شعار الموقع

شرح كتاب الزكاة من صحيح البخاري (24-8) تابع بَابٌ فِي الرِّكَازِ الخُمُسُ - إلى باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ

00:00
00:00
تحميل
164

الشرح:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما ابن إدريس فقال ابن التين: قال أبو ذر يقال: إن ابن إدريس هو الشافعي، ويقال: عبدالله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو أشبه، كذا قال. وقد جزم أبو زيد المروزي عن أحد الرواة عن الفربري بأنه الشافعي، وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة، ويؤيده أن ذلك وجد في عبارة الشافعي دون الأودي، فروى البيهقي في المعرفة من طريق الربيع قال: قال الشافعي: والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية، ما وجد في غير ملك لأحد».

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قد تقدم ذكر الاختلاف في الركاز، وأن الجمهور ذهبوا إلى أنه المال المدفون؛ لكن حصره الشافعية فيما يوجد في الموات بخلاف ما إذا وجده في طريق مسلوك، أو مسجد، فهو لقطة، وإذا وجده في أرض مملوكة، فإن كان المالك الذي وجده فهو له، وإن كان غيره، فإن ادعاه المالك فهو له، وإلا فهو لمن تلقاه عنه إلى أن ينتهي الحال إلى من أحيا تلك الأرض، قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس؛ إما مطلقًا، أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث، وخصه الشافعي أيضًا بالذهب والفضة، وقال الجمهور: لا يختص، واختاره ابن المنذر، واختلفوا في مصرفه، فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: مصرفه مصرف خمس الفيء، وهو اختيار المزني؛ وقال الشافعي في أصح قوليه: مصرفه مصرف الزكاة؛ وعن أحمد روايتان. وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يخرج منه الخمس، وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء».

يعني: من قال: مصرف الخمس هو مصرف الفيء ينبني على قوله أنه إذا وجده الذمي فإنه يخرج الخمس، ومن قال: مصرفه مصرف الزكاة ينبني عليه أنه إذا وجده الذمي فليس عليه شيء؛ لأن الذمي ليس من أهل الزكاة؛ لأن الزكاة تحتاج إلى النية، ولا تصح النية إلا بالإسلام وهو غير مسلم.

قال الحافظ: «واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال، وأغرب ابن العربي في شرح الترمذي فحكى عن الشافعي الاشتراط، ولا يعرف ذلك في شيء من كتبه ولا من كتب أصحابه».

المتن:

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الإِْمَامِ

1500 حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلاً مِنْ الأَْسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ.

الشرح:

قوله «بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التّوبَة: 60]» يعني: في آية مصارف الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [التّوبَة: 60]، فالمؤلف بوب على صنف واحد من الثمانية، وهم العاملون عليها، وهم جباتها وحفاظها وكتابها، يرسلهم ولي الأمر يجبون الزكاة من الناس، ويجمعونها ويحفظونها ويعدونها ويسجلونها، ولهم نصيب من الزكاة، ولو كانوا أغنياء، بقدر عمالتهم.

قوله: «وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الإِْمَامِ» يعني: الذين يقبضون الصدقات والزكوات يحاسبهم الإمام.

1500 قوله: «اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلاً مِنْ الأَْسْدِ» ، ويقال: الأزد، وكل من الأسد ـ بالسين ـ والأزد ـ بالزاي ـ ينوب أحدهما عن الآخر فيقال: أسد وأزد.

قوله: «عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ» ، هذا الحديث مختصر، وفيه: أن هذا الرجل بعثه النبي ﷺ عاملاً على الصدقة، يجمع الصدقات من الناس، فأعطوه هدايا، فجاء إلى النبي ﷺ وقال: هذه الصدقات لكم، وهذه هدايا أعطاني إياها الناس، فغضب النبي ﷺ وخطب في الناس قائلاً: ما بال الرجل نبعثه على العمل مما ولانا الله، فيأتي فيقول: هذا شيء لكم، وهذا شيء أهدي إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا [(750)]؛ لأنه لم يعط من الهدية إلا لأنه عامل، وقال أيضًا: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ [(751)].

المقصود أن النبي ﷺ حاسب ابن اللتبية وقال له: هذه الهدايا لم تعطَها إلا لعملك، فلو جلست في بيت أبيك وأمك لم تأتك الهدية.

وبعض الموظفين يأخذ الهدايا، ولم يعطها إلا لأجل عمله، فهذه هدية لا ينبغي للإنسان أن يأخذها؛ ولهذا اختصر المؤلف الحديث وقال: «فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ» ، فيه: دليل على أن العامل على الصدقة يأتي بجميع ما يعطاه من الصدقات والهدايا ويدفعه إلى ولي الأمر، فإن أعطاه شيئًا أخذه، وإن لم يعط شيئًا ترك.

المتن:

باب اسْتِعْمَالِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا لأَِبْنَاءِ السَّبِيلِ

1501 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ.

تَابَعَهُ أَبُو قِلاَبَةَ وَحُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ.

الشرح:

1501 قوله: «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ» أي: قبيلة عرينة.

قوله: «اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ» وفي لفظ: «فاستوخموا» [(752)] أي: لما جاءوا من البادية والهواء النقي إلى المدينة أصابهم الوخم والمرض.

قوله: «فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ» ، وفي لفظ: «قتلوا الرعاة» [(753)].

قوله: «وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ» الذود: القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر؛ أي: سرقوا الإبل، «فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» أي: في طلبهم، «فَأُتِيَ بِهِمْ» حين ارتفع النهار، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم، أي: جيء بحديد محمي ووضع على أعينهم، «وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ» حتى ماتوا، وفي لفظ: «تركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا» [(754)].

قال أنس: «هؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بالله ورسوله»، فالنبي ﷺ أقام الحد عليهم.

وفيه: إقامة الحد على قطاع الطريق وعدم رحمتهم، والإمام مخير بين واحدة من المذكورات في آية الحرابة وهي قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المَائدة: 33]، فإما أن يقتلهم، أو يصلبهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ـ يعني: كل واحد منهم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ـ أو ينفوا من الأرض. وقال بعض العلماء: قال ابن عباس: إذا قَتلوا قُتلوا، وإذا سَرقوا قُطعوا، ولكن هذا لا دليل عليه، والصواب أن الإمام مخير بين واحد من هذه المذكورات، فله أن يقتلهم، وله أن يقطعهم ويحسمهم ـ الحسم: هو إيقاف نزيف الدم ـ لكن النبي ﷺ لم يحسمهم نكالاً لهم؛ لأنه أراد أن يموتوا؛ لأنهم قتلوا رعاة النبي ﷺ وسمروا أعينهم، فسمر النبي ﷺ أعينهم من باب القصاص، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ لأنهم سرقوا، وسمرت أعينهم لأنهم سمروا عين الراعي، وتركوا حتى ماتوا؛ لأنهم قتلوا وكفروا بالله ورسوله وارتدوا، نعوذ بالله من الخذلان.

ومثال ذلك أيضًا: أن رجلاً يهوديًّا رأى على جارية صغيرة أوضاحًا من ذهب، فأخذ أوضاحها ورض رأسها بين حجرين، فجيء بها وفيها الرمق الأخير، وقيل: من فعل هذا بك؟ فلان أو فلان، حتى عد اليهودي، فأومأت برأسها أي: نعم ثم ماتت، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر النبي ﷺ أن يرض رأسه بين حجرين كما فعل بالجارية[(755)].

والشاهد من الحديث قوله: «فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» ؛ ففيه دليل على طهارة أبوال الإبل، وكذلك كل ما يؤكل لحمه كالبقر والغنم، وقال بعض العلماء كالشافعي[(756)]: إنه نجس. والصواب أنه طاهر. ولا شك أن بول الإبل فيه الشفاء، ولاسيما إذا كانت ترعى من الصحراء؛ ولهذا زال عنهم الوخم والمرض وصحوا.

فالشاهد من الحديث جواز استعمال إبل الصدقة وشرب ألبانها لأبناء السبيل، وهؤلاء جاءوا من عرينة من أبناء السبيل فأمرهم النبي ﷺ أن يستعملوا إبل الصدقة، التي تتبع بيت المال.

وفيه أيضًا: أن الإمام له أن يخص بمنفعة مال الزكاة صنفًا دون صنف بحسب الاحتياج؛ فالنبي ﷺ خص صنفًا من الأصناف الثمانية وهم أبناء السبيل لينتفعوا من إبل الصدقة ويشربوا من ألبانها حسب الحاجة.

المتن:

باب وَسْمِ الإِْمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ

1502 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَْوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ.

الشرح:

قوله: «وَسْمِ الإِْمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِه» الوسم: هو العلامة، وهو أن توضع علامة خاصة في الإبل، أو في غيرها من البقر والغنم حتى تعرف ولا تختلط بغيرها، وكان لكل قبيلة وسم خاص بها، وكان هذا معروفًا عند العرب، فبعضهم يجعل مثلاً خطًّا متعرجًا، أو يجعل خطين أحدهما على الآخر.

ووسم إبل الصدقة يغاير وسم إبل بيت المال فيحصل التمييز بينهما، فإبل الصدقة لها وسم خاص، وإبل بيت المال لها وسم خاص حتى لا تختلط هذه بهذه، وإبل الصدقة خاصة بالصدقات، وإبل بيت المال عامة للمسلمين، ويكون الوسم بأن يأتي بالحديدة ويحميها بالنار ثم يضعها على ظهرها أو تكون في الأذن، أو تكون في الفخذ مثلاً.

قوله: «فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ» فيه: جواز وسم الإمام إبل الصدقة بيده؛ ليقتدي به الولاة.

وفيه: تواضع النبي ﷺ؛ حيث وسمها بيده ولم يأمر غيره بذلك.

وفيه: جواز الوسم، وأنه لا بأس بوسم الدابة في غير الوجه، بأن يكون في الظهر أو في الفخذ مثلاً، أما الوجه فقد ورد نهي النبي ﷺ عن الوسم في الوجه والرأس؛ لأنه مثلة وتشويه للخلقة، والآدمي لا يجوز ضرب وجهه، كما يحرم تقبيحه، كأن يقول مثلاً: قبح الله وجهك؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ قال: إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ [(760)]، وفي لفظ: إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ [(761)]؛ ولما عند أحمد وابن حبان: لا يقل أحدكم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته [(762)]، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يضرب الوجه ـ الذي يسميه بعض الناس الصدغ باللهجة العامية ـ كما لا يجوز ضرب الرأس؛ لأنه ينافي الآداب، ولأن الوجه حساس وأعضاؤه رقيقة يظهر الشين فيها، وربما تعطلت بعض الحواس من السمع والبصر والكلام، وإنما يكون الضرب في الظهر أو الفخذ.

1502 قوله: «غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ» هو أخو أنس من أمه.

قوله: «لِيُحَنِّكَهُ» ، فيه مشروعية التحنيك؛ وهو: أن يوضع تمر في فم الصبي ثم يدلك به حنكه، والنبي ﷺ حنك عبدالله بن أبي طلحة، أمر بالتمر فلاكه في فمه ﷺ ثم وضعه في فم الصبي، فجعل الصبي يلوكه في فمه، فقال ﷺ: «انظروا حب الأنصار للتمر» [(758)]، وهذا من مداعبته عليه الصلاة والسلام.

ولا يقال: إن تحنيك الصبي من خصوصيات النبي ﷺ؛ إذ كان الصحابة يأتون بصبيانهم حتى ينالوا بركة النبي ﷺ؛ لما جعل الله في جسده من البركة، فالتبرك خاص به ﷺ، أما التحنيك فليس خاصًّا به، وإنما التحنيك سنة.

وفيه: تسمية المولود في اليوم الأول، كما سمى النبي ﷺ ابن أبي طلحة عبدالله، وكما سمى ابنه إبراهيم في اليوم الأول، ويجوز في اليوم السابع كما في الحديث الآخر: كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه ويسمى [(759)].

المتن:

(25) أَبَواب صَدَقَةِ الْفِطْرِ

باب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ «صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً».

1503 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُْنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ.

الشرح:

1503 في الحديث: دلالة على أن صدقة الفطر فريضة، ولهذا بوب المؤلف رحمه الله فقال: «بَابُ فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ».

قوله: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ» ، فزكاة الفطر فريضة، وهي زكاة العمر، وزكاة البدن، وزكاة السنة.

وفيه: دليل على وجوب زكاة الفطر على كل فرد من المسلمين، حر أو عبد، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير؛ ولهذا قال: «عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُْنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، أما على غير المسلم فلا تجب، فإذا كان له عبد غير مسلم فليس عليه صدقة الفطر؛ وأما الحمل الذي في بطن الأم، فإنه يستحب الإخراج عنه، ولا يجب؛ أفتى بذلك الخليفة الراشد عثمان بن عفان .

وفيه: أن زكاة الفطر تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد؛ ولهذا قال: «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ» فإن أخرها فإنه يقضيها مع الإثم، ويخرجها لقضاء الواجب، مثل من فاتته الصلاة فإنه يقضيها. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، كما كان الصحابة يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين، وأوله يوم الثامن والعشرين؛ لأن الشهر يتم وينقص، فتخرج في يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين، أما قبل ذلك فلا، ولكن الأفضل أن تؤدى يوم العيد.

وفيه أنه لا يجوز إخراج صدقة الفطر نقودًا؛ لأن النبي ﷺ فرضها طعامًا، فإن أخرجها نقودًا أعادها؛ لأنها لا تجزئه خلافًا للأحناف[(768)].

قوله: «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» هذا مختصر، وفي الحديث: الآخر: «صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب» [(767)] ولا يشترط أن يأكله الفقير، بل يجوز أن يأخذه الفقير ويبيعه.

المتن:

باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

1504 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

الشرح:

قال البخاري رحمه الله في الترجمة السابقة: «باب فرض صدقة الفطر» فهي عامة تشمل العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير؛ لكن هذه الترجمة خاصة.

قوله: «وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» هذا قيد؛ فغير المسلم لا تجب عليه الزكاة، فإذا كان عنده عبيد مسلمون وغير مسلمين، فالمسلمون يخرج عنهم زكاة الفطر، وغير المسلمين لا يخرج عنهم.

قوله: «صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ» يعني: وجوبها على العبد.

1504 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» «أَوْ» هنا للتخيير.

وفيه: دليل على أن زكاة الفطر فريضة؛ لقوله: «فَرَضَ» .

قوله: «َلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» فيه: أن زكاة الفطر واجبة على كل فرد من المسلمين ومنهم العبد، وهو داخل في عموم الترجمة السابقة.

والعبد والصغير يخرج الصدقة عنهما وليهما والمسئول عنهما، فرب البيت يخرج الزكاة عن نفسه، وعن أولاده الصغار، وعن العبيد.

أما الفقير فتجب عليه إذا فضل عنده صاع زائد عن حاجته وحاجة أولاده يوم العيد وليلته.

وأما العبد إذا ملك ما يخرجه ـ وهو وما يملكه ملك لسيده ـ وأخرج منه فلا بأس وهذا حسن.

وأما الأجير فيخرج عن نفسه؛ أما إذا كان يمونه أحد الناس في شهر رمضان، ويقوم بالنفقة عليه، ويقوم بإطعامه، وكسوته، فإنه يصبح تبعًا له، فيخرج الزكاة عنه، ويكون في هذه الحالة مثل أولاده وعبيده.

المتن:

باب صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ

1505 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنَّا نُطْعِمُ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.

الشرح:

هذه الترجمة خاصة، وهي داخلة في التراجم العامة؛ لبيان أن الصاع من الشعير يخرج في كل وقت، فيخرج ويأخذه الفقير وهو بالخيار إن شاء أكله وإن شاء باعه واشترى به شيئًا.

1505 قوله: «كُنَّا نُطْعِمُ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» فيه: دليل على أنه لا يجوز إخراج الزكاة مالاً؛ لأن الغرض منها إطعام الفقير، وقال ﷺ: أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم [(769)]، وأجاز أبو حنيفة إخراجها نقودًا، لكن هذا لا دليل عليه[(770)].

وليس في إخراجها مالاً مراعاة لمصلحة الفقير؛ لأنه لا رأي مع النص، والنص قوله: «فرض رسول الله ﷺ صاعًا من طعام» [(771)].

المتن:

باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ

1506 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ.

الشرح:

1506 قوله: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» واستدل الجمهور بهذا الحديث: على أنه لا يجوز إخراج صدقة الفطر مالاً,

يعني: لا تخرج نقودا، بل صاعًا من طعام مما يتقوته أهل البلد، فإذا أخرج الأرز الآن فهو قوت البلد.

قوله: «أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» الأقط هو اللبن المجفف، والزبيب هو العنب المجفف.

قوله: «بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ» هذه الترجمة قصد بها البخاري رحمه الله الرد على الأحناف القائلين بجواز إخراج صدقة الفطر مالاً[(772)]، فبين أنه لا يجوز إخراجها من النقود، وأنها تخرج من الطعام حسب قوت البلد: إن كانوا يقتاتون الشعير أخرج من الشعير، وإن كانوا يقتاتون التمر أخرج من التمر، وإن كانوا يقتاتون الأقط أو الزبيب مثلاً أخرج مثل ذلك، وإن كان أهل البلد ليس عندهم شيء من هذه الأصناف الخمسة يخرج من قوت البلد مما يأكلون منه.

والصاع: أربعة أمداد، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط، وهو أقل من ثلاثة كيلوجرامات.

المتن:

باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ

1507 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ.

الشرح:

هذه الترجمة خاصة، وهي أن «صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، فترجم المؤلف رحمه الله ترجمة عامة، ثم ترجم لكل نوع، فترجم بصاع الشعير، ثم ترجم بصاع الطعام، ثم ترجم بصاع التمر، وستأتي الترجمة بصاع الزبيب.

1507 قوله: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ » ، يعني: عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

قوله: «فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» ، يعني: جعل الناس ما يعادله، وعدله يعني: نظيره، والمراد بالناس معاوية لما تولى الخلافة واجتهد أخرج نصف صاع من حنطة مقابل صاع من غيرها، وذلك عند مجيئه إلى المدينة بعد خلافته بعد مقتل عثمان ، وقال: أرى أن الصاع من هذه الثمرة يعدل صاعين، وجعل يخرج نصف صاع، وأخذ بذلك بعض الفقهاء فقالوا: صاع من تمر أو صاع من شعير أو نصف صاع من بر، والصواب وجوب الصاع مطلقًا للنص؛ ولهذا جاء في الحديث أن أبا سعيد قال: «أما أنا فلا أزال أخرجه صاعًا كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت» [(773)]، وأخذ الناس بقول معاوية، والفقهاء الآن وغيرهم إذا ذكروا الكفارات قالوا: يجب عليه أن يخرج صاعًا من تمر أو أقط أو نصف صاع من بر، فجعلوا نصف الصاع يقابل الصاع.

والصواب: وجوب الصاع مطلقًا للنص، والصاع ثابت ومنصوص عليه، فلا يعدل عنه بالاجتهاد.

المتن:

باب صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ

1508 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ الْعَدَنِيَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: حدثني عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ قَالَ: أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ.

الشرح:

قوله: «بَابُ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ» هذه ترجمة خاصة، يعني: تكون صدقة الفطر صاعًا من زبيب.

1508 قوله: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» ، فيه: دليل على أنه لا يجوز إخراج القيمة خلافًا للأحناف[(774)].

قوله: «فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ» أي: جاء إلى المدينة بعد أن أصبح خليفة للمسلمين.

قوله: «وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ» أي: جاءت الحنطة من الشام، «قَالَ:» أي: معاوية: « أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ» يعني: أظن أن المد من السمراء يعدل مدين من التمر أو الشعير أو الزبيب، ونصف الصاع يعدل الصاع، فأخذ الناس بقول معاوية، لكن أبا سعيد لم يأخذ بقول معاوية، واستمر يخرج صاعًا.

المتن:

باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ

1509 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ.

1510 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَْقِطُ وَالتَّمْرُ.

الشرح:

قوله: «بَابُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ» أي: قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وبعد صلاة الفجر.

1509 قوله: «أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة» ، فيه: أن وقت إخراج زكاة الفطر في يوم العيد قبل خروج الناس إلى الصلاة، وهذا وقت فضيلة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين في يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين، والثلاثين من رمضان؛ لأن الشهر يتم وينقص، فإن أخرها إلى ما بعد صلاة العيد أثم، وأخرجها قضاء.

1510 قوله: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» ، فيه: أنه لا يجوز إخراج القيمة نقودًا في زكاة الفطر، فإن أخرجها نقودًا فلا تجزئ وعليه الإعادة؛ لأن مصلحة الفقير ـ مطلقًا ـ في دفعها طعامًا؛ ولو كانت مصلحة الفقراء في دفعها لهم نقدًا لأمر النبي ﷺ بإخراجها نقدًا، والصحابة كانوا يقدرون على ذلك، ولكن النبي ﷺ فرضها صاعًا من طعام، وقال: أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم [(775)]، وإذا جاء النص فلا رأي مع النص.

قوله: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَْقِطُ وَالتَّمْرُ» ، يعني: في عهد النبوة، وإذا لم يوجد في البلد هذه الأصناف يخرج من غيرها، وإذا أخرجنا الأرز الآن، فهو من أفضل الطعام.

المتن:

باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ وَيُزَكَّى فِي الْفِطْرِ».

1511 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ النَّبِيُّ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَوْ قَالَ رَمَضَانَ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُعْطِي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.

الشرح:

قوله: «يُعْطُونَ» ، يعني: يُخرِجون.

قوله: «بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ» سبق أن صدقة الفطر على الذكر والأنثى، والحر والعبد، وكرره المؤلف رحمه الله تخصيصًا بعد التعميم.

قوله: «وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ» أي: يزكي المالك زكاة التجارة، فإذا كان عنده عبيد وأعدهم للتجارة، ومضى عليهم سنة قومهم وأخرج الزكاة عن قيمتهم ربع العشر.

وقوله: «وَيُزَكَّى فِي الْفِطْرِ» أي: عن البدن، فإذا جاء رمضان وعنده عبيد أعدهم للتجارة فإنه يخرج عن كل واحد منهم صاعًا من طعام.

فيُجمع في العبيد المملوكين للتجارة بين الزكاتين، فإذا صار عنده عشرة عبيد وأعدهم للتجارة من شعبان إلى شعبان فإذا جاء رمضان يخرج عنهم زكاة الفطر صاعًا من طعام عن كل واحد، وإذا جاء شعبان من السنة الثانية يزكي زكاة التجارة بعد أن يقومهم.

وكلام الزهري هذا كلام صحيح.

1511 قوله: «فَرَضَ النَّبِيُّ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَوْ قَالَ رَمَضَانَ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» ، هذا في زمن معاوية وباجتهاده عدل الناس بصاع التمر أو الشعير نصف صاع من بر.

قوله: «فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُعْطِي التَّمْرَ» يعني: فقدوا التمر.

قوله: «فَأَعْطَى شَعِيرًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ» هذا كلام نافع ـ وهو مولى لابن عمر ـ يقول: حتى إن ابن عمر يعطي عن أولادي، وإخراج ابن عمر عن أبناء نافع إن كانوا أرقاء فلا إشكال، وإن كان بعد العتق فإنه يكون بعد إذنهم وإعلامهم.

قوله: «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُعْطِيهَا» ، يعني: مجهولي الحال؛ لأن الناس ثلاثة أقسام:

الأول: من علم أنه فقير، فيعطى من الزكاة.

الثاني: من جُهل حاله، فيعطى من الزكاة إذا قبلها.

الثالث: من علم أنه غير محتاج، فلا يعطى.

المتن:

باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ

1512 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: حدثني نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ.

الشرح:

قوله: «بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» سبق في التراجم السابقة أن صدقة الفطر تكون على الصغير والكبير، وعلى الذكر والأنثى، وعلى الحر والمملوك؛ لكن المؤلف رحمه الله أعاد ذكرها هنا تخصيصًا بعد التعميم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد