الشرح:
قوله: «قَالَ: قُلْتُ: لاَ بَلْ يُكْسَرُ قَالَ: فَإِنَّهُ إِذَا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أَبَدًا» هذه مصيبة أنه يكسر، فالكسر بخلاف الفتح؛ لأنه إذا فتح يمكن إغلاقه، وأما إذا كسر فلا يمكن إغلاقه.
قوله: «فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنْ الْبَابُ» أي: هبنا أن نسأل حذيفة من هو الباب.
قوله: «فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ» ؛ لأن مسروقًا له صلة بحذيفة.
قوله: «فَقَالَ عُمَرُ » ؛ أي: المقصود بالباب هو عمر ؛ كناية عن قتله، فإذا قتل انفتحت أبواب الفتن والحروب، وهذا هو الواقع فلقد قتل عمر بن الخطاب أبو لؤلؤة المجوسي، فطعنه تحت سرته ست طعنات ـ ثم تولى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، ثم في آخر حياته خرج عليه الثوار، وأثار عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري الفتنة، وجعل ينشر عيوبًا لأمير المؤمنين عثمان ، فتجمع معه السفهاء وصاروا يقولون: عثمان فعل كذا، يعددون عيوبًا ليست بعيوب، فقالوا: خَفضَ صوته بالتكبير، وأخذ الزكاة على الخيل، وأتم الصلاة في منى، وخالف الشيخين، وفعل وفعل، حتى تجمع هؤلاء السفهاء وأحاطوا ببيته وقتلوه، ثم انفتحت أبواب الفتن أكثر وأكثر، فاختلف الصحابة على الإمارة، وبايع أكثر الصحابة عليًّا ، وامتنع معاوية وأهل الشام حتى انتشرت الفتن وزادت رويدًا رويدًا وعظمت، وذلك كله بعد مقتل أمير المؤمنين عمر ، فنسأل الله السلامة والعافية.
والشاهد من الحديث: أن الصدقة تكفر الخطيئة، والخطيئة التي تكفرها الصدقة المراد بها صغائر الذنوب؛ ويشترط اجتناب لتكفيرها الكبائر، وفعل الفرائض.
المتن:
باب مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
1436 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ.
الشرح:
قوله: «بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ» يعني: فإن الله تعالى يحرز له صدقاته التي في الشرك ويكون له أجرها.
1436 قوله: «أَتَحَنَّثُ» يعني: أتعبد.
قوله: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ ظاهر الحديث أنه يحرزها بإسلامه، وأنها تكون له، لكن لو مات على الشرك لم تنفعه.
وفيه: دليل على أن الشرك لا يحبط الأعمال إلا إذا مات صاحبه عليه، كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البَقَرَة: 217]، فاشترط الرب سبحانه لحبوط الأعمال الموت على الردة، فالكافر إذا أسلم وكذا المرتد إذا ارتد، ثم تاب، وأسلم، أحرز أعماله الصالحة، وبقي له ثوابه عليها؛ فضلاً من الله تعالى وإحسانًا.
ولا يعيد الحج إذا تاب من شركه، فلو أن إنسانًا حج ثم ارتد ـ والعياذ بالله ـ ثم تاب وأسلم فلا يعيد حجه، ولا يحبط إلا إذا مات على الكفر، وهذا هو الصواب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ قال المازري: ظاهره أن الخير الذي أسلفه كتب له، والتقدير: أسلمت على قبول ما سلف لك من خير. وقال الحربي: معناه ما تقدم لك من الخير الذي عملته هو لك، كما تقول: أسلمت على أن أحوز لنفسي ألف درهم» وهذا هو الصواب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما من قال: إن الكافر لا يثاب فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى، منها: أن يكون المعنى أنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعًا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة قد مهَّدت لك معونة على فعل الخير، أو أنك اكتسبت بذلك ثناء جميلاً فهو باق لك في الإسلام» وهذا كله ضعيف، والصواب الأول.
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «هذه المحامل ضعيفة ـ يعني: قوله: اكتسبت طباعًا جميلة... إلخ ـ والصواب ما قاله المازري والحربي في معنى الحديث، وهو دليل على أن ما فعله الكافر من حسنات يقبل منه إذا مات على الإسلام، والله أعلم»[(665)].
المتن:
باب أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ
1437 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك.
الشرح:
قوله: «بَابُ أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ» يعني: أن له أجرًا كاملاً بهذين القيدين:
الأول: أمر صاحبه.
الثاني: غير مفسد.
فإذا تصدق الخادم من غير إذن صاحبه فليس له أجر، وليس له أن يتصدق بغير إذنه، وكذلك ليس له أن يفسد مال صاحبه.
1437 قوله: كَانَ لَهَا أَجْرُهَا؛ لأنها هي التي أخرجته وأعطته الخادم.
قوله: وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك أي: من الأجر، والخازن: الذي يكون بيده حفظ الطعام ونحوه، فالثلاثة كلهم يؤجرون، صاحب المال؛ لأنه هو الذي كسب، والزوجة؛ لأنها هي التي أمرت بالصدقة، والخادم؛ لأنه هو الذي ناوله المسكين.
المتن:
الشرح:
1438 قوله: أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ بالتثنية، فالمتصدق الأول هو صاحب المال، والثاني هو الخازن المسلم، وروي: أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِيْنِ بالجمع يعني: واحد من جملة المتصدقين الكثيرين.
وشُرط في الخازن حتى يؤجر أن يتصف بهذه الصفات:
الصفة الأولى: الإسلام: فلا تقبل صدقة الكافر، فالكافر إذا تصدق يُوَفّى أجره في الدنيا بصحة في بدنه أو يُبارك له في ماله أو ولده.
الصفة الثانية: الأمانة: فلابد أن يكون الخازن أمينًا.
الصفة الثالثة: الطاعة: فلابد أن ينفذ أمر صاحب المال، وأن ينفذه كاملاً لا ينقص منه شيئًا، وأن تكون طيبة به نفسه، وبهذه الصفات يحصل له الأجر.
أما بعض الخازنين ممن يؤذي الذي أُمر له بصدقة، ولا يعطيه، ويؤثر بها نفسه، فهذا مذموم شرعًا.
المتن:
باب أَجْرِ الْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ
1439 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَْعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ ﷺ تَعْنِي إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا.
1440 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ.
الشرح:
1439، 1440، 1441 قوله: «أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ» وقصدها الإصلاح، فلها أجرها بإنفاقها.
قوله: وَلَهُ مِثْلُهُ أي: للزوج مثل أجرها «بِمَا اكْتَسَب» .
قوله: وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ أي: للخادم مثل ذلك بمناولته الفقير، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه؛ إذ أعطى بعمل واحد أجرًا لهؤلاء الثلاثة، فكلهم مأجورون.
المتن:
الشرح:
ولا يلزم المساواة في أجر الثلاثة، فكل واحد له أجر، لكن كل واحد منهم قسيم للآخر، ومعلوم أن رب المال الذي كسب أكثر الأجر، وأما الخادم فيختلف حاله، فإنَّ إعطاءه المسكين الواقف أمام الباب ليس كإعطائه المسكين الذي سافر إليه في مكان بعيد من أجل أن يوصل له الصدقة.
المتن:
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىاللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا»
1442 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قال: حدثني أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا.
الشرح:
هذه الترجمة فيها وعد للمتصدق بأن الله ييسره لليسرى، ووعيد على البخيل بأن الله ييسره للعسرى، قال تعالى: أَعْطَى: تصدق وأنفق، وَاتَّقَى: اتقى الله ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى: كلمة التوحيد وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليْل: 5-10] نسأل الله العفو والعافية.
1442 قوله: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا هذا دعاء للذي ينفق في وجوه الخير بأن يخلف الله عليه.
قوله: يَقُولُ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا هذا دعاء على الذي يمسك عن الواجبات بالتلف، وقال بعضهم: يعم الواجبات والمندوبات.
ودعاء الملكين حري بالإجابة؛ لأنهما ملكان كريمان يدعوان بأمر الله:
أحدهما: يدعو للمنفق بالخلف.
الثاني: يدعو للممسك بالتلف، وهذا فيه: التحذير من الإمساك، والترغيب في الإنفاق.
المتن:
باب مَثَلِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ
1443 حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ.
وحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ.
تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي الْجُبَّتَيْنِ.
1444 وَقَالَ حَنْظَلَةُ: عَنْ طَاوُسٍ جُنَّتَانِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ جُنَّتَانِ.
الشرح:
هذا الباب عقده المؤلف للمثل الذي ضرب للمتصدق والبخيل، والأمثال فيها فوائد عظيمة، قال الله تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ [العَنكبوت: 43]، والمثل ينتقل فيه الإنسان من الأمر الذهني إلى الأمر الحسي.
1443، 1444 قوله: مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ ضرب النبي ﷺ مثلاً للمتصدق والبخيل برجلين عليهما جُبَّتَانِ بضم الجيم بعدها باء موحدة، وقيل: جُنَّتَانِ. بالنون، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومن رواه فيها بالنون فقد صحف، وكذا رواية الحسن بن مسلم، ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بالنون، ورُجِّحَتْ لقوله: «مِنْ حَدِيدٍ» ، والجنة في الأصل الحصن، وسميت بها الدرع؛ لأنها تجن صاحبها، أي: تحصنه، والجبة ـ بالموحدة ـ ثوب مخصوص، ولا مانع من إطلاقه على الدرع، واختلف في رواية الأعرج والأكثر على أنها بالموحدة أيضًا».
قوله: فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ أي: المنفق كلما أراد أن ينفق توسعت وسبغت على جلده حتى تخفي أصابعه وتمحو أثر مشيه.
قوله: وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ وذلك أن البخيل كلما أراد أن ينفق ضاق صدره وعجز؛ فيمسك، والمنفق كلما أنفق اتسع صدره، وصار ينفق براحة وطمأنينة نفس وانشراح صدر، حتى إنه يجد لذة عظيمة للإنفاق، وإذا لم ينفق لا يرتاح حتى ينفق، فالصدقة لها شأن عظيم في انشراح الصدر.
ذكر سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ذلك قصة وهي أن بخيلاً جمع زكاته، فلما أراد أن يخرجها عجز وتردد فيها، فردها مرة أخرى، ثم جمعها وعجز وتردد في إخراجها، وذلك مرارًا، ثم صاح في الناس، حتى جاءوا إليه، فقالوا: ما لك؟ قال: خذوا هذه الزكاة عني، فإني عاجز عن إخراجها، كلما أردت أن أنفقها لم أستطع، خذوها عني، فأخذوها ووزعوها على الفقراء.
فالبخيل لا يستطيع أن يخرج الصدقة من ماله فهو عاجز، يضيق صدره بها.
المتن:
باب صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة: 267] إِلَى قَوْلِهِ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267]
الشرح:
قوله: «لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ » فيه: فضل صدقة الكسب والتجارة.
وفيه: حث الإنسان على التكسب من التجارة، أو الزراعة، أو حرفة كالنجارة، أو الحدادة، أو الجزارة أو غيرها من الحرف؛ فإذا أنفق من كسبه فله الأجر.
ولم يقيد الكسب في الترجمة بالطيب؛ لأنه معلوم.
المتن:
باب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ
1445 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ.
الشرح:
قوله في الترجمة: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ ظاهره الوجوب، وهي تفيد أنه ينبغي للإنسان أن يتصدق.
1445 قوله: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ يعني: يكسب ويتصدق، فالصحابة لما حثهم النبي ﷺ على الصدقة وليس عندهم شيء صار الواحد منهم يحامل، أي: يشتغل حمالاً، فيكتسب ويتصدق.
قوله: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ أي: يعمل ويتكسب ولا يكون عاطلاً عن العمل كسلا.
قوله: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ أي: المحتاج شديد الحاجة.
قوله: فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ أقل شيء أن تمسك عن الشر؛ فإنها صدقة منك على نفسك.
المتن:
باب قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أَعْطَى شَاةً
1446 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قالت: بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَْنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ: لاَ إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ: هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا.
الشرح:
قوله: «بَابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أَعْطَى شَاةً» هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله؛ لبيان أنه لا يوجد حد معين في إعطاء الفقير أو من يستحق الزكاة من الزكاة أو الصدقة.
[(667)] فسماها صدقة وهي زكاة.
1446 قوله: «بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَْنْصَارِيَّةِ» وهي مولاة.
قوله: «بِشَاةٍ» يعني: تُصُدِّق بها عليها.
قوله: «فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْهَا» يعني: من الشاة التي هي صدقة، والنبي ﷺ لا يأكل الصدقة.
قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ: لاَ إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ: هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا يعني: أنه تُصُدِّق بالصدقة على نسيبة، فهي عليها صدقة، فلما تملكتها أهدت إلى النبي ﷺ فأكل منها، ففيه: دليل على أن النبي ﷺ يأكل من الهدية ولو كانت مما تصدق به على غيره.
وفيه: دليل على أن الغني إذا تصدق على فقير، فدفع إليه شاة، ثم دعا الفقيرُ هذا الغني المتصدق إلى وليمة جاز له الأكل من هذه الشاة؛ لأنها بلغت محلها وصارت من ماله.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الزين بن المنير: عطف الصدقة على الزكاة من عطف العام على الخاص؛ إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها، وحذف مفعول يعطى اختصارًا لكونهم ثمانية أصناف، وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب، وهو محكي عن أبي حنيفة».
يعني لا يوجد حد معين بالقدر التي يعطاه الفقير أو المستحق من الزكاة أو الصدقة، فبعضهم يقول: يعطى قدر نصاب، والصواب أنه لا يحتاج إلى قدر نصاب، إنما يعطى ما تيسر ولو أقل من نصاب، وهذا الباب للرد على أبي حنيفة[(666)] الذي كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال محمد بن الحسن: لا بأس به انتهى. وقال غيره: لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل، والزكاة كذلك، لكنها لا تطلق غالبًا إلا على المفروض دون التطوع، فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة، لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة، ولكن الأغلب التفرقة، والله أعلم».
ومنه حديث معاذ مرفوعًا: فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
مسألة: ما حكم رجل أحسن إلى بعض أقاربه فآذوه وأساءوا إليه فقال لهم: اتقوا الله فإني لم أقصر معكم ـ يريد الدفاع عن نفسه ـ فهل هذا من المن والأذى الذي يحبط الأعمال؟
الجواب: إذا كان مظلومًا ويريد أن ينتصر فيدفع الظلم الواقع عليه فلا بأس؛ فقد صنع ذلك عثمان لما حصره الثوار وظلموه، فإنه خرج إلى الناس، وقال: أسألكم بالله، هل قال رسول الله ﷺ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ المُسْلِمِينَ، وله الْجَنَّةِ، فشريتها من مالي؟ قالوا: نعم. أسألكم بالله إني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: نعم[(659)]. فهو هنا يريد الدفاع عن نفسه، ورفع الظلم الواقع عليه، فإذا كان من باب الدفاع عن النفس فلا بأس، ولا يدخل في المن والأذي المنهي عنه، والذي يحبط الأجر.
فإن قيل: ما ضابط الإفساد في مال الزوج؟
الجواب: يرجع ضابط الإفساد إلى العرف، وهو ـ عمومًا ـ كل شيء تنفقه الزوجة ولا يستفاد منه.
المتن:
باب زَكَاةِ الْوَرِقِ
1447 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الإِْبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قال: حدثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِهَذَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم زكاة الورق ونصابها، و «الْوُرِقِ» بفتح الواو وكسر الراء: الفضة.
1447 في الحديث: بيان نصاب الزكاة من الإبل، ومن الفضة، ومن الحبوب والثمار.
قوله: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الإِْبِلِ فيه: أن نصاب زكاة الإبل خمس، فتجب فيها الزكاة.
ويشترط في الإبل، وكذا البقر، والغنم، أن تكون سائمة؛ كما في الحديث الآخر: فِي سَائِمَتِهَا [(668)]؛ والسائمة هي التي ترعى أكثر الحول على الحشائش، فإن كانت تُعَلّف نصف الحول أو أكثر الحول فليس فيها زكاة، إلا أن تكون معدة للبيع والتجارة، وبلغت النصاب؛ ففي قيمتها زكاة العروض.
قوله: وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ نصاب الفضة خمس أواق، والأواق جمع أوقية، والأوقية: أربعون درهمًا، فيكون النصاب مائتي درهم، وضابطها: مائة وأربعون مثقالاً من الفضة.
قوله: وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ نصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ، فيكون نصاب الحبوب والثمار: ثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ، والصاع: أربعة أمداد، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط الخلقة.
المتن:
باب الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ : «لأَِهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَِصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ».
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْعُرُوضِ.
الشرح:
قوله: «بَابُ الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ» هذه الترجمة معقودة لبيان وجوب الزكاة في الَعَرْض، والعرض ـ بإسكان الراء ـ ما عدا النقدين، وجمعه عروض فالمال نوعان: نقد، وعرض، والنقد: الذهب والفضة وما يقوم مقامهما، والعرض: ما سوى النقدين من الأمتعة، والأقمشة، والمعدات، والسيارات، والبيوت، والأراضي، والإبل، والبقر، والغنم، وغيرها؛ فكل هذه تسمى عروض تجارة إذا أعدت للبيع.
فإذا امتلك بعض الناس بيتًا يؤجره، فالزكاة تكون في الأجرة إذا حال عليها الحول من حين العقد؛ أما إذا أكلتها أو أنفقتها فليس عليها زكاة.
ووافق البخاري رحمه الله في هذه الترجمة مذهب الأحناف مع كثرة مخالفته لهم، وخالف الجمهور؛ فإن جمهور العلماء يرون أن الزكاة تخرج بأحد النقدين، بالذهب أو الفضة، فمثلاً: إذا كان عندك أرض أعددتها للبيع، أو سيارات، أو أقمشة، أو طعام، أو أمتعة، أو نحو ذلك ووجبت فيها الزكاة، فإن الجمهور يقولون: لا تخرج الزكاة من جنسها، ولكن تقدر قيمتها ثم تخرجها من الذهب أو الفضة، أو ما يقوم مقامهما، وأما الأحناف[(669)]، ووافقهم البخاري رحمه الله فمذهبهم جواز إخراجها من جنسها.
قوله: «وَقَالَ طَاوُسٌ» هو طاوس بن كيسان اليماني، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوسًا لم يسمع من معاذ، فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال: ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده؛ لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب».
قوله: «قَالَ مُعَاذٌ : لأَِهْلِ الْيَمَنِ» وقد بعثه النبي ﷺ إلى أهل اليمن قاضيًا ومعلمًا.
قوله: «ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» أي: أخذ مكان الشعير والذرة عرضًا، وهو ثياب خميص أو لبيس، «فِي الصَّدَقَةِ» يعني: في الزكاة، والجمهور يرون أنه لا يخرج مكان الشعير والذرة في الزكاة إلا من الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما، لكن هذا الأثر حجة عليهم.
قوله: «أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لأَِصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ» فيه: النظر إلى مصلحة الفقير أيها أنفع له، فيعطى من الزكاة أموالاً أو طعامًا أو لباسًا على حسب حاجته ومصلحته.
قوله: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ استدل البخاري رحمه الله بهذا أيضًا على جواز إخراج زكاة عروض التجارة من جنسها، ولا يشترط أن تُقوَّم بالذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما.
وقوله: فِي سَبِيلِ اللهِ عام يشمل صدقة الفريضة وغيرها.
قوله: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وجه الاستدلال هو ما نص عليه المؤلف رحمه الله بقوله: «فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا» فدخلت في العموم؛لأن الصدقة تشمل الزكاة المفروضة، وصدقة التطوع، وهو عام، فلم يستثن صدقة عروض التجارة من غيرها.
قوله: «فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا» ، الخرص: الحلقة التي في الأذن.
قوله: «وَسِخَابَهَا» السخاب: القلادة في الحلق.
قوله: «وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْعُرُوضِ» فاستدل البخاري رحمه الله بهذا الدليل على أنه لا بأس أن تخرج الزكاة من غير النقدين، فأولئك النساء تصدقن من السخاب والخرص وليست من النقود، وإنما هي حلي، كما أن معاذًا قال لأهل اليمن: «ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» فلم يأمرهم أن يخرجوا الزكاة من النقدين بالذهب والفضة.
المتن:
الشرح:
1448 هذا الحديث: قطعة من الكتاب الذي كتبه أبو بكر لبيان الصدقة التي أمر الله بها رسوله، قال: وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ يعني: زكاته «بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُه» أي: ليست عنده بنت المخاض، وهي التي تم لها سنة، وسميت بنت مخاض؛ لأن أمها حامل، وهي تخرج ممن بلغت عدة إبله خمسًا وعشرين، فإن لم تكن عنده بنت مخاض، «وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ» بنت اللبون هي التي لها سنتان، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ والمصدق: العامل، وأما العشرون درهمًا أو الشاتان فهما الفرق بين بنت المخاض التي لها سنة وبنت اللبون التي لها سنتان، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ.
واستدل البخاري رحمه الله بذلك على جواز إخراج الزكاة من غير النقدين من العروض بدليل أن النبي ﷺ أجاز أن تؤخذ بنت اللبون عن بنت المخاض مع إعطاء الفرق، فلما أجاز أن تؤخذ بنت اللبون عن بنت المخاض دل على أنه لا بأس أن تؤخذ زكاة عروض التجارة منها ولو لم تكن من النقدين.
المتن:
الشرح:
1449 قوله: «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ» فيه: أن السنة في صلاة العيد تقديم الصلاة على الخطبة.
قوله: «فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ وَمَعَهُ بِلاَلٌ نَاشِرَ ثَوْبِهِ فَوَعَظَهُنَّ» فيه: مشروعية تخصيص النساء بالموعظة وذلك في حالة عدم وصول الصوت إليهن، أما الآن فهناك أجهزة مكبرات الصوت تُسمع الرجال والنساء وكل من حضر، والحمد لله.
قوله: «وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ» يشمل صدقة التطوع وصدقة الفريضة، فاستدل البخاري رحمه الله بهذا على أنه لا بأس أن تخرج الزكاة من غير النقدين فالنساء تصدقن من حليهن.
قوله: «وَأَشَارَ أَيُّوبُ إِلَى أُذُنِهِ» يعني: القرط، «وَإِلَى حَلْقِهِ» يعني: القلادة.
المتن:
باب لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلُهُ.
1450 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَْنْصَارِيُّ قال: حدثني أَبِي قال: حدثني ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.
الشرح:
قوله: «بَابٌ لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» هذه الترجمة معقودة على لفظ الحديث: يعني: خشية الزكاة، ولو قيد المؤلف الترجمة بهذا لكان أولى.
1450 قوله: «لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» كأن يكون لثلاثة أشخاص في البرية عدد من الأغنام، وهذه الأغنام تجتمع في مسرح واحد، ومشرب واحد، ومبيت واحد، وعددها مائة وعشرون شاة، ونصيب الشخص الواحد أربعون شاة ـ ومعلوم في نصاب الغنم أن الأربعين فيها شاة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان ـ ففي هذه الحالة: كل شخص من الثلاثة يجب أن يدفع شاة واحدة عن الأربعين التي يملكها، فالثلاثة أشخاص يجب أن يدفعوا ثلاث شياه، فإذا احتالوا على العامل فجمعوها له لتصبح مائة وعشرين شاة، فيجب فيها شاة واحدة فقط، فهذا الذي نهى عنه النبي ﷺ.
وكذلك لا يفرق بين مجتمع؛ كما لو كان شريكان لكل واحد منهما عشرون شاة، أو أربعة شركاء كل واحد له عشر شياه، فإذا جاء العامل فرقوها، فجعلوا كل عشرة تقف في مكان حتى لا تجب فيها الزكاة، وإذا ذهب جمعوها، فلا يجوز لهم ذلك، بل يجمعوها ويؤخذ منها شاة واحدة، ويكون كل واحد عليه ربع شاة، فهذا معنى قول النبي ﷺ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ وفي رواية في الصحيح: خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ [(670)]، والمراد بالصدقة: فريضة الزكاة.
المتن:
باب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ: «إِذَا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلاَ يُجْمَعُ مَالُهُمَا».
وَقَالَ سُفْيَانُ: «لاَ يَجِبُ حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً».
1451 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حدثني أَبِي قال: حدثني ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
الشرح:
قوله: بَابٌ مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ الخليطان: الرجلان أو الشخصان اللذان خلطا أموالهما، فإذا أخذت الزكاة من مال أحد الخليطين، يرجع المأخوذ منه على خليطه بنصيبه بالسوية والإنصاف، فمثلاً: إذا كان هذا له عشرون شاة، وهذا له عشرون شاة، فخلطوها بالسوية ـ سواء كانوا شركاء أو غير شركاء ـ فإذا أخذت الزكاة من مال أحد الخليطين فإن المأخوذ من ماله يرجع على خليطه بقيمة نصف شاة.
مثال آخر: لو كان لأحد الخليطين عشر شياه، وللآخر ثلاثون شاة، فجمعوها فوجبت فيها الزكاة شاة واحدة، فإذا أخذت الشاة من صاحب العشر، فإنه يجب على شريكه دفع قيمة ثلاثة أرباع الشاة المأخوذة، وإذا أخذت الشاة من صاحب الثلاثين، وجب على شريكه أن يدفع له قيمة ربع شاة.
قوله: «وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ: إِذَا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلاَ يُجْمَعُ مَالُهُمَا» يعني: أنهما يريان ألا يجمعان المال في هذه الحالة؛ خشية إسقاط الزكاة.
قوله: «وَقَالَ سُفْيَانُ» هو سفيان الثوري، كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله رواية عبدالرزاق عنه.
قوله: «لاَ يَجِبُ» يعني: الزكاة.
قوله: «حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً» هذا مذهب مالك رحمه الله[(671)] أنه لا يجب على الخليطين زكاة إلا أن يتم لكل واحد أربعون.
القول الثاني: ذهب إليه جمهور العلماء وأهل الحديث أنه إذا بلغت ماشية الخليطين النصاب وجبت فيها الزكاة، ولو لم يبلغ نصيب كل منهما أربعين، فلو كان أحدهما له عشر والآخر ثلاثون، أو أحدهما له عشرون والآخر عشرون وجبت الزكاة، أما مالك فقال: لا تجب الزكاة حتى يكون لكل واحد أربعون أي: حتى تبلغ النصاب.
والخليط لا يلزم أن يكون شريكًا، خلافًا للإمام أبي حنيفة[(672)]؛ فإنه يقول: يلزم أن يكون الخليط شريكًا.
المتن:
باب زَكَاةِ الإِْبِلِ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1452 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ قال: حدثني ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا.
الشرح:
1452 قوله: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْهِجْرَةِ» أي: عن الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
قوله: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ المراد: القرى؛ لأن جزيرة العرب ليس فيها بحار، والمعنى: اعمل من وراء القرى.
قوله: لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا أي: إن الله لن ينقصك من أعمالك شيئًا.
وأراد ﷺ أنه لا تجب الهجرة عليك، واعمل في أي: مكان أنت فيه فالله لا ينقصك من أعمالك شيئًا، وهذا محمول على ما إذا كان هذا المكان يقدر المسلم فيه على إظهار دينه، أما إن كان المكان يحكم فيه بغير شرع الله، ويظهر فيه الكفر، ولا يستطيع المسلم إظهار دينه، بل يؤذى ويفتن فيه، ففي هذا الحال تجب عليه الهجرة، إلا إن كان داعية يؤثر على الناس، ففي هذه الحال لا يجب عليه الهجرة، كحال النبي ﷺ في دعوته في مكة.
فالهجرة من البلد الذي تظهر فيه البدع وتنتشر فيها المعاصي مستحبة، وقيل: واجبة، والصواب أنها مستحبة.
والهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام واجبة مع القدرة، فإن لم يقدر فهو معذور؛ لقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النِّسَاء: 97]، هذا فيه الوعيد الشديد على من أقام في بلاد الكفار ولم يهاجر، وأنه مرتكب لكبيرة، متوعد بالنار، ثم استثنى الله العاجز فقال: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النِّسَاء: 98-99]، ولما ثبت في سنن النسائي أن النبي ﷺ قال: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ [(673)]، ولقوله ﷺ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا [(674)]، فهذا فيه الوعيد الشديد على من أقام في بلد الشرك من غير ضرورة.
قوله: فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ يعني: زكاتها، وهذا هو الشاهد على أن الإبل فيها الزكاة، وهذا من دقيق علم وفقه الإمام البخاري رحمه الله؛ فيذكر الحديث أحيانًا في المكان الذي لا يظن الإنسان أنه فيه، فهذا الحديث في الهجرة على ظاهره، ومع ذلك أتى به في «بَابُ زَكَاةِ الإِْبِلِ» .
المتن:
باب مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ
1453 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حدثني أَبِي قال: حدثني ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الإِْبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ؛ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلاَّ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ.
الشرح:
قوله: «بَابُ مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ» بنت مخاض هي التي بلغت سنة واحدة، والمعنى: ماذا يعمل الذي بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده بنت مخاض ولكن عنده أكبر أو أقل منها سنًّا؟
والحديث الذي أورده في هذا الباب ليس فيه التصريح بحكم هذه الحالة، ولكن المؤلف رحمه الله استنبط الحكم له كما سيأتي بيان ذلك.
1453 قوله: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الإِْبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ التي لها أربع سنين وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ التي لها ثلاث سنين فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ في هذه الحالة تقبل منه الحقة على الرغم من كونها أقل سنًّا من الجذعة، إلا أن صاحب المال يدفع للمصدق الفرق المذكور، وهو وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أي: يدفع شاتين إن تيسر له ذلك، وإلا فيدفع عشرين درهمًا؛ لأن الشاة الواحدة في ذلك الوقت قيمتها تساوي عشرة دراهم، فيدفع عشرين درهمًا عن الشاتين، وأما في زماننا الآن فإنها تقدر بحوالي خمسمائة أو سبعمائة ريال سعودي تقريبًا عن الشاة الواحدة.
قوله: وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وهي التي لها ثلاث سنين وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ وهي التي لها أربع سنين فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ في هذه الحالة يعطي المصدق الفرق المذكور لصاحب المال، و «المصدق» بتخفيف الصاد هو: العامل، وبتشديدها: صاحب المال، والمقصود هنا الأول.
قوله: وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ التي لها ثلاث سنين وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلاَّ بِنْتُ لَبُونٍ التي لها سنتان فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا في هذه الحالة يدفع صاحب المال الفرق المذكور للمصدق.
قوله: وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ التي لها سنتان «وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ» التي لها ثلاث سنين فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ في هذه الحالة المصدق يدفع لصاحب المال الفرق المذكور.
قوله: وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ التي لها سنتان وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ التي لها سنة واحدة فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ في هذه الحالة يدفع صاحب المال للمصدق الفرق المذكور.
ولكن الترجمة جاءت بعنوان «بَابُ مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ» والحديث المذكور هنا ليس فيه ذكر هذه الحالة، فأراد المؤلف رحمه الله أن يستنبط الحكم، يعني: من بلغت عنده صدقة بنت مخاض ـ التي لها سنة واحدة ـ وليست عند بنت مخاض، وعنده مثلاً بنت لبون ـ التي لها سنتان ـ فإنها تقبل منه ويدفع المصدق لصاحب المال الفرق شاتين أو عشرين درهمًا، هذا ما استنبطه البخاري رحمه الله فترجم له هذه الترجمة.
فعلى هذا إذا بلغت عنده صدقة بنت مخاض ـ التي لها سنة واحدة، وليست عنده بنت مخاض وعنده مثلاً حقة ـ التي لها ثلاث سنين فإنها تقبل منه ويدفع المصدق لصاحب المال الفرق في هذه الحالة أربع شياه أو أربعين درهمًا.
المتن:
باب زَكَاةِ الْغَنَمِ
1454 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَْنْصَارِيُّ قال: حدثني أَبِي قال: حدثني ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِْبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنْ الإِْبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الإِْبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
الشرح:
1454 هذا حديث عظيم، ينبغي حفظه، وهو أصل في زكاة الإبل، والغنم، والأوقاص التي بينها، والأوقاص: هي الأرقام التي تقع بين النصاب الذي تجب فيه الزكاة والذي بعده، مثال ذلك: ما بين الخمس من الإبل ـ وهي أقل ما يجب فيه الزكاة ـ إلى العشر ـ وهو النصاب التالي له ـ ففي الست والسبع والثماني والتسع شاة واحدة، فإن بلغت عشرًا وجبت فيها شاتان وخرجت بذلك من تسميتها أوقاصًا.
لم يذكر المؤلف رحمه الله زكاة البقر؛ لأن حديثها ليس على شرطه، فقد جاء في السنن عن معاذ بن جبل قال: «بعثني النبي ﷺ إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر»[(675)].
قوله: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فيه: مشروعية افتتاح الكتب والرسائل بالبسملة؛ اقتداء بالكتاب العزيز.
قوله: «هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ» ، المقصود بالصدقة الزكاة، فكلمة الصدقة تشمل الفريضة والتطوع، ولكنها هنا يقصد بها الزكاة؛ بدليل قوله: «فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ».