شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. الحديث وعلومه
  4. شرح كتاب الحج من صحيح البخاري
  5. شرح كتاب الحج من صحيح البخاري (25-7) من باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - إلى باب النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ

شرح كتاب الحج من صحيح البخاري (25-7) من باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - إلى باب النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ

00:00
00:00
تحميل
123

المتن:

باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

1650 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي.

الشرح:

قوله: «بَابُ تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» ، يعني: أن الحائض ليست ممنوعة من أي منسك إلا الطواف؛ لأن الطواف يشترط له الطهارة، ولا يجوز لها اللبث في المسجد، وما عدا ذلك يجوز لها أن تفعل المناسك كلها، وتسعى بين الصفا والمروة، ولو على غير طهارة، فإذا طافت بالبيت وهي طاهرة ثم نزل عليها الدم بعد الطواف، فلها أن تسعى؛ لأن المسعى ليس من المسجد، ولا تشترط له الطهارة، وتقف بمنى، وبعرفة، وبالمزدلفة، وترمي الجمار، وتذبح هديها، وتفعل جميع المناسك إلا الطواف بالبيت, ولهذا قال البخاري رحمه الله: «بَابُ تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» ، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة فإنها تصح عند الجمهور، ومنع منه الحسن البصري وطائفة قليلة، والصواب: أنه لا بأس بالسعي ولو على غير طهارة.

1650 قوله: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي فيه: دليل على أن الحائض يجوز لها السعي؛ لأنه لم يستثن إلا الطواف بالبيت، فلو طافت ثم حاضت أو أحدثت، جاز لها السعي وهي على حدثها.

المتن:

1651 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ ﷺ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ وَطَلْحَةَ وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ.

الشرح:

1651 قال البخاري: «وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ:» هذا شيخ البخاري.

قوله: «أَهَلَّ النَّبِيُّ ﷺ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ وَطَلْحَةَ» ذكر جابر ما رآه، وإلا فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما كان معهما هدي.

قال: «وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ» فيه: دليل على أنه لا بأس بأن يهل الإنسان بما أهل به فلان، كأن يقول: أهللت بما أهل به فلان، ثم يكون مثله، فإن أهل بعمرة لزمته عمرة، وإن أهل بحج لزمه حج، وإن أهل بحج وعمرة لزمه حج وعمرة، وهكذا.

قوله: «أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ» وكذا فعل أبو موسى، وفي رواية: فقال النبي ﷺ لعلي: إن معي الهدي قال: فلا تحل [(139)] وأما أبو موسى الأشعري فقال له ﷺ: بِمَ أَهْلَلْتَ قلت: أهللت كإهلال النبي ﷺ، قال: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قلت: لا، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أمرني فأحللت[(140)].

قوله: «فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» لما أمرهم النبي ﷺ شق ذلك عليهم؛ لأنهم كانوا يرون أن أشهر الحج جعلت للحج فقط، وأما العمرة في أشهر الحج فمن أفجر الفجور، فكبر ذلك وشق عليهم.

قوله: «نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟» يعني: من مجامعة النساء، فكيف نتحلل ثم بعد يومين أو ثلاثة نحرم بالحج وعهدنا قريب بالنساء؟ استعظامًا لذلك الأمر.

قوله: «فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ» يعني: مقالتهم أو قولهم.

قوله: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ المعنى: لو كنت أعلم أن أصحابي يشق عليهم ذلك ما سقت الهدي ثم أتحلل حتى يروني ويشاهدوني متحللاً فتطيب نفوسهم.

قوله: «وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ» ، هذا هو الشاهد للترجمة، حيث حاضت عائشة رضي الله عنها ففعلت جميع المناسك إلا الطواف بالبيت، ذهبت إلى منى، ووقفت بعرفة، وقصرت من شعرها، وذبحت ولم تطف.

قوله: «فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ» يعني: بحج وعمرة منفردين، وإلا فهي أدخلت الحج على العمرة.

قوله: «فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» أي: بعمرة ثانية، فصار لها عمرتان، الأولى: عمرة مع حجتها، والثانية: عمرة مستقلة. 

واستدل بهذا الحديث على جواز قراءة القرآن للحائض؛ لأنه من أعمال الحج، فالحاج يقرأ القرآن، ويفعل مناسك الحج، غير أن الحائض لا تطوف بالبيت، فهذا من أدلة من قال: إن للحائض أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب، وهذا هو الصواب؛ لأنه ليس هناك دليل يمنعها، وقياسها على الجنب قياس مع الفارق، وحديث ابن عمر مرفوعًا: لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ [(141)] حديث ضعيف، ومثله حديث علي بن أبي طالب : كان رسول الله ﷺ لا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة[(142)]، وهو ضعيف أيضا، وقد تحتاج الحائض للمراجعة لئلا تنسى، وربما طالت مدة حيضها، أو كانت نفساء، فإذا بعدت كل هذه المدة عن قراءة القرآن فسوف يؤثر ذلك في حفظها، فلها أن تقرأ، ولكن لا تمس المصحف إلا من وراء حائل.

المتن:

1652 حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالَتْ: كنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدْ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها سَأَلْنَهَا أَوْ قَالَتْ سَأَلْنَاهَا فَقَالَتْ: وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِلاَّ قَالَتْ: بِأَبِي فَقُلْنَا أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي فَقَالَ: لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، فَقُلْتُ: الْحَائِضُ فَقَالَتْ: أَوَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا.

الشرح:

1652 قوله: «كنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا» ، جمع عاتق، وهي: من بلغت الحيض أو قاربت، أو استحقت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة.

قوله: «فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ» ، قصر بني خلف كان بالبصرة.

قوله: «فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا» ، قيل: هي أم عطية.

قوله: «كنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى» ، يعني: في الجهاد، والكلمى: الجرحى.

وفيه: دليل على أن المرأة إذا شاركت في القتال فلا تباشر القتال بنفسها، وإنما عمل النساء في الجهاد: هو مداواة الجرحى، والقيام على المرضى، وسقي الماء، فكانت النساء إذا شاركن في الجهاد إنما يقمن بالعلاج والتطبيب، ولا تباشر المرأة القتال مع الرجال، ولا تحمل السلاح، ولكن لها أن تدافع عن نفسها إذا جاءها أحد وهي في مكانها، كما وقع عند الإمام مسلم عن أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرًا يوم حنين، فقالت: اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت به بطنه[(143)].

قوله: «فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟» والجلباب مثل العباءة، وهو نوع من الثياب، فإذا لم يكن عندها جلباب لا تخرج إلى العيد.

قوله: «قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدْ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ» ؛ استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية على وجوب صلاة العيد، وأنها فرض عين[(144)]، وكونه أمر المرأة التي ليس لها جلباب أن تلبسها صاحبتها من جلبابها، وتحضر العيد، وتصلي العيد؛ دل على أن صلاة العيد فرض، والمشهور عند الحنابلة وغيرهم أن صلاة العيد فرض كفاية، وقيل إنها سنة، وقيل: إنها فرض عين[(145)].

قوله: «فَقَالَ: لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ . والعواتق: جمع عاتق: وهي التي بلغت أو قاربت البلوغ، وقيل التي تزوجت فعتقت من قهر أبويها، وذوات الخدور: الأبكار، فأمر النبي ﷺ أن تخرج العواتق والأبكار في صلاة العيد، فهذا دليل على أنها فرض عين.

قوله: وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى والحيض: جمع حائض، وشُرع خروجها؛ لأن صلاة العيد ليست في المسجد بل في صحراء قريبة من البلد، فليس لها حكم المسجد، لكن تسمع الخطبة، وتسمع الدعاء وتُؤَمّن، لكن تعتزل الصلاة، وتكون الحيض خلف النساء.

قوله: «فَقُلْتُ: الْحَائِضُ» يعني: تحضر، وهو استفهام استنكاري.

فإذا كانت الحائض تعتزل مصلى العيد وهو صحراء؛ فلأن تعتزل المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس من باب أولى، والمسجد الحرام من باب أولى، والكعبة من باب أولى، ولا تطوف وهي حائض.

وقولها: «أَوَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا» ، مناسب لقول جابر في الحديث السابق: «فنسكت المناسك كلها» ، يعني: الحائض تشهد عرفة، وتشهد المزدلفة، وتقصر من شعرها، وتذبح، وتنسك المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.

المتن:

باب الإِْهْلاَلِ مِنْ الْبَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى

وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ.

وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ أَهْلَلْنَا مِنْ الْبَطْحَاءِ.

وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لاِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ ﷺ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان الزمان والمكان الذي يهل فيه الحاج من أهل مكة وغيرهم، فالذي تحلل بعمرة وهو في مكة: يهل من مكانه، أي: يحرم من مكانه، فيغتسل ويتنظف ويتطيب ويهل من مسكنه، وكذلك أهل مكة: يهلون من مساكنهم، وقال بعض العلماء: يهل من تحت الميزاب من المسجد الحرام، من تحت الكعبة، وهذا قول ضعيف لا دليل عليه؛ لأن النبي ﷺ أمر الصحابة أن يهلوا من مساكنهم، ولو قيل بالسنية وكان الحجاج مئات الآلاف كيف يحرمون من تحت الميزاب؟ فهذا قول ضعيف، والصواب: أن كل أحد يهل من مسكنه، أما القادم من الآفاق فمعلوم أنه يحرم من الميقات، ولكن من أحرم بالعمرة وتحلل منها وهو في مكة فإنه ينتظر ويهل من مكانه ومسكنه.

وأما الزمان، فاختلف العلماء أيضًا متى يهل الحاج للحج؟

قال بعض العلماء: يهلون إذا أهل هلال ذي الحجة، وهذا قول ضعيف.

والصواب: إنهم يهلون يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة قبل الزوال أو بعده، يهل الحاج كلهم، من كان من أهل مكة يحرم من بيته، ومن كان تحلل من العمرة يحرم من مسكنه، ويتوجهون جميعًا إلى منى، ومن كان مفردًا أو قارنًا يستديم إحرامه، ويتوجه إلى منى مع الحجاج، كلهم يتوجهون في اليوم الثامن إلى منى.

قوله: «بَابُ الإِْهْلاَلِ مِنْ الْبَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى» يهل من أي مكان سواء كان في الأبطح، أو في الحرم، أو في داخل مكة، وحتى ولو كان خارجها يحرم من مكانه، «الْبَطْحَاءِ» : الوادي الذي فيه الحصباء، ويقال له: المُحَصّب، وهو الذي بين مكة ومنى، وهو الآن في عصرنا عبارة عن بيوت وحارات الأنصار، ويسمى العزيزية، وكان هناك وادٍ بين مكة وبين منى، فكان الحجاج يُنزلون مخيماتهم فيه، فإذا جاء اليوم الثامن أحرموا وتوجهوا إلى منى.

قوله: «وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ» ، فيه: أن ابن عمر كان يلبي بعد الظهر، والأفضل أن يلبي قبل الظهر حتى يصلي في منى خمسة فروض بدون جمع قصرا؛ اقتداء بالنبي ﷺ، وإن لبى بعد الظهر فلا حرج، فيغتسل ويتنظف ويتطيب ثم يركب راحلته ثم يلبي، وبعض الناس الآن إذا ركب سيارته يلبي وهذا من السنة.

قوله: «وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ» . ذكر جابر بن عبدالله أن الصحابة قدموا مع النبي ﷺ في رابع ذي الحجة، فأمرهم أن يتحللوا بعمرة إلا من ساق الهدي، فإنه لا يتحلل حتى يذبح هديه، وأما الذين أحرموا بالحج مفردين أو قارنين أو متمتعين فكلهم تحللوا، كذا ألزمهم النبي ﷺ، فلما طافوا وسعوا أمرهم بالتقصير والتحلل، ففسخوا نيتهم بالحج مفردين أو قارنين إلى عمرة، وتحللوا إلا من ساق الهدي فإنهم بقوا متحللين، وحلت لهم جميع المحظورات حتى جاء اليوم الثامن، فأمرهم النبي ﷺ فأحرموا بالحج من مساكنهم؛ ولهذا قال جابر: «قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ» ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي يوم التروية؛ لأن الحجاج يتروون من الماء، وينقلون الماء إلى المشعر؛ لأنه في ذلك الوقت لم يكن فيه ماء.

قوله: «وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ» ؛ لما كان يوم التروية اغتسلوا وتطيبوا، وركبوا رواحلهم، وجعلوا مكة بظهر، يعني: جعلوا مكة خلف ظهورهم، ولبوا بالحج وتوجهوا إلى منى.

قوله: «أَهْلَلْنَا مِنْ الْبَطْحَاءِ» . البطحاء: الوادي الذي بمكة، فالسُّنَّة الإهلال بالحج للمكي إذا خرج من منى من منزله من البطحاء، إذا كان في البطحاء، والمكي من بيته لا من تحت الميزاب كما قال بعضهم، وليس عليه طواف ولا سعي إلا بعد التعريف، أي بعد المجيء من عرفة يلبي، ولا يشرع الطواف للمتمتع؛ لأنه طاف طواف العمرة، وسعى للعمرة، بل يحرم ولا يطوف ولا يسعى، إنما يتوجه إلى منى.

ولما رأى عبيد بن جريج بعض الناس إذا رأى هلال ذي الحجة أهلَّ وأحرم بالحج، ورأى ابن عمر يخالفهم ينتظر حتى يأتي يوم التروية وهو اليوم الثامن، سأله عن سبب ذلك، «فَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ ﷺ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» ، أي: أجابه ابن عمر بأن السنة أن يبدأ الحاج إحرامه في اليوم الثامن لا من أول الهلال.

فائدة :

لو بقي الحاج إلى يوم عرفة، أو لم يحرم إلا بعرفة، أو بقي إلى عصر يوم عرفة، أو أحرم في الليل فلا حرج، لكن فاتته الفضيلة؛ لأن الذهاب إلى منى في اليوم الثامن والمبيت ليلة التاسع من منى مستحب وهو سنة من سنن الحج.

المتن:

باب أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ

1653 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَْزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَْبْطَحِ ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان مكان صلاة الظهر يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يهل يوم التروية من مكة بعد الظهر، وهذا لا بأس به؛ لأنه سنة، لكن الأفضل الاقتداء بالنبي ﷺ، وتكون صلاة الظهر بمنى، وعلى هذا يكون الإحرام قبل الظهر وهو الأفضل.

1653 قوله: «عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ» هو من التابعين، سأل أنسًا فقال: «أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى» يعني: أنه ﷺ توجه إلى منى قبل الظهر، وصلى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر يوم التاسع بمنى، ثم مكث حتى طلعت الشمس، ثم توجه إلى عرفة فصلى الظهر بمنى في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء ركعتين، فصلى عن خمسة فروض قصراً من غير جمع، أما في الترجمة السابقة أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يهل بعد الظهر، بخلاف الذي هنا أن النبي ﷺ صلى الظهر في منى، فمعنى ما في حديث ابن عمر أنه أربع صلوات، فكون ابن عمر رضي الله عنهما لا يهل إلا بعد الظهر معناه أنه صلى الظهر بمكة والنبي ﷺ صلاها بمنى، فالأفضل أن يكون الإحرام قبل الظهر حتى يصلي الظهر بمنى.

وجمهور العلماء يرى أن القصر للسفر، وعلى هذا يقولون: إن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون بمنى ولا بالمزدلفة ولا بعرفة بل يتمون الصلاة.

وقال الأحناف[(146)] وبعض الشافعية[(147)]: الجمع لأجل نسك، وعلى هذا يكون جميع الحجاج يجمعون، ولو لم تكن مسافة القصر؛ لأن الجمع نسك من مناسك الحج.

والصواب أن الحجاج يقصرون جميعًا؛ لأن النبي ﷺ صلى بالحجاج جميعًا حتى أهل مكة، ولم يأمرهم بالإتمام، ولم يقل: أتموا يا أهل مكة، ولكن قال هذا في غزوة الفتح لما صلى النبي ﷺ في جوف مكة في الفتح وقصر قال: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر [(148)] أما في حجة الوداع فلم يقل لهم: أتموا، ولكنهم صلوا وراءه قصرًا، وهذا هو الصواب كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(149)] والعلامة ابن القيم رحمه الله[(150)] رحمهما الله وغيرهما من المحققين، أما الفقهاء كالحنابلة[(151)] وغيرهم فيرون أن أهل مكة لا يجمعون ولا يقصرون؛ لأن المسافة ليست مسافة قصر، وكذلك من قدم من مسافة ليست مسافة قصر لا يجمع ولا يقصر.

وكذلك الباعة الذين لم يحرموا فليس عليهم قصر ولا جمع إلا إذا كانوا مسافرين أو جاءوا من بعيد، وكذلك إذا كان خرج من مكة للبيع والشراء فإنه لا يجمع ولا يقصر.

قوله: «فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟» والمقصود به هنا هو اليوم الثاني للنفر، وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وأما يوم النفر الأول فهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، فيوم الحادي عشر والثاني عشر كان النبي ﷺ يصلي بمنى، أما يوم النفر الثاني يعني يوم الثالث عشر من ذي الحجة، فإنه رمى جمرة العقبة لما زالت الشمس، ثم دفع وصلى بالأبطح؛ ولهذا لما سأل عبدالعزيز أنسًا : «فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَْبْطَحِ» وهو: المحصب، ضُربت له خيمة هناك، كان النبي ﷺ يرمي بعد الزوال قبل صلاة الظهر، وهذا هو الأفضل للحاج أن يفعله إن تيسر له ذلك، فإن كان الزحام شديدًا فينبغي على الإنسان ألا يخاطر؛ لأن المهم المحافظة على العبادة، فكان النبي ﷺ أيام التشريق يرمي بعد الزوال قبل الصلاة، ثم يذهب ويصلي في مكانه بمنى.

قوله: «فْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ» فيه: بيان حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الجماعة ونبذ الفرقة والخلاف، وعدم مخالفة الأمراء، وإن تركوا السنة المستحبة، وهي الصلاة في منى يوم التروية، أو يوم النفر بالأبطح، فبعض الأمراء في زمن عبد العزيز ابن رفيع يتعجلون، أو لا يصلون الظهر بالأبطح ويصلونه بمنى، فأوصاه أنس بأن يتابعهم على ذلك ولا حرج عليه أن يفعل ما فعلوه؛ لأن المحافظة على الاجتماع وعدم الفرقة والاختلاف مصلحته أعظم؛ ولهذا قال له: «فْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ» .

المتن:

1654 حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ لَقِيتُ أَنَسًا وحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَقِيتُ أَنَسًا ذَاهِبًا عَلَى حِمَارٍ فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ؟ فَقَالَ: انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ.

الشرح:

1654 قوله: «أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ؟ فَقَالَ: انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ» . خاف أنس من الخلاف والفرقة، وإلا فالسنة واضحة في أن النبي ﷺ صلى الظهر يوم التروية بمنى، فلما خاف أنس من مخالفة الأمراء، قال: «انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ» أي: كن تابعًا لهم، ولا تخالف، ولو فاتتك بعض السنة؛ لأن الخلاف شر، وكأن أنسًا رأى من قول عبد العزيز بن رفيع أنه يريد أن يلتزم بالسنة ولو حصل مخالفة؛ فقال: «انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ» ، ولا تخالف.

المتن:

باب الصَّلاَةِ بِمِنًى

1655 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلاَفَتِهِ.

الشرح:

1655 في الحديث: بيان بأن الصلاة بمنى للحجاج ركعتان، أي الصلاة الرباعية تقصر ركعتين؛ ولهذا قال ابن عمر: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ» يعني: في الحج.

قوله: «وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلاَفَتِهِ» ، يعني: في أول خلافته، وزاد في رواية نافع: «ثم أتمها عثمان» [(152)] يعني: أن خلافة عثمان طويلة اثنتا عشرة سنة، ففي أول خلافته كان يقصر الصلاة، ثم بعد ذلك اجتهد وصار يتم الصلاة بمنى، وصلى الصحابة خلفه ولم يخالفوه، واختلف العلماء في السبب في اجتهاده، فقال بعضهم: إنه اجتهد فرأى أن بعض الأعراب الذين قدموا الحج يظنون أن الصلاة مقصورة، وأنها تصلى ركعتين، فأراد أن يعلمهم الصلاة، وقيل: بأنه تأول أنه تأهل أي، وأنه ليس مسافرًا فأتمها، وقيل أقوال أخرى، لكن الصواب الموافق للسنة قصر الصلاة، واستدل العلماء بهذا على أن قصر الرباعية للمسافر ليس بواجب، وإنما هو مستحب، ولو كان واجبًا ما أتم الصحابة خلف عثمان ، وقد أتم الصلاة، ولو كان واجبًا لما أقروه على ترك الواجب.

المتن:

1656 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ.

الشرح:

1656 في الحديث: أن النبي ﷺ صلى بمنى ركعتين وهم آمنون، وفيه دليل على أن القصر لا يشترط له الخوف مع السفر، بل يكفي السفر وحده، أما قول الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً [النِّسَاء: 101] فاشترط شرطين للقصر:

الشرط الأول: السفر كما قال تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ.

الشرط الثاني: الخوف، وهذا وصف أغلبي أو أنه منسوخ، وقد جاء في الحديث الصحيح: أن رجلاً سأل عمر قال: ما بالنا نقصر الصلاة ونحن آمنون، وقد قال الله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقال عمر: سألت عنها الرسول ﷺ فقال: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ [(153)] فالآية فيها اشتراط الخوف، والسنة جاءت في عدم اشتراطه، فللمسافر أن يقصر الصلاة ركعتين سواءً كان خائفًا أو آمنًا، فالخوف جاء في الكتاب العزيز، والأمن جاء في السنة؛ حيث إنهم قصروا مع النبي ﷺ، وهم آمنون غير خائفين.

المتن:

1657 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ.

الشرح:

1657 قوله: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ » ، هو عبدالله بن مسعود ؛ لأن عبدالرحمن بن يزيد من أصحابه، وكل واحد يُعَرف بأصحابه، فيقول عبدالله بن مسعود : «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ  رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ» ، يعني: في خلافة عثمان، ثم قال ابن مسعود: «فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» ، يعني: أراد أن عثمان أتم الصلاة متأولاً. وفي اللفظ الآخر في الصحيح: أن ابن مسعود لما أتم عثمان الصلاة استرجع، وعند أبي داود: فقيل له: عبتَ على عثمان ثم صليت أربعًا، قال: الخلاف شر؛ فهذا يدل على أن الصحابة يراعون مسألة الخلاف والفرقة، ويرون ترك رأيهم لولاة الأمور ما دامت المسألة لم تصل إلى حد المعاصي؛ فعبدالله بن مسعود ترك رأيه لرأي عثمان وهو يرى أن الصواب معه، لكن صلى خلفه أربع ركعات.

وكذلك أيضا أبو موسى الأشعري كان يفتي بالتمتع، فقيل له: إن أمير المؤمنين يفتي بغير فتياك يفتي بالإفراد، فقال: رويدكم اتّئدوا مَن أفتيناه فتيا فليتئد ولينتظر، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم، فأْتموا به؛ كل هذا مراعاة لولاة الأمور، وعدم مخالفتهم ما دام الأمر فيه سعة؛ حتى لا يحصل الشر والخلاف؛ فالخلاف شر والاتفاق فيه اجتماع القلوب وتآلفها، والخلاف يؤدي إلى تنافر القلوب واختلافها والشحناء والبغضاء والعداوة، ثم يؤدي بعد ذلك إلى السباب والشتام، ثم يؤدي إلى القتال.

ولهذا فإن الإمام أحمد رحمه الله كان لا يرى القنوت في صلاة الفجر[(154)]، وكان الشافعية[(155)] يرون القنوت، وكان إذا صلى خلف من يقنت رفع يديه وأمّن، ويقول: «الخلاف شر» ، فلا يخالف رحمه الله، وإن كان لا يرى ذلك.

وأيضًا إذا صليت خلف من يقرأ الختمة في شهر رمضان، فهذه مسألة خلافية، فمن أهل العلم من يرى شرعية الختمة، ومنهم من يرى أنها غير مشروعة، ذكرهما ابن المنذر، فالإمام إذا اختار أحد القولين وصار يدعو وأنت ترى أن الختمة غير مشروعة فعليك أن توافقه، ولا تخالفه؛ لأن الخلاف شر.

تجد بعض الشباب ـ هداهم الله ـ ليس عندهم من العلم شيء، تجدهم في رمضان يخالفون المصلين ويجلسون في المسجد الحرام ومعهم أكواب يشربون فيها القهوة والشاي والناس يصلون التراويح، وإذا قلت لأحدهم: لماذا لا تصلي مع الناس؟ فيقول: هم يزيدون على إحدى عشرة ركعة، فأنا أصلي عشر ركعات فقط معهم، ثم إني أصلي الوتر آخر الليل، أو لا يصلي مع الناس صلاة التراويح مطلقًا؛ متمسكًا بأنهم يزيدون على إحدى عشرة ركعة، ويقول هذه بدعة، فإن فلانا قال: إنها بدعة.

وإذا حضر دعاء ختم القرآن في صلاة الوتر من صلاة التراويح فيخالف الناس أيضًا ولا يصلي معهم، ويجلس ولا يصلي والناس يصلون ويُؤَمِّنُونَ!! فإذا قلت له: لماذا لا تصلي معهم؟ قال: الختمة بدعة.

فهذا كله من الجهل، ومن ضعف الإيمان والبصيرة، فهل هؤلاء الشباب أعلم من ابن مسعود والصحابة الذين صلوا خلف عثمان ، ويرى أنها من المصائب، ومع ذلك صلى خلفه ولم يصل وحده، فلما قيل له: كيف تصلي خلفه وأنت تسترجع وتقول: «فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» قال: «الخلاف شر» .

فالواجب على المسلم أن يوافق الإمام في الصلاة، فإذا صلى التراويح عشرين ركعة صل عشرين، وإذا صلى أربعين صل أربعين، وإذا ختم يدعو ويؤمن، ولا يخالف؛ لأن الخلاف شر، أما إذا صلى وحده فليفعل ما يعتقده صوابًا، ولا يجعل المسلمين يتفرقون شيعًا وأحزابًا، فهذه مسألة يجب الانتباه لها.

المتن:

باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ

1658 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَالِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ.

الشرح:

1658 قوله: «أُمِّ الْفَضْلِ» ، هي: لبابة بنت الحارث، وهي: أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي ﷺ، وهي أم الفضل بن عباس، وأم عبد الله بن عباس، وزوجة العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ.

قوله: «شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ» ، هل هو صائم أم مفطر؟ فأرسلت لبابة بقدح فشربه والناس ينظرون؛ فعرفوا أنه مفطر، فدل على أن السنة للحاج ألا يصوم يوم عرفة، وأن من السنة أن يبقى مفطرًا.

وجاء في الحديث أن رسول الله ﷺ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة[(156)] وهو مكروه عند جمهور العلماء، وبعضهم قال: إنه محرم؛ وذلك لأن الحاج ينبغي أن يكون نشيطًا وقويًّا يوم عرفة، حتى يكون ذلك أعون له على الذكر والدعاء؛ لأن الصوم يضعف الحاج لما فيه من المشقة، أما غير الحاج فإنه يستحب في حقه ويتأكد صوم يوم عرفة.

وجاء في الحديث: صوم يوم عرفة أحتسبه على الله أن يكفر ذنوب سنتين [(157)] وذلك لغير الحاج؛ أما الحاج فإن السنة في حقه أن يفطر يوم عرفة، حتى وإن لم يجد هديًا وله أن يصوم بعد ذلك في أيام التشريق الثلاثة.

المتن:

باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ

1659 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.

الشرح:

1659 في الحديث: أن الحاج إذا دفع من منى إلى عرفة فله الخيار إن شاء لبى، وإن شاء كبر؛ ولهذا لما سئل أنس: «كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» أي: يوم عرفة؟ قال: «كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ» ، يعني: يلبي، «وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ» ، يعني: أن النبي ﷺ كان يسمعهم فلا ينكر على أي من الفريقين، فالأمر موسع، لكن التلبية أخص بالحاج المحرم، وهي التي لزمها رسول الله ﷺ، فهي أفضل، لكن من كبر وسبح وهلل أو تلا شيئًا من القرآن فلا حرج.

المتن:

باب التَّهْجِيرِ بالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ

1660 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لاَ يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: صَدَقَ.

الشرح:

قول المؤلف رحمه الله: «بَابُ التَّهْجِيرِبالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ» . يعني بالتهجير: التبكير، والمراد التبكير بالصلاة، يعني: إن كان نازلاً بنمرة، فإنه يبكر في أول الوقت من حين زوال الشمس، فيخطب الإمام أو نائبه الناس، ثم يصلي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا.

1660 ذكر البخاري رحمه الله حديث سالم، قال: «كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لاَ يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ» ، كان عبد الملك بن مروان هو الخليفة، وكان الحجاج بن يوسف أمير العراق، فأمَّره عبد الملك بن مروان على الحج، فكان أمير الناس في الحج يصلي بهم، فكتب الخليفة عبد الملك بن مروان إلى الحجاج ألا يخالف ابن عمر، وأن يقتدي به؛ لأن ابن عمر كان أفقه أهل زمانه في ذلك الوقت، وهذا من حسنات عبد الملك بن مروان. كما أن من أقبح سيئات عبد الملك بن مروان قتل ابن الزبير بالحرم بواسطة الحجاج بن يوسف؛ لأن عبد الملك كان يجهز الجيوش بواسطة الحجاج إلى مكة حتى رمى الكعبة بالمنجنيق، وقتل ابن الزبير عام ثلاث وسبعين، فاستتب الأمر لعبد الملك بن مروان.

قوله: «فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ» ، يعني: أول وقت الظهر

قوله: «فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ» أي: عند خيمته، «فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ» ، أي: إزار من قماش، أو منشفة مثلاً، معصفرة: أي مصبوغة بالعِصفر، فإذا قيل: إنه من نوع الطيب، وهو لا يجوز للمحرم، فكيف سكت عنه ابن عمر؟ قيل: يحتمل أن ابن عمر نصحه وأنه لم يقبل؛ لأنه معروف بهذا، أو أنه لا يراه طيبًا.

قوله: «فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ» ، أي: الرواح إلى عرفة، مراعاة للسنة؛ فقال الحجاج: «هذه الساعة؟ قال: نعم، قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج» يعني: انتظرني وأمهلني حتى أفيض على رأسي، كأنه يريد أن يغتسل، احتج به بعضهم على مشروعية الغسل ليوم عرفة؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما ما أنكر عليه، لكن قد يكون الحَجاج لا يأخذ برأيه في مثل هذا، والمقصود أنه أنظره، أي: انتظره، «فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ» ، نزل من على دابته حتى اغتسل الحجاج، ثم خرج، فقال سالم: «فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي» أي: وهم ذاهبون إلى عرفة، سار سالم وأبوه عبدالله بن عمر وبينهما الحجاج إلى مكة، فقال سالم للحجاج: «إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ» ، يعني: قَصّر الخطبة؛ لأن الخطيب البليغ هو الذي يجمع مهمات الأمور، يجمع المعاني الكثيرة في ألفاظ قصيرة فيما يتعلق بالعقيدة وبالمناسك، وتكون خطبة قصيرة حتى يتسع الوقوف للناس، ويكون الوقوف طويلاً، فأفتى الحجاج في حضرة أبيه، فيؤخذ منه جواز إفتاء المفضول بحضرة الفاضل، ولا سيما إذا خشي فوات الفرصة في التنبيه على مسألة غفل عنها الفاضل، وإن كان الأولى التأدب بحضرة الفاضل، هذا إذا لم يترتب عليه مفسدة فيما يتعلق بالعقيدة وغيرها.

قوله: «فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: صَدَقَ» . وَنَظَرُ الحجاج لعبدالله استفهام، فلما رأى عبدالله أن الحجاج ينظر إليه، قال: «صَدَقَ» سالم، يعني: إن من السنة تقصير الخطبة وعدم إطالتها، وتعجيل الوقوف.

فيؤخذ منه أن السنة أن يبدأ الوقوف بعرفة من بعد زوال الشمس، وهذا هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء؛ وأما الحنابلة فيرون أن الوقوف يبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر[(158)]، واستدلوا بحديث عروة بن المضرس أنه جاء إلى النبي ﷺ في صلاة الفجر يوم العيد فقال: يا رسول الله أتعبت نفسي وأكللت راحلتي فوالله ما من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال النبي ﷺ: من صلى صلاتنا هذه ، يعني فجر يوم العيد بالمزدلفة وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا ، فقد تم حجه [(159)] فالحنابلة[(160)] أخذوا بقوله: «ليلاً أو نهارًا» قالوا: يبدأ الوقوف من طلوع الفجر؛ لأن الفجر هو أول النهار.

وأجاب الجمهور على هذا فقالوا: فِعْلُ النبي ﷺ بَيَّنَ قوله: نهارًا وأنه يبدأ من الزوال.

وتظهر فائدة الخلاف في لو أن شخصًا جاء ووقف الضحى في عرفة ثم خرج ولم يعد هل يصح حجه؟

فالجواب: عند الحنابلة يصح حجه، وعند الجمهور لا يصح حجه، والأحوط للمسلم في هذه العبادة العظيمة ألا يقف إلا بعد الزوال.

المتن:

باب الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ بِعَرَفَةَ

1661 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ.

الشرح:

1661 قوله: «أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ» هي: لبابة بنت الحارث، أم الفضل وعبد الله ابني عباس، أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي ﷺ.

وفي الحديث: أن الناس اختلفوا، فقال بعضهم: إن النبي ﷺ صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم؛ فأرسلت إليه بقدح لبن فرفع وشرب والناس ينظرون، فعلموا أنه مفطر، وأن السنة الفطر في هذا اليوم للحاج.

قولها: «فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ» . هذا هو الشاهد للترجمة.

واختلف العلماء أيهما أفضل: الوقوف على المركوب أو الأرض؟

القول الأول: ذهب الجمهور إلى أن الأفضل الركوب؛ لأن النبي ﷺ وقف راكبًا على ناقته، رافعًا يديه حتى إنه لما سقط الزمام أخذه بإحدى يديه وبقيت الأخرى مرفوعة.

القول الثاني: أن الجلوس على الأرض أفضل.

والأقرب في هذا ـ والله أعلم ـ أنه يختلف باختلاف أحوال الناس، فينظر الإنسان الأنفع له والأصلح، والأقرب في هذا ـ والله أعلم ـ كونه يجلس على الأرض؛ لأن هذا هو الأولى في هذا الزمان؛ فالسيارات الآن كثيرة، فلو قلنا: إن السنة أن يقف الناس على سياراتهم؛ لصار في هذا مشقة؛ وسواء كان راكبًا أو جالسًا، يستقبل القبلة، ويدعو، أما النبي ﷺ فقد وقف على دابته كما في هذا الحديث، وشرب اللبن وهو على راحلته.

المتن:

باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِعَرَفَةَ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مَعَ الإِْمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.

1662 وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرنِي سَالِمٌ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ سُنَّتَهُ.

الشرح:

هذه الترجمة فيها: مشروعية الجمع بين الصلاتين بعرفة، والسنة للحاج أن يجمع بينهما كما فعل النبي ﷺ سواء كان مسافرًا أو من أهل مكة؛ لأن الحُجَّاجَ كلهم يجمعون خلف النبي ﷺ ويقصرون؛ ولهذا كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا فاتته الصلاة مع الإمام يجمع بينهما، ولو في عرفة سواء صلى مع الإمام أو في خيمته.

1662 قوله: «أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما» . سبق التعرض لهذا الحديث، والحجاج بن يوسف نزل بابن الزبير عام ثلاث وسبعين للهجرة، وقتله في هذا العام، واستتب الأمر لعبد الملك بن مروان، وأمَّر عبدالملك بن مروان الحجاج بن يوسف على الحج، وكتب إليه أن يقتدي بابن عمر، ولا يخالفه، فسأل الحجاج عبدالله: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ» . والتهجير: هو التبكير، يعني: بكر بالصلاة ولا تتأخر، وحين الزوال تخطب وتصلي بالناس.

قوله: «فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ» يعني: أن سالمًا ابنه صدق فيما قاله، «إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ» ، يعني: الصحابة، «أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ سُنَّتَهُ» .

وفي هذا الحديث: أن أمير الحج هو الحجاج، وهو الذي يخطب بهم في عرفة، ويصلي بهم، فالحجاج عالم لكن عنده فسوق، وصلى خلفه الصحابة كعبدالله بن عمر وغيره؛ فدل على جواز الصلاة خلف الفاسق وصحتها؛ لأنه مسلم، وهذا هو الصواب؛ لكن الصلاة خلف العدل أولى، فإن لم يوجد في البلد غير هذا الفاسق فيصلي خلفه ولا يصلي وحده.

واختلف العلماء في صحة الصلاة خلف الفاسق على قولين:

القول الأول: أنها لا تصح وتعاد؛ لأن الإنكار واجب فإن الصلاة خلفه إقرار له.

القول الثاني: أنها تصح.

والصواب: أنها تصح؛ لما ثبت في «صحيح البخاري» أيضًا في موضع آخر عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: يُصَلُّونَ لَكُمْ يعني: أئمتكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم [(161)] ولما ثبت في الآثار عن الصحابة مثل: ابن عمر وأنس وغيرهم، أنهم كانوا يصلون خلف الحجاج وكان فاسقًا ظالمًا، وصلوا خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط أمير الكوفة، وكان فاسقًا يشرب الخمر، وكان الوليد بن عقبة قد صلى بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبدالله بن مسعود: ما زلنا معك فى زيادة منذ اليوم.

وكذلك الثوار الذين حاصروا بيت أمير المؤمنين عثمان بن عفان لما حانت الصلاة جاء أحد الثوار وصلى، وسئل عثمان فقال: صلِّ معهم.

فهذا وغيره دليل على أن الصحابة كانوا يرون صحة الصلاة خلف الفاسق، لكن هذا في حالة إذا لم يوجد غيره، أو كان يترتب على ترك الصلاة خلفه فتنة، فالسُّنَّة في هذا الحال هي الصلاة خلفه، ومن صلى وحده فهو مبتدع عند أهل السنة.

المتن:

باب قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ

1663 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ أَوْ زَالَتْ فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الرَّوَاحَ، فَقَالَ: الآْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَيَّ مَاءً فَنَزَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما حَتَّى خَرَجَ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ، فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ.

الشرح:

1663 يكرر المؤلف رحمه الله الحديث ليستنبط منه أحكامًا جديدة، فقد كرر الحديث ثلاث مرات بروايات فيها اختلاف؛ واستنبط منها ثلاثة أحكام؛ التبكير إلى عرفة، والجمع بين الصلاتين، وهنا ترجم «بَابُ قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ» ، واستدل به المؤلف على أن السنة للإمام أو نائبه أن يخطب يوم عرفة، وتكون خطبته قصيرة، وهو قصر نسبي بأن يجمع مهمات الأمور في أمر العقيدة، وأمر الحج، وأمر المسلمين؛ لأنه مجمع عظيم ينبغي لمن يخطب أن يستغله، فالخطيب البليغ هو الذي يجمع مهمات الأمور في ألفاظ قليلة تحتها معان كثيرة، وأما الخطيب غير البليغ فهو الذي يكون عنده ثرثرة، ويكون كلامه كثيرًا ومعانيه قليلة، فيُطَوّل الخطبة، ويُتعب الناس بغير حصول فائدة تذكر، وقد كانت خُطب النبي ﷺ معدودة وقصيرة، وخطب الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله قصيرة وفي كلمات قليلة معدودة تحتها معانٍ غزيرة، حتى لا ينسي الكلام بعضه بعضًا، وهذه هي السنة، ثم يصلي، ثم يقف.

قوله: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ» أي: بمجرد ما زاغت الشمس أو زالت «فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا؟» يعني: رفع صوته عند خيمة الحجاج يعلمه بوقت الرواح لعرفة؛ فالحجاج هنا تابع لابن عمر بأمر من الخليفة.

قوله: «فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الرَّوَاحَ» أي: الذهاب إلى الصلاة، كأنه نزل بنمرة.

قوله: «فَقَالَ: الآْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَيَّ مَاءً فَنَزَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما» أي: عن دابته، حتى اغتسل الحجاج، قال سالم: «فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي» ، أي: سار الحجاج بين سالم وبين أبيه، «فَقُلْتُ» ، والقائل سالم، يخاطب الحجاج: «إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ» ، أي: اجمع المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، ولا تُطل، وعجل الوقوف حتى يقف الناس مبكرين بعرفة

قوله: «فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ» ، صدّق ابن عمر ابنه سالمًا في هذا؛ فدل هذا على أن السنة للخطيب أو للإمام أو نائبه أن تكون الخطبة قصيرة حتى يعجل الوقوف.

المتن:

باب التَّعْجِيلِ إِلَى الْمَوْقِفِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

1664 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌوحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ مِنْ الْحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا.

1665 حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ وَكَانَتْ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان وجوب «الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ» دون غيره، وأنه ليس هناك وقوف بالمزدلفة، وأن ما كانت تفعله قريش في الجاهلية من كونهم يقفون بالمزدلفة ويقولون نحن أهل الحرم فلا نجاوز الحرم باطل؛ ولهذا لما جاء الإسلام أمروا بأن يقفوا مع الناس بعرفة.

1664 قوله: «أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ» . وهذا قبل الإسلام؛ لأن النبي ﷺ حج مرات قبل الهجرة، لكن ما حج إلا حجة واحدة بعد الهجرة، كان يعرض نفسه ﷺ على القبائل في المواسم بعد البعثة، يقول: من يأويني حتى أبلغ رسالة ربي [(162)] وكذلك قبل البعثة، فكان النبي ﷺ يقف بعرفة مع الناس وهو من قريش، فلما رأى جبير بن مطعم النبي ﷺ واقفًا بعرفة استنكر، فقال: «هَذَا وَاللَّهِ مِنْ الْحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا» أي: من قريش، ففي الحديث أن النبي ﷺ كان يقف بعرفة، ثم يذهب، ويقف مع قومه بالمزدلفة يدفع معهم، فكان لا يوافقهم ﷺ على ما غيّروا من دين إبراهيم ؛ ولهذا استنكر جبير بن مطعم وقال مقالته هذه.

قوله: «وَكَانَتْ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ» ، أي: يحتسبون الأجر، فإذا جاء أحد من خارج مكة يعطونه ثوبًا يطوف فيه ويحتسبون الأجر؛ فإذا قدم أحد من خارج مكة يقول: لا نطوف بثيابنا التي عصينا الله فيها، فيخلعونها، فكان الرجال يعطون الرجال، والنساء تعطي النساء، فإن وجدوا من يعطيهم ثوبًا من أهل مكة طافوا به، وإن لم يجدوا طافوا عراةً، حتى إن المرأة لتطوف بالبيت وهي عارية، وتضع يدها على فرجها، وتقول عن فرجها وهي تطوف بالبيت:

الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ

تقول المرأة هذا الكلام وهي تخرج عورتها للناس، وهذا من جهلهم، وهذه من المساوئ التي كان عليها أهل الجاهلية، ينزعون ثيابهم ويطوفون عراة؛ ولهذا قال: «وَكَانَتْ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا» .

1665 قوله: «كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ» .

الحُمْسُ: هم قريش ومن دان بدينها، وكذلك مَنْ أُمّه قرشية من غير قريش، يعني: من أبوه من قريش فهو أحمسي، حتى ولو كانت أمه من غير قريش، وكذلك من أمه من قريش سواء كان أبوه ثقفيًّا أو خزاعيًّا أو غيرهم، سموا حمسًا؛ لتحمسهم وتشددهم في دينهم.

قوله: «وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ» ، أي: كانوا لا يتجاوزون المزدلفة يقفون فيها، وكان الناس يقفون بعرفة.

قوله: «وَأَخْبَرَنِي أَبِي» ، القائل هو هشام بن عروة.

قوله: «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البَقَرَة: 199]» يعني: أفيضوا من عرفة مع الناس واتركوا الإفاضة من مزدلفة.

قوله: «كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ» يعني: قريش تفيض من مزدلفة، «فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ» يعني: بعد الإسلام.

المتن:

باب السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ

1666 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ وَكَذَلِكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ ُمَنَاصٌ لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان كيفية السير إذا دفع من عرفة.

1666 بيَّن أسامة كيف كان يسير النبي ﷺ في حجة الوداع حين دفع، فقال: «كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» ، والعنَق: انبساط السير، والنص: سير أسرع منه.

والمعنى: أنه كان يسير سيرًا منبسطًا، فإذا وجد متسعًا أرخى الزمام لناقته حتى تسير.

وفيه: أنه ينبغي للحجاج إذا دفعوا من عرفة أن يلتزموا الهدوء والسكينة، وألا يؤذي بعضهم بعضًا؛ ولهذا كان النبي ﷺ يشير بسوطه ويقول: أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ [(163)] أي: ليس بالإسراع، فكان يشد الزمام، فإذا وجد متسعًا أرخى لناقته الزمام.

قوله: «قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ» والنص: هو نوع من السير، وهو أسرع من العنق.

قوله: «فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ وَكَذَلِكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ» عادة البخاري رحمه الله أنه يفسر الكلمة، ويفسر ما حولها أيضًا، ففسر « وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص: 3] أي: حين فرار، أي: هرب، وإنما ذكر هذا لقوله: «نص» ولا تعلق به؛ لكن ليبين أن مادة نص غير مادة ناص؛ فالمناص مصدر من قوله: ناص ينوص بخلاف النص.

المتن:

باب النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ

1667 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي؟ فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ.

الشرح:

في هذا الباب بيان أن النزول بين عرفة وجَمْع ـ أي: المزدلفة ـ ليس من المناسك، ولكنه أمر مباح، فإذا احتاج الإنسان أن ينزل لقضاء حاجته فلا بأس.

1667 في الحديث: أن النبي ﷺ لما أفاض من عرفة مال إلى الشعب بين عرفة ومزدلفة، فقضى حاجته، يعني: البول، فتوضأ، فقال: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ، يعني: في المزدلفة، فإذا نزل فلا حرج، وهذا ليس من المناسك، ولكنه أمر مباح حسب الحاجة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد