المتن:
باب صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ ﷺ سُبُوعًا قَطُّ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
1623 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
1624 قَالَ وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما فَقَالَ: لاَ يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
الشرح:
عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب لبيان مشروعية صلاة ركعتين بعد كل طواف، وأن السنة أن تكون خلف المقام.
قوله: «لِسُبُوعِهِ» قال الحافظ: «السُبُوع بضم المهملة والموحدة لغة قليلة في الأسبوع، قال ابن التين: هو جمع سُبْع بالضم ثم السكون كبرد وبرود» والمراد به الطواف.
قوله: «وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» دلَّ على مشروعية صلاة ركعتين لكل سبوع، وإذا جمع الأطوفة ففيه خلاف والصواب أنه يصلي لكل سبوع ركعتين كما فعل ذلك ابن عمر وبعض الصحابة.
قوله: «وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ ﷺ سُبُوعًا قَطُّ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» هذا هو الصواب، فإنه يصلي لكل سُبُوع ركعتين غير الفريضة؛ اقتداء بالنبي ﷺ.
1623 قوله: «سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزَاب: 21]» ، يعني: أنه لا تحل له امرأته حتى يتمم العمرة، فيطوف ويسعى ويقصر.
1624 قوله: «لاَ يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . وقول جابر هذا هو الصواب؛ لأنه لا يزال محرمًا فلا يتحلل حتى يطوف ويسعى ويقصر.
المتن:
باب مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَْوَّلِ
1625 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ.
الشرح:
قوله: «بَابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبْ» يقرُب بضم الراء بمعنى دنا، ويجوز أن تكون يقرِب بكسر الراء، ومعناه إذا التبس عليه الأمر.
قوله: «مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ» . يعني: لم يطف تطوعًا.
1625 في الحديث: أن النبي ﷺ قدم مكة فطاف طواف القدوم؛ لأنه كان ﷺ قارنًا، وسعى بين الصفا والمروة، ثم نزل الأبطح أربعة أيام: الرابع، والخامس، والسادس، والسابع من ذي الحجة، ثم دفع إلى منى في اليوم الثامن، ثم إلى عرفة في التاسع، فلما كان اليوم العاشر طاف طواف الإفاضة، ثم رجع إلى منى، ولم يترك مكة حتى طاف طواف الوداع، فلم يطف ﷺ إلا ثلاثة أطوفة: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع.
قال العلماء في تعليل ذلك: إن النبي ﷺ تركه مراعاة للمصالح، ودرءًا للمفاسد ـ ومثل ذلك: تركه هدم الكعبة وإعادة بنائها، وتركه قتل المنافقين، ونحو ذلك ـ فكأن الحكمة في ذلك أنه يريد أن يخفف على أمته؛ لأنه لو طاف لطاف معه الناس واقتدوا به فيشق ذلك عليهم، ولأجل أن يخلي المطاف للقادمين؛ حتى لا يحصل زحام، واكتفى ﷺ بحثه على الطواف بقوله فقط.
المتن:
باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ
وَصَلَّى عُمَرُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ.
1626 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ.
الشرح:
في هذه الترجمة بيان جواز صلاة ركعتي الطواف في أي مكان، والأفضل أن يصليهما خلف المقام إذا تيسر، فإن لم يتيسر صلَّى في أي مكان في المسجد أو حتى خارج المسجد، فلو صلاها في بيته فلا حرج.
واستشهد البخاري رحمه الله على التبويب بفعل عمر أنه صلى «خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ» ، أي: خارج مكة؛ لأنه صلاها بذي طوى.
1626 في الحديث: أن أم سلمة شكت إلى النبي ﷺ فأذن لها في الطواف على البعير.
وفيه فوائد منها: جواز الطواف راكبًا على بعير أو على عربة، إذا كان مريضًا أو معذورًا.
وفيه: جواز الطواف للمرأة أو المسافر الذي جمع بين الصلاتين، من وراء الناس وهم يصلون الفريضة، وكذلك لو طاف في الأروقة فلا بأس كما يطوف الناس الآن.
وفيه: ما ترجم له المؤلف رحمه الله وهو جواز صلاة ركعتي الطواف خارج المسجد كما فعل عمر وكما فعلت أم سلمة؛ لأن أم سلمة طافت ثم صلت ركعتي الطواف خارج المسجد، وهذا لا يخفى على النبي ﷺ، وهذا يدل على أن ذلك أمر مستقر عندهم، ولهذا قال الراوي: «وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ» ، يعني: خرجت من المسجد أو مكة فلا حرج.
ويستدل بهذا على أن من نسي ركعتي الطواف يقضيهما متى تذكر في الحرم أو خارج الحرم، قال الثوري: يركعهما حيث شاء بعد أن يخرج من الحرم، وروي عن مالك أنه يركعهما ما لم يتباعد ويرجع إلى بلده فإن فعل فعليه دم[(114)].
والصواب: أن ركعتي الطواف سنة يركعهما حيث شاء في الحل أو في الحرم داخل المسجد أو خارجه.
المتن:
مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ
1627 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزَاب: 21].
الشرح:
1627 في الحديث: دليل على أن الأفضل صلاة ركعتي الطواف خلف المقام إن تيسر؛ لأن هذه هي السنة، فإن لم يتيسر للإنسان، صلاهما في أي مكان، في المسجد أو خارجه أو حتى خارج مكة ولا حرج في ذلك.
المتن:
باب الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى.
1628 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلاَةُ قَامُوا يُصَلُّونَ.
1629 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عِنِ الصَّلاَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا.
1630 حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
1631 قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلاَّ صَلاَّهُمَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الطواف بعد صلاة الصبح وصلاة العصر وهما وقت نهي وهل يصلي ركعتي الطواف أو لا يصليهما؟
ومن المعلوم أن النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ثابت، وهو من الأحاديث المتواترة، قال رسول الله ﷺ: لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس [(115)].
ولم يَبُتّ المصنف رحمه الله الحكم في هذه المسألة لوجود الخلاف، وذكر رحمه الله في هذا الباب آثارًا مختلفة، بعضها يدل على الجواز وبعضها يدل على المنع من ركعتي الطواف بعد الصبح والعصر.
والصواب: الجواز؛ لأن ركعتي الطواف من الصلوات ذوات الأسباب، وذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي على الصحيح، كتحية المسجد وصلاة الجنازة وصلاة الكسوف وإعادة الجماعة وسجدة التلاوة، كلها تفعل بعد الصبح والعصر في أصح قولي العلماء.
وذهب الجمهور إلى أنه لا صلاة بعد الصبح والعصر، وأخذوا بعموم النهي، وقالوا: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، فقالوا: إذا دخل المسجد بعد العصر أو بعد الفجر يجلس ولا يصلي، وإذا صلى ركعتي الطواف فلا ء يصلي في وقت النهي ولينتظر حتى ينتهي وقت النهي ثم يصلي.
قوله: «وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى» ، يعني: بعد ما طلعت الشمس، كأنه يرى عدم صلاتها في وقت النهي .
وذي طوى: هي الزاهر الآن، فكأنه طاف بعد الصبح ثم ركب دابته حتى وصل إلى الزاهر، فلما طلعت الشمس صلَّى ركعتي الطواف.
1628 في الحديث: «أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ» يعني: رجل يعظهم «حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلاَةُ قَامُوا يُصَلُّونَ» . تنكر عليهم عائشة رضي الله عنها صنيعهم هذا؛ لأنهم تحروا ذلك الوقت فأخروا ركعتي الطواف متعمدين، فلما طلعت الشمس بين قرني الشيطان قاموا يصلون! وكان الواجب عليهم أن ينتظروا حتى ترتفع الشمس فيصلوا، والقائلون بفعل ذوات الأسباب في الأوقات المنهي عنها يرون أن ركعتي الطواف من ذوات الأسباب فتُصلى بعد الصبح وهذا على مذهب عائشة رضي الله عنها كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله.
1629 قوله: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عِنِ الصَّلاَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا» ، يدل على أن حكم النهي عام يشمل عموم الصلاة ومنها ركعتي الطواف، فلا تصلَّى عند طلوع الشمس ولا عند غروبها.
1630 قوله: «رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» يدل على أن عبدالله بن الزبير يرى أنها من الصلوات ذوات الأسباب، وأنه لا حرج في فعلها.
1631 وفي الحديث المعلق قال: «وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلاَّ صَلاَّهُمَا» ، لكن هذا من خصائص النبي ﷺ؛ لأنه ﷺ جاءه وفد فشُغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاَّهما بعد العصر، ثم داوم عليهما؛ لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته[(116)]، فكان عبدالله بن الزبير يفعلهما اقتداء بالنبي ﷺ ولم يبلغه أنهما من خصائصه، فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن أم سلمة قالت: «يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا [(117)] فدل على أن من خصائص النبي ﷺ قضاء الصلاة بعد العصر.
وقد جاء في حديث جبير بن مطعم أن رسول الله ﷺ قال: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت أو صلَّى أية ساعة شاء من ليل أو نهار [(118)] وهو حديث لا بأس بسنده عند أهل السنن وغيرهم.
المتن:
باب الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا
1632 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ.
1633 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَت: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ.
الشرح:
قوله: «بَابُ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا» ترجمة معقودة لبيان مشروعية طواف المريض راكبًا.
1632، 1633 في الحديثين جواز الطواف للمريض راكبًا، وعند التكبير يستقبل البيت ويكبِّر، أما في الأشواط فيشير بيده ويمشي، وهذا مما لا خلاف فيه، والخلاف في الصحيح القادر هل له أن يطوف راكبًا على دابة أو على عربة، والخلاف على قولين، أصحهما أنه يجوز له أن يطوف راكبًا، لكن المشي أفضل؛ لأن النبي ﷺ طاف راكبًا؛ ليراه الناس وليسألوه، كما في حديث جابر عند مسلم[(119)]، فطاف أولاً ماشيًا، فلما غشيه الناس ركب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَابُ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا» ؛ أورد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما وحديث أم سلمة رضي الله عنها، والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه: إني أشتكي، وقد تقدم الكلام عليهما في «باب إدخال البعير المسجد للعلة» ، في أواخر أبواب المساجد، وأن المصنف حمل سبب طوافه ﷺ راكبًا على أنه كان عن شكوى، وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ: قدم النبي ﷺ مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته[(120)]، ووقع في حديث جابر عند مسلم: أن النبي ﷺ طاف راكبًا ليراه الناس وليسألوه[(121)] فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين، وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبًا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز، إلا أن المشي أولى، والركوب مكروه تنزيهًا، والذي يترجح المنع؛ لأن طوافه ﷺ وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد، ووقع في حديث أم سلمة: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف، وإذا حوط المسجد امتنع داخله؛ إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله، فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي، وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار، وأما طواف النبي ﷺ راكبًا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه، ولذلك عدَّه بعض من جمع خصائصه فيها، واحتمل أيضًا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له، فلا يقاس غيره عليه، وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره، وقد تقدم حديث ابن عباس قبل أبواب، وزاد أبو داود في آخر حديثه: فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين[(122)]، واستدل به للتكبير عند الركن» . انتهى كلامه.
وكلام الشارح هنا فيه نظر من وجوه:
الأول: أن قوله: «أن طواف النبي ﷺ وكذا طواف أم سلمة قبل أن يحوط المسجد فالراجح المنع» لا وجه له؛ لأن تحويط المسجد لا أثر له.
الثاني: قوله: «التلويث لا يجوز بعد التحويط ويجوز قبله» لا وجه له، فالتحويط لا أثر له، وتلويث المسجد لا يجوز سواء وضع جدار أو لا.
الثالث: قوله: «يسوغ الركوب على الحمار في المطاف» هذا ليس بصحيح؛ لأن بعر الحمار نجس، بخلاف البعير والفرس، فإن بعره طاهر، فروث وبول ما يؤكل لحمه طاهر.
الرابع: قوله: «ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها» ليس بصحيح، فليس من خصائص النبي ﷺ الطواف راكبًا؛ لأن أم سلمة طافت راكبة، فكيف يكون من خصائصه وأم سلمة طافت راكبة؟
الخامس: قوله: «واحتمل أيضًا أن تكون راحلته عصمت من التلويث، فلا يقاس عليه غيره» قول باطل لا وجه له، كيف يعقل أن تكون دابة معصومة من التلويث، والأصل في أفعال النبي ﷺ أنها تشريع للأمة إلا ما خصَّه الدليل، فإذا طاف على الدابة دلَّ على جوازه.
السادس: قوله: «أبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره» قال الشارح هذا تقليدا لمذهب الشافعي ـ والحافظ ابن حجر شافعي، والشافعية يرون أن بول البعير نجس[(123)]، والصواب أن بول البعير وبعره طاهر، وكذلك كل ما يؤكل لحمه كما دلت على ذلك الأحاديث.
المتن:
باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ
1634 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَْسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ.
الشرح:
1634 في الحديث: استأذن العباس النبي ﷺ أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له، فدلَّ ذلك على وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق؛ لأن الرخصة لا تكون إلا من شيء واجب، ومثلها سقاة الإبل والرعاة رخَّص لهم النبي ﷺ أن يتركوا المبيت.
والمبيت بمنى واجب أكثر من نصف اليل، ويكون على أرض منى ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن تأخر.
ويقاس عليه المريض إذا نقل للمستشفى، وكذا مرافق المريض إذا اقتضى ذلك، فيسقط عنهم المبيت قياسًا على السقاة والرعاة، وأما غير ذلك ففيه تفصيل إذا كان هناك ضرورة لذلك فيقاس عليه، وإذا لم يكن هناك حاجة فلا.
المتن:
الشرح:
1635 في الحديث: فضل سقاية الحاج، وكذلك إطعامهم، والإحسان إليهم، وكف الأذى عنهم، فإذا كان سقاية الحاج فيه هذا الفضل فكذلك الذي يطعم الحاج، وكذا نقلهم بالمجان؛ ولهذا قال النبي ﷺ لما أتى زمزم وهم يسقون: اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ؛ ثم قال: لَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ؛ يعني: عاتقه، وأشار إلى عاتقه، والمعنى أن النبي ترك النزول معهم لزعب الماء ـ والزعب يعني إخراج الماء بالدلو ـ خشية أن يقتدي به الناس لذلك فيزاحموهم في السقاية عليه.
وفيه: تواضع النبي ﷺ، حيث شرب مما يشرب الناس، وإن كانوا يضعون أيديهم فيه، ولم يقبل أن يؤتى له بماء من البيت لم توضع فيه الأيدي.
المتن:
باب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ
1636 وَقَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ: لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ.
الشرح:
حادثة شق الصدر كانت قبل الإسراء والمعراج، حيث جاء جبريل للنبي ﷺ فشق صدره واستخرج علقة ورماها، وقال: هذه حظ الشيطان، ثم غسل صدره بماء زمزم وملئ حكمة وإيمانًا، ثم أعيدت في الحال، وهذا دليل على قدرة الله ، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82].
1636 وفي الحديث: أن ماء زمزم ماء مبارك، حيث غسل به جوف النبي ﷺ، وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر قال: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ [(124)]، وزاد أبو داود الطيالسي من الوجه الذي أخرجه مسلم: وشفاء سقم [(125)]، وعن جابر مرفوعًا: مَاءُ زَمْزَمَ، لِمَا شُرِبَ لَهُ [(126)]، وجاء من عدة طرق يشد بعضها بعضًا، والمعنى أنه إذا شربه للعلم فإنه للعلم، أو للشبع فهو للشبع، أو للإيمان فهو للإيمان، أو للتقوى فهو للتقوى، أو للرِي فهو للرِي، أو للغنى فهو للغنى.
المتن:
الشرح:
1637 قوله: «مُحَمَّدٌ» هو ابن سلام بالتخفيف والتشديد، والتخفيف أفصح.
وقوله: «سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ» ؛ فيه: دليل على جواز الشرب قائمًا، وما ورد من النهي محمول على كراهة التنزيه جمعًا بين الأحاديث، ولا يقال بالنسخ؛ لأنه لا يقال بالنسخ إلا بشرطين:
الشرط الأول: تعذر الجمع.
الشرط الثاني: معرفة التاريخ.
والقاعدة أنه إذا أمكن الجمع فلا يعدل عنه إلى النسخ، وأنه إذا نهى النبي ﷺ عن شيء ثم فعله دلَّ على أن النهي ليس للتحريم وإنما للتنزيه، ودلَّ الفعل على الجواز، فالنبي ﷺ نهى عن الشرب قائمًا[(127)]، وشرب قائمًا، فيكون النهي محمولاً على التنزيه، والذي صرفه من التحريم إلى التنزيه فعله ﷺ، وهذا هو الصواب، ومثله أن النبي ﷺ أمر بالقيام للجنازة[(128)]، ثم قعد[(129)]؛ فالأمر للوجوب؛ والذي صرفه عن الوجوب للاستحباب قعوده ﷺ.
وهذه القاعدة معروفة خلافًا لابن القيم رحمه الله في زاد المعاد[(130)] حيث رأى أن الشرب قائمًا لا يجوز إلا في حالة وجود عذر يمنع من القعود، وشدد في النهي عن الشرب قائمًا، والصواب الجمع بين الحديثين، والقاعدة معروفة عند أهل الأصول فإذا نهى النبي ﷺ عن شيء ثم فعله دلَّ على أن النهي للتنزيه والفعل للجواز، وإذا أمر بشيء ثم تركه دلَّ على أن الأمر للاستحباب والترك للجواز.
أما قوله: «فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير» أي: فلم يشرب ﷺ قائمًا.
والصواب: أنه لم يكن راكبًا بل ماشيًا، وقول عكرمة هذا ليس بصحيح.
المتن:
باب طَوَافِ الْقَارِنِ
1638 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ ﷺ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.
الشرح:
هذا الباب معقود لبيان طواف القارن، يعني: هل يكتفي القارن بطواف واحد كما هو قول الجمهور، أم لابد من طوافين كما هو قول الأحناف؟[(131)] الصواب أن القارن يكتفي بطواف واحد، والمقصود بالطواف أي بين الصفا والمروة، أما الطواف بالبيت فهذا معلوم كل الحجاج يطوفون طواف الإفاضة، فالطواف هنا معناه السعي، فالقارن يكتفي بطواف واحد للحج والعمرة، ويكتفي بسعي واحد للحج والعمرة، هذا هو الصواب الذي دلت عليه الأحاديث كما في أحاديث الباب وغيرها، أما الطواف الأول للذي يقدم مكة فيسمى طواف القدوم، يعني أول ما يقدم مكة يطوف طواف القدوم ثم يبقى عليه طواف الحج وسعي الحج، والسعي يجوز أن يقدم على طواف القدوم وهو يكفي للحج والعمرة وطواف الإفاضة يكفي للحج والعمرة.
1638 قوله: «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى» . هؤلاء المتمتعون طافوا طوافين، طاف الذين أهلوا بالعمرة ثم أحلوا، «ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ» ، يعني: بين الصفا والمروة «بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى» ؛ وهذا طواف الحج.
قوله: «وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» وفي لفظ: «فإنما طافوا» ؛ المراد هنا بالطواف، أي السعي بين الصفا والمروة؛ كما في قوله تعالى: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البَقَرَة: 158]، يعني: بين الصفا والمروة؛ وهذا هو الشاهد من الحديث، قالت: «وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ، فدل على أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد، طواف بالبيت وطواف بين الصفا والمروة للحج والعمرة، خلافا للأحناف كما سبق.
المتن:
الشرح:
1639 قوله: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» كذا سماه في هذه الرواية وله ابن آخر هو عبيد الله، وفي هذا دليل على أنه لا كراهة في كون إنسان يسمي ابنه باسمه نفسه كما هو هنا «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» وليس كما شاع عند العامة أنه لا يسمى الولد على اسم أبيه إلا إذا مات أبوه وهو حمل، أما إذا سمى باسمه وهو حي قالوا: لا، تشاؤمًا بموت الأب، وهذا قول باطل، فهذا عبدالله بن عمر وهو حي سمى أحد بنيه عبدالله.
قوله: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما دَخَلَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ» ؛ يعني البعير الذي يحمله، فقال عبد الله لأبيه: «إِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ» ؛ وفي لفظ: «إني لا إِيمَنُ» . وقد كان ابن عمر لا يترك الحج والعمرة كل سنة، فخاف عليه ولده عبدالله فقال: يا أبت لو تركت الحج هذا العام؛ لأن الناس يكون بينهم قتال ـ وكان ذلك في عام ثلاثة وسبعين في قتال الحجاج لابن الزبير ـ فأخشى أن يصيبك مكروه، أو يمنعوك عن البيت فلا تستطيع بلوغه، «فَلَوْ أَقَمْتَ» يعني: لو تركت الحج هذا العام، فقال عبدالله: «قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» ، يعني: لو صدوني عن البيت أفعل كما فعل رسول الله ﷺ.
قوله: «ثُمَّ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا» وفي لفظ: «أدخلت» أي: أنه لبى بالعمرة ثم أدخل الحج على العمرة.
قال: «ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» ، وهذا هو الشاهد، والمراد بالطواف هنا السعي بين الصفا والمروة، أي سعى لحجه وعمرته سعيًا واحدًا، فدل على أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد.
المتن:
الشرح:
1640 قوله: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ» ، وذلك عام ثلاث وسبعين من الهجرة، حين قاتل الحجاجُ ابنَ الزبير، وذلك أن عبد الله بن الزبير لما مات يزيد بن معاوية بويع له بالخلافة، فبايع له أهل مكة والمدينة والطائف حتى أخذ شيئًا من الشام، ونازعه مروان بن الحكم في الإمارة فبايع له بعض أهل الشام، بعض البلدان الصغيرة، ثم لما توفي مروان قام ابنه عبدالملك بن مروان يدعو الناس لمبايعته، وتوسع في القتال، وأخذ من ابن الزبير شيئًا من البلدان في الشام، ثم بعد ذلك أرسل بجيش إلى المدينة، ووكل المهمة للحجاج بن يوسف، فأخذ المدينة، ثم أرسل الجيش إلى مكة ليقاتل ابن الزبير، وكان عبدالله بن عمر يحج كل عام، فلما أراد أن يحج هذا العام الذي نزل الحجاج بابن الزبير قيل له: «إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ» ، يعني: أن الحجاج يقاتل ابن الزبير «وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَالَ:لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً» ، أي: لبى بالعمرة «ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي» ، فأدخل الحج على العمرة، ففيه دليل على أنه يكون قارنًا سواء أحرم بهما معًا وقال: لبيك عمرة وحجًّا، أو أحرم بالعمرة أولاً ثم أحرم بالحج قبل الشروع في طواف العمرة فيكون في الحالين قارنًا.
قوله: «وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَْوَّلِ» . وهذا هو الشاهد، والطواف الأول يعني السعي الأول بين الصفا والمروة، وفيه دليل على أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد.
فابن عمر رضي الله عنهما ما طاف إلا طوافًا واحدًا، يعني: ما سعي بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، فطاف طواف القدوم أولاً، ثم طاف بين الصفا والمروة، فهذا كفاه عن السعي للحج والعمرة، ثم طاف طواف الإفاضة للحج والعمرة، ولم يسع بين الصفا والمروة اكتفاء بالسعي الأول.
المتن:
باب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ
1641 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلاَ يَسْأَلُونَهُ وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لاَ تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ.
1642 وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا.
الشرح:
قوله: «بَابُ الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ» . هذه الترجمة معقودة لبيان هل الوضوء شرط للطواف كما قال الجمهور، أم أنه ليس بشرط كما قال الأحناف[(132)] وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية[(133)]؟
1641 استدل البخاري رحمه الله بهذا الحديث على أن الوضوء شرط لصحة الطواف كما هو مذهب الجمهور، والشاهد من الحديث: «أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» ، وقد قال: خذوا عني مناسككم [(134)] فدل على أن الوضوء شرط في صحة الطواف.
واستدلوا أيضًا بحديث: الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام [(135)] وهذا الحديث روي مرفوعًا وموقوفًا على ابن عباس، والموقوف أصح، وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي، وهذا الحديث من أحسن ما استدل به الجمهور.
واستدلوا أيضًا بقوله ﷺ لعائشة رضي الله عنها: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري [(136)] فدل على أن الوضوء شرط لصحة الطواف.
وخالف الكوفيون في ذلك، فقالوا: الوضوء ليس بشرط لصحة الطواف، وإنما هو سنة.
وقال آخرون: إنه واجب إذا فات يُجبر بدم.
والصواب الذي عليه الفتوى: ما ذهب إليه جمهور العلماء من شرطية الوضوء لصحة الطواف.
وفي حديث الباب فوائد منها:
أن من طاف وسعى لا يلزمه أن تكون عمرة، كما قال ابن عباس.
وفيه: أن عروة بين أن من حج قارنًا أو مفردًا فإنه لا يحل بمجرد الطواف، كما قال ابن عباس، شاء أم أبى، بل يبقى على إحرامه مفردًا أو قارنًا. وفي هذا رد على ابن عباس القائل: بأن كل من طاف وسعى فإنه حل؛ حيث قال عروة ابن الزبير: «قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً» ، يعني: بقي على إحرامه، «ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً» ، يعني: لا يلزمه التحلل كما قال ابن عباس: كل من طاف وسعى يتحلل، «ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ» ، ولم يتحلل، واستمر على إحرامه، قال: «ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً» ، يعني: لم يتحلل بل استمر على إحرامه إذا كان مفردًا أو قارنًا، «ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلاَ يَسْأَلُونَهُ وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ» . مقصوده الرد على ابن عباس القائل بأن من حج قارنًا أو مفردًا فإنه يحل بمجرد الطواف شاء أم أبى.
يقول: «وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي» أمه: أسماء بنت أبي بكر، وخالته: عائشة رضي الله عنهما «حِينَ تَقْدَمَانِ لاَ تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ» خلافًا لمن قال: أنه إذا حج مفردًا فطاف حل شاء أم أبى، أما إذا ذهب إلى منى ولم يطف بالبيت أولاً فلا يكون عمرة بل حجًّا.
1642 قوله: «وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي» ، وهي أسماء «أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا» . لما مسحوا الركن يعني: طافوا بالبيت، والكلام فيه اختصار، والمراد مسحوا الركن، وسعوا بين الصفا والمروة، وقصروا، حلوا؛ لَمَّا أرادوا أن تكون عمرة.
المتن:
باب وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
1643 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَْنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الآْيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا.
ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلاَّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. الآْيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِْسْلاَمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
الشرح:
قوله: «بَابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان حكم السعي بين الصفا والمروة، وجزم البخاري رحمه الله بالوجوب؛ لكونهما من شعائر الله، وقد اختلف العلماء في السعي بينهما على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه ركن من أركان الحج، وركن من أركان العمرة أيضا.
الثاني: أنه واجب يجبر بدم.
الثالث: أنه سنة.
والصواب: أنه ركن، وهذا هو المعتمد عند الحنابلة[(137)]، وجزم البخاري رحمه الله بالوجوب لقوة الدليل عنده.
1643 في الحديث: بيان أن معرفة أسباب النزول يتوقف عليه فهم المعنى وبيان الحكم الصحيح؛ لأن عروة فهم فهمًا خاطئًا من الآية، فصححت له الخطأ عائشة رضي الله عنها وهي خالته وبينت له معنى الآية بذكر سبب النزول.
قوله: «قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البَقَرَة: 158] فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟» ، فَهِم عروة بن الزبير أن من ترك الطواف بين الصفا والمروة فلا حرج عليه، يعني: إن طاف فبها ونعمت، وإن لم يطف فلا حرج عليه. كذا فهم عروة من ظاهر الآية، لكن عائشة رضي الله عنها خطّأته بهذا الفهم، ثم بينت له سبب النزول، فكأنها قالت له: لو عرفت سبب النزول عرفت المعنى وفهمته، قالت عائشة لعروة وهو ابن أختها أسماء: «بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ» أي: لو كانت كما فهمتها لكانت الآية: «لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا» ، لكن الآية: ُ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِفهناك فرق بينهما، ثم بينت له سبب النزول قالت: «وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَْنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ» كانت بقديد، وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة، وهي من الأصنام الكبيرة التي كانت عند العرب قبل بعثة النبي ﷺ، وهي: اللات، والعزى، ومناة، فاللات لأهل الطائف، وكانت صخرة يَلُتّ عليها رجل سويق الحاج، فلما مات عبدوه، واللات: بالتخفيف، الصخرة، واللات: بالتشديد، الرجل الذي يلت السويق للحاج. والعزى: شجرة لأهل مكة يعبدونها. ومناة: بنية لأهل قديد ولأهل المدينة يعبدونها بالمشلل، فكانت الأنصار يعبدون مناة بالمشلل.
قوله: «فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» ، يعني: كانوا في الجاهلية يهلون لمناة ويعبدونها ويقتصرون بالطواف على مناة ولا يطوفون بالصفا والمروة تعظيمًا لمناة «فَلَمَّا أَسْلَمُوا ـ وفي لفظ: فلما سألوا ـ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البَقَرَة: 158] الآْيَةَ» ، أي: لا جناح عليه في الإسلام وإن كانوا قد تحرجوا في الجاهلية.
قالت عائشة: «وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» لأن الطواف بهما ركن من أركان العمرة وركن من أركان الحج.
قال الزهري: «ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ» وهو ابن الحارث بن هشام بقول عائشة، «فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ» يعني: هذا السبب الذي ذكرته عائشة رضي الله عنها لنزول هذه الآية لم يسمع به، وذكر سببًا آخر، فقال: «وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلاَّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البَقَرَة: 158] الآْيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» لأنهم يهلون لمناة ويقتصرون على الطواف بها ولا يطوفون بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة، قال: «وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِْسْلاَمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» فتكون الآية شاملة للأمرين معًا.
المتن:
باب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ.
1644 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَْوَّلَ خَبَّ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ.
الشرح:
قوله: «بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» هذه الترجمة معقودة لبيان كيفية السعي بين الصفا والمروة.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: السَّعْيُ» المراد الهرولة بين الصفا والمروة.
قوله: «مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ» المراد أن الهرولة بعد النزول من الصفا تبدأ من «دَارِ بَنِي عَبَّادٍ» وتنتهي «إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ» وهذا الوصف الذي ذكره ابن عمر رضي الله عنهما وصف قديم لبداية ونهاية الهرولة، وكانت البيوت على جنبتي الصفا والمروة؛ فلهذا حدد ابن عمر رضي الله عنهما المسافة بالبيوت، ولكن هذه الدور المذكورة زالت منذ زمن بعيد، وأما الآن في عصرنا فموضع البداية والنهاية للهرولة هو ما بين العلمين الأخضرين، وهما يُعَبران عن نفس المسافة التي حددها ابن عمر رضي الله عنهما.
1644 قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَْوَّلَ» المراد بالطواف الأول: الطواف بالبيت، يعني: أول طواف يقدم به مكة، «خَبَّ ثَلاَثًا» يعني: أسرع، ويقال له: الرمل، «وَمَشَى أَرْبَعًا» أي: ترك الهرولة الأشواط الأربعة المتبقية من السبع، ولكن الهرولة لا تشرع للنساء، ولا صعود الجبل، ومزاحمة الرجال؛ لأن المرأة عورة، ولكن الجهل بين النساء كثير.
قوله: «وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» ، يعني: يهرول، ويسرع، و «بَطْنَ الْمَسِيلِ» ، أي: المكان الذي يجتمع فيه السيل بين الصفا والمروة.
قوله: «فَقُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ أَنْيُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ» كانوا في أول الأمر يمشون بين الركنين، اليماني والحجر الأسود، وكان ذلك في عمرة القضية، ثم نسخ ذلك بفعله ﷺ الرمل في جميع الطواف من الحجر إلى الحجر، كما سبق في حجة الوداع.
المتن:
1645 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
1646 وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
الشرح:
1645، 1646 في الحديث: جواب للسائل متى يحل للمعتمر النساء، فإن المحرم ممنوع أن يقرب نساءه حتى يطوف بالبيت سبعة أشواط، ويصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر، ثم يطوف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم يحلق رأسه أو يقصر، فعندها تحل له امرأته.
المتن:
الشرح:
1647 في الحديث: بيان أركان العمرة، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي.
وواجبتها: الإحرام من الميقات، ثم الحلق، أو التقصير.
المتن:
الشرح:
1648 في الحديث: بيان لسبب نزول الآية الكريمة، والأمر بالسعي بين الصفا والمروة.
المتن:
1649 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِوٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ.
زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ عَطَاءً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
الشرح:
1649 قوله: «إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» السعي هنا شدة المشي، وهو الهرولة، وإنما سعى بالبيت ثلاثة أشواط، وهرول بين الصفا والمروة «لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ» . ثم صارت سنة مطلقة في الطواف والسعي، فكان أول سبب للشرعية هو: «لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ» ، حيث إنه لما اعتمر المسلمون عمرة القضية في السنة السابعة قال المشركون: يقدم عليكم محمد وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، أي: أضعفتهم، فأمرهم النبي ﷺ أن يرملوا[(138)]، فلما رأوهم يهرولون قالوا: انظروا إليهم يقفزون كالغزلان، فكأن ابن عباس يقول: إنما أصل مشروعية الهرولة أن يري المشركين قوته، ثم صارت سنة مطلقة.
قوله: «زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ عَطَاءً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ» ذكره البخاري رحمه الله لبيان التصريح بسماع سفيان من عمرو، وتصريح سماع عمرو من عطاء.