شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب الزكاة من صحيح البخاري (24-1) من باب وُجُوبِ الزَّكَاةِ - إلى باب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ

00:00

00:00

تحميل
57

المتن:

(24) كِتَاب الزَّكَاة

باب وُجُوبِ الزَّكَاةِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البَقَرَة: 43]

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ».

1395 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.

الشرح:

هذا كتاب الزكاة، أراد به المؤلف رحمه الله أن يبين أحكام الزكاة.

والزكاة في اللغة: النماء، يقال زكا الزرع إذا نما، وترِد بمعنى التطهير، فالزكاة تطهر المال وتنميه، وتطهر نفس صاحبها من أدران الشرك والبخل، وتخرجه من سمة الأشحاء والبخلاء، فمن أبقى الزكاة في ماله فإن ماله لا يكون طاهرًا، بل يكون كنزًا يكوى به في جهنم؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التّوبَة: 34-35] وإذا أخرج الزكاة صار المال طاهرًا فلا يكوى به، فمن أمسك الزكاة ولم يخرجها فهو شحيح بخيل لئيم، ومن أخرجها طهرت نفسه من البخل والشح وطهر ماله، والزكاة تحفظ المال وتنميه وهي شيء يسير، فالله أعطاك الكثير وطلب منك القليل مما فيه مصلحة لك.

فيجب على المسلم أن يخرج الزكاة طيبة بها نفسه، منشرحًا بها صدره، ويعلم أنه هو الرابح، فيربح من يزكي أعظم الربح، فتطهر نفسه ويطهر ماله ويبارك الله فيه ويخلف الله عليه، قال : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سَبَإ: 39].

وفرض الزكاة ربع العشر في الأموال النامية: الذهب والفضة، وما يعادلها من أوراق نقدية، وعروض التجارة، فإذا حال عليه الحول وبلغ نصابًا، وهو خمسة وثمانون غرامًا، وهو ما يعادل أحد عشر جنيهًا ونصف جنيه من الذهب، فقد وجب فيه ربع العشر، ويخرج نصف العشر في الحبوب، والثمار، إذا كان يسقى بمؤنة، وإذا كان بغير مؤنة ففيه العشر، وكذلك في بهيمة الأنعام زكاة محددة، فهي شيء قليل اختبر الله به الإنسان، فإذا أخرج هذا المال الذي هو حبيب للنفس عن رضا وطواعية دل على تقديمه محبة الله على ما تهواه نفسه وتريده، ودل على صحة وصدق إيمانه، ولهذا تسمى الزكاة صدقة؛ لأنها تصدق إيمان صاحبها.

والزكاة جزء من المال يدفعه الإنسان إلى مستحقيه من الأصناف الثمانية، والمؤلف رحمه الله ذكر الزكاة بعد الصلاة وبعد الإيمان، فبدأ بالإيمان؛ لأنه أصل الدين وأساس الملة، ثم ثنى بالصلاة؛ لأنها أعظم الواجبات وأفضل الفرائض بعد التوحيد، ثم ثلث بالزكاة؛ لأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، فقال: «وُجُوبِ الزَّكَاةِ» ؛ ثم قال: «وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البَقَرَة: 43]» وهذه الآية دليل على وجوب الصلاة والزكاة؛ لأن الأمر للوجوب.

واستدل المؤلف رحمه الله بحديث أبي سفيان قبل أن يسلم، لما سأله هرقل، فقال: ماذا يأمركم؟ قال: «يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ» وهذا الأمر للوجوب.

وفي الحديث: دليل على أن الكافر إذا روى شيئًا ثم أخبر به بعد إسلامه تقبل روايته، وكذلك الصغير إذا سمع في صغره ثم أداه بعد بلوغه صح أداؤه.

1395 ذكر المؤلف حديث معاذ لما بعثه النبي ﷺ إلى اليمن، حيث أمره النبي ﷺ أن يبدأ بدعوتهم إلى التوحيد والشهادتين، وفي اللفظ الآخر: أن النبي ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن قاضيًا ومعلمًا، قال: إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، يعني: أهل علم، فاستعد لمناظراتهم، فليسوا جهالاً، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ [(577)].

وفيه: دليل على أن أول ما يبدأ به الداعية أن يدعو إلى التوحيد، ولا يدعو بشيء قبله إذا كان من يدعوهم كفارًا؛ لأنه لا يصح منهم أي: عمل إلا بعد التوحيد، فلو صلوا، وزكوا، وصاموا، ما صح حتى يوحدوا الله.

قوله: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فيه: أن هذه الأمور مرتبة، أولاً: الدعوة إلى التوحيد، فإن هم وحدوا فادعهم إلى الصلاة، فإذا صلوا فادعهم إلى الصدقة، وهي الزكاة، وذلك قوله: فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.

فذكر في هذا الحديث: التوحيد، والصلاة، والزكاة؛ لأن هذه الثلاثة أصول الإسلام وأركانه؛ والمعنى أن من يلتزم بهذه الأصول الثلاثة فإنه يلتزم ببقية فرائض الإسلام، وليس المراد أنه يُكتفَى بذلك، بل إن الإيمان الذي دفع المسلم إلى أن يوحد الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، يدفعه أيضًا ويبعثه على أن يؤدي بقية شرائع الإسلام، وهذا هو السر في ذكر هذه الثلاثة دون ما عداها؛ ولأن الزكاة، أعظم حقوق التوحيد؛ فلهذا نص عليها.

وفي الحديث الآخر: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [(578)] أمر الله رسوله ﷺ أن يقاتل الناس إلا إذا فعلوا هذه الثلاثة، أي: إذا وحدوا الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، كفَّ عن قتالهم، كما في قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التّوبَة: 5] أي: إذا تابوا عن الشرك ووحدوا الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، ومفهومه أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك ولم يصلوا ولم يزكوا يقاتلوا، وفي الآية الأخرى قال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التّوبَة: 11] فمفهومه أنه إذا لم يتوبوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخواننا في الدين.

المتن:

1396 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: مَا لَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَرَبٌ مَا لَهُ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْأً وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَقَالَ: بَهْزٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بِهَذَا.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو.

الشرح:

«قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ:» يعني: البخاري «أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ» يعني: محمد ابن عثمان «إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو» أي: عمرو بن عثمان.

1396 في هذا الحديث أن رجلاً سأل النبي ﷺ فقال: «أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟» فقال النبي ﷺ: مَا لَهُ مَا لَهُ استفهام لتفخيم الأمر، ثم أجاب فقال: أَرَبٌ مَا لَهُ.

 ثم بين أسباب دخول الجنة، فقال: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْأً وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ فدل على أن من مات على التوحيد، والصلاة، والزكاة، وصلة الرحم، دخل الجنة، وبقية فرائض الإسلام تبع لها؛ وفيه: أن الزكاة لابد منها وأنها فرض.

المتن:

1397 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْأً وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو زُرْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بِهَذَا.

الشرح:

1397 في الحديث: بيان أسباب دخول الجنة؛ لأن هذا الأعرابي سأل النبي ﷺ عن العمل الذي يدخل به الجنة، فبين له النبي ﷺ أن العمل الذي يدخل به الجنة التوحيد، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان؛ ولم يذكر الحج؛ لأنه لم يفرض في ذلك الوقت، ثم لما فرض صار لابد منه.

ومعنى الحديث: أنه من التزم توحيد الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وأدى بقية الواجبات، وانتهى عن المحارم، فهو من أهل الجنة، جمعًا بينه وبين النصوص الأخرى، وفيه: أن من مات على التوحيد والصلاة والزكاة والصوم يكون من أهل الجنة، لكنه إن لم يصر على كبيرة دخل الجنة من أول وهلة، وإن مات مُصِرًّا عليها فهو تحت المشيئة، قد يعذب وقد يعفى عنه، ومآله إلى الجنة؛ جمعا بين النصوص، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النِّسَاء: 48].

وهذا الأعرابي قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا» دل على أن من أدى الواجبات، وانتهى عن المحرمات، فهو من أهل الجنة، ولو لم يؤد النوافل، فهذا من المقتصدين أصحاب اليمين، فأصحاب اليمين يقتصرون على الفرائض، فيؤدون الواجبات ويتركون المحرمات، لكن السابقين المقربين أكمل منهم وأفضل، الذين يؤدون الواجبات، ثم يأتون بالمستحبات، والنوافل، ويتركون المحرمات، ثم يتركون المكروهات كراهة التنزيه، ويتركون فضول المباحات، ومن يقتصر على أداء الواجبات، وترك المحرمات، فقد أدى ما عليه، وهو من أهل الجنة؛ لكن الظالمين لأنفسهم يفعلون بعض المحرمات، أو يقصرون في بعض الواجبات؛ فهم وإن كانوا موحدين، لكنهم على خطر هذه المعاصي والكبائر، فقد يعذبون بها، وقد يعفى عنهم، وقد يطول مكثهم في النار، لكن مآلهم إلى الجنة والسلامة، ما داموا ماتوا على التوحيد، فلا يبقى في النار إلا الكفرة.

فائدة: قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» فيه: إثبات اليد لله ، كما في قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [المُلك: 1]، وأن الله تعالى له يدان، كما قال : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المَائدة: 64] وقوله : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75].

أما تفسير وتأويل أهل البدع لليد بالقدرة والنعمة فهذا تأويل باطل فاسد؛ فاليد صفة من صفاته .

المتن:

1398 حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا؟ قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِْيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ: الإِْيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.

الشرح:

1398 هذا الحديث يسمى حديث وفد عبد القيس، وكانوا يسكنون في منطقة البحرين، وهي في الأحساء الآن، ـ وكانت كل المنطقة الشرقية في ذلك الوقت تسمى منطقة البحرين ـ، ومكانهم معروف الآن ومحوط عليه آثار، وكانوا أسلموا قديمًا في أول الهجرة، ومسجدهم بجواثا ثاني مسجد أقيمت فيه الجمعة بعد مسجد النبي ﷺ.

جاء وفد بني عبدالقيس إلى النبي ﷺ وقالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ» هذا الحي منصوب على الاختصاص، يعني: نخص هذا الحي من ربيعة «قد حالت بيننا وبينك كفار مضر، ولسنا نخلص إليك إلا في الشهر الحرام» بسبب القتال في الجاهلية، فكفار مضر يمنعونهم من المجيء إلى النبي ﷺ إلا إذا جاءت الأشهر الحرم التي يتوقف فيها القتال، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وشهر رجب «فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا؟» ، وفي اللفظ الآخر: «فأمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا» [(579)] فقال النبي ﷺ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الأمر الأول: الإِْيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وعقد بيده واحد، والثاني: وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، والثالث: وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، والرابع أداء الخمس.

والشاهد قوله: وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ففيه دليل على أنها فرض، وفي لفظ آخر: آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ [(580)] ثم فسره فقال: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وفي اللفظ الآخر: وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الخُمُسَ [(581)].

ففسر الإيمان بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأداء الخمس، فدل على أن العمل داخل في مسمى الإيمان، وفيه: الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وأن الإيمان هو تصديق القلب فقط، أو التصديق والإقرار باللسان، وحديث وفد عبد القيس من أقوى الأدلة في أن العمل داخل في مسمى الإيمان؛ حيث فسر الإيمان بالأعمال في غير هذا اللفظ، وهو متفق عليه في موضع آخر ساقه البخاري وساقه الإمام مسلم، قال: آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وأن محمدًا رسول الله، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَدَاءُ الخُمُسَ.

وأما المنهيات فهي أربعة، قال: وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ يعني: هذه الأشياء الصلبة أنهاكم أن تجعلوا فيها النبيذ -وهو العصير- لأن العرب كانوا ينبذون الأنبذة والعصائر من التمر ومن العنب، لكنه إذا مكث في الحر يومين أو ثلاثة تخمر وصار خمرًا، فإذا وضع العصير في الأسقية من الجلد ثم تخمر تشقق الوعاء، لكنه إذا وضع في الأشياء الصلبة يتخمر ولا يعلمون عنه شيئًا؛ فلهذا نهاهم النبي ﷺ أن يضعوا العصير في هذه الأربع.

فالدباء: هو القرع يؤخذ اللب الذي في وسطها فتكون صلبة، ثم يصبون فيها العصير، فإذا مضى عليه يومين أو ثلاثة صار خمرًا ثم يشربونه وهو خمر.

والحنتم: جرار من الفخار مثل الزير.

والنقير: جذع النخلة ينقرونه ويصبون فيه العصير.

والمزفت: هو المقير ـ المطلي بالقار وهو الزفت ـ.

فهذه الأواني إذا صبوا العصير فيها تخمر، ويكونوا قد شربوا الخمر وهم لا يعلمون، فقال لا تضعوه فيها، لكن ضعوه في الأشياء الرقيقة، وهي الجلد، فإذا تخمر تمزق وعرفتم أنه خمر.

وقد كان هذا في أول الإسلام، ثم لما استقرت الشريعة واستقرت الأحكام وثبت الإسلام والإيمان في القلوب، قال ﷺ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا [(582)].

المتن:

1399 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ : كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ.

1400 فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ.

عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ : فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.

الشرح:

1399، 1400 في الحديث: بيان وجوب الزكاة وقتال مانعيها؛ وذلك أنه لما توفي النبي ﷺ ارتد كثير قبائل العرب وتركوا الدين الإسلامي إلا الصحابة الذين ثبتهم الله وثبت الإيمان في قلوبهم، وهم المهاجرون والأنصار.

وكانت ردتهم أنواعًا:

منهم: من رجع إلى عبادة الأوثان.

ومنهم: من أنكر نبوة النبي ﷺ وقال: لو كان نبيًّا ما مات.

ومنهم: من صدق بنبوة مسيلمة.

ومنهم: من منع الزكاة وقاتل عليها.

وكلهم قاتلهم الصديق والصحابة، وكلهم سُمُّوا مرتدين، فلا فرق بين من عبد الأصنام، ومن أنكر نبوة النبي ﷺ، ومن أقر بنبوة مسيلمة، ومن منع الزكاة وقاتل عليها.

وجعلوا مانع الزكاة مرتدًّا؛ لأنه لما منعها وقاتل عليها صار حكمه حكم الجاحد، والجاحد كافر، أما لو منعها ولم يقاتل عليها أخذت منه ويؤدب، ولا يكفر على الصحيح.

وفي أول الأمر أشكل على عمر وبعض الصحابة قتال مانعي الزكاة، ولكن الصديق صمم على قتالهم، وقال: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا» العناق: السخلة الصغيرة «كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا» وفي لفظ: «لو منعوني عقالاً» [(583)] وهو: الخيط الذي يربط به يد البعير، فهو يقول: لو منعوني عقالاً أو عناقًا من الذي كانوا يؤدونه إلى الرسول ﷺ لأقاتلنهم.

ثم بعد ذلك شرح الله صدر عمر ؛ ولهذا قال : «فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ» .

وأبو بكر الصديق له مواقف عظيمة فاق بها عمر وغيره:

الموقف الأول: أنه بعد وفاة النبي ﷺ أصاب الناس ذهول عظيم من هول المصاب؛ حتى إنه خفي على بعض أكابر الصحابة كعمر الآية: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزُّمَر: 30] حتى إن عمر لما قيل له: إن النبي ﷺ مات، قال: ما مات، وليأتين وليقطعن أيدي أقوام وأرجلهم، وصار يتهدد من يقول: إنه مات، قال ذلك من الفجع، وأبو بكر بالسنح، فقيل له وهو في العوالي، فجاء ودخل على النبي ﷺ وكشف عن وجهه وقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حيًّا وميتًّا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها، والله لا يجمعن الله لك بين موتتين، ثم جاء وعمر يكلم الناس فأراد أن يسكته، لكن عمر المنبر، عنده ذهول كغيره، فصعد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عِمرَان: 144] وتلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزُّمَر: 30] فأصاب الناس ذهول، وسقط عمر حتى إن رجليه لا تحملانه، وكأن الآية لم تنزل إلا الآن، وجعل الناس يقرءونها، وهذا ثبات عظيم للصديق ما وصل إليه عمر ولا غيره، وهكذا تظهر فضائل الأخيار، ومن أعطاهم الله الإيمان، والبصيرة، والقوة، ورباطة الجأش عند الشدائد، وعند المحن، وعند المصائب العظام، فبرز فضل الصديق وقوة ثباته وفضله وقوة إيمانه وعلمه وفهمه للنصوص.

الموقف الثاني: لما ارتدت كثير العرب ورمت المهاجرين والأنصار عن قوس واحدة ومنعت الزكاة.

وعمر أورد على أبي بكر شبهة في قول النبي ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ وهم يقولون: لا إله إلا الله، فكيف تقاتلهم وهم معصومو الدم والمال، أما سمعت الحديث؟! فهذه شبهة قوية أوردها عمر ؛ على أبي بكر ورغم ذلك فقد ظهر فضل أبي بكر وفهمه العظيم، ففهم أن التوحيد له حقوق، من قول النبي ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ ففهم الصديق أن الزكاة من حقوق التوحيد، فما أدوا التوحيد إذا لم يؤدوا الزكاة، وأنه لابد أن يقاتل عليها، فقال: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ» ، فشرح الله صدر عمر والصحابة ، وأجمعوا على قتال المرتدين؛ وكأن رواية الحديث الأخرى: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة [(584)]، قد خفيت على عمر وأيضًا على أبي بكر فلو ذكرها لاحتج بها على عمر .

الموقف الثالث: إنفاذه جيش أسامة ، وكان النبي ﷺ أعد جيش أسامة  لقتال الروم، فقال بعض الصحابة للصديق : كيف تنفذ جيش أسامة والعرب قد ارتدت ونحن بحاجة إلى الجيوش؟ فاصبر وانتظر حتى تهدأ الأحوال وتستقر الأمور وتعود القبائل للإسلام، فقال: لا يمكن، والله لا أُحِلنّ جيشًا أو لواء عقده النبي ﷺ، والله لأنفذنه حتى لو لم يبق عندي أحد، فأنفذه فكان فيه الخير، فكان كلما مر على قبيلة من قبائل العرب قالوا: هؤلاء عندهم قوة، لولا أن عندهم قوة وعندهم جيوش ما أنفذوا هذا، فصارت فيه المصلحة.

فهذه ثلاثة مواقف عظيمة للصديق فاق بها جميع الصحابة حتى عمر .

المتن:

باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ

فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ

1401 حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قال: حدثني أَبِي حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ

الشرح:

هذه البيعة غير البيعة للإسلام، فهذه بيعة خاصة، وقد كان النبي ﷺ يبايع الصحابة بيعات متعددة، وبيعة الإسلام لا تتم إلا بالتزام إيتاء الزكاة، ومانعها ناقض للعهد.

ولهذا صدر المؤلف الترجمة بالآية فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التّوبَة: 11] فمفهوم الآية: أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤدوا الزكاة، فليسوا إخواننا في الدين؛ فدل على أن الزكاة لابد منها، وأن الإسلام لا يتم إلا بأداء الزكاة.

1401 في الحديث: بايع النبي ﷺ جرير بن عبدالله البجلي « عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وقد وفى جرير بهذه البيعة، فلما توفي المغيرة بن شعبة ، وكان أميرًا على الكوفة في عهد عمر ، قام جرير ، وذكر الناس، ونصحهم، وأمرهم بالصبر، وعدم إحداث شيء حتى يأتيهم خبر من عمر بتأمير خليفة للمغيرة، وقال: إني ناصح لكم؛ لأني بايعت رسول الله ﷺ على النصح لكل مسلم، وقال: إن هذا من النصح الذي أخذه علي النبي ﷺ وبايعني عليه.

المتن:

باب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ

وَقَوْلُِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التّوبَة: 34-35]

الشرح:

قوله: « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التّوبَة: 34]» هذه الآية الكريمة فيها أن من منع الزكاة ولو كان مقرًّا بوجوبها فإن عليه هذا الوعيد الشديد، وأنه يكوى بهذا المال، فيصفح له صفائح من نار، ويكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كما جاء في الحديث الذي يفسر هذه الآية: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [(585)] أي: يكرر عليه هذا الجزاء في هذا اليوم الطويل، يكوى بها الجنب والجبين والظهر، فإذا بردت أعيدت، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار. قال بعض السلف[(586)]: «إنه لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدة»،

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد