهد من الحديث: أن النبي ﷺ أشار إليهم وهو يصلي؛ فدل على أنه لا بأس بالإشارة للمصلي وهو في صلاته.
قوله: إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا في رواية أخرى: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ [(293)]، ولم يذكرها المؤلف رحمه الله، وفيه: دليل على أن الإمام إذا صلى قاعدًا فإن الناس يصلون خلفه قعودًا؛ ولهذا لما صلى النبي ﷺ وهو شاك ـ يعني: مريضًا ـ جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا أشار إليهم أن اجلسوا.
وفي آخر حياته ﷺ لما مرض تقدم أبو بكر وصلى بالناس ثم جاء النبي ﷺ وجلس بجوار أبي بكر يصلي النبي ﷺ وهو جالس وأبو بكر يصلي قائمًا، يقتدي أبو بكر بالنبي ﷺ ويقتدي الناس بأبي بكر[(294)].
مسألة: اختلف العلماء في حكم الإمام إذا صلى جالسًا؛ هل يصلي الناس خلفه جلوسًا أو قيامًا؟
الجواب: وسبب الخلاف: أنه في الحديث الأول في مرضه الأول أمرهم بأن يجلسوا، وفي آخر حياته صلى الناس قيامًا فاختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
القول الأول: أن الأمر الأول منسوخ، ذهب إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله وقال: إنما يؤخذ بالآخر، والآخر من فعله ﷺ أن الإمام إذا صلى جالسًا يقوم الناس خلفه.
القول الثاني: أن يُجمع بينهما بأنه إذا ابتدأ الصلاة جالسًا صلى الناس جلوسًا كما في مرضه الأول، أما إذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم اعتل وجلس يستوي الناس قيامًا؛ جمعًا بين الحديثين.
القول الثالث: أن الأمر في قوله ﷺ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، محمول على الاستحباب، وإقراره الناس على صلاتهم قيامًا في آخر حياته محمول على الجواز، فهو مخير بين الأمرين؛ إذا صلوا جلوسًا فهو أفضل لأن النبي ﷺ أمرهم أن يصلوا جلوسًا، وإذا صلوا قيامًا فلا بأس؛ لأن النبي ﷺ أقره في آخر حياته.
وهذا هو الأرجح أنه مخير بين الأمرين؛ جمعًا بين الحديثين، فإن صلوا قيامًا جاز وإن صلوا قعودًا فهو أفضل، ويكون الأمر محمول على الاستحباب.
والذي صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب أن النبي ﷺ أقر الصحابة أن يصلوا خلفه قياما في آخر حياته.
وأما رفع البصر في الصلاة فهو منهي عنه؛ لما جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم [(292)].
والخلاصة في أحكام سجود السهو أن سجود السهو يشرع لواحد من ثلاثة أمور؛ إما زيادة، أو نقص، أو شك.
واختلف العلماء هل سجود السهو، يكون قبل السلام أو بعد السلام؟ على أقوال:
قال بعض أهل العلم: يكون السجود كله قبل السلام.
وقال بعضهم: يكون السجود كله بعد السلام.
وقال آخرون: يكون السجود كله قبل السلام، إلا في ثلاثة مواضع على حسب ما ورد في الأحاديث.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ينبغي للمسلم أن يعتني بأحكام سجود السهو، وأن يعمل بالأحاديث، فما جاء قبل السلام يكون قبل السلام، وما جاء بعد السلام يكون بعد السلام، والمشروع أنه يجوز قبل السلام وبعد السلام عند الحنابلة وغيرهم»[(282)].
فيجوز السجود قبل السلام أو بعد السلام، لكن الأفضل أن يكون على حسب ما ورد في الأحاديث، وإلا فلو سجد قبل السلام أو بعد السلام فلا حرج.
والأحاديث التي وردت في هذا:
حديث عبدالله بن بحينة أن النبي ﷺ لما ترك التشهد الأول وقام سجد سجدتين قبل أن يسلم[(283)].
وحديث ابن مسعود أنه لما زاد ركعة فصلى خمسًا سجد بعد السلام في الزيادة[(284)].
وحديث ذي اليدين أن النبي ﷺ لما سلم عن ركعتين، ثم ذكر، أتى بما بقي عليه، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعد أن سلم.
وحديث أبي سعيد أن المصلي إذا شك ولم يكن عنده يقين، ولم يكن عنده غلبة ظن، فإنه يبني على ما استيقن ويتم عليه، ثم يسجد قبل أن يسلم[(285)].
وحديث ابن مسعود أنه إذا كان عنده غلبة ظن يتحرى الصواب ويبني عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم[(286)].