المتن:
(23) كِتَاب الْجَنَائِزِ
باب فِي الْجَنَائِزِ وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلاَّ لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ»
الشرح:
هذا الكتاب معقود لحكم الجنائز، و «الْجَنَائِز» بفتح الجيم جمع جَنازة وجِنازة بالكسر، قال بعضهم: الكسر أفصح، وقيل: بالكسر النعش، وبالفتح الميت. فهذا الكتاب معقود لبيان أحكام الموتى وما يتبع ذلك من أحكام المريض، وأحكام المؤمنين في الآخرة وما يكون من أحوالهم، وأن الأموات مؤمنون وكفار، وعصاة وموحدون.
قوله: «وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» هكذا صدر المؤلف رحمه الله هذا الكتاب بهذا الأثر ولم يذكر بقية الأثر، ولعله يشير إلى حديث معاذ : مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ [(295)]؛ أي: إذا قال هذه الكلمة عن إخلاصٍ وصدق فإنه من أهل الجنة.
أما إذا قالها عن غير إخلاص وهو مشرك فلا تنفعه؛ لأن الشرك ينقضها، كمن يدعو غير الله ويذبح لغير الله أو يستغيث بغير الله، أو كذَّب الله ورسوله فليس مخلصًا، ولا ينفعه قوله، ولو قال ما قال، أو قالها عن كذب ـ كالمنافقين الذين يقولون: لا إله إلا الله بألسنتهم وقلوبهم مكذبة ـ فلا تنفعه؛ قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ يعني: بألسنتهم، وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البَقَرَة: 8]، يعني: بقلوبهم، وقال : إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنَافِقون: 1].
فمن قالها عن إخلاص وصدق فلا بد أن يؤدي حقوقها، فإن لم يؤد حقوقها دل على ضعف صدقه وإخلاصه؛ فإنه إذا قوي الإخلاص، وقوي الصدق، فلابد أن يؤدي الواجبات، وينتهي عن المحارم، ويقطع الشبهات والشهوات؛ وإذا ضعف الإخلاص، والصدق، جاءت المعاصي وجاءت الشبهات والشهوات؛ ولهذا قيدت في الأحاديث بالإخلاص، قال ﷺ: مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ [(296)] وفي لفظ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصًا [(297)] وفي لفظ: مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ صَادِقًا [(298)] وفي لفظ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ [(299)] فليس المراد مجرد النطق بهذه الكلمة فقط.
ولابد أن ينقاد لحقوق هذه الكلمة؛ فلا يمكن أن يقول: لا إله إلا الله عن إخلاص وصدق ولا ينقاد لحقوقها، ومن حقوقها: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج؛ ولهذا قال ﷺ في الحديث الصحيح: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ [(300)].
فلا إله إلا الله لها شروط لابد من تحقيقها والعمل بمقتضاها، ومن شروطها الإخلاص والصدق والكفر بما يعبد من دون الله وهي مستنبطة من قوله ﷺ: خالصًا، صَادِقًا ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ.
وبهذا يتبين أن ما يظنه بعض الناس أن مجرد النطق بكلمة التوحيد ينفع فإنه لا وجه له؛ لأن المنافقين يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار ولن تنفعهم؛ لأنهم لم يقولوها عن صدق، وإنما قالوها عن كذب؛ فهم يقولونها بألسنتهم وقلوبهم منكرة ومكذبة؛ فتبين بهذا أنه لا بد من الإتيان بشروط هذه الكلمة التي دلت عليها النصوص؛ لأن النصوص يُضَم بعضها إلى بعض.
قوله: «وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلاَّ لَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإِلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ» والأسنان هي شرائع الإسلام: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؛ أي: أداء الفرائض وترك المحارم؛ هذه هي أسنان المفتاح.
وهذا اجتهاد من وهب بن منبه رحمه الله، وهو تابعي جليل، وإلا فإن الذي ليس له أسنان لا يسمى مفتاحًا.
ولكن من أتى بكلمة التوحيد ولقي الله بها سالمةً خالصةً من الشرك؛ فإنه لا بد أن يدخل الجنة إن عاجلاً أو آجلاً، فضلاً من الله تعالى وإحسانًا.
وإن جاء بهذه الكلمة ملطخةً بالكبائر؛ والبدع، والمعاصي، مصرًّا عليها، ومات عليها من غير توبة؛ فقد أوهنها، وأضعفها، ونقص توحيده وإيمانه؛ فهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له بتوحيده وإيمانه وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه بمعاصيه وجرائمه، ثم في النهاية يكون من أهل الجنة، بعد خروجه من النار بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين.
وقد توعد الله بعض مرتكبي الكبائر باللعن ـ واللعن هو الطرد من رحمة الله ـ يقول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النِّسَاء: 93]، فاللعن على الكبائر يدل على ضعف الإيمان ونقصه، لكن أصل التوحيد يُدخل الجنة ولو بعد حين، ولو عُذِّب في القبر، أو شُدد عليه في موقف القيامة، أو دخل النار وعذب فيها مدة، وقد يطول مكث بعض العصاة في النار لفحش جرائمهم وكثرتها، ثم يخرجون، وما أخبر الله تعالى به عن القاتل أنه يخلد في النار، في قوله: خَالِدًا فِيهَا فإن المراد المكث الطويل؛ فخلود العصاة في النار خلود مؤقت له نهاية ولو طال، أما خلود الكفرة فهو خلود مؤبَّد لا نهاية له. نسأل الله السلامة والعافية.
المتن:
1237 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَْحْدَبُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْأً دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ! قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.
1238 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْأً دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْأً دَخَلَ الْجَنَّةَ.
الشرح:
1238 قوله: «شَقِيقٌ» ابن سلمة أبو وائل، وهو صاحب عبدالله بن مسعود ، وهذه المقالة التي قالها عبدالله بن مسعود: «مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْأً دَخَلَ الْجَنَّةَ» ليست من عند نفسه، ولكن أخذها من النصوص التي دلت على أن من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة.
1237 في الحديث: دليل على أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار.
وفيه: أن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، خلافًا للخوارج والمعتزلة؛ فالخوارج يقولون: مرتكب الكبيرة كافر، والمعتزلة يقولون: إنه خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، واتفقوا على تخليده في النار، وهذا من أبطل الباطل، وهذا الحديث حجة ورد عليهم: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْأً دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فقلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.
فالزاني عند الخوارج والمعتزلة مخلد في النار، وكذلك السارق، ومذهب أهل السنة والجماعة ـ ما دلت عليه النصوص ـ أن الزاني والسارق وشارب الخمر إن كان مؤمنًا وموحدًا فهو عاصٍ ضعيف الإيمان، لا يقال: مؤمن بإطلاق، ولا يرفع عنه الإيمان بإطلاق؛ بل يقال: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن عاصٍ، وفي النفي لا يُنفى عنه الإيمان بإطلاق؛ فلا يقال: ليس بمؤمن، بل يقال: ليس بمؤمن حقًّا وليس بصادق الإيمان، وهو في الآخرة تحت مشيئة الله؛ قد يعذب وقد يعفى عنه، ومصيره إلى الجنة.
وفيه: أن من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، أي: مات لا يشرك بالله الشرك الأكبر، وإن مات على الشرك الأكبر فهذا لا شك أنه يخلد في النار.
وأما الشرك الأصغر فهو لا يغفر؛ لدخوله في عموم الشرك، لكنه لا يخلِّد صاحبه في النار، بل يدخل تحت موازنة الحسنات والسيئات، فإن رجحت السيئات عذب بالشرك الأصغر، وإن رجحت الحسنات لم يعذب بالشرك الأصغر.
فالشرك الأصغر فيه: خلاف بين أهل العلم؛ فمن العلماء من قال: إنه مثل الكبائر قد يغفره الله، ومنهم من قال: إنه ليس كالكبائر بل هو لا يغفر؛ لدخوله في عموم الآية تأدبًا مع القرآن، وكونه لا يغفر أي: أنه يؤاخذ به، فإن رجحت الحسنات سقط من الحسنات ما يقابله ويدخل الجنة، وإن رجحت السيئات عذب بهذا الشرك ثم يخرج من النار ولا يخلد فيها، فالذي يخلد هو من مات على الشرك الأكبر وهذا هو الصحيح.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: القاتل ليس له توبة، والصواب أن له توبة. ونقل النووي رحمه الله في «شرح مسلم» عن القاضي عياض في اللفظ المدرج من حديث ابن مسعود ، فقال: «سببه أنه لم يسمع من النبى ﷺ إلا إحداهما، وضم إليها الأخرى لما علمه من كتاب الله تعالى ووحيه، أو أخذه من مقتضى ما سمعه من النبي ﷺ، وهذا الذى قاله هؤلاء فيه نقص من حيث إن اللفظتين قد رفعهما من حديث ابن مسعود كما ذكرناه؛ فالجيد أن يقال: سمع ابن مسعود اللفظتين» [(301)]، وهذا ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله.
ونقول: إن عبدالله بن مسعود سمع من النبي ﷺ الجملة الأولى فأخبر بها، ولم يسمع الجملة الثانية؛ لكن فهمها من النصوص الأخرى، فهي من عنده، ولا يمنع أن يكون غيره سمعها من النبي ﷺ.
ثم قال رحمه الله: «ولكنه في وقتٍ حفِظَ إحداهما وتيقنها عن النبى ﷺ، ولم يحفظ الأخرى؛ فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، وفي وقت آخر حفظ الأخرى ولم يحفظ الأولى مرفوعة؛ فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها»[(302)].
المقصود: أن الكلمة الأخرى ثابتة في النصوص لا إشكال فيها، لكن من ورعه أنه أخبر أنه سمع الكلمة الأولى، والثانية أخبر بها من عند نفسه، لكنه ما جاء بها عن الرأي المجرد وإنما جاء بها لأن النصوص دلت عليها، وهي ثابتة عن غيره؛ ففي حديث جابر بن عبدالله وأحاديث أخرى ذكر الجملتين فقال ﷺ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ [(303)].
المتن:
باب الأَْمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ
1239 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَرَدِّ السَّلاَمِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالإِْسْتَبْرَقِ.
1240 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الأَْوْزَاعِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ.
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ.
وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ عَنْ عُقَيْلٍ.
الشرح:
عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب لبيان حكم اتباع الجنائز، واتباع الجنائز من الأمور التي أمر بها النبي ﷺ، وهي من حقوق المسلم على أخيه، ولم يجزم المؤلف رحمه الله بالحكم، فقال: «بَاب الأَْمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» ؛ لأن الأمر قد يكون للوجوب، وقد يكون للاستحباب والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم.
1239 قوله: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» والمشهور عند العلماء أن اتباع الجنازة من المستحبات، ومن الفضائل، وأن من صلى على الجنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط آخر.
قوله: «وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ» وهذه أيضًا من الأعمال العظيمة التي رغَّب فيها الشَّرع، وقد جاء في الحديث: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ [(304)].
قوله: «وَإِجَابَةِ الدَّاعِي» وفي اللفظ الآخر: «وإجابة الدعوة» [(305)] إذا دعاه أخوه إلى وليمة فعليه أن يجيبه، فهذا من حقه عليه، وهل إجابة الدعوة للوجوب أو للاستحباب؟
المشهور عند الجمهور أن إجابة الدعوة للعرس واجبة وما عداه فهو للاستحباب، لكن ظاهر الأدلة الوجوب في الجميع؛ فإنه لا فرق بين إجابة دعوة العرس وغيرها، وهذا إذا لم يكن عليه مشقة، وإذا لم يكن عليه ضرر اعتذر منها، وأما إذا كان يترتب عليه ضرر آخر مثل السهر الكثير، أو دعاه إلى وليمة وكان فيها منكر فهذا يكون سببًا في عدم إجابة الدعوة، ويجوز أن يحضر ليزيل المنكر، فإن زال وإلا رجع.
قوله: «وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ» وهذا واجب أيضًا، فيجب على الإنسان أن لا يخذل المظلوم، وأن يمد له يد العون، وأن يقف في وجه الظالم، وأن يرده إلى رشده، قال ﷺ: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا [(306)] فإذا رأى مظلومًا واستطاع نصره ولم ينصره فقد أخل بالواجب وأثم.
قوله: «وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ» إذا حلف عليك أخوك أو أقسم عليك بأن تأكل طعامه أو تشرب شرابه فإن عليك أن تبر قسمه إذا لم يقع عليك ضرر، لكن ينبغي على الإنسان أن لا يقسم، فإذا أقسم واستجيب له فهذا خير، وإلا فليكفِّر عن يمينه.
قوله: «وَرَدِّ السَّلاَمِ» هذا واجب أيضًا على الصحيح.
قوله: «وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ» أي: إذا عطس المسلم وحمد الله، فعلى من سمعه أن يقول له: يرحمك الله، والمشهور عند العلماء أنه من المستحبات المتأكدة، وذهب بعض العلماء إلى أن تشميت العاطس واجبٌ، ومن هؤلاء أبو داود رحمه الله صاحب السنن، فكان يرى وجوب تشميت العاطس، ويقال: إنه سمع عاطسًا في زورق في البحر فاستأجر زورقًا وركب حتى وصل إليه وشمته.
وهذه الأمور التي أمر بها النبي ﷺ هي حقوق المسلم على المسلم، ففي الحديث قال: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وليس المراد منها الحصر؛ لأن حقوق المسلم كثيرة، منها ما في حديث البراء، ومنها أيضًا ما جاء في الحديث الآخر: وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ [(307)] ويجمعها قول النبي ﷺ: لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ [(308)] وقوله ﷺ: المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا [(309)].
فيجب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك من الخير، فإذا كنت تحب لنفسك أن يرزقك الله مالاً حلالاً وعلمًا نافعًا وزوجةً صالحة تحب لأخيك كذلك، وإذا كنت تكره لنفسك شيئًا من الضرر تكره لأخيك مثله؛ فهذا من الإيمان.
قوله: «وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ» يعني: الشرب في آنية الفضة واستعمالها للذكور والإناث، فيحرم استعمال الإنسان إناء الفضة كأسًا يشرب فيه، وإناء الذهب أشد حرمة ولكن الأنثى تستعمل الذهب والفضة للتحلي في يديها وفي رقبتها وفي أذنيها، أما استعمال ملعقة أو كأس أو نظارة أو قلم من ذهب أو فضة فممنوع لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ [(310)] ولقوله ﷺ: لاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ [(311)].
قوله: «وَخَاتَمِ الذَّهَبِ» يحرم على الرجل أن يتختم بخاتم الذهب، ولما رأى النبي ﷺ رجلاً عليه خاتم من ذهب قال: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ [(312)].
ويجوز للرجل أن يتختم بخاتم من فضة.
قوله: «الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالإِْسْتَبْرَقِ» الحرير لبسه محرم للرجال، وكذلك الديباج، وهو نوع من الحرير رقيق، وكذلك الإستبرق وهو نوع من الحرير غليظ، وكذلك القسي، فهذه كلها أنواع من الحرير.
أما المرأة فيجوز لها أن تتحلى بالذهب، وأن تلبس من الحرير ما تشاء.
والأصل في اتباع الجنائز أنه للرجال دون النساء وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله في حديث أم عطية: «نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا» [(313)].
والشاهد من الحديث أن اتباع الجنازة من الحقوق، فمن حق المسلم على أخيه أن يتبع جنازته إذا مات، وأن يزوره إذا مرض، وأن يبر قسمه إذا أقسم، وأن يجيب دعوته، وأن ينصره إذا ظلم، وأن يشمته إذا عطس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما المنهيات فمحل شرحها كتاب اللباس ، وسيأتي الكلام عليها فيه، وسقط من المنهيات في هذا الباب واحدة سهوًا إما من المصنف أو من شيخه».
1240 هذا الحديث يطابق الترجمة في قوله: «وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ» ، وسبق الكلام على مثل هذا في الحديث السابق.
المتن:
باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي كَفَنِهِ
1241، 1242 حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَني مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ: اجْلِسْ فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ﷺ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عِمرَان: 144] وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلاَّ يَتْلُوهَا.
الشرح:
1241، 1242 ساق المؤلف رحمه الله هذا الحديث لبيان جواز الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه.
وأن النبي ﷺ لما توفي وغطي دخل عليه أبو بكر، وكان متغيبًا في مسكنه قريبا من المدينة.
قوله: «أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ» السنح: موضع بعوالي المدينة.
قوله: «حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ ﷺ» يعني: قصده.
قوله: «وَهُوَ مُسَجًّآ» يعني: مغطى.
قوله: «بِبُرْدِ حِبَرَةٍ» نوع من القماش تجمع على برود.
قوله: «فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ» وهذا هو الشاهد للترجمة: «الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي كَفَنِهِ» ؛ فأبو بكر دخل على النبي ﷺ وقد أدرج في أكفانه.
قوله: «فَقَبَّلَهُ» فيه: جواز تقبيل الميت بعد موته من باب المحبة.
قوله: «ثُمَّ بَكَى» فيه: جواز البكاء على الميت بدمع العين، وأنه ليس من النياحة إنما النياحة إذا كان بصوت: صياح، أو عويل، أو تعديد محاسن الميت، وكذا لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعر، فهذا من النياحة المحرمة، أما دمع العين فلا يلام عليه الإنسان؛ لأنها رحمة؛ قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ وأشار إلى لسانه[(314)].
قوله: «بِأَبِي أَنْتَ» يعني: أفديك بأبي؛ فدّاه لأنه ﷺ أعظم الناس حقًّا عليه بعد حق الله ؛ فالرسول ﷺ مقدم على الآباء والأمهات.
قوله: «لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا» أي: وليس بعد هذه الموتة شيء؛ ولهذا لما اشتد الكرب بالنبي ﷺ في مرضه قالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه، فقال ﷺ: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ [(315)] وكان ﷺ يوعك كما يوعك الرجلان؛ ففي الحديث: إنك لتوعك يا رسول الله وعكًا شديدًا قال: أجل كما يوعك الرجلان منكم ذلك لأن لك أجرين؟ قال: أجل [(316)] وذلك من شدة المرض الذي أصابه؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ما أغبط أحدًا على خفة المرض وخفة الموت بعد ما رأيت من النبي ﷺ.
ثم ذهب أبو بكر ودخل المسجد، وقد أصاب الناس دهشة عظيمة لموت النبي ﷺ، حتى عمر مع جلال قدره أصابته دهشة عظيمة حتى أنكر موته ﷺ وتهدد من يقول: إن النبي ﷺ مات، وقال: إنه لم يمت وسيأتي، ويقطع أيدي أقوامٍ وأرجلهم.
فخرج أبو بكر ودخل المسجد، فوجد عمر «يُكَلِّمُ النَّاسَ» ، فقال أبو بكر لعمر: «اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ: اجْلِسْ فَأَبَى» ، فلما رأى أنه لا يطيعه تشهد وحمد الله، يريد أن يخطب الناس، «فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ» .
قوله: «فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ» كلمات معدودة، كهدي النبي ﷺ في خطبه، حيث كانت خطب النبي ﷺ كلمات معدودة، يعدها العادّ ويحصيها.
قوله: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ﷺ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ» ، ثم تلا الآية: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عِمرَان: 144]. وكأن الناس قد نسوا هذه الآية حتى عمر ، وكأنها ما نزلت قبل ذلك إلى الآن؛ فصار الناس يتلقونها من فم أبي بكر ؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلاَّ يَتْلُوهَا» أي: نسوها من شدة المصيبة التي حصلت، والفاجعة التي نزلت والهول، لكن أبا بكر عنده من الثبات والقوة ما ليس لغيره، فاستحضاره للآيات ليوطِّن الناس ويبيِّن لهم أن الله هو الحي الذي لا يموت، وأن الرسول بشر يموت؛ لكن دينه باقٍ ـ هذا هو الثبات، وهذا هو العلم، وهذا هو الفضل،