المتن:
1243 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ امْرَأَةً مِنْ الأَْنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ.
وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ.
الشرح:
1243 ساق المؤلف رحمه الله هذا الحديث كشاهد آخر لجواز الدخول على الميت بعدما يدرج في أكفانه وفيه: قصة.
قوله: «أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً» يعني: تقاسموا هم والأنصار الأموال والديار بالقرعة؛ لأن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا لله، فلما جاءوا المدينة تقاسمهم الأنصار يواسونهم بأموالهم وذلك بعد أن آخى الرسول ﷺ بين المهاجرين والأنصار.
قوله: «فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ» يعني: وقع في سهمنا، وصار من نصيبهم.
قوله: «فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» أي: مرِض مرضَ الموت.
قوله: «فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» وهذا هو الشاهد من الحديث حيث دخل النبي ﷺ على عثمان بعدما أدرج في أكفانه؛ فلا بأس بالدخول على الميت بعدما يدرج في أكفانه.
قوله: «فَقُلْتُ:» القائل أم العلاء.
قوله: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ» كنية عثمان بن مظعون .
قوله: «فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ» أي: أكرمك الله بالجنة، فَشَهِدَتْ له بالجنة، فأنكر النبي ﷺ عليها الشهادة له بالجنة.
قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟» أي: كيف تشهدين له بالجنة؟! وهذا يشبه قولَ النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها لما توفي الصبي قالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال: أَوَ غير ذلك يا عائشة؛ إن الله خلق أهل النار وهم في أصلاب آبائهم [(317)]، فلا يُشهَد لواحد بعينه بالجنة.
قوله: «فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» يعني: أَفديك بأبي.
قوله: «فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ واليقين: الموت.
قوله: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ أي: أرجوه له رجاءً لكن لا أجزم.
قال علماء السنة والجماعة: إنَّ المؤمن المطيع يرجى له دخول الجنة ولا يشهد له بالجنة بعينه، ولا يؤمّن من مكر الله، والعاصي يخشى عليه من دخول النار، ولا يشهد عليه بالنار، ولا يقنط من رحمة الله، ولا يشهد لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، إلا ما شهدت له النصوص، ولا يشهد لأحد بالنار إلا ما شهدت له النصوص، أو عُلم أنه مات على الشرك وقد قامت عليه الحجة.
قوله: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي» وهذا مثل قول الله تعالى في سورة الأحقاف: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ [الأحقاف: 9] وهذا قاله النبي ﷺ أولاً قبل أن يخبره الله أنه في الجنة، فإن الآية مكية، ثم أخبره الله بعد ذلك، فعلم ما يفعل به، فجاء في الحديث أن النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وأنه شهد للعشرة المبشرين بالجنة، وشهد للحسن والحسين بالجنة، وكذا ابن عمر وعبد الله بن سلام، وجماعة.
المتن:
1244 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ ﷺ لاَ يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ مَا زَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ.
تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا .
الشرح:
1244 والد جابر هو عبدالله بن حرام، وهو الذي قال فيه النبي ﷺ لابنه جابر: إن الله كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا يعني: من دون واسطة قال له: تمن، فقال: أرد إلى دار الدنيا فأقتل مرة أخرى لِما رآه من فضل الشهادة، فقال الرب : إني كتبت أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ [(318)] فهذه مَنقبة لعبد الله بن حرام أن الملائكة ما زالت تظله، وأن الله كلمه كفاحًا.
قوله: «لَمَّا قُتِلَ أَبِي» يعني: لما قتل في أحد شهيدًا.
قوله: «جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ ﷺ لاَ يَنْهَانِي» هذا هو الشاهد من الحديث، وفيه: جواز البكاء على الميت بدون صوت، وأنه ليس من النياحة وإنما النياحة هي الصوت والدعاء بالويل والثبور وشق الثوب ونفش الشعر.
أما البكاء بدمع العين فلا يلام عليه؛ فهي رحمة؛ ولهذا لم ينكر النبي ﷺ على جابر بكاءه على أبيه.
وفيه: جواز الكشف عن وجه الميت وتقبيله وأنه لا حرج فيه كما فعل أبو بكر حيث كشف عن وجه رسول الله ﷺ وقبَّله، وكما فعل جابر .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي هذه الأحاديث جواز تقبيل الميت تعظيمًا وتبركًا، وجواز التفدية بالآباء والأمهات».
قال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله «قوله: «وتبركًا» هذا في حق النبي ﷺ جائز؛ لما جعل الله في جسده من البركة، وأما من سواه من أموات فلا يجوز أن يقبَّل للتبرك؛ لأن غير النبي ﷺ لا يقاس عليه، ولأن فعل ذلك مع غيره وسيلة إلى الشرك فيمنع، ولأن الصحابة لم يفعلوا مثل هذا مع غير النبي ﷺ للتبرك، وهم أعلم الناس بما يجيزه الشرع، والله أعلم»[(319)].
المتن:
باب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ
1245 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قال: حدثني مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز نعي الميت، وهو الإخبار بموته ليصليَ عليه غيرُه ويدعو له؛ والنعي نعيان: نعي جائز، ونعي منهي عنه.
النعي الجائز: هو إخبار الأقارب والجيران بموت الميت بقصد إقامة الصلاة عليه، والترحم والاستغفار له، وتهيئة أمره، وتنفيذ وصاياه.
أما النعي المنهي عنه: فهو ما كان يفعله أهل الجاهلية من إرسال من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور، والأسواق، وفي القبائل، والعشائر، وينادون: مات فلان، مات فلان، مات فلان.
قوله: «بِنَفْسِهِ» تأكيد يعني: أنه ينعى بنفسه ولا يرسل غيره.
1245 قوله في هذا الحديث: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» ؛ يعني: أخبر الناس بموته؛ لأن هناك مسافة كبيرة بين الحبشة والمدينة، فجاءه الوحي من السماء، فنعى النبي ﷺ النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بالصحابة إلى المصلى «فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» ، وكان مصلى الجنائز خارج البلد، وليس في مسجده، فصلى عليه صلاة الغائب.
واختلف العلماء: هل الصلاة على الغائب خاصة بالنجاشي، أو ليست خاصةً به؟
والخلاف في هذا قوي بين العلماء؛ فمنهم من قال: إنه خاص بالنجاشي؛ لأنه لم يُصَلِّ عليه أحد؛ لأنه ليس في بلده مسلم؛ فلهذا صلى عليه؛ أما غيره فلا يصلى عليه، وإنما يصلى على الحاضر؛ والدليل على هذا أنه مات جمٌّ غفير في مكة وفي غيرها ولم يصلِّ عليهم النبي ﷺ صلاة الغائب؛ لأنه صُلي عليهم في مكانهم.
وقال آخرون: إن النبي ﷺ كُشف له، فكأنه أمامه، ولا يعتبر غائبًا.
وقيل: إنما صلى النبي ﷺ على النجاشي؛ تقديرًا لأعماله الجليلة وجهوده الطيبة؛ لأنه هاجر إليه الصحابة مرتين: الهجرة الأولى والهجرة الثانية، وآواهم وأكرمهم؛ فصلى عليه ﷺ لهذا السبب لا لأنه لم يصل عليه أحد؛ إذ يبعد أن يكون النجاشي لم يسلم معه أحد وبقي وحده في مملكته، فلا بد أن يكون له تبع من الحاشية والخدم الذين يتبعون الملوك، وهذا هو أقل شيء.
ويؤخذ من هذا أنه إذا مات من له شأن وقَدمَ في الإسلام كداعية أو عالم كبير أو مصلح أو أمير عادل فيجوز أن يصلى عليه صلاة الغائب؛ لفعل النبي ﷺ، أما سائر الناس فلا يصلى عليهم صلاة الغائب، وكذلك يجوز أن يصلى على الميت إلى شهرٍ من دفنه كما سيأتي.
المتن:
الشرح:
1246 هذا الحديث في غزوة مؤتة حيث أمَّر النبي ﷺ ثلاثة أمراء قال: الأمير زيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبدالله بن رواحة، فأصيب الثلاثة كلهم، فقتل زيد بن حارثة ، ثم حمل الراية جعفر بن أبي طالب فقتل ، ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة فقتل، فانتهت إمارة الأمراء الثلاثة، فلما قتلوا اصطلح الناس على خالد بن الوليد وأمَّروه عليهم، فأخذ خالد الراية ففتح له.
والشاهد من الحديث: أن النبي ﷺ نعى القواد الثلاثة وأخبر بموتهم؛ فلا بأس بالإخبار بموتهم، فهو من النعي الجائز؛ لأنه مجرد إخبار وإعلام وليس من النعي المحرم.
قوله: «وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَتَذْرِفَانِ» فيه: دليل على جواز الحزن والبكاء على الميت بدمع العين، وأن الإنسان لا يؤاخذ به، وأنه لا حرج فيه من غير صوت، وأنه ليس من النياحة.
المتن:
باب الإِْذْنِ بِالْجَنَازَةِ
وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلاَ آذَنْتُمُونِي.
1247 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُهُ فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلاً فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الإِْذْنِ بِالْجَنَازَةِ» يعني: الإعلان بالجنازة إذا انتهى أمرها ليصلى عليها، وهذه الترجمة مرتبة على التي قبلها؛ لأن هذه الترجمة فيمن عُلِم بتهيئة أمره، والأولى فيمن لم يُعلم.
1247 ذكر حديث الرجل الذي كان يقم المسجد، وفي لفظ أنها امرأة.
قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُهُ» أي: يزوره وهو مريض.
قوله: «فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلاً فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» .
وفي الحديث من الفوائد: جواز دفن الميت ليلاً إذا لم يحصل تقصير في حقه؛ جمعًا بين النصوص، وما جاء من النهي عن دفن الميت ليلاً فمحمول على ما إذا كان هناك تقصير في دفنه أو في غسله أو تكفينه أو الصلاة عليه، أما إذا كان لا يقصر في حقه فلا بأس؛ فأبو بكر دفن ليلاً، وجمعٌ من الصحابة دفنوا ليلاً.
وفيه: جواز الصلاة على الميت بعد دفنه، وأنه يصلى على الميت وهو في قبره إلى شهر من دفنه، كما جاء في الحديث الآخر: أن النبي ﷺ صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر[(320)].
المتن:
باب فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ
وَقَالَ اللَّهُ : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البَقَرَة: 155].
1248 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ.
1249 حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَْصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ ﷺ اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلاَثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ: امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ.
1250 وَقَالَ شَرِيكٌ: عَنْ ابْنِ الأَْصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ.
1251 حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مَريَم: 71].
الشرح:
1248، 1249، 1250، 1251 هذه الأحاديث فيها فضل من مات له ولد فاحتسبه؛ ولهذا صدر المؤلف رحمه الله الترجمة بقول الله : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البَقَرَة: 155]. ، فأشار بذلك إلى أن الصابر هو الذي له هذا الأجر والثواب، أما الذي يجزع ويتسخط فعليه الوزر.
قوله: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ يعني: الإثم، وهذا قبل البلوغ فلا يكتب عليه إثم، وأما بعد البلوغ فيكون مكلفًا.
ففي هذه الأحاديث: أن من مات له اثنان أو ثلاثة لم يبلغوا الحنث كان هذا من أسباب دخول الجنة، وكانوا له حجابًا من النار، لكن هذا مشروط باجتناب أسباب دخول النار وهي الكبائر؛ لأن الكبائر لا بد لها من توبة، وإلا فهو تحت مشيئة الله.
وكذلك الوضوء من أسباب مغفرة الذنوب، وكذلك الصلاة؛ وكل هذا مشروط باجتناب الكبائر عند جمهور العلماء؛ وهو الصواب الذي تدل عليه النصوص، كقول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا [النِّسَاء: 31]، وفي حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم أن النبي ﷺ قال: الْصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعُةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانِ إِلَى رَمَضَانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ [(321)] فلا بد من اجتناب الكبائر.
وفي هذه الأحاديث جاء ذكر الثلاث والاثنين، وأما الواحد فقد جاء ذكره أيضًا في حديث آخر في البخاري أن النبي ﷺ قال: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ [(322)] فهذا فيه دليل على أن الواحد أيضًا يحتسبه من أسباب دخول الجنة، وصفيه يعني: محبوبه الخالص، ويشمل الولد، أو الزوج، أو الزوجة، أو الأب، أو الأم؛ فإذا مات للعبد محبوب صفي واحتسبه فإن هذا من أسباب دخول الجنة.
قوله: إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ. مراده بالقسم ـ كما في بعض نسخ صحيح البخاري هذه الآية: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مَريَم: 71]. فقد أقسم الله بأن كل واحد يرد النار. والورود هنا اختلف العلماء في المراد به على قولين:
القول الأول: أن الورود دخول النار.
القول الثاني: أنه المرور على الصراط، وهذا هو الصواب؛ لأنه فسر في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن حفصة رضي الله عنها أنها سألت النبي ﷺ عن الآية قالت: أين قول الله : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مَريَم: 71]، قال: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مَريَم: 72]» [(323)]، أشار إلى أن الورود هو المرور على الصراط، ويكون على حسب الأعمال؛ فمنهم من يمر كالبرق، وكالريح، وكأجاود الخيل، لا تضره ولا يصيبه منها شيء.
المتن:
باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ اصْبِرِي
1252 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي.
الشرح:
1252 في هذا الحديث: بيان أنه لا بأس أن ينصح الرجل المرأة ويقول: لها: اصبري، إذا لم يكن هناك فتنة ولا محظور، كما أن المرأة تنصح الرجل.
وفيه: مخاطبة الرجل للمرأة للموعظة إذا لم يكن هناك محظور، فلا حرج إذا خاطبها ليرغبها في الأجر والاحتساب ويرهبها من الإثم، وكذلك المرأة تخاطب الرجل أيضًا لترغبه وترهبه، فإذا لم يكن هناك محظور ولا فتنة ولا خَلوة فلا بأس.
المتن:
باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسَّدْرِ
وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا».
وَقَالَ سَعِيدٌ: «لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ».
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ.
1253 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حدثني مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَْنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاها تَعْنِي إِزَارَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لغسل الميت ووضوئه بالماء والسدر وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وهو من فروض الكفاية في أصح أقوال أهل العلم؛ فيجب على الأمة أن تغسل الميت وتكفنه وتصلي عليه وتدفنه فإذا فعله بعض الناس سقط الإثم عن الباقين، وإن ترك الناس الميت، ولم يغسلوه، أو لم يكفنوه، أو لم يصلوا عليه أو لم يدفنوه، أثموا كلهم.
ومن فضل الله تعالى على المسلم أنه يُكرم فيغسل، ومن المستحب أن ينظف ويطيب ويهيأ لقدومه على ربه ولسؤال الملائكة، ولا يدفن كالحيوانات، قال تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عَبَسَ: 21] فهذا من تكريم الله للإنسان.
قوله: «وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ» والتحنيط والحنوط: أن يُجعل في كفن الميت شيءٌ من الطيب ونحوه، والواجب هو تغسيل الميت، أما تطييبه وتحنيطه فهذا من السنن المستحبات.
قوله: «وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» فيه: دليل على أن غسل الميت لا يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، خلافًا لبعض أهل العلم؛ ولهذا لما غسَّلت أسماء بنت عميس زوجَها أبا بكر ، وكان في يوم بارد، خرجت على الناس -وهم الصحابة- وسألتهم: هل عليَّ غسل؟ قالوا: لا؛ فدل على أن تغسيل الميت لا يوجب الغسل، لكن لو توضأ أو اغتسل كان حسنًا؛ لأن الاغتسال يحصل فيه جبرٌ لنفس المغسِّل لما يحصل له من الانكسار والضعف من مشاهدة الميت وذكر الموت وما بعده.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا» يعني: أن مسه وتغسيله لا يوجب الغسل؛ فبدن المسلم طاهر، وكذلك لعابه ليس فيه نجاسة.
قوله: «وَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ» أي: لما قالوا له عندما غسّل ميتًا: توضأت أو اغتسلت؟ قال: أنا مسسته الآن وغسلته، ولو كان نجسًا ما مسسته، واستشهد المؤلف رحمه الله لذلك بحديث: «وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ» ، وهو في الصحيحين.
1253 ذكر المؤلف رحمه الله حديث أم عطية لما توفيت ابنة النبي ﷺ زينب؛ للدلالة على وجوب الغسل، ولبيان كيفية غسل الميت وتكفينه.
قوله: «فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك فيه: دليل على استحباب غسل الميت وترًا ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا؛ فإذا كان الميت فيه أوساخ فتستحب الزيادة حتى ينظف، وإذا كان نظيفًا فيكفي أن يغسل مرة؛ فالواجب أن يعمم جسده بالغسل مرة واحدة، وكونه يغسل ثلاثًا أفضل، وإذا زاد خمسًا وترًا فهو أفضل، وإذا زاد حتى بلغ السبعة فلا بأس.
قوله: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ السدر والأُشْنَان مثل الصابون، والصابون ينوب عنه الآن، فإذا غسل بالصابون من باب النظافة فلا بأس؛ وإلا فليس بواجب؛ فالماء كاف.
قوله: وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ هو نوعٌ من الطيب.
والكافور يُجعل في الآخر؛ لأنه يّصلِّب الجسد ويقويه مع كونه طيبًا، فيغسل بماء وسدر أو صابون من باب النظافة، وإن طُيّب جسدُه فهو أفضل؛ وإلا تطيب المغابن ما بين إبْطيه وكذا باطن الركبتين وتحت أذنه، وهذا ليس بواجب، بل مستحب كما أن السدر والصابون مستحب.
قوله: فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي يعني: أعلمنني.
قوله: فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ يعني: أعلمناه.
قوله: «فأعطانا حقوه» يعني: إزاره.
قوله: «فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاها يعني: اجعلنه شعارًا لها من باب التبرك؛ فالنبي ﷺ أعطاهم إزاره، وأمر النساء اللاتي يغسلنها أن يجعلن إزاره شعارًا لها يلي جسدها؛ لأن الله تعالى جعل في جسد النبي ﷺ وما لامس جسده من البركة ما لا يوجد في غيره، وهذا خاص به ﷺ، ومنه قول النبي ﷺ: الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ [(327)] فالشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار الثوب الذي فوقه، ومعناه: أن الأنصار من خواص النبي ﷺ كالثوب الذي يلي الجسد، والذي يلي الجسد أخص وأقرب، والناس دثار ـ أي مثل الثوب الثاني ـ فالأنصار أقرب الناس إلى النبي ﷺ.
والأفضل أن تكفن المرأة في خمس لفائف: في قميص، وإزار، وخمار، ولفافتان؛ والرجل في ثلاث لفائف، كما كُفن النبي ﷺ في ثلاثة أكفان؛ ولكن إذا ستر بقطعة واحدة، أو ثوب واحد يعم جميع جسده كفى.
وقال بعضهم: إن الماء المضاف ليس بماء ولا يتطهر به، ذكر هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال: «الماء المضاف لا يتطهر به قال الزين بن المنير: قوله: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ يتعلق بقوله: اغسلنها، وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير؛ لأن الماء المضاف لا يتطهر به، انتهى. وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافًا بذلك».
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «والصواب أن يقال: إن في هذا الحديث دلالة على أن الماء طهور ما دام اسم الماء ثابتًا له إذا كان المضاف إليه طاهرًا كالسدر ونحوه، وقد اختار ذلك أبو العباس بن تيمية[(324)] وتلميذه ابن القيم[(325)] رحمهما الله، كما سيأتي مثله عن ابن العربي في شرح الحديث الآتي، والله أعلم»[(326)].
والصواب: أن السدر إذا خلط بالماء ولم يسلبه اسم الماء فإنه يبقى ماءً ولا يسلبه الطهورية فالماء المضاف يتطهر به ما دام باقيًا على اسم الماء ولو خلط بمادة أخرى، فلا يضر إلا إذا تغير عنه اسم الماء؛ يعني: لو صب عليه مثلاً حبرًا، أو زعفران، أو لبنًا، أو مادة أخرى، وسلب اسم الماء فإنه ينتقل عن مسمى الماء إلى مسمى آخر، لكن إذا خلط به مادة مثل السدر فلم يسلب عنه اسم الماء فيبقى على طهوريته.
وهذا بخلاف ماء العصير، والماء الذي يعصر من الأشجار وغيره فهذا لا يسمى ماء مطلقًا، وإنما يسمى ماء عصير، فلا يتطهر به، ولا يتوضأ به.
المتن:
باب مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا
1254 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ فَقَالَ أَيُّوبُ: وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ: اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَكَانَ فِيهِ: ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا؛ وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ: ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَكَانَ فِيهِ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ.
الشرح:
1254 هذا هو الحديث السابق كرره المؤلف لاستنباط الأحكام؛ ففيه دليل على أنه يستحب أن يغسل الميت وترًا: ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا؛ وإذا غسل مرة واحدة كفى؛ فالواجب مرة واحدة؛ لحديث الذي وقصته: أطاحت به، فدقت عنقه... إلخ، قال النبي ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ [(328)] ولم يذكر تكرارًا ولا إيتارًا.
قوله: «حَفْصَةَ» : هي بنت سيرين.
وفيه: استحباب تمشيط شعر المرأة الميتة، ويجعل ثلاثة قرون، ويُسدَل من خلفها ثلاث ضفائر.
المتن:
باب يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ
1255 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا.
الشرح:
1255 في الحديث: بيان أن السنة في غسل الميت البدء بالميامن فيبدأ بمواضع الوضوء، فيبدأ بالشق الأيمن، ثم الأيسر، وهذا من باب الاستحباب، ولو بدأ بالشق الأيسر فلا حرج.
المتن:
باب مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَيِّتِ
1256 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَنَا وَنَحْنُ نَغْسِلُهَا: ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ.
الشرح:
1256 في الحديث: دليل على استحباب البدء بالميامن ومواضع الوضوء في الغسل، لكن لو لم يبدأ بالميامن فلا حرج، وإذا عمم جسده بالماء مرةً واحدة كفى، وكونه يبدأ بالميامن، وبالشق الأيمن، وبمواضع الوضوء؛ هذا هو الأفضل.
المتن:
باب هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي إِزَارِ الرَّجُلِ
1257 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَنَا: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَنَزَعَ مِنْ حِقْوِهِ إِزَارَهُ وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ.
الشرح:
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان حكم تكفين المرأة في إزار الرجل، ولم يجزم بالحكم؛ لاحتمال أن هذا الأمر خاص بالنبي ﷺ، وأن النبي ﷺ أشعر ابنته إزاره من باب البركة لما جعل الله في جسده ﷺ من البركة، والصواب: أنه لا حرج في هذا؛ وأن هذا عام وليس خاصًّا بالنبي ﷺ وابنته؛ فلا بأس أن تكفن المرأة في ثياب الرجل.
1257 وقوله: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ هذا من باب الاستحباب؛ وإلا فالواجب أن يغسل الميت مرة واحدة، فإذا عمم جسده بالماء كفى، لكن الأفضل أن يكون ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا؛ فإذا حصل النقاء بمرتين يَزيد ثالثة حتى يبقى على وتر، وإن كان فيه أوساخ ولم يحصل النقاء إلا في الرابعة يزيد خامسة حتى يبقى على وتر، وإن لم يحصل النقاء إلا في السادسة يزيد سابعة.
وفيه: أن المرأة إنما تغسلها النساء إلا الزوجين؛ فإن لكل واحد منهما أن يغسل صاحبه ـ المرأة تغسل زوجها والرجل يغسل زوجته ـ كما غسَّل عليٌّ زوجته فاطمة، وكما غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر، وما عدا ذلك فالرجل يغسله الرجال والمرأة يغسلها النساء، حتى إن الرجل لا يغسل أمه وأخته وابنته، وإذا ماتت امرأة بين الرجال تُيَمَّم ولا يغسلها الرجال، وكذلك إذا مات رجل بين النساء ولم يوجد رجل يغسله يُيَمَّم، فتيممه إحدى النساء وتمسح وجهه وكفيه، ويكون هذا نائبًا عن الغسل.
وقوله: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ يعني: اجعلنه لها شعارًا، والشعار: هو الثوب الذي يلي الجسد، فالصحابية أم عطية رضي الله عنها ومن معها أخذن إزار النبي ﷺ بعد أن نزعه من حقوه ـ والحقو مَعْقِد الإزار ـ وأعطاهن إياه؛ فجعلن الثوب الذي أخذنه من النبي ﷺ يلي جسدها، لما جعل الله في جسده ﷺ من البركة، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يُتبرك بأحد غيره عليه الصلاة والسلام؛ لأن الصحابة لم يتبركوا بالصديق، ولا بعمر، ولا بعثمان، ولا بعلي ، ولا بغيرهم؛ ولذا لم يفعلوه مع غيره؛ لعلمهم أنه خاص به ﷺ، ولأن هذا قد يُفضي إلى الشرك والغلو فيكون وسيلة من وسائله.
المتن:
باب يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي آخِرِهِ
1258 حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ ﷺ فَخَرَجَ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ.
1259 وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنهما بِنَحْوِهِ وَقَالَتْ: إِنَّهُ قَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ، قَالَتْ حَفْصَةُ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها: وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ.
الشرح:
1258 في الحديث: استحباب غسل الميت ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر، وفي اللفظ الآخر: أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ [(329)] يعني: على حسب الحاجة، فإذا كان الميت نظيفًا فيكتفى بثلاثة، وإذا كان فيه أوساخ فيزاد حتى يحصل النقاء.
وقوله: فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ يعني: الإزار الذي على حقوه، والحقو هو معقد الإزار.
وقوله: وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا هذا هو الشاهد من الترجمة، والكافور: هو نوعٌ من الطيب، واختيار الكافور لأمرين:
الأمر الأول: أن فيه تطييبًا للميت.
الأمر الثاني: أنه يُصَلّبَ الجسد ويقويه.
وهذا من باب الاستحباب، ولو لم يجعل كافورًا أو شيئًا من طيب فلا حرج، فالواجب غسل الميت مرة واحدة، وإذا غسله ثلاثًا فهو أفضل، وإذا جعل فيه طيبًا فهو أفضل، وإذا جعل في الآخرة كافورًا فهو أفضل.
1259 فيه: استحباب جعل رأس الميت ثلاثة قرون، كما قالت أم عطية: «وجعلنا رأسها ثلاثة قرون» [(330)]؛ يعني: ثلاثة ضفائر: الناصية قرن، وقرن من الجانب الأيمن، وقرن من الجانب الأيسر، وتسدل خلفها؛ فهذا هو الأفضل.
المتن:
باب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «لاَ بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَيِّتِ».
1260 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَيُّوبُ: وَسَمِعْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ سِيرِينَ قَالَتْ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ.
الشرح:
1260 في الحديث: أنه لا بأس بنقض شعر الميت من باب النظافة، ولهذا قالت أم عطية: «نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ» وقال ابن سيرين: «لا بأس أن ينقض شعر المرأة» وينقض شعر المرأة إذا كان ضفائر، ثم يجعل ثلاثة قرون؛ ولا حرج في هذا.
وبعض العلماء ذهب إلى المنع منه وقال: إن هذا يفضي إلى سقوط شعر الميت، والصحيح الأول بالحديث الباب، ثم إنه يضم يعضه إلى بعض نهى نقصه وذلك على ثلاثة قرون.
المتن:
باب كَيْفَ الإِْشْعَارُ لِلْمَيِّتِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: «الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ».
1261 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: جَاءَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها امْرَأَةٌ مِنْ الأَْنْصَارِ مِنْ اللاَّتِي بَايَعْنَ قَدِمَتْ الْبَصْرَةَ تُبَادِرُ ابْنًا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ فَحَدَّثَتْنَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلاَ أَدْرِي أَيُّ بَنَاتِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الإِْشْعَارَ الْفُفْنَهَا فِيهِ وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلاَ تُؤْزَرَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان كيفية إشعار الميت، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الثوب الثاني الذي فوقه، ومنه قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ [(331)] يعني: أن الأنصار من خواص النبي ﷺ؛ فهم كالثوب الذي يلي جسده، والناس كالثوب الثاني، ومعلوم أن الثوب الذي يلي الجسد أقرب وأخص، وهذا فيه منقبة عظيمة للأنصار، وفضيلة من فضائلهم.
قوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ» يعني: أن المرأة تُلف في خمس لفائف، اللفافة الأولى خرقة تشد بها الفخذين والوركين تحت الدرع، ثم درع ـ أي ثوب ـ للجسد، وخمار للرأس والوجه تغطى به، ثم لفافتان؛ ويكفن الرجل في ثلاثة أثواب، أو ثلاث لفائف؛ وكل هذا مستحب؛ والواجب ثوب واحد يستر جميع الجسد.
1261 قوله: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ يعني: على حسب حاجة الميت للتنظيف، فإن كنتن رأيتن أنه يكفي؛ وإلا زدن خمسًا، وإن لم يحصل النقاء زدن أيضًا سبعًا؛ ولهذا قال: ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ وفي اللفظ الآخر: أَوْ سَبْعًا إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ [(332)].
قوله: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ المعنى: أنه يخلط الماء بالسدر والسدر للتنظيف مثل الصابون.
وفيه: استحباب غسل الميت بالماء والسدر، أو بصابون أو بأُشْنَان، وهذا من باب النظافة وليس بواجب، والواجب غسل الميت مرة واحدة -كما سبق- وما زاد عليه فهو مستحب.
وفيه: استحباب الإيتار بأن يجعل الغسل ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا؛ والدليل على أنه يكفي غسل واحد حديث الرجل الذي وقصته راحلته، فقال النبي ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ [(333)] ولم يذكر عددًا ولا إيتارًا.
وفيه: استحباب جعل الكافور في الغسلة الأخيرة، قال العلماء: والحكمة في ذلك مع كونه طيبًا أنه يُصَلّب الجسد ويمنع الهواء.
المتن:
باب هَلْ يُجْعَلُ شَعَرُ الْمَرْأَةِ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ
1262 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: ضَفَرْنَا شَعَرَ بِنْتِ النَّبِيِّ ﷺ تَعْنِي ثَلاَثَةَ قُرُونٍ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: قَالَ سُفْيَانُ: نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا.
الشرح:
1262 فيه: استحباب جعل شعر الميت ثلاثة قرون: قرن للناصية، وقرن للجانب الأيمن، وقرن للجانب الأيسر وهذا هو الأفضل، ولو لم يُجعل ثلاث ضفائر فلا حرج؛ لأن هذا من باب الاستحباب، كما فُعل ببنت النبي ﷺ؛ ولهذا قال وكيع: قال سفيان: «نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا» .
المتن:
باب يُلْقَى شَعَرُ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا
1263 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَتَانَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرًا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا.
الشرح:
قوله: «بَابٌ يُلْقَى شَعَرُ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا» هذه الترجمة معقودة لبيان كيف يُعمل بشعر الميت إذا كان امرأة.
1263 قوله: اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ كون الماء فيه سدر أو صابون أو أُشْنَان هذا مستحب وليس بواجب كما سبق.
قوله: «وِتْرًا» الوتر في غسل الميت مستحب ـ يعني غسله ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ـ فإذا حصل النقاء بغسلتين يُزاد ثالثة للميت حتى يبقى على وتر، وإن حصل النقاء بأربع يزاد خامسة، وإن حصل النقاء بست يزاد سابعة، من باب الاستحباب، وإلا فلو لم يُوتَر فلا حرج.
قوله: وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ؛ لأنه طيب ويصلب البدن وهذا مستحب، ولو لم يُجعل كافور ولا طيب فلا حرج.
قوله: فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي يعني: أعلمنني.
قوله: «فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ» يعني: إزاره.
قوله: «فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» هذا هو الشاهد من الترجمة أنه يستحب أن يُضفر شعر الميت إذا كان امرأة ثلاثة قرون ويجعل خَلفها.
وهذا الحديث كرره المؤلف رحمه الله أكثر من عشر مرات؛ والسبب في ذلك دقة استنباط البخاري رحمه الله وعظيم فهمه؛ ليستنبط الأحكام ويترجم بما يفهمه ويتفقهه من النصوص، هذه التراجم حيرت العلماء، حتى قال بعضهم: فقه البخاري في تراجمه.
المتن:
باب الثِّيَابِ الْبِيضِ لِلْكَفَنِ
1264 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ ابْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان الثياب التي يكفن فيها الميت، فالأفضل أن يكفن الميت في ثياب بيض، وإن كفن في غير البياض فلا حرج.
1264 الشاهد من هذا الحديث: أن النبي ﷺ كُفّن في ثلاثة أثواب بيض، والله تعالى لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وجاء في الحديث الآخر: الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ [(334)] فالبياض أفضل للميت وللحي، وإن لبس الحي ثوبًا ملونًا، أو كُفن الميت في ثوب ملون فلا حرج.
وفيه استحباب تكفين الميت في ثلاثة أثواب بيض، والمراد بالثوب القطعة من القماش.
قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ» يعني: جاءت من اليمن.
قوله: «سَحُولِيَّةٍ» نسبة إلى بلدة سَحول في اليمن، وهي بلدة تصنع فيها الثياب.
قوله: «مِنْ كُرْسُفٍ» يعني: من قطن.
قوله: «لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ» يعني: ليس فيها مخيط مثل الثياب التي نلبسها، وإن كفن في قميص فلا حرج؛ لكن الأفضل أن يكفن في ثلاث لفائف، كما فُعل بالنبي ﷺ حيث كُفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، وهذا مستحب ـ كما سبق
وتكفين الميت وغسله والصلاة عليه ودفنه كل هذا من فروض الكفاية، فيجب على الأمة أن تغسل الميت، فلو تُرك الميت ولم يغسل أثمت الأمة كلها، وإذا غسله بعض الناس سقط الإثم عن الباقين، وكذلك يجب أن يكفن، فلو تُرك الميت ولم يكفن أثمت الأمة، فإذا كفنه بعض الناس سقط الإثم عن الباقين، وكذلك الصلاة عليه فرض كفاية، فإذا ترك الميت ولم يصلَّ عليه أثم الناس كلهم، وإذا صلى عليه بعضهم كفى، وكذلك الدفن يجب عليهم أن يدفنوا الميت، فإذا دفنه بعض الناس سقط الإثم عن الباقين.
ـ والواجب ثوب واحد، فإذا كفن الميت في لفافة واحدة تستر جميع جسده كفى؛ ففي حديث الذي وقصته راحلته قال النبي ﷺ: كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ [(335)] يعني: في إزاره وردائه.
وهذا في حق الرجل، أن يُكفن في ثلاثة أثواب بيض، وأما المرأة فالأفضل أن تكفن في خمس لفائف: إزار، وخمار يكون على رأسها ووجهها، وقميص، ولفافتان يُستَر بهما جميعُ الجسد.
ومن الأمور التي يجب التنبيه عليها ما يحدث في هذه الأزمنة من البدع، والتي يفعلها الناس دون الرجوع إلى الشرع الحنيف، كالكلام الذي يقوله بعض الناس عند حمل الميت في النعش ـ مثل قولهم: وحِّدوه، أو لا إله إلا الله، او سبحان الله ـ وكالكتابة التي يكتبونها على قبر الميت، وغير ذلك.
مسألة: إذا احتيج أن يُجعل الميت بكيس بلاستيك ونحوه إذا كان ممزقًا أو مُقطعًا أو محترقًا، فلا حرج في ذلك.
المتن:
باب الْكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ
1265 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز تكفين الميت في ثوبين ـ يعني في قطعتين ـ واستدل المؤلف رحمه الله بقصة الرجل الذي سقط عن راحلته فمات وهو واقف بعرفة.
قوله: وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ يعني: الإزار والرداء اللذين أحرم بهما، فالإزار يشد النصف الأسفل، والرداء على النصف الأعلى، وهذا يدل على أنه لا يشترط ثلاثة أثواب ولا ثلاث لفائف بل إذا كفن في ثوب واحد كفى.
وفيه: أن المحرم إذا مات يغسَّل ويُكفَّن ويصلَّى عليه وليس كالشهيد، فالشهيد الذي قتل في المعركة مجاهدًا في سبيل الله لا يغسَّل ولا يصلى عليه، بل يدفن بدمه وثوبه؛ لأن قتلى شهداء أحد لم يصلِّ عليهم النبي ﷺ ولم يغسِّلهم؛ بل أمر بهم أن يدفنوا في ثيابهم ودمائهم[(336)].
1265 قوله: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ السدر: وسيلة للتنظيف ليس فيه طيب.
قوله: وَلاَ تُحَنِّطُوهُ يعني: لا تطيبوه، بخلاف الميت غير المحرم، فالسنة أن يطيب، وفيه: دليل على من مات محرما أنه باقٍ على إحرامه.
قوله: وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ أي: ولا تغطوا رأسه أيضًا؛ لأنه محرم، وفي رواية لمسلم: وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ [(337)].
وبيّن النبي ﷺ العلة في ذلك فقال: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا، وفي لفظ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا [(338)] فدل على أن الميت المحرم إذا مات لا يقضى عنه الحج ولا يكمل عنه بقية مناسك الحج؛ لأنه لو كان يقضى عنه الحج لما بقي محرمًا، فلما أخبر النبي ﷺ أنه يبقى محرمًا دل على أنه لا يقضى ولا يكمل عنه الحج.
المتن:
باب الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ
1266 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.
الشرح:
قوله: «بَابُ الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ» هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الحنوط للميت غير المحرم، وأنه مستحب؛ فيستحب أن يغسل الميت وينظف ويطيب ويُهيأ كي يكون مستعدًّا لسؤال الملائكة، وهذا من تكريم الله للمؤمن ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عَبَسَ: 21]، بخلاف الكافر فإنه لا يغسل ولا يطيب، وإنما ترمى جيفته وتدفن حتى لا يتأذى بها الناس.
1266 قوله ﷺ: وَلاَ تُحَنِّطُوه دل بمنطوقه على أن الميت المحرم لا يطيب، وبمفهومه على أن الميت غير المحرم يطيب، وهذا من دقائق فهم البخاري رحمه الله.
وفيه: دليل على أن الإحرام لا ينقطع بالموت بل يبقى ولا يناب المحرم في تكملة الحج؛ لأن النبي ﷺ لم يأمر أحدًا أن يكمل عن هذا المحرم أفعال الحج.
مسألة: إذا غسل الميتَ إنسانٌ فهل يجب عليه الغسل؟
الجواب: نقل عن الخطابي أنه قال: «لا أعلم أحدًا قال بوجوبه»، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الخلاف فيه ثابت عند المالكية، وصار إليه بعض الشافعية أنه واجب».
وذكر في الحكمة من استحباب الغسل: جَبْرُ ما يحصُل للغاسل من الضعف بسبب مشاهدة الميت وذكر الموت وما بعده، وليس المراد أنه يغتسل لأجل أنه يصيبه شيء من الرشاش، وإنما من باب التقوية، لكون التغسيل جبر للضعف النفسي الذي حصل للإنسان من ملامسة الميت وتغسيله، وهو مستحب وليس بواجب؛ وثبت أن أسماء بنت عميس زوجة الصديق رضي الله عنهما لما توفي غسلته ثم خرجت إلى الناس ـ وهم الصحابة ـ وكان في يوم بارد فقالت: هل عليَّ من غسل؟ قالوا: لا ـ كما تقدم ـ.
المتن:
باب كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ
1267 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.
1268 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَرَفَةَ فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ قَالَ أَيُّوبُ: فَوَقَصَتْهُ وَقَالَ عَمْرٌو: فَأَقْصَعَتْهُ فَمَاتَ فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَيُّوبُ: يُلَبِّي وَقَالَ عَمْرٌو: مُلَبِّيًا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان كيفية تكفين المحرم.
1267، 1268 قوله: وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ يدل على أن المحرم إذا مات يكفن في ثوبين في إزاره وردائه، والمراد بالثوبين: القطعتان.
قوله: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ فيه: أنه لا بأس أن يغسل المحرم بالسدر أو ما يقوم مقامه كالصابون والأُشْنَان، بشرط أن يكون الصابون خاليًا من الطيب وإذا شك أن به طيبًا تركه من باب الاحتياط، وهو أولى.
قوله: وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا فيه: أن الميت المحرم يُجنّب الطيب.
قوله: وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فيه: أن الميت المحرم لا يغطى رأسه.