شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب الجنائز من صحيح البخاري (23-9) من باب مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما - إلى باب ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى

00:00

00:00

تحميل
50

المتن:

باب مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما

قَوْلُ اللَّهِ : فَأَقْبَرَهُ [عَبَسَ: 21] أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرًا وَقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ كِفَاتًا [المُرسَلات: 25] يَكُونُونَ فِيهَا أَحْيَاءً وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا.

1389 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ هِشَامٍ وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي.

الشرح:

قول المؤلف رحمه الله: «بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما» قصد المؤلف رحمه الله أن يبين قبر النبي ﷺ وقبر صاحبيه، هل هو مسنم أم مسطح؟ يعني: هل هو مرتفع لأعلى ـ وهو المحدب ـ وليس بالمنبطح، أو أنه منبطح وليس مسنما؟

وعادة المؤلف رحمه الله أنه يفسر الكلمات التي تأتي في الترجمة ولها نظائر في القرآن الكريم، من باب الفائدة، فلما كانت الترجمة «مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ» ؛ فسر قوله تعالى في سورة عبس: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عَبَسَ: 21] وفرق بين أقبره وقبره فقال: أقبره من: «أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا جَعَلْتَ لَهُ، قَبْرًا وَقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ» .

قوله: « أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا ۝ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [المُرسَلات: 25-26] قال: يكونون فيها ما أرادوا ثم يدفنون فيها.

وفسر المؤلف رحمه الله كلمة كِفَاتًا، وأنه كما يسمى الدفن في باطن الأرض قبرًا، فإن المشي على ظهرها يسمى كفاتًا.

وهذا يدل على أن المؤلف رحمه الله حريص على الفائدة التي تفيد طالب العلم، من تفسير الكلمات اللغوية والآيات القرآنية التي ترد، وإذا جاء في الترجمة شيء منها ذكر ما يوافقها من الآيات، وفسر الكلمات التي قد يشكل معناها.

1389 ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في قصة وفاة النبي ﷺ وأنها قالت: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ» وهذا يدل على محبة عظيمة من النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها، وهذه المحبة لعائشة رضي الله عنها لا تضر، وفيه: دليل على أنه لا حرج على الإنسان في محبة بعض أزواجه أكثر من الأخرى، إذا كان يعدل بينهن في النفقة، والكسوة، والسكنى، والقسم؛ لأن محبة القلب إلى الله لا يملكها الإنسان، فلا يضره محبة القلب، وميل القلب، وما ينشأ عنه من الوطء؛ ولهذا كان النبي ﷺ يعدل في النفقة، والكسوة، والسكنى، والقسم، ويقول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي، فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي، فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ [(564)] وهو محبة القلب وما ينشأ عنه من الوطء.

قالت عائشة رضي الله عنها: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي.» والشاهد: أنه دفن في بيتها بعدما قبضه الله وهو متكئ على سحرها ونحرها ـ يعني صدرها ـ وهذه منقبة لعائشة رضي الله عنها خصها الله بها.

وفي الحديث: دليل على أن المسلم يدفن ولا يترك؛ ولهذا امتن الله تعالى على عباده فقال: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عَبَسَ: 21] يعني: جعله ممن يقبر، فلا يلقى فتأكله الكلاب والسباع، بخلاف الكافر الذي ليس له حرمة المسلم، فلا يغسل، ولا يصلى عليه، وإنما هو جيفة كجيفة الحمار والكلب، لكنه يدفن في حفرة من الحفر حتى لا يؤذي الناس بجيفته.

أما المؤمن فإن الله كرمه، فيغسل، ويطيب، ويصلى عليه، ويدفن، ويكون الدفن في لحد، وتجعل اللبنات على اللحد، ويزار، ويدعى له؛ وهذا من نعم الله على المؤمن.

المتن:

1390 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلاَلٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَوْلاَ ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.

الشرح:

1390، 1391 في الحديث: تحريم اتخاذ القبور مساجد، وأنه من وسائل الشرك؛ لأن النبي ﷺ لعن من اتخذ القبور مساجد، واللعن: هو الطرد والمنع من رحمة الله.

قوله: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يحذر الرسول ﷺ هذه الأمة من أن تصنع صنيعهم، فيصيبها ما أصاب اليهود والنصارى؛ لأنهم لما اتخذوا القبور مساجد عبدوها؛ لأن اتخاذ القبور مساجد وسيلة للشرك، والوسائل تؤدي إلى الغاية.

واتخاذ القبور مساجد هو أن يصلى عندها ويدعى عندها ولو لم يبن المسجد، وإذا بني عليه مسجد يكون أشد، فإذا جعل مزارًا يصلى عنده ويدعا عنده أو يقرأ القرآن عنده، صار وسيلة للشرك، ولهذا جعل النبي ﷺ الذين اتخذوا القبور مساجد من شرار الناس مع الذين تقوم عليهم الساعة فقال ﷺ: إنَّ مِن شِرَارِ النَّاسِ مَن تُدرِكُهُمُ السَّاعَةُ وهُمْ أَحياءٌ والَّذين يتَّخِذونَ القُبورَ مَساجَدَ [(565)] والذين تدركهم الساعة وهم أحياء كفرة؛ لأن الساعة لا تقوم إلا على الكفرة، فبعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات بالريح الطيبة يبقى الكفرة، وعليهم تقوم الساعة، فقرن النبي ﷺ الذين يتخذون القبور مساجد بالذين تقوم عليهم الساعة وجعلهم من شرار الناس.

وفي الحديث: دليل على أنه لا تجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، ولا تصح الصلاة فيه؛ لأن اللعن يدل على التحريم، والتحريم يدل على فساد الصلاة، فإذا صلى فصلاته غير صحيحة، ولابد من إعادتها.

المتن:

وَعَنْ هِلاَلٍ قَالَ: «كنَّانِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُولَدْ لِي».

الشرح:

قوله: «وَعَنْ هِلاَلٍ قَالَ: كنَّانِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُولَدْ لِي» قصد المؤلف رحمه الله من هذا الأثر أن هلالاً سمع من عروة في الحديث السابق.

وفيه: جواز تكنية الإنسان قبل أن يولد له، ويكنى به بعد الولادة، فلا بأس أن يكنى الإنسان فيقال: أبو محمد أو أبو عبد الله ولو لم يولد له، فإذا ولد له يكنى به بعد ذلك، كما قال النبي ﷺ للطفل الصغير: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ [(566)] فكناه وهو طفل صغير.

المتن:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ مُسَنَّمًا.

الشرح:

والقبر المسنم هو المرتفع أعلاه، وهو المحدب وليس بالمنبطح المسطح، وهو الأفضل أن يكون مسنمًا مثل سنام البعير، حتى إذا جاء المطر يزول عنه يمينًا وشمالاً، أما إذا كان منبطحًا مسطحًا فإنه يستقر عليه الماء إذا جاء المطر.

وفي الحديث: بيان أن قبر النبي ﷺ مسنم، واستدل به على استحباب تسنيم القبر

المتن:

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ ﷺ فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لاَ وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيُّ ﷺ مَا هِيَ إِلاَّ قَدَمُ عُمَرَ .

الشرح:

في آخر القرن الأول كان الوليد بن عبد الملك هو الخليفة، وكان عمر بن عبدالعزيز هو أمير المدينة، وكان الوليد قد أدخل الحجرة النبوية في المسجد ـ وكان بيت النبي ﷺ خارج المسجد ـ فسقط عليهم الجدار، فلما أخذوا في البناء بدت لهم قدم أحد القبور الثلاثة، ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي ﷺ، فما وجدوا أحدًا يخبرهم إلا عروة قال: «لاَ وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيُّ ﷺ مَا هِيَ إِلاَّ قَدَمُ عُمَرَ » ، لمعرفته أن عمر دفن أخيرًا مما يلي الجدار؛ لأن الحجرة خارج المسجد وجدار المسجد كان مما يلي عمر ، ثم قبر أبي بكر ثم قبر النبي ﷺ.

وإدخال الحجرة في المسجد من أخطاء الوليد بن عبد الملك، وكان الواجب أن يوسع المسجد من الجهات الأخرى، لا أن يدخل البيت في المسجد، فأدخل بيت النبي ﷺ كاملاً وفيه القبور الثلاثة، ومن ذلك الوقت إلى الآن صار بيت النبي ﷺ داخل المسجد.

وفي الحديث: منقبة لعمر ؛ فإنه لم يتغير مع بُعد العهد، كما أن جابرًا لما نبش أباه، وكان قتل شهيدًا يوم أحد، وجده لم يتغير شيئًا، إلا شيئًا يسيرًا في أذنه، قال بعضهم والله أعلم: كلما كانت الشهادة أكمل كلما كان بقاؤه أطول، أما الأنبياء فإن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم؛ ولهذا قيل للنبي ﷺ كما جاء فى الحديث: كيف نسلم وقد أرمت؟ أي: بليت قال: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ [(570)].

المتن:

1391 وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما لاَ تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ لاَ أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا.

الشرح:

قوله: «لاَ تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي» ، أي: زوجات النبي ﷺ.

قوله: «لاَ أُزَكَّى» ، أي: لا يقال: إنها دفنت في حجرتها مع النبي ﷺ، ويكون هذا ميزة لها خاصة، فأرادت أن تدفن مع صواحبتها زوجات النبي ﷺ، وذلك من تواضعها رضي الله عنها.

وقد كان في الحجرة مكان بعدما دفن النبي ﷺ ودفن أبو بكر وقبل أن يتوفى عمر، وكانت عائشة رضي الله عنها أعدته لنفسها أن تدفن فيه، فلما طعن عمر أرسل ابنه عبد الله يستأذن عائشة رضي الله عنها أن يدفن مع صاحبيه ـ مع النبي ﷺ وأبي بكر ـ فقالت: كنت أعده لنفسي، فلأوثرنه به اليوم على نفسي، فآثرت عمر، ثم لما جاءتها الوفاة قالت: لا تدفنوني معه في بيتي، حتى لا أزكى، ولا يكون لي ميزة.

المتن:

1392 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَْوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يَا عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْ يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ قَالَتْ: كنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ لَهُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا ثُمَّ قُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي وَإِلاَّ فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَْمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَمَنْ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنْ الأَْنْصَارِ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ كَانَ لَكَ مِنْ الْقَدَمِ فِي الإِْسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَالَ لَيْتَنِي يَا ابْنَ أَخِي وَذَلِكَ كَفَافًا لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَْوَّلِينَ خَيْرًا أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالأَْنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِْيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ﷺ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ.

الشرح:

1392 في الحديث: قصة وفاة عمر ، وقصة دفنه ووصيته، وقصة الاستخلاف، وهو مختصر، وقد ساق البخاري رحمه الله هذه القصة بأطول من هذا في المناقب فيما يقارب ورقتين، واختصره هنا من أجل مناسبة الدفن.

والحديث الذي في المناقب رواه عمرو بن ميمون الأودي، وهو من التابعين قال: رأيت عمر بن الخطاب لما طعن وعلموا أنه ميت، وهو يصلي بالناس الفجر، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ست طعنات تحت سرته، فجعل الدم يثغب بعد أن كبَّر، فاستخلف عبدالرحمن بن عوف، وقدمه ليتم الصلاة، فصلى صلاة خفيفة، وكانت صلاة الفجر، وكان عمر يطول في العادة، ويقرأ في الركعة الواحدة سورة النحل، وأحيانا يقرأ سورة يوسف كاملة، حتى يدرك الناس الركعة الأولى، فلما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ـ قبحه الله ـ وكان معه سكين ذو حدين، فطعن بها أكثر من ثلاثة عشر رجلاً أصابهم بجراحات، فلما رأى بعض المسلمين أنه لا حيلة فيه ألقوا عليه برنسًا مثل المشلة، حتى يكبته، وأخذوه، فلما ظن العلج أنه مقتول قتل نفسه، وقدم عبدالرحمن بن عوف ليكمل بهم الصلاة، وصلى صلاة خفيفة، والصف الأول والثاني يرون القصة، والصف الثالث والصفوف الأخيرة ما يدرون عن الحادث إلا أنه تغير عليهم صوت عمر، فجعلوا يقولون: سبحان الله سبحان الله، ما يدرون ما الحادث، ثم بعد ذلك حمل كما ذكر في القصة الطويلة إلى بيته، وكأن الناس لم تصب بمصيبة مثل هذه المصيبة، فَسَقَوْه لبنًا فخرج من الجرح، وسَقَوْه عسلاً فخرج من الجرح، فعلموا أنه ميت، فمكث ثلاثة أيام ثم توفي.

قوله: «قَالَ: يَا عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْ يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ» ، وفي اللفظ الآخر الذي ساقه المؤلف في المناقب، أي: «ولا تقل لها: أمير المؤمنين، فإنني لست اليوم للمؤمنين أميرًا» [(573)] قال: لا تقل لها: يسلم عليك أمير المؤمنين، فقد انتهت إمارتي الآن، بل قل لها: يسلم عليك عمر بن الخطاب، «ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ قَالَتْ: كنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَمَّا أَقْبَلَ» قيل له: أقبل عبدالله، قال: أجلسوني، فأجلسوه حتى يسمع.

قوله: «قَالَ لَهُ: مَا لَدَيْكَ؟» أي: ما عندك؟

قوله: «قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا ثُمَّ قُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» ، ثم استأذن مرة أخرى؛ لأنها ربما أذنت حياء، قوله: «فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي» مع صاحبي «وَإِلاَّ فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ» فقد استأذن مرتين: مرة في حياته، ومرة بعد وفاته.

ثم ذكر الاستخلاف في الإمارة والخلافة، فقال: «إِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَْمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَمَنْ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» فهذه وصية للمسلمين.

قوله: «فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ» ؛ وهم ستة، وفي اللفظ الآخر قال: «يشهدكم عبدالله بن عمر ـ يعني كالتعزية له ـ غير ألا يكون له من الأمر شيء، فيحضركم وتشاورونه، يكفي أن يقف رجل من آل الخطاب بين يدي الله يسأل».

قوله: «وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنْ الأَْنْصَارِ» ، أي: دخل عليه شاب من الأنصار، وفي اللفظ الآخر: أن ثوبه كان يخط الأرض.

قوله: «فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ كَانَ لَكَ مِنْ الْقَدَمِ فِي الإِْسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ الشَّهَادَةُ» يقول له: تقدم إسلامك، وصحبت النبي ﷺ، واستخلفت فعدلت، ثم رزقت الشهادة، لكن عمر ما اغتر بهذا فقال: «لَيْتَنِي يَا ابْنَ أَخِي» من باب الاستعطاف «وَذَلِكَ كَفَافًا لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي» أي: ليت الأمر كفاف، فلا يكون علي سيئات ولا لي حسنات، فأسلم، وهذا من التواضع، فهو له خير عظيم، لكن هكذا يكون الأخيار والصالحون وذوو الهمم العالية، يزري الواحد بنفسه ويتواضع ولا يعجب بعمله.

وهنا اختصر المؤلف القصة وهي طويلة ـ كما سيأتي ـ وفيها: «فلما أدبر الشاب فإذا ثوبه يخط بالأرض فقال: ردوا علي الغلام، فردوه، فقال: يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك» [(574)] وهو في مرض الموت لم يترك النصيحة، وقال له: «يا ابن أخي ارفع ثوبك»، فما يجوز أن ينزل الثوب تحت الكعب؛ فإنه أتقى لربك، فتكون بعيدًا عن الكبر، وأنقى لثوبك حتى لا يتسخ وتأكله الأرض ويتنجس.

وذكر بعد ذلك الوصية فقال: «أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي» الذي يختار من هؤلاء الستة «بِالْمُهَاجِرِينَ الأَْوَّلِينَ» وهم الذين هاجروا من مكة «أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ» ؛ ثم أوصى بالأنصار فقال: «وَأُوصِيهِ بِالأَْنْصَارِ خَيْرًا» أي: الأوس والخزرج «الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِْيمَانَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ [الحَشر: 9]» أن يقبل من محسنهم، ويُعفى عن مسيئهم» فهذه وصية لمن يتولى الخلافة بعده أوصاه بالمهاجرين ثم أوصاه بالأنصار ثم قال: «وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ﷺ» وهم اليهود والنصارى الذين يدفعون الجزية فصار لهم الأمان، «أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما» قال ابن رشيد: قال بعضهم: مراده بقوله: «قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ» المصدر مِنْ قبرته قبرًا، والأظهر عندي أنه أراد الاسم، ومقصوده بيان صفته من كونه مسنمًا أو غير مسنم، وغير ذلك مما يتعلق بعضه ببعض.

قوله: «قَوْلُ اللَّهِ  فَأَقْبَرَهُ » يريد تفسير الآية ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي: جعله ممن يقبر لا ممن يلقى حتى تأكله الكلاب مثلاً. قال أبو عبيدة في المجاز: أقبره أمر بأن يقبر، قوله: أقبرت الرجل إذا جعلت له قبرًا، وقبرته: دفنته. قال يحيى الفراء في المعاني: يقال: أقبره: جعله مقبورًا وقبره: دفنه.

ثم أورد المصنف في الباب أحاديث، أولها حديث عائشة رضي الله عنها: «إن كان رسول الله ﷺ ليتعذر في مرضه» وقد ضبط في روايتنا بالعين المهملة والذال المعجمة، أي: يتمنع، وحكى ابن التين أنه في رواية القابسي بالقاف والدال المهملة، أي: يسأل عن قدر ما بقي إلى يومها؛ لأن المريض يجد عند بعض أهله من الأنس ما لا يجد عند بعض. وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث والذي بعده في باب الوفاة النبوية آخر المغازي إن شاء الله تعالى».

 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «مُسَنَّمًا» أي: مرتفعًا، زاد أبو نعيم في المستخرج: وقبر أبي بكر وعمر كذلك، واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والمزني، وكثير من الشافعية، وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح، كما نص عليه الشافعي وبه جزم الماوردي وآخرون، وقول سفيان التمار لا حجة فيه، كما قال البيهقي، لاحتمال أن قبره ﷺ لم يكن في الأول مسنمًا، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: «دخلت على عائشة فقلت: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله ﷺ وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطئة؛ مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء» [(567)]، زاد الحاكم «فرأيت رسول الله ﷺ مقدمًا، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي ﷺ، وعمر رأسه عند رجلي النبي ﷺ»[(568)].

فالنبي ﷺ مقدم، وأبو بكر يحاذي كتفيه ثم عمر عند رجليه، يعني: ليست متساوية.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وهذا كان في خلافة معاوية، فكأنها كانت في الأول مسطحة، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبدالعزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبدالملك، صيروها مرتفعة، وقد روى أبو بكر الآجري في كتاب صفة قبر النبي ﷺ، من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند، عن غنيم بن بسطام المديني، قال: رأيت قبر النبي ﷺ في إمارة عمر بن عبد العزيز، فرأيته مرتفعًا نحوًا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر، أسفل منه، ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل، لا في أصل الجواز».

يعني أيهما أفضل: المسنم أم المسطح؟ أما الجواز فيجوز هذا وهذا، والأقرب أن الأفضل أن يكون مسنمًا حتى يزول عنه الماء.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ورجح المزني التسنيم من حيث المعنى، بأن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس، بخلاف المسنم، ورجحه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو من شعار أهل البدع، فكان التسنيم أولى».

ويرجح التسطيح ما رواه مسلم، من حديث فضالة بن عبيد: «أنه أمر بقبر فسُوي، ثم قال سمعت رسول الله ﷺ يأمر بتسويتها»[(569)].

فالتسوية تنافي التسنيم وتكون مرتفعة فوق شبر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ» هو ابن أبي المغراء، وعلي هو ابن مسهر، وثبت ذلك في رواية أبي ذر».

قوله: «لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ» أي: حائط حجرة النبي ﷺ، وفي لفظ: «عليهم» [(571)].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والسبب في ذلك ما رواه أبو بكر الآجري من طريق شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي قال: كان الناس يصلون إلى القبر، فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة، ففزع عمر بن عبدالعزيز، فأتاه عروة فقال: هذه ساق عمر وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز».

وسري عنه: يعني: زالت عنه الشدة والكآبة بعد بيان عروة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وروى الآجري، من طريق مالك بن مغول، عن رجاء بن حيوة، قال: كتب الوليد بن عبدالملك إلى عمر بن عبدالعزيز، وكان قد اشترى حُجَر أزواج النبي ﷺ، أن اهدمها ووسع بها المسجد، فقعد عمر في ناحية، ثم أمر بهدمها، فما رأيته باكيًا أكثر من يومئذ، ثم بناه كما أراد، فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول، ظهرت القبور الثلاثة، وكان الرمل الذي عليها قد انهار، ففزع عمر بن عبدالعزيز، وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه، فقلت له أصلحك الله؛ إنك إن قمت قام الناس معك، فلو أمرت رجلاً أن يصلحها، ورجوت أنه يأمرني بذلك، فقال يا مزاحم، يعني: مولاه، قم فأصلحها».

وهذا من أغلاط الوليد، فإنه كتب وهو الخليفة إلى عمر بن عبد العزيز، أن اشتر حجر أزواج النبي ﷺ واهدمها ووسع بها المسجد، ففعل وبقي هذا إلى الآن، وكان الواجب أن تترك الحجرة خارج المسجد.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال رجاء: وكان قبر أبي بكر عند وسط النبي ﷺ وعمر خلف أبي بكر، رأسه عند وسطه، وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم، فإن أمكن الجمع، وإلا فحديث القاسم أصح، وأما ما أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها: «أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره» [(572)] فسنده ضعيف، ويمكن تأويله، والله أعلم»؛ لأن قبر النبي ﷺ مقدم، ثم أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما.

المتن:

باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الأَْمْوَاتِ

1393 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تَسُبُّوا الأَْمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ الأَْعْمَشِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الأَْعْمَشِ.

تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ.

الشرح:

ظاهر الترجمة أن سب الأموات ينقسم إلى قسمين: قسم ينهى عنه، وقسم لا ينهى عنه.

1393 وهذا الحديث عام في النهي؛ فقال ﷺ: لاَ تَسُبُّوا الأَْمْوَاتَ وهذا عام للمسلمين والكفار، وعلل النبي ﷺ النهي بقوله: فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا فلا حاجة إلى السب.

لكن يستثنى من هذا العموم شرار الموتى من المسلمين والكفار، كما تدل عليه الترجمة التي بعد هذه حتى يحذر من بدعته وشره.

وحديث أنس السابق «لما مرت جنازة أثنوا عليها خيرًا فقال النبي ﷺ: وَجَبَتْ ولما مرت جنازة وأثنوا عليها شرًّا قال النبي ﷺ: وَجَبَتْ [(575)] فقوله: وَجَبَتْ​​​​​​​ يدل على استثناء الأشرار، وأنه لا غيبة لفاسق أظهر الشر حيًّا أو ميتًا، أما إذا كان لم يظهر الشر، فلا يجوز سبه.

والحاصل أن السب منهي عنه إلا لمصلحة شرعية، كالتحذير من بدعته إذا كان مبتدعًا، كأن يكون معطلاً ينكر الصفات، أو يعتنق مذهب الخوارج فيكفر المسلمين بالمعاصي، فيُحّذر منه ويقال: فلان مبتدع ومذهبه باطل؛ لأن في هذا مصلحة للأحياء، ولأنه لا غيبة لفاسق، أما إذا لم يكن قد أظهر بدعة، ولم يكن أظهر فسقًا فلا يجوز سبه حيًّا ولا ميتًا، والترجمة التالية مخصصة للترجمة الأولى.

المتن:

باب ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى

1394 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ أَبُو لَهَبٍ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ فَنَزَلَتْ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المَسَد: 1].

الشرح:

1394 هذا الحديث مخصص لعموم الحديث السابق: لاَ تَسُبُّوا الأَْمْوَاتَ  [(576)] فيخصص الأشرار، فإنهم يسبون؛ لأن الله تعالى سب أبا لهب وأنزل فيه سورة قال : « مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ۝ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ۝ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ۝ ​​​​​​​فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المَسَد: 1-5] وكذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما «قَالَ أَبُو لَهَبٍ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ» ، فهذا مستثنى، فالأموات لا يسبون لكن يستثنى منهم الفساق وأهل البدع، وتذكر مساوئهم؛ للتحذير والتنفير.

وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتًا؛ لأن هذا فيه مصلحة في الحديث، فيقال فيهم: هذا سيئ الحفظ، وهذا رافضي، وهذا فاسق.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد