شعار الموقع

شرح كتاب الحج من صحيح البخاري (25-3) من باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ - إلى بَابُ التَّمَتُّعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ

00:00
00:00
تحميل
114

المتن:

باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ

أَهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلاَلَ كُلُّهُ مِنْ الظُّهُورِ، وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ خَرَجَ مِنْ السَّحَابِ.

وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَهُوَ مِنْ اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ.

1556 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ ﷺ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.

الشرح:

هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان كيفية إهلال الحائض والنفساء؛ والإهلال هو التلبية، ومعناه رفع الصوت بالتلبية، وتكلم المؤلف رحمه الله على مادة أهل وقال: إن المادة تدور على رفع الصوت، يقال: فلان أهل بهذا الشيء يعني تكلم ورفع صوته به.

قوله: «وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلاَلَ» يعني: رفعنا صوتنا بالإخبار به، وقلنا: طلع الهلال.

وقوله: «وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ خَرَجَ مِنْ السَّحَابِ» أي: إذا سمع صوت خريره خارجًا من السحاب.

قوله: « وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المَائدة: 3]» هو رفع الصوت بالذبح لغير الله كالذي يذبح باسم المسيح فيرفع صوته ويقول: باسم المسيح.

وقوله: «اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ» يعني: إذا خرج من بطن أمه صاح ورفع صوته بالبكاء.

والحائض والنفساء كغيرهما تغتسلان وتهلان، فكل منهما يشرع لها الاغتسال والتنظف قبل الإهلال؛ لأن أسماء بنت عميس رضي الله عنها امرأة أبي بكر لما ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة ذكر ذلك أبو بكر لرسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ: «مرها فلتغتسل ثم لتهل» [(49)] فالغسل مشروع لكل من أراد أن يحرم حتى الحائض والنفساء، لكن الحائض والنفساء إذا طهرتا تغتسل كل منهما من الحيض والنفاس، وإنما هذا الغسل يستحب للإحرام.

1556 قوله: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ» . هذا مختصر؛ فالصحابة خيرهم النبي ﷺ عند الميقات بذي الحليفة، قال: من أراد أن يهل منكم بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل [(50)] فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بعمرة وحج، وأهل النبي ﷺ بالعمرة والحج معًا؛ لأنه ساق معه الهدي من المدينة فصار قارنًا، وأما من لم يكن معهم هدي فإن النبي ﷺ أمرهم بأن يفسخوا نيتهم بالحج أو بالحج والعمرة ويجعلوها عمرة ليكونوا متمتعين؛ فالنبي ﷺ قال لهم: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً [(51)] ثم لما طافوا بين الصفا والمروة ألزمهم أن يتحللوا إلا من ساق الهدي فلا يتحلل؛ وذلك لإزالة اعتقاد أهل الجاهلية فكانوا يعتقدون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.

قوله: «فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وعائشة رضي الله عنها أهلت بعمرة لكن لما قربت من مكة حاضت، واستمر عليها الدم حتى جاء الحج، وفي رواية أخرى أن النبي ﷺ دخل عليها وهي تبكي قال: مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ [(52)] فسمى الحيض نفاسًا.

قوله: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ؛ لأن الرأس فيه ضفائر فتنقضه ـ أي: تحله ـ ثم تغسله بالماء ثم تمشطه بأصابعها لا بالمشط، ويسمى هذا امتشاطًا؛ لأن المشط يسقط الشعر، وهي لا تزال على إحرامها؛ فأمرها أن تغتسل للحج وهي متلبسة بالإحرام حتى تهل بالحج.

قوله: وَدَعِي الْعُمْرَةَ يعني دعي أعمالها، وإلا فإنها أدخلت الحج على العمرة، ولأن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا والروايات يفسر بعضها بعضًا، ولأن النبي ﷺ قال في حديث آخر: طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ [(53)] فدل على أنها رضي الله عنها قارنة، وأنها حصلت على حج وعمرة لما أمرها النبي ﷺ أن تترك أعمال العمرة وتحرم بالحج.

قوله: «فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ ﷺ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ» . عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أخو عائشة رضي الله عنها، والتنعيم هو أقرب الأمكنة إلى الحرم، وجاء في الحديث الآخر أنها هي التي طلبت من النبي ﷺ ولم تطب نفسها، قالت: يا رسول الله أترجع صواحبي بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة؟![(54)] تريد رضي الله عنها عمرة مستقلة؛ فأمر أخاها عبدالرحمن أن يعمرها من التنعيم، ودل هذا على أن من أراد العمرة من أهل مكة لابد من خروجه إلى الحل، وليس له أن يحرم من الحرم، ولو أحرم من عرفة أو من الجعرانة أو من الشميسي أو من أي مكان خارج الحرم فإنه يحصل المقصود، وصار هذا الحديث مخصصًا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ [(55)]. فهذا للحج، أما العمرة فإنه لابد أن يخرج خارج حدود الحرم.

قوله: فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ يعني: هذه عمرة مستقلة مكان العمرة التي أدخلت عليها الحج.

قوله: «فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا» يعني: الذين أهلوا بالعمرة وحدها طافوا بالبيت سبعة أشواط، وطافوا بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم حلوا وانتهوا من العمرة، ثم أحرموا بالحج في اليوم الثامن مرة ثانية.

وقوله: «ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى» والمراد بالطواف هنا الطواف بين الصفا والمروة لا بالبيت؛ لأن الطواف بالبيت بعد الوقوف بعرفة وهو طواف الإفاضة واجب على الجميع؛ كُلٌّ يطوف بالبيت: المفردون، والقارنون، والمتمتعون؛ لكن هذا الطواف بين الصفا والمروة خاص بالمتمتعين الذين أحلوا من عمرتهم ثم أحرموا بالحج مرة ثانية.

قوله: «وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ، يعني بين الصفا والمروة، فالذين جمعوا بين الحج والعمرة ـ وهم القارنون ـ طافوا طوافًا واحدًا بين الصفا والمروة عند القدوم، ويدل على ذلك قوله ﷺ لعائشة رضي الله عنها: طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك [(56)]

وأما الذين طافوا بالعمرة ثم أحرموا بالحج طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم؛ فدل ذلك على أن المتمتع عليه طوافان بين الصفا والمروة ـ أي عليه سعيان ـ وأما القارن والمفرد فليس عليهما إلا طواف واحد بين الصفا والمروة، أي سعي واحد؛ وقد أخذ بهذا جمهور العلماء؛ وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(58)] إلى أن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد بين الصفا والمروة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله[(59)]، والصواب: ما ذهب إليه الجمهور كما في حديث عائشة رضي الله عنها.

وفيه: رد على أبي حنيفة رحمه الله الذي يرى أن القارن عليه سعيان وطوافان[(57)].

وفسخ الحج إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي فيه خلاف بين أهل العلم؛ هل يجوز أو لا يجوز؟ جمهور العلماء على أنه مستحب؛ لأن النبي ﷺ أمر الصحابة ي أن يفسخوا نية إحرامهم بالحج أو بالحج والعمرة فيجعلوها عمرة ليكونوا متمتعين.

وهل هذا مستحب استحبابًا مطلقًا أم خاص بالصحابة ؟

خ الجواب: ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الوجوب خاص بالصحابة[(60)]؛ لإزالة اعتقاد أهل الجاهلية والاستحباب عام.

والقول الثاني: أن فسخ الحج إلى عمرة لمن ليس معه هدي واجب على كل أحد؛ ذهب إلى هذا ابن عباس رضي الله عنهما وقال: إن من طاف وسعى فقد حل شاء أم أبى، واختار هذا ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» بأنه يجب على الإنسان أن يتمتع إذا لم يكن معه هدي[(61)]، واختاره من المتأخرين الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله.

أما جمهور العلماء فيرون أنه ليس بواجب، إنما هو مستحب، من شاء أن يتمتع فهو أفضل، ومن شاء أن يفرد فله ذلك، ومن شاء أن يقرن فله ذلك، يخير بين الأنساك الثلاثة كما خير النبي ﷺ الصحابة عند الميقات، فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بالحج، ومنهم من أهل بالحج والعمرة؛ وعلى القول بالوجوب يكون إذا لم يفعل يأثم وحجه صحيح.

واستُشْكِل أمر النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها بنقض الرأس والامتشاط، كيف أنها أحرمت بالعمرة ثم تنقض رأسها وتمتشط وتغتسل وهي لا زالت محرمة؟! فقال أبو حنيفة رحمه الله وجماعة: إنها تركت العمرة وأهلت بالحج[(62)].

والقول الثاني ـ وهو قول الجمهور ـ أنها أمرت بإدخال الحج على العمرة وأن العمرة باقية، وهذا هو الصواب؛ لقوله ﷺ: طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك [(63)]، والنقض لأجل الغسل حتى تهل بالحج، والمراد أن تنقض بأصابعها الشعر المضفور ثم تغسله ثم تفتله مرة أخرى بأصابعها بدون مشط، والامتشاط يكون بالماء وبغيره، ومعناه تسريح الشعر بأصابعها، وهذا قول الجمهور، وهو الصواب.

أما مشط الشعر فلا يجوز للمحرم ولا للمضحي؛ لأنه يقطع الشعر، أما لو سقط شعرٌ ميتٌ فلا يضر؛ لأنه غير متعمد.

المتن:

باب مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ ﷺ

قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

1557 حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ : أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ.

1558 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلاَّلُ الْهُذَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَْصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ.

وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ.

1559 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لاَ فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي فَقَدِمَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ اللَّهُ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الإحرام المبهم؛ إذا قال: أهللت أو لبيك إحرامًا ولم يعين شيئًا لا حج ولا عمرة هل يصح؟ وهذا له صورتان:

الأولى: أن يهل بإهلال مبهم ولم يعين ثم يصرفه لما شاء للحج أو للعمرة فهذا يصح إحرامه.

الثانية: أن يُعَيّنه فيقول: أهللت بإهلال زيد ـ وهذا إذا كان يمكن معرفته ـ فينظر: إن كان زيد أهل بعمرة فيكون إهلاله كإهلال زيد: وإن كان أهل زيد بالحج يكون أهل بالحج، وإن كان زيد أهل بالحج والعمرة يكون مثله، وهذا أيضًا فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه، ومنهم من قال: هذا خاص بزمن النبي ﷺ، وذلك بأن يقول الشخص: أهلت بإهلال كإهلال النبي ﷺ فإن عليًّا جاء من اليمن وقال: أهللت بإهلال كإهلال النبي ﷺ وما يدري ماذا أهل به النبي ﷺ، وكذلك أبو موسى الأشعري جاء من اليمن وقال: أهللت بإهلال كإهلال النبي ﷺ، وأقرهما النبي ﷺ.

أما علي فجاء بِبُدْن من اليمن فبقي على إحرامه فصار قارنًا؛ لأنه أهل بإهلال كإهلال النبي ﷺ والنبي ﷺ، كان قارنًا؛ لأنه ساق الهدي.

أما أبو موسى فإنه قدم من اليمن ولم يكن معه هدي، فطاف بالبيت وسعى وتحلل وجعلها عمرة.

وكذلك من قال في هذا الزمن أنا أهل بإهلال كإهلال النبي ﷺ نقول له: إن كان معك هدي فأنت قارن، وإن لم يكن معك هدي فإنك تحل بعمرة، هذا هو الذي أمر به النبي ﷺ.

أما إذا قال أهللت بإهلال فلان ولا يمكن معرفة ما أهل به هذا الشخص فلا يجوز.

وإذا أهل بإهلال مطلق مبهم غير معين صح، ويصرفه لما شاء بعد ذلك.

1557 قوله: «أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ» ؛ لأنه ساق الهدي.

وقوله: «وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ» يعني: أن التمتع باق إلى يوم القيامة، وقد سأل سراقة : يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: للأبد [(64)].

1558 قوله: لَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ فيه: دليل على أفضلية التمتع بالعمرة.

قوله: فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ فبقي على إحرامه؛ لكونه ساق الهدي.

1559 فيه: دليل على أن من أهل بإهلال كإهلال النبي ﷺ ـ حتى في عصرنا هذا ـ إن كان معه هدي بقي على إحرامه كما أمر النبي ﷺ بذلك عليًّا ، ومن لم يكن معه هدي تحلل بعمرة كما أمر به النبي ﷺ أبا موسى الأشعري .

قوله: «فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي» هذا محمول على أنها من محارمه، بينه وبين هذه المرأة محرمية من رضاع أو مصاهرة.

قوله: «إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ اللَّهُ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ [البَقَرَة: 196]؛ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» ؛ أي: إذا قرأنا القرآن فإنه يأمر بأن من أحرم بالحج عليه أن يتمه، ولا يفسخ الحج إلى العمرة؛ ويدل هذا على أن عمر يرى الإفراد، وكان بذلك يفتي، كما كان يفتي بذلك أيضًا الصديق وعثمان ؛ فالخلفاء الثلاثة كلهم كانوا يفتون بهذا، وهذا من آيات الله أن أبا بكر وعمر وعثمان ـ وهم أفضل الأمة ـ يفتون بالإفراد مع وضوح السنة في الأمر بالتمتع، وفي هذا أن الرجل وإن كان عالمًا كبيرًا قد يخطئ.

وفيه: أن الحق لا يُعرف بالرجال وإنما يُعرف الرجال بالحق، وفي هذا أن السنة حاكمة على كل حال، وحاكمة على كل أحد صغيرًا كان أو كبيرًا، وأن السنة لا تترك لقول أحد من الناس، ولهذا أفتى عليّ بالتمتع، وَفَعَله بنفسه، وخالف عثمان لما اختلف هو وإياه، وقال: لم أكن لأدع سنة رسول الله ﷺ لقول أحد من الناس، كما سيأتي؛ وكذلك أبو موسى الأشعري يفتي بالتمتع، وكذلك سعد بن أبي وقاص ، ولما قال بعض الناس لابن عباس رضي الله عنهما: أنت يا ابن عباس تفتي بالتمتع وأبو بكر وعمر يفتيان بالإفراد! اشتد ابن عباس رضي الله عنهما على خصمه وقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! أقول: قال رسول الله ﷺ وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! كيف تخالف السنة لقول أبي بكر وعمر؟! فإذا كان الذي يخالف السنة لقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما من هما، يخشى أن تنزل عليه حجارة من السماء، فكيف بالذي يخالف السنة لقول فلان من الناس؟!

فالخلفاء الثلاثة لهم اجتهادهم؛ ولهم أجر على اجتهادهم فقالوا إن الرسول ﷺ أمر الناس بالمتعة حتى يزول اعتقاد أهل الجاهلية، أما الآن فقد زال اعتقاد أهل الجاهلية؛ فاجتهدوا وأفتوا الناس بالإفراد حتى تكون العمرة لها وقت آخر في سفرة أخرى ليكثر العمار والزوار، ولكن السنة أن التمتع هو أفضل بخلاف ما أفتى به الأئمة الخلفاء الثلاثة .

المتن:

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ

وَقَوْلِهِ: ُيَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لاَ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ.

1560 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ ابْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلاَ، قَالَتْ: فَالآْخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَِصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي، قَالَ: فَلاَ يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا؛ قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآْخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.

ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ: ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الإحرام بالحج قبل أشهره، وكذلك الإحرام قبل الوصول إلى الميقات، هل يجوز أو لا يجوز؟

والمواقيت في وقت الحج نوعان: مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية.

فالمواقيت الزمانية للحج ثلاثة أشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة؛ واختلف العلماء هل هي ثلاثة أشهر بكمالها كما ذهب إلى ذلك الإمام مالك رحمه الله[(65)]؟ أم أنها شهران وثلث: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة؟

واختلفوا هل يجوز للإنسان أن يحرم قبلها كما لو أحرم في رمضان؟

ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج، فلو أحرم بالحج في رمضان لم يصح؛ لأنه أحرم بالحج قبل ميقاته الزماني، كما لو صلى قبل دخول الوقت، واستدلوا بقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البَقَرَة: 197] الأشهر معلومات: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ـ وفيه أن الجمع يطلق على الاثنين وبعض الثالث ـ وهذه التي يحرم فيها بالحج، فإذا أحرم قبل الأشهر المعلومات فلا يصح، ودل على أنه لا يجوز فرض الحج في غير أشهر الحج، وكذلك قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البَقَرَة: 189] إذن الحج له مواقيت محددة، فمن أحرم به قبل زمانه فلا يصح؛ وقال آخرون من أهل العلم: يصح مع الكراهة، وقال آخرون: إنه إذا أحرم بالحج في رمضان انقلب عمرة.

والقول بالمنع منه وعدم صحته قول وجيه، وكذلك القول بأنه ينصرف عمرة؛ أما القول بأنه يصح مع الكراهة فليس بوجيه لأن الله حدد أشهر الحج؛ فإما أن يقال: لا يصح، وإما أن يقال: إنه ينقلب عمرة.

ولا إحرام في الحج بعد اليوم العاشر؛ لأن الإحرام لا يجوز ولا ينعقد بعد ذهاب ليلة النحر بإجماع العلماء.

واختلفوا في الإحرام قبل الوصول إلى الميقات؛ فإذا أحرم قبل الوصول إلى ذي الحليفة مثلا، أو قبل الوصول إلى قرن المنازل، أو قبل الوصول إلى يلملم، فمن العلماء من قال: إنه لا يصح؛ لأن هذا فيه مجاوزة للحد، ومنهم من قال: يصح مع الكراهة، وهذه الكراهة تكون للتنزيه، فيكره أن يحرم قبل الميقات؛ لأن هذا مجاوزة لما حده الله ورسوله، ومخالفة لسنة رسوله ﷺ، فالنبي ﷺ لم يحرم قبل الميقات، لكن لو أحرم فإحرامه صحيح مع الكراهة.

قوله: «وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ» المناسبة أن ما بين خراسان أو كرمان وما بين مكة أكثر من مسافة أشهر الحج، وقد كره عثمان ذلك، وظاهره أنها كراهة تنزيه.

1560 قوله: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ» . يعني: أن خروجهم كان في آخر ذي القعدة.

وقوله: «وَحُرُمِ الْحَجِّ» يعني الأوقات التي يتلبس الإنسان فيها بحرمات الحج.

قوله: «فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ» مكان قريب من مكة.

قوله: «فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلاَ. وكان ﷺ في ذي الحليفة قد خير الناس بين الأنساك الثلاثة؛ فمنهم من أحرم بالعمرة، ومنهم من أحرم بالحج مفردًا، ومنهم من أحرم بالحج والعمرة معًا؛ فلما قرب من مكة ونزل بسرف جعلهم بين أمرين: من كان معه الهدي فإنه يبقي على إحرامه ولا يتحلل، ومن لم يكن معه هدي فعليه أن يتحلل ويهل بعمرة.

قوله: «فَالآْخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ» ؛ لأن الأمر هنا للاستحباب، فمنهم من أخذ بذلك، فجعل حجه عمرة، ومنهم من استمر على حجه هذا لما قرب من مكة، ولما وصلوا إلى مكة وطافوا وسعوا ألزمهم وحَتّم عليهم أن يتحللوا كلهم إلا من ساق الهدي؛ فصار الناس بين أمرين: من لم يسق الهدي أُلزِم بالتحلل، ومن ساق الهدي بقي على إحرامه؛ ولهذا ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى وجوب التمتع فقال: من طاف بالبيت وسعى حل شاء أم أبى، وليس له اختيار في هذا. وهو قول طائفة من السلف والخلف أن التمتع يجب على كل أحد، واختار هذا ابن القيم رحمه الله[(66)] والشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله.

أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: إن هذا الإيجاب خاص بالصحابة ؛ لإزالة اعتقاد أهل الجاهلية، وما عدا الصحابة يكون مستحبًّا له[(67)].

ويقول ابن القيم رحمه الله: «أنا أميل إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما أكثر من ميلي إلى قول شيخنا» [(68)].

فيكون فسخ الحج إلى عمرة فيه أقوال لأهل العلم:

القول الأول: أنه واجب، وهذا اختيار ابن عباس وابن القيم، وهو قول طائفة من السلف والخلف.

القول الثاني: أنه مستحب، وهذا قول جماهير العلماء.

القول الثالث: قول بالمنع، ذهب إلى هذا بعض العلماء.

والصواب: أنه مستحب لكل أحد.

قوله: «فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ» أهل قوة يعني: القوة المالية، ولهذا ساقوا الهدي فلم يقدروا أن يتحللوا بعمرة؛ لأنهم ساقوا الهدي، ومن ساق الهدي فلا يمكنه التحلل وذبح هديه.

قوله: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ؟ يناديها بهنتاه، وهو لفظ عام يُنادى به كل امرأة، وهو بفتح النون ويجوز الإسكان والفتح أفصح.

قوله: «قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَِصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي» » هذا من حسن أدبها رضي الله عنها فما قالت: إني حائض وكَنَّت بقولها: لا أصلي، يعني: أنها ممنوعة من الصلاة لحيضها، وهي رضي الله عنها تبكي حيث فاتها التحلل من العمرة، فما قدرت أن تطوف ولا أن تسعى حتى جاء الحج وهي رضي الله عنها على حالها.

قوله: فَلاَ يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ يعني: لا يضرك؛ لأن هذا ليس باختيارك، ولا ينقص من أجرك.

قوله: فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا أمرها ﷺ أن تحرم بالحج مع العمرة فأحرمت بالحج مع العمرة، وصارت قارنة، ثم أحرمت بعمرة مستقلة، فكتب الله لها عمرتين: عمرة قبل الحج، وعمرة بعد الحج.

قوله: «فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ» استمر عليها الدم وما طهرت إلا لما بدأ الحج.

قوله: «ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ» ؛ يعني: طافت رضي الله عنها طواف الإفاضة.

قوله: «ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآْخِرِ» الحاج له نفران:

النفر الأول: يوم الثاني عشر: يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، ثم يطوف ويسعى، ثم يطوف للوداع ويذهب، بشرط أن يخرج من منى قبل غروب الشمس.

النفر الثاني : اليوم الثالث عشر، والنبي ﷺ لم يتعجل وإنما رمى في اليوم الثاني عشر وفي اليوم الثالث عشر.

قوله: «الْمُحَصَّبَ» هو الوادي الذي فيه الحصبة، وهو خيف بني كنانة، وهو الأبطح ـ وهو الآن العزيزية ـ وكان الحجاج يضربون خيامهم في هذا الوادي.

قوله: «وَنَزَلْنَا مَعَهُ فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ. وجاء في الحديث الآخر أنها قالت: يا رسول الله ترجعون بحجة وعمرة وأرجع بحجة؟! فأمر أخاها فخرج بها فاعتمرت[(69)]، وهذا دليل على أن من أراد العمرة من أهل مكة لابد أن يخرج من الحرم ـ والنصوص يفسر بعضها بعضًا ـ فيخرج من الحرم إلى الحل ثم يحرم، سواء أحرم من التنعيم أو من عرفة أو من الجعرانة أو من أي مكان خارج الحرم، لكن أقرب الأمكنة إلى الحرم التنعيم.

قوله: ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ» . يعني: أنتظركماحتى تأتيان، فخرجا في الليل، واعتمرت ثم رجعت في السحر.

قوله: «فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.» . فارتحل ﷺ في آخر الليل حتى جاء البيت وطاف طواف الوداع قبيل الفجر؛ وطافت أم سلمة رضي الله عنها من وراء الناس؛ ثم أذن الفجر فصلى ﷺ بالناس في المسجد الحرام صلاة الصبح بعد طواف الوداع من صبح اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، وقرأ بسورة الطور. قالت: فما سمعوا صوتًا أحسن منه ﷺ، ثم ذهب ﷺ قافلاً، وجاء راجعًا إلى المدينة.

المتن:

باب التَّمَتُّعِ وَالإِْقْرَانِ وَالإِْفْرَادِ بِالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ

1561 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ: صَفِيَّةُ مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَهُمْ قَالَ: عَقْرَى حَلْقَى أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: لاَ بَأْسَ انْفِرِي قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان الأنساك الثلاثة، وهي التي يخير فيها من أراد الإحرام في أشهر الحج، وهي التمتع والقران والإفراد.

قوله: «التَّمَتُّعِ» أن يحرم بالعمرة ثم يفرغ منها ثم يحرم بالحج من عامه.

وقوله: «وَالإِْقْرَانِ» أن يحرم بهما جميعًا بالعمرة والحج معًا.

وقوله: «وَالإِْفْرَادِ» أن يحرم بالحج وحده.

وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي إلى العمرة للعلماء فيه أقوال:

القول الأول: أن الوجوب خاص بالصحابة دون غيرهم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(70)].

القول الثاني: أنه سنة وليس خاصًّا بالصحابة.

القول الثالث: قول ابن عباس رضي الله عنهما وذهب إليه ابن القيم رحمه الله[(71)]، واختاره الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله. أنه يجب فسخ الحج إلى العمرة وهو قول بعض السلف.

القول الرابع: أن فسخ الحج إلى عمرة لا يجوز، وهذا أضعفها.

1561 كرر حديث عائشة رضي الله عنها لما فيه من الفوائد ففيه زيادات ليست في الطرق الأخرى.

قوله: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ» يعني: لا نظن إلا أنه الحج؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يرون أنه ليس هناك عمرة في أشهر الحج: شوال وذي القعدة وذي الحجة، وحتى في المحرم، والعمرة تكون في بقية السنة.

قوله: «فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ» يعني: وسعينا بين الصفا والمروة.

قوله: «فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ» . لما أمر النبي ﷺ الصحابة بالتحلل كبر عليهم ذلك وشق، فقالوا: لبينا بالحج كيف نتحلل بالعمرة؟! فقال ﷺ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ فلما طافوا وسعوا وتحللوا حلاً كاملاً من لبس الثياب والتطيب وجماع الزوجة استعظموا ذلك، قالوا: يا رسول الله، أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيًّا! قال: نعم [(74)] يعني: يجامع النساء، ثم يغتسل، ثم يحرم بالحج وهو في أشهر الحج! استنكروا هذا؛ لأن هذا لم يكن معروفًا في الجاهلية، فبين لهم النبي ﷺ أن هذا مشروع، وأن هذا هو الأفضل، وأن هذا حِلّ كامل.

قوله: «وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ» فيه: أن نساء النبي ﷺ أحللن إلا عائشة حاضت فما استطاعت.

قوله: «لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ» أي: ليلة الرابع عشر، سميت بالحصبة؛ لأن النبي ﷺ نزل بالأبطح في الوادي الذي فيه الحصبة.

قوله: «يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟» تعني أنها تريد عمرة مستقلة مثل ما حصل لزوجات النبي ﷺ؛ فلما رأى ﷺ ذلك أمر أخاها عبدالرحمن أن يعمرها عمرة ثانية.

قوله: «مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَهُمْ» أي : ما أظنني إلا حابستهم؛ لأن صفية رضي الله عنها طافت طواف الإفاضة ثم حاضت، وبقي عليها طواف الوداع، فظنت أنها تحبس الناس، وأنهم لابد أن ينتظروا حتى تطوف طواف الوداع.

قوله: عَقْرَى حَلْقَى يعني عقرك الله، حلق الله شعرك، وهي كلمات تجري على اللسان من غير قصد معناها وليس المراد منها الدعاء، والمراد منها بيان الشيء أو الحث على الشيء.

قوله: أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: لاَ بَأْسَ انْفِرِي يعني: طواف الإفاضة، وهذا فيه: دليل على أن الحائض يسقط عنها طواف الوداع.

قوله: «فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا» والصواب: الأخير أنها هي مصعدة رضي الله عنها والنبي ﷺ منهبط منها.

وفيه: أن الإتيان بعمرتين في سفرة واحدة لا بأس به عند الجمهور والمذاهب الأربعة، لكن إذا كان هناك زحام مثل ما يكون بعد الحج فتكرار العمرة كل يوم لا ينبغي، فلا ينبغي الإيذاء والزحام.

أما شيخ الإسلام رحمه الله فيرى أن هذا غير مشروع بدليل أن الرسول ﷺ والصحابة ما فعلوا إلا عمرة واحدة، وأن هذا خاص بمن كانت حالته مثل حالة عائشة رضي الله عنها[(75)].

المتن:

1562 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الأَْسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ.

الشرح:

1562 قوله: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» . هذه وجوه الإحرام الثلاثة: الإحرام بالعمرة متمتعًا إلى الحج، والإحرام بالحج والعمرة قارنًا، والإحرام بالحج مفردًا، والنبي ﷺ خَيّر الناس عند الميقات بذي الحليفة عند الإحرام، ثم لما قربوا من مكة أمرهم بأن يتحللوا إلا من ساق الهدي على سبيل الاختيار أيضًا، ثم لما سعوا ألزمهم بالتحلل إلا من ساق الهدي.

وقوله: «وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ» . هذا محمول على أن عائشة رضي الله عنها خفي عليها إهلال النبي ﷺ بالعمرة مع الحج، وأنه أهل بهما جميعًا كما خفي على جابر ، وقد ثبت عن سبعة عشر صحابيًّا أن النبي ﷺ أهل بالعمرة والحج جميعًا كما قال الإمام أحمد رحمه الله: لا أشك أن النبي ﷺ حج قارنًا، والمتعة أحب إليه؛ لأنه أمر بها أصحابه[(76)].

المتن:

1563 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ قَالَ: مَا كُنْتُ لأَِدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ لِقَوْلِ أَحَدٍ.

الشرح:

1563 فيه: أن مروان بن الحكم شهد اختلاف عثمان وعلي رضي الله عنهما، وكان عثمان «يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا» ، ويأمر الناس بالإفراد، وكان يرى رأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في النهي عن المتعة، فيقول: لا تتمتعوا وأفردوا بالحج، ومن أراد أن يعتمر فليعتمر في سفرة أخرى ليكثر الزوار للبيت، ويرى الخلفاء الثلاثة أن النبي ﷺ أمر بفسخ الحج لعمرة لسبب، وهو رد اعتقاد أهل الجاهلية بأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، قالوا: وقد زال هذا السبب.

وأما علي وابن عباس وأبو موسى الأشعري فيرون أن السنة ما أمر به النبي ﷺ، ولما رأى علي أن عثمان لا يوافقه أهل بهما جميعًا قال: «لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ قَالَ: مَا كُنْتُ لأَِدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ لِقَوْلِ أَحَدٍ» . فيه: دليل على أن الحق والصواب قد يخفى على بعض كبار أهل العلم، وأن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف بالدليل.

وفيه: أن السنة حاكمة على كل أحد صغيرًا كان أم كبيرًا، ولهذا اشتد ابن عباس رضي الله عنهما على من عارضه بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد أفتى بمتعة علي ؛ وقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله ﷺ وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وهما رضي الله عنهما يأمران بالإفراد على سبيل الاستحباب، وينهيان عن المتعة لا على سبيل التحريم بل على خلاف ذلك.

المتن:

1564 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَْرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ وَعَفَا الأَْثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ.

الشرح:

1564 كان الناس في الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويقولون: إن أشهر الحج ـ شوال وذو القعدة وذو الحجة حتى المحرم ـ ليس فيها عمرة، وإنها خاصة بالحج.

قوله: «وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا» يعني: يؤخرون المحرم إلى صفر، وهذا إذا أرادوا أن يقاتلوا، قالوا: نزحلق المحرم إلى صفر ونقدم صفرًا؛ فيقاتلون في شهر المحرم ويسمونه صفرًا؛ لأن المحرم لا يجوز فيه القتال فهو من الأشهر الحرم، وهذا يسمى النسيء، قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التّوبَة: 37] فهذا هو النسيء الذي عابه الله عليهم، وهو زيادة في الكفر.

قوله: «إِذَا بَرَا الدَّبَرْ» يعني: الجروح التي تكون في ظهر البعير بسبب حمل الأثقال؛ لأن الناس كانوا يحملون على الإبل الأمتعة والزاد لمدة طويلة ذهابًا وإيابًا في أشهر الحج فتجرح ظهورها؛ فإذا انتهوا من الحج صاروا يداوون الجروح بعد ذلك حتى تبرأ، ثم يتجهزون للعمرة، وما دامت الجروح باقية فليست هناك عمرة.

وقوله: «وَعَفَا الأَْثَرْ» أي: أثر الإبل، وانتهت آثار الحج.

وقوله: «وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ» أي: إذا أتى شهر ربيع صارت العمرة جائزة عندهم.

قوله: «قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ» ؛ لأنه ﷺ خرج يوم السبت في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ووصل مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة.

قوله: «فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ أي: قدموا مهلين بالحج فأمرهم النبي ﷺ أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم؛ لأنه مخالف لما كانوا يعتقدون بأنه لا عمرة في أشهر الحج فقالوا: يا رسول الله أي الحلين إذا طفنا وسعينا وقصرنا للعمرة؟ هل هو حل كامل أم حل ناقص؟ فأخبرهم بأنه حل كامل؛ وذلك لأن الحج له تحللان تحلل ناقص وتحلل كامل، أما التحلل الأول فعند رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر فيحل له كل شيء إلا النساء، والثاني إذا طاف وسعى حل له النساء؛ يعني أنه حل كامل كما كان قبل الإحرام يحل فيه النساء والطيب والمخيط وغيرها.

المتن:

1565 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ.

الشرح:

1565 قدم أبو موسى الأشعري من اليمن، وكان أميرًا على اليمن، فأمره النبي ﷺ بالحل؛ لأنه أحرم بإحرام النبي ﷺ، ولم يكن معه هدي.

المتن:

1566 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ.

وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ.

الشرح:

1566 في الحديث: سؤال حفصة رضي الله عنها للنبي ﷺ لماذا أمر الناس بالحل وهو لم يتحلل؛ فبين لها أن المانع من الإحلال هو سوق الهدي، وتلبيد الرأس تبع لسوق الهدي.

قوله: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي تلبيد الرأس أن يجعل على رأسه شيئًا يلبده به ـ بصمغ أو عسل أو خطمي ـ حتى لا يتشعث وينتشر؛ لأن مدة المكث على الإبل طويلة ـ ستة أيام إلى عشرة أيام ـ وكان النبي ﷺ لا يحلق رأسه إلا في حج أو عمرة، فكان له شعر كثيف فلبد رأسه.

قوله: وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ. بين لها المانع، وهو سوق الهدي، ومن ساق الهدي لا يتحلل.

المتن:

1567 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَأَمَرَنِي فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ.

الشرح:

1567 قوله: «نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ» والضُّبعي بضم الضاد نسبة إلى ضبيعة، وأما الضَّبعي بفتح الضاد فنسبة إلى ضباعة.

قوله: «تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ» فيه: أن أبا جمرة نصر بن عمران الضبعي تمتع ـ يعني أحرم بعمرة متمتعًا بها إلى الحج ـ فنهاه ناس قالوا: لا تمتع؛ أي ليس هو بمشروع.

وقوله: «فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَأَمَرَنِي» يعني: بالتمتع؛ أي: بأن يستمر على تمتعه.

وقوله: «فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ» . سُر ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الرؤيا لموافقة الحق.

وقوله: «فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ» أي: أراد أن يكافئه لما أخبره بهذه الرؤيا بأن يجعل له سهمًا من ماله، وكذلك من بشرك بالخير يشرع لك أن تعطيه مكافأة.

وفيه: أن الرؤيا الصالحة يستأنس بها ولا يعتمد عليها في الشرع؛ فاستأنس بها ابن عباس رضي الله عنهما وكبَّر، كما جاءت رواية أنه قال: «الله أكبر سنة أبي القاسم» [(77)] والرؤيا الصالحة كما في الحديث: جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ [(78)] وفي الحديث يقول النبي ﷺ: ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ المُبَشِّرَاتُ [(79)]. وفسر المبشرات في حديث آخر فقال: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ [(80)].

المتن:

1568 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآْنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلاً حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا.

الشرح:

1568 قوله: «قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ» يعني: مُهِلاّ بالعمرة متمتعًا إلى الحج.

وقوله: «فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآْنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً» هكذا الفتاوى التي لا أساس لها من الصحة، فهي بغير دليل.

وقوله: «فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ» . فيه: الرجوع إلى أهل العلم.

وقوله: «فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟» استنكروا على عادة أهل الجاهلية.

وقوله: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ يعني: أنه ﷺ ممنوع من التحلل؛ لأنه ساق الهدي، ومن ساق الهدي فهو ممنوع من التحلل حتى يذبح هديه.

وقوله: وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ يعني: لا أستطيع أن أتحلل حتى يبلغ الهدي محله، يعني بعد أن أذبح الهدي، وذلك يوم العيد.

المتن:

1569 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَْعْوَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ: عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا.

الشرح:

1569 قوله: «اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ» في هذه القصة اختلف عليّ وعثمان رضي الله عنهما في المتعة وهما بعسفان ـ وهو مكان قريب من مكة يقارب خمسة وأربعين ميلاً ـ فكان علي يرى المتعة وعثمان لا يراها.

وقوله: «فَقَالَ: عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» أي: كيف تنهى عن أمر فعله النبي ﷺ؟! فلما رأى علي أن عثمان مستمر على رأيه واجتهاده وأنه ينهى عن المتعة ولا يوافقه، أهلَّ بالعمرة والحج جميعًا؛ لفعل النبي ﷺ وأمر الصحابة به وليبين للناس سنة النبي ﷺ.

وفي هذا أن الحق والصواب: قد يخفى على كبار العلماء والفضلاء ويعرفه من هو دونهم، ففي هذه المسألة ـ مسألة المتعة ـ خفي الحق على أبي بكر وعمر وعثمان مع جلالة قدرهم وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، فكانوا ينهون عن المتعة ويأمرون بالإفراد، وعلم الحق في هذه المسألة من هو دونهم في العلم والفضل فكانوا يفتون بالمتعة موافقة للسنة، وهم علي وأبو موسى وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وجماعة .

المتن:

باب مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ

1570 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً.

الشرح:

1570 في الحديث: أنه يشرع للإنسان أن يذكر نسكه في تلبيته؛ فإذا أراد أن يلبي بالحج قال: لبيك حجًّا، وإذا أراد أن يلبي بالعمرة قال: لبيك عمرة، وإذا أراد أن يلبي بالحج والعمرة قال: لبيك عمرة وحجًّا، وهذا ليس تلفظًا بالنية بل هو إظهار لنسكه في التلبية، أما التلفظ بالنية فبدعة، وهو أن يقول مثلا: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي، وقال الفقهاء المتأخرون من الحنابلة[(81)] وغيرهم: يشرع التلفظ بالنية فيقول: اللهم إني نويت العمرة فيسرها لي، كما يشرع التلفظ بالنية في الصلاة فيقول: اللهم إني نويت أن أصلي العشاء أربع ركعات خلف هذا الإمام، وكذلك في الصيام: اللهم إني نويت أن أصوم هذا اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا قاله الكثير من المتأخرين من الفقهاء، قالوا: حتى يتواطأ القلب واللسان، ولكن هذا الاستحباب ليس عليه دليل بل هو بدعة، فالنية لا ينطق بها لا في الحج ولا في العمرة ولا في الطواف ـ مثل ما يقول بعض الناس: نويت أن أطوف سبعة أشواط ـ ولا في السعي كأن يقول: نويت أن أسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط سعي العمرة، قال تعالى: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحُجرَات: 16] فالله يعلم ما في القلوب، ولهذا قال بعض العلماء: لو عُمِّرْت ما عُمّر نوح وجعلت تبحث في السنة ما وجدت دليلا على التلفظ بالنية! ولذا قال المصنف رحمه الله «بَابُ مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ» .

قوله: «فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» يعني: الذين لم يسوقوا الهدي.

وليس من باب التلفظ بالنية أيضًا الدعاء عند ذبح الأضحية بقوله: اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبلها مني كما تقبلتها من إبراهيم خليلك ومن محمد ﷺ نبيك فهذا مشروع، وهو من باب الذكر.

المتن:

بَابُ التَّمَتُّعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ

1571 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.

الشرح:

1571 قوله: «تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» فيه: بيان أن التمتع كان في عهد النبي ﷺ وأمر به الصحابة ، وقال الله تعالى: فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البَقَرَة: 196].

قوله: «قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ» وهذا من باب التأدب مع ولاة الأمور، يشير إلى رأي عمر ، وهو أنه يرى عدم التمتع، ويرى إفراد الحج، وينهى عن المتعة، وأن من أراد المتعة فليأت بها في سفرة مستقلة ليكثر الزوار، هذا ما كان يراه عمر ، أما عمران بن حصين فكان يفتي بالمتعة كعلي وابن عباس وأبي موسى الأشعري وغيرهم، ولما قيل لأبي موسى : إن أمير المؤمنين عمر يفتي بخلاف قولك، قال: يا أيها الناس اتئدوا ـ يعني: انتظروا ـ فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فاسمعوا له وأطيعوا، وذلك من التأدب مع ولاة الأمور.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد